تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

رحيل آمال العريس عن ثلاثة وثمانين عاماً

أعطت جسدها للتمثيل وصوتها للغناء

نديم جرجورة

يرحلون بهدوء، بعدما عاشوا حياتهم بصخب إبداعي متلائم والمرحلة الذهبية في تاريخ الفن التمثيلي اللبناني. يرحلون بصمت، بعدما انسحبوا من المشهد الذي ضاق على الكبار في زمن الانهيارات المتفرّقة، إما لأنهم لم يعثروا في هذا المفترق عمّا يُشبع حيويتهم والتزامهم المعنى الأسمى للفن، وإما لوقوعهم في أسر المرض والعجز الجسدي والشيخوخة المعلّقة في فراغ البلد ومتاهاته القاتلة. يرحلون خفية، بعد أن ملأوا الشاشة الصغيرة وخشبة المسرح بحضورهم المختلف، يوم كانت الشاشة الصغيرة معبراً إلى نجومية شعبية حقيقية ومخزناً لإبداع شفّاف، ويوم كان المسرح مسكوناً بهوس التمثيل وجنون الحياة وجمالها.

قبل يومين اثنين، توفيت الفنانة آمال العريس، واسمها الحقيقي آماليا عوض ابنة الصحافي جورج عوض وأرملة أحد أبرز صانعي السينما في لبنان المخرج علي العريس (أدّت دوراً أساسياً في فيلمه «كوكب أميرة الصحراء» في العام 1946)، وذلك عن ثلاثة وثمانين عاماً. في بداياتها الفنية، غنّت كثيراً قبل أن تعتلي خشبات المسارح وتقف أمام كاميرا تلفزيون لبنان منذ تأسيسه، مشاركة في أعمال درامية عديدة: «في الرابعة عشرة من عمري، اعتليت خشبة المسرح، قبل الانضمام إلى فرقة علي العريس.

كان اسمي آماليا، استبدلته بآمال. وجدت الاسم الجديد ألطف وأخفّ وقعاً على السمع»، كما قالت في حوار أجراه الزميل محمد سويد معها ونشرته «السفير» في الثاني من نيسان 1990.

[[[

غير أن مفارقة تلك المرحلة السابقة للاستقلال اللبناني، التي شهدت حركة ناشطة في التأسيس لفن لبناني عربي نابع من أعماق البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية المحلية، تمثّلت بالنظرة التقليدية الصارمة ضد المرأة عامةً، وضد اشتغال المرأة في الحقل العام، فكيف إذا اختارت إحداهنّ الفن أداة تعبير ومهنة عيش: «في الماضي، لم يكن مقبولاً أن تعمل فتاة في الفن. في نظر الناس، الفنانة راقصة لا غير، وأنا الصغيرة حينئذ هالني أن أنتسب إلى فرقة من محترفي الرقص والغناء والتمثيل. راودتني مراراً الرغبة في ترك الفرقة، ولولا علي العريس وزواجه بي لما بقيت». في حين أن عملها في الفرقة دام ثلاثة أعوام فقط، هي الأعوام الأخيرة من عمر هذه الفرقة، إذ أثقل التحوّل السياسي على المشهد، عندما شارك علي العريس باحتفالات الاستقلال، فإذا بالفرنسيين يتخلّون عن مساعدته، ما أدّى إلى تراكم الديون والانشقاقات العائلية بينه وبين زوجته الأولى ناديا. وهي، أي آمال العريس، لم تتوقّف عن سرد ذكرياتها في الحوار المذكور أعلاه، مستفيضة في الكلام على علي، الذي لعب دوراً كبيراً في إطلاقها الفني، إذ شاركت في عدد من المسرحيات الخاصّة به، كـ«أهل الفن في جهنم» و«الإحصاء» و«عرسان للبيع» و«هارون الرشيد» و«كليوباترة» وغيرها: «في وسط هذه الأجواء، تعرّفت آمال على فتنة الفن»، كما كتب سويد، مشيراً إلى أنها «أعطت جسدها للتمثيل وصوتها للغناء»، ومضيفاً أن زوجها لم يمنعها من العثور على فرص أخرى خارج فرقته، ما أدّى بها إلى العمل في «فرقة بيروت» التي أسّسها رشاد العريس، علماً أنها مثّلت في «جبال لبنان»، التي عرفت نجاحاً كبيراً، والتي شكّلت، بالنسبة إليها، فرصة التعرّف إلى محمد شامل.

مع شامل، حقّقت آمال العريس نجاحاً باهراً بفضل مسرحية «يا مدير»، التي تحوّلت إلى عمل إذاعي قُدّم مباشرة على الهواء في العام 1961 مع افتتاح القناة السابعة في «تلفزيون لبنان». وفي هذه المسرحية، التقت شوشو (إذ أدّت فيها دور أمّه) وعبد الرحمن مرعي. غير أنها ارتبطت بعلاقة عمل مع شامل، وقدّمت أعمالاً إذاعية وتلفزيونية متفرّقة، وأجادت في تقديم شخصية الأم التي لم تفارقها إلاّ لماماً. ومع شوشو، مثّلت في «وراء البرافان» و«آخ يا بلدنا»، وعملت إلى جانب أنطوان كرباج في «بربر آغا».

[[[

قدرها أنها شاركت في التأسيس لفن التمثيل المسرحي والتلفزيوني في لبنان، لأنها واكبت كباراً في هذا المجال، يوم كان الكبار منصرفين إلى العمل الجدّي بحماسة المبدعين وشغف الباحثين عن المتع الحقيقية النابعة من الذات والحساسية والانفعال. قدرها أنها رافقت أناساً وسموا العمل الفني المتنوّع بعفويتهم الجميلة، التي جعلتهم يناضلون من أجل الإبداع، بعيداً عن منطق النجومية المفبركة أمام أضواء الفضائيات والأغنيات المسطّحة والعلاقات العامة، وبعيداً عن لغة «المال والأعمال والإعلام»، عندما لم يتلوّث الفن بهذه الثلاثية القاتلة. فآمال العريس، التي اشتغلت مع كثيرين تشابهوا في ما بينهم على مستوى التضحية الحقّة من أجل الفن، أمثال نادية حمدي وفريال كريم وشفيق حسن وآخرين، أدركت أن التحوّل الذي أصاب العمل الفني في أعوام السلم الأهلي المنقوص والهشّ، لن يتيح لها ولأمثالها ممن بقي حيّا فرصة الاشتغال «بالطريقة القديمة» (أي الطريقة الأجمل والأهمّ والأكثر إبداعاً وصدقاً وتفانياً حقيقياً)، مع أن الحرب اللبنانية، التي نهشت البلد وناسه، لم تحل دون إقدامها وزملاءها وأصدقاءها وصديقاتها من الفنانين والفنانات على تقديم أجمل العناوين الراسخة في ذاكرة تتقلّص شيئاً فشيئاً، لأن التأريخ منعدم، وسياسة حماية التراث الفني الإبداعي غائبة.

ربما لهذه الأسباب كلّها، انسحبت آمال العريس من المشهد الفني، قبل أعوام من إصابتها بمرض أخذها إلى الغياب.

السفير اللبنانية في

13/07/2009

 

/كتاب عن الشاشة/

«60 دقيقة... معهم» لريميال نعمة شهادة متواضعة عن واقع مهنيّ متأزّم

نديم جرجورة 

لم تشأ الزميلة ريميال نعمة أن تُحاصر مهنتها في إطار إعلامي واحد. أطلّت على الشاشة الصغيرة بعدما اختبرت العمل الإذاعي، المستمرّة فيه لغاية الآن. ومعهما، اشتغلت في الصحافة المكتوبة، محاولة تطوير أسلوبها المهنيّ بالاستفادة من أدوات العمل في هذه المجالات الثلاثة. ولعلّ كتابها الجديد «60 دقيقة... معهم» («الدار العربية للعلوم ناشرون»، بيروت، الطبعة الأولى، 2009) دليل حسّي على المدى الذي بَلَغه تطويعها التجارب المتفرّقة، لحساب مهنة وجدت فيها عالمها الخاصّ. وعلى الرغم من أن الكتاب تضمّن حوارات مع نجوم تلفزيونيين أجرتها نعمة لحساب الصحافة المكتوبة (دليل النهار)، إلاّ أن أسلوبها بدا انعكاساً لخبرة مستمدّة من القواعد الأساسية لمهنة الصحافة، وتحديداً لـ«فن الحوار». ومع أنها استهلت المقدّمة بالقول إن كتابها «ليس محاولة أكاديمية للتلقين والتعلـيم» (ص 9)، لكنها لم تلتــزم قرارها هذا، لأنها أطالت في تحديدها أصول الحوار والعمل الصحافي من جوانبهما كافة، كأنها تــحرّر مادة تعليمية لمن لا يُتقن المهنة. بهذا المعنى، يُمكن تبرير المضمون التحليلي لأصول المهنة وفن الحوار في المقدّمة، التي أفردت حيّزاً صغيراً فيها للتأكيد على الأهمية الفنية والمهنية للصورة في الصحافة المكتوبة (صُوَر النجوم التلفزيونيين في الكتاب بعدسة الزميل وائل اللادقي).

ثلاثون شخصية تلفزيونية لمعت في الفضائيات اللبنانية والعربية في الأعوام الفائتة، اختارتها ريميال نعمة لحوارات لامست بعض المخفيّ فيها، وحرّكت شيئاً من المبطّن في سلوك حياتي أو أسلوب مهنيّ. شخصيات أثبتت حضوراً إعلامياً لافتاً للانتباه (من دون التغاضي عن الجانبين السلبي والإيجابي في هذا الحضور)، واستقطبت شعبية متفاوتة الأعداد والمستويات، وباتت فاعلةً في المشهد التلفزيوني، باشتغالها في مجالات السياسة والفنون والمنوّعات والبرامج الحوارية، باستثناء رسّام الكاريكــاتور الأشــهر في لبـنان والعالم العربي بيار صادق، الذي عرف نجومية تلفزيونية مهمّة بفضل رسومـاته الكاريـكاتورية المبثوثة على شاشتي «المؤسّسة اللــبنانية للإرسال» أولاً و«تلفزيون المستقبل» لاحقاً (من دون التخلّي عن موقعه في «النـهار»). ذلك أن العلاقة الــناشئة بين هؤلاء النجــوم التلفزيونــيين ومشــاهديهم بلغت مرتبة رفيعة المستوى، من دون أن تتحــوّل إلى مؤثِّر ومتأثّر، لأن الصحافة والإعـلام المرئي لم يعـودا «ســلطة رابعة»، بالمعنى الحقــيقي للتعـبير المعروف، على الرغم من أن مــشاهدين كثيرين ينتظـرون هذا البرنامج أو تلك الفترة، لمشاهدة نجمهم المفضّل ومتابعة حلقاته. في هذا الإطار، قال سلـطان سلــيمان إن الإعلام في لبــنان اليوم «إعلام حزبي»، وليس «سلطة أولى ولا حتى عاشرة»، مضيفاً إنها «تفنيصة» أطلقها بعض السياسيين (ص. 43)؛ في حين أن غادة عيد أشارت إلى وجود فساد في الإعلام: «هناك ابتزاز وهدر حقوق. الإعلام ليس بخير»، مضيفة أن الإعلام «مســيَّس ونفعي»، وأنه كان عليه «في مرحلة مهمة في لبنان أن يلعب دوراً كبيراً، لكنه لم يفعل»، ومعتبرةً أن عــلى الإعلام أن يكون سلطة أولى عندما تكون السلطـات الثلاث في أي بلد ضعيفة، وهذا ما لم يحصل في لبنان (ص. 153/ 154). والشخصيات، المنتقلة إلى «كرسيّ الاعتراف» الذي برعوا في استدراج أناس كثــيرين إليه قبل أن يجلسوا هم عليه بطـلب من نعمة، حــافظوا، غالباً، على كلام ملطّف وتحايل محبّب في مسألة التعبير عن رأي متعلّق بزميل آخر (هناك وضــوح لدى البــعض في نقده الآخرين أحياناً قليلة)، مع أن «نقداً ذاتياً» مارسه نيشان ديرهاروثيونيان، مثلاً، على نفسه. والحوارات، إذ ذهبت أحياناً إلى الحميميّ انطلاقاً من قناعة بأن النجم مُطالَبٌ ببوح ما أمــام جمهوره بالتوازن مع العام (كيفية الاشتغال والمشاكل التي يواجهها والعلاقة بالمؤسّسة والموقع الثقافي والمهــني وغيرها من العناوين)، محتاجة إلى تحليل سوسيولوجي ونفسي وثقافي، لأنــها انعكاس واضح لجزء أساسي من العمل الصحافي/ الإعلامي اللبــناني، بأزماته المتـفرّقة، في بلد مصـاب بانهيـارات جمّة.

بعيداً عن مضامين الأجوبة كلّها، التي رسمت ملامح عدّة لشخصيات هؤلاء النجوم التلفزيونيين، يمكن القول إن أسلوب ريمــيال نعمة في إدارة الحوار ارتكز على متــابعة شبه دقيقة لسيرة النجم وحكاياته وعالمه المهني والحياتي، في حين إن آلية طرح الأسئلة اعتمدت على مكانة النجم وموقعه إزاء مسألة أو تفصيل أو حادثة، من دون التغاضي عن الجانب الشخصي البحت أيضاً. غير أن ملاحظات عدّة يُمكن سوقــها هنا، إذ بدت الحوارات غــير مُحـرَّرة بطريقة لائقة مهنــياً، وإن ارتــأت الزميلة نعمة ترك الأجوبة كما نطق بها أصجابها، بمزيج العامية والفصحى أحياناً، وبانفعال «عفوي» أحيانـاً أخرى. ثم إن نقــاطاً كثــيرة نُثرت بين الكلمات، «على الطريقة المصرية» في الكتابة الصحافية، ولم يكن هناك اهتمامٌ بالفواصل والنقاط بين الجمل.

غــالب الظنّ أن «60 دقيــقة... معــهم» لريميال نعمة يبـقى شهــادة متواضعة عن واقــع مهنيّ متأزّم، في بلد يعاني أقسى الحالات عنفاً وخراباً.

السفير اللبنانية في

10/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)