تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

في كتاب حول تجارب السينما للناقد أشويكة :

السينما المغربية تهمش الجسد والتاريخ والجغرافيا

حسن الأشرف

يأتي كتاب "أطروحات وتجارب حول السينما المغربية" الصادر حديثا لمؤلفه الناقد السينمائي المغربي محمد أشويكة محاولة منه لرمي الحجر في بركة النقد السينمائي لتفعيل أسئلته وعدم اجترار الأسئلة "التيماتيكية" المتداولة؛ باعتبار أن البحث والنقد السينمائي لا يتطوران إلا عبر المغامرة الفكرية والفنية، و"السينما مغامرة جمالية وفكرية كبرى"، على حد تعبير أشويكة.

وتوزعت مشاغل الفصل الأول من الكتاب، الذي يقع في حوالي 130 صفحة، عن منشورات دار التوحيدي بالرباط، على طرح إشكالات المتن في السينما المغربية، ومنها إشكالية المؤلف، وحضور الطفل، ونظرات حول مشكل الاعتقال في السينما المغربية، وعلاقتها المتنافرة بالأدب، ثم محور "تمظهرات الهامشي" في السينما المغربية، وهو المحور الأساسي الذي سنسلط الضوء عليه؛ إذ يعرض الناقد المغربي لمسألة تأثر السينما المغربية من حيث مواضيعها بما هو سائد ومهيمن في الثقافة المغربية بشكل عام، فلا تكاد تتجاوز حدود بعض المشاكل الاجتماعية العادية وتسقط في تناول العام والمتداول؛ مما يجعلها تنخرط عن وعي أو دون وعي في تكريسه، وتتجاهل المواضيع النادرة التي قد يقدم تناولها قيمة نوعية للسينما المغربية باعتبارها تدخل في المهمش أيضا.

دلالة التهميش

وحاول أشويكة تعريف المهمش كمفهوم بكونه يشير إلى التعقد والغنى من حيث الدلالة، الشيء الذي لا يمكن لمسه داخل المتن الفيلمي المغربي؛ فالمهمش دائما منكمش على ذاته، ولا يمكن أن يتقاسم هامشيته مع الآخرين، وبالتالي لا يتواصل بها ومن خلالها مع المغايرين له.

ويوضح أشويكة فكرته هذه أكثر بالقول: إن المهمش في السينما المغربية لا يرقى إلى مستوى الـ"وسيلة" التي يمكن أن تساهم في تطوير القضايا وتفيد الشخوص المهمشين داخل وخارج الفيلم، مشيرا إلى حجم التأثير الذي قام به الفيلم الفرنسي les indigenes في تطوير وتفعيل قضية قدماء المحاربين بالجيش الفرنسي زمن الحربين العالميتين.

وأكد الناقد المغربي على أن الهامشي -موضوعا أو ذاتا- في السينما المغربية مجرد أثاثات للفيلم فقط، متسائلا متى يمكن للسينمائيين المغاربة أن يقدموا سينما مغايرة تنطلق من "الهامش" مقارنة مع باقي السينمائيين العالميين؟

وقسم المؤلف المهمشين إلى نوعين رئيسيين:

أولا: المهمشون بطريقة لا إرادية مثل: المنحرفين، والشواذ، والمعاقين ذهنيا وجسديا، وكذلك المهمشون اجتماعيا كالفقراء والمتوسلين.. وهذه هي الفئات الطاغية والحاضرة بوفرة.

ثانيا: المهمشون بإرادتهم، أو ما يمكن تسميته بالتهميش الاختياري أو الواعي: وهم الفنانون والأدباء والفلاحون والمناضلون, وتظهر هامشيتهم من خلال مشاهد تبين التزام الشخص بقضية فنية أو فكرية أو اجتماعية, وغالبا ما تكون هذه اللقطات في أفلام ما اصطلح عليه في المغرب بـ"أفلام سنوات الرصاص" أي الأفلام التي تعالج فترة زمنية من تاريخ البلاد؛ حيث هيمنت الاعتقالات السياسية بحدة على المشهد السياسي والثقافي بالمغرب.

جغرافيا الجسد

وسرد المؤلف العديد من مظاهر الهامشي في السينما المغربية؛ والتي منها التهميش الجغرافي؛ فالإطار السينمائي المغربي لم يتجاوز الحدود الجغرافية لمدن الداخل، خصوصا الحزام الممتد من مدينة القنيطرة إلى الدار البيضاء بنسبة كبيرة جدا، فحق التساؤل الرئيسي: أين المغرب المتعدد جغرافيا؟ وأين الضواحي؟ وأين الفيافي؟ وأين الصحراء في المتن السينمائي المغربي؟

ويتجلى الهامشي في السينما المغربية أيضا في الجسد الذي يُؤطَّر بطريقة تكاد تجعل منه خادما للسرد الفيلمي أكثر مما هو مؤثر فيه؛ وذلك من خلال جعله فاعلا في الإثارة الفُرجوية، فالجسد داخل السينما المغربية لا يتم الاشتغال عليه بطريقة كلية باعتباره مولدا للأحاسيس والغرائز والاستيهامات والدوافع النفسية والروحية الباطنية؛ وذلك لارتباط الموضوع بمشكل الجنس كـ"تابو"، و"كلما تم تقديم الجنس أو العري في السينما طرح المشكل الأخلاقي ويتم تهميش البعد الفني والجمالي والنفسي في النقاش"، على حد تعبير أشويكة.

الهجرة والاعتقال

وتطرق الناقد المغربي إلى مظهر ثالث من مظاهر الهامشي في السينما المغربية، ويتجلى على مستوى التيمات والمواضيع؛ فهناك الكثير من المسكوت عنه سواء عن قصد أو عن غير قصد، بل حتى حينما يتم طرح بعض الجوانب المسكوت عنها ولو بشكل محتشم وخجول، غالبا ما يتم تناول الموضوع بشكل مهادن ومتردد وسطحي.

واستدل المؤلف في هذا السياق بمشكل الأقليات وسنوات الرصاص والدين واللغة (لهجات مغربية مثل الأمازيغية والحسانية بالصحراء) والسياسة والتعليم، فعندما يتم التطرق لهذه التيمات سينمائيا تغلب الأيديولوجيا أو التسطيح، ويتم تمييع النقاش ليتحول الموضوع الهامشي إلى مجرد موضة.

ومن أهم القضايا الاجتماعية التي تكشف عن فكرة التهميش في المعالجة موضوع الهجرة الذي تطرق إليه مخرجون عديدون في السينما المغربية باعتبار أن مآسي الهجرة أثارت استياء كبيرا سواء داخل البلدان المصدرة للهجرة أو دول الاستقبال، وأن بعض الأفلام ركزت على اندماج المهاجر والمشاكل المرتبطة بصدام منظومات ثقافية على المستوى الفكري والمعيشي، مضيفا أن هذه الأفلام التي عالجت مشاكل الهجرة تطرقت إلى محاور سوسيوثقافية وأمنية وسياسية ومحور يتعلق بالهوية.

ولم يفت المؤلف التطرق إلى موضوع الاعتقال في السينما المغربية؛ حيث خلص إلى كون الأفلام التي تناولت هذا الجانب تأثرت بوجهات نظر أصحابها ولم تستطع نقل المعاناة الحقيقية للمعذبين، والسبب يرجع إلى مشكل الرقابة الذاتية التي يمارسها السينمائي المغربي سواء كان كاتب سيناريو أو مخرجا، ثم الرقابة التي تمارسها المؤسسة في شخص لجان القراءة والمشاهدة.

وتمنى أشويكة أن تلعب السينما المغربية دورا أساسيا في الكشف عن المرحلة التي تمت فيها اعتقالات سياسية كثيرة من تاريخ المغرب؛ حتى لا تبقى الأجيال اللاحقة حبيسة ظلام فكري، وحتى يكون الكشف خطوة أولى نحو تحقيق انعطافة لبناء مغرب ديمقراطي يدمج الخصوصيات الثقافية والحضارية ويضمن الحريات لسكانه ويعد بعدم تكرار ما حدث وفقا لمنظومة قانونية ملائمة.

مهمش داخل المهمش

واسترسل المؤلف في إبراز ما يراه مواضيع مهمشة في السينما المغربية؛ حيث يعتبر أن السينما المغربية لا تهتم ببعض الظواهر التي لا تتلاءم والمعايير العامة التي تشكل الضمير الجمعي للمغاربة كالجماعات الثقافية والدينية والفنية، بمعنى أن هناك مهمشا داخل المهمش.

وضرب الكاتب مثالا بالفيلم السينمائي المغربي "ملائكة الشيطان" لمخرجه أحمد بولان الذي تناول مشكلة حرية الاختيار الفني والموسيقي عند بعض الشباب، فهاجم الكثيرون المخرج، وتم تلخيص القضية في الدعاية لعبدة الشيطان؛ وهو نفس الشيء الذي ووجه به بولان حين تناول ظاهرة "الهيبي" في فيلمه الطويل الأول "علي ربيعة والآخرون".

ولم يفت المؤلف الإشارة إلى جزء من تاريخ المغرب كموضوع مهمش أيضا في السينما المغربية من قبيل مرحلة دولة "بورغواطة" نموذجا، بالإضافة إلى تهميش كل ما هو تاريخي بالمعنى العام (لا نجد أفلاما يمكن تصنيفها كأفلام تاريخية)، بل حتى بالنسبة لبعض الأفلام التي تناولت جانبا من التاريخ المغربي كفيلم "جارات أبي موسى" للمخرج محمد عبد الرحمن التازي، كانت هناك مشاكل كثيرة في نقل المشاهد إلى تلك المرحلة.

وعزا الناقد مسألة عدم التطرق للمواضيع التاريخية إلى حساسية وخطورة النبش في بعض المواضيع، أو إلى ضعف الإمكانيات الإنتاجية، أو لأسباب أيديولوجية، أو تجارية كالخوف من عدم اهتمام الجمهور بهذه المواضيع، أو عدم جاذبيتها للداعمين الأجانب.

الطفل في السينما المغربية

وركز أشويكة على مكانة وحضور الطفل داخل السينما المغربية، مثيرا ملاحظات رئيسية من قبيل أن التعامل السينمائي مع موضوع الطفل يتطلب الإلمام بأهم الميكانيزمات النفسية المحيطة بالموضوع لاسيما علم نفس الطفل, كما أن كتابة سيناريو يكون بطله طفلا بالنسبة لكاتب سيناريو لا يتوفر على ثقافة سيكولوجية وسوسيولوجية وتربوية كافية، تكون مهمته أعقد وأصعب؛ ذلك أن إدارة الممثل المحترف تحتاج إلى إعداد فني وسيكولوجي عال، فكيف بالأمر عند تهيء طفل يقف لأول مرة أمام الكاميرا ويتحمل عناء تجسيد دور لم يعشه من قبل؟!

ويؤكد أشويكة على أن الطفل المغربي في "الفيلموغرافيا" المغربية بصفة عامة غالبا ما يتم التعامل معه كموضوع عارض ومؤثث للسرد الفيلمي أو "إكسسوار" بشري ساذج يرافق الممثلين الآخرين، أو كجوقة لا تتقن إلا الضجيج والشغب.

أما من ناحية الانتماء الطبقي، فالنماذج التي تقدم السينما المغربية هي نماذج منحدرة من أصول فقيرة أو غنية دون الالتفات إلى الطبقات الاجتماعية الأخرى، كما أنها تركز على الطفل الذي يقطن بالمدن خاصة الكبرى منها دون التعرض للطفل القروي راهنا، فهذا الطفل يعاني تهميشا لا مثيل له في الصورة السينمائية المغربية عامة.

وحسب المؤلف، يظهر الطفل في "الفيلموغرافيا" المغربية بأنه شيء ثابت يتقبل كل التعاليم التي يمليها عليه المجتمع دون تفكير، ويتأثر بما يجري في محيطه دون تأثير، فتتساوى مؤهلات الأطفال جميعا في مجتمع يخضع له الجميع، وبالتالي يتم التعامل معه كموضوع تجريدي يتميز ببراءة وطهرانية لا مثيل لهما.

ويضيف أشويكة أن بعض الأفلام تكرس العنف الذي يمارسه المجتمع على الأفراد، وتحاول أن تقدمه كما هو من خلال صراع الأقران أو الإخوة. فالمخرجون وكتاب السيناريو يوظفون الطفل كوسيلة طيعة لانتقاد المجتمع، وهذا التوظيف لا يخلو من ديماغوجية مفضوحة؛ حيث يرون أن الطفل هو الحامل الأكثر رمزية للتعبير عن ذلك لاسيما إذا كان الطفل بريئا أو محروما أو في أحط حالاته ضعفا.

وعلى المستوى التقني يظهر أيضا تهميش للطفل؛ فحسب المؤلف يتم تقديم الطفل المغربي بطريقة تقنية داخل إطار صورة سينمائية مغربية تزيد من تأزيم الوضعية ككل، فالطفل يكون دائما مع الكبار في لقطات عامة دون التقاطه بشكل منفرد له فاعليته في إطار الصورة، كما أن اللقطات المكبرة لا تهتم إلا بالبطل، إضافة إلى أن الكاميرا لا توضع بطريقة تتناسب وقامته، بل تلتقطه بشكل فوقي؛ الشيء الذي يجعله يظهر كأنه شخص دوني.

صحفي مغربي مهتم بالشأن الثقافي

إسلام أنلاين في

13/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)