لم يقتصر الجدل حول فيلم «بوبوس» للنجم عادل إمام على اسم الفيلم أو
سطحية الموضوع، بل امتد الجدل حول مستقبل عادل نفسه كفنان كبير له ثقله
الفني، وإذا ما كان قادراً الآن على تقديم أعمال حقيقية تتناسب مع اسمه
وتاريخه أم لا، ولعل العرض الخاص للفيلم كان أكبر دليل على ذلك، فقد كان
نقطة تحول في علاقة عادل إمام بالنقاد والمهتمين بفن السينما، حيث واجه
انتقادات حادة على جميع الأصعدة وحول الفيلم الذي جاء في القالب نفسه الذي
خرجت فيه أعماله الأخيرة.
قصة الفيلم تدور حول رجل أعمال يدعى «محسن هنداوي»، يجسد شخصيته عادل
إمام الذي تعثر وفشل في سداد قروضه التي حصل عليها من البنوك - وهي قضية
ثار حولها جدل طويل والمعروفة بقضية نواب القروض، التي تفجرت قبل 13 عاماً
في مصر، ومازالت تداعياتها مستمرة - الأمر الذي يدفعه للبحث في دفاتره
القديمة عن أموال له مع آخرين لاسترداد بعض منها لتعينه على الحياة، إلا
أنه يجد الجميع متعثراً بسبب القروض أو الأزمة العالمية وغيرها من الأسباب،
مثل البورصة وعمليات استثمارية غير موفقة، وأثناء ذلك يتعرف محسن إلى أرملة
أحد أصدقائه وهي «مهجة» التي تقوم بدورها الفنانة يسرا، ويحاول الطرفان
معاً تعويض خسائرهما المالية لكنهما يفشلا.
والى جانب قضية قروض البنوك تناول الفيلم نموذجاً آخر من المعاناة
والتعثر لأشرف عبدالباقي «رأفت»، و«تهاني» مي كساب، اللذين ظلا مخطوبين منذ
سنوات طويلة ولا يستطيعان الزواج ويعملان في فيلا الأرملة «مهجة».
ورغم هذه المشاهد المتشابكة إلا أن الحكايات جاءت سريعة ومبتورة
لقضايا أخرى، مثل الهجرة غير المشروعة للشباب للبحث عن فرص عمل، وتأخر
الزواج لدى الشباب لعدم مساهمة الدولة في حل هذه المشكلة، والعديد من
الثقافات التي حاول الفيلم طرحها، في حين ظل التركيز في كثير من الأحيان
على المشاهد التي تجمع عادل إمام ويسرا، وهما يتبادلان الضرب لمرات كثيرة
وبانتهاء الضرب نجدهما في وضع غرامي.
والغريب أنه رغم اتفاق غالبية النقاد على ضعف الفيلم، إلا أنهم رأوا
في الوقت ذاته أن الفيلم سيحقق إيرادات كبيرة، وأرجعوا ذلك للقبول الكبير
الذي يتمتع به النجم عادل إمام لدى ملايين العرب والمصريين، أما عن قصة
الفيلم فقالوا انها جاءت وكأنها اسكتشات لمواقف بين أبطاله، ما دفعهم
لاعتبار الفيلم أسوأ عمل يقدمه الفنان عادل إمام في تاريخه الفني، باعتباره
قدم فناً متعسراً على جميع المستويات نصاً وإخراجاً وأداءً، بالرغم من أن
بعض النجوم كانوا على مستوى جيد في الأداء ومن بينهم أشرف عبدالباقي.
كما أكد النقاد أن عادل إمام تراجع من خلال هذا الفيلم كثيراً، بعد أن
ظل متربعاً على عرش النجومية بلا منازع، وقالوا إن سن الفنان الكبير
ولياقته الجسدية والتجاعيد التي تملأ وجهه لا تتناسب مع أدواره الأخيرة،
مما جعله يستعطف الضحك بالإيفيهات الجنسية وبعض الحركات كالخناقات مع بطلة
الفيلم يسرا.
لم يكتف النقاد بذلك بل شبهوا مشاهد العراك والضرب بين يسرا وعادل
إمام في فيلم «بوبوس»، بأنها المشاهد نفسها في عدد من أفلامه السابقة آخرها
فيلم «بخيت وعديلة»، وزادوا على ذلك بأن عادل عندما قدم قضية رجال الأعمال
المتعثرين في هذا الفيلم، وهروبهم خارج مصر ومدى تأثير الأزمة المالية
العالمية عليهم، فقد أفرغ القضية من محتواها، وحولها إلى مسخ مشوه.
تفريغ الفيلم من مضمونه أرجعه البعض، إلى أن مؤلف العمل كان حريصاً
على إرضاء عادل إمام، الذي يتدخل في تفاصيل العمل ليوظفه حسب الإيفيهات
التي سيقدمها، رغم أن تفاصيل العمل من صميم عمل الكاتب، ولكنهم - والكلام
للنقاد - في الوقت نفسه أكدوا ثقتهم في المؤلف يوسف معاطي الذي وصفوه
بالكاتب الواعي، ولكن صياغته للواقع في فيلم «بوبوس»، وطرحه سينمائياً، كان
يحتاج إلى المزيد من التعمق وبناء إطار درامي مناسب للموضوع، حتى لا يصبح
الفيلم سطحياً يعبر عن عناوين كبيرة لا أكثر.
وحمل النقاد الفنان عادل إمام المسؤولية الكاملة لفشل الفيلم فنياً،
لأن مسؤوليته لا تقف عند دوره فقط بل النظر إلى مجمل العمل وما سيطرحه من
قضايا جادة لأن نجاح العمل يرتبط به هو فقط.
وأكد النقاد أنه بالرغم من وجود كثير من المعايير التجارية التي يفترض
أن تحكم أي فيلم، إلا أن محاولات انتزاع الضحك من الجمهور لم يكن له مبرر،
لأن عادل إمام لا يحتاج إلى ذلك، خاصة أنه قدم أعمالاً كبيرة وجادة ونجح
نجاحاً كبيراً دون أن يحتاج إلى هذه الإيفيهات أو تلك المشاهد لإضحاك
الجمهور.
فيما كان بعض النقاد أكثر قسوة وعنفاً في تناولهم للفيلم، الذي وصفوه
بأنه يمثل طبخة سينمائية فاسدة، وقالوا إنه وضع في هذا الفيلم كل مواصفات
الفساد التي عفا عليها الزمن، ومضوا إلى أبعد من ذلك بأن طالبوه بالاعتزال
حتى يحتفظ برصيده لدى جمهوره.
ولكن شركة «جودنيوز» التي يديرها الإعلامي عماد أديب دافعت عن الفيلم،
حيث أكد مسؤول الإعلام في الشركة أن الفيلم تطرق إلى موضوع فساد رجال
الأعمال الذين هربوا بالقروض إلى الخارج، وقالوا إن مؤلف ومخرج الفيلم
وأبطاله استطاعوا تقديم فيلم كوميدي جريء وصل إلى قطاع عريض من المشاهدين.
وعلى الرغم من محاولة الشركة المنتجة للدفاع عن فيلمها، إلا أن إجماع
النقاد على أن هذا الفيلم يعد الأسوأ في تاريخ الفنان الكبير، يعني أن هناك
خللاً ما على مستوى البناء الدرامي للعمل وتهميش الكثير من القضايا ذات
الصلة بالموضوع، والتي ظهرت مبتورة وضعيفة مع زيادة الجرعة الجنسية في
مواقف لا تحتاج إلى كل هذه المشاهد العاطفية والحميمة، بالإضافة إلى أن
الفيلم لم يقدم طوال عرضه أي تفسير منطقي للفساد أو الأزمة الاقتصادية التي
خلفها رجال الأعمال بنهبهم أموال البنوك.
البيان الإماراتية في
12/07/2009 |