الشريط الذي حمل توقيع نجدة أنزور، وتنطلق عروضه غداً، يصوّر «عملية الشهيد
الحي» التي نفّذها «حزب الله» عام 1994، وأدّت إلى تفجير قافلة إسرائيلية
«أهل الوفا» حكاية من ذاكرة المقاومة مقتبسة من قصّة واقعية، جرت أحداثها
خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وقد قُدّمت منذ أيام أول عروضه
للصحافة. الشريط السينمائي الجميل الذي حمل توقيع المخرج نجدة أنزور،
وأنتجته «الجمعية اللبنانيّة للفنون ـــــ رسالات»، استوحى الكاتب السوري
فتح الله عمر قصته من «عملية الشهيد الحي»، التي نفّذتها أفواج المقاومة
عام 1994، وكتب أحداثه بطلب من مدير الشركة المنتجة علي ضاهر، باسم مبدئي
هو «لحظة وفا»، قبل الاستقرار على «أهل الوفا» عنواناً نهائيّاً له. يعلّق
عمر: «أتيح لي لقاء أحد المجاهدين الذين صوّروا العمليّة الحقيقيّة قبل
كتابتي للنص»، شارحاً أنه يهدف من خلال «أهل الوفا»، وعمل آخر أنهى كتابته
أخيراً إلى «إيصال ثقافة المقاومة إلى الآخرين». وتتوزّع بطولة الفيلم بين
عمّار شلق، بولين حدّاد، وفاء شرارة، سليم علاء الدين، سهير ناصر الدين
وعلي الزين. كما تشارك القديرة ختام اللحام في مشهد يتيم، وبدوره يطل خالد
السيّد في مشهد واحد، إنما مؤثّر جداً.
فكرة الفيلم مغرية جداً، لكونها تتناول واقعة مهمّة في حياة المقاومة،
وصُوّرت على مقربة من الشريط الحدودي، ولكونها تحمل توقيع أحد أفضل
المخرجين في عالمنا العربي. وقد برع أنزور في تقديم شريط، يحمل بعداً
واقعيّاً واضحاً، ويضيء على كيفيّة عيش الجنوبيين، ويتكلم بلهجتهم، بطريقة
لم نعتدها كثيراً في لبنان سواء في الدراما أو في السينما. كما نجح في
تقديم مشهديّة متميزة وحقيقيّة للعمليات العسكريّة للمقاومة، عبر استعانته
بفريق أجنبي مختصّ في المؤثرات البصريّة والتفجيرات. أما السيناريست الماهر
في خلق الحبكات الدراميّة فتح الله عمر، فهو صاحب النص الواقعي للفيلم. وقد
أوحى من خلاله أنّه نشأ وترعرع في البيئة الجنوبيّة، رغم كونه كاتباً
سورياً، كل ما يربطه بلبنان وجنوبه، عشقه للمقاومة. من هنا، استطاع كاتب
مسلسلات «الشتات و«الواهمون» و«وصمة عار»، أن ينقل صورة دقيقة لعملية نوعية
نفّذها المقاومون، في قرى كانت تسيطر عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي. ولم
يغفل الكاتب، أن يضيء على الحاجة الماديّة لعائلة جنوبيّة، كادت تورّط أحد
أفرادها بالعمالة مع العدو الإسرائيلي. ولعل قراءاته عن المقاومة
واجتماعاته بمقرّبين منها، جعلته ينقل بواقعيّة طريقة التخطيط والتنفيذ
لعملية نوعية من عمليات المقاومة، انتهت بتفجير قافلة إسرائيلية على طريق
الخردلي دير ميماس.
من جهة ثانية، أجاد عمّار شلق أداء شخصيّة مصطفى، وهو قائد المجموعة
العسكريّة، الذي سيضطر إلى تنفيذ العمليّة وحيداً، ليلقّب بعد ذلك بـ«الشهيد
الحي». إلى حد دفع بأحد العارفين بكيفيّة تنفيذ العمليات العسكريّة، إلى
القول بأنّ عمّار استطاع في وقت قصير تدرب فيه، أن يقدّم صورة مثالية
لكيفية تصرف المقاومين وتنفيذ العمليات. سيعلو التصفيق داخل الصالة أكثر من
مرّة، وخصوصاً عند إتمام العمليّة بنجاح. كما يسجّل طبيعية الأداء للممثلة
بولين حداد، التي تخوص هنا ثانية تجاربها مع الأعمال المقاومة، بعد
مشاركتها أخيراً في مسلسل «الطريق المسدود» مع مجدي مشموشي. وفيما بدا بعض
الممثلين طبيعيين وعفويين في أدائهم ولا سيّما وفاء شرارة وعلي الزين، لوحظ
أن بعض «الشباب» ـــــ الذين يؤدون أدواراً أساسيّة ـــــ كانوا كمن يحفظون
قصيدة يلقونها أمام الجمهور، وخصوصاً أولئك الذين يخوضون أولى تجاربهم أمام
الكاميرا. كما يؤخذ على الفيلم أيضاً البطء في الإيقاع والتطويل في
الأحداث. ولا شك في أنه لو أعيدت عمليتَي المونتاج والميكساج، بطريقة تُحذف
بها المشاهد التي لا تضيف الكثير إلى الحبكة الدراميّة، لكان للفيلم وقعٌ
مختلفٌ عند المتلقّي. أضف إلى ذلك، الغياب الواضح للكومبارس، الذين يُفترض
أنهم أهل القرية الجنوبيّة التي تحكمها الميليشيات. فهل يعقل ألّا نرى في
الشريط سوى المجاهدين؟ ثم ذلك المنزل الذي يضم امرأة مريضة، ثم ابنتها ليلى
المتزوجة بشاب بُترت يده، ثم العميل الذي يحاول باستمرار التحرش بليلى
وصديقتها؟
يبقى أن الفيلم الذي صوّر في الجنوب مطلع شباط (فبراير) الماضي، لن يعرض في
الصالات السينمائيّة المعروفة، بسبب تأخّر الشركة المنتجة في الاتصال بها.
وسيقتصر عرضه على «قاعة رسالات» (بئر حسن ـــــ بيروت) و«قاعة السيد عباس
الموسوي» في ضاحية بيروت الجنوبية. ورغم أنّ هذه الصالات، لن تستقطب
الجمهور اللبناني بمختلف شرائحه، فإنّ الأمانة تقتضي القول إنّنا أمام فيلم
يستحق المشاهدة.
الأخبار اللبنانية في
22/05/2009 |