تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

غاب 7 سنوات لأنه لم يجد منتجاً فالمنتجون لا يضيّعون نقودهم في أفلام ذات نظرة مختلفة

داوود عبد السيد: السنوات الماضية كانت للسينما التجارية «الكوميدية» اكتأبت خلالها وشككت في نفسي

رؤوف مسعد

في محاولة لإيجاد معرفة كامنة ومتراكمة داخل مبدع سينمائي؛ يقتحم الكاتب عزلة المخرج الذي يكتب رؤاه ويختار من «يشخّصها».

المبدع هو داوود عبد السيد الذي من الضروري ان لا يعرّف للقراء لذا اخترت له الف لام التعريف باعتباره متفردا في عمله ومتفردا في عزلته يقبع فيها خلف اسوار ديانته المسيحية وجذوره الفرعونية ونفوره من السوقية والابتذال.

... وجد عبد السيد نفسه بلا عمل طوال السبع السنوات الأخيرة, متفردا في شقته الانيقة الموجودة في اكثر الأماكن حساسية أمنية في «مصر الجديدة»، حيث يقيم بالقرب من رأس الدولة ورئاستها. ومن هنا اتفقنا ان التقي به في «وسط البلد» نائيًا بنفسي عن عزوف سائقي التاكسي من الاقتراب من «المنطقة المحرمة».

حينما هاتفته على تلفونه الخلوي قال انه في الكراج الذي يصلح فيه سيارته. اتفقنا ان نلتقي حيث اقيم - مؤقتا - في وسط البلد إبان رحلاتي الشتوية من هولندا الى مصر.

أعرف الرجل الرقيق الجم الأدب.. واعرف بيته وطالما تحدثنا سوياً عن هواجسنا وأحلامنا، حينما ألتقيه في القاهرة. أهديه آخر كتبي ويشجعني مقرظاً وأنا غير واثق إن كان تقريظه تأدباً أم... ؟!

قلت له لم تنتج شيئاً طوال السنوات السبع الماضيات.. فكيف يتحمل مخرج كبير العزوف عن الاضواء والميديا والبقاء في الظل؟ هل اكتأبت؟ هل كنت تعاني من فقدان الثقة بالذات وبأعمالك؟

اجاب.. اولاً لا أحب ان اعرف نفسي بأني مخرج ولا كبير.. فأنا - يواصل اعتراضه - لا اخرج فقط الفيلم.. لكني ايضا اكتبه وأتدخل في تفاصيله الفنية بدءاً من الممثلين والمونتاج والمكساج وحتى الأفيش.

قال بعد لحظة «لا استطيع تعريف مصطلح إخراج».

وضاحكا «على فكرة انا لا اختار الممثلين.. هم الذين يختارونني». سألته: «كيف؟». فقال في البداية اذهب الى ممثلين أراهم صالحين للدور. غالباً يرفضون لأسباب كثيرة وتبدأ رحلة البحث عن ممثلين حتى أجد من يقبل أن يعمل معي. هكذا تجد انهم يختارونني، وليس العكس.

طلبت منه ان يحدثني عن سنوات «صومه وعزلته»

احسست بألمه وحيرته وغضبه وهو يقول إن السنوات السبع الماضيات كانت سنوات الافلام التجارية الكوميدية البسيطة. لم يقبل المنتجون ان يضعوا نقودهم في افلام تنظر الى الحياة والكون نظرة مختلفة. لم اجد منتجاً يريحني وأريحه.

اسأله إن كان أحس بالاكتئاب. فيجيب بالإيجاب. يقول: ألح على الشعور بعدم الثقة. يعلن انه مر بفترات فقد فيها الثقة في ما يكتب وفي ما يخرج. يضيف «كانت هذه الفترات أقسى الأوقات ايلاما وشكا وإحباطا».

اعترف له بأن هذه الحالة كثيراً ما تنتابني في كتاباتي.

نتفق سوياً ان المبدع في حاجة ملحة ومتواصلة للتشجيع حتى يستعيد بهجته وتفاؤله ورغبته في العمل ومواصلة هذا العمل حتى ينتهي منه. قلت له آسفا إني منذ وقت طويل تخليت عن كتابة المسرحيات او اية علاقة بالمسرح، بالرغم من دراستي الأكاديمية له.. لأني اكتشفت مبكراً صعوبة العمل الجماعي الإبداعي في منطقتنا هذه من العالم؛ فانكفأت الى الكتابة الروائية والقصصية مفضلاً عزلتي وسيطرتي على ما أكتب بدون تدخل جهات اخرى. قلت له «اذا ما رفضني الناشرون أقوم بطبع الكتاب على نفقتي.. وبالتالي أسيطر على مقدراتي».

تحدثنا كيف أن السينما عمل جماعي، لكنه محبط لاضطرار المخرج الى التعامل مع منتج يستطيع تمويله ومع عشرات آخرين من البشر «المخيفين» من ممثلين بأمزجة نارية وتقنيين بأمزجة الصنايعية ودولة بمزاج بوليسي شكاك تعتقل فيلمك وتقصقصه منتهكة خصوصيته وتفرده.

«رسايل بحر»

سألته عن فيلمه الأخير «رسايل بحر» وهو عن شخصيات - كما قال لي - منعزلة عن العالم مثل شخصية طبيب في الفيلم - يعيش في اسكندرية - لا يستطيع ممارسة مهنة الطب، لأن به عيبا خلقيا.. انه «يتأتئ» في الحديث فاختار ان يصيد السمك بصنّارة بسيطة ويبيع ما اصطاده لمطاعم السمك.

ومن الناحية الأخرى يوجد في الفيلم «مهاجرو القوارب» الذي ينتظرهم أكثر من مصير غامض لكنهم يريدون تحطيم أسوار عزلتهم.

لم يتحدث كثيرا عن الفيلم الذي وصل إلى مرحلة المونتاج.

سألته ان كان يتدخل في المونتاج، فقال مراوغا انه يحدد للمونتير فكرته ويشرحها. ثم يراقب تنفيذها.

علقت ضاحكا «اذن انت ممسوس بالكنترول».

ابتسم.. لم ينف او يحتج!

فكرت بيني وبين نفسي كيف أن عزلة شخصية الطبيب الذي درس الطب ولا يستطيع ممارسته تتماهى مع عزلة داوود الأخيرة. وكذا اختياره للبحر بتفرده ووحشته وكائناته.. وتساءلت أليس هذا كله هو صورتنا ووضعنا كمثقفين جادين في هذه المنطقة من العالم اليوم.. عالمنا هذا؟

تطرّق بنا الحديث إلى هويتينا الدينية المشتركة والى القواسم التي تربط بيننا والى اولادنا (ابن واحد له يدرس القانون في فرنسا وابنة وابن لي يدرسان في هولندا). قلت ان ابنتي تدرس الطب، لكنها ستأخذ سنة دراسية إجازة لتدرس العربية في مصر طوال ثمانية شهور.. فصحى وعامية وأنها فاجأتني انا وأمها بهذا القرار فقد رفضت ان تتعلم العربية، حينما كانت صغيرة. اعترفت اني لا اعرف اسبابها الجديدة بالدقة بل اني غير مهتم بالمعرفة، يكفيني قرارها ورغبتها وحماسها.

سألته عن دوره كأب. فأجاب انه مع زوجته «كريمة كمال الصحافية» يقومان بغرس ما يعتبرانه قيما اصيلة بغض النظر عن الدين.

التمييز

تطرق بنا الحديث الى الدين وسألته هل يشعر بالتمييز في المعاملة فأجاب فوراً «بالتأكيد». سألته ان كان هذا «التمييز» يؤثر في عمله فأجاب بالإيجاب.

تقصدت ان استخدم اصطلاح «التمييز»، لكي ابتعد عن مصطلح الاضطهاد الديني وشرحت له وجهة نظري فوافقني عليها.

سألته عن موقفه الشخصي من الهجرة خارج مصر خاصة ان فيلمه مع فاتن حمامة يتطرق ايضا الى موضوع الهجرة، بالإضافة الى فلمه الأخير.

قال لست ضد الهجرة، لكنها من الضروري ان تكون اختيارا حرا وليست حلا أخيرا. لقد فضلت فاتن حمامة في الفيلم ان تبقى في مصر، لأن هجرتها لو تمت ستكون بالرغم منها. انا مع اعطاء كل الناس حق الاختيار.

تحدثنا عن الهجرية القسرية لمسيحيي العراق وقادتنا هذه الى رواية عزازيل ليوسف زيدان. قال «بصراحة لم تعجبني الرواية، لأنها تمس اساس العقيدة المسيحية». قلت له إن الرواية ظهرت في وقت يمور بالاحتقان الطائفي في مصر مما يجعلني اتساءل عن توقيتها.

تطرق بنا الحديث الى الجوائز العربية بشكل عام، والى الجوائز الادبية والسيــنمائية بشكل خاص، واتفقنا ان معظم الجوائز العربية هي قميص عثمان.. حق يراد به باطل!!

قلت له.. قرأت مرة ان المخرج الياباني العظيم الراحل كيرا ساوا قال انه دائما يفكر في الانتحار بعد انتهائه من فيلم ما، لكنه يعود مستجمعا طاقاته ليصنع الفيلم التالي الذي سيعوض إحباطه عن الفيلم السابق.

اصغى باهتمام وقال انه يحس دائماً ان الفيلم الذي لم يصنعه بعد سيكون أحسن افلامه..

قلت له ضاحكا «وأنا ايضاً.. فدائما افكر هكذا في الكتاب الذي لم اكتبه بعد!!».

ملحوظة: اشترك في أجزاء من الحوار الفنان السوداني طلال عفيفي الشغوف بالسينما وأفلام داوود عبد السيد وقد تفضل مشكوراً بتقديم هذه الصور الفوتوغرافية التي التقطها أثناء الجوار

السفير اللبنانية في

15/05/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)