تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الكاميرا عنده حضن الحالة الفلسطينية والصورة انتصرت على الـ«أف 16» والـ«ميركافا»

عبد السلام شحادة: الواقع في غزة أكبر من الخيال والفانتازيا

نديم جرجورة

تميّزت الأفلام الوثائقية المتفرّقة التي أنجزها المخرج الفلسطيني عبد السلام شحادة، بدءاً من «يوميات فلسطينية» (1991)، بتناولها البصري مسألتين اثنتين، بدا واضحاً أنهما متلازمتان معاً في تبيان أهميتهما الإنسانية والحياتية في فلسطين: المآزق الداخلية للمجتمع الفلسطيني، وآثار الاحتلال الإسرائيلي. في المسألة الأولى، هناك «حقوق المرأة هي حقوق الإنسان» (1995) و»الأيدي الصغيرة» (1995/ 1996) و»الصبّار» (1997) و»العكّاز» (2000) و»الظلّ» (2000)؛ وفي الثانية، «قرب الموت» (1997) و»امرأة متميّزة» (1998) و»ردم» (2001) و»غزّة، دموع بطعم آخر» (2006) وغيرها.

فيلمه الأخير، «إلى أبي»، رسالة إنسانية شفّافة، ذات مناخ شعريّ جميل في مقاربة الصورة الفوتوغرافية، بتاريخها وراهنيّتها وتفاصيل عالمها المتشعّب من الفن إلى البيئة والعلاقة والذاكرة. والتطوّر الذي تابعه شحادة بخصوص تاريخ الصورة الفوتوغرافية هذه وآلة التصوير الخاصّ بها، رافقه في معاينة تبدّل أحوال المجتمع الفلسطيني أيضاً.

·         ما الذي حرّضك على اختيار الصورة الفوتوغرافية وآلة التصوير الفوتوغرافي بالأسود والأبيض، مادة لفيلمك الجديد «إلى أبي»؟

} لم تكن المسألة تحريضاً، بقدر ما هي حنين وشعور بالغربة الحالية. هذا ما دفعني إلى العودة إلى المشاهد البصرية، وإلى علاقتي بتلك الأيام التي سجلتها، بين راحة البال والكاميرا الجميلة وحنيني إلى هذه الكاميرا الجميلة، التي خلقت فرحاً وحباً ودفئاً، دائماً. والكاميرا، التي شبّهتها بامرأة جميلة، كانت مولوداً جميلاً حينها، أحببناه جميعنا، إلى درجة أننا كنّا نُحضِّر أنفسنا أسبوعاً كاملاً لتسجيل هذه اللحظة، التي تبقى مُلكاً للتاريخ.

غير أن هناك صورة بشعة الآن، لم يعد باستطاعة أي مصدر أن يتحكّم بها، لأنها أصبحت صورة مفروضة، وهي صورة الآخر، ولم تعد كالماضي، حين كان المصوّر يقوم بالتقاط الصوَر الشخصية ويُحمّضها ويُعالجها و»يضوّيها» و»يروتشها». وهذا كلّه يُسبّب تعباً لم يعد موجوداً الآن. اليوم، بات الجندي الإسرائيلي يُحدّد لك الصورة بواسطة جهاز «JUSTICE«. هو الصورة المقبلة، وهو الذي يرسمها بحسب كمّية المباني التي تهدّمت، والشجر الذي ضاع، وأعداد الشهداء والمنكوبين.

على الرغم من عودتي إلى الأبيض والأسود، وما فيه من تباين، وحنين إلى هذا التباين، أفاجِأ بأنه امتدّ إلى الصوَر الحديثة، وأن الصورة الملوّنة عن شعبنا، صارت ألوانها حزناً وألماً وخوفاً وتشريداً. هناك أسئلة ضخمة ملأت الصورة؛ أسئلة مجهولة وغامضة.

صُوَر مشتّتة

·         ÷ ما هي المراحل التي مرّ بها إنجاز الفيلم؟ وهل واجهتك صعوبات عملية للحصول على هذه الصوَر؟

} راودتني الفكرة للمرّة الأولى في العام 2004، تلتها مباشرة فترة بحث متقطّع عن مصوّري تلك الحقبة، لأعرف من مات منهم، ومن بقي حياً أو كبر في السن؛ من فَقَد إحدى حواسه أو ساقه أو أرشيفه، والبحث عن الاستديوهات الخاصة والأشياء المتعلّقة بأصحابها. بدأت كتابة السيناريو في العام 2007. أثناء كتابتي إياه، لم أكن قد دخلت استديو الحاج سلامة، مثلاً. كنتُ أكتب عنه، حينها، في مخيلتي. المفاجأة كانت عندما ذهبت إلى هناك: كانت صُوَر ذاكرتي لا تزال موجودة عند الحاج سلامة. شعرت بفرح وغربة وخوف لا يُمكن وصفها، عندما وجدتها مبعثرة وضائعة في الاستديو. كانت تشبهني في تشتّتي، لكن جمعها كان سهلاً، ما ساعدني في سرد الرواية.

·     لم يكن «إلى أبي» فيلماً وثائقياً يروي فصولاً من تطوّر صناعة الصورة الفوتوغرافية (إذا جاز التعبير) فقط، لأنه بدا متابعة بصرية لمسار تاريخي/ جغرافي/ ثقافي/ سياسي عاشته فلسطين أيضاً. متى انتبهت إلى مسألة الربط بين المسارين: منذ بداية كتابة الفيلم، أم في لحظة لاحقة أثناء تنفيذ المشروع؟

} سؤال مهم في الواقع، وأوافقك الرأي في أني لم أكن أنوي التحدّث عن تطوّر الصورة وبعض التفاصيل الأخرى. حاولت أن أجد شيئاً أتكئ عليه للتوازن بين هذه الصورة وحالنا التاريخية والسياسية والثقافية والجغرافية. هذا هو مرجعي الذي توصّلت إليه. عندما كتبتُ الفيلم، كنتُ قد تشبّعت وفقدت بداخلي الزمان والمكان، وأصبحت أتأرجح، فكان لا بُدّ من أن أُبقي شيئاً يضمّني حضنه لأكون على يقين منه، لا يخيفني، ويحمل في داخله حياة وجمالاً وشجراً وبحراً ورجالاً ونساء. أردتُ أن تحملني الصورة، بعد أن فقدت التوازن.

·     ÷ في تعريفك بفيلم «قوس قزح»، قلتَ (بحسب ما حصلت عليه من معلومات): «اعتدتُ أن أحب الكاميرا، وأن أؤمن بقدرتها على نقل الألم، نسيان الأحزان، وربما الأمل في حياة أفضل». ألا تزال تعتقد هذا الأمر، أم أن قوّة الألم باتت أقوى من أن تنقلها الصورة، وأن الأحزان أعنف من أن تجد مكاناً لها في الصورة أيضاً؟

} أسئلتك صعبة، كأنها تقطع عليّ الطريق، فأتوقّف قليلاً لأتنفّس راحة. في مراحل عمري كلّها، وفي علاقتي بالكاميرا، لم أفقد الأمل للحظة واحدة في أن الكاميرا مفتاحي للحياة والأمل، وفي أنها الراعي والحصن والحضن لحالتنا الفلسطينية كلّها. في الفترة الأخيرة، رأينا الصورة تنتصر، وكم أفتخر وأعتزّ بالمصوّرين جميعهم، الذين عملوا في ظلّ الخوف والبرد وطائرة الـ»أف 16» في «وكالة رامتان للأنباء»، واستطاعوا تسجيل جرائم إسرائيل في كلّ سنتمتر في غزّة. أؤمن بأن الصورة ستنتصر، بل هي انتصرت على الـ»أف 16» وطغيان دبابة الـ»ميركافا» وانتقام طائرة الاستطلاع الـ»زنّانة» من كل ما هو متحرّك في فضاء غزّة الضيّق.

الواقع والصورة

·     في ظلّ الوحشية الإسرائيلية الجديدة التي مورست على أبناء غزّة مؤخّراً، هل ترى أن الواقع بات أقسى وأكثر وجعاً وأعنف من أن تختزله السينما، سواء أكانت وثائقية أم روائية؟

} في نظري، الواقع أكبر من الفانتازيا ومن تخيّلات المخرجين وأدوار الممثلين المتقنة. أكبر من أن نستطيع اختزال مشهد طفلة شهيدة، أو طفل استشهد أهله، وبقي معهم ثلاثة أيام في المكان نفسه. لا يستطيع الخيال ولا الفانتازيا تسجيل هذا الواقع، وما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، من شتات وراء شتات. ما يبقى، هو الفيلم الوثائقي والسينما التسجيلية والروائية التي تحمل هذا التاريخ كلّه إلى الجيل المقبل، الذي أؤمن بأنه سيكون أكثر قسوة منا على إسرائيل.

·     ÷ في متابعتي بعض أفلامك، أو قراءاتي عن بعضها الآخر، تبيّن لي أنك تهجس دائماً بالمجتمع الفلسطيني من داخله. أي أنك تعاين عاداته وتقاليده ومدى التأثيرات السلبية التي يمارسها التمسّك بهذه العادات والتقاليد على الفرد الفلسطيني، كما على الجماعة الفلسطينية. بمعنى آخر، لا تحمّل الاحتلال الإسرائيلي فقط مسؤولية تردّي الأوضاع الاجتماعية والإنسانية والحياتية للفلسطينيين. كيف كان ردّ الفعل الفلسطيني على هذا النوع من القراءة السينمائية النقدية؟ وإلى أي مدى «أفادت» أعمالك هذه الحالة الإنسانية الفلسطينية (والإفادة، هنا، لا تعني تحويل الفيلم إلى درس أخلاقي أو تاريخي أو اجتماعي، بل تجعله حواراً مباشراً مع المجتمع والبيئة والناس)؟

} قلقي دائم ومستمر، وعلاقتي بالمجتمع قوية جداً. تمرّدتُ دائماً على بعض العادات والتقاليد، لأني شعرتُ بأن هناك ظواهر عدّة في مجتمعنا الفلسطيني، نعزّزها نحن فنساهم بأنفسنا في تدميره (أي المجتمع الفلسطيني)، وأن إسرائيل بعيدة عن ذلك. اليوم، نرى نتائج ما أقصد. هاجسي دائماً داخل هذا المجتمع الذي أُرهق. نحن نحمل رسالة إنسانية. نحن بشر ونخطئ، لكننا أيضاً بشر ونحبّ الحياة. أحاول دائماً أن أشتغل في مفهوم التصالح الاجتماعي والإنساني، من دون أن يغيب عن بالي أن الإسرائيلي في خلف الصورة يُطلق النار.

·         تقبّل المجتمع هذه الأفلام وأحبّها. استُخدمت في مؤتمرات وورش عمل، وعُرضت في القنوات المحلية.

يُشكّل هذا النوع من الأفلام جزءاً من مناخ سينمائي فلسطيني يهتمّ بالواقع الفلسطيني، إنسانياً واجتماعياً وثقافياً وحياتياً، ولا يتبرّأ من المسؤولية الفلسطينية في ظهور أزمات وتعقيدات حياتية داخلية. هل تعتقد أن هذا النمط السينمائي من المعاينة الحسّية للداخل الفلسطيني نجح في ابتكار فضاء ثقافي/ سينمائي/ إنساني مقبول في الداخل الفلسطيني أولاً وأساساً؛ أم أنه لا يزال يُعاني حالة انقطاع ما معه؟ بمعنى آخر، وبناء على تجربتك الشخصية: هل يُمكن القول إن هذه الأفلام، تحديداً، أحدثت تأثيراً إيجابياً ما، وإن كان متواضعاً أو خفراً، لدى مشاهديها على الأقلّ؟

} المجتمع الفلسطيني يُجزَّأ ويُقسَّم طوال الوقت. لكنّي أعتقد أن الفيلم الفلسطيني صنع إجماعاً. الصورة الفلسطينية وحّدت المجتمع الفلسطيني من شماله إلى جنوبه. الدموع التي انهمرت في الناصرة والجليل مثلاً، هي الدموع نفسها التي انهمرت في جنين وغزّة ورفح. وجدت هذه الأفلام تفهّماً وقبولاً، وخلقت نافذة جديدة بطعم آخر.

أعتقد أني أحمل في داخلي وصايا كثيرة أحاول وضعها في أفلامي المقبلة. لا أدّعي أفضلية ولا حكمة، ولست معلّماً. ما أقصده هو أن لديّ حقّاً في أن أروي حكايتي وأفتح ألبومي، الذي يشبه ألبومات كثيرة، أمام الراغبين في الخير والحب والحياة.

 

كلاكيت

استعراض إعلامي

نديم جرجورة

لا تحتاج بيروت إلى مزيد من المهرجانات السينمائية، على الرغم من أن معنيين بالهمّ السينمائي لا يعارضون تأسيس مهرجانات جديدة. لا يتّسع المشهد المحلي إلى إضافة شكلية، مع أن هناك من يرى في الكمّ شيئاً من حيوية الحركة الفنية والثقافية. ذلك أن المساحة اللبنانية الضيّقة، جغرافياً وإنتاجاً إبداعياً ونشاطاً ثقافياً/ فنياً، باتت عاجزة عن إفراز جديد قابل لتقديم نصّ مغاير للسائد أو مشابه للموجود (على الاقل)، ما يؤدّي إلى سؤال المغزى الثقافي من إنشاء مهرجان سينمائي إضافي، خصوصاً أن الساعين إلى إنشائه مكترثون بالظاهر، ومنشغلون بالواجهة، ومهتمّون بظهور إعلامي وبتثبيت مكانة اجتماعية ما فقط.

في الاحتفال الشهير بالذكرى السابعة والخمسين لتأسيس «نقابة الفنيين السينمائيين في لبنان»، أعلن النقيب صبحي سيف الدين تأسيس «مهرجان السينما اللبنانية»، المزمع إطلاق دورته الأولى في العام المقبل، مشيراً إلى تولّي الممثلة مادلين طبر منصب مقرّرة المهرجان. هذا وحده كفيلٌ بطرح سؤال عن الغاية من تأسيس مهرجان لا ملامح واضحة له، ولا هدف يُرتجى منه أو غاية ثقافية/ فنية، خصوصاً أن هناك مهرجاناً يحتفل سنوياً بالنتاج السينمائي اللبناني، وثانياً يحتفل بالسينما العربية، وثالثاً لا يزال متأرجحاً ومرتبكاً بين سينما شرق أوسطية ومنحى دولي. ولو أن الإمكانات المادية متوفّرة، لاستمرّ مهرجان رابع في تقديم أحدث الأفلام الوثائقية العربية والدولية؛ من دون تناسي مهرجان خامس متخصّص بسينما أوروبية، ومموّل من سفارات منتمية إلى الاتحاد الأوروبي. الأنكى من ذلك كلّه، أن مقرّرة المهرجان الجديد قدّمت «مطالعة» مهمّة، بقولها إن لبنان لم يشهد مهرجاناً سينمائياً منذ عشرات الأعوام؛ وأنها بدأت زيارات رسمية للحصول على تمويل من القطاع العام، المنفضّ عن تقديم الحقوق الشرعية للّبنانيين أصلاً؛ ومن شخصيات سياسية وطائفية، وسيدات مجتمع (هل تذكرون كوليت نوفل وتجربتها الملتبسة في هذا المجال؟)، بدلاً من أن تبدأ رحلة التأسيس من الحيّز الطبيعي، أي من التعاون الجدّي مع المتخصّصين بالشأن السينمائي، علماً بأن تنظيم نشاطات فنية بات تخصّصاً يتدرّب عليه الساعون إليه في عواصم غربية لأشهر عدّة، بغية امتلاك القواعد السليمة لإحياء نشاط كهذا. أما الممثلة السينمائية والتلفزيونية، فالتهت بالشكل، متغاضية عن مسألة جوهرية، متمثّلة بضرورة وضع مخطّط واضح لمغزى المهرجان المذكور ولأهدافه، على الأقلّ. فهل اختيارها مقرّرة للمهرجان المنشود، نابعٌ من قناعة ما لدى النقابة بإمكان تأمينها دعمين ماليا وإعلاميا، بفضل علاقاتها الفنية المتنوّعة (يُقال إن لديها شركة إنتاج!)؟

لو ترافق الإعلان عن إنشاء هذا المهرجان وتقديم ملخّص جدّي وواضح عن مضمونه وأهدافه وهويته، لهان الأمر. لو أن المصرّين على إقامته يمتلكون رصيداً جدياً ما في الحقل السينمائي البحت، لكانت النيّة أصدق. لكن المسألة مرهونة باستعراض إعلامي يُراد منه تثبيت وجود نقابة، يُدرك كثيرون أن إطلالاتها الغامضة تأكيد فعلي لغيابها.

السفير اللبنانية في

12/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)