مرة أخري.. ولا أظنها ستكون الأخيرة.. يطل علينا فيلم شاب آخر.. كتبه
شاب هو محسن يوسف وأخرجه لأول مرة فادي فاروق الذي انتقل من المونتاج إلي
الإخراج.. دون أن يتخلي عن مهنته الأولي.. إنما ضمها إلي الإخراج ليكون
مسئولاً عن الجانبين.. وتمثله مجموعة من الشباب.. البعض منهم نراه لأول
مرة.. والبعض الآخر ينتمي إلي هذا الجيل من الشباب الواعد..الذي ابتدأنا
نراه في أكثر من فيلم.. حتي تعودنا علي تواجده.. وبدأت ثقتنا به تزداد
يومًا بعد يوم.. هذه المجموعة الشابة كلها يرأسها نجم له رصيده وماضيه
الفني.. وأفلام كثيرة كبيرة قام ببطولتها وأثبت فيها جدارة حقيقية ولعلنا
لا ننسي دوره الكبير في خريف آدم الذي وضعه علي مرتبة عالية من ممثلينا أو
دوره في فيلم معالي الوزير الذي واجه فيه نفوذًا وثقة وثقلاً حقيقياً لغول
من غيلان التمثيل هو أحمد زكي.. واستطاع أن يقف في هذه المباراة وقفة الند
للند.. بل إن بعض المتحمسين لفن هشام عبدالحميد وأدائه.. مالوا إلي كفته هو
أكثر من كفة أحمد زكي.هشام عبدالحميد.. يمتاز بلياقة جسدية عالية.. وبقدرة
فائقة علي التعبير عن عواطفه الداخلية.. وعن نضج ثقافي.. أهله لأن يلعب
أدوارًا صعبة ذات جذور نفسية معقدة أجاد التعبير عنها ببلاغة وبساطة
تستحقان الإعجاب، وهشام بعد هذا كله.. فنان شامل.. يجيد الرقص والإيماء
وقدم فيهما أعمالاً خاصة به تستحق الإشادة..إذن اعتمد المخرج الشاب في
فيلمه الذي أراده شابًا بمعني الكلمة علي نجم واحد له ثقله الفني لكي يسلك
بفيلمه إلي حيز الوجود.. ويعلن عن كيانه ورؤيته الفنية. وهذا معقول.. وله
مبرراته.. ولكن ماذا أراد بعد هذا كله أن يقدم لنا فادي فاروق «أيام صعبة»
هو مزيج من أشياء كثيرة.. فهو يعتمد بادئ ذي بدء علي حدث بوليسي مشوق.. ثم
يركز علي خلفية نفسية تجمع بين والد محب لابنه الوحيد الذي يفقده في حادث
أليم وبشع وغير مبرر، ولكنه رغم ألمه البالغ، يحس بوجوده معه دائمًا وكأنه
لم يمت وكأنه لم يفقده وهنا يحاول الكاتب أن يفتح لنا صفحة جانبية فيها
الكثير من الميتافزيقية والروحانيات.وأخيرًا.. هناك الجانب الاجتماعي..
الذي يصور بشكل غير مباشر صراعًا طبقيًا حاد النبرات.. إلي جانب عنصر درامي
يتمثل في شخصية ثائر اجتماعي يريد أن يثأر لمجتمعه الفقير.. من هؤلاء الذين
يعيشون علي حسابه.. حتي لو اضطر بعد ذلك إلي ارتكاب جرائم القتل، ثم هناك
أسباب جنسية.. يرمز إليها الفيلم في بعض مشاهده.. دون أن يؤكدها أو دون أن
يجرؤ علي تأكيدها.. وإنما يتركها هائمة تشير إلينا بشارات غامضة.. وتتركنا
نفسرها كما نشاء.إذن.. كما تري.. طموح السيناريو كبير ومثقل.. والمخرج الذي
لابد له أن يختار أسلوبًا ومنهجًا واحدًا ليقدم كل هذه العناصر المجتمعة..
اختار ببساطة الأسلوب البوليسي المعتاد.. وذلك بأن قدم لنا شخصياته
الرئيسية.. الأب المحب والابن المدلل.. والعلاقة القوية التي تربطهما.. ثم
خطيبة الابن.. وأمها زميلة الأب وعلاقة الحب القائمة بينهما وكل ذلك قدمه
في رقصة رباعية استغل فيها إمكانيات هشام عبدالحميد الراقصة وبدا لنا وكأنه
وضعها في سبيل ذلك لا أكثر. لأنها بدت لي مقحمة تمامًا ولا يوجود أي مبرر
درامي لها.وتذهب الخطيبة الصغيرة وتلعب دورها راندا البحيري التي تتقدم
ببطء وثقة في مشوارها الفني مع خطيبها الثري.. لتجلب ستائر أوصت بها أحد
الترزية الذي يقيم في حي شعبي مشبوه.. دون أن ندرك السبب الخفي الذي يجعلها
تختار وهي ابنة الذوات هذا الرجل. وهذا الحي بالذات.وهناك يطوف بنا المخرج
في حارات ودروب هذا الحي ويقدم لنا مجموعة مريبة من سكانه.. من بينها رجل
المخدرات باسم سمرة الذي ابتدأ يختص لهذه النوعية من الأدوار، معتمدًا علي
قسوة ملامحه ونظراته الجليدية، وابتسامته الغامضة.وينجح المخرج حقًا.. في
هذا المقطع من الفيلم بإثارة التشويق والانتباه وخلق جو من الحذر والريبة..
رغم عدم وجود أي منطق درامي لهذه الزيارة أصلاً. ويتصرف الوريث الشاب.. كما
يتصرف أبناء الملوك.. ويلقي بأمواله جزافًا قبل أن ينطلق عائدًا هو
وخطيبته.. حيث ينعرج إلي ربوة صغيرة تتوقف بها سيارته.. وهناك يتعرض
لاعتداء دموي.. يفقد فيها حياته.. محاولاً إنقاذ خطيبته من اغتصاب لم
يقع.ويسقط موت الابن علي الأب المحب سقوط الصاعقة.. وهنا يترك السيناريو
مجالاً واسعًا لممثله الأول.. لكي يعبر علي هواه.. عن ألمه وفاجعته.. من
خلال عدة مشاهد ميلودرامية ثقيلة.. أنقذها أداء هشام عبدالحميد المركز
كمشهده أمام جثة ابنه.. أو مشهده علي قبره.. بعد دفنه ومشاهده في البيت
الكبير الذي خلا من الروح.وهنا يسير السيناريو تائهًا علي مستويين.. مستوي
البحث البوليسي الذي يديره رئيس مباحث يمتاز بالغلظة.. يتعامل مع البشر
بقسوة وإهانة لا إنسانية ويلعب الدور بجدارة محسن منصور ومن منظور آخر..
نري الأب المفجوع من ابنه الميت الذي لا يود مفارقة أبيه.. ويخطو وراءه في
كل مكان وكأنه يحميه.وهناك أم الخطيبة سلوي خطاب التي تحاول أن تجعل ابنتها
تنسي مأساتها وأن تتابع حياتها رغم الحادث الأليم الذي تعرضت له.وهناك
الشكوك التي تحوم حول سكان الحي المشبوه، وخصوصًا تاجر المخدرات باسم سمرة
ورجل آخر هو صديق الترزي.. وهو شاب مهووس جنسيًا.. يتعامل مع الصور العارية
ويعيش حياة جنسية غامضة مع الترزي سبب المصائب كلها.وهناك معاون رئيس
المباحث الشاب.. الذي كان لابد للسيناريو أن يوجده.. لكي يتم التوازن بين
مدير فاشل.. ومدير طيب.. وبالطبع فإن المدير الفاشل يبعد عن منصبه.. ويدخل
السجن لتسببه في موت أحد المشتبه بهم ويحل محله رئيس المباحث الطيب الذي
يتابع البحث عن القاتل.. حتي يكتشفه في تنويعة بوليسية مشوقة.. يتعرض فيها
الأب المحب للموت.. قبل أن يقوم برقصة نشوانة، أما سيارة ابنه القتيل وفي
المكان الذي قتل فيه.. رقصة يحاول فيها السيناريو والمخرج أن يفتحا صفحة
الميتافزيقيا الوهمية علي آخرها.وهناك أيضًا شخصية أخري لعبتها ممثلة
قديرة.. أضعها علي رأس ممثلاتنا الجديدات.. هي انتصار.. ولعل مشهدها المدهش
مع باسم سمرة.. كان من أشهر مشاهد الفيلم إقناعًا دقيقًا وبسلاسة.. سواء في
حواره أو في تركيبه.كما رأينا من هذا الملحق نري التشوش الذي بني عليه
السيناريو.. ولنري غموض الهدف. ومدي التأرجح بين الرغبة في تقديم فيلم له
طابع تجاري بوليسي.. وفيلم له خلفية نفسية واجتماعية محددة.لقد كان
بالإمكان جعل هذه الأيام الصعبة.. أيامًا مشرقة لو توفر لها بناء درامي
متسق.. ولو عرف أصحابها ماذا يريدون أن يقدموا فعلاً وأن يحرصوا علي
الإمساك بخط واحد.. دون اللعب بأكثر من خيط.. تجمع آخر الأمر حول عنق
الفيلم وكاد أن يخنقه.. ومما يزيد الأسف أن عناصر كثيرة في حياته تواجدت في
هذا الفيلم وكان بإمكانها أن تجعل منه فيلمًا من الأفلام الجديرة
بالرؤيا.فهل يعود السبب إلي الاستسهال والعجالة.. أم أن المبدأ الذي تسير
عليه مع الأسف سينمانا الشابة ولا يهمك. صور وامشي.. كله زي بعضه
جريدة القاهرة في
10/03/2009 |