تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

عن لعبة المصادفات في قاع المدينة:

مارك أبي راشد بين شاعريّة وفجاجة

بيار أبي صعب

أثيرت الضجّة حوله بسبب شخصيات وأفعال تخدش الحياء. احتج «المركز الكاثوليكي للإعلام»، فسحب «الأمن العام» رخصة العرض. لكن ماذا عن الفيلم؟

الكل يتحدّث عنه، لكن قلّة شاهدته فعلاً. إنّه Help (النجدة) شريط مارك أبي راشد الروائي الطويل الأوّل (إنتاج Frame by Frame Production وخالد المير). فيلم «إباحي» حسب الشائعات، كان علينا أن نهتدي إليه أوّلاً، كي نحاول أن نفهم ما الذي أغضب المؤسسة الدينيّة، وأخاف الرقابة، وهيّج الجماهير! المحطّة التالية ستكون الأصعب: كيف نقرأ العمل ونكتب عنه، بمعزل عن الضجّة المثارة والنقاشات العقيمة؟

السينمائي اللبناني الشاب مارك أبي راشد (1975) يخوض رهاناً جريئاً: الاصطياد في المياه العكرة للمدينة التي تسوّق في العالم واجهتها الحضاريّة، وتخبئ بؤسها عنّا جميعاً. الفيلم عن الهامش الذي يحتضن المشاعر الإنسانيّة المهملة، وبؤساً لا يقال. تلك نياته على الأقل. فيلم أوّل على قدر من الإتقان والجرأة، مع هفوات المحاولات الأولى وثغراتها. لكنّه فيلم قابل للمشاهدة، بصفته مانيفستو لسينما أخرى... ينحو إلى الواقعيّة الجديدة التي تجمعه بأفلام من نوع «عرس الذيب» (للتونسي جيلالي السعدي) أو «كازانيغرا» (للمغربي نور الدين لخماري). ممثلون غير محترفين، حوارات قليلة، لغة مباشرة وصريحة، كاميرا على الكتف (رقميّة HD) تحاول أن تلتقط تفاصيل الواقع وارتعاشاته... بفجاجة تارةً، وبشاعريّة مستترة غالباً.

مسرح الأحداث هو الهامش، ومحرّكها المصادفة، وأبطالها ضحايا اللعنة نفسها: بؤس وضياع وشقاء. بعيداً عن العبء السياسي المباشر، يغوص مارك أبي راشد في العوالم السفليّة لمدينة اسمها بيروت. ثريا (جوانا أندراوس) تعيش من بيع مفاتنها، ورفيقها في السكن جانو (إديسون منيع) مثليّ الجنس يسرف في طلب اللذة ومتع الحياة. في مقبرة للسيارات، يعيش علي (حسين معتوق). في هيكل السيارة الذي حوّله إلى شقّة «سوبر دولوكس»: فيها دوش، وخزانة، ومخبأ، وسرير فوقه ضوء... علي ابن الرابعة عشرة يتحمّل الجراح والمشقات بصمت، بجديّة رجل بالغ، ويكسب رزقه كما يستطيع. المصادفة ستضعه على طريق ثريا، وتنشأ بينهما علاقة تعاطف، حبذا لو أن البنية الدراميّة أوغلت في معالجتها. على طريق ثريا أيضاً رجل أعمال غريب الأطوار اسمه جاك (خليل الزين)، له ماضٍ نلتقط بعض نثاره (موت الابن، هجر الزوجة). إنّه زبونها ويخطط لقتلها. لماذا؟ غير مهمّ. جاك الثري ستضعه المصادفة على طريق سائق التاكسي الفقير مارون (صبحي الزين) الذي يكتشف فيه توأمه وقرينه... فيتعقّبه ويتقمّصه ويموت في مكانه. هذه باختصار اللعبة الدائريّة، العبثيّة. علي سينقذ ثريا من الموت، ويحاول أن ينتقم من قاتلها. ويمضيان معاً إلى جهة مجهولة.

يمضي المخرج/ السيناريست أحياناً بالشخصيات إلى حدود الكاريكاتور (المثلي وبائعة الهوى خصوصاً)، ولا ينشغل بتعميق العلاقات بينها. وصف الحالة هو الأهمّ، إنّه شغل كاميرا ومونتاج وديكورات ومؤثرات شتّى (موسيقى وليد المسيح وزياد سعد). يأخذنا إلى القاع، حيث يترصّد لحظات حميمة بين اللذّة والخوف والحيرة والضياع والعاطفة والجنون الهاذي في ليل بيروت الذي لا يشبه نهارها. لغة سوقيّة، ومخدرات، وجنس كئيب لا يفضي إلى النشوة (المشهد الشهير في الفراش الذي يجمع جانو وعشيقه وثريا). كأنّنا بمارك أبي راشد، من خلال طريقة التصوير (فابريس ماين) والألوان الباردة وإدارة الممثلين، يريد للشرخ أن يظهر للملأ: أهلاً بكم في بيروت، المدينة التي لا تعرفونها ربّما. كل الشخصيّات تستغيث بشكل أو بآخر، بمن فيها علي الصامت الذي لا يطلب شيئاً. فقط يفعل... وصولاً إلى القتل بمسدس اشتراه من مدخراته. وكذلك سائق التاكسي الذي يهرب إلى صورته الأخرى، بين تماهي الهويّات وسراب الارتقاء الطبقي.

مُخرج Help لا يطرح نفسه مصلحاً اجتماعيّاً، ولا يقدّم شريطاً وثائقياً عن الهامشيين في لبنان. إنه سينمائي شاب يحاول أن يشق طريقه بلغة مبتكرة. ومن أبسط حقوقه أن يواجه حكم الجمهور.


 

الرَّقابة اللبنانيّة فزّاعة المثليّ جنسيّاً

بيار أبي صعب

في الأيام الماضية امتشق بعض الصحافيين والنقّاد أقلامهم للدفاع عن فيلم مارك أبي راشد HELP. واتجهت أصابع الاتهام إلى الرقابة اللبنانيّة التي تعاطت مع هذه التجربة الإبداعيّة الجريئة بعبثيّة وخفّة وسلطويّة تفضح هشاشة مؤسساتنا ولاعقلانيّتها ولاديموقراطيّتها، بل اعتباطيتها خصوصاً: لقد سُحبت إجازة العرض الشهيرة رقم 1460 (منحت في تموز/ يوليو الماضي)، بسبب احتجاج هيئة دينية مسيحيّة، كان مركز «سكايز» سباقاً إلى اتهامها والإشارة إليها بالاسم (خطر الظلاميّة ليس حكراً على مذهب أو طائفة... لحسن الحظ!).

«الصدمة» المفترض أن الفيلم أحدثها لدى الرأي العام الذي لم يرَه، هي شخصيّة المثليّ جانو (الصورة)، وشخصيّة ثريا الصبيّة التي تبيع مفاتنها. وربّما كان المثليّ جنسياً هو العنصر الأكثر إزعاجاً. فالمؤسسة البطريركيّة لا يمكنها الاستغناء عن تجارة الهوى التي تمثّل منذ فجر التاريخ إحدى دعائمها ومتنفساتها. والمجتمعات المحافظة أحوج ما تكون إلى تلك الفزاعة، في فصامها الفظيع بين مسموح وممنوع، حلال وحرام. فضلاً عن أنّ تجارة الرقيق الحديثة طالما كانت من محركات الرأسماليّة. ولم تكن الفلسفة الاقتصاديّة التي أعيد بناء لبنان على أساسها بعد الحرب، ببعيدة عن ذلك المخزون الحيوي في ثروتنا القوميّة!

أما المثليّ (الرجل) فطامّة كبرى: إنّه يزعزع الخطاب الذكوري المزيّف، ويشوّش الصورة التي يملكها ويروّجها عن نفسه، ويحرّك العفاريت الرابضة في اللاوعي الجماعي.

مسكين الرأي العام المتروك لأمره في مهبّ الشائعات والأقاويل. القوانين تعامله كقاصر، و«المطاوعة» على أنواعهم يحاصرونه. الكل يجيّشه ويتلاعب بأهوائه ومخاوفه، فيما أنّه لم يرَ ولم يكوّن فكرته ولم يسأل رأيه. مارك أبي راشد أخذ في الاعتبار المواصفات القانونيّة التي اكتشفنا أن هناك ضوابطَ تحددها بالملليمترات والثواني. ومن المخجل ألا يعرض فيلمه في لبنان كما كان مقرّراً، لجمهور الراشدين. بسبب مشهد جنسي، يراعي الاعتبارات التقنيّة التي يطلبها الأمن العام... وبسبب جانو الطريف الذي لا يعطي صورة عن مثليي الجنس في النهاية، بل يمثّل فئة صغيرة منهم، في أنوثته الهستيريّة المحبّبة التي تلامس حدود الكليشيه.

الأخبار اللبنانية في

09/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)