تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

ضوء

تسييس صناعة السينما

عدنان مدانات

لا يستجيب كتاب الروايات الأدبية بسرعة آنية للأحداث التاريخية الكبرى إلا فيما ندر، وهم يتذرعون في العادة بالقول إنه لكتابة رواية عن حدث مهم فإنه يجب الانتظار، ليس انتظار ان تتجمع المعلومات فحسب، بل أن تختمر الفكرة، وهذا ما يحتاج إلى مرور زمن كاف بما يفصل بين الحدث والكتابة عنه روائياً.

لا يتسبب هذا الأمر في أي إشكال أو إرباك لصناعة النشر الأدبي، فهي لا تلهث وراء الأحداث، إلا فيما ندر، ولا تعتمد عليها كذلك، وهذا على العكس تماما مما يحصل في صناعة السينما التي لا تنتظر زمناً كافياً بعد انتهاء الحدث بل ، على العكس من ذلك، تسارع لتقديم الحدث، وحتى قبل نهايته، ولا يهمها إن كان الفيلم الناتج عن هذا التسارع يتسم بالتزوير في المعلومات أو بركاكة العرض أو بسطحية الفكرة. يتأكد هذا الواقع بالذات عندما يكون الحدث ذا طبيعة، أو حتى له مجرد خلفية سياسية.

لا يتحقق هذا التمايز بين صناعة السينما وصناعة نشر الأدب الروائي في مجال سرعة التفاعل مع الأحداث نتيجة خواص ذات علاقة بطبيعة كل من الفيلم السينمائي والرواية، بل يتحقق، تحديداً، نتيجة طبيعة ارتباط كل من هذين النوعين بالسياسة، والسينما هي الفن الوحيد الذي التصقت بتعريفه صفة الصناعة والتي تعتبر السياسة من أشكال تجليات بنيتها الفوقية، وقدرة صناعة السينما على تسخير أدواتها، إنتاجاً وتوزيعاً وترويجاً، لخدمة أغراض سياسية آنية بسرعة فائقة تزيد بكثير عن قدرة صناعة نشر الرواية.

يستطيع الفيلم تحقيق ما تعجز عنه الرواية، أولا، بسبب، حجم الانتشار عالميا و الذي يعتمد على قنوات توزيع متنوعة (عرض سينمائي، عرض تلفزيوني، عرض منزلي)، إضافة إلى الانتشار الفوري للفيلم في مناطق تعجز الرواية عن الوصول إليها ووصوله إلى جماهير متنوعة الأعراق والأجيال والاجناس واللغات والأمزجة والمستويات الثقافية وحتى للأميين، ثانياً، بسبب سرعة وسلاسة توصيل المعلومة للمتلقي، فمشاهدة الفيلم تستغرق زمنا أقل بكثير من الزمن الذي تستغرقه قراءة الرواية وبعناء شخصي أقل. ثالثا، بسبب امتلاك الفيلم لقدرة تأثير في المشاعر والعواطف وحتى الغرائز مضافا إليها المتعة، وهي قدرة لا تتوافر للأدب المطبوع بنفس القوة والوضوح، رابعا، بسبب قدرة غير مسبوقة تتوافر للفيلم على عرض كاذب للواقع وتزوير للوقائع المصورة بطريقة توهم بصدق وصحة ما يعرض على الشاشة.

في الحديث والجدل المتكرر حول علاقة السينما بالسياسة هناك رأي شائع إلى حد ما بين أوساط النقاد السينمائيين يعتبر أن أي فيلم كان هو سياسي بالضرورة، وهذا الرأي لا يعلنه النقاد العاملون في النقد الأدبي ولا يحتاجون للتفكير فيه، فالموضوع، بعكس ما يحصل في مجال السينما والأفلام، غير مطروح في الأدب على طاولة البحث كقضية مهمة. وفي حين لا يوجد إجماع على مثل هذا الرأي، فإنه لمن المتفق عليه أن السينما عموماً، بأنواعها وتوجهاتها المختلفة يمكن أن تستغل لأغراض سياسية، لأن المسألة لا تقتصر على الأفلام بل تتعلق بصناعة تتجاوز أهمية منتجاتها، أي الأفلام، قيمتها الاستهلاكية ومردودها الربحي، بل تشمل أساساً تأثيراتها الفكرية والنفسية والأخلاقية والسلوكية.

لهذا السبب تحديدا تقدم صناعة السينما العالمية، خاصة التابعة لسيطرة الاحتكارات والاستوديوهات الأمريكية الكبرى، التسهيلات لإنتاج العديد من الأفلام، الضعيفة المستوى فنياً ودرامياً في الغالب، والتي يكون مصدر تمويل الكثير منها جهات غير سينمائية، بل سياسية أمنية وعسكرية، جهات لا ترجو من وراء تمويلها لمثل هذه الأفلام عائداً مالياً، بل بالدرجة الأولى، عائداً سياسياً أو أيديولوجياً، فتبقى حبيسة علبها مركونة على الرفوف في المخازن، ولا يفرج عنها إلا في وقت ملائم لا تجارياً، بل سياسياً، وهو عائد لا يجري توسله عن طريق فيلم واحد بل عن طريق مجموعة أفلام توزع في أوقات متقاربة على صالات السينما في العالم وتعرض عبر محطات البث التلفزيوني الأرضي والفضائي، فيكون التأثير المفترض لهذه الحملة لا نتاج أفلام مفردة بل نتاج صناعة تنتج وتوزع وتسيطر على قنوات التوزيع والعرض وتتحكم في برامجها.

هكذا نفهم ظاهرة عرض العديد من الأفلام التي لا قيمة لها بذاتها، التي تظهر اليهود باعتبارهم ضحايا، والتي برزت مؤخراً في أوروبا زمن العدوان “الإسرائيلي” على غزة، و عرض بعضها في الفضائيات العربية المخصصة للأفلام.

الخليج الإماراتية في

07/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)