شهد هذا الأسبوع عرض فيلم واحد صفر للمخرجة كاملة أبو ذكري وبطولة
إلهام شاهين ونيللي كريم وخالد أبو النجا, وسط اتهامات بالإساءة للعقيدة
المسيحية, حيث رفع عدد من المحامين المسيحيين عدة قضايا يطالبون فيها
بوقف عرض الفيلم.
ومن جانبها اعتبرت الكنيسة أن التعرض لثوابت القضية المسيحية أمر
مرفوض تماما, خصوصا أن سيناريو الفيلم لم يعرض علي الكنيسة القبطية
الأرثوذكسية, إذ كان يتوجب أن تقوم الرقابة علي المصنفات بعرضه علي
الكنيسة, لأن ذلك حق مكتسب لها وليس منحة من أحد, خصوصا وأن الكنيسة
لديها إدارة للرقابة علي الأفلام برئاسة الأنبا مارتينوس.
الهجوم بدأ قبل أن يعرض الفيلم أو يشاهده أحد..ولا نعرف لماذا مثل
هذه الضجة فالفيلم يرصد شرائح مجتمعية متعددة ومنها شخصية الزوجة
المسيحية, ولكن يبدو أن المسيحيين المصريين باتوا مستسلمين للصورة
النمطية التي كرستها الدراما المصرية, ونقصد بها تلك الصورة الشديدة
الملائكية والمثالية للمسيحي المسالم والمهادن بعيدا عن الصور الحية لهم
والتي تتسق أكثر مع الواقع لذلك قامت الدنيا ولم تقعد عندما عرض فيلم بحب
السيما للمخرج أسامة فوزي والذي قدم شخصيات مسيحية من لحم ودم علي الشاشة
لأول مرة, إذ رأينا كيف يعيشون ويتشاجرون ويسبون بعضهم البعض في أحيان
أخري.
وبعيدا عن هذا وذاك لم نعد نفهم هل يغلق المبدعون الباب أم يفتحونه؟
خصوصا وأن الإبداع الحقيقي من المفترض ألا يعرف التابوه.. وما المانع من
مناقشة قضية مثل الزواج عند الأقباط وهناك آلاف القضايا المنظورة أمام
القضاء لزوجات وأزواج مسيحيين يرغبون في الانفصال كما أنه من الملفات
المطروحة دوما عند قداسة البابا شنودة ولا أحد ينسي قضية الفنانة هالة صدقي
والتي طلقتها الكنيسة بعد أن غيرت ملتها ثم تزوجت بعد ذلك, ومازال طليقها
في انتظار موافقة الكنيسة علي زواجه من امرأة أخري, وهو الأمر الذي أثار
تساؤلات الكثيرين حول موقف الكنيسة من استثنائها لصدقي, في حين أن هناك
آلاف الحالات مثلها.
إذن فالوقائع موجودة في الحياة, إلا أن عددا من المحامين الأقباط
برئاسة المحامي نجيب جبرائيل تقدموا بشكوي إلي رئيس الوزراء المصري ووزير
الثقافة يتهمون الفيلم بالإساءة إلي العقيدة المسيحية وتحديدا أسرار الزواج
والطلاق, كما قاموا برفع دعاوي قضائية ضد الفيلم متسائلين عن موقف الدولة
الرسمي من الفيلم, خصوصا وأنه من إنتاج قطاع السينما الذي يتولي رئاسته
ممدوح الليثي ويتبع وزارة الإعلام ومدينة الإنتاج الإعلامي المصرية.
والمفارقة أن كل ما نشر عن شخصية المرأة المسيحية التي تجسدها إلهام
شاهين ليس صحيحا, علي حسب ما ذكر منتج الفيلم ممدوح الليثي الذي أكد أن
الفيلم لا يحمل أي إساءة للشخصية المسيحية كما ذكرت بعض الأقلام, بل
يتعرض باحترام لحياة امرأة مسيحية ترفض الكنيسة تزويجها من شاب مسيحي
مثلها( وليس مسلما كما ادعي البعض) بعد أن انفصلت عن زوجها.
والفيلم بتلك الشخصية يفتح ملف الزواج والطلاق في الكنيسة وهو من
الملفات الشائكة التي تتحفظ الكنيسة بشأنها, ويبدو أن الرقابة التي
اعتادت في السنوات الماضية إرسال سيناريوهات الأفلام التي تتعرض إلي
الديانة المسيحية إلي الكنسية خالفت هذا المبدأ مع' واحد صفر'ولا أحد
يعرف هل حدث ذلك من باب نصرة الإبداع أم تم الاتفاق مع فريق عمل الفيلم علي
تكتم أمر تلك الشخصية وتنفيذ الفيلم حتي تجد الكنيسة نفسها في مأزق حين
يتحول الأمر إلي قضية رأي عام, بحيث تكون هناك العديد من الأقلام
المستنيرة التي ستساند القضية التي يطرحها الفيلم, وهذا الأقرب إلي تصور
ماحدث.
كاملة أبو ذكري مخرجة الفيلم أبدت انزعاجها الشديد من موجة الغضب التي
أحاطت به قبل عرضه وطالبت الغاضبين بالانتظار حتي يعرض الفيلم, وعلي
الجانب الآخر لم تحمل المخرجة الكنيسة مسئولية الهجوم علي الفيلم وقالت إن
المشكلة ليست في الكنيسة وإنما في أننا تعودنا أن الفن تتدخل فيه عدة
مؤسسات وهو مناخ خانق للإبداع.
كما حدث أخيرا في فيلم محمد هنيدي عندما احتج بعض المعلمين ورأوا أن
الفيلم يسئ للمعلم, وقبل ذلك في فيلم' الأفوكاتو' عندما اعترض عليه
المحامون..وتم تحويل النجم عادل إمام ومخرج الفيلم رأفت الميهي إلي
المحاكمة لأنه يشوه صورتهم.
أما الرقابة علي المصنفات الفنية للرقابة برئاسة علي أبو شادي فلم تبد
أي تحفظ علي أحداث وتفاصيل الفيلم, وحذفت فقط بعض مشاهد لمشاجرات من تلك
التي تحدث في الأماكن الشعبية, وكانت تحتوي علي ألفاظ وشتائم رأتها
إباحية مثل' يا ابن الـ...'.
قصة الفيلم تتعرض لحياة امرأة مسيحية علي خلاف عادي مع زوجها وتشعر
باستحالة استمرار حياتهما معا, فطلبت الطلاق من الكنيسة التي رفضت حسب
قوانينها, وهو الأمر الذي دفع السيدة إلي الدخول في علاقة مع شاب مسيحي
وحملت منه- بحكم أن علاقتها الحميمية بزوجها منقطعة- بذلك أصبح هناك
أمر واقع علي الكنيسة أن تعتد به بطلاقها من زوجها لأن الكنيسة تجيز حالات
الطلاق فقط في حالة الزنا, لتتزوج من والد ابنها الذي تحمله في بطنها.
برواز
يذكر أن هناك تاريخا طويلا من التحفظات الرقابية اعتادت أن تحيط
بالأفلام التي تتناول الشخصية المسيحية في السينما المصرية, مثلما حدث في
فيلم' القدر' بطولة حسين فهمي, حيث اعتبره البعض يدعو إلي التفرقة
العنصرية خصوصا أن أحداثه تدور حول فتاة قبطية سيئة السلوك يحاول شاب مسلم
إصلاح سلوكها, وأيضا فيلم' بحب السيما' بطولة ليلي علوي ومحمود
حميدة, الذي اعترضت عليه الكنيسة لأنه يناقش مشكلة رب أسرة مسيحي
متشدد, وسقوط زوجته في بئر الخيانة الزوجية.
الأهرام العربي في
07/03/2009 |