تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

السينما الإيرانية.. مظاهر برّاقة وأخرى خادعة!

العرب أونلاين- صابر بن عامر

يكثر الحديث عن السينما الإيرانية كظاهرة، كونها استطاعت إثبات وجودها وبقوة على الساحة السينمائية العالمية منذ التسعينات، بل إن بعض النقاد يرى تأثيرها على السينما العالمية امتدادا للموجة الجديدة الفرنسية، التي أثرت في السينما عالمياً في الخمسينات والستينات، والسينما الألمانية التي أثرت في السبعينات، وسينما هونغ كونغ التي تأثرت بها السينما عالمياً في الثمانينات والتسعينات.

وحاليا، لا يكاد يمر مهرجان دولي دون أن يكون الحضور الإيراني فيه غزيرا، بل لتكون سينماءها منافسا حقيقيا على الجوائز. فكيف استطاعت السينما الإيرانية، بإمكانات بسيطة، وبرقابة صارمة، بدءاً من اللباس الذي يجب على النساء التقيد به عند ظهورهن في الفيلم إلى غير ذلك من الأمور والتفاصيل الصغيرة، ناهيك عن التابوات المعتادة "الجنس ـ الدين ـ الدولة"، أن تتمكن من الوصول إلى هذه المكانة العالمية؟..

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من إعطاء نبذة قصيرة عن بدايات السينما في إيران، ثم إلقاء الضوء على بعض الأسماء الإيرانية المعروفة عالمياً، بحسب الأجيال التي تنتمي إليها، طبعا.

بدايات وغايات

يرجع تاريخ السينما في إيران إلى عام 1900، يوم كان الشاه الإيراني مظفر الدين شاه، في زيارة لإحدى الدول الأوروبية وأحضر معه أول آلة تصوير في البلاد.وفي عام 1904، افتتحت أول صالة عرض للسينما بإيران. وهو ما يؤكد أن بدايات مشاهدة السينما كانت مبكرة، إلا أن أول فيلم إيراني تم إخراجه كان بعنوان "آبي ورابي" سنة 1930، على يد المخرج أفانيس أوهانيان.

حيث كانت السينما الإيرانية أيامها متأثرة بالسينما الهندية، وبعدها بدأت تأخذ خطاً مستقلاً لها يعبر عن خصوصياتها، وإن كان هناك ضغوط من الدولة للاتجاه نحو العصرنة، وإظهار إيران بشكل عصري منفتح على الغرب.وقد كان هذا تحديداً في فترة الستينات، حيث ظهرت موجة جديدة من المخرجين الإيرانيين الذين ابتدعوا تقنيات جديدة في السينما ولم يخشوا من النقد الاجتماعي.ومن أهم أفلام هذه الفترة، فيلم "البقرة" 1969، الذي أخرجه داريوش ميهرجيو.

أسس هذا الفيلم، الذي صور بأكمله في قرية إيرانية لمنهج الواقعية الجديدة الذي نادت به السينما الايطالية، وهي المدرسة التي سيتبعها أهم مخرجي إيران في ما بعد.فكانت أفلامهم تناولا معمقا لحياة الفقراء والطبقة العاملة، من خلال لقطات طويلة في مواقع التصوير الحية، وغالباً ما اعتمد على ممثلين غير محترفين في الأدوار المساعدة، وأحياناً في الأدوار الرئيسية.معتمدة أساسا على التغيرات التي تعتمل في النفسية، وأوضاع الحياة اليومية.

لكن فيلم "البقرة" المشار إليه آنفا منع من العرض أيام الشاه، لكونه يتعارض مع صورة إيران العصرية عصرئذ، فتم تهريبه إلى الخارج، ليتم عرضه في مهرجان البندقية عام 1971، حيث لاقى احتفاء واسعا من قبل النقاد.

عود على بدء

ظلت السينما الإيرانية حتى منتصف السبعينات تنتج أفلاماً ذات مستوى فني عال، ربما كان من أهمها فيلم بهرام بايزائي "أكثر غربة من الضباب" سنة 1975، لكنها بدأت بعد ذلك في التراجع حتى قيام الثورة الإيرانية عام 1978، حيث تغير الحال تماماً.

فقد كانت النظرة العامة للسينما هي أنها رمز من رموز نظام الشاه والتأثير الغربي، ونتيجة لذلك تم إحراق أكثر من 180 دار سينما، كما أن 400 شخص قد ماتوا في حادث إحراق إحدى دور السينما في "عبادان" عمداً.

وقد أدت هذه الظروف، إضافة إلى الرقابة الصارمة التي تفرضها الدولة على الأفلام التي لم تكن ذات حدود واضحة، إلى اختفاء النساء من المشهد السينمائي تماماً. وعلى الرغم من هذا، فقد تم إنتاج بعض الأفلام المتميزة في بداية الثمانينات كفيلمي بهران بايزائي "نشيد من تارا" 1980، و"موت يازديجيرد" 1982، وفيلم أمير نادري "البحث" 1982، وإن كانت هذه الأفلام قد حظر عرضها داخل إيران.

تحايل وخصوصية

وفي منتصف الثمانينات، تغيرت سياسة الدولة تجاه الفنون، وبدأت في تشجيع إنتاج أفلام محلية، لكن هذا لم يقلل من تدخّل الرقابة فالحظر ما يزال مستمرا تجاه الكثير من الأعمال السينمائية الهامة.

وهذا الإصرار على الاستمرار في الإنتاج رغم الظروف الحالكة ومحاولة التحايل على الرقابة الصارمة، خلقت نوعا من السينما ذي ملامح خاصة وأعطاها هذا التميز الذي أوصلها إلى المكانة العالمية التي تحتلها الآن، الذي بدأ تحديداً منذ التسعينات.

فظهرت أجيال من المخرجين الإيرانيين التي يتبنى جميعهم الواقعية الجديدة في الإخراج مرتكزين على المزج بين الروائي والتسجيلي. مع خصوصية كل واحد منهم في تشكيل بصمته الخاصة التي تشكل رؤية سينمائية معينة ومنفردة.

وهنا لابدّ من استحضار اسم بارز في السينما الإيرانية هو محسن مخملباف، إذ لا يمكن الحديث عن الجيل الثاني من مخرجي الواقعية الجديدة والذين وصلوا بها إلى العالمية دون ذكر مخملباف الذي قرر عام 1979، إثر خروجه من السجن، بعد القبض عليه بتهمة الانتماء إلى إحدى الجماعات المتطرفة، وطعن رجل شرطة "في دفاع عن النفس"، أن يتفرغ للفن بكتابة المسرحيات.

وقد كان أحد أفلامه الأولى "المقاطعة" 1985، الذي يروي فيه بعض تجاربه في الحياة.والطريف أن الذي قام بالدور الأساسي الذي يمثله شخصياً هو مجيد مجيدي، الذي أصبح اسماً مهماً بعد ذلك في عالم الإخراج.وأعقب هذا بفيلم "سائق الدراجة" 1987، ثم "زواج المنعمين" 1989، الذي يروي مأساة جرحى الحرب العراقية ـ الإيرانية.

في هذه الفترة، كانت أفلام محسن مخملباف، محملة بنقد اجتماعي واضح.بعدها، بدأ بثلاثية السينما التي تروي حبه للأفلام والسينما وهي "كان يا ما كان، سينما" 1989، ثم "الممثل" 1993، وأخيراً "سينما السلام" 1995. أعقب هذه الأفلام، فيلم يعد ـ برأي النقاد ـ أفضل أفلام مخملباف، فقد تخلى فيه عن النقد الاجتماعي، وأفسح المكان لنظرة تأملية بعيدة عن الانفعالية.

وهي احدى الأسباب التي جعلت من أفلامه الأكثر انتشاراً في الخارج في تلك السنوات. حيث كان فيلمه "غابة" "وتعني بالفارسية السجادة الجميلة"الذي أنتجه سنة 1995. بمثابة النقلة النوعية في طرحه السينمائي، فالفيلم عبارة عن حكائية بسيطة لقصة زوجين طاعنين في السن، من البدو، يفوزان بسجادة جميلة تخرج منها امرأة شابة لتروي لهما حكاية قبيلتها من خلال السجادة.

وقد فاز الفيلم بجوائز عديدة في مهرجانات عالمية.أعقب هذا بفيلمين هما "لحظة البراءة" 1996، و"الصمت" 1998.

لكن الفيلم الذي جعله يفوز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان، هو فيلم "قندهار" 2000. ويرى كثير من النقاد، أن توقيت إنتاج الفيلم كان عاملاً حاسماً في فوزه، فقد خرج الفيلم إلى العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر، ليعرض للعالم من هم الأفغان، ومم يعاني الشعب الأفغاني، وما هي الظروف القاهرة التي تعيش في ظلها المرأة الأفغانية. وأجمل ما فيه أنه لم يكن يحاكم أحداً، بقدر ما كان يعرض واقعاً مراً كما هو.

الفيلم كغيره من الأفلام الإيرانية، يقع في منطقة وسطى بين الروائي والتسجيلي، يروي قصص الأفغان ومعاناتهم، خلال حكم "طالبان"، في رحلة امرأة أفغانية تعيش في أميركا، عادت إلى بلادها، للبحث عن أختها، التي أخبرتها، في رسالتها الأخيرة، بأنها ستنتحر بعد أن أصيبت بالإكتئاب جراء ملازمتها البيت.

في رحلة البحث عن قندهار، تنتقل بطلة الفيلم من دليل إلى دليل، لكل منهم قصته، وفي كل مرة عليها تذكر بأنه في حالة الإمساك بها، عليها أن تقول إنها أخت هذا الدليل، أو زوجته، وتفاصيل أخرى مختلقة يتفقان عليها.من أهم الأشياء التي أسس لها الفيلم، أنه اخترق بلداً غير مكتشف سينمائياً من قبل، وهو بهذا شجع كثيرين بعده من الجيل الجديد من المخرجين كياسمين مالكنصر وأبو الفضل جاليلي وابنته "سميرة"، وصديق برمك، على إخراج أفلام عن أفغانستان.

كما أن الفيلم أيضاً، أظهر أجمل ما يميز سينما مخملباف، وهو جمال الصورة والاستعارات الرمزية، إذ من المشاهد التي لا يمكن نسيانها في "قندهار" مخملباف ذاك المنظر السريالي لأطراف صناعية تنزل بالباراشوت إلى الصحراء، يتراكض إليها عدد من الرجال، كلهم مبتورو الأطراف.

كما يعد بهرام بيضايي من المخرجين السينمائيين الأكثر شهرة في إيران اليوم، وقد حقق مؤخرا بشريطه "قتل الكلاب المسعورة" نجاحا فائقا، حيث كان من أكثر الأفلام تحقيقا للإيرادات في العقود الماضية، إلا أن هذا الفيلم، قد ظل غير معروف تقريبا في البلدان الغربية، تماما مثل "عاملة المخبز" و"بساط الريح" و"نار وماء" وكلها كانت وما تزال أفلاما ناجحة.

بين نقيضين

تنبع السينما الإيرانية في مجملها من خصوصية شعرية أصيلة، فالشعر الإيراني الكلاسيكي هو الذي يمدها بهذه الصور البسيطة الواضحة والمركبة مع ذلك، والتي يصوغ المخرجون من خلالها آراءهم النقدية –المشاغبة في بعض الأحيان– ويستعرضونها بأسلوب رمزي.

لكن هذا المنحى الجمالي يمكن أن يكون قد تحول إلى موضة: وهكذا غدت بعض الأعمال تنجز ضمن التطلع إلى إمكانية رواج في الخارج. ويمكن للمرء أن يشتمّ من وراء الحالات الشهيرة للوقوع تحت طائلة الرقابة نوعا من "زوابع" مستثارة عن قصد، إذ أن ذلك يمنح فرصة للنجاح في الغرب.

فهناك العديد من الأفلام الإيرانية التي لقيت نجاحا كبيرا في أوروبا وحازت أيضا ذات النجاح في إيران كفيلم "تارانيه، العمر 15 سنة" لرسول صدر آملي و"تحت جلد المدينة" و"الشال الأزرق" لراخشان بني- اعتماد، أو "سجن النساء" لمنيّه حكمت.وهؤلاء كلهم مخرجون استطاعوا أن يلاقوا نجاحات متكررة في الغرب.

بالمقابل هناك آخرون من "مخرجي المهرجانات" الذين لا يحظون بنفس التقدير. ويصنف الناقد السينمائي مهدي عبد الله زاده بعض المخرجين المتوّجين بالجوائز مثل جليلي صاحب فيلم "Delbaran"، ومخملباف صاحب "رحلة إلى قندهار" أو مجيدي مخرج "باران" بوصفهم مسرحا للأكاذيب.

وقد خسر مخملباف، مثلا، الصورة البطولية التي كان قد اكتسبها في الماضي كمنتقد للنظام ومخرج لأفلام اجتماعية هادفة. وقد غدا البعض يرون فيه رجلا أنانيا أصبح هاجسه الأول في الآونة الأخيرة استجداء الشهرة في الغرب أكثر من التوجه إلى جمهور بلاده.

وحتى مجيدي الحائز على الأوسكار فإنه لا يتجاوز في نظر العديد كونه ناسخا موهوبا ليس أكثر. وفي مقابل هذه الظاهرة الفنية التجارية يستعرض عبد الله زاده أسماء مجموعة من المخرجين البارزين الآخرين من أمثال بهمان قبادي "ضائع في العراق" أو عباس كياروستامي "Ten"، وهؤلاء أيضا – رغم ذلك- مخرجون حائزون على النجاح والجوائز في أوروبا.في بلاد المفارقات والغموض التي تعيش علاوة على ذلك تقلبات اجتماعية حادة تغدو مسألة طرح الاختيار بين: "الفن أم التجارة" و"الأصالة أم التزوير" مسألة ذوق بالنهاية.

في المحصلة يظل مستقبل السينما الإيرانية على العموم أمرا غير معلوم، والأمر الثابت الوحيد هو أن التحول الذي عرفته السياسة الثقافية تحت حكم الرئيس خاتمي يسر التخلص من مركزية قطاع الانتاج السينمائي وأرسى إنتاج سينمائي مستقل.

وهذا الأمر يقود من حين لآخر إلى تقلص الرقابة وإلى التمكن من تناول قضايا اجتماعية شائكة، وهو تطوّر فرض نفسه وسيحدث تغييرات هامة على محتوى وجماليات السينما الإيرانية بصورة أكثر جلاء ووضوحا عما كان عليه الوضع في السابق.

العرب أنلاين في

07/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)