تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

ضوء

بؤس الهند بين فيلمين

عدنان مدانات

مقابل الاحتفاء العالمي بالفيلم البريطاني الهندي “المليونير المتشرد” (احتفى به أيضا مهرجان دبي السينمائي)، اعترضت أوساط كثيرة في الهند على الفيلم لكونه يعرض صورة صريحة جدا عن الفقر فيها، وعن العصابات التي تتاجر بالأطفال وتحولهم إلى متسولين. فيلم “ المليونير المتشرد” ينطلق من فكرة عميقة الدلالة، ويعتمد على حبكة مثيرة وواعدة بالجديد تستند إلى نجاح شاب فقير في الفوز ضمن برنامج “من سيربح المليون”، ولكن قصته تتطور، نوعا ما، ضمن قوالب السينما الهندية، حيث الصراع بين الخير والشر وحكاية الحب الذي ينتصر في النهاية، متوجا برقصة هندية جماعية.

يعيد هذا الفيلم إلى الأذهان فيلما هنديا آخر هو”سلام بومباي” (1988)، للمخرجة الهندية ميرا ناير في فيلمها الروائي الطويل الأول والذي أصبح الفيلم الثاني في تاريخ السينما الهندية الذي يحصل على ترشيح أفضل فيلم أجنبي ضمن جائزة الأوسكار الأمريكية. لم يثر الفيلم في حينه أية اعتراضات على صور البؤس والإجرام التي يعرضها وعلى نهايته غير السعيدة، وذلك على العكس مما حصل مع الفيلم الجديد، الذي ينتهي نهاية سعيدة.

بطل فيلم” سلام بومباي” صبي في حدود الحادية عشرة من عمره يضطر لمغادرة قريته فتسوقه الأقدار نحو مدينة بومباي ليستقر في واحد من أفقر أحيائها وليعيش بين حثالة المجتمع من لصوص وبائعات هوى ومدمني مخدرات، وهو يظل يأمل أن يتمكن من توفير مبلغ صغير من المال يتيح له فرصة العودة إلى قريته، لكنه يعجز عن تحقيق هدفه.

تسرد المخرجة حكاية الصبي ابتداء من مشهد في ضواحي القرية نراه فيه يساعد آخرين من رجال السيرك على تفكيك معدات وتجهيزات السيرك وجمعها في العربات. ويقترب مدير السيرك من كريشنا ويطلب منه الذهاب إلى القرية المجاورة لشراء علبتي تبغ له. حين يعود كريشنا يكتشف أن السيرك قد رحل وبقيت أطلاله فقط في المكان.

بعد ذلك نرى كريشنا واقفا أمام كوة بائع التذاكر في محطة القطار، يمد له ما معه من مال طالبا تذكرة لأقرب مدينة فيقطع له البائع تذكرة إلى بومباي (هي عاصمة السينما في الهند)، ويقول له وهو يسلمه التذكرة: أرجو أن تعود إلينا نجماً سينمائياً.

أول ما سيرى كريشنا في محطة القطار شاشة تلفزيون معلقا قرب الرصيف يعرض عليها فيلم هندي يبين الممثلة ترقص وتغني، وأول ما سيراه ما أن يخرج من محطة القطار في بومباي ملصقات الأفلام الهندية وصور نجومها(هنا سينتهي دور السينما التي لن يصبح كريشنا حتما واحدا من نجومها، ولن تعود المخرجة إلى السينما بعد ذلك إلا عندما تصور كريشنا وهو يجلس في مقعده في صالة السينما ويرقص ويغني بفرح عارم وهو يقلد بطلة الفيلم التي نراها في مشهد غنائي راقص).

تشكل هذه المشاهد الافتتاحية قطيعة مع المشاهد اللاحقة التي ستستمر على مدى الفيلم كله، حيث سنتعرف على بومباي لا كمدينة للسينما، بل كمدينة فيها الكثير من البؤس والمعاناة.

ما أن يسير كريشنا هائماً في الشارع حتى يخطف منه لص شاب ما بحوزته فيبادر كريشنا لمطاردته، غير أن المخرجة لا تتابع الحدث بل سرعان ما تبين لنا كريشنا وهو يعمل كفتى توصيل لدى بائع الشاي في حي فقير مكتظ ببشره وبيوته. ومنذ هذه اللحظة سنعرف كريشنا باسمه الجديد وهو شايباو(في الهندية صبي الشاي).

لا تشرح المخرجة كيف حصل كريشنا على هذا العمل، مرة أخرى سنفهم فقط لاحقا أن الفتى الذي سرقه، واسمه شيلوم، هو الذي عثر له على هذا العمل وصار صديقه. سنتعرف تباعا على هذا اللص شيلوم وسنعرف انه يبيع المخدرات في الشوارع للسياح الأجانب وانه بدوره مدمن مخدرات وانه يعمل لدى مروج أكبر منه، سيقوم بطرده في النهاية، بعدما يكتشف انه يخدعه، ليتركه أمام مصيره المحتوم، الموت. أما المروّج فهو متزوج من امرأة تعمل بائعة هوى وتعيش معه ومع ابنته الصغيرة، هذه الابنة التي تشكو من الوحدة ومن أن لا أحد يلعب معها في الحياة، والتي تراقب من خلف الزجاج أمها وهي تمارس عملها مع زبائنها الرجال، فلا تستطيع أن تمنع نفسها من خرمشة الزجاج بأظافر أصابعها الطرية المتوترة ثم الجلوس على الأرض والانكفاء على النفس في انتظار خروج الأم، والتي لا تعرف لحظات الفرح إلا حين تختلي بطفلتها وتلاعبها وترقص معها.

يتصادق شايباو، مع فتاة سيطلق عليها شايباو اسم مركب يعني” العمر 16 الجميل”. وهذه الفتاة عذراء غريبة لا تنطق طوال الفيلم، جرى اختطافها من موطنها البعيد وجيء بها أسيرة إلى بيت بائعات الهوى جرى تهيئتها للمهنة من قبل القوادة، بعد بيع عذريتها لأول مشتر، عزاؤها حين يعطف عليها شايباو.

يعكس استخدام ميرا ناير للأغاني الشائعة في الأفلام الهندية، ليس فقط رغبة المخرجة في تبيان مدى تأثير هذه الأغاني على الناس، بل أيضا مدى غربة هذه الأغاني عن الواقع.

الخليج الإماراتية في

21/02/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)