من المتوقع أن تشهد السينما الإسبانية صحوة تنعش آمالها الكبرى
باسترجاع عائدات الشباك الضخمة والجوائز العالمية وإشادة النقاد بعودة كبار
مخرجيها أمثال بدرو ألمدوبار وأليخاندرو أمينابار، وخوان أنطونيو بايونا
وخوليو ميديم وأليكس دي لا إيجليسيا، لتقديم أعمال متميزة تعكس قصصا
رومانسية مغلفة بحبكات بوليسية أو من خلال عرض قصص مستوحاة من التاريخ
المصري الفرعوني.
يشار إلى أن السينما الإسبانية شهدت انتكاسة حقيقية خلال عام 2008 فلم
تتجاوز الأعمال الإسبانية أربعة أعمال فقط بين 25 عملا عالميا عرضت العام
الماضي وحققت أعلى الإيرادات على مستوى العالم ، وربما لم تكن الأرقام
بالغة السوء، ولكن يبدو أن عام 2009 سيكون أفضل.
ولم تنجح مشاركة النجوم العالميين في تحسين معدل إيرادات السينما
الإسبانية خلال العام الماضي، والتي شهدت العديد من الأفلام ذات الإنتاج
المشترك مثل "فيكي كريستينا برشلونة"، الذي تدور أحداثه في إطار كوميدي
رومانسي في قلب مدينة برشلونة في فصل الصيف، حيث استعان المخرج الكبير وودي
آلان بالإضافة إلى النجمين خابيير بارديم وبينيلوبي كروث، بالنجمة الشقراء
سكارليت يوهانسن.
ويذكر من بين الأعمال المشتركة أيضا فيلم المخرج الأمريكي الكبير
ستيفن سودربيرج، عن حياة البطل الثوري الملحمي تشي جيفارا، ويحمل عنوان "التشي
.. الأرجنتيني" من بطولة النجم البويرتوريكي بنيثيو ديل تورو، وكوكبة من
نجوم السينما الإسبانية، وتم تصوير جزء كبير من أحداثه في إسبانيا.
ووفقا لبيانات وزارة الثقافة حقق هذان الفيلمان وفيلم الإثارة "REC" إضافة إلى فيلم "الملجأ" للمخرج الشاب الواعد خوان أنطونيو بايونا
أعلى الإيرادات خلال عام 2008.
ويراهن النقاد وشركات دور العرض على أن تعطي عودة مخرج كبير من عيار
بدرو ألمدوبار بفيلمه الجديد "الأحضان المحطمة" بعد توقف دام لعامين، دفعة
كبيرة لشباك التذاكر. ومن المنتظر طرح الفيلم للعرض في إسبانيا والعالم
اعتبارا من 18 آذار/ مارس القادم.
ووفقا لتصريحات المخرج نفسه يعود ألمدوبار للعمل من جديد مع تميمة حظه
النجمة بينيلوبي كروث التي كانت بطلة فيلمه الأخير "العودة" والتي استطاعت
أن تجلب له السعفة الذهبية لمهرجان كان عام 2006 كأفضل دور نسائي، والمرشحة
هذا العام للحصول على جائزة الأوسكار كأفضل دور ثان عن فيلمها الأخير "فيكي
كريستينا برشلونة".
وبالرغم من أن الفيلم من نوع الإثارة البوليسية إلا أن أحداثه تدور في
إطار رومانسي عاطفي، وتم تصوير جزء كبير من الفيلم في جزيرة لانثاروتي، وهي
محمية طبيعية، جنوب إسبانيا، وتقوم كروث بأداء دور شخصيتين مختلفتين تماما،
احداهما شقراء تماما مثل مارلين مونرو.
القفزة النوعية الثانية التي تشهدها السينما الإسبانية تتمثل في فيلم
المخرج الشاب أليخاندرو أمينابار، "أجورا" وهي دراما رومانسية تاريخية سوف
يتم تصويرها في مالطا وإن كانت أحداثها تدور في إطار فرعوني في أجواء مصر
القديمة. وتلعب بطولته النجمة الجميلة ريتشيل ويز، ويقوم بكتابة السيناريو
للفيلم الناطق بالإنجليزية، مساعده ماتيو خيل الذي اشترك مع في أفلام
"الآخرون" للنجمة نيكول كيدمان، و"البحر الداخلي"، للنجم خابيير بارديم.
ومن المنتظر انتهاء التصوير وبدء عرض الفيلم في إسبانيا بحلول أيلول/سبتمبر
المقبل، على أن يبدأ عرض الفيلم في الولايات المتحدة في كانون أول/ديسمبر
من العام الجاري.
من ناحية أخرى، بعد نجاح فيلم المخرج الشاب الواعد خوان أنطونيو
بايونا "الملجأ" في التأكيد على مكانته العالمية، تعاقدت استوديوهات
يونيفرسال الأمريكية مع المخرج الإسباني لتصوير فيلم "HATER" أو "المعادي" كما تم ترشيحه لتصوير الجزء الثالث من سلسلة أفلام
"الشفق"، ولا ينتظر ظهور المشروعين على الشاشة قبل حلول عام 2010.
أما المخرج أليكس دي لا إيجليسيا صاحب "جرائم أوكسفورد"، أحد الأفلام
الأكثر تحطيما للإيرادات خلال عام 2007، وكان أيضا من إنتاج مشترك، وبطولة
إيلايجه وود و جون هيرت، فيستعد حاليا لتصوير عمله الجديد "العلامة
الصفراء"، وهو فيلم مغامرات كلاسيكي مأخوذ عن إحدى روايات الكوميكس، هذه
الصرعة الأدبية الجديدة التي تجتاح العالم حاليا.
إضافة إلى أعمال المخرجين الرجال: ألمدوبار وأمينابار وبايونا وأليكس
دي لا إيجليسيا، نجد العنصر النسائي يتسابق أيضا على غزو استوديوهات
هوليوود، ومن أبرز هذه العناصر المخرجة الإسبانية إيزابيل كويشيت، التي حقق
فيلمها الأول "المرثية" بطولة بينيلوبي كروث والبريطاني بن كينجسلي، نجاحا
كبيرا، خلال عام 2007، حيث من المنتظر أن تنتهي من تصوير مشروعها الثاني
ويحمل عنوان "خريطة أصوات طوكيو" خلال العام الحالي.
وتدور أحداث الفيلم في العاصمة اليابانية كما يلعب بطولته مجموعة من
النجوم الآسيويين وعلى رأسهم الفنانة رينكو كيكوتشي، التي رشحت لنيل
الأوسكار كأفضل ممثلة دور ثان عن دور الطالبة البكماء المعقدة في فيلم
"بابل"، ويقف أمامها في العمل نفسه الممثل الشاب سيرجي لوبيث.
تدور أحداث الفيلم في إطار رومانسي، ظاهريا، إلا أن الفيلم في العمق
من نوعية الإثارة، حيث تقوم فتاة بريئة المظهر تعمل في مصنع تعبئة أسماك
بأعمال إجرامية قذرة، مثل القتل مقابل المال.
على صعيد متصل، وبعد النجاح منقطع النظير الذي حققه الفيلم الإسباني
اليوناني الإيطالي المشترك، عن حياة الفنان التشكيلي الكبير "الجريكو"، فقد
استعانت شبكة تليفزيون "أنتينا 3" ببطل فيلم "وداعا لينين" الألماني دانييل
بروهل، لعمل فيلم بميزانية ضخمة تتجاوز العشرة ملايين يورو عن حياة الكاتب
والمخرج المسرحي والأديب الإسباني الكبير، لوبي دي بيجا، وقد تم اختيار
"14" كعنوان مؤقت للفيلم.
ومن المنتظر أيضا أن يشهد عام 2009 ، ظهور أعلى الأفلام تكلفة في
تاريخ السينما الإسبانية، وهو من نوعية الرسوم المتحركة ويحمل عنوان
"الكوكب 51" وبلغت تكلفته حتى الآن 40 مليون يورو، وكتب له السيناريو، جو
ستيلمان، صاحب سلسلة أفلام "شريك"، والفيلم ناطق بالإنجليزية، ويقوم
بالأداء الصوتي له كل من جاري أولدمان جيسيكا بيل وجون كليز.
في الوقت نفسه من المتوقع عودة المخرج الواعد سانتشيث أريبالو، الذي
حقق فيلمه "أزرق غامق مائل للسواد" نجاحا كبيرا عام 2006، للتألق مجددا من
خلال فيلمه الجديد "البدناء"، وهو يختلف كثيرا عن عمله الأول من حيث طرافة
الموضوع، ونمط الفيلم نفسه. الطريف في الأمر أن المخرج أجبر بطل الفيلم
أنطونيو دي لا توري على زيادة وزنه 15 كيلوجراما لملاءمة الدور.
في هذا السياق، لا يمكن للسينما الإسبانية أن تنسى مخرجا متميزا مثل
خوليو ميديم، صاحب أفلام مثل "عشاق الدائرة القطبية" و"لوثيا والجنس"،
والمتوقف عن العمل منذ فترة، مما اضطره لأول مرة لقبول إعادة تقديم فيلم،
سبق إخراجه من قبل، حيث يتعين عليه وضع لمسته الشخصية الفريدة لفيلم المخرج
التشيلي ماتياس بيزيه "في الفراش"، في رؤية جديدة بعنوان "غرفة في روما".
وسوف يبدأ ميديم هذه الأيام تصوير الفيلم الذي تدور أحداثه هذه المرة
في العاصمة الإيطالية روما، ليحول قصة الحب العابرة في الفيلم الأصلي، إلى
علاقة جسدية بين امرأتين، الإسبانية إيلينا أنايا والروسية ناتاشا
ياروفنكو.
ولأول مرة بالنسبة للسينما الإسبانية وبعد النجاح غير المتوقع لفيلم
الرعب "REC" بنسختيه الإسبانية والهوليوودية، قرر
جوامي بلاجيرو وباكو بلاثا تصوير الجزء الثاني من الفيلم، الذي كان أحد
مفاجآت 2007، وسوف يتحول الفيلم من خلال تقديم مجموعة من المفارقات
والألغاز التي تستعصي على الفهم، والتي تثير حلولها الرعب والدهشة إلى عمل
كلاسيكي، قد تصبح له العديد من الأجزاء على غرار سلسلة الأفلام المعروفة
باسم "منشار الرعب".
ومن مفاجآت عام 2009 بالنسبة للسينما الإسبانية، تقرر أن يكون مشروع
المخرج الأمريكي الكبير وودي آلان إسبانياً، وذلك بموجب الاتفاق المسبق
الذي تم بينه وبين شركة الإنتاج الإسبانية "ميديا برو"، ويشارك في بطولته
عدد من النجوم الإسبان الذين ذاع صيتهم دوليا في الآونة الأخيرة.
وبصرف النظر عن حصولها أو عدم حصولها على جائزة الأوسكار، من المنتظر
أن تواصل بينيلوبي كروث تألقها، خلال عام 2009، من خلال فيلم "تسعة" أو "nine" للمخرج روب مارشال المأخوذ عن رائعة
المخرج الإيطالي الكبير فدريكو فلليني "½ر8".
وفي الوقت نفسه تؤكد مواطنتها ماريبيل بيردو نجاحها من خلال فيلم
"الموسوم" للمخرج الأمريكي الكبير فرانسيس فورد كوبولا، بطولة الإسبانية
المخضرمة كارمن ماورا، وهو العمل الذي كان مرشحا له خابيير بارديم، ولكن
كوبولا غير رأيه في اللحظة الأخيرة، أما بارديم فسوف يدخل في تجربة جديدة
تماما من خلال تعاونه في مشروع سينمائي أمريكي، بعنوان "الجميل" أو "Beautiful" مع مخرج فيلم "بابل" المكسيكي أليخاندرو جونثاليث إنياريتو.
وفي النهاية هل يشهد عام 2009 برغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة، التي
خلفت حتى الآن 5ر3 مليون عاطل، انفراجة حقيقية بالنسبة للسينما الإسبانية؟
يبدو أن جميع الشواهد تشير إلى ذلك سواء على الصعيد المحلي أو العالمي،
ولكن يبقى المعيار الحقيقي الذي تعلق عليه السينما الإسبانية آمالها
الكبرى، وخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية، وهو شباك التذاكر، وخاصة مع تحول
قطاع كبير من الجمهور ودور العرض إلى الأفلام الهوليوودية ذات الإنتاج
الضخم.
العرب أنلاين في
18/02/2009 |