لعلّ حضور
الدراما
التركية المدبلجة باللهجة السورية التي بدأت فضائية «أم بي سي1» بعرضها ثم
لحقت بها
بعض الفضائيات، كان حدثاً منافساً للدراما العربية (مصرية، سورية، خليجية،
لبنانية)
لاستطاعتها جذب المشاهدين إلى متابعتها حدّ الوله والمرض أحياناً.
استهجنت
مقالات عدة هذه الدراما وما عرضت له، لا سيما أن بعضاً من تلك
المسلسلات حاول تفكيك
بعض العادات والتقاليد التي تكلّست في مجتمعنا، والتي هي متشابهة إلى حد
كبير مع
عادات وتقاليد المجتمع التركي التي ورثناها عنه بفعل الاحتلال العثماني
لأقطار
عربية عديدة. ولذلك استنفر السلفيون لمهاجمة هذه الدراما، كما
هاجمتها مقالات أخرى
ومن دون متابعة دقيقة لما عرض منها، واعتبرَتها أنها تكرر ذاتها، لمجرد
تشابه بين
مسلسل وآخر، مع أن الحكم لا يصح من خلال عملين فقط، لا سيما أن ما عرض كـ«الأجنحة
المنكسرة» وقبله «لا مكان لا وطن» ثم «وتمضي الأيام» يثبت
التنوع والغنى في
الأفكار.
أجمع
كثيرون على أن جذب الدراما التركية للمشاهدين كان بفعل سحر
اللهجة السورية التي دُبلجت فيها تلك المسلسلات. ومنهم من رأى أن الغرام
المتوهج
بين أبطال مسلسلي «نور» و «سنوات الضياع» وفقداننا لمثل ذلك
التوهج في حياتنا هو
وراء انجذاب المشاهدين لها. وعلى رغم أهمية كل ما كتب، إلاّ أنني أرى أن
عنصر الجذب
يكمن في مسألة أخرى، وهي مسألة تكشف عما يعانيه معظم النتاج الدرامي
العربي. أقصد
أن الدراما التركية أكثر تجسيداً لمعنى كلمة دراما التي تعني
الحدث أو الفعل،
المشتقة كما هو معروف من الكلمة اليونانية DRAN
بمعنى
يفعل أو الحدث الحركة، إذ لا
تمر حلقة واحدة من أي مسلسل من دون أن يلحظ المشاهدون أن ثمة
حدثاً جديداً يقع،
يساهم الممثلون في تجسيده، وهذه الحركة، بدورها، تولّد الصراع فيؤثر ذلك في
شخصيات
المسلسل ويطور العمل الدرامي، ويجلب للمشاهدين المتعة من خلال
فعل الفرجة. وهذا ما
يدفع المشاهدين إلى المتابعة من حلقة إلى أخرى، مهما كانت المواضيع التي
تتناولها
تلك المسلسلات. هذا فضلاً عن دخول شخصيات جديدة تحرك المحور
الأساس للمسلسل، وتسهم
في
تطوير أحداثه. وهذه المسألة جعلت الدراما التركية (سواء أعجبنا بها أم
استهجناها) تتميز عن العربية التي غلب على معظمها الثرثرة دون الفعل، وإن
كان
القاسم المشترك بينهما عثرات درامية كثيرة، وقيام الشخصيات
بأفعال وردود أفعال لا
تتناسب ومنطقها، بهدف زيادة حلقات المسلسل.
وربما
أطرف مسألة يلتقطها المتابع
لما كتب عن الدراما التركية، تأريخ بدء عرضها من مسلسلي «نور» و«سنوات
الضياع» من
دون أن تكون الملاحقة والملاحظة دقيقتين، إذ كان أول مسلسل هو
«أكليل الورد» الذي
كان يتميز حامله الفكري بالعمق والأهمية، لكن حامله الفني جاء على تقنية
الـ«فلاش
باك»، الأمر الذي جعل جمهورنا العربي المعتاد على التسلسل الخيطي للأحداث،
يعزف عن
متابعته والاهتمام به.
كل تلك
النقاط التي سردناها تستوجب من صنّاع الدراما
العربية أن ينتبهوا للفعل الدرامي وأن يغنوا مسلسلاتهم به، وأن يخففوا من
الثرثرة،
إذ أن المشهدية البصرية التي يعتمدها المخرجون العرب، والأداء
المتقن للشخصيات من
قبل الممثلين لم يعد كافياً لجذب المشاهدين.
)دمشق(
السفير اللبنانية
06/02/2009 |