ما من شك
في أن شخصية القائد الالماني هتلر الذي حكم تجربة
النازي المانيا خلال سنوات طويلة قاد فيها بلاده الي حرب عالمية ضروس
محاولا تحقيق
حلمه بقيادة الجنس الآري المميز للعالم ضاربا في سبيل ذلك جميع
الاعراق الاخري..
ومحققا في سبيل الوصول الي اهدافه اقسي الوسائل واشنعها من ابادة وحروب
واستبداد
ودكتاتورية تركت آثارها ولاتزال علي العالم وعلي الشعب الالماني خاصة حتي
يومنا
هذا.
لعبت
السينما الالمانية قبل الحرب وقبل اشتداد عود هتلر
وضربه دورا كبيرا في تمجيد صورته كواحد من هؤلاء العمالقة العظام الذين كتب
عليهم
أن يصلوا بشعبهم المختار الي أعلي درجات التميز..
ولكن أول صورة كاريكاتورية
لاذعة قدمتها السينما عن »هتلر« كان من خلال السينما الامريكية ومن خلال
واحد
من
عباقرتها الكبار هو شارلي شابلن الذي قدم فيلما باسم »الدكتاتور العظيم«
هزأ
فيه بشكل جارح.. من هتلر وزعامته وأسلوبه في الخطابة.. وطموحه
الاعمي.
وجاءت
الحرب الثانية التي أعلنت فيها المانيا النازية عداءها للعالم
أجمع واحتلت بالقوة دولا أوروبية كثيرة..
ومدت طموحها إلي أفريقيا ثم إلي
آسيا.. قبل أن تواجه أول
هزائمها الكبري في الصحراء المصرية ثم في الجبهة
الروسية.. وتليها الجبهة الاوروبية التي قضت عليها تماما.
خلال
الحرب..
جاءتنا أفلام كثيرة قدمت النازية بشكل شديد القسوة..
وهذا أمر مفهوم تماما..
لان السينما كانت أثناء هذه الحرب اداة دعاية فعالة ومؤثرة ذات نتائج
ايجابية
كثيرة.
وجاءت
فترة ما بعد الحرب..
وهدأت
النفوس قليلا.. ولكن رغم ذلك..
لم تظهر أية أفلام تقدم شخصية الفوهرر بمنظار ايجابي..
وحتي لو حاول بعضها اعطاء
شيء من التبريرات لتصرفات هتلر المجنونة..
منها الفيلم الانجليزي »آخر أيام
هتلر« وبعض الأفلام العابرة التي قدمت الزعيم الالماني بشكل
هامشي،
إلا أن
السينما الالمانية نفسها ابتعدت تماما عن هذا الموضوع الشائك
إلي ما قبل
عدةسنوات.. حيث قدمت هذه السينما فيلما باسم السقوط أو الانهيار.. ويروي هو
أيضا اللحظات الاخيرة لهتلر قبل انتحاره المأساوي عقب فشله العسكري والحربي
وسقوط
برلين.
الفيلم
قدم بشكل شجاع رؤية ايجابية ومحاولة صادقة لفهم زعيم قتله
طموحه الزائد عن الحد وحلمه الجنوني بحكم العالم.
موقف
الألمان من هتلر
واحساسهم بالمسئولية عن الفظائع الهائلة التي سببها حكمه هو الذي جعل أي فيلم عن
هذه الحقبة يمر بكثير من السواتر والموانع النفسية والرقابية.
وها هي
السينما
الامريكية أخيرا تتصدي لهذا الموضوع من خلال القاء النور علي واحدة من
محاولات
كثيرة.. دبرت لقتل هتلر.
هذه
المحاولات التي قام بها عسكري ارستقراطي هو
البارون فون ستاوفنبرج مستغلا صلاته بكبار قادة الجيش النازي مخططا لنفسه
ولزملائه
خطة عبقرية لنسف مقر هتلر بقنبلة موقوتة..
هذه العملية التي منيت بالفشل والتي لم
تؤد الي قتل الفوهرر رغم انفجار القنبلة .. والتي أدت بالبارون وزملائه الي
الموت
رميا بالرصاص.. وذلك قبل تسعة أشهر فقط من سقوط برلين وانتحار
الفوهرر.
الفيلم
الذي أخرجه البريطانيه بريان سنجر ولعب بطولته النجم الشهير
توم كروز.. تبدأ احداثه في الصحراء المصرية.. حيث مني الجيش النازي بأول
هزائمه
الكبيرة التي ستتوالي بعد ذلك.. حتي تؤدي الي سقوط النازية كلها.
من خلال
هذه
المعركة الصحراوية التي فقد فيها البارون احدي عينيه وذراعه الأيسر.. يستيقظ
الحس القومي لنري البارون.. ويشعر أن علي المانيا اذا أرادت الخروج من
الحرب
رافعة الرأس.. ودون خسائر جسيمة.. فعليها التخلص من زعيمها النازي واعلان
حسن
نية شعبها وعدم تحميله مسئولية الكوارث الكبيرة كلها التي صنعها هتلر وان
هذا »الاغتيال«
سيكون بمثابة صك الغفران بالنسبة لها تجاه العالم كله.
وبالفعل
ينجح البارون في أن يضم اليه عددا من كبار قادة الجيش..
بل أنه ينجح أيضا في
اقناع الفوهرر.. باعطائه ادارة سلاح الجيش الاحتياطي وتحريكه
عند الازمات الجزء
الاول من
الفيلم.. يدور وفق ايقاع متوسط.. حول تدبير الخطوط الكبري لهذه
المؤامرة.. واقناع الرؤوس العسكرية الكبري والتخطيط للاغتيال عن طريق حقيبة
تحتوي
علي قنبلة موقوتة.. يحملها البارون بنفسه.. ويدخل بها الي قاعة الاجتماعات
التي
يرأسها الفوهرر وبعد محاولة فاشلة.. ينجح البارون فعلا في وضع الحقيبة في
القاعة.. ويخرج منها سالما بحجة واهية.. ويقف خارج القاعة ليشهد ويسمع
باذنيه
الانفجار المدوي.
منذ هذه
اللحظة يأخذ الفيلم إيقاعا لاهثا وسريعا ويتحول إلي
فيلم تشويقي يكتم الأنفاس.
اذ ينجح
البارون في الخروج من المعسكر الذي انفجرت
فيه القنبلة مؤمنا بأن الفوهرر قد مات.. وبالتالي تبدأ جميع التحركات المتفق
عليها.. والتي تقوم علي استيلاء كتيبة الاحتياط العسكرية علي مقار وزارة
الخارجية
والاستخبارات والقيادة العليا وقيادة الحزب النازي..
وموقف المصدق أو اللا
مصدق.. الذي يعيشه المسئولون عن هذه الهيئات الكبري..
اذ أن
هناك مريدين مخلصين
للنظام.. لا يعرفون كيف يتصرفون وتارة آخرين يحاولون استغلال الموقف
لصالحهم..
خصوصا أن »الوفاة« لم تعلن بعد رسميا.
وتأتي
المفاجأة الكبري عندما يتم
اكتشاف الحقيقة المروعة.. وهي أن الفوهرر لم يصب بالانفجار وأنه خرج سالما..
إلا من جروح بسيطة.
ويعم
الارتباك الجميع..
وتتطور
الأمور بايقاع سريع
لاهثا.. ينتهي بالطبع الي القبض علي جميع المتأمرين وعلي رأسهم البارون فون
ستاوفنبرج واعدامهم رميا بالرصاص هذه الحادثة الواقعية التي جرت قبل شهور
قليلة من
انهيار النظام النازي..
كانت موضوعا لكتاب يثير كتبه واحد ممن عاصروا هذه القضية
وعرفوا ابعادها.
وقد منيت
محاولة نقل هذه الرواية للسينما بعقبات كثيرة..
أولها عدم رغبة الشركات الامريكية بتقديم صورة ايجابية عن القادة النازيين
الذين
وقفوا ضد سياسة هتلر..
بعيدا عن الصورة التقليدية التي تحاول تقديم النظام النازي
بكل أعوانه وقواده.. وعسكرييه بشكل سلبي بعيدا عن الانسانية.
ولكن
الأمور
نجحت
أخيرا عندما وافق النجم الكبير توم كروز علي أن يلعب دور البارون الالماني
الثائر.. مما سبب ردة فعل كبري في الاوسط الهوليوودية انتهت بتأجيل عرض
الفيلم
عدة مرات.. الي أن رأي النور أخيرا هذا العام وعرض وسط..
انقسام
شديد في الرأي
حوله.
ولكن مهما
كان الرأي السياسي حول مضمون »الفالكيري« وهو الاسم الذي
اطلق علي هذه العملية الكبيرة التي اصابها التشوه.. تيمنا باسم القصيدة السيمفوني
الذي كتبها الموسيقار الالماني المحبب الي قلب النازيين وهتلر بالذات، وهو
ريتشارد فاجنر فان علينا أن نعترف بان المخرج بريان سنجر قد نجح تماما برسم
جو
المانيا الهتلرية في ذلك الوقت..
ساعده علي ذلك مهندس ديكور بارع عرف كيف يعيدنا
الي أجواء هذه الحقبة بكل تفاصيلها الصغيرة والمؤثرة.. كما نجح في جزئه الاول أن
يضعنا أمام العوامل النفسية والسياسية التي قادت هؤلاء المتآمرين.. الي
محاولة
تحقيق هدفهم وذلك من خلال الاداء البارع لتوم كروز..
وشبهه العجيب بشخصية البارون
الاصلية الي جانب الممثل الانجليزي الشهير كينث براناج.. الذي خرج هذه
المرة من
اطاره الشكسبيري ليقدم وجها
غير مألوف لنا.. كأحد قادة الانقلاب.
كما توفق
المخرج
الي حد كبير في اختيار طاقم الممثلين الآخرين..
الذين
نجحوا تماما في
اعطائنا الاحساس بأنهم قادة المان نازيين بكل ايجابياتهم وسلبياتهم.
أما الجزء
الثاني من
الفيلم فقد وصل فيه المخرج الي أقصي درجات التشويق السينمائي حيث تركنا
كما ترك المتآمرين في حيرة حول هل نجحت مؤامرة الاغتيال أم لا وحالة التردد
والشكوك
التي ساورت جميع المتآمرين ثم الميتة الرائعة للبارون باطلاق
الرصاص عليه في لوحة
سينمائية يختلط فيها الظل بالنور تذكرنا بلوحة »جويا«
الشهيرة عن اعدام الجنرال
الاسباني.
فالكيري
فيلم عن التاريخ وعن حقبة مرة من تاريخ المانيا.. وعن
مؤامرة قتل فاشلة وعن جو تراجيدي عاشته البلاد.. في النصف الاول من القرن
العشرين.
انه فيلم
للتأمل.. يبعثنا علي التفكير وعلي اعادة النظر في أمور
كثيرة.. ربما كنا نحمل عنها افكارا خاطئة.. ولعل هذا دور السينما الكبير في
ايقاف الضمائر وفتح الأعين كي تري ما لم تره.
أخبار النجوم المصرية في
29
يناير 2009 |