بعد ست
سنوات على تجربته السابقة 'وزنك ذهب' يعود الفنان السوري
أيمن زيدان إلى تقديم برامج المسابقات التلفزيونية، مع نفس الجهة التي
اكتشفت
مواهبه في تقديم هذا النوع البرامجي: قناة 'أبوظبي'.. وذلك من
خلال البرنامج الجديد
الذي بدأت القناة المذكورة ببثه أخيراً، تحت عنوان: 'سوبر ديو- لقاء
الأجيال'.
الجديد في
تجربة أيمن زيدان في هذا البرنامج، استعانته بابنه الثاني
(نوار)
ليشاركه في التقديم.. للوهلة الأولى يبدو هذا الخيار له علاقة بطبيعة
البرنامج، الذي يشترط على متسابقيه أن يكونوا من جيلي الآباء والأبناء (أب
وابن أو
ابنة- أم وبنت أو ابن)، لكن من يتابع مجريات البرنامج، سيكتشف
بسهولة أن خيار
الاستعانة بالابن في التقديم، هو خيار سيئ للغاية كفكرة، قبل أن نتحدث
كتطبيق
لاحقاً.. فالفكرة تتطلب برأيي أن يكون هناك مقدم واحد يحاور الجيلين
بتركيز، كي
يكتشف نقاط الاختلاف والالتقاء بينهما، وأقول بتركيز.. لأن هذا
يتيح مقارنات
واستنتاجات مكثفة يمكن أن تغني الحوار، بدل أن تشتته، وخصوصاً حين نرى أيمن
زيدان
وابنه يتوزعان مهمة التقديم، على طريقة فقرة لك وفقرة لي.. وبطريقة مفتعلة،
تتأرجح
بين العزف على أوتار الاحترام الأبوي حيناً، والعلاقة
التنافسية التي لا تخلو من
تظارف غير موفق حيناً آخر.
ولو
تأملنا تجربة أيمن زيدان مع ابنه في هذا
البرنامج، ووضعناها في سياق مراهناته على مواهب العائلة، لكان علينا أن
نتذكر، كيف
سعى هذا الممثل الذي تسلم إدارة أكثر من شركة إنتاج في السنوات
الست عشرة الماضية،
وكان مشرفاً إنتاجياً في العديد من الأعمال والمسلسلات التي انتزع فيها
البطولة
لنفسه.. أقول لكان علينا أن نتذكر كيف سعى سابقاً لتقديم أشقائه، الذين ليس
لهم أي
تجربة في التمثيل سابقاً، في أدوار تمثيلية رئيسية في
المسلسلات التي كان يشرف على
إنتاجها.
وعلى مر
سنوات طوال شاهدنا الأخ الشقيق شادي زيدان، ثم وائل زيدان.. ثم
الاثنين معاً، في أدوار هامة في معظم المسلسلات التي لعب أيمن
زيدان بطولتها.. وقد
سعى الأستاذ أيمن بشتى الوسائل والسبل إلى دعم شقيقيه، وإلى تسويقهما
إعلامياً،
وإلى التأكيد بأن ما جعله يدفع بهما إلى مهنة التمثيل في أدوار رئيسية،
مواهبهما
وحضورهما، لا صلة القربى فقط، أو محاولة تكريس نوع من الشللية
العائلية التي لا
تخترق، ولا يشك بولائها في معارك الفن والإنتاج التي اعتاد الفنان أيمن
زيدان أن
يخوضها بشراسة مثله مثل كثير من الفنانين؛ لكن كل هذه المحاولات باءت
بالفشل.. ورغم
كثرة المسلسلات التي تنتج في سورية كل عام، والتي يزيد عددها
سنوياً على خمسين
مسلسلاً، فإن فرص ظهور شادي ووائل زيدان كممثلين، بقيت محصورة في أعمال
شقيقهما..
إلا في حالات نادرة جداً!
وهكذا
فبعد أن فشل رهان الفنان أيمن زيدان، على مواهب
أشقائه الذين ينتمون إلى الجيل الأول من العائلة، (ومع ذلك ما زال يحجز لهم
أدواراً
في مسلسلاته) راح يراهن على مواهب الجيل الثاني من خلال دفع
أبنائه إلى مهنة الفن..
وعلى قناة
'أبوظبي' نفسها، يمكن أن نرى ابن أيمن زيدان الأكبر (حازم) في مسلسل
'رصيف
الذاكرة' التي تعرضه القناة حالياً، والذي نفذه أيمن زيدان بصيغة المنتج
المنفذ لصالح تلفزيون 'أبوظبي'، وجمع فيه بين أشقائه وأبنائه معاً.. كما
نرى ابنه
(نوار) يطل على القناة نفسها، التي غدت بحق هذه الأيام، تلفزيون عائلة زيدان
بامتياز!
ولاشك أن
لأيمن زيدان من النفوذ الإنتاجي والفني، ما يجعله قادراً على
تسويق أفراد عائلته، وتأمين مستقبلهم في الفن، وعلى حياة
عينه.. ولا شك أن المحطات
الخليجية، التي يستطيع أي نجم مشهور يجيد حبك النكات، وممارسة لعبة التواضع
والدماثة بما يطرب أصحاب القرار، ويزيد من رصيد ثقتهم الأخلاقية به قبل
الفنية.. هي
خير مكان يمكن أن يسوق فيها أيمن زيدان ابنه في تقديم برنامج
مسابقات أسبوعي، تحفه
العناية الإلهية، والرعاية الأبوية، وإيثار الأب لابنه على نفسه، في سبيل
الأخذ
بيده، وحجز له موطئ قدم في عالم الشهرة والمال!
وبعيداً
عن هذه الخلفية، فإنني
أحيي شجاعة الابن (نوار) في الوقوف أمام الكاميرا لتقديم برنامج مسابقات في
أستوديو
مليء بالجمهور أولاً، وأمام أبيه الفنان المشهور ثانياً، وهو في سن اليفاعة..
وكنت
أتمنى ألا أتحدث عنه بما ينتقص من ثقته بنفسه، وهو شاب في (أول
طلعته) كما يقال..
لكن من
خطايا العمل الإعلامي، أنه يضع التجارب والعلاقات الشخصية، موضع النقد
والتمحيص وإبداء الآراء الصريحة.. وبصراحة شديدة يمكن القول، إن الأخ
(نوار) رغم
شجاعته، يفتقر للحضور التلفزيوني الجذاب، كما تعوزه سرعة
البديهة في مجاراة أبيه،
وهو يحاول أن ينسج (إفيهات) كوميدية مرتجلة يمكن أن تزيد رصيد فريق التقديم..
وبالتالي يعاني البرنامج من غياب التناغم بين الأب وابنه، بسبب غياب
الموهبة الفنية
لدى الابن، وتفوق تجربة الأب وحضوره، حتى وهو يحاول أن يؤثر على نفسه ولو
كان به
خصاصة!
وفي المحصلة كان يمكن للبرنامج أن يظهر بشكل أكثر تماسكاً، وأقل تكلفاً،
لو
أن المقدم تعامل مع ضيوفه ومع أسئلته بمعزل عن إصراره تحويل نفسه مع ابنه
إلى (نمرة)، أو (حالة مهضومة) تشاغب وتشوش على حضور الثنائيات الضيفة، وربما من
دون ما
يغني أو
يفيد في كثير من الأحيان!
نبوءة
(كاسك يا وطن) التي
تتحقق!
في عام
1979 قدم الكاتب محمد الماغوط والفنان دريد لحام في رائعتهما
المسرحية 'كاسك يا وطن' حالة مواطن عربي يعرض أولاده للبيع.. في سياق هجائي
سوداوي
يعكس رؤية الماغوط للفقر والجهل والفساد، الذي بدأ ينخر بالوطن
العربي، فيهز
الثوابت، ويخلخل القناعات، ويدفع الناس الشرفاء للكفر بكل القضايا التي
عاشوا وضحوا
من أجلها!
يومها
اتفق الكثيرون على ما قاله الماغوط، وصفقوا له ولدريد لحام،
وخصوصاً حين تحدثا عن تغوّل أجهزة الأمن التي تقهر المواطن، وعن ترف
وتجاوزات
المسؤولين وأولادهم، لكن الكثيرين اعتبروا أن مسألة بيع أب
لأولاده، ما هي إلا
مبالغة كوميدية فاقعة، لا تستقيم لا مع العقل ولا مع المنطق، ولا مع دفء
العلاقات
الأسرية الشرقية!
مؤخراً
عرض برنامج 'أحمر بالخط العريض' على قناة الـ 'إل. بي.
سي'
اللبنانية، حالة أب أردني، يريد بيع أولاده، لأنه غير قادر على إطعامهم
وتربيتهم وتعليمهم. الأب لم يكن مريضاً نفسياً، ولا مدمناً، لكنه يعاني من
إصابة
جسدية تجعله عاجزاً عن العمل وكسب قوته، أما الأم فقد بحثت
طويلا عن عمل شريف من
دون جدوى، رغم أنها طرقت أبواب مسؤولين! ظهر الأب بصورة طبيعية، دامع
العينين،
متحشرج النبرة، كان يتكلم ببساطة وبلا فذلكة أو ادعاء، يجيب على قدر السؤال
وبتركيز
مقتضب.. إنما أكثر ما كان يلفت الانتباه في حديثه هي تلك
النظرات المكسورة، التي
تحمل عار هذه الرغبة وقهر الحاجة إلى التفكير بها!
لا أدري
لماذا تذكرت حينها
مسرحية 'كاسك يا وطن' إذ يبدو أن أصدق النبوءات التي تتحقق في حياتنا
العربية
اليوم، هي نبوءات الخراب، التي تهجو الفساد والقهر، وتبرهن لنا حقيقة غياب
أبسط
درجات العدالة!
الزواج من
أجنبية: عرض يفتقر للاستنتاج!
خصصت نشوى
الرويني
الحلقة الأخيرة من برنامجها الأسبوعي 'نشوى' على قناة 'دبي'، للحديث عن
تجارب الزواج من أجنبية.. وعرض لتجارب مريرة في هذا السياق، ذهب ضحيتها
الأطفال،
الذين أضحوا أسرى صراع هوية يومية، يمس كل ما يتصل بثقافتهم
الحياتية وسلوكياتهم
وعاداتهم!
ولم يشأ
البرنامج الاكتفاء بهذه الصورة السلبية فقط، بل عرض لنماذج
أخرى مشرقة، كانت الزيجات من أجنبية فيها، تجربة ناجحة بكل
المقاييس.. ومع أنني مع
عرض وجهتي النظر، ومع عدم الاكتفاء بالنظرة الأحادية التي تنطلق من قناعات
مسبقة،
وخصوصاً في الموضوعات التي تمس علاقتنا بالآخر، فإنني أرى أن البرنامج عرض
لتجارب
فاشلة وناجحة، دون أن ينتهي إلى تحليل عميق وثري، لمعنى الفشل
والنجاح، وما إذا
كانت المشكلة في الفكرة فقط، أم في التطبيق!
فهل
الزواج من أجنبية شر مطلق؟ أم
خير مطلق؟ أم تجربة مرهونة بمدى توافق قطبيها؟! أم تجربة يجب الاقتراب منها
بحذر
شديد؟! أم الاندفاع نحوها على أساس الحب والعشرة؟! أسئلة كثيرة تطرحها هذه
الظاهرة،
لم يحدد البرنامج وجهة واضحة في معالجتها، وهذه هي علة الكثير
من البرنامج
الاجتماعية، التي تلهث وراء العناوين، أو عرض الحالات والقصص الشخصية، من
دون أن
تتعمق في الوصول إلى نتائج تثري عقل المشاهد!
'
ناقد فني
من
سورية
mansoursham@hotmail.com
القدس العربي في
23
يناير 2009 |