ينتمي
فيلم (شفرة دافنشي) في تصنيف المعالجات السينمائية للاعمال الروائية الى
نوعية الافلام أو المعالجة السينمائية التي تحاول ان تستفيد من شهرة العمل
الروائي لاغراض الدعاية والتسويق اكثر من اعتمادها على حيوية النص وموضوعته
المتفردة.
ولعل
الخطأ او العجلة في افلمة رواية دان براون (شفرة دافنشي) تعود الى كونها
ليست سرداً لاحداث وشخصيات ، بل هي قبل كل شيء رواية افكار، لاتجد تجسيدها
الا في لغة الكتابة، وتبدو الوسائط الاخرى ازاء موضوعها ـ ومنها المعالجة
الصورية ـ قاصرة في ان تأخذ القراءة مداها.
نال فيلم
شفرة دافنشي اهتماماً وتغطية اعلامية ودعاية ضخمة حتى قبل البدء بتصويره،
والسبب هو شهرة الرواية وتوزيعها الذي وصل الى اكثر من (50) مليون نسخة
وترجمتها الى (52) لغة،اضافة الى موقف الكنيسة الرافض لفكرة الرواية والتي
منع توزيعها في اكثر من بلد من ضمنها بعض البلدان العربية ، واصاب الفيلم
نجاحاً شعبياً للسبب نفسه، فقد حقق في الاسبوع الاول من عرضه اكثر من (77)
مليون دولار.
الرواية
قدمت قراءة ثورية جديدة لتاريخ المسيح والمسيحية بعيدة عن المسلمات الثانية
تاريخياً عبر قرون كثيرة..حيث تتحدث عن الاصل الوثني للرموز المسيحية
وتأكيد قضية بشرية السيد المسيح على خلفية عالم سري تحكمه شفرات لم يتوصل
احد بعد لفك رموزها.. وان كانت الرواية مبنية على حبكة تناسب تماماً لغة
السينما حيث المطاردة والبحث عن قاتل وغيرها، فان ذلك بالطبع لم يكن السبب
في اطلاق شهرة الرواية، بل الى طبيعة الافكار والتشكيك في مسلمات تخص
الديانة المسيحية، وربما كان ذلك هو اهم الاسباب التي أدت الى اخفاق
السينما في معالجتها لهذا العمل.
نعود
لنقول ان: الدعاية الكبيرة التي نالتها الرواية كانت السبب في تنافس
الشركات والاستوديوهات السينمائية الكبرى في الحصول على حق افلمتها هذه..
والتي ذهبت في سابقة هي الاولى من نوعها الى (سوني بيكتشر) التي اشترت حقوق
الرواية من مؤلفها بمبلغ (6) ملايين دولار.. وهو ما لم يحصل مع الكثير من
الاعمال الروائية الاخرى.
وعلى
الرغم من اسناد الجهة المنتجة هذا العمل الى طاقم له شهرته السينمائية الا
ان ذلك لم يشفع لها في معالجة العمل..فالمخرج هو دان هوارد الذي سبق له ان
نال الاوسكار عن فيلمه الرائع (عقل جميل) وكاتب سيناريو محترف مثل اكيفا
غولد س ن ونجوم مثل توم هانكس، وادري توتو وجان ريتو المعالجة الفيلمية لـ
(شفرة دافنشي) اعتمدت الحبكة البوليسية والآثارة، وهو الاطار الانسب
لآلياتها في ما اهملت موضوع الرواية الأساس، وهو احداثها المعقدة وشخصياتها
المتعددة فضلاً عن الاثارة والسرية المتمثلة بالرموز والشفرات التي نضع
افتراضات جديدة لحقائق تاريخية معينة.
لم يوفق
السيناريو في الالمام بخيوط الموضوع ، رغم نيته الحسنة في ان يكون اميناً
للنص الروائي ، وهذا ما جعله قاصراً عن الاثارة والتعاطي مع الالغاز
والرموز التي هي بحاجة الى خيال واسع لا اكتشافها وفك رموزها، وهو ما لا
توفره المعالجة البصرية ، الا بموهبة وقراءة خلاقة للعمل، ولم يكن الاخراج
اكثر توثيقاً عندما جعل الفيلم ليس اكثر من مغامرات بوليسية على حساب
جاذبية موضوع الرواية الموغل في الاحالات التاريخة والرموز.. وعندما أراد
أي المخرج ان يكون اميناً للموضوع الاساس ، فانه بهذا كمن عالج الخطأ بخطأ
آخر عندما اعتمد الحوارات الطويلة والمتكلفة التي تولت مهمة الشرح
والتفسير، وهو أمر لايدخل في صلب المعالجة البصرية التي تعتمد الصورة
اساساً مهماً في التوصيل.
المفاجأة
في هذا الفيلم ايضاً تجلت في الاداء غير المقنع لممثليه الذين أضاعوا في
مناخ المعالجة القاصرة التي غلبت على الفيلم.. برغم وجود نجوم لهم حضورهم
الطاغي في السينما ، هانكس وتوتو، وحتى الممثل الانكليزي الكبير السير أيان
كاكلين.
فيلم
(شفرة دافنشي) أنموذج لتصور السينما في هضم أعمال ادبية مهمة.
المدى العراقية في
19
يناير 2009 |