تلبس شخصياتها بتقمص شديد فتبدو وكأن الدور فصل على مقاسها تماما.
أحبها الجمهور من خلال عدة أعمال تلفزيونية كـ»دواير الزمان» و«احديدان»
و«رمانة وبرطال» متواجدة أيضا سينمائيا وعلى الركح. غير أنها فنانة
تشذ عن قاعدة الصمت وشعارات «العام زين» فهي معروفة أيضا بوضوحها
وجرأتها ومواقفها الصداحة. يتبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي
المغاربة بكثير من الإعجاب والنشر فيديوهات تعبر فيها صراحة عن
قضايا فنية وسياسية بكثير من الجرأة والوضوح. وما لا يعرفه الكثير
من جمهورها أنها ورثت «لوثة» الجهر بالحق، كما تقول من والدها
وعائلتها المناضلة. ما لا يعرفه جمهورها أيضا أنها شاعرة وفنانة
تشكيلية وقارئة نهمة.
■
لك مواقف قوية في سلوكات مجتمعية وقضايا فنية وسياسية؟
□ كل إنسان هو سلوك وموقف ورأي، ورأيي دائما كان ضد الفساد أيا كان
نوعه وضد كل التجاوزات الهدامة لقيمنا المجتمعية الأصيلة. كلما
رأيت سلوكا أو ظاهرة تحيد عن الصواب وعن أصالتنا المغربية إلا
وتكلمت بأعلى صوت فالساكت عن الحق شيطان أخرس، ولا أخشى في ذلك
لومة لائم..
■
جزء من انتقاداتك موجهة للسينما؟
□ السينما المغربية للأسف في العشرية الأخيرة اشتغلت وفق
إيديولوجيات هدفها الوحيد تخريب المجتمع بقيم دخيلة هدفها إفساد
الذوق وإشاعة الانحلال الخلقي دون الاهتمام بقضايا وهموم المواطن
المغربي البسيط والعميق إلا من استثناءات قليلة لا أدري كيف شذت عن
السائد، لكني مع ذلك متفائلة بالنفس الجديد الذي يعرفه المركز
السينمائي المغربي بعد تعيين إدارة جديدة فربما سيكون تغيير نحو
الأفضل نسترجع معه بعض ما خسرناه وافتقدناه خلال السنوات الماضية.
■
لكن السينما المغربية مع ما تقولينه فرضت نفسها عالميا وتفوقت
عربيا في مهرجانات وتظاهرات فنية عالمية؟
هم يكافئونها فقط على التوجه والإيديولوجية، التي أريد لها
الاشتغال وفقها. هو توجه صهيوني علماني يشجع الكلام المبتذل واللغة
السوقية والمشاهد الفاحشة بهدف إفساد الشباب والذوق العام وهي جرأة
على القيم والأخلاق، فالشاب أصبح حين يدخل قاعة سينما يخرج بعدها
وكأنه قد التقط فيروس ينخر بداخله مبادئ الاحترام والأخلاق. أقولها
وأتحمل مسؤوليتي هي سياسة مقصودة وهناك من يتقاضى أجرا مقابل إفساد
الأوضاع وتخريب الشباب عن طريق السينما والصورة الأكثر تأثيرا في
عملية بناء شخصية الأجيال الجديدة.
■
ألم تسبب آراؤك انحسارا أو تراجعا من طرف المخرجين في التعامل فنيا
معك؟
□ أنا أساسا لا رغبة لي في التعامل مع تلك العينة التي سيزعجها
رأيي فتوجهي مخالف لخططهم. لا رغبة لي في التواجد في أفلام فارغة
المحتوى إلا من قلة الأدب والوقاحة الأخلاقية، اختار أدواري بدقة
تلك التي تلامس قضايا المجتمع المغربي والمواطن المغلوب على أمره
بمشاكله وهمومه اليومية والمعيشية فهناك شرفاء في الميدان لهم غيرة
ومبادئ وهم من يشرفني التعامل معهم وحضوري لم يثأتر فأنا متواجدة
سواء سينمائيا أو تلفزيونيا.
في رأي هؤلاء السينما جرأة واستعمال لغة الواقع دون تجميل ومساحيق
أخلاقية: الجرأة أن تقول لا للفساد الإداري والسياسي، الجرأة
الحقيقية أن تعري قضايا نهب المال العام والرشوة والمحسوبية أن
تنصف المواطن الفقير الأمي الجاهل والذي لا يملك قوت يومه، الجرأة
أن تكشف كل من افترس الوطن وسرقه ونهبه. الجرأة أن تقول لا
للاستبداد والظلم بكل أنواعه. هم فقط لأنهم غير قادرين على تخطي
الخطوط الحمراء وغير قادرين على النبش في قضايا هامة ومصيرية كهذه
يعرضون جرأتهم في العري والقبلات الرخيصة المجانية ومشاهد غير
أخلاقية، ثم إن السينما هي فن الارتقاء بالذوق هي شيء نبيل وراق
جدا.
إضافة إلى الإيديولوجيات الخارجية التي تستهدف ضرب قيمنا، جل
المشرفين على السينما هم وسطاء وأصحاب أموال لا علاقة لهم بالفن،
لهذا علينا أن نتوفر على إرادة تغيير حقيقية للضرب بيد من حديد على
من يتطفل على ميدان هو عامل مهم في بناء الذائقة الفنية والأخلاقية
للأجيال.
■
الراحل محمد البسطاوي قال في حوار مع «القدس العربي» إن في حلقه
غصة حول تاريخ المغرب الغني بالشخصيات التاريخية التي لم تكتشف
سينمائيا وتلفزيونيا؟
□ هي غصة حد الاختناق فجل من بيده السينما الآن في المغرب ليست لهم
ثقافة مغربية ولا يحملون هم المغربي البسيط وفاقد الشيء لا يعطيه
فجلهم درس وتدرب في الغرب ويطبق قيم الغرب وما شاهده في المجتمعات
الغربية سينمائيا فهو غير أهل للبحث في التاريخ المغربي أو لفهم
كنه شخصية مواطن المغرب العميق. هناك أيضا من اغتنى بالفن والفن في
قبضة الأثرياء وليس المثقفين.
■
يجمع الكثير من الفنانين والمهتمين بالمجال الفني في المغربي أن
الأزمة أيضا أزمة كتابة وسيناريو؟
□ لا أتفق مع هذا القول الأزمة هي أزمة «جدية» هناك سيناريوهات
جيدة لا تقبل وتركن في الرفوف. مقابل مرور سيناريوهات أخرى بسلاسة
ويسر. هناك عوامل تحول دون مرور الجيد ما زال منطق «أباك صاحبي» أي
الزبونية والمحسوبية هو الذي يشتغل. حين نتوفر على الجدية
والشفافية سنكتشف طاقات ومواهب كثيرة في الكتابة لا تمنحها فرص
الظهور.
■
نلاحظ قلة حضورك في «السيتكومات» والأعمال الرمضانية التلفزيونية
المثيرة للجدل والانتقادات؟
□ لأني أدقق في اختيار الأعمال الفنية مع أن وضعي الاجتماعي لا
يسمح لي كثيرا بالاختيار لأني مسؤولة عن أسرة من خمسة أفراد ومع
ذلك يهمني أكثر أن أحافظ على صورتي واحترامي وصورة وطني وقيم
مجتمعي. مع إني مثلت مثلا دور «شيخة» أي مغنية وراقصة شعبية. لكن
برقي وبدون ابتذال لأني أناقش المخرج وأعطي رأيي بما يتوافق
ومبادئي.
■
شخصيات تحلمين بأدائها؟
□ الشخصية المغربية بكل أبعادها النفسية والاجتماعية خصوصا الشخصية
البسيطة في حياتها والقوية في مواقفها. أما الأسماء التاريخية فهي
كثيرة منها أسماء طبعت تاريخ المقاومة ولو كنت أصغر قليلا لقلت دور
«ثريا الشاوي» أول ربانة طائرة مغربية.
«الحرامي
والعبيط».. رسالة خالد صالح الأخيرة لإنقاذ الغلابة
كمال القاضي - القاهرة – «القدس العربي»:
لعب المهمشون والمتسولون والبلطجية أدوار البطولة في العديد من
الأفلام، وشغلت قضاياهم حيزا واسعا على الشاشة، لكن القليل من هذه
الأفلام هو ما إقترب دون حذر من مجتمع العشوائيات ورصد عن كثب
تداعيات الأمراض الاجتماعية المستعصية والتغيير الجذري في هوية
الشخصية المصرية النابتة في الفقر والجهل والمرض.
لم تعبر ظاهرة البلطجة الدرامية عن عمق المأساة، فقد ركز أغلبها في
الشكل السلوكي ولغة التخاطب والعدوان الناشئ عن الأطماع
والإختلالات النفسية والإجتماعية، بيد أن صنفا آخر من الأفلام
التراجيدية غاص تحت الجلد ليرصد ويصور ما هو أبشع من جرائم القتل
والسرقة والإرهاب لافتا النظر الى تنامي الجريمة وابتكاراتها وما
تنطوي عليه من انتهاكات أدمية أكبر من السطو والإختلاس والقتل مع
سبق الإصرار والترصد.
يكشف فيلم الحرامي والعبيط للسيناريست أحمد عبد الله والمخرج محمد
مصطفى عن الوجه الأكثر قبحا في المجتمع العشوائي من خلال بطولة
ثنائية لطرفين أساسيين في الأحداث الطرف الأول يمثله خارج على
القانون ومجرم عتيد في الإجرام «صلاح روسا» أو «خالد الصاوي»،
والطرف الثاني يمثله «فتحي العبيط» «خالد صالح» وبتداعي الجواز في
البيئة العشوائية المتدنية في الأخلاق والخدمات والمستوى الثقافي
تبدأ العلاقة في تنافر ملحوظ وواضح بين من يمتلك القوة ومن لا
يمتلك شيئا ويعيش عالة على الأسر الفقيرة في إلماح إلى خلفية حياته
وخيانة زوجته التي جعلته ضحية بعد أن فقد العقل والصواب والقدرة
على التمييز.
هنا إشارة ذكية في السيناريو إلى أن المجتمع يفرز عاهاته وضحاياه
ويتشكل بالصدفة السيئة ففتحي الشاب المسالم يتحول الى معتوه ومتسول
بفعل الفقر الذي دفع زوجته للخيانة لقاء المال وزج به في أتون
الغياب الذهني والعقلي عن الحياة، بينما يفرض صلاح روسا قانونه
ويمارس البلطجة على نطاق واسع زعيما مهابا في دائرته فهو يسطو
بالسلاح ويسلب الفقراء قوتهم اليومي ويغتصب الحب من فتاة أكثر فقرا
وضعفا «روبي» الممرضة في المستشفى العام والتي تنقاد له فتتحول إلى
سمسارة أعضاء بشرية وعضو في عصابة يتزعمها تاجر وطبيب.
يجمع أحمد عبد الله مكونات الجريمة وأطرافها في إطار واحد ليرسم
صورة قاتمة لبانوراما الحياة القاسية في مجتمع أسس على مبدأ القوة
وساد فيه الظلم سيادة القانون الوضعي بتشكيل تتجانس فيه الأضداد
زعيم العصابة والطبيب والممرضة واللص والهجام والعبيط وربة البيت
كوكتيل غريب جمعته الحاجة ووحد بينه الجوع والفقر، بينما يدفع
الثمن فيه الضعيف أو من سلبه الله نعمة العقل وهو الشخصية المحورية
في الصراع الدامي « فتحي» الذي أمن للحرامي وعاش في كنفه فباعه حيا
بالقطعة دون علم أو إرادة، حيث خدره وأخذ منه قرنية العين والكلية
ثم استباح بقية جسده وقبض عربون الأجزاء الأخرى من شرايين ونخاع
وكبد وخلافه قبل أن يستبد له بضحية أخرى هي الممرضة ذاتها التي
شربت من نفس الكأس وتمزق جسدها في مشرحة التجارة الحرام.
انتقال سريع بإيقاع منضبط يحافظ عليه المخرج محمد مصطفى في اجتهاد
موفق للتعبير عن السيناريو الشائك الدامي إلى نزع القشرة الضعيفة
عن المجتمع الطاعن في القسوة والمتزين بغلاف براق بينما هو غارق
حتى النخاع تحت السطح يعيش أفراده حياة أخرى العصمة لمن يقود
ويمتلك الحرامي والعبيط شخصان يتحركان طوال الأحداث في خطوط
متوازية ومتعرجة ولكنهما لا يلتقيان إلا في نهاية المطاف وقت تصفية
الحسابات في المعركة الربانية التي يديرها القدر بعناية وينتصر
فيها لذلك العبيط حيث تخرج رصاصة طائشة من مسدس البلطجي بضغطة
عفوية على الزناد فيلقي صلاح روسا مصرعه في الحال فينال الجزاء
نفسه الذي كتبه على كثير من ضحاياه فأرادهم قتلى، سواء بالقتل
المباشر أو غير المباشر.
تبقى صورة خلفية حية لم يظهرها المخرج محمد مصطفى بالشكل الكافي
يشكلاها الممثلان القديران سيد رجب وعايدة عبد العزيز اللذان لعبا
دورين ثانويين لكنهما يختزلان معاني كثيرة عن فكرة التغييب
والتوهان والتبلد ويعكسان ملمحا رئيسيا للشخصية السلبية الانتهازية
المهزومة طوال الوقت وهو نفسه المفهوم والملمح العام لكل الشخصيات
تقريبا في المجتمعات التحتية التي تعيش وتتكاثر وتتناسل وتنتحر تحت
الأرض بعيدا عن سطح المدينة البراق.
الفيلم شهادة موثقة لموهبة الغائب الحاضر خالد صالح تركها لنا قبل
رحيله لتذكرنا بإبداعه المتميز وأدائه الفريد.
«الأكشن»
والكوميديا والإبهار «طعم» السينما الأمريكية الذي يبتلعه الجمهور
العربي
كمال القاضي - القاهرة ـ «القدس العربي»:
تمثل السينما الأمريكية عصب الاقتصاد في الدخل القومي للولايات
المتحدة، ومن ثم فهناك عناية فائقة بالمؤسسات الإنتاجية. وتعد
هوليوود واحدة من قلاع الصناعة السينمائية الذهبية في العالم، وقد
أشار لذلك الرئيس أوباما في كثير من خطاباته للتحفيز على الإبداع
والرقي بمستوى التقنيات التي تعد من أهم دعائم السينما الأمريكية،
فهي العنصر الرئيسي في الإبهار والدهشة.
ويكمن الاهتمام بالسينما على هذا النحو لكونها لغة مؤثرة ونافذة
وقادرة على التأثير الجماعي في أزمنة قياسية، ويتم استخدامها وفق
الهوى والغرض، حسبما تقتضي الظروف والمراحل.
وعلى هذا تولي الدولة والمؤسسات الرسمية، النجوم عناية فائقة
بوصفهم أدوات التأثير والتعبير المباشرين والقادرين على إحداث
التغيير المطلوب. وهناك نماذج كثيرة لأفلام ونجوم ومخرجين أحدثت
دويا هائلا في المجتمعات، من بينها ميل جيبسون ومايكل مور وأعمال
مهمة مثل، «آلام المسيح» و»إسكندر الأكبر» و»فهرنهايت»، وأيضا على
المستوى الرومانسي مثل «تايتنك» وغيرها، وهذا يقودنا إلى النظر
بعيدا عما هو مجرد رؤية بصرية تهدف إلى الاستمتاع والتسلية.
لدينا في هذه الدراسة الموجزة من الأفلام المهمة «كاست أواي» أو
«المنبوذ» للنجم الكبير توم هانكس والنجمة هيلين هانت والمخرج
روبرت زيمليس، وهو تجربة فريدة في المضمون والرؤية تعتمد بشكل
أساسي على البطولة الفردية والمغامرة، حيث تدور الأحداث حول عامل
في شركة لتوصيل البريد السريع تسقط به الطائرة في إحدى رحلاته على
جزيرة معزولة فيبقى وحيدا ويظل هكذا لفترة، لكنه سرعان ما يحاول
التعايش والتكيف مع الوضع القاسي إلى أن يجد من ينقذه فيعود إلى
حياته الطبيعية ولم تكن هذه الأحداث لإثارة، ولكنها تأخذ أبعادا
أخرى تهدف إلى نقل تجربة البطل إلى الحياة الواقعية كي يدرب
المتلقي نفسه على حسن التصرف والاستفادة من القصة بشكل إيجابي،
فالرفاهية لا تتوافر بصفة دائمة لإنسان وعليه لابد أن يتأهل
للتجارب الصعبة والقاسية، وربما رأينا في أفلامنا المصرية نوعيات
مشابهة، في فيلم «الطائرة المفقودة» وفيلم «البداية» للمخرج الكبير
صلاح أبو سيف الذي ناقش من خلاله قضية الديمقراطية بشكل رمزي،
ليؤكد حاجة الإنسان للتعايش الطبيعي بعيدا عن أجواء العزلة..
«المنبوذ» أو «كاست أواي» للمخرج روبرت زيميكسي يصور حالة افتراضية
للإنسان بعيدا عن بيئته الطبيعية ويستلهم فكرة الخلاص من البطل
البسيط، الذي يحاول التغلب على أزمته من خلال إعمال ملكاته
الإنسانية وطرق البحث عن وسائل للتسلية وملء الفراغ للحيلولة دون
وصوله إلى الإحباط واليأس وفقدان الأمل في الغد الأفضل الذي يدخر
له كل ما يدنو إليه ويطمح فيه، فدائما ما يأتي الفرج في أحلك ظروف
القنوط والضيق فيغير حياة البشر إلى أفضل مما كانوا يحلمون به.
هذه هي الفكرة الكلية العامة المستفادة من الأحداث والدور المهم
للبطل توم هانكس، الذي تفوق على نفسه وهو صاحب البطولات الناجحة في
أفلام «فورست جامب» و»الكبير» وغيرهما، والحاصل على جائزتي
الأوسكار كأحسن ممثل. وقد رشح عن فيلمه هذا «كاست أواي» للجائزة
نفسها، ولكنه لم يحصل عليها، وإنما حصل على جائزة الغولدن غلوب.
بدأ توم هانكس حياته الفنية في مسرح الجامعة، كما هو معتاد، وسرعان
ما توجه للسينما بعد التخرج وفشل في أولى تجاربه ولكنه عاد مجددا
يطل على الجمهور من خلال الدراما التلفزيونية في مسلسل بعنوان «بوزا
بادز» كان سببا في ترشحه لبطولة فيلم «الكبير» عام 88 وتوالت بعده
البطولات والأدوار لتتحول حياة الممثل الباحث عن دور مهم إلى
أسطورة فنية. وللنجم الكبير توم هانكس إسهامات مهمة في الكتابة
والإخراج والكتابة والتمثيل الصوتي وأيضا الإنتاج.
ولد هانكس في كونكورد في ولاية كاليفورنيا وعاش حياة مضطربة، حيث
انفصل أبواه وهو في سن صغيرة فدفعه ذلك إلى الإصرار على النجاح،
وخلق منه شخصية قوية وصلبة. والغريب أنه قدم أفلاما كوميدية
استعراضية أتصور أنها كانت رد فعل لحياة قاسية امتلأت بالعقبات
والمشاكل، فأراد أن يعوضها بأدواره التي أدها بشكل إنساني ارتقي
بها فوق الأزمات الشخصية.
أدت الممثلة هيلين هانت دورا متميزا في هذا الفيلم فقد ظهرت في
الجزء الأول من الأحداث لتلعب دور الحبيبة التي يهديها حبيبها خاتم
الخطوبة، وهو ظهور أقرب إلى ظهور ضيفة الشرف، ومع ذلك بدا الدور
محورا للارتكاز وخلفية مهمة لتكوين البطل وحياته وطبيعته. الفيلم
يؤكد قدرة الممثل الجيد على أداء كل الأدوار حتى لو كان ممثلا
كوميديا أو استعراضيا وهو الدرس الثاني في فن الأداء ووهج الحضور.
لم يأت عرض هذه النوعية من الأفلام داخل مصر صدفة أو محاولة لتوسيع
دائرة التوزيع لزيادة نسبة الإيرادات، ولكنها تطبيق عملي لإغراق
السوق بأعمال موجهة تبث أفكارا وترسخ مفاهيم وتكون ثقافات تراكمية
لدى الشعوب المستهدفة، لتسهيل حرث التربة الثقافية لإمكانية زرعها
من جديد، ويتساوى هنا نوع المنتج السينمائي، سواء كان تراجيديا أو
كوميديا، أو أكشن، فكل النوعيات مطلوبة وضرورية لغزو العقول، حيث
كل شيء مدروس ومدون مسبقا في الأجندة الأمريكية، ولا فرق بين العمل
التعبوي المباشر الصريح والعمل المغلف بغلاف إنساني عاطفي بديع،
وتكفي الإحاطة بالعلم أن معظم شركات الإنتاج السينمائي العالمية
تتحكم فيها رؤوس أموال مشبوهة، تفرض شروطا سياسية مقابل التمويل
وتضع معايير غير أخلاقية أحيانا للعبة الإنتاج الضخمة، بل وتتدخل
في كبرى الجوائز فتمنحها لمن يلتزم وتمنعها عمن يتمرد أو يحاول
التمرد، وهناك واقعة شهيرة في هذا الصدد حدثت منذ سنوات ومثلت
فضيحة لجائزة الأوسكار، حيث تم سحب الجائزة من الفيلم الفلسطيني
«الجنة الآن» قبل ساعات من إعلانها، بعد ضغوط عنيفة مارسها اللوبي
اليهودي على لجنة التحكيم، ولم تكن هذه حالة استثنائية ولكنه إجراء
جاء في سياق نظام يحكم حصارا على الإبداع العربي كله ويحاكمه
محاكمة سياسية غير عادلة في ازدواجية فاضحة بين الشكل الدبلوماسي
الظاهر، والمؤامرات التي تدبر بليل في كواليس الساسة والسياسيين.
في
فيلمه المنتظر «خط اللامكان»: البريطاني لوكاس شرانك يسجل معاناة
طالبي اللجوء في أستراليا يلجأون إلى الموت غرقا أو الحياة المذلة
بين جدران الاعتقال
آية الخوالدة - عمان ـ «القدس العربي»:
في فيلمه الجديد الذي لم ينته بعد، يلقي المخرج البريطاني لوكاس
شرانك الضوء على قضية جديدة تلقى جدلا كبيرا بين الأوساط السياسية
والحقوقية، وهي مأساة طالبي اللجوء إلى أستراليا وما يواجهونه من
موت واحتجاز وظروف معيشية صعبة.
ولد لوكاس شرانك وترعرع في لندن وأصبح مخرجا للأفلام ومصمما للرسوم
المتحركة، يتناول في معظم أعماله الموضوعات الدقيقة والحساسة مثل،
العزل والاحتواء، كما حصل عام 2009 حين قدم عمله «بلو بيتر» الرسوم
المتحركة على قناة «بي بي سي» في يوم ذكرى الهولوكوست، والتي قدم
من خلالها حياة فريدا ونيمان الناجية الوحيدة.
أما في فيلمه الذي حمل عنوان «خط اللامكان» فهو يدور حول قصة شابين
في جزيرة مانوس التابعة لجزيرة بابوا غينيا الجديدة، التي تستقبل
طالبي اللجوء إلى أستراليا وسط ظروف معيشية صعبة جدا وحرية تنقل
مقيدة بصورة بالغة يغلب عليها الاحتجاز المفتوح والإلزامي وحتى
التعسفي، كما أن السلطات لا تسمح بدخول أي أحد لهذه المراكز، سواء
أكان شخصا عاديا أو صحافيا أو من المنظمات غير الحكومية. إلا ان
لوكاس تمكن من خلال بعض المساعدة إجراء مكالمة هاتفية مع اثنين من
اللاجئين هناك، وبنى عليها قصة هذا الفيلم.
في مقابلة أجرتها منظمة حقوق الإنسان الاسترالية معه حول فيلمه
المتوقع صدوره قريبا، يقول:» لقد بنيت أحداث الفيلم على مكالمة
هاتفية أوردتها ضمن الفيلم، على الرغم من رداءة جودته، إلا أنها
أضافت الواقعية واللمسة الحقيقية لما يعيشه طالبو اللجوء في مانوس
التي ما تزال مستمرة حتى الآن. هذان الرجلان و2198 غيرهم ما يزالون
يفتقرون إلى أقل مطالب الحياة الكريمة والإنسانية وهي حريتهم،
ناهيك عن الغياب التام للطعام والشراب ومستلزمات النظافة الشخصية،
حيث يضطر أن يعيش ما بين 8 و 11 رجلا في مكان واحد في جو عالي
الحرارة والرطوبة».
ويعتبر لوكاس الفيلم مهما جدا لأن موضوعه يحيط به الكثير من
الضوضاء، خاصة بعد أن اصبح الناس منزوعي الحساسية تجاه الطرق التي
تصور بها وسائل الإعلام قضية اللجوء، ويأمل من خلال فيلمه أن يجلب
النقاش حول هذا الاحتجاز الإلزامي جهودا اكبر لاستعادة بعض العناصر
البشرية لطالبي اللجوء في هذا البلد.
وفي سؤال عن الشخصين الذين تحدث معهم، يقول: «لا أستطيع أن أقول
أكثر مما ورد عنهم في الفيلم من أجل حمايتهم، حيث تحدثت مع اثنين
من طالبي اللجوء في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذين منحتهم في
الفيلم اسمي «أسعد وبهنام» وكلاهما فاران من الاضطهاد السياسي في
إيران. الأول بهنام حاول مرتين القدوم إلى أستراليا من إندونيسيا،
انتهت المحاولة الأولى بغرق القارب الذي كان قادما عليه وفقدانه
المأساوي لصديقه سعيد، وفي حينها تم انقاذ 60 شخصا من الغرق
واعتقال بعضهم ومن بينهم بهنام الذي تمكن من الهرب بعد حوالي اسبوع
وانتهى في قارب آخر تائها لمدة 8 أيام في البحر قبل أن يتم إيجاده
ونقله إلى جزيرة كريسماس، حيث تعرف على رضا بيراتي الذي شاركه
غرفته ووصفه بأنه رجل هادئ ولطيف، لمدة شهر ومن ثم تم ترحيله إلى
جزيرة مانوس.
بينما أسعد الذي كان يدرس في الخارج قرر أن يعود إلى ايران لزيارة
عائلته، ومثل بهنام قام برحلته من إندونيسيا حيث وصل إلى جزيرة
كريسماس بعد ثلاثة أيام في التاسع عشر من تموز/يوليو، إلا أن
البحرية احتجزت قاربهم، حيث أنهم وصلوا بتاريخ فرض سياسية إعادة
التوطين الإقليمي وبالتالي نقلوا إلى جزر مانوس وناورو.
وأضاف لوكاس: «خلال المقابلات وطوال عملية صنع الفيلم، كان الشابان
مفيدين جدا وكريمين معنا بخصوص ما نرغب معرفته عن تلك الأوضاع إلا
ان الوضع برمته كان مربكا لأنهم كانا محتارين ماذا بالضبط أريد
منهما، فيما كانت المهمة الأصعب تقع على كاهلي، إذ من الصعب جدا أن
تحول ما تسمعه عبر الهاتف إلى رسوم متحركة.
لقد كنت أعلم الكثير عن الواقع الوحشي الذين كانوا يعيشونه إلا ان
سماعه مباشرة منهم أمر لم أكن مستعدا له، وهذه هي قوة المكالمة
الهاتفية التي استخدمتها بنصها الأصلي وطقطقة الخط بسبب طول
المسافة ورداءة الاتصال.
بهنام وأسعد كانا محتجزين خلال أعمال الشغب التي حصلت في
شباط/فبراير الماضي والذي هو في الحقيقة كان نقطة محورية في
الفيلم، أدت إلى مقتل ريزا بيراتي وجرح المئات. وخلال الحوارات
التي أجريتها أدركت أنني حصلت على مواد كافية لتقديم هذا الفيلم،
وبدلا من محاولة ضغطه في دقائق معدودة، ركزت على التجربة الإنسانية
«كيف سيكون شعورك لو كنت هناك، الهستيريا والرعب الذي يجتاح
المركز. فهنالك بعض الأخطار إذا تم تبسيط قصتها تفقد سلامتها كسجل
للحقيقة. لذلك كنت حذرا جدا في تصوير هذه المشاهد».
وأكد أن رواية القصص من المعتقلين أمر حساس للغاية وعلى صناع
السينما أن يكونوا حذرين في تناول مثل هذه المواضيع وعدم الكشف عن
هويات أصحابها فهنالك العديد من المعتقلين الذين يعانوا من الإجهاد
الشديد والاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، ويقع على عاتق أي صحافي
أو مخرج ان يتأكد من أن هذه المقابلة لا تؤثر على سلامته وحياته.
ومن الأمور التي أثارت استغراب لوكاس كمية المعلومات الخاطئة التي
تقدم حول هذه القضية، حيث انتقل إلى أستراليا العام الماضي ودهش من
البساطة التي تحاول الجهات الحكومية فرضها حول هذه المشاكل
والتعتيم الكبير الذي يحيط بطلبات اللجوء وأصحابها من خلال استخدام
مصطلحات «المهاجرين غير الشرعيين»، «قوائم الانتظار» و»توقف
القوارب».
وفي نهاية حديثه أشار لوكاس إلى أن الهدف من حملة جمع الدعم التي
رافقت الفيلم، الحصول على 3000 دولار على أقل تقدير من أجل إرسال
المواد الضرورية لهولاء المحتجزين، وقد بدأ التواصل مع الجمعيات
الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان.
وبحسب لوكاس إذا غير الفيلم المفاهيم الخاطئة عند شخص واحد فقط،
سيكون بذلك قد حقق نجاحا كبيرا، والهدف هو القدرة على التأثير
وتغيير المفاهيم النمطية، موضحا «كل ما بذلته من جهد هو صنع فيلم
جيد ورواية قصة بكل صدق وإنسانية، قصة ستكون سجلا ودليلا على ما
يحدث اليوم بعيدا عن أنظار العالم. ليتساءل الإنسان في المستقبل
حين يراه «هل حدث ذلك حقا؟».
يذكر أن هذا الفيلم جاء بعد قرار الحكومة الأسترالية في
أيلول/سبتمبر الماضي بإبعاد جميع طالبي اللجوء الذين يصلون
بالقوارب إلى مراكز الاحتجاز التي تقع على الشواطئ في ناورو وبابوا
غينيا الجديدة، مشيرا إلى أنه سيتم إعادة توطين هؤلاء الذين يتم
تقييم حالاتهم على أنهم لاجئون حقيقيون في بابوا غينيا الجديدة،
أما من يرفض طلبه، فسيتم احتجازه هناك إلى أجل غير مسمى.
وظهرت بخطاب لا يشجع على طلب اللجوء إلى أستراليا طبع بسبع عشرة
لغة ويقول «أبداً. فلن نجعل أستراليا وطنا لك» إلى جانب صور
للتهديد كقارب صغير تتقاذفه الأمواج الهادرة.
ولاقت هذه الحملة انتقادات كبيرة من جانب المنظمات الإنسانية، خاصة
بعد ارتفاع نسبة الوفيات جراء الغرق في البحر، وذلك كله بسبب
استجابة خدمات البحث والإنقاذ في أستراليا الذين قيل لهم إن
أولوياتهم وقف القوارب وليس إنقاذ الأرواح». |