لعل فيلم "إشارة مرور" 1996م، يكاد يكون من أهم الأفلام التي قدمها
المخرج خيري بشارة على طول تاريخه السينمائي، كما أننا من الممكن
أن نعتبره آخر فيلم روائي طويل قدمه هذا المخرج المتميز صاحب
العالم السينمائي الذي يخصه وحده، والذي لم يحاول مخرج مصري آخر
الدخول إلى هذا العالم الخاص جدا، والمتميز، ورغم أن بشارة قدم بعد
هذا الفيلم، وبعد فترة انقطاع طويلة عن الإخراج، فيلما روائيا آخر
هو فيلم "ليلة في القمر" المستوحى من حياة الأميرة الإنجليزية
الراحلة "ديانا" الذي تم إنتاجه في 2003م، في حين أنه لم يُعرض في
دور العرض السينمائية إلا في عام 2008م، وهو الفيلم الذي مر من دون
أن يلتفت إليه أحد، وربما لم يسمع عنه عدد غفير من جمهور السينما،
أو جمهور سينما خيري بشارة، والذي قام بتصويره بتقنية سينما
الديجيتال، إلا أن هذا الفيلم دائما ما يُسقط من التاريخ السينمائي
للمخرج خيري بشارة، ليتوقف معظم المؤرخون لسينماه مع فيلمه "إشارة
مرور" باعتباره آخر الأفلام الروائية الطويلة التي قدمها.
وربما كان "إشارة مرور" هو واسطة العقد في أعمال المخرج المتميز
خيري بشارة، وبالتالي نشعر من خلال مشاهدتنا لهذا الفيلم أن بشارة
هنا تستهويه فكرة "اللعب السينمائي، أو الإخراجي" إذا جاز لنا
التعبير، فالمخرج هنا ليس مجرد مخرج يؤدي عمله، بقدر ما هو شخص
يستمتع باللعبة الإخراجية على اتساع مداها، وبالتالي فهو يؤديها
بشكل ينقل إلى المشاهد قدر غير قليل من المتعة البصرية،
والإخراجية، وكأنه يريد أن يقول لنا: "أنا مخرج متميز، يمتلك كل
أدوات الإخراج السينمائي؛ وبالتالي فأنا هنا ألعب، وأستمتع؛ كي
أنقل لك هذه المتعة راغبا في مشاركتك إياي في هذه المتعة"، وهو
بالفعل ما رأيناه في هذا الفيلم المتميز الذي ساعده فيه السيناريو
الجيد، المتماسك، الحرفي الذي كتبه السيناريست مدحت العدل، وصاحبه
فيه الموسيقى المتميزة للموسيقي القدير راجح داود، والذي كانت
موسيقاه التي قدمها للفيلم جزءً لا يمكن أن يتجزأ بأي حال من
الأحوال عن الفيلم، وبالتالي إذا ما عزلنا هذه الموسيقى عن أحداث
الفيلم، أدى ذلك إلى فقد عنصر مهم، وجزء كبير من تأثير المشاهد
السينمائية على المتلقي الذي سيشعر بوجود شيء ما مُفتقد في سير
أحداث هذا الفيلم، وهذا يدلل على أهمية الموسيقى التصويرية التي
قدمها راجح داود، وكيف كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا في إيصال الأثر
البصري للكثير جدا من مشاهد الفيلم، ومن ثم تعميق أثرها في نفسية
المشاهد لها.
يتناول خيري بشارة في فيلمه حدث بسيط قد لا يدعو أي إنسان للتأمل،
أو التوقف أمامه لمجرد دقيقة واحدة، وهي تعطل إشارة مرور في ميدان
طلعت حرب؛ مما أدى إلى تكدس عظيم للسيارات لمدة عدة ساعات، ولعل
مثل هذا الحدث اليومي في مدينة كبيرة، ومكتظة مثل مدينة القاهرة هو
من الأحداث التي لا تدعو للتوقف أمامها؛ لأنها تحدث يوميا بشكل لا
يدعو لالتفات أحد إليه، ولكن خيري بشارة ربط هذه الإشارة، وهذا
الحدث بأمر آخر وهو أن هذا الميدان هو الطريق الفرعي، والمؤقت لسير
موكب أحد الشخصيات المهمة إذا ما تعطل الطريق الأساس، وهنا كانت
الكارثة بالنسبة لجميع القيادات ورجال المرور، والشرطة المسئولة عن
تأمين هذا الموكب، ولكن هل لو توقف الأمر هنا على الموكب فقط، هل
سيكون من الأهمية بمكان التي قد تدعو مخرجا مثل بشارة لأن يلتفت
إليها ومن ثم يصنع فيلما سينمائيا؟
لم يهتم بشارة بتوقف إشارة المرور هنا بقدر اهتمامه بالعديد من
الحالات الإنسانية، أو الحيوات الاجتماعية التي حرص على تجميعها
كلها في هذا الإطار المكاني الذي اتخذه مسرحا لأحداث الفيلم، ولعل
ما فعله بشارة بحرص وتيقظ تامين في هذا الإطار إنما يدل على أن
المخرج رغب أن يعطي البطولة الأولى والأخيرة للمكان فقط، وكأنه
يقول لنا: "المكان هنا هو صاحب السطوة الأولى والأخيرة على كل
مقدرات البشر، والمكان هو الذي يُشكل الأحداث كيفما شاء، وهو
الباقي في النهاية بينما البشر إلى زوال"، وهو هنا يؤكد على خلود
المكان الذي يتواتر عليه الآلاف والملايين من البشر كل يوم، لكنهم
يذهبون بينما يظل المكان باقيا شامخا في وجه الزمن؛ ليحكي لنا
حكايات من مروا عليه عبر السنوات المختلفة.
حرص بشارة من خلال المكان/ ميدان طلعت حرب على أن يجمع لنا العديد
من الحيوات الاجتماعية المختلفة، التي تداخلت وتقاطعت من خلال
اجتماعها معا في هذا الإطار المكاني، فهو يقدم لنا "نبيل" (عماد
رشاد) العازف الفنان، والمثقف الذي يعيش في البناية التي تحوي
"جروبي" والتي تطل على الميدان، وعلاقته بحبيبته، ويضعه منذ بداية
الفيلم في أزمة نفسية لا يمكن له أن يتجاوزها حينما يصفعه أحدهم
على رأسه من الخلف، وسرعان ما ذاب في الزحام من دون أي سابق معرفة،
وهي الأزمة التي حرص المخرج خيري بشارة على تعميقها في نفس
المشاهد، بتكرار مشهد الصفعة ثلاث مرات متتالية وسريعة، وكأنه يعمق
من أثرها داخلنا؛ لدرجة أنه لم يلتفت خلفه مرة أخرى وكأنه لم يوجه
إلى "نبيل" أي صفعة، أو إهانة، وهو الأمر الذي جعل "نبيل" في أزمة
نفسية كبيرة شعر من خلالها أن كل ثقافته، وكل ما تعلمه، وحياته
نفسها، وشخصيته قد تعرضت لإهانة لا يمكن لها أن تُغتفر، وبالتالي
فقد أشعرته هذه الإهانة بدونيته، وكأنه لا شيء؛ مما جعله يستغيث
بحبيبته كي تساعده على تجاوز هذه الأزمة العميقة التي يعيش فيها.
وهناك "ظاظا" (عزت أبو عوف) رجل الأعمال الثري المرتبط بعلاقة
عاطفية مع سكرتيرته، ورغم أن زوجته على علم بهذه العلاقة إلا أنها
حريصة على الاحتفاظ بزوجها والقتال من أجله مهما حدث، ولقد كان في
طريقه إلى المطار من أجل عقد صفقة مهمة خارج مصر، إلا أن الإشارة
قد توقفت به، ومن ثم ظل عالقا بها غير قادر على الحركة.
و"زكريا" "سمير العصفوري" مدرس التاريخ الذي أنفق حياته بالكامل في
التدريس للكثير من الأجيال، ورغم ذلك لا يتذكره أحد بالزيارة أو
السؤال عليه من الأجيال العريضة التي نشأت وتعلمت على يديه، مما
يجعله في وحدة قاسية ودائمة هو وزوجته (إنعام سالوسة) التي لم تنجب
له طوال الأربعين عاما التي قضياها مع بعضهما البعض، وفجأة باتت
حاملا في نهايات عمرها، ولتعميق المأساة فهي على موعد مع الولادة
في هذه الليلة التي تعطلت فيها إشارة المرور بهما وهما في طريقهما
إلى المشفى من أجل الوضع؛ مما وضعه في حالة نفسية أقرب إلى الجنون،
لدرجة أنه قرر أن ينتحر في وسط الميدان ساكبا على نفسه البنزين.
وهناك الشاب الصغير الذي مازال في مرحلة التعليم والمهووس حبا
بإحدى الفتيات التي تعمل بائعة في أحد محلات وسط البلد، والذي
يطاردها معظم الوقت، وحينما تسأله عن سبب مطاردته لها يؤكد لها حبه
الشديد، وأنه لا يرغب سوى في أن يمسك يدها فقط، وهي الرغبة
المجنونة التي تنتابه تجاهها، ويود أن تحققها له.
و"ريعو" (محمد فؤاد) الشاب القروي الذي جاء من قريته لعشقه لكرة
القدم ورغبته في أن يكون محترفا، لكنه لا يستطيع تحقيق حلمه؛ الأمر
الذي يجعله يعمل كعامل بناء، كي يستطيع الحياة، وفي هذه الليلة
كانت هناك مباراة مهمة للمنتخب ولابد أن يذهب لمشاهدتها، كما كان
هناك موعدا بينه وبين الصول "رجب" (أحمد عقل) أمين الشرطة الذي يقف
في وسط ميدان طلعت حرب لتنظيم المرور، والذي انتهت ورديته ويرغب في
ترك مكانه؛ كي يذهب لمقابلة خطيب ابنته "ريعو"، ولكن توقف الإشارة،
وعدم وجود من يستلم ورديته مكانه جعله يظل وسط الميدان المتوقف.
وهناك المرأة المتسولة التي ذهب عنها جمالها، والتي تبحث في صناديق
المهملات عما يمكن أن يسد جوعها، ورغم ذلك فهي حريصة دائما على وضع
طلاء الشفاه والتجمل الدائم، حتى أنها تطلب من "ظاظا" عشرة جنيهات
كي تشتري بها طلاء شفاه، بدلا من أن تشتري بها شيئا تأكله.
كذلك (محمد لطفي) بائع الآيس كريم الذي استغلته إحدى الجماعات
الإرهابية من أجل تفجير قنبلة في الموكب الذي سيمر من وسط البلد،
ولعلنا لا ننسى السيدة العجوز اليونانية التي قدمها لنا المخرج في
بداية الفيلم وقد شعرت بالغربة والوحدة القاسية، حتى أنها لا ترغب
في الجلوس داخل جروبي لأن وجوه الناس قد تغيرت تماما، ولم تعد
تتعرف على أحد، وكان همها الوحيد أن يكون هناك من يؤنسها في هذه
الوحدة حتى لو لمجرد أن يسير معها مجرد القليل من الخطوات حول
الميدان؛ ومن ثم تطلب ذلك من "نبيل" (عماد رشاد) جارها في نفس
البناية.
كذلك "فهمي" (سامي العدل) ضابط الشرطة المسئول عن تأمين الميدان
والموكب بأكمله، والذي يعتذر لزوجته عن نزهتهما معا؛ بسبب تعطل
الميدان وتوقفه التام، وهو الضابط الذي لا يمتلك سيارة، ويحب كتابة
الشعر، ويود لو تفرغ لكتابته.
كل هذه الشخصيات والحيوات الاجتماعية المختلفة، حرص المخرج خيري
بشارة على تجميعها معا في حيز مكاني واحد، وفي لحظة واحدة داخل
إشارة مرور ميدان طلعت حرب، هذه الإشارة التي أُصيبت بالشلل التام،
حتى أن الجميع قد علق بها غير قادر على الخروج منها، وكأنها الجحيم
الحقيقي، ولكن جميع هذه الشخصيات كانت قادرة على التعامل والتقاطع
مع بعضها البعض مما أدى إلى تطور هذه الحيوات، وتغيير مجرى بعضها
تماما عما كان مخططا لها.
ولعل الرابط الوحيد الذي جمع هذه الحيوات جميعا كان هو الوحدة
القاسية، والشعور العميق بالغربة في المكان رغم أنه ليس بالمكان
الغريب عليهم جميعا، ولكن إحساس المهانة، والافتقاد، واللاجدوى،
كان هو الإحساس المسيطر على الجميع، ولقد استطاع المخرج خيري بشارة
أن ينقل لنا هذا الإحساس ببساطة متناهية، وبمتعة لم يقدمها لنا من
قبل بمثل هذا الشكل الذي رأيناه، وكأنه يحاول التأكيد لنا على ما
سبق أن ذهبنا إليه، وهو أنه إنما يلعب لعبة سينمائية يستمتع بها
أيما استمتاع، ولذلك حينما طلب الشاب الذي يحب البائعة في أحد
محلات وسط البلد أن يقبلها، أكدت له أن ذلك لا يمكن أن يكون إلا عد
زواجهما، فجعلهما المخرج يذهبان للزواج بكل بساطة، وحينما لم يجد
الشاب في جيبه سوى ستة عشر جنيها فقط؛ اشترى كمية ضخمة من الجرائد
واتجه بها إلى سطح إحدى البنايات في وسط الميدان؛ من أجل ممارسة
حبهما على سطح البناية، حيث انها المكان الوحيد المتاح لهما في هذه
اللحظة، وحينما يحاول "زكريا" مدرس التاريخ الانتحار بإشعال
النيران في نفسه يحاول "ريعو" (محمد فؤاد) إنقاذه وتعريض حياته
للخطر من أجل منعه من هذا الانتحار، وهو الأمر الذي جعل "ريعو"
بطلا مهما وتنصب عليه الأنظار والاهتمام من قبل الجميع بعد أن كان
الجميع يتجاهله ويتعامل معه من دون اهتمام، وهو الأمر الذي جعل
الفتاة الجميلة "سمية" (ليلى علوي) تنتبه إليه وتُعجب به بعد أن
كانت لا تعيره أي اهتمام؛ مما أدى إلى تطور علاقتهما وطلب الزواج
منها، وقبولها ذلك رغم أن علاقتهما لم تتعد ساعات قليلة.
كما تلد زوجة مدرس التاريخ (إنعام سالوسة) وسط الميدان على يد
"سمية"، وتأتي سكرتيرة "ظاظا" إليه بعد أن عرفت بعدم سفره، وهو
الأمر الذي أدى إلى مقابلتها مع زوجته وحدوث مشاجرة بينهما حاولت
فيه الزوجة الاحتفاظ بزوجها لها وحدها، كما ان طول الانتظار في
الإشارة أدى إلى اقتراب موعد انفجار القنبلة التي انفجرت في يد
طفلة صغيرة وجدتها، كما وقع (محمد لطفي) الذي كان يحمل القنبلة في
إحدى بلاعات المجاري ولم ينتبه له أحد؛ فأُغلقت عليه البلاعة من
دون التفات أحد له.
كل هذه التطورات التي حدثت في حياة هؤلاء البشر جميعا، وهذه
الشخصيات كانت نتاج ساعات قليلة توقفت فيها الإشارة توقفا تاما،
لكنها صنعت حياة جديدة من جميع هذه الشخصيات، بانسيابية وبساطة
فنية لم يكن من الممكن أن يقدمها أحد بمثل هذه البساطة سوى مخرج
متمكن من ادواته مثل المخرج خيري بشارة، والذي ساعده في ذلك
المونتاج الرشيق، الحيوي، للمونتير رحمة منتصر، هذا المونتاج الذي
جعلنا نشاهد الفيلم في ساعة ونصف تقريبا وكأننا لم يمر علينا سوى
خمس دقائق فقط من عمر هذا الفيلم.
ولكن لعل المشاهد التي حرص عليها خيري بشارة بين "ريعو" (محمد
فؤاد) أثناء مكالمته الهاتفية مع الوزير كانت من أسوأ ما قدمه
المخرج في هذا الفيلم؛ فالفيلم لم يكن يحتمل مثل هذا المشهد
والحوار الكوميدي، الساخر الذي دار بين الوزير و"ريعو"، ويبدو ان
بشارة قد استمرأ هذا الأمر؛ وهو ما دفعه إلى الإطالة والمط فيه على
حساب أحداث الفيلم؛ مما جعله مجرد نتوء لا حاجة للفيلم إليه داخل
بناء سينمائي متماسك وقوي، لم يؤد إلا إلى إضعاف الفيلم على
المستوى الفني.
نجح خيري بشارة في هذا الفيلم على توضيح وجهة نظره الفنية التي
يؤمن بها، والتي يرغب تقديمها، ولعل أفضل ما قدمه بشارة هنا من أجل
إيصال هذه النظرة الفنية، هو المشهد الذي بدأ به فيلمه، كي يعود
وينتهي به مرة أخرى، حينما رأينا شخصين في ثياب تنكرية، ووجهيهما
ملطخان بالكثير من الألوان وكأنهما مهرجان، وهو المشهد الذي أوحى
لنا بازدواجية معايير كل شيء في هذه الحياة، فهما يعيشان ويظهران
للناس بوجه مزيف، غير حقيقي، في حين أن حقيقتهما ليست كما يبدوان
عليها من سعادة، وهذا هو المعنى الرئيس الذي رغب خيري بشارة أن
يقوله من خلال فيلمه؛ فليس معنى أن الشخص الذي أمامك يقف متماسكا،
مبتسما أنه يعيش حياة سعيدة ورغدة، بل إذا ما تعمقت داخل حياته
ستجد الكثير من الشروخ، والوحدة، والألم الذي لا يبدو على السطح
بقدر ما هو يتوطن داخل النفس، ولعل هذا ما رأيناه داخل جميع
الشخصيات داخل الفيلم، سواء عند المثقف المأزوم المهان بسبب
الصفعة، أو ضابط المرور الذي لا يشعر بالسعادة والراحة، والذي لا
يكتسب أهميته إلا من خلال بدلته الميري، أو المدرس الذي تسكنه
الوحدة الدائمة، أو غيرهم من الشخصيات التي صدق عليها جميعا هذه
النظرة التي أراد بشارة تقديمها، ودلل عليها بهاتين الشخصيتين
اللتين افتتح بهما فيلمه كي ينهيه بهما.
ولعل مشهد وسط القاهرة في نهاية الفيلم بعد انتهاء الأزمة تماما،
وذهاب الجميع دليل قوي على أمر آخر يرغب المخرج في التأكيد عليه،
وهو أن المكان هو البطل دائما، وأنه الذي يحكي لنا حيوات جميع من
يمرون عليه؟، حيث يتحول البشر هنا إلى متتالية عددية لا قيمة لها
بجوار سطوة، وأهمية المكان الذي يظل باقيا بشكل أبدي.
نجح المخرج خيري بشارة في فيلمه إشارة مرور في تقديم رؤية سينمائية
فريدة عن الانكسارات اليومية التي يمر بها المواطن المصري من خلال
حيز مكاني محدود هو ميدان طلعت حرب حينما توقفت الإشارة وأصابها
الشلل، وقد ساعده في ذلك مجموعة من الفواصل الغنائية التي قام بها
المطرب محمد فؤاد، وهي الفواصل التي تكاد أن تكون ميزة مهمة يتميز
بها بشارة دائما في معظم أفلامه، حيث تساعده هذه الفواصل الغنائية
في إيصال رؤيته السينمائية التي يرغب في تقديمها، ولعل الأغنية
الأخيرة التي قدمها محمد فؤاد في نهاية الفيلم التي قالت كلماتها
"يا عيني علينا، منك يا مدينة، مجنونة ورزينة، وفيكي البدع" من
أفضل الأغنيات التي جمعت رؤيته داخل هذا الفيلم. |