سينما 2015 تقدمها: خيرية البشلاوى
الطريق إلي سينما 25 يناير
صدر للزميل محمد بدرالدين كتاب "الطريق إلي سينما 25 يناير".. يهدي
المؤلف كتابه إلي "فناني الثورة الذين شاهدهم من ميدان التحرير
خلال الأثني عشر يوما المجيدة. من غير أن يعني ذلك بالضرورة وضع
الآخرين في قوائم سوداء".
الاهداء الذي ضمه الكتاب ينطوي علي قدر كبير من الرومانسية والطيبة
لأنه يفترض للثورة فنانين شاركوا بإصرار ـ حسب وصفه ـ وتعرضوا
للمخاطر بينما المشهد الآني وبعد مرور سنوات يخلو من فنانين ثوار
أو حتي بقايا من بقاياهم.. فمن يدعي أننا نملك "سينا ثورية"..
الآن؟؟
قراءة الكتاب مثل الفرجة علي الفيلم تختلف تأثيرها من سياق لآخر
وتوقيت لآخر.. والحكم عادة لا يصل إلي يقين إلا بعد أن تهدأ
العاصفة وينتهي الطوفان؟ أو مثلما يقول المثل الفلاحي "بعد أن تنشف
البركة وتبان القراميط".
ما علينا.. ما سبق مجرد مقدمة لكتاب سبق أن قرأته وكتبت عنه وإن لم
ينشر لأسباب خارجة عن إرادتي. وهذه المرة لا أملك ثانية غير
التقدير والاحترام لزميل سارع في تسجيل اللحظة التاريخية الفارقة
في كفاح الشعب المصري. وجهود بعض السينمائيين من أبنائه للإسهام في
صنع حركة تدفع عجلة التقدم ولو علي المستوي السينمائي والإبداع
المرئي.
وفي تقديمه للكتاب يصف الناقد سمير فريد المؤلف بأنه ناصري في
السياسة. أيديولوجي في النقد رومانتيكي في الحياة.
ربما يكون محمد بدر الدين ناصري وأيديولوجي ورومانتيكي ومتأثر
بأسلوب محمد حسين هيكل ونقد الزميل سمير فريد.
ولكن المؤكد أن الكتاب الذي نقرأه الآن يمثل إضافة للمكتبة
السينمائية لأنه يلقي الضوء علي ما يراه المؤلف سينما ثورية. أو
سينما الثورة سواء كانت سينما روائية أو تسجيلية.. أو سينما 25
يناير وكلها كما نري موضوعات مهمة ومرتبطة بالحدث الاكبر وأعني
ثورة يناير.
يتكون الكتاب حسب تقسيم المؤلف من أربعة أبواب : الأول يتناول حديث
الثورة في السينما المصرية حتي مشارف وبدايات 25 يناير - 30 يونيه.
والباب الثاني إلقاء ضوء علي أبعاد في قضية ثورة السينما وسينما
الثورة سواء كانت سينما روائية "تمثيلية" وسينما تسجيلية ومن ذلك
وقفة أمام سينما الثورة المضادة.
والبابان الاخيران يكرسهما المؤلف للنقد التطبيقي فيتناول سينما 25
يناير روائية وتسجيلية وكذلك الافلام الروائية التي مثلت إشارات
وأحيانا بشارات إلي درجة التوقع أو الاستشراف للثورة.
من العنوان "الطريق إلي سينما 25 يناير" يمكننا أن نستنتج ان
المؤلف يتابع الخطوات التي قطعتها السينما المصرية وصولا إلي سينما
25 يناير أي السينما التي عبرت عن ثورة أو حملت بذور ثورة.
ويبدو ان هناك خلطا بين السينما الثورية التي تنهج اسلوبا فنيا
ومادة موضوعية وادوات انتاج من شأنها ان تحدث تغييرا جذريا في
المجتمع. بين هذه السينما التي رأينا نماذجها في سينما أمريكا
اللاتينية وكوبا والسينما السوفيتية.. إلخ.. هناك فارق بين هذه
السينما وبين السينما المصرية في اكثر نماذجها احتراما والتزاما
وإن ظلت سينما كلاسيكية تعكس واقعا من دون أن تسعي لتنويره.
في الفصل المعنون "نهضة مصر.. وعودة الروح" يقول المؤلف إن ثورة 19
أحدثت تأثيرا هائلا علي فن النحت وفنون التشكيل الجميلة وعلي أصعدة
الفنون الاخري مثل الرواية والقصة القصيرة والاغنية والموسيقي كما
دخلت السينما مرحلة جديدة مع النهضة بفضل طلعت حرب الذي أسس
استوديو مصر.
وكذلك يري أن ثورة 23 يوليه 1952 غيرت من حال السينما وجعلت من
فترة الخمسينيات في القرن العشرين عقدا ذهبيا في تاريخ السينما
المصرية. أما الستينيات فقد أهدت المصريين من وجهة نظر المؤلف أروع
ثمار ونماذج فن السينما المصري علي طول تاريخه من "القاهرة 30" إلي
"الحرام" إلي "يوميات نائب في الارياف" إلي "جفت الأمطار" و"زوجتي
والكلب والبوسطجي" و"المومياء" يقول المؤلف انه بعد انقلاب السادات
علي الثورة ومنجزاتها لم يستطع شادي ولا غيره من فنانين كبار ان
ينجزوا مشروعاتهم.
هل السادات أم حركة التقدم برمتها اصيبت بالشلل وهي المسئولة عما
جري بسبب السياسات التي واكبتها قيم الفهلوة والبلطجة بأشكالها.
والانفتاح الاقتصادي غير المسئول؟
الثورة هي أعلي مراحل التغيير فعلا.. ولكن متي كانت السينما
المصرية تعبر عن أقصي مراحل التغيير بالمفهوم الثوري؟
يري المؤلف أن مرحلة استوديو مصر الذي شيده الرائد طلعت حرب عام
1935 من أهم وأخطر المراحل في تاريخ السينما المصرية وكانت الافلام
التي انتجها استوديو مصر وصورت في ديكوراته هي انضج افلام السينما
المصرية وكثير منها لايزال انتاجا مميزا ومتقنا حتي بمعايير الزمن
الحالي.
المؤلف يري أن السينما التي تناولت ثورة 1919 لم تتحقق إلا بعد
ثورة 1952 من خلال أفلام من نوع مصطفي كامل للمخرج أحمد بدرخان
وحتي هذا الفيلم فإن عرضه ارتبط بثورة يوليو كما يقول المؤلف.
السينما المصرية لم تعبر عن ثورة 1919 إلا من خلال عملين أحدهما
فانتازي ساخر "يامهلبية يا" وآخر كوميدي تناولها باستخفاف "الناظر".
الاعمال الجادة التي عالجت المراحل الوطنية ابتداء من ثورة 1919
وحتي الاربعينيات. استندت إلي الأدب مثل ثلاثية "بين القصرين"
و"القاهرة 30" لنجيب محفوظ وهذه الاعمال جاءت من انتاج القطاع
السينمائي الذي بدأ مع الستينيات وانتهي بنهاياتها.
ويعتبر المؤلف أن الكنز الحقيقي في تاريخ السينما المصرية هو
مجموعة الافلام التي تم انتاجها إبان التسينيات والتي تناولت مرحلة
ما بين عامي 1919-1952 وكلها مأخوذة من أعمال أدبية وتعتبر أنضج
الاعمال في مسيرة مخرجيها الفنية. ولا تعتبر في نهاية المطاف
أعمالا ثورية إلا إذا كانت الجدية والقيمة الفنية تعني بالضرورة
أنها أعمال ثورية.
اعتبر المؤلف أن افلام مثل "رد قلبي" و"الله معنا" و"بورسعيد"
وفيلم "ولا تطفيء الشمس" من الاعمال التي عالجت برومانسية ثورية
موضوع الثورة ثم لاحقا فيلم ناصر 56 وبعد ذلك تعرضت الثورة للهجوم
من خلال مجموعة من الافلام الرخيصة التي اطلق عليها المؤلف سينما
القوي المضادة للثورة يوليو أو سينما الردة أو سينما النفاق
لانقلاب السادات علي الثورة وهذه السلسلة بدزت بفيلم"الرصاصة لا
تزال في جيبي" واستمرت هذه السلسلة باندفاع كبير وتحريض من السلطات
منذ انتصاف السبعينيات إلي الثمانينيات ولم تخل منها سينما ما بعد
هذا التاريخ في كل المراحل.
يرصد المؤلف مجموعة ثالثة من الأفلام تنتمي إلي سينما ما بعد ثورة
يوليو وحتي قيام 25 يناير 2011 أي السينما التي تعبر عن عصر
الجمهورية الثانية والانقلاب علي يوليو من 1974-2011 ويشير تحديدا
إلي 35 فيلما عبرت عن موقف جاد موضوعي ونقدي تجاه تلك الفترة ومنها
علي سبيل المثال "الموطن مصري" البداية "عودة الابن الضال" هي
فوضي. أهل القمة. أبناء الصمت سواق الأتوبيس. البريء. أحلام هند
وكاميليا".
التأثير الأكبر للثورة في مجال السينما انعكس علي السينما
التسجيلية والروائيه القصيرة اكثر من الافلام الروائية الطويلة ظهر
ذلك في النماذج التي قدمتها السينما التسجيلية عن حرب 1973 تعبيرا
عن عبور رمضان في مقابل أعمال طويلة روائية تافهة ومشوهة. يستثني
فقط فيلم أبناء الصمت للمخرج محمد راضي عن رواية بنفس العنوان
لمجيد طوبيا وبطولة محمود مرسي وميرفت أمين ومجموعة من الممثلين.
بالنسبة لثورة 25 يناير فقد ظهر تأثيرها في عدد من الأفلام
التسجيلية والروائية القصيرة من بينها فيلم بعنوان "18 يوم" وفيلم
تسجيلي طويل بعنوان "الطيب والشرس والسياسي" لثلاثة من المخرجين
هم: عمرو سلامة وتامر عزت وآيتن أمين. ويعتبر اول فيلم تسجيلي مصري
يعرض عرضا عاما مقابل تذاكر.
ويلاحظ الكتاب أن تأثير الثورة ظهر أيضا في محاولات إلصاق سمة
الثورة علي الافلام الروائية التجارية بهدف دعائي وهذه سماها
المؤلف "سينما التطفل علي الثورة" من هذه الاعمال "صرخة نملة"
والفيل في المنديل وفيلم "تاك تاك بوم.
إلي جانب هذه الافلام يرصد المؤلف عددا من الافلام الجادة يعتبرها
بعيدة عن فكرة التطفل علي الثورة ومنها فيلم "حاوي" لإبراهيم
البطوط و"كف القمر" لخالد يوسف و"اسماء" لعمرو سلامة و"المسافر"
لأحمد ماهر.
الكتاب 113 صفحة يوفر جولة فنية مختارة وبرفقة مؤلف حريص جدا علي
انتقاء ما يقدمه وما يصل من خلاله للقارئ.
رنات
ندوة حول فنانة مُبدعة
بقلم: خيرية البشلاوى
عندما تهبط العتمة في بعض أوقات الشدة ويخيل إليها ان الشمس سوف
تخلف الميعاد والضوء يطول غيابه. يفاجئك الناس العاديون بمصابيح
تنشر الضياء فتستعيد الأمل وينتهج ويشرع صوتك في الخروج صافيا
معبرا عن فرحة تزغرد في صدرك هذه الصورة تجسدت في مشهد أمامي بعد
الحادث الإرهابي الأخير يوم الخميس الماضي. في اليوم التالي ذهبت
إلي معرض الكتاب لإدارة ندوة عن الأستاذة إنعام محمد علي التي أكن
لها تقديرا لا يعرف الحدود. تصورت أن المعرض سيكون خالياً وأن
الناس في البيوت تجتر احزانها علي فوج الشهداء الذي استشهد في
الحرب الدائرة ضد جحافل الإرهاب المدعوم بقوي استعمارية استوحشت
وبلغت أقصي حالات الخسة لتحقيق مآربها ضد مصر.. المشهد مركب جدا
ويزداد تعقيدا كلما ضاق الخناق علي قوي الظلام في سيناء.. المفارقة
أن الناس ملأت ساحة المعرض. وأن صالات البيع تعمل والأسر المصرية
تصحب أبناءها الصغار مثلما يحدث في كل سنة.. والمقهي الثقافي يحتفي
بضيف من ضيوف المعرض وأمامه جمهور ينصت إليه.. والموضوعات ثقافية
وفكرية متنوعة وأختيرت بحيث تناسب مصر الجديدة التواقة إلي
التجديد.. تجديد الخطاب الديني. الفكري. الثقافي. إلخ.
ما بدد الشعور بالإحباط تدريجيا الأعداد التي تؤمن إيمانا عمليا
وقلبيا وفكريا ووطنيا برسالة الفن وفي عشرات الأعمال التي قدمتها
ما بين مسلسلات وأفلام تليفزيونية وسينمائية لم تنحرف أبدا عن هذه
الرسالة ولم تغفل في أي تفصيلة تظهر داخل العمل عن أهمية تكريس
رؤيتها حول رسالة الدراما التليفزيونية ورسالة الفن المرئي الذي
يبثه التليفزيون لأفراد الأسرة مباشرة ومن دون "فلتر" ولا "تذكرة"
ولا استئذان.
يكفي أن نعرف عناوين المسلسلات والأفلام لكي توقن أنك أمام أستاذة
جديرة بلقب "الأستاذية" لأنها صاحبة رسالة تسعي إلي تأكيد الهوية
الثقافية والفنية. وتأكيد الدور الوطني الذي علي السينما
والتليفزيون أن تلعبه.. تأمل عناوين: أم كلثوم. مصطفي مشرفة. قاسم
أمين. ضمير أبلة حكمت. الطريق إلي إيلات. حتي تري كيف عالجت هذه
الفنانة المبدعة موضوعات الموسيقي والغناء والشعر والأداء ثم كيف
سلطت الضوء علي قيمة العلم والعلماء المصريين. وكيف ناصرت المرأة
المصرية فكريا وثقافيا بإعلاء صوت الرجل الذي يناصرها ووضعه داخل
البيوت من خلال الدراما.. القضايا التي أثارتها إنعام محمد علي في
مشوارها الطويل الذي بدأ مع بدايات التليفزيون في الستينيات يجعلنا
نوقن من جديد أن المرأة المصرية صاحبة صوت مؤثر وشجي متحرر من
التعصب والتميز. وموجود أبدا لنصرة الأصيل والمتجدده في تكوين هذا
الشعب.
الأكثر إثارة للتفاؤل ليس فقط العدد الكبير الذي حضر الندوة وإنما
التنوع في الأجيال فعندما حضرت أعداد من الشباب والشابات. والنساء
والرجال. ومن المصريين والعرب. ومنهم مثقف ليبي متقدم في السن كان
حريصا جدا أن يتحدث ويذكر إنعام محمد علي بزيارة إلي ليبيا في
منطقة بعيدة عن العاصمة تمت منذ سنوات ليست قريبة ويعيد إلي
الجالسين التأثير المدهش الذي أحدثته الزيارة وكانت في أعقاب مسلسل
"هي والمستحيل" علي ما أذكر وكان عن قصة للراحلة المبدعة فتحية
العسال صاحبة تجربة "سجن النساء".
الأسئلة التي وجهت لهذه المخرجة المصرية المبدعة تكشف بما لا يدع
أي مجال للشك أن الأعمال الفنية العظيمة والتي استمدت مقومات
بقائها من مصداقيتها والتزامها وقدرتها التعبيرية تكشف عمق تأثيرها
واعتزاز الناس بها.. من بين ما قيل لإنعام ويلفت الانتباه. ما
قالته شابة في بداية العشرينيات ومازالت في أولي خطواتها العملية
كصحفية. قالت: أرجوك لا تصابي بالإحباط من تردي المستوي الذي وصلت
إليه الدراما فنحن نحتاج جدا لأمثالك. |