مروان حامد: الحياة تمنحنا دائماً فرصاً جديدة
حوار: محمد أشويكة
تُفرز السينما المصرية، من حين لآخر، وعلى امتداد تاريخها العريق
والطويل، أصواتاً سينمائية مغايرة بالنظر إلى قيمة مُنجزها الفني،
ورؤيتها لقضايا الذات والجماعة، ووعيها الإنساني بقيمة السينما
كخطاب جمالي يتجاوز الحدود الضيّقة للتجارة والحسابات الأيديولوجية
الجوفاء.. ومن بين الأصوات السينمائية الجديدة في الساحة
السينمائية المصرية والعربية صوتُ المخرج مروان حامد، الذي استطاع
بفضل طموحه الكبير أن يُراكم من خلال أفلامه الروائية القصيرة
والطويلة أسلوباً سينمائياً مُتجدّداً، وأن ينحت لنفسه مساراً
خاصاً داخل مجال يصعب فيه إنتاج وإنجاز الأفلام خارج دوائر الإنتاج
التي يتحكّم فيها كبار الموزعين وأرباب القاعات السينمائية وتهيمن
عليه أسماء معروفة من المخرجين والنجوم... أخرج مروان حامد أفلاماً
روائية طويلة تستند إلى روايات معروفة من بينها «عمارة يعقوبيان»
لعلاء الأسواني، و«الفيل الأزرق» لأحمد مراد.. التقته «الدوحة»
بمناسبة مشاركة فيلمه الأخير ضمن المسابقة الرسمية لفعاليات الدورة
14 من المهرجان الدولي للفيلم بمدينة مراكش مؤخراً فكان هذا
الحوار:
·
بداية، ما الذي أغراك في رواية «الفيل الأزرق» للروائي والسيناريست
أحمد مراد؟
- قرأتُ الرواية في يوم واحد، وأحسست بأنها تتضمّن مادة تتوافر على
لغة ومواصفات سينمائية عالية.. فالعوالم الغرائبية في الرواية
أدهشتني كثيراً، وتطرح أسئلة مُلحّة، فهي تقتحم منطقةَ خيالاتٍ
مُتعدّدة.. لقد تعاطفت كثيراً مع شخصية يحيى راصد.. وشعرت بالأسف
تجاهه طول الوقت.
·
يُلاَحَظُ بأن الفيلم قد تتبّع الخط السردي للرواية بشكل حَرْفِي..
هناك تطابق كبير مع أحداثها.. إذ غالباً ما يكون الفيلم المأخوذ عن
العمل الأدبي حاملاً لوجهة نظر تأويلية مُعيّنة، وقد كُنْتَ
«وفياً» في فيلمك للرواية.. بم تفسر ذلك؟
- بعد قراءتي للرواية قرّرت مباشرة أن يتكلّف كاتبها بإنجاز
السيناريو بنفسه، لأنها مُلغزة، وقد خفت من أن يقوّض كاتب سيناريو
آخر الموضوع الأصلي. أعتقد أن المخرج سيُخرِج السيناريو وليس
الرواية. لذلك، كان لزاماً أن نأخذ بعين الاعتبار قدرات الأشخاص
الموجودين داخل القاعة من حيث تفاوت العمر ... طال التغيير نهاية
الرواية فقط لأنها كانت مُلتبسة ومُحْبِطَة.
·
لاحظنا بأن الثقل الفني للفيلم يقع على كاهلي كل من الممثليْن كريم
عبد العزيز وخالد الصاوي.. ما الذي أضافته إدارتك الفنية لهذين
الممثليْن المعروفيْن بأسلوبهما المختلف؟
- تجذبني كثيراً التجارب المختلفة، فالأجمل أن يدخل المُتفرِّج إلى
قاعة العرض ويجد نفسه أمام أداء مختلف عما اعتاده. لا أختار الممثل
بناء على فيلموغرافيته السابقة، وإنما بناء على ما يمكن أن يضيفه
إلى الدور.. مثلاً، لم يكن لدور «زكي الدسوقي» في عمارة يعقوبيان
علاقة بأدوار عادل إمام السابقة.. ونفس الأمر بالنسبة لخالد الصاوي
في دوره الحالي، فقد خرج للتو من دور جمال عبد الناصر، ونلاحظ كيف
استطاع أن يتفاعل بشكل مُغاير مع دوره المركب (شريف الكردي/نائل)
في «الفيل الأزرق». يشتغل خالد كممثل وفق منهج علمي مدروس.. كنت
مُتخوفاً أثناء إدارتي الفنية للشخصيتين من الاشتغال معهما بطريقة
مفتوحة، حيث كان يتوجّب الغوص في شخصية «حاتم رشيد» في فيلم «الفيل
الأزرق» التي يمكن لممثلين آخرين أن يفسدوها لذلك حرصت على ألا
أسلمها لأي ممثل سواه.. فالشخصية تنبني على الخلل العقلي، والقدرة
على تخيل وولوج عالم السحر والشيطان.. لقد انتظرت خالد الصاوي لمدة
ثلاثة أشهر كي نشتغل معاً، لأنه يمتلك قدرة عالية على التحكّم فيما
يقوم به.
·
لقد انتصر فيلمك للشعوذة والسحر في النهاية. هل هذا واقع العَالَم
العربي عامة أو مصر بالتحديد (حالة فُصَام وصَرع وهيستيريا)؟ وما
دور المخرج اليوم إذا لم يستطع نقل الناس من حالة اللاعقل إلى
العقل؟
- يركز الفيلم على البعد الإنساني البحت، ركزت كثيراً على فكرة
الفرصة الأخرى، خاصة وأن الحياة تمنحنا دائماً فرصاً جديدة، وتلك
قصة الفيلم بالنسبة لي. لكل واحد منا شيطانه أو شياطينه وللإنسان
قدرة تُمَكِّنُهُ من الانتصار على هواجسه وعلى شياطينه.. يرتكز
مضمون «الفيل الأزرق» على فكرتي الغفران والفرصة الأخرى.. الخرافة
جزء من الطبيعة الإنسانية؛ إذ كلما كان هناك نقص في المعرفة سيتوجه
الإنسان للخرافة مباشرة، وتلك مسألة تتضمنها كل الثقافات
والحضارات.. سنعاني كبشر من نقص معرفي مستمر مما سَيُدِيمُ الخرافة
في حياتنا...
يتأسس عمل الخرافة في الفن على الاستعارة.. لذلك، ففيلمي ليس
برهاناً على فشل أو نجاح نظرية علمية ما. خضع توظيف تلك العوالم
المتباينة من أجل بناء الاستعارة الفيلمية فقط.. مثلاً، استخدم
فرانسيس فورد كوبولا في فيلم «دراكولا» (DRACULA)
الصليب للعلاج بالرغم من التضاد الحاصل مع العلم.. لقد سَاهَمَت
الخرافة في بناء الهرم.. أعتقد أن الخيال الجانح والمُحَلِّق جزء
من طبيعة الإنسان، وأجمل القصص تلك التي ترتبط بالجن والعفاريت...
·
تخطر في الذهن أثناء مشاهدة فيلمك، أفلام الأرواح الشريرة «L’EXORCISTE»
و«اسم الوردة» وأفلام هيتشكوك...
- لم أكن أتخيل بأنني سأنجز فيلماً كهذا، ولم أكن أفكر كما لم يخطر
ببالي مُطلقاً مثل هذا الأمر، ولكن قراءة الرواية ساهمت بشكل مباشر
في إذكاء حماسي، وبما أن الفيلم نوع جديد ومختلف فإن إنجازه دفعني
للاطلاع على أفلام أخرى، وقد عدت كثيراً لأعمال ألفريد هيتشكوك
وقرّرت أن أتبع منهجه في توظيف التشويق من خلال ما استطعت استنتاجه
بعد قراءتي لكتاب «فرانسوا تريفو» (HITCHCOCK/TRUFFAUT)،
وكذا مشاهدتي لباقة مختارة من أفلامه.. لقد أفادني هيتشكوك كثيراً
في تحقيق هذا الفيلم...
·
تعاني السينما المصرية من تحكّم الخواص من المنتجين وأرباب القاعات
مما يؤثر على التوجهات الفنية لدى صناع السينما.. كيف تشتغلون في
ظِلّ هذه الحالة؟
- كلامك صحيح، المنتجون وأصحاب دُور العرض يميلون إلى ما يعتقدون
بأنه مرغوب من طرف الجمهور، وذلك ما يجعلهم يكررون نفس الفيلم،
ويعيدون إنتاجه واستنساخه.. فأي مخرج يريد التعامل معهم عبر اقتراح
عمل مُغاير سيصطدم بهذا الواقع، فلو لم أكن مُساهماً في فيلم
«الفيل الأزرق» ما قَبِلَ منتج الانخراط فيه. لقد اعتقد الموزعون
بأن الفيلم غير جماهيري، وسيفشل، وأن الجمهور لن يحتمل مشاهدة فيلم
تصل مدته إلى ساعة ونصف الساعة، ولا يحب أفلام التشويق (SUSPENSE)،
ولن يتفاعل معها.. وقد حصل عكس ذلك تماماً. لم أكن أتوقع بأن
الأمور ستسير بهذه الطريقة، فقد كنت مُتخوِّفاً، ولكنني أرى وفقاً
لما قام به بعض المخرجين السابقين الذين كانت لهم مساهمات في
الإنتاج بأن مشاركة المخرج في تمويل فيلمه ضرورية لتكسير رؤية
المنتج المهيمن..
·
ألا ترى بأنك كنت من ضمن الشباب المصري المحظوظ لأنك حصلت على
جائزة بمهرجان «كلرمون فيرون»، وشاركت في مهرجان «كان» بفيلم جماعي
فضلاً عن نجاح أفلامك؟
- مهنتنا خطيرة جداً لأن ذيوع الفيلم يمكن أن يتجاوز صاحبه، ولا
يعني أن نجاح الفيلم قد يترتب عنه بالضرورة نجاح ما سيعقبه، بل قد
تنجز فيلماً ناجحاً، ويليه فيلم فاشل فيصير عملك مُهدّداً.. فإذا
لم يركز الشخص ويجتهد سيختفي من السوق أو يخذله المحيط المهني..
ينبغي الاستمرار في الاجتهاد وبذل مجهود كبير أثناء العمل دون
التخلي عن مسألة الحظ طبعاً... |