«رمال
أيوجيما» عن التحضير للمعارك الكبرى
عبدالستار ناجي
حينما يتم الحديث عن سينما الحرب، او افلام الحرب، فان فيلم رمال
ايوجيما يعتبر في طليعة تلك الاعمال السينمائية، بقيمته الفنية
العالية، وايضا المضامين التي يرسخها، حيث الانضباطية العسكرية
والتحضير للمعارك الكبرى، ولايعرف هذه الجوانب الا العسكري الحقيقي
الذي يعي جيدا اهمية التحضير للمواجهات الكبرى والحاسمة، كمعركة
ايوجيما الشهيرة، التي حققت النصر للجيش الاميركي على الجيش
الياباني.
فيلم يذهب الى موضوع الحرب من خلال جملة من القضايا التي يأتي في
مقدمتها الاعداد العسكري واعداد الجندي الى خوض غمار حرب لذا فاننا
امام شخصيات يقودها النجم الراحل جون واين في واحد من الاعمال
السينمائية التي قدمها خلال مسيرته الفنية مجسدا شخصية السارجنت
جون ستريكر، القاسي والصارم والذي يرغب في خلق الجندي الحقيقي
القادر على تحمل ويلات حرب ضروس شرسة، حيث المواجهة الكبرى بين
الاميركيين واليابانيين في واحدة من المعارك الفاصلة والخالدة.
تجربة هي الاهم عن التحضير للحروب الكبرى واعداد المختبرين حتى ان
مشهديات التحضيرات والتدريبات، كانت لا تقل قسوة ووحشية عن الحرب
ذاتها والتي تدور رحاها ابان الحرب العالمية الثانية.
مع جوين داين في الفيلم عدد بارز من النجوم ومنهم جون آجار واديل
مارا وفورست تاكر.
الفيلم كتبه هاري براون وجيمس ادوار واخرجه للسينما الان دوان، وهو
من انتاج ريبوبليك بكتشرز في دراما سينمائية عالية الجودة.
منذ اللحظة الاولى، يأخذنا الفيلم الى حكاية السارجنت «الرقيب» جون
سترايكر «جون واين» الصلب والقاسي والصرم ولربما المكروه الى حد
كبير من قبل المجندين، بالذات من رجال فريقه الذين يحضرهم الى خوض
تجربة الحرب القاسية، آبان الحرب العالمية الثانية، والمواجهات بين
الجيش الاميركي والياباني ولكنه يحمل بداخله حكاية خاصة تعود إلى
قرار زوجته بأخذ ابنهما والعيش وحده لجديته وقسوته.
رحلة تمزج بين الانضباط والعناد والمواجهات من قبل عناصر الفريق
بالذات بيتركونواي «جوان اجار» الذي يمتاز بشيء من الفطرية ويرفض
الخضوع للاومر وهناك ايضا آل توماس «فورست باكر» وكم اخر من
الشخصيات التي تختلط عندها الاحاسيس اتجاه سترايكر القاسي، فمن
الرافض الى المطيع الى المعجب بالاسلوب الذي يقود به سترايكر
المجموعة ويقوم باعدادها الى مواجهة التحدي وتحقيق النصر.
ويظل سترايكر محافظا علي صرامته وفيلم يعادي العسكرية الحقة والجيش
والانضباطية والتحدي حيث تختلط الاحاسيس حوله من قبل فرقته، التي
يعلم عناصرها بأنهم امام رجل لايرحم ولكنه يحضرهم لشيء اكبر.
حينما تبدأ المواجهة يقود سترايكر فرقته في معركة تاراو حيث يبدأ
بالارتفاع بايقاع اسلوبه لتحفيز جنوده، فيما يرى «كونواي» في هذه
التصرفات نوع من الوحشية.
وتمضي الايام، عبر مواجهات مع الجيش الياباني تاره والمواجهات بين
الجنود بعضهم البعض ضد سترايكر القاسي. ومع مرور الايام يبدأ
سترايكر يظهر شيئاً من اللينونة والطيبة لانه كما اكد لهم بأنهم
باتوا الان وسط اتون الحرب وباتوا جاهزين لما هو قادم من الايام
واللحظات الصعبة.
وكما نشاهد ذهاب سترايكو الى اجازة في هونولولو حيث يعسكر الكثير
من الجنود وهناك يلتقي مع امرأة شابة وعبر تلك المشهديات نتعرف على
وجه سترايكر الانسان الطيب والكريم والرائع وهو خلال واجبه يكون
صارماً قاسياً.
وتعود مجدداً الى عوالم الحرب حيث معركة «ايوجيما» الحاسمة.
وهنا تأتي المشاهد الاهم حيث الاداء العالي لجون واين وعناصر
الفيلم ومشهدياته المحبوكة بعناية بالذات تلك التي تأتي في
المواجهة مع الجنود اليابانيين.
ومع اقتراب المعركة من نهايتها، والاستعداد لرفع العلم الاميركي
بعد اقتراب المعركة من نهايتها يقوم قناص ياباني باطلاق رصاصة الى
صدر سترايكر فترديه قتيلا وعندها يعثر الجنود على رسالة معه يوجهها
الى ابنه يتحدث خلالها عن اعتذاره لانه انشغل بشيء اهم وهو الجيش
والعسكرية وحب الوطن والعمل من اجل النصر ورفع العلم الاميركي.
ويتزامن ذلك مع رفع العلم الاميركي وتحرك الجنود من جديد الى معركة
اخرى ونصر آخر، لانهم باتوا يمتلكون الخبرة والتجربة ومن قبلها
العزيمة والتدريب العالي الذي يؤهلهم لتحمل المسؤولية.
فيلم عن الاعداد والتحضير وايضا البطولة والتضحية والكينونة بمستوى
التحديات الكبرى.
فيلم عن المسؤوليات الحقيقية والعمل من اجل بناء جيل يتحمل المهمات
الصعبة.
ومن هنا تأتي القيم الاساسية التي يؤكد عليها الفيلم الذي يذهب بنا
الى عوالم واجواء الحرب ولكن قبلها يمنحنا مفردات وقيم الكينونة
الحقيقية.
في الفيلم كما اسلفنا عدد بارز من النجوم يتقدمهم جوان واين بدور
سترايكر القاسي وجون اجار واديل مارا وفورست ويتكر وجيمس براون.
ومن المشاهد الخالدة في الفيلم هو مشهد رفع العلم الاميركي وهو
مشهد يتم استعادته وبشكل دائم حينما يتحدث عن موضوع افلام الحرب او
الانتصارات الاميركية العسكرية.
فيلم «رمال ايوجيما» من توقيع المخرج الان داون وهو مخرج كندي قدم
للسينما افلاما عدة ومنها «هايدي» 1937 و«روبن هود» 1922 وهو من
مواليد 1885 وتوفي عام 1981. قام بتصوير الفيلم مدير التصوير ريجي
لاننبخ الذي لطالما عمل مع الفريد هيتشكوك وايضا مع النجم جون واين
ومن الافلام التي صورها السلسلة السينمائية التلفزيونية «الفريد
هيتشكوك يقوم» 1955 و«خطوة في طريق الاماني» 1948.
اما الموسيقى التصويرية للفيلم فقد صاغها الموسيقار فيكتور يونغ
الذي صاغ موسيقات افلام ضخمة مثل «فيس اوف» 1997 و«كازينو» 1995
و«عين مغلقة باتساع» 1999 هذا وقد توفي يونغ عام 1999 تاركا ارثا
سينمائيا وموسيقيا ضخما.
فيلم «رمال ايوجيما» حينما يستدعي موضوع الحرب فانه لا يذهب للحرب
من اجل مشاهد القتال والرصاص والجثث بل كي يرسخ قيم الاستعداد
المبكر وتحمل المسؤوليات والعمل بشكل جاد وصارم لبلوغ الاعداد
النهائي الى حيث المواجهة.
وفي احد المشاهد الرئيسة في احدى الخيام يلتقي سترايكر مع عدد من
المجندين ليلقي عليهم خطبة صارمة مؤكدا لهم بانه يجب اعدادهم
لمواجهة الموت ومن اجل ذلك لابد من الارتفاع باللياقة والجهوزية.
فيلم يعود الى عام 1949 ولكنه يظل حاضرا في الاذهان لانه لا يتكلم
عن مغامرة بل قيم ومعطيات ومضامين ترسخ المعاني الكبرى.
فيلم يخد حربا ولكنه في الحين ذاته يخلد الرجال الافذاذ الذين ضحوا
بحياتهم وضحوا باسرهم من ذي قبل وفي مشهد قراءة الرسالة حينما
يعتذر سترايكر لابنه فانه يبرر ذلك الاعتذار وتلك الجفوة بامر اساس
اكبر هو الوطن والالتزام.
فيلم لا يفارقك حينما تغادره تظل موسيقاه تصدح في الذاكرة وتظل
شخصياته حاضرة قبل تبيانها وعلاقاتها المتصارعة.
خلف هذا العمل الكبير وقفت ستديوهات ريبوبليك وقامت بتوزيع الفيلم
ستديوهات يونيفرسال وقد بلغت كلفة الانتاج يومها مليون دولار، وهو
رقم كبير لفيلم يتم انتاجه عام 1949 وقد استطاع من استعادة المبلغ
في الاسبوع الاول.
الملاحظة الابرز عن هذا الفيلم على صعيد الاداء هو الاداء التقليدي
الذي عرف به النجم جون واين بما يتمتع به من اسلوب في حركة الجسد
والاداء اللفظي العالي المستوى.
في الفيلم ايضا اشتغال حقيقي على الشخصيات، وتقديم عدد مختلف من
الشرائح الانسانية والبشرية والتي تجد نفسها امام ذلك المخاض
الصعب، الذي يقوده سترايكر الذي ينظر اليه البعض من زوايا ووجهات
نظر مختلفة وهو بنفسه يعلم جيدا، بان عليه ان يحافظ على التزامه
وصرامته، من اجل حماية جنوده وبلوغ مرحلة الجاهزية العالية.
في الفيلم الكثير من الاحاسيس الانسانية والصداقة والزمالة وايضا
الاحترام الشديد للتدرج العسكري والانضباطية.
فيلم قد يكون قد ذهب الى النسيان لانه يعود الى ارقى سينما الابيض
والاسود ولكن حينما نتذكر سينما الحرب نتذكر فيلم «رمال ايوجيما»
حيث التحضير للمعركة وبناء الجندي الحقيقي هما المحاور الاساسية
التي سيشغل عليها هذا الفيلم الكبير. |