فيلم"الجمال الراقي" ليس انعكاساً لرؤيتي الخاصة عن
النساء
ترجمة: نجاح الجبيلي
تتحول وخزات النوستالجيا إلى أزمة وجودية متطورة في فيلم "باولو
سورنتينو" الأخير "الجمال الراقي". يؤدي "توني سرفيللو" دور "جب
غامبرديلا"، وهو صحفي من روما تؤدي به حياته في الشرب والرقص
والصحبة إلى الشعور بأنه "رجل طارئ" إذا ما اقتبسنا عبارة من رواية
سورنتينو الصادرة عام 2011 بعنوان "كل شخص على حق". إن حركة "جب"
ضمن الدوائر الثـرية الأكثـر انحطاطاً لأشد الأغنياء لامبالاة هي
دوامة من الإفراط المطرّد والتي تلائم في النغمة والتناول كاميرا "سورنتينو"
المدوّمة. لقطة الافتتاح في الفيلم ترتفع للأعلى خارجة عن المعيار
وتصدمنا حرفياً داخل المشهد ومن هناك تتحرك هذه العين التائهة عبر
ذكريات "جب" وفنتازياته ذات الصيغة الحاضرة لمدينة مليئة بالخرائب
التي تنبض بالبحث الحثيث عن كل متعة لكن بثمنٍ ما.
في الأقل منذ فيلم " المقدّس" – 2008 تركز أعمال سورنتينو –
وبضمنها روايته- على الرحلات العاطفية للشخصيات المحددة بإحساس بأن
"العالم يحدث مصادفة" – فالناس واعون بشكل مطرد بوطأة ماضيهم ولا
يطاردهم لكن تزعجهم الأفكار المتواصلة لما يمكن أن يحدث، ويواجههم
إن لم يكن يلهيهم صخب المشهد حولهم.
تحدثت مجلة "فيلم كومنت" مع سورنتينو خلال زيارته مؤخرا لنيويورك
تحضيراً لعرض فيلمه الجديد في 15 تشرين الأول 2013. وخلال المقابلة
رسم بعبث سلسلة من الرسومات الكارتونية مباشرة من عالم أفلامه:
شبيه السيد ت. ، يسوع أصلع بذراعين قصيرين غليظين ورجل يمارس كمال
الجسم بصدر يشبه وجه الميدوزا.
·
*أتساءل
إن كان ثمة شيء وجدته قوياً في الكيفية التي يحيطنا به المشهد
والاضطراب في الحياة الحديثة لكننا لا نستطيع أن نداري بل نركز
انتباهنا على التجارب التي مررنا بها سابقاً. فماذا بشأن الرحلات
العاطفية والشخصيات مثل "جب" في فيلم "الجمال الراقي" التي تعيش
أكثر في ماضيها الذي أثار اهتمامك؟
-
ما أجده قوياً هي اللحظة التي يدرك خلالها الناس، مع المعاناة
والألم ، بأنه في الماضي كان ثمة وقت حين كنا سعداء لأنه إذا ما
عدنا حينئذ فإن الحاضر والمستقبل يتطابقان – كانا واحداً والشيء
نفسه. بينما في فترة البلوغ فإن المستقبل هو المستقبل والحاضر هو
الحاضر وهما لا يتطابقان. لهذا فإنهم يشعرون بالمعاناة الرقيقة
العميقة الجذور واللاواعية المرتبطة بمرحلة البلوغ.
·
*هذه
الشخصيات تبدو ، دون إدراكها، وكأنها تصبح فجأة الشخص الذي على وشك
أن يكون ، سواء أكان جب أو شايان في فيلم "لا بد أن هذا هو المكان"
أو الشخصية في فيلم "الكل على صواب". إنهم يعودون إلى تلك اللحظات
حين يفكرون بأنهم يستطيعون أن يستعيدوا فرصة أن يصبحوا أشخاصا
جديدين. هل تعتقد أن ثمة أمرا مرتبطا بمنظر معين أو حسّاً بالوطن؟
وبالعودة إلى تلك الأماكن أو إعادة تجربتها هل يمكن أن يحدث شيء
جديد؟
-
نعم ربما يكون الأمر هكذا بالضبط. وسوف أعطيك جواباً مختصراً
بسيطاً:" نعم" لا بسبب أني لا أستطيع التحدث عن ذلك لكن لأني أشعر
بأن تحليلك هو من الجمال إذ يكون طريقة أشمل للكل ربما أقول في
إجابتي، لذا لا أريد أن أسبب أي ضرر لجمال تأويلك.
·
*هل
تشعر بأن هناك ثمة شيئاً مرتبطا بالاغتراب و الحركة الثابتة للحياة
اليومية والحركة من مكان إلى آخر بحيث يجعل من الصعب بالنسبة لنا
أن نرتبط بالماضي؟
-
نعم أنها الطبيعة المتشظية للحركة في الحياة اليومية التي تجعل من
الصعب أن نتحرك بتناغم مع الماضي. إنه العنصر العصابي في الطبيعة
المتشظية للحركة اليومية التي تجعل من الصعب التماس مع المشاعر
التي تميز الماضي أو بقية التجارب.
·
*ثمة
شخصية في فيلم "الجمال الراقي" تقول:" إني لا أهزأ مع الشيطان" لكن
يبدو وكأنك تتمتع "بالهزء مع الشيطان" وتواجه القبح مع السخرية. هل
من الممكن أن تتكلم قليلاً عن هذه النقطة؟
-
تقصد مواجهة القبح مع السخرية؟
·
*نعم،
إظهار التجارب أو السلوك الفظّ والقاسي- سواء السياسة في فيلم
"المقدّس" أو الهولوكوست في فيلم "لا بد أن هذا هو المكان" أو كل
الإغواء في فيلم "الجمال الراقي" – لكن مع عدم إعطائها أهمية. وكأن
لا شيء خارج الحدود وكلما كانت النكتة كبيرة كان من السهل التعامل
مع هذه الأشياء.
-نعم
أعتقد أن ذلك في منتهى الصدق. الناس يفعلون ذلك وأنا أفعل كذلك.
·
*أحد
الأمور التي أفضلها في فيلم "لا بد أن هذا هو المكان " هو كيف أن
عقاب المجرم النازي يناسب جداً التفكير اليهودي: ثمة تطابق، في
الأقل ما بين حالات الإذلال، وتجري صناعة الجلاد كي يشعر بالضبط ما
تشعر به الضحية.
-تماماً
حين بدأت أتعلم عن الهولوكوست كنت مندهشاً، لأنه مثلاً كل أعمال
سيمون فايزنتهال حول العقاب، كانت بالضبط بالطريقة التي وصفتها.
إنه أمر مثير للاهتمام. لا يوجد أبداً بالنسبة للناس اليهود السن
بالسن. هم لا يعرفون هذا الأمر. وبالنسبة لي مثل ،باقي الإيطاليين،
أعرف ذلك.
·
*هل
تعتقد بأن "شايان" و"مورديخاي" في فيلم "لا بد أن هذا هو المكان"
يستخدمان السخرية وربما التقمص العاطفي كي يكافحا الشرور أو بشاعة
العالم الحديث؟
-
نعم وأنا أشارك هذا الموقف في كل أفلامي. أعتقد بأن حس الدعابة هو
فعال في التعامل مع كل شيء. إنه الطريقة الأفضل للابتعاد عن الثقل
والارتباط بالصفاء. وإنه لأداة مرعبة أن تركز على ميزات الناس
وتكشف أسرارهم وتبقى على اتصال مع الحقيقة والجمال.
·
*يبدو
أن أحد الأمور الذي يجد فيها الجمهور، وبالأخص الأمريكي، صعوبة في
أفلامك هو حسّ الدعابة. وهو ظاهر جداً ومرتبط بشدة مع الأمور
المحزنة لكنه ليس كوميديا سوداء. ثمة موضوع محزن ثم كوميديا لتخفيف
الهمّ، تقريباً في النهاية، و كوميديا رخيصة. أتساءل كيف توصلت إلى
هذا الأسلوب؟
-
لا أعلم حقاً كيف توصلت إلى هذا الأسلوب. بالتأكيد أنا لم أدرسه.
إنه شيء ورثته من المدينة التي ولدت فيها التي هي نابولي. إن الناس
في نابولي ينشأون محاطين بهذه السخرية خلال 24 ساعة في اليوم ،لهذا
فهي شيء عشته وتنفسته مع عائلتي والناس الذين حولي حتى مع أصحاب
الدكاكين الذين أتفاعل معهم دقيقتين باليوم.
·
*بعض
الأمور المدهشة في أفلامك بالأخص الفيلمين الأخيرين هو الحس الذي
ترحل به الكاميرا إلى أي مكان وفي أي وقت. مع ذلك فالمَشاهد التي
ستكون قطعاً كبيرة في الأفلام الأخرى تظهر غالباً كونها لمحات. ثمة
صور عجيبة ستكون في الأفلام الأخرى فصولاً كاملة لكنها في أفلامك
هي مجرد جمل.
-
لا أعرف كيف توصلت إلى ذلك. هلا أعطيتني مثالاً؟
·
*سفينة
أشباح البحر في فيلم "الجمال الراقي" مثلاً. أو حتى انفصال "موردخاي"
و"شايان" في نهاية فيلم "لابد أن هذا هو المكان"، إنه مجرد لقطة
أخيرة لكليهما معاً.
-
ربما يكون السبب واضحاً وجزائياً: يمكن أن يكون لتجنب الثقة بالنفس.
·
*إن
ما انتهيت إليه هو هذا الجريان المطرد للصور الأكبر من الحياة
وكأنها تظهر من خلال قطار مارّ.
-
أنا أحب هذه الصورة وأنا سعيد بذلك.
·
*أغلب
المخرجين الآخرين الذين لديهم العديد من اللحظات الجاذبة سيركزون
عليها لكنك تقريباً تظهرها وكأنها غير مهمة أو ربما لأن هناك
العديد منها في الحياة تستحق الانتباه.
-نعم
ربما يدركها المرء كونها نوعا من النفاية أو المتروك لكن السبب هو
أني أعتقد بأنّ الأشياء المبددة هي جيدة. النفايات هي أشياء أحب
العمل عليها.
·
*أتساءل
عن وصف النساء في فيلم "الجمال الراقي". ثمة سطر في كتابك حين يرى
البطل امرأة عارية أول مرة فيقول:" قيامة امرأة عارية". يحاول
الفيلم أن يعرض لا فقط الكيفية التي تتفجر بها الرغبة الجنسية فحسب
بل أيضاَ الكيفية التي تستعمل بها النساء وتتشيأ.
-
في كل من الفيلم والكتاب تكون الرؤية هي رؤية البطل الذكر. وفي
الكتاب هي "قيمة النساء" إنها رؤية شاب مجرد من أي معرفة بالنساء
،وأول مرة يرى امرأة عارية وهذا هو السبب في فهمه للأمر كونه
قيامة. بينما في فيلم "الجمال الراقي" تكون الرؤية معكوسة ،
فالبطل معتاد جداً وتعب جداً من رؤية النساء من حوله طوال الوقت
ولديه علاقات معهنّ ،إذ أنه في منتهى الإرهاق. لكن لا من النساء
فحسب- بل من العديد من الأمور الأخرى أيضاً. لهذا فالفيلم كله يدور
حول الحياة العاطفية للبطل. وهو ليس انعكاساً لرؤيتي الخاصة عن
النساء.
·
*هل
هناك جانب من كره النساء في ثقافة حياة الحفلات لفيلم "الجمال
العظيم" تحاول أن تظهره؟
-لا
ليس كره النساء. لا أحد يرغب بذلك سواء النساء أم الرجال.
·
*أخيراً
أتساءل إن كنت قادراً على التحدث عن تلك الأداءات المعينة في فيلم
"الجمال العظيم" التي تكسر فضاء السرد: الفتاة الصغيرة التي ترسم
في معرض المسرح قرب النهاية. هذه المشاهد ترسل المشاهد إلى واقع
آخر مرة واحدة.
-كان
الغرض من هذا الفيلم أن يكون في منتهى الحرية بالنسبة لقص الحكاية،
لهذا ساءلت نفسي بضعة أسئلة حين كنت أضع الحبكة. أردت أن يكون لي
مطلق الحرية من البداية وأردت أن يكون ذا جريان حر وعائماً وحكاية
القصة يجري إخبارها تماماً عن طريق الحياة اليومية للشخصية. لهذا
فهي لا تتبع قواعد حكاية القصة التقليدية.
المدى العراقية في
|