حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم "قطار منتصف الليل إلى لشبونة"

كيف تفسد المعالجة السينمائية العمل الأدبي الكبير

أمير العمري

 

لاشك أن العلاقة بين الأدب والسينما كانت دائما علاقة وثيقة، تأثرت السينما من ينابيع الأدب، وتركت تأثيرها على السينما سواء في أساليب الحكي أو في الإيقاع العام وترتيب مسار الأحداث.

ويمتلئ تاريخ السينما بمئات الأفلام التي تعتمد على أصول أدبية، من روايات وقصص ومسرحيات، لكن الشرط الأساسي لنجاح أي فيلم يعتمد على نص أدبي أي على وسيط يختلف تماما سواء في تقنياته أم في جمهوره، يعتمد عى قدرة السينمائيين على إعادة معالجة المادة الأدبية بحيث يصبح من الممكن التعامل معها بسلاسة من خلال أدوات السينما: الكاميرا، الميزانسين (الإضاءة، زوايا التصوير، الديكورات، المؤثرات، التكوينات..إلخ)، المونتاج، التمثيل.

ولا يعد الإصرار على الإخلاص الحرفي للعمل الأدبي عند تحويله إلى فيلم سينمائي عادة، ميزة إيجابية بالضرورة، بل يصبح هذا الإخلاص والتمسك بكل أو بمعظم مكونات النص الأدبي في الكثير من الأحيان، عبئا على الفيلم السينمائي قد يؤدي إلى عجزه عن الوصول إلى جمهوره فيما يبقى الأصل الروائي شامخا لا يضاهيه شيء!

أجد هذه المقدمة القصيرة ضرورية قبل الانتقال لعرض وتحليل فيلم جديد عرض خارج المسابقة في مهرجان برلين السينمائي (فبراير 2013) وهو فيلم "قطار الليل إلى لشبونة" Night Train to Lisbon من الإنتاج الألماني السويسري ومن إخراج المخرج الدنماركي الشهير بيللي أوجست صاحب التحفة التي تنتمي إلى سينما الثمانينيات، "بيللي الغازي"، الذي حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان وجائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي عام 1989.

الفيلم مقتبس عن رواية شهيرة بالعنوان نفسه، والإنتاج أوروبي تماما، ليس فقط كون الإنتاج والعمل الأدبي ينتميان إلى قلب أوروبا، بل ويضم الفيلم طاقما من الممثلين الأوروبيين المرموقين مثل جيريمي أيرونز وشارلوت رامبلنج وكريستوفر لي وتوم كورتناي من بريطانيا، وبرونو جانز من ألمانيا، ولينا أولين من السويد.. وغيرها. والفيلم ناطق بالإنجليزية حتى يسهل تسويقه عالميا.

صدرت رواية "قطار الليل إلى لشبونة" للكاتب السويسري باسكال ميرسييه (وهو إسم مستعار يستخدمه الكاتب الحقيقي الفيلسوف بيتر بيير) باللغة الألمانية عام 2004، وأصبحت من أكثر الأعمال الأدبية السويسرية نجاحا وانتشارا بعد أن ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، ووزعت نحو مليوني نسخة في البلدان الناطقة بالألمانية.

أفكار كبيرة

تنتمي هذه الرواية إلى الأدب الفلسفي الذي يقوم على طرح الكثير من التساؤلات حول مغزى ما يفعله الإنسان الفرد في حياته، مغزى وجوده، وإلى أين تمضي رحلة الحياة، وما الذي يبقى بعد أن يمضي قطار العمر، وهل زمن العيش القصير الذي نحياه يكفي لسبر أغوار الذات، أم أننا كلما مضينا في رحلة الحياة كلما تعمق شعورنا بالوحدة، وغير ذلك من الأفكار "الوجودية" الكبيرة، وهو يجعل هذه الأفكار تأتي في سياق الرواية- والفيلم، عبر السرد الأدبي الخاص الذي تركه خلفه رجل برتغالي كان جزءا أصيلا في حركة المقاومة اليسارية لديكتاتورية سالازار في البرتغال.

بطل الفيلم مدرس في مدرسة ثانوية في مدينة برن السويسرية، ويدعى ريموند جريجوريوس، وهو متخصص في تدريس اللغات القديمة اللاتينية والعبرية والرومانية (يقوم بالدور جيرمي إيرونز)، يلمح ذات يوم أثناء ذهابه إلى العمل، فتاة تشرع في إلقاء نفسها من أعلى جسر بالمدينة، فيلحق بها ويتمكن من إنقاذها ويصطحبها معه إلى الفصل الدراسي، لكنها تغافله بعد ذلك وتختفي تاركة وراءها معطفا أحمر وكتابا صغيرا بداخله ورقة دون عليها رقم تليفون، وبطاقة سفر بقطار الليل إلى لشبونة الذي سيقلع بعد 20 دقيقة. يطالع الرجل بعض صفحات صفحات الكتاب الصغير، وهو لطبيب برتغالي يدعى أماديو دو برادو، من هواة الأدب، لم يكتب سوى هذا الكتاب الذي دون فيه بعض أفكاره الخاصة عن العالم. وتتردد مقتطفات من أفكار أماديو على شريط الصوت مثل "إننا نرحل إلى ذواتنا لكي نواجه وحدتنا.. وإننا نحيا قسطا قصيرا جدا من تلك الحياة الطويلة التي أمامنا" وغير ذلك.

تسيطر أفكار أماديو تماما على ذهن ذلك المدرس الإنجليزي الذي تجاوز منتصف العمر، وتأسره شخصية أماديو الذي شارك في المقاومة اليسارية ضد ديكتاتورية الجنرال سالازار الذي حكم البرتغال بقضبة حديدية في الفترة من 1933 إلى 1974.

يهرع الرجل إلى محطة القطارات للبحث عن الفتاة، ينتظر قلقا بلا جدوى فيقرر أن يتخلى عن عمله وحياته ويقفز داخل القطار ويقرر البحث عن تلك الفتاة الغامضة وعن حقيقة هذا الرجل الذي وضع تلك الأفكار الآسرة.

هذه البداية المثيرة لاهتمام المتفرج، كانت كفيلة بأن تأخذنا في رحلة سينمائية مشوقة توفر متعة التأمل وجمال الصورة. لكن ما يحدث بعد أن يصل بطلنا إلى مدينة لشبونة، أن يستغرق في البحث عن حقيقة الكاتب من خلال الاتصال بكل من عرفوه قبل وفاته المبكرة، ويبدأ أولا بشقيقته (تقوم بالدور شارلوت رامبلنج) التي تخبره أن شقيقها ليس له سوى هذا الكتاب الذي قامت هي بنفسها بتحريره ونشره.. وترفض أن تطلعه على أي تفاصيل أخرى تتعلق بفترة النضال ضد فاشية نظام سالازار وما حدث لشقيقها، ثم يلتقي بعد ذلك بماريانا، طبيبة العيون، التي تقوده إلى عمها الموسيقار العجوز الذي يقيم حاليا في منزل للمسنين، والذي يقص عليه بعضا من ذكرياته عن فترة النضال ضد الديكتاتورية مع المجموعة اليسارية التي كان يتزعمها أماديو في السبعينيات من القرن الماضي، وكيف تعرض للتعذيب على أيدي رجال الشرطة السرية، وكيف كسروا عظام يديه وجعلوه بالتالي، عاجزا عن العزف على البيانو.

عن البطل الغائب

من هنا يصل ريموند إلى خورخي (يقوم بالدور برونو جانز) ثم إلى ستيفانيا (لينا أولين) والإثنان ارتبطا بعلاقة حميمية مع أماديو، وكانت ستيفانيا محورا للغيرة والرومانسية والنضال السري والعشق المبرح، فقد وقع الإثنان في حبها، واختلطت العاطفة بالغيرة التي دفعت أماديو إلى محاولة قتل خورخي بدعوى أنه خائن للتنظيم السري اليساري.

أجواء الحب الرومانسية والغيرة والصداقة والنضال السياسي ومطاردات الشرطة السرية والشكوك في الرفاق.. هي التي تملأ نسيج الفيلم من خلال ما ترويه الشخصيات الرئيسية عن البطل الغائب.

ويظهر أماديو في الكثير من مشاهد الماضي (الفلاش باك)، كشاب شديد الحماس والتدفق العاطفي والمثالية الرومانسية، فهو يتمرد على أسرته الأرستقراطية ووالده الذي كان قاضيا كبيرا مقربا من النظام، كما أن أماديو نفسه أصبح مقربا من أحد جنرالات الأمن بعد أن أنقذ حياته ذات مرة.. كل هذه التفاصيل تتدفق في الفيلم، من خلال ما تتذكره الشخصيات التي عاصرت أماديو ومازال معظمها على قيد الحياة، كما نستمع عبر شريط الصوت على الكثير من أفكار وآراء أماديو. ولكل هذا الازدحام والرغبة في الاحتفاظ بكل ما ورد في الرواية الأصلية، تجعل الفيلم يفقد بريقه ويتحول، بسبب تلك المعالجة التي تعتمد على السرد (الأدبي الطابع) إلى عمل ثقيل في إيقاعه.

وتكمن المشكلة الرئيسية هنا في السيناريو الذي كتبه كل من جريج لاتر وأولريخ هيرمان، فقد أصبح لدينا فيلم أفقي لا يمتلك حبكة محكمة، أو تطور حقيقي في الموضوع، بل إنه ينسى تماما شخصية الفتاة التي ظهرت في البداية، إلى ان يتذكرها قرب النهاية عندما نعرف أنها إبنة ستيفانيا حبيبة أماديو التي يقابلها بطلنا ويستمع أيضا إلى قسط من ذكرياتها

على حين أننا في الأدب يمكننا تقبل قراءة أكثر من 400 صفحة من الوصف الأدبي التفصيلي للعديد من الشخصيات التي تكشف عن تلك الشخصية الرئيسية الغائبة التي تبدو غامضة ومثيرة للاهتمام من وجهة نظر ذلك المدرس الباحث عن المعرفة.. معرفة حقيقة الشخصية التي تأسره فلسفتها في الحياة، إلا أننا في السينما، يجب أن نحصل على التفاصيل من خلال الحدث الدرامي الذي يتجسد في صور وليس كلمات، فمن الضروري أن يحتوي فيلم يعتمد على رواية فلسفية من هذا النوع، على طريقة أو مدخل للربط بين الشخصيات والأحداث بشكل متماسك لكي يروي قصة تقع في نحو ساعتين، يشدنا إليها إلى أن تبلغ ذروتها

أما ما حدث فهو أن كاتبا السيناريو وقعا في غرام كل شخصيات الرواية فحافظا على هذه الشخصيات، ولم ينجحا في تقديم معالجة سينمائية جذابة تحول الأفكار الأدبية إلى صور ومشاهد ولقطات وعلاقات حية وانتقالات محسوبة في الزمن، بالشكل الذي يجذب المشاهدين، بل إستخدما تلك الشخصيات المتعددة في الكشف عن بعض الجوانب المتعلقة بشخصية أماديو.. وبهذا فقد المشاهد اهتمامه بالفيلم في نصفه الثاني.

أسلوب الإخراج

ولعل العلاقة الوحيدة التي يطورها الفيلم بين بطلنا وإحدى تلك الشخصيات هي علاقة ريموند بماريانا طبيبة العيون، التي تبدي اهتماما خاصا به، وهو يكشف لها في مشهد وحيد في الفيلم شيئا من حياته التي لا نعرف عنها سوى القليل، عندما يقول لها إنه كان متزوجا لكن زوجته تركته لأنها كانت تجدها شخصية "مملة"، فتقول له ماريانا إنها لا تجده مملا، بل على العكس، تجد صحبته ممتعة. وينتهي الفيلم ونحن نرى ريموند يقرر البقاء في لشبونة بعد أن يدرك تمسك ماريانا به وينمو حبهما المشترك، وهو بهذا القرار، أي البقاء، يلقي وراء ظهره بكل ما كان في حياته المغلقة التي كان يعيشها في برن، ويتمرد على ماضيه مقتنعا بأن لحظة البحث عن النفس لا يضاهيها شئ مهما بدا أنها أتت متأخرة في حياة المرء!

يعتمد الفيلم على الحوارات المكثفة، وعلى الانتقال من الحاضر إلى الماضي عبر مشاهد الفلاش باك، وعلى السرد الذي يدور حول الشخصية الرئيسية مثار اهتمام الفيلم، دون القدرة – كما أشرنا- على تطوير الحدث، ودون الاستفادة من طبيعة المكان، أي مدينة لشبونة بتضاريسها وطبيعتها الخاصة. إنه حقا يقدم لقطات ممتعة بصريا للحي القديم من المدينة الذي يتميز بالشوارع الضيقة الملتوية الصاعدة، والمناظر التي نراها من القلعة التاريخية القديمة أو تظهر القلعة في خلفيتها، بل ويجعل الفندق الصغير الذي يقيم فيه ريموند في ذلك الحي، يطل في الوقت نفسه، على المحيط، في حين أن المحيط الأطلسي يبعد كثيرا عن الحي القديم. لكن الفيلم يفشل بشكل عام في استخدام تلك الخلفية الخاصة للمدينة في تعميق الجانب الدرامي للموضوع، بل يدور في معظمه، داخل ديكورات داخلية.

أسلوب إخراج بيللي أوجست، كلاسيكي، يتميز بالإيقاع البطيء وبالكاميرا الثابتة، واللقطات ذات الأحجام المتوسطة والعامة، وهو يمزج الأفكار الفلسفية التي وردت بالرواية عبر شريط الصوت  فنسمعها من خارج الصورة، وهو أسلوب عتيق، يتكرر عبر الفيلم، ويعكس عجزا في تجسيد الموضوع من خلال الشكل الدرامي الذي يقوم على حركة الشخصيات والكاميرا في الفضاء، وعلى تعقد العلاقات بين الشخصيات، بل إن شخصيات الفيلم تبدو في معظمها كما لو كانت منفصلة عن بعضها البعض. ولذلك جاء أداء الممثلين، رغم مواهبهم الكبيرة بالطبع، باردا يفتقد للحرارة، بل وبدا كما لو كانوا لا يشعرون بالجو العام للفيلم. ولذلك جاء تمثيل جيرمي إيرونز جافا، لا يتغير من مشهد إلى آخر بل يسير على وتيرة واحدة عبر الفيلم رغم ما تكشف له عنه الشخصيات التي يلتقي بها ويستمع إلى شهاداتها عن فترة صاخبة في تاريخ البرتغال.

ولكن لعل من أفضل جوانب الفيلم أنه أعاد تجسيد فترة خصبة من تاريخ النضال اليساري ضد حكم سالازار في البرتغال، وكشف للكثير من المشاهدين في العالم تفاصيل مجهولة في تاريخ تلك الفترة الصاخبة.

الجزيرة الوثائقية في

25/07/2013

 

بعض النوّاب كان يرى واجب السينما هو التسلية وانقاذ الرجل من متاعبه اليومية!

كتاب جديد : الواقعية الجديدة والنقد السينمائي

لندن / عدنان حسين أحمد 

صدر عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث كتاب "الواقعية الجديدة والنقد السينمائي" للناقد السينمائي الإيطالي غِويدو أريستاركو، ترجمة الكاتب العراقي عدنان علي. يتضمن الكتاب تمهيداً مُكثفاً بقلم المترجم، وتوطئة بقلم الكاتب إضافة إلى اثنين وعشرين فصلاً شكّلت متن هذه الدراسة النقدية القيّمة.

يرى المترجم عدنان علي بأنّ الحرب العالمية الثانية قد قسّمت المجتمع الإيطالي إلى فئتين، الأولى فئة المقاومة التي وقفت ضد النظام الفاشي البائد مطالبة بعهد جديد أساسه الديمقراطية والحرية والنهضة، والثانية فئة تحِّن إلى الماضي وحقبته الموسولينية، ورفضت أن تستسلم إلى الواقع الجديد. ومع أنّ السفينة لم تغرق في الأمواج العاتية، لكنها لم ترسُ في الميناء الصحيح لأنّ ربّانها اختار الحل الوسط.

يشير مترجم الكتاب إلى أن الناقد السينمائي وكاتب السيناريو غويدا إريستاركو "1918-1996" قد كرّس حياته للسينما الإيطالية على وجه التحديد متأثراً بالفكر الماركسي وفلسفة غرامشي ولوكاش. كما أسس مجلة "السينما الجديدة" 1952 التي أثارت الكثير من الإعجاب والجدل والاستياء. شاهد أريستاركو معظم الأفلام الإيطالية علّه يلتقط "الحقيقة الثانية" التي لا تدركها إلاّ "العين الثانية" و "الرؤية الثانية". وتحوّلت مراجعاته النقدية إلى محاضرات جامعية وورشات عمل بحضور المختصين والمعنيين، ذلك لأنه كان مُحاضراً في جامعتي روما وتورينو. انحاز أريستاركو للسينما الواقعية فدافع عنها في مؤلفه الموسوم "تحطيم العقل" واقترن اسمه بأسماء أشهر المخرجين الإيطاليين ويعود إلى الأذهان كلما شاهد أحدهم "سارقو الدراجة"، "روما مدينة مفتوحة"،و "الأرض تهتز" وغيرها من الأفلام.

يخلص المترجم في تمهيده إلى أنّ هذا الكتاب يمثِّل عرضاً موضوعياً للحياة الإيطالية في خمسينات وستينات القرن الماضي من النواحي السياسية والاجتماعية والأدبية والسينمائية بطبيعة الحال.

أما توطئة أريستاركو لكتابه فيقول فيها أنّ المعركة قد حُسمت لمصلحة الرأسمالية فرغم طموحات الديمقراطية وتولي الحكم من قبِل أحزاب اليسار إلاّ أنّ علاقات الإنتاج لم تُمَس، وبقيت المِلْكية الصناعية والزراعية على ما كانت عليه.

يؤكد أريستاركو في الفصل الأول "نعم للفاشية" بأن فلم "على أطراف المدينة" لليتزاني يُراد به تغطية قضية "إيجيدي"، وهي قصة مجهولة تؤيد "حُماة النظام"، و "روما الساعة 11" يروي أحداثاً حقيقية عن سُلّم ينهار بسبب اكتظاظه بالفتيات الطبّاعات الباحثات عن عمل. وقد أُقصيَ هذا الفلم في مهرجان "كان" لأنه يعبِّر عن التيار الواقعي، وقد اشترك فيه ممثلون هواة. كما تعّرضت أفلام أخرى إلى القطع والبتر مثل "ملوك روما السبعة" الذي يروي قصة موظف يموت فيتوجّه بقدميه إلى المقبرة وحيداً، ويظهر في أحلام زوجته ويزوِّدها بأرقام فائزة في اليانصيب لإعانتها على العيش. يتوقف أريستاركو عند عدد من أفلام السينما الفاشية من بينها "الهجوم البطولي"، "الريشات السوداء"، "ظلال على تريستي"، "إخوة إيطاليا" و "سبعة الدب الأكبر". وقد وجّه النائب الإيطالي غريفوني اتهاماته في مجلس النوّاب إلى فلم "الهجوم البطولي" واعتبره اطراءً للفاشية ومديحاً لها.

واجهت الواقعية أزمة شديدة في عامي 1952-1953، إذ عارضت الصحافة الرئيسية السينما الإيطالية على الدوام، وتمّ مطابقة السينما الإيطالية مع اليسار بشكل عام، لذلك دأبت الصحافة الكاثوليكية والحكومية على مهاجمة السينما الإيطالية من دون هوداة. كما ساهم العداء ضد السينما الواقعية في نشأة سينما مختلفة تتضمن بذور النجومية ذات الكلفة العالية جداً وتشويهاً للفلم الإيطالي النموذجي

يُعّد رينزو رينزي أول من لبّى دعوة "السينما الجديدة" مُتحدثاً بشيء من الخجل في استعمال صيغة "الواقعية الجديدة". ويرى أن ّالواقعية الجديدة لم تكن ثورية، بل أنّ أعداءها هم الذين كانوا فاشيين، فالواقعية بصفتها نزعة. . ليست إلاّ مُنتجاً نموذجياً للطبقات المتوسطة الأكثر تطوراً. ويؤكد رينزي أنّ هناك حملة شُنّت ضد عشرة أفلام من بين "150" فلماً يتم إنتاجها سنوياً في إيطاليا.

يشير جاكومو ديبينديتي إلى أن الواقعية أنتجت أفلاماً مهمة قوامها عناصر خارجية، والغلبة فيها للمناظر في الهواء الطلق، والممثل غير المهني، واستعمال اللهجة المحلية كما هو الحال في "روما مدينة مفتوحة" و "سارقو الدراجة". وقد تطوّر الفلم الإيطالي بوتيرة لم يسبق لها مثيل حتى أصبحت السينما رأس الحربة للثقافة الإيطالية وقد اعترف بذلك سابينو وفيتوريني وسارتر وغيرهم.

على الرغم مما لاقته الواقعية الجديدة من معارضة الفاشيين إلاّ أنّ تأثيرها امتدّ إلى السينمات المكسيكية والهندية واليابانية وإلى حدٍ ما للسينما الأميركية. لا تنتمي الواقعية الجديدة إلى الماركسية، ولكن هناك من المخرجين من يتعاطف معها أو ينتمي إلى الحزب الشيوعي الإيطالي، وينضم إلى الائتلافات أو للجبهة المناهضة للفاشية من دون الإلمام بمعرفة دقيقة بالمادية التاريخية. إذاً، لم تَمُتْ الفاشية بحسب أنتوتشيلي، لقد عاشت عشرين عاماً من ازدهار زائف بسبب قوّتها، ثم ضُرب عنقها فقط، غير أن جذورها لم تُستأصل. لقد تم انتهاك الدستور حتى في المجال السينمائي، فبعض النوّاب كان يرى واجب السينما هو التسلية وانقاذ الرجل من متاعبه اليومية!

يؤكد أريستاركو بأنه من الخطأ الحكم على السينما الإيطالية بين عامي 1930-1940 بالفاشية، فهناك تيار آخر يوصِل الواقعية الجديدة بأصل السينما الإيطالية الصامتة. فمن الخطأ الفادح القول بأنّ ولادة الواقعية الجديدة ناجمة من الفراغ.

يعتقد أمبيرتو بابارو أنّ أفلام الواقعية الإيطالية الجديدة نشأت تحت التأثير المباشر وغير المباشر للأفلام السوفيتيية، وهي التي زرعت حُب المَشاهد الخارجية في إيطاليا أو إسناد الأدوار لممثلين غير مهنيين، إضافة إلى المونتاج. إنّ الواقعية الجديدة في جوهرها معادية للنجومية وللملحمة وللمونودراما، وكما يرى رينزي أنها تحتج ضد الفوضوية والحرية المطلقة. وثمة أسئلة تطرح في هذا المضمار من قبيل: لماذا ومتى يذهب الجمهور إلى السينما؟ وهل يبحث عن التنفيس والراحة في العروض السينمائية، أم يبحث عن شيء مختلف عن عمله اليومي؟

طرح دي سيكا وزافاتيني من خلال ثلاثة أفلام مسائل ملحِّة وواقعية بغية دفع الحكومة للتدخل واتخاذ الإجرءات اللازمة. فقد أثار فلم "ماسح الأحذية" مشكلة الأطفال المُهْملين، والبطالة والحق في العمل في "سارق الدراجة"، والبؤس والإذلال الذي يتعرّض له المتقاعدون في "إمبيرتو دي". كما تحرر النقاد الأذكياء من الخوف والأحكام المسبقة البالية، وأعلنوا تخلّف الأدب المزعوم واقعياً، وأطلقوا عليه، كما فعل كالفينو، اسم الأدب الإنفعالي، فأنقذتنا بعض الأفلام الواقعية الجديدة من هذا العيب الذي أصاب الفن الإيطالي. لقد أعلن زافاتيني بخجل أن السينما وحدها قادرة على تقليص الفارق بين الفكر والعمل.

تُؤرَّخ نهاية الواقعية الجديدة بفلم "إمبيرتو دي" الذي أُطلق عام 1952 إلاّ أنّ سارتر يعتبر فلم "السقف" لدي سيكا هو صرخة احتضار الواقعية الجديدة. وبصدد التفكير بالواقعية قال فورتيني في مداخلة تعود إلى عام 1953:"من مصلحة الواقعية الجديدة تحديد تسمية تاريخية- نقدية بدلاً من تعريفها بالشعبوية، لأنها تعبِّر عن نظرة إلى الواقع أساسها شعبي بمصطلحاتها ولهجاتها المحلية ومركّباتها الإشتراكية الثورية المسيحية، الطبيعية، الحقائقية، الإيجابية، الإنسانية". ويخلص إلى القول بأن السينما الجديدة لم تسعَ من أجل وحدة الفن، بل من أجل الثقافة وبضمنها التاريخ السينمائي بصفته جزءاً من ثقافة أوسع. ثم يمضي إلى القول بأنه لا يذيع جديداً إن قال "إنّ الواقعية الجديدة في مجملها ليست ماركسية، بل تنتمي للبرجوازية الصغيرة، إنما الجديد هو القول بأن أفلام فيسكونتي، دي سيكا وزافاتيني تنتمي للسينما الإيجابية البسيطة".

يعتقد فوريتيني أنّ وظيفة الناقد هي: "القيام بالاختيارات، تحديد المواضيع، إعداد الخطاب، استخدام لغات مختارة، توجيه حديث مختار بلغة خاصة إلى مجتمع حيث يؤثر نمو الفرد في التطوّر الحر للجميع".

نستنتج من هذه القراءة النقدية أنّ الواقعية الجديدة لم تنبثق من فراغ، فقد مهّد لها مخرجون كبار من طراز أليساندرو بلاسيتي، أوغستو جينينا، فرانشيسكو دي روبرتس وجيوفاني فيرغا، كما أثرّت فيها الواقعية الشعرية، وخلّفت الشيوعية بصماتها على هذه الحركة. أما أهم أساطينها فهم روبيرتو روسيلليني، فيتوريو دي سيكا، تشزري زافاتيني، لوشيو فيسكونتي، وغويسب دي سانتس. تتصف الواقعية الجديدة بسمات وخصائص محددة من بينها التصوير في المواقع المفتوحة، وعدم الاعتماد على الممثلين المحترفين، والتعويل على التقنية الوثائقية، والاستغناء عن السيناريو الأدبي، ورفض التقاليد الهوليوودية مثل النهايات السعيدة أو التدخل الدراماتيكي في المونتاج، وأخيراً وليس آخراً، الاعتماد على ميزانيات متواضعة في معظم الأحيان لأن هدفهم الرئيسي هو رصد معاناة الطبقة الفقيرة، والإمساك بالأبعاد الجمالية الواقعية التي كانت تزخر بها الحياة الإيطالية آنذاك.

الجزيرة الوثائقية في

25/07/2013

 

أسئلة الوثائقي العشرة : السؤال التاسع .. الأسلوب

قيس الزبيدي 

يتأتى علينا ان نتخلى عن البحث في لغة السينما نفسها عن اساليب وأنماط  ذات طبيعة وثائقية تضمن لنا ان المُؤفْلَم هو حقيقي؟ لان الفيلم الخيالي  كما رأينا هو بحد ذاته كالفيلم الوثائقي ينطلق من أن ليس هناك أي صورة  تستطيع في النهاية ان تنتمي الى مرجع موضوعها. لكن هذا لا يمنع على الاقل من جهة من فحص وجود اساليب أصيلة او مُهيمِنة في الفيلم الوثائقي او من أن انماط التعبير من جهة اخرى هي التي تستحوذ عموما على كل تجليات اللغة السينمائية ولا تقتصر أهميتها المتنوعة على الفيلم الوثائقي او الفيلم الروائي .

يميز علماء اللغة، حسب اميلي بينيفيست، بين فئتين واسعتين من التعبير الشفاهي: الحكاية التي هي محاكاة تُروى فيها احداث تتوالى بعينها ، والخطاب الذي هو فعل انعكاس يتضمن علامة اللفظ. وبوسع المرء ان يساوي بين الحكاية (الخيال) والخطاب (الوثائقي) لكن مع ان الأمر لا يخلو من صحة إلا أنَّ فهمه لا يخلو من تعقيد، لأن الخيال يضع نفسه كليا في خدمة صيغة الملفوظ الخطابي. لنلقي نظرة على فيلمي ستانلي كوبريك "القتل" و"البرتقالة الآلية " ففي الاول يتحدث البطل بشكل مفصل (من خارج الصورة) إلى المتفرج حول ملابسات واقعة جريمة القتل التي حصلت في شقته والتهديد الغامض الذي يتعرض له وفي الثاني يقدم الراوي (ضمير المخاطب أنا) خطاباً صريحا يتوجه به الى المشاهد عن طريقته وأصحابه في حصولهم على المتعة دون مراعاة الضرر الذي يسببونه للآخرين

بوسع الفيلم الوثائقي ان يرجع في الحكاية  إلى شهود العيان او إلى الابطال أنفَسَهم أو حتى إلى إعادة بناء مماثلة للحكاية. ويظهر للعيان من وراء التعليق على الشاشة أنَّ بوسع الكلمة أنْ تنطق من اجساد مُتحدثين وفاعلين كما في المسرح. لكن الابطال في الفيلم لا يجوز أنْ يكونوا ممثلين يَتْلون نصاً انما اشخاصا يجسدون انفسهم ويتحدثون بأسمائهم. و تُمكِّنُ وتُمكِّن القدرة الوحيدة الفيلم الوثائقي من أنْ يعرض تاريخاً لشهود عيان مَرئيَّا، على عكس المؤرخين، وأبطالا احياءً كما يحصل في تصوير المقابلات أو في شهادة ناس حقيقيين في مكان واقعي أصلي . كما انه يستطيع حتى انْ يصور الحكاية كما تحصل مباشرة استناداً الى أحداثها الكبيرة المحفوفة بالمخاطر.

لنقارن مثلا فيلم "موت يوغسلافيا" للمخرج انغوس مكويين أو فيلم "راقب السلاح" للمخرج مارسيل اوفولُس حول حصار ساراييفو. لكن الوثائقي يستطيع أيضاً انْ يُصور اناساً في حياتهم اليومية وفي مرافقهم الاجتماعية: سينما مباشرة. وبهذا يَفتح الوثائقي طريقاً ثالثاً بين محاكاة درامية يؤديها مُمثلون وبين خطاب يُقدمه تعليق. فالسينما الوثائقية تسمح من جهة بتسجيل الكلمات أثناء حديث قائليها في موقع الحدث وتسمح من جهة اخرى بتسجيل الحديث أي بتسجيل حكاية وخطاب للناس المعنيين انفسهم وذلك عبر كل وسائل المحاكاة السمعية البصرية من صوت وحساسية وتًكلُّف أو طلاقة أو قناعة أو تسوِّغ، أي بكل ذلك التعارض المُحتمل بين الكلمة التي تُقال والإيماءة التي تصاحبها.

تكتب كيته هامبورغر في دراستها "منطق الشعر" أنَّ ما هو خيالي مثل ما هو غير خيالي  يَستعمل أقصى درجة من التبئير ( وصف من وجهة نظر شخص ثالث: ضمير الغائب) لكنها تَعتبر أنَّ صفة الخيال المميزة تكون تعبيراً لذاتية شخص اخر (تبئير داخلي) . وفي الواقع يستطيع المؤرخ او الوثائقي بصعوبة، بعكس كاتب الرواية أو كاتب السيناريو، أنْ يَنفذ إلى داخل رأس ابطاله ويقرأ أفكارهم أو يجعلهم ينطقون بلسانه.

يتطابق الخيال مع خيالية السرد اكثر مما يتطابق مع الحكاية فهو يتأسس على صعيد اللافُظ (فعل التعبير الفردي عن طريق تشغيل اللسان) بدرجة اكبر مما يتأسس على صعيد المَلْفوظ نفسه (أي صعيد التعابير). 

إنَّ القسم الاعظم من الحكايات التي تَحكي روايات لا تصنع وفق ملفوظية خيالية إنما وفق ملفوظية واقعية مما يجعلها رغم ذلك ليست بمنزلة كتبَ التاريخ. إنَّ واقع الخيال ينشأ في الواقع  ليس من التساؤل حول وجود الخيال إنما من تَنقلِّه بين أنْ يكون موجوداً فعلا او لا يكون. ويرى الفيلسوف الفرنسي جان سيرل الفرق الحقيقي بين اللفظ المًتصور (الخيالي) واللفظ الجدي (الوثائقي).

ان كل خيال ليس فقط في الرواية التي تسرد في صيغة ضمير المتكلم (الشخص الأول) هو ليس محاكاة مؤكدة جادة أو برهاناً حقيقياً، إنما هو حسب هامبورغر قرينة خيالية مع الاخذ بنظر الاعتبار إنَّ اغلب الاشياء التي تُنْتَج من وجهة الخيال مَصدرَها عالمنا الواقعي العيني الملموس، وان التعبير الملفوظ الذي ينشأ عنها له نفس معنى المرجعية المُتَخَيَّلة كما في الحياة اليومية . لكنه يوجد في شكل استثنائي خاص وتكون مرجعية الشيء الوحيد دائما مرجعية الحياة التي نحياها والتي لأسباب مختلفة نعرف أنها من صنع الخيال كما نفهمها كحالة خاصة على نحو مُغاير.

تُكسَر اعراف المعنى والتخيِّل المألوف بشكل جَلي لأن الخيال يسمح بالتناقض أثناء ما يتحدث عن عالمنا لكنه يتحدث في حالة غير مباشرة ولعوب ويسعى لأنْ يُغري المتفرج ويريه إنَّ استحواذ عالمنا يتخذ اشكالاً متنوعة. فالنص الخيالي يعرض عالما لكن ليس كعالم منعزل يختلف عن عالمنا كما لو انه يُلغيه انما يزوده بمظهر العالم المُعتاد عبر تقنية خيال بحيث نَكون مُطالبين بأن نتركه يلعب بهذه الطريقة أو الأخرى دوره

اما العالم الحقيقي فهو دائما نص قبلي للِنص الخيالي - يقودنا الخيال فيه إلى العودة إليه عبر طرق التفاتية. فالعلاقة بالخيال  هي بالضرورة علاقة بممارسة الحرية لأنَّ مجال  المُتخيَّل هو مَجال الحُرية: حُرية إبتكار إمكانات وبدائل لقواعد لعب وتمثيل مختلفة اخرى. لهذا فإنَّ الخيال هو أخ لحرية الفعل، سواء أكان المبدأ يتعلق بالأمل أو بالوهم المحفوف بالمخاطر: دون كيخوت و سانشو بانزا؟   

الجزيرة الوثائقية في

25/07/2013

 

نجمة السينما غيرت اسمها تحايلاً على رفض أهلها

"الحقيقة العارية" جمعت ماجدة ونافع فأنجبا غادة

طيار الرئيس عبدالناصر أصبح ممثلاً بين ليلة وضحاها

القاهرة -  سارة فؤاد

·        لعب دوراً في معاهدة السلام وكان عميلاً للمخابرات المصرية

·        الصباحي اكتفت بزيجة وحيدة وإيهاب اقترن بعشر نساء

·        حلقت شعرها وأسست شركة إنتاج من أجل "جميلة" بوحيرد"

يعد الفنان إيهاب نافع أحد " دونجوانات"  السينما المصرية في  الستينات, فلم يعرف الجمهور عنه سوى انه فتى الشاشة الوسيم الذي جسد الكثير من الأدوار الرومانسية, وظل فترة طويلة حلم أي فتاة, والحقيقة انه يتمتع برجولة متكاملة, لم تكن السبب الوحيد لتسليط الأضواء عليه وإنما أيضا تعدد الزيجات في حياته, حيث وصل عددها إلى عشر زوجات, كان أشهرها زواجه من الفنانة ماجدة الصباحي, التي تزوجها في بداية مشواره الفني بينما كانت هي نجمة لديها رصيد كبير من الأفلام تمثيلاً وانتاجا, وقد أثمرت هذه الزيجة ابنتهما الوحيدة الممثلة غادة إيهاب نافع.

ولد إيهاب نافع في القاهرة عام 1935, وتخرج في الكلية الجوية المصرية عام 1955, وعمل ضابط طيار في سلاح الطيران بالجيش وشارك في صد هجوم الطائرات البريطانية على مصر خلال العدوان الثلاثي عام 1956, وانتقل الى السرب الجمهوري كأحد الطيارين الخاصين للرئيس الراحل جمال عبدالناصر, واستمر إيهاب في خدمة القوات الجوية الى أن انفتح باب نجومية السينما أمامه ليجد نفسه ومن دون أي ترتيب ممثلا, حيث كانت وسامته ثم زواجه من الفنانة الشهيرة ماجدة, سبباً لانتقاله من عالم الطيران إلى عالم الفن والأضواء والشهرة, حيث شارك ماجدة بطولة فيلم "الحقيقة العارية", ثم شارك بعد ذلك في تمثيل 17 فيلماً سينمائياً مصرياً, كما شارك في تمثيل بعض الأفلام السينمائية خارج مصر مثل فيلم "في طريقي رجل" إنتاج لبناني, و"طريق بلا نهاية" إنتاج تركي, إضافة إلى مشاركته في بعض المسلسلات التلفزيونية, وفي عام 1990, ابتعد نافع عن عالم السينما والفن متفرغاً لإدارة أعماله التجارية حتى وفاته في مستشفى القوات الجوية المصرية بالقاهرة في 30 ديسمبر 2006 عن عمر 71 عاما اثر إصابته بضمور في خلايا المخ.

كان الفنان الراحل عميلاً ناجحاً للمخابرات المصرية من خلال صداقته الوطيدة مع عيزرا وايزمان الذي أصبح بعد ذلك رئيساً لدولة إسرائيل عام 1993 كما لعب نافع دورا سريا في معاهدة السلام, حيث نقل بعض المعلومات للرئيس السادات استعان بها في توقيع المعاهدة.

بينما ولدت عفاف علي كامل الصباحي الشهيرة باسم ماجدة الصباحي في 4 مايو عام 1931, في مدينة طنطا بمحافظة الغربية, لأب يعمل موظفاً في وزارة المواصلات, وحصلت على شهادة البكالوريا الفرنسية. 

بدأت ماجدة مسيرتها عندما اكتشفها المخرج سيف الدين شوكت وهي في الخامسة عشرة من عمرها, أثناء زيارة مدرسية لستوديو شبرا, فقدمها للمرة الأولى مع الفنان  إسماعيل ياسين في فيلم "الناصح" بدون علم أسرتها التي رفضت عملها بالفن ما دفعها لتغيير اسمها من عفاف إلى ماجدة حتى لا يعرفها أحد من أسرتها وانطلقت لتصبح من أكبر الفنانات وأبرزهن في السينما العربية, كما مثلت مصر في العديد من المهرجانات المحلية والعالمية, وحصلت على الكثير من الجوائز والأوسمة ومنها جوائز مهرجانات دمشق الدولي وبرلين وفينيسيا الدولي, كما حصلت على جائزة وزارة الثقافة والإرشاد, واختيرت عضواً في لجنة السينما بالمجالس القومية المتخصصة, وتولت رئاسة اتحاد السينمائيات العرب.

انتصار الإسلام

لاقت ماجدة في بداية مشوارها الفني قبولاً واسعاً على المستوى النقدي والجماهيري, فاستكملت مسيرتها من خلال فيلم "انتصار الإسلام" مع محسن سرحان و فريد شوقي وهند رستم  وحسين رياض عام 1952, ثم فيلم "الآنسة حنفي" مع إسماعيل ياسين وسليمان نجيب و زينات صدقي و عبدالفتاح القصري عام 1954 .

اتجهت ماجدة عام 1958 إلى الإنتاج السينمائي, حيث أسست شركة "أفلام ماجدة للإنتاج", عندما قررت أن تقدم فيلما عن المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد, ما تطلب منها أمور كثيرة أولها اختيار فريق عمل متميز ووقع الاختيار على قصة الأديب الكبير يوسف السباعي, وكتب لها السيناريو و الحوار مجموعة من كبار الكتاب منهم نجيب محفوظ وعلي الزرقاني و عبد الرحمن الشرقاوي ووجيه نجيب وأخرج الفيلم يوسف شاهين, الذي طلب من ماجدة أن تقوم بقص شعرها تماما ما يعني التخلي عن أنوثتها ورقتها فضلا عن مشاهد التعذيب خصوصاً التي تظهر فيها مع رشدي أباظة ولكنها لم تتردد لحظة في تنفيذ كل ذلك, وهكذا ظهرت ماجدة بشكل لم تظهر به من قبل, وتخلت عن جمالها الذي كان سلاحها في أفلامها المتميزة مثل "أين عمري" مع يحيى شاهين وأحمد رمزي وأمينة رزق عام 1956, وفيلم "بنات اليوم" مع عبدالحليم حافظ وأحمد رمزي وسراج منير وأمال فريد عام 1957, وفيلم "شاطئ الأسرار" مع عمر الشريف وتحية كاريوكا ومحمد قنديل وأحمد الحداد عام 1958, وغيرها من الأفلام.

حب وزواج

تعرف إيهاب على ماجدة مصادفة في حفل نظمته السفارة الروسية بالقاهرة, وكان وقتها الطيار الخاص للرئيس جمال عبد الناصر وبعد انتهاء الحفل تعطلت سيارة ماجدة, فأصر إيهاب على توصيلها إلى المنزل واستغرقت التوصيلة نحو ثلاث ساعات تقريباً, تبادلا خلالها أطراف الحديث وطاف بها شوارع القاهرة كلها وحكى  قصة حياته وإعجابه بها وأدركت ماجدة وقتها كم هو إنسان حنون مرهف الأحاسيس والمشاعر وكانت المرة الأولى في حياتها التي تشعر فيها بجسدها يرتجف ودقات قلبها تخفق بسرعة, وعاشا قصة حب من نار, توجت بالخطبة لمدة شهرين ثم الزواج عام 1964, وأقاما حفلاً كبيراً في قاعة "ألف ليلة وليلة" بفندق الهيلتون, ولكن الزواج لم يدم طويلاً بسبب تدخل ماجدة في عمل إيهاب ما سبب له مشكلة وخصوصاً بالتمثيل.

 وحدث أن غادر ايهاب مصر نتيجة خلافات مع القيادة السياسية فعاش في بيروت وظلت ماجدة في القاهرة ورفضت الحياة العائلية وفضلت الأضواء والشهرة ولم يكن ذلك بالطبع مناسباً لإيهاب فوجد أنه لا فائدة من تعليقها فطلقها.

تزوج نافع عشر مرات بخلاف زواجه من الفنانة ماجدة حيث تزوج للمرة الأولى من ملكة جمال نادي المعادي وابنة وزير الصحة آنذاك د.ألفت عبد الخالق بعد ان تعرف عليها , ونشأت بينهما قصة حب توجت بالزواج, ولكن بعد الزواج حدث بينهما الكثير من المشكلات فطلقها وأنجب منها أيمن الذي يعمل طبيبا جراحا. كما تزوج من صحافية خليجية تعرف عليها في الإسكندرية وتم الطلاق بعد 12 شهراً بسبب إدمانها الخمور, كما تزوج أيضا من سميرة خاشقجي زوجة محمد الفايد السابقة لمدة سنتين وانفصل عنها عندما اتهمته بأنه تزوجها من أجل عيون شقيقها عدنان الذي كان يمنحه راتباً  20 ألف دولار في أوائل السبعينات بالإضافة إلى طائرة خاصة. كما تزوج آمال القاضي لمدة سبع سنوات, وكانا يقيمان خلالها في فيلا المعادي التي يمتلكها ومنحها توكيلا عاما ببيع الفيلا لأولاده ففوجئ بأنها نقلتها لأولادها هي فلجأ إلى القضاء وحكمت المحكمة بتمكينهما معا بحق الانتفاع من الفيلا, وذهب للإقامة معها, ولكنه بعد يومين تركها وعاد إلى شقته في مصر الجديدة. كما تزوج إيهاب أيضا من فالتراود بيتون أرملة صديقه رأفت الهجان, حيث اضطر لذلك لأن بعض الناس ذكروا أنه يرافقها فلم يجد أمامه سوى أن يتزوجها, واستمر زواجهما سبع سنوات ثم طلقها بعد استيلائها على أمواله. كما تزوج من استرالية تعرف عليها على حمام سباحة أحد الفنادق, وسافر معها إلى أستراليا, ولكنها كانت مدمنة خمر وتفقد رشدها كل ليلة فطلقها بعد أن أنجبت له زكريا وجوهرة اللذين جاءا إلى مصر وعملا فيها فترة ثم عادا إلى والدتهما في أستراليا. كما تزوج أيضا من  أردنية ولكن زواجهما لم يستمر سوى شهرين فقط لرفضها  الذهاب معه إلى لندن, ثم تزوج أيضا من فتاة عمرها 19 عاماً وطلقها بعد ثلاثة شهور لأنها توقظه من النوم قبيل الفجر لتذهب إلى الديسكو للرقص وكان هو عكسها يميل إلى الحياة الهادئة. وتزوج أيضا من شابة تصغره بنحو عشرين عاما, لكنه اكتشف أن سلوكها سيئ طلقها بعد ثلاثة شهور, وتزوج من أميركية من أصل ألماني تدعى مونيكا تعرف عليها في اليونان في حفل لشركة الطيران التي كان أحد المساهمين فيها آنذاك, وفي نهاية الحفل دعاها إلى لندن وتزوجها هناك, وكانت في العشرينيات من عمرها ورغم أنها كانت تحبه إلا أن والدها أقنعها بأنه سيطلقها عندما تبلغ الثلاثين من عمرها, ففضلت أن تطلقه هي وأرسلت له ورقة الطلاق عام 1982.

في مقابل زيجات نافع لم تتزوج الفنانة ماجدة بعد طلاقها منه, ومن قبله تمت خطبتها إلى رجل أعمال سوري هو حسن العطار ابن عم المنتج صبحي فرحات وتعرفت عليه في لبنان, ولكن أهلها كان لهم بعض التحفظات, أدت لعدم استمرار خطبتهما طويلا.

محطات

بعد الزواج اشترك إيهاب وماجدة في بطولة عدد من الأفلام وشكلا واحدا من أشهر الثنائيات في السينما منها : فيلم "الحقيقة العارية" عام 1963, و "هجرة الرسول" عام 1964, و "القبلة الأخيرة" عام 1967, و"النداهة" عام 1975. 

ومما لا شك فيه أن من أهم وأبرز الأعمال السينمائية التي شاركت فيها النجمة ماجدة الصباحي وأصبحت علامات في مشوارها الفني هي: "بلال مؤذن الرسول" و"بائعة الخبز" و"لحن الخلود" و"من أجل حبي" و"عشاق الليل" و"الغريب" و"اجازة نص السنة" و"بائعة الجرايد"  و"الرجل الذي فقد ظله" و"المراهقات" و"العمر لحظة" و"انف وثلاث عيون" و"جنس ناعم" و"السراب" و"حواء على الطريق" و"حبايبي كتير"  و"الجريمة والعقاب" و"انا بنت ناس" و"ليلة الدخلة" و"في شرع مين" و"أنا وحدي" و"سيبوني أغني" و"ماليش حد" و "الظلم حرام" و"دعوني أعيش" و"دهب" و"مصطفى كامل" و"طريق السعادة" و "أماني العمر" و"بين إيديك" و "هذا الرجل أحبه" و"زوجة لخمس رجال" و "قصة ممنوعة" و "الإيمان" و"طيش الشباب" و"البيت السعيد".

أما النجم إيهاب نافع فأهم و أبرز الأعمال التي شارك فيها: "الراهبة" عام 1965 مع هند رستم وشمس البارودي ويوسف شعبان, و"للرجال فقط" عام 1966 مع نادية لطفي وسعاد حسني وحسن يوسف, و"المدمن" عام 1983 مع أحمد زكي وعادل أدهم ونجوى إبراهيم, و"زمن الممنوع" عام 1988 مع ليلى علوي وإيمان البحر درويش و شويكار, و"لصوص خمس نجوم" عام 1994 مع صلاح ذو الفقار ودلال عبد العزيز ومصطفى فهمي وأبو بكر عزت.

فن بالوراثة

من المؤكد أن الوراثة والبيئة من السمات الأساسية التي تبرز الموهبة, كما أن تواجد فنان في الأسرة يكون دافعاً لأحد أبنائه لحب الفن والاندماج فيه وإبراز الموهبة بحكم الجينات الوراثية, وهذا ما حدث مع الفنانة غادة نافع التي كان لنشأتها وسط عائلة فنية, الأثر الأكبر على تكوينها. ورغم معاناتها قبل أن تحظى بموافقة والدتها على خوض التجربة إلا أن نجاحها كممثلة تملك الموهبة جعل ماجدة تساندها وقدمتها لأول مرة معها في فيلم "عندما يتكلم الصمت" عام 1985, في دور مي, ولم تتخيل غادة أن والدتها التي رفضت وعارضت دخولها الوسط الفني هي التي ستقوم بعرض هذا الدور عليها وكان أول أدوارها وبدايتها في التمثيل, ثم شاركتها مرة أخرى في فيلم "ونسيت اني امرأة" عام 1994, وفي مسلسل من إنتاجها عام 2006, وهو "أيام شخلول", الذي لعبت غادة من خلاله دور "عزيزة" ابنة العمدة الجميلة, والتي يتطلع "شخلول" إلى الزواج منها رغم أنفها لارتباطها بطبيب القرية, لكن الأزمة المالية التي يمر بها والدها العمدة تجعلها تستسلم وتوافق على الزواج منه بعد أن يلوح لها بالمال.

كما شاركت غادة نافع في أعمال درامية ناجحة بعيداً عن والدتها ومنها: مسلسل "الملك فاروق" و"الصفر ع اليمين" و"اللعبة الخطرة" و"ساكن قصادي" و"عزبة المنيسي" و"الكومي" و"أحلام في البوابة" و"القلب إذا هوى" و"حرث الأرض" و"كشكول لكل مواطن" و"مسألة كرامة".

وقدمت للمسرح عملين مميزين هما: "أنغام الماضي" و"ماتستفهمش"

فضلاً عن عمل وحيد للأطفال هو "الأمير حسام".

يبقى أن غادة تزوجت المهندس ورجل الأعمال الكردي ازاد بكر سامي, عندما شاهدها للمرة الأولى أثناء تصحيحه ديكورات فيلا والدها الفنان الراحل إيهاب نافع في القاهرة, وكانت غادة تحضر أحيانا إلى موقع العمل للاطلاع على التصاميم فتعرف عليها ونشأت بينهما علاقة صداقة سرعان ما تطورت إلى علاقة حب توجت بالزواج في أواخر عام 1995, وقد أثمرت هذه الزيجة عن ولد اسمه أحمد.

السياسة الكويتية في

25/07/2013

 

طبيب خطفه التمثيل من الأمراض النفسية والعصبية

الفخرانية... عائلة محترمة ومثقفة تداوي الناس بالفن والإبداع 

يجيد الفنان يحيي الفخراني بوصفه طبيبا بشريا تشخيص مختلف الحالات الفنية باقتدار, ويحول أدواره الجامدة على الورق إلى شخصيات نابضة نتأثر بها ونتعايش معها, نجوميته لا تعرف التوقف, ودائما يشع على الدور من داخله فيعطى الشخصية من إحساسه وروحه.

تربع بعد رحلة فنية طويلة على عرش النجومية والنجاح لأنه نموذج الفنان المتمرس, الموهوب, المتجدد, الذي يمتلك القدرة على تغيير نوعية ادواره حينما يشاء, فنان احترم موهبته واختار التحدي عنوانا لشخصيته, قدم العديد من الأعمال الناجحة التي أصبحت علامات مضيئة في مشواره.

ولد الفخراني عام 1945, في مدينة المنصورة, في أسرة تقدس العلم وتدفع ابناءها إلى التفوق, شأن ملايين الأسر المصرية التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة. نال بكالوريوس الطب والجراحة عام 1971, وكان عضوا بارزا في فريق التمثيل بالكلية, ونال جائزة أحسن ممثل على مستوى الجامعات المصرية, وبعد تخرجه مارس مهنة الطب فترة قصيرة كممارس عام في وحدة الرعاية الصحية الملحقة بمبنى التلفزيون المصري, وكان ينوي التخصص في الأمراض النفسية والعصبية, حيث كان وقتها يعتبر الفن هواية فقط, ولكنه وقع في دائرة الاحتراف.

بدأ الفخراني مشواره الفني من خلال مسرحية "لكل حقيقته", أما في التلفزيون فكانت بدايته في شهر رمضان مع مسلسل "أيام المرح" أمام عبدالمنعم مدبولي ونورا, تأليف عاصم توفيق وإخراج محمد فاضل, وكان أول مسلسل يعرض بعد فوازير "ثلاثي أضواء المسرح", وفي نفس موعد عرضها عقب الإفطار مباشرة, وعندما عرض المسلسل حقق نجاحا كبيرا, كما نجح في تسليط الأضواء على الفخراني كموهبة متميزة, وفي العام التالي 1979 قدم الفخراني مسلسل "أبنائي الأعزاء شكرا" مع الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي وصلاح السعدني وفاروق الفيشاوي واثار الحكيم وفردوس عبد الحميد ومحمود الجندي ومن إخراج محمد فاضل, وهو المسلسل الذي اعتبره النقاد من علامات الأعمال الدرامية التلفزيونية على الإطلاق, ليس فيما يتعلق بالفخراني الذي انطلق بعده إلى أدوار البطولة المطلقة, ولكن لجميع العاملين فيه, وقد جسد الفخراني في المسلسل دور الابن الأكبر لموظف على المعاش يعمل مترجماً وصحافيا ضعيف الشخصية أمام زوجته المتسلطة بشكل يمنعه من رعاية والده, وعلى الرغم من مأسوية الدور وقبحه إلا أن الفخراني نجح في اداءه مع ابتسامة جعلت المشاهدين مرتبطين بالشخصية التي كان يؤديها.

صيام صيام

 كان الفخراني على موعد مع البطولة المطلقة, حيث لعب في العام 1981 بطولة مسلسل "صيام صيام" مع الفنان الراحل محمود المليجي ونبيلة السيد وفردوس عبد الحميد والمخرج محمد فاضل أيضا, وقد أعد المسلسل خصيصا لشهر رمضان ورغم النجاح الذي حققه الفخراني في دور صيام الا أنه قرر الابتعاد عن التلفزيون, بعد أن لفت أداؤه صناع السينما التي توجه إليها ليقدم عبر شاشتها عددا متميزا من الافلام, حيث استطاع بصدقه الفني أن يخترق الصفوف الأمامية وينال إعجاب الجمهور والنقاد معا.

بينما ولدت زوجته لميس جابر في حي شبرا بالقاهرة, ونالت بكالوريوس الطب حيث كانت زميلته في جامعة عين شمس, ومارست مهنة الطب عقب تخرجها وهي المهنة التي تمارسها حتى الآن إلى جانب اتجاهها للكتابة الصحافية في الكثير من الصحف القومية والمستقلة, وأيضاً الكتابة الأدبية فهي باحثة في تاريخ مصر المعاصر.

بدأت لميس مسيرتها الفنية من خلال فيلم "مبروك وبلبل" الذي قامت بتأليفه وانتج في عام 1998 وقام ببطولته زوجها النجم يحيى الفخراني ودلال عبد العزيز.

 حب وزواج

تعرف الفخراني على لميس في كلية الطب, عندما كان يعرض مسرحية لبرنارد شو على خشبة المسرح الجامعي, وحدث في المشهد الأخير من المسرحية نوع من الخطأ الناتج عن إدارة المسرح فترك يحيى المسرح غاضباً, وفي الكواليس واجهته لميس زميلته في كلية الطب وحاصرت ثورته وطلبت منه أن يعود لتحية الجمهور سواء شعروا بالخطأ أو لا, وبالفعل عاد الفخراني إلى المسرح وصفق له الجمهور وكانت تلك الخطوة الحاسمة التي ربطت بينهما بمشاعر الحب, حيث غرس كيوبيد سهامه في قلبيهما, وعاشا قصة حب توجت بالزواج, وقد أثمر هذا الزواج عن أولادهما طارق وشادي, حيث عمل شادي بالفن كمخرج, بينما فضل طارق الابتعاد عن المجال.

من أبرز الأعمال السينمائية التي شارك فيها الفخراني وأصبحت علامات في مشواره الفني: "جريمة في فجر الخميس", "الكيف", "الأقزام قادمون", "الذل", "للحب قصة أخيرة", "حكاية نص مليون دولار", "قاهر الظلام", "نص أرنب", "إعدام ميت", "جريمة في الأعماق", "امرأتان ورجل", "البركان", "حب في الزنزانة", "ارض الأحلام", "خرج ولم يعد", "عنبر الموت", "دعوة خاصة جدا", "الحقيقة اسمها سالم", "الغيرة القاتلة", "عودة مواطن", "الأوباش", "المتشردان" و"دعوة للزواج", "محاكمة علي بابا".

ومن المسرحيات التي قام ببطولتها الفخراني "راقصة قطاع عام", "الملك لير", "كيمو والفستان الأزرق", "بكالوريوس في حكم الشعوب", "آخر كرم", "غراميات عطوة أبو مطوة", "حضرات السادة العيال".

إلى جانب المسرح والسينما شارك الفخراني في العديد من الأعمال التلفزيونية الناجحة, من أهمها: "ليالي الحلمية" و"نصف ربيع الآخر" و"زيزينيا" و"أوبرا عايدة" و"للعدالة وجوه كثيرة" و"جحا المصري" و"الليل وآخره" و"عباس الأبيض في اليوم الأسود" و"شيخ العرب همام" و"سكة الهلالي" و"يتربى في عزو" و"ابن الأرندلي" و"المرسى والبحار" و"الخواجة عبدالقادر". 

وقدم أيضا فوازير "مناسبات" وشاركه البطولة كل من : صابرين والفنانة الراحلة هالة فؤاد, وإخراج الراحل فهمي عبد الحميد.

 قناعة سياسية

 بينما تعد الدكتورة لميس من الكتاب القليلين الذين وضعوا رؤيتهم حول التاريخ المصرى وحاضره, ما أدى إلى خلاف مع  الكثيرين في وصفها للتاريخ أثناء عرض مسلسلها "الملك فاروق", الذي قضت أكثر من 15 عاما بين الكتب والمراجع والأوراق تجهز له, حيث أحدث جدلا كبيرا في أوساط المؤرخين والنقاد فور عرضه, وجعل لميس كاتبة ماهرة استطاعت ببراعة فائقة أن تعيد رسم شخصية الملك الراحل بطريقة جعلت الكثيرين يتعاطفون معه ثم خلاف بينها وبين شباب ثورة يناير وليس "ثورة 25 يناير" نفسها كما حاول البعض أن يصورها. لأنها تعتقد أن  الشباب حاولوا في كثير من الأحيان أن يشطبوا مجهود الجيل السابق ككل نظرا لانتمائهم لحقبة تاريخية جاء خلالها حسني مبارك. بل ويطالبون دائما أن يظل صوتهم هو الأعلى حتى لو كان على حساب المنطق والعقل. وأن شباب الثورة ينظرون إلى الجميع على أنهم أنصاف قامات وليسوا ذوي قيمة. فهي ترى أيضا أن تلك النظرة القاصرة في المواقف قد تؤدى إلى صدام حقيقي بين الجيلين وهذا ليس في مصلحة مصر في الفترة الحالية

تعرضت لميس ايضا لصدمات في قناعتها السياسية الأولى, حيث كانت واحدة من المؤمنين بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتجربته, إلا أنها عندما  عرفت حقائق ذلك النظام, وكيف استطاع تشويه النظام الملكي, تراجعت عن إيمانها بناصر وبالتجربة كلها, وأعلنت هذا ولم تخش غضب الناصريين والقوميين, هذه الصدمة ربما تكون قد أصابتها بالدوار والرغبة في عدم الإيمان ببعض الحقائق التي يراها الجميع, ولكنها في النهاية أعلنت آراءها ولم تخش شيئاً, كما أعلنت خلال الشهور الماضية تأييدها الكامل للفريق أحمد شفيق قبل فوز دكتور مرسي بالرئاسة, كما شاركت أيضا في مظاهرات 24 أغسطس باعتباره يوماً تاريخياً في حياة المصريين, للمطالبة بدولة مدنية وحقوق متساوية, ويصرخون فيه بصوت عال ضد الإخوان المسلمين, وأن المصريين مازالوا بقوتهم ولن ينساقوا وراء أي فصيل أو جماعة, رغم تحذيرات الفخراني وأبنائها وأصدقائها من المشاركة ما جعل البعض يطلقون عليها لقب "فلول", لكن لميس لم تأبه, مؤكدة أن مشاركتها في الحركة الوطنية واجب من أجل التوحد صفاً واحداً وأن رأيها دائما في صالح الوطن وليس شخص أو حزب معين, وكانت هي المرة الثانية التي تشارك فيها لميس في مظاهرات بعد مظاهرات الطلبة عام 1973.

كما كتبت مقالات عدة هاجمت فيها المسؤولين بينها مقال ضد وزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي بعد وفاة خالد سعيد رغم رفضها أن يطلق عليه شهيد, لأنه في رأيها ضحية, تعرض للضرب بغض النظر عما تردد عن اتجاره في المخدرات وغيرها, حيث كتبت سيناريو تخيلته كأنه بيان من الداخلية ووجهت اللوم لوزير الداخلية وطالبته بالرد.

اعدت لميس وقدمت برنامج "دستور يا سيادي" على قناة "القاهرة والناس", حيث ربطت الأحداث السياسية بالتاريخ عن طريق حكايات من التاريخ القديم, وفي كل حلقة كانت تتكلم لميس عن موضوع معين مثل "الدستور أولاً" و"أمريكا" و"إسرائيل" و"الدين والسياسية", وتؤكد إننا لا نتعلم من التاريخ أبداً.

فن بالوراثة

كان لنشأة الابن الأكبر شادي في عائلة فنية الأثر الأكبر على تكوينه, حيث عشق الفن وتشبع به من خلال نشأته في بيئة فنية تكن كثيراً من الحب والاحترام للإبداع والفن, ومن هنا جاءت الموهبة وتغلغلت داخله وأصر على العمل بالمجال الفني بعد تخرجه في معهد السينما عام 1992, رغم حرص والده منذ البداية على ألا يدعمه حتى ينضج بالشكل الكافي, ولذا كان يستبعد فكرة أن يبدأ شادي مشواره الفني معه, ما جعل الابن يشق طريقه بمفرده ولا يعتمد على والده, فعمل كمساعد لعدد كبير من المخرجين, من بينهم يوسف شاهين وعمرو عرفة.. وغيرهما, كما اخرج بعض الافلام التسجيلية, ثم سنحت له الفرصة أخيرا أن يتعاون مع والده لأول مرة في مسلسل "الخواجة عبد القادر", عندما أصرت الشركة المنتجة والمؤلف عبدالرحيم كمال على إسناد مهمة الاخراج للابن شادي وبعد بدء التصوير شعر الفخراني براحة كبيرة جداً, خصوصاً أن درجة التفاهم كانت عالية جداً بينه وبين شادي, لأنه يفكر بشكل قريب جداً من طريقة تفكيره, وحقق المسلسل نجاحا هائلا ونال إعجاب الناس والنقاد الذين أشادوا بالجهود الذي بذل فيه خاصة الرؤية الإخراجية, وأصبح المسلسل علامة بارزة في مشوار الفخراني وشادي. وهذا ما حدث أيضا مع شقيقه طارق الذي أحب التمثيل منذ طفولته, وشارك لأول مرة في طفولته مع والده الفنان الفخراني في فيلم "محاكمة علي بابا" عام 1984, وشاركهما البطولة إسعاد يونس ونادية عزت  وتأليف عاطف بشاي وسيناريو وحوار أحمد رجب وإخراج إبراهيم الشقنقيري, حيث جسد طارق شخصية "كوكي", وكانت أحداث الفيلم حول معاناة طليق وطليقته في التعامل مع أبنائهما فالابن الأصغر صاحب الأربعة أعوام "كوكي" لديه عقدة شديدة, فهو يرى أن علي بابا" الذي سرق الكنز من اللصوص, ما هو إلا لص مثلهم يجب أن يحاكم ويسلم إلى الشرطة, ويرفض ما تروجه القصص القديمة أن "علي بابا" بطل شعبي ورجل طيب.

ورغم نجاح طارق في الدور حيث جسده بعفوية شديدة يحسد عليها, إلا أنه لم يستمر في مجال التمثيل بسبب خوف والده الفخراني عليه من أن يستمر يشعر وهو في سن صغير أنه متميز ويهمل دراسته ومع توقف طارق عن التمثيل استهواه العلم والدراسة وترك الفن جانباً.

جوائز وتكريم

حصل الفنان يحيى على العديد من الجوائز والأوسمة تتويجا لعطاءاته الفنية المستمرة ومنها جائزة مهرجان قرطاج السينمائي الدولي عن فيلم "خرج ولم يعد", عام 1984 وجائزة مهرجان جمعية الفيلم العاشر عن فيلم "حب في الزنزانة", عام 1983.

كما حصل الفخراني على جائزة مهرجان جمعية الفيلم الثاني عشر عن فيلم "الكيف", عام 1985, وميدالية طلعت حرب التي تمنحها نقابة المهن السينمائية للأعمال المتميزة, عام 1986, وجائزة المركز الكاثوليكي عن فيلم "عودة مواطن", عام 1984, وعن فيلميه "امرأتان ورجل", و"الأقزام قادمون", عام 1988.
أيضا تم تكريمه في يوم الإعلاميين السابع عن تميزه في مسلسل "ليالي الحلمية", وهو المسلسل الذي نال عنه جائزة مصطفى أمين وعلي أمين عام 1993, كما حصل الفخراني جائزة سعاد الصباح عن فيلم "حب في الثلاجة", وحصل على جائزة التفوق في التمثيل من المهرجان القومي الرابع للأفلام الروائية عن فيلم "أرض الأحلام", وفي عام 1993 نال الفخراني جائزة الدولة التشجيعية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة, والجائزة الذهبية في التمثيل من مهرجان الإعلام العربي عن مسلسل "يتربى في عزو".

بينما فاز ابنه شادي بأكثر من جائزة في إخراجه لبعض الأفلام التسجيلية قبل ان يقدم مسلسل "الخواجة عبد القادر".

السياسة الكويتية في

26/07/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)