حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الممثل العالمي قال لـ «الشرق الأوسط» إن الفيلم الديني أو التاريخي يساعد الممثلين على الخروج من الزمن المعاصر

أنطوني هوبكنز: وحدتي قادتني إلى البحث عن منهج خاص في الحياة يكون نافعاً لي

لندن: محمد رُضـا 

 

بعد أسبوع أو اثنين ينطلق عرض فيلم تشويقي من نوع خاص. عنوانه «أحمر 2» والخاص فيه هو أنه من بطولة معمرين أو لنقل ممثلين تجاوزوا سن الشباب: بروس ويليس، وهيلين ميرين، وجون مالكوفيتش، وماري - لويز باركر، وكاثرين زيتا جونز و أنطوني هوبكنز.

لم يكن اشترك في الجزء الأول، لكنه نجده هنا واحدا من محاور الفيلم الأساسية. إنه عالم فيزيائي وكان يعمل جاسوسا في زمن مضى. حين تسأل الممثل الذي لا داعي لتقديمه بكلمات تقليدية تكشف عن تاريخه وأعماله، إذا ما كان يعتقد أنه يصلح لأن يكون جاسوسا يقول نافيا: «لا. طبعا. لا أرى أنني أصلح لهذه المهمة لأني سأخاف أن يقبض علي».

الحديث بيننا تناول أكثر من شأن. هوبكنز الذي يبلغ الخامسة والسبعين من العمر الآن، يعود إلى الماضي أكثر مما فعل حين التقيته قبل نحو ثلاث سنوات في مقابلة أخرى. يتحدث عن مرحلة طفولته وكيف أن الوحدة والرغبة في الانتقام من فشله في المدرسة وقفا وراء نبوغه في المجال الذي اختاره لنفسه. ولا يستطيع المرء حيال ذلك إلا أن يشكر الظروف التي جعلته تلميذا غير نجيب.

خلال الحديث عرض صورة يحتفظ بها لنفسه. هي صورة صبي ينظر إليها من حين لآخر ليقيس، على ما يبدو، تلك المسافة الطويلة التي خطاها منذ ذلك الحين، والتي أثمرت حتى الآن عن 70 عملا (معظمها سينمائي) ونجاحا كبيرا.

·        لم تشترك في الفيلم الأول «أحمر»، لكن هل شاهدته؟

- نعم. كنت أريد أن أعرف شيئا عن هذا الفيلم. عن أجوائه وما الذي يريد أن يقوله ولماذا نجح وأعجب النقاد. كان لا بد لي من مشاهدته أيضا لأني كنت قرأت سيناريو الجزء الثاني، الذي اشترك فيه، وأعجبني.

·     تؤدي شخصية مثيرة للاهتمام: ذكي ومتقدم عن سواه بخطوات. كذلك هو شخص من الصعب أن يفاجأ بشيء. هل أنت كذلك في حياتك الخاصة؟

- لم يعد هناك كثير مما يفاجئني حاليا. ولا أحاول أن أتقدم على سواي أو غيري في الحياة. أنا لست من النوع الذي ينافس. عندما كنت أصغر سنا بالطبع كنت أقوم بذلك. الآن أرى أنه من غير المجدي أن تحاول سبق الآخرين لأن لا أحد يمتلك أي قرار على نحو كامل في كل الأحوال. أنظر إلى المرآة صباحا وأقول في نفسي: «أنت تكبر يا فتى» لكنها الحياة. لم القلق؟ جميعنا سنتوجه إلى هذه النهاية.

·     «رد» و«رد 2» في الواقع يدوران حول مجموعة من أبطال الأمس وهم ما زالوا يعملون في المهام المستحيلة. مجموعة تجاوزت سن الشباب.

- لا بأس. يحق لهم (يضحك). الفكرة تقوم بالفعل على أن فريقا من جهاز أمني يعود للعمل لكي يدافع عن وجوده في عالم مختلف اليوم عما كان عليه بالأمس. وهو في الواقع مختلف جدا.

·     هناك مشهد أعجبني يعبر عن هذا الاختلاف: تقود بعض الممثلين في زيارة إلى موسكو التي كنت تعتقد أنك تعرفها لكنك تفقد طريقك وتنتهي أمام الكرملين.

- صحيح. الأشياء تتغير فينا ومن حولنا ولا يمكن إيقاف هذه العربة المنطلقة. مستحيل.

·     كما تعلم معظم ما تنتجه هوليوود من أفلام موجه للشباب. لكن أليس من المبهج أن تنتج مثل هذا الاستثناء حيث معظم الممثلين تجاوزوا الخمسين من العمر؟

- صحيح. قريبا سأقوم بالتمثيل في فيلم من بطولة شبان وشابات. أولاد في مثل سن أولادي أو أحفادي. في الحالتين هي خبرة أكتسبها فيلما بعد فيلم. بالطبع يعنيني أن تنتج هوليوود أفلاما أكثر تصلح للراشدين، لكن الواقع هو أن هناك ما يكفي من الأدوار الناضجة لممثلين فوق الخمسين حتى ولو كانت الأفلام تدور حول جيل أصغر. في الحقيقة، أحب أن أكون بصحبة الشباب.. أنا الآن أكبر الممثلين (يضحك).

·     هل لديك دراية في العلوم كما ينص دورك في «أحمر 2»؟ هل كان لديك ميل للعلوم حين كنت صغيرا؟

- لا. مطلقا. كنت سيئا في مادة العلوم. كنت أجلس في آخر الصف وأحاول أن أتحاشى نظرات الأستاذ. هذا لم يكن يمنع من أن يروني وأعتقد أنهم كانوا يعرفون كم كنت مثيرا للأسى لذلك كانوا يقصدون مناداتي. لكني بالفعل لم أكن أعرف ما الذي كانوا يتحدثون فيه.

·        في أي مادة كنت ناجحا إذن؟

- كنت سيئا في كل المواد. كنت في قاع الدراسة. ولم يكن والدي مشجعا لي. كان يقول: «هل هناك خطأ جذري في هذا الصبي».. والدتي كانت ترد عليه «اتركه وشأنه». لكن أدرك الآن أن كل ذلك كان جيدا لي. لأنني كنت مصمما على أن أكون ناجحا وثريا يوما ما. كنت وحيدا في البيت من دون أخوة ووحيد في المدرسة وهذا ما جعلني أتوسل عالمي الخاص.

·     هناك فيلم تسجيلي سويدي شاهدته منذ سنوات يشير إلى هذه النقطة: الصبي الوحيد في محيطه أو بيئته عادة ما يظهر نبوغا فائقا. يستخدم خياله مما يؤدي به إلى خلق عالمه الخاص

- أعتقد أن هذا صحيح تماما. لقد قادتني هذه الوحدة بحثا عن منهج في الحياة يكون نافعا لي. سأريك صورة لي وأنا في العاشرة من العمر، ولدي صورة أخرى وأنا في الرابعة.. حين أنظر إليهما أفكر قائلا في نفسي: «لقد أحسنت يا فتى».

·        هل صحيح أنك أردت أن تشتري المنزل الذي عشت فيه حين كنت صغيرا؟

- لا. ليس صحيحا. ما حدث أنني كنت في منطقة ويلز نحو الكريسماس الماضي وكان عيد ميلادي في الواحد والثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) يقترب. توقفت وزوجتي أمام المنزل الذي ولدت فيه في بلدة بورت تالبوت. نزلت زوجتي من السيارة ودقت الباب. صحت بها ألا تفعل. فتح الباب رجل وقالت له زوجتي إنني زوجة أنطوني هوبكنز ونود مشاهدة البيت الذي ولد فيه. شعرت بالحرج، لكن الرجل كان سعيدا. دخلنا البيت وكان الجو باردا. طبعا تغير قليلا. ربما هو من صرح للصحف أنني أريد شراء البيت، لكن ذلك لم يكن واردا.

·     واحد من تلك الأدوار الناصعة التي اشتهرت بها هو دور «هانيبل» في فيلم «صمت الخراف». هل كنت تتوقع ذلك عندما مثلت هذا الفيلم؟

- كيف يمكن لأي ممثل أن يتوقع كيف ستكون عليه ردة فعل الجمهور حيال أي دور؟ لا أعتقد أن ذلك ممكنا. طبعا يأمل وربما في الدور ما يدفعه لأن يعتقد أن هذا محتملا جدا. لكن التوقع دائما ما ينجلي عن نتيجة هي إما أكثر مما توقع أو أقل مما توقع.. في مرات قليلة يتحقق التوقع كاملا. لم أكن أعرف شيئا عن مدى نجاح ذلك الفيلم، لكني كنت أعلم أنه مختلف. في رأيي ورأي كثيرين كما أعتقد أنه ليس فيلم رعب كما «طارد الأرواح» مثلا، لكنه مرعب لأنه ليس كذلك.

·        بالتأكيد. هل شاهدت الحلقات التلفزيونية المقتبسة عن شخصية هانيبال؟

- لا. ليس لدي الوقت لأشاهد أي شيء. لمحت حلقة من المسلسل ذات مرة ولم يتسنى لي أن أتابع ما يدور. قرأت أن الممثل (يقوم بالدور الدنماركي ماس ميكلسن) جيد جدا.

·        المرة السابقة التي التقينا بها ذكرت لي حبك للرسم. هل ما زلت تمارسه؟

- نعم. وزوجتي ألهمتني منذ أن اكتشفت وجود سيناريوهات كنت استلمتها للقراءة ورسمت على بعض صفحاتها. سألتني إذا ما كانت الرسومات هي لي وحين قلت لها نعم، أصرت على أن أرسم اللوحات.

·        لنترك الماضي ونتكلم عن المستقبل.. تلعب دورا رئيسيا في «نوح» الذي لا يزال قيد التصوير.

- نعم.

·        ما رأيك في الأفلام الدينية كهذا العمل؟

- بالنسبة للممثل، جزء كبير منه لا يكترث لنوع الفيلم. لكن الفيلم الديني والفيلم التاريخي والملحمي يساعدنا كممثلين على الخروج من الزمن المعاصر إلى الأمس. لذلك نحبه. يمنحنا بعض الشعور بأننا متأصلين بتلك الشخصيات على نحو أو آخر. حكاية نوح فيها كثير مما يمكن الحديث فيه. أعتقد أنها تسع لأكثر من فيلم.. يمكن أن تكون مسلسلا (يضحك).. السيناريو الذي كتبه دارن أرونوفسكي جيد ومثير للغاية. سيناريو ذكي بالفعل.

·        لديك فيلم تاريخي آخر

- تقصد «ثور: العالم الداكن»؟

·     نعم، لكنه فيلم خيالي. ما قصدته بسؤالي الأول هو إذا ما كان للفيلم الديني مكان في هذا الزمن الحاضر؟

- أعتقد أن الجواب هو نعم. لكني قد أكون على خطأ. أعتقد أن ملايين البشر في كل أنحاء العالم يريدون عملا يعيد سرد حقب التاريخ والديانات بوجهات نظر مختلفة. لا أعتقد أن السينما ستتوجه بعد «نوح» لتحقيق أفلام دينية وتاريخية لكني أعتقد أنه سينجح إلى حد كاف لكي يعبر عن هذا الاهتمام الذي يكنه الناس للشخصيات الدينية والحكايات التاريخية ولو من باب التعرف. ليس ضروريا أن يكون الفيلم حول الدين، إنما يستطيع أن يكون فيلما تاريخيا عن موضوع ديني. وهذا هو «نوح» بالفعل.

·        ما رأيك بالصدى الذي أحدثه فيلم «هيتشكوك»؟

- كان يستحقه. «هيتشكوك» كما لا بد من التعرف على المخرج الذي من الصعب وضع إطار خاص حوله. أو تصنيفه بكلمة ثم الانصراف بعيدا. أعتقد أن الفيلم أراد بالفعل تقديم أكثر من وجه لهذا المخرج وكنت سعيدا بالدور.

·        ربما أكثر من وجه لكن هل تعتقد أن السيناريو كان واقعيا؟

- حسب المصدر (كتاب لستيفن ريبيللو) كان واقعيا. ليس على نحو تفصيلي أو على نحو دقيق كأنه يعايش حياة المخرج لحظة بلحظة فهو ليس فيلما تسجيليا. تستطيع أن تقبله وتستطيع أن ترفضه. لكنه من وجهة نظري كوني مثلت هذه الشخصية، كان علي أن أدافع عنها كما أريد لها أن تظهر به. ربما هناك حقائق أكثر لكن هذا لا يعني أن هذا الفيلم لم يقدم بعضها أو لم يقدم حقائق مختلفة ليست شائعة.

الشرق الأوسط في

10/07/2013

 

سينما النفايات، والرعاع Cinéma TRASH

صلاح سرميني ـ باريس 

وُفق المعلومات المُتوفرة في "موسوعة ويكيبيديا"، هناك أعمالٌ سينمائية، وتلفزيونية كثيرة حملت عنوان TRASH، ومنها :

ـ الفيلم الأمريكي الذي أخرجه "بول موريسي" في عام 1970.

ـ الفيلم الأمريكي الذي أخرجه "مارك أنطوني غالوزو" في عام 1999.

ـ الفيلم التلفزيوني الأمريكي الذي أخرجه "ميكائيل ليهمان" في عام 2003.

ـ الفيلم الأمريكي القصير الذي أخرجه "ليندساي مان" في عام 2005.

ـ الفيلم الإسباني الذي أخرجه "كارليس توراس" في عام 2009.

ـ .......

**********

TRASH، كلمةٌ انكليزيةٌ تعني حرفياً : قمامة، نفاية، رعاع، زبالة، هراء، قاذورات....

وفي اللغة الدارجة (الإنكليزية، والفرنسية) تُستخدم صفةً من أجل تقييم فعلاً، أو عملاً، أو حتى شخصاً، تافهاً، بغيضاً، قذراً جسدياً، أو منحطاً أخلاقياً..

وفي السينما، يجمع هذا الوصف أفلاماً غريبة، غير مألوفة في أشكالها، أو مضامينها، تُبالغ في إظهار العنف، الرعب، الهلع، الدماء، التعذيب، والاغتصاب،.. وتقدمها في مشاهد بغيضة، شنيعة، مثيرة للغثيان، مُقرفة، زاعقة، واستفزازية.. وأحياناً يتموقع بعضها على حدود الإثارة الجنسية، والإباحية، أو تتضمّن خليطاً من كلّ هذه الصور المُتطرفة في قسوتها المادية، والمعنوية.

يمكن أن تتوافق هذه الأوصاف مع أفلام رعبٍ من تصنيف B كحال الفيلم الإيطالي "قناع الشيطان" (1960) لمخرجه "ماريو بافا"، أو أفلام الإثارة الجنسية كحال الفيلم الأمريكي Supervixens (1975) للمخرج "روس ميير"، إلى أجانب أفلاماً من تصنيف Z كحال الفيلم اليوناني "هجوم المسقعة العملاقة" (1999) لمخرجه "بانوس كوتراس"، وأيضاً أفلاماً من علامات الأندرغراوند كحال الفيلم الأمريكي Heat (1972) لمخرجه "بول موريسي".

وبشكلٍ عام، تجمع هذه السينما كلّ الأفلام البشعة، والمُقرفة جنباً إلى جنب مع أفلام كلاسيكية عظيمة.

وعلى الرغم من هذه الأوصاف التحقيريّة، تمتلك هذه الأفلام القدرة على إثارة الفضول، والدهشة، وتحظى على جمهورٍ واسع، ومتدرّب يجد فيها متعةً سينمائية، وتطهيرية لا تُضاهى.

ويمكن أن نعزو هذا الإعجاب إلى فكرة الولع المُكرس لهذه الأفلام الهامشية، ويرتكز غالباً، وبشكلٍ طوعيّ تماماً، على فكرة مشاهدة فيلم نادر أكثر من متعةٍ ما يحصل عليها منه.

 TRASH إذاً لا تتحدد فقط بالمعنى الصادم، والاستفزازي، ولكن، البديل، السياسيّ، الهامشيّ، والرخيص، ويدخل في هذا الإطار كلّ نوعيات الأفلام التي تقع في هامش التيار التقليدي، وتمنح فائدةً للمتفرج

لابدّ من الانتباه إذاً، بأنّ المعنى الحرفي التحقيريّ لكلمة TRASH (قمامة) قد اكتسب مع الوقت معاني أكثر إيجابية، وبدأ يقترب من الأندر غراوند، والهامشيّ.

هجوم المسقعة العملاقة

القناة الفرنسية/الألمانية Arte التي نعرف مستوى جديتها، دقة اختياراتها، توجهاتها السينمائية النخبوية، وتنوّع برمجتها اليومية، تحسّست هذه الشعبية التي تتمّتع بها هذه الأفلام، واختارت هذه التيمة للتعريف، والاحتفاء بها.

وخلال الفترة من بداية 2008 وحتى يوليو 2012، وفي إطار عروضها الموضوعاتية، وتحت عنوان Cinéma TRASH  قدمت روائع كشفت عن هذه السينما الهامشية، كما خصصت موقعاً يحتوي على وثائق بصرية، ومعلوماتٍ مُثيرة للانتباه.

بالتوازي، هناك مهرجاناتٌ سينمائية كثيرة في العالم تخصصت جزئياً، أو كلياً بهذه التيمة، وتقدمها في الغالب تحت راية الفانتازيا، والغرابة، ولكن، هناك ـ على الأقلّ ـ مهرجانٌ صريحٌ بعنوان Courts Mais Trash (أفلام قصيرة، ولكنها غريبة) ينعقد في لياج (بلجيكا)، وفي أبريل من عام 2005 بدأ أحد المراكز الثقافية في بروكسل تجربةً مثيرة، حيث يأتي المخرجون بأفلامهم لعرضها قبل الأفلام الطويلة، ومن ثمّ، يجتمعون في الكافتيريا لمُناقشتها مع الجمهور، ومنذ ذلك الوقت، تأسّست جمعية باسم Born2BeCheap (وُلد كي يكون رخيصاً) بدعم من بلدية المدينة.

هذا الاهتمام لا يطال فقط المهرجانات المُتخصصة، ولكننا، سوف نجدها غالباً منفردةً، أو مجتمعة في برامج خاصّة تنظمّها مهرجانات بعيدة تماماً عن هذه التيمة، وآخرها ـ على سبيل المثال ـ (مهرجان باريس سينما 28 يونيو -9 يوليو 2013) الذي لا تُوحي توجهاته بأيّ إثارة غرائزية، ولكنها تعتبر هذا النوع من الأفلام جزءاً من تاريخ السينما، وحاضرها، ولا يمكن تجاهلها، وهكذا، بالإضافة إلى المُسابقات، التكريمات، بانوراما السينما البلجيكية بلغتيها الفرنسية، والفلامنكية، وتظاهراتٍ أخرى.. اقترح المهرجان أفلاماً يمكن أن نعثر فيها على ملامح واضحة، أو خفية من هذه التيمة، مثل الفيلم الإسباني "كلب أندلسيّ" (1929) إخراج "لويّ بونويل" عن سيناريو بالمُشاركة مع "سلفادور دالي"، والفيلم البلجيكي "حدث بالقرب من بيتكم" (1992) للمخرجين "ريمي بلفو"، "أندريه بونزل"، "بُنوا بولفورد".

غالباً، في معظم هذه الأفلام، ترتبط المُبالغة في إظهار العنف، الرعب، والهلع بمسحةٍ واضحة، ومتعمّدة من الطرافة، والسخرية، وسوف نلاحظ هذه الفكرة في شعارات المهرجانات كحال (المهرجان الدولي للفيلم الفانتازي في بروكسل) الذي اختار "الغراب" شعاراً لجوائزه كي يُظهر هذا الجانب الأسود الجنائزيّ المُتشائم الذي يغلفُ أجواء الكثير من الأفلام التي يختارها، ومن طرفٍ آخر، لا ينفِ المهرجان جذورها المُمتدة من بدايات السينما عندما يمنحها جوائز أخرى باسم السينمائي الفرنسي "جورج ميلييس" الذي نعتبره أول مخرج مهدّ لهذه النوعية من الأفلام، ورُبما نتذكر فيلمه "قضية دريفوس" (1899) عندما  ينتحر "الكولونيل هنري"، ويغرز سكيناً في صدره، وتنفجر الدماء منه، وأتوقع، بأنّ تلك اللقطة ـ المألوفة جداً في سينما اليوم ـ قد أدهشت، وأرعبت جمهور تلك الفترة حديث التجربة في مشاهدة السينما، وإدراك قدرتها على التأثير، والإقناع على الرغم من معرفته المُسبقة، بأنّ ما يُشاهده على الشاشة ليس أكثر من خدع بصرية/صوتية تهدف إلى التسلية، وإثارة الفضول.

وكي لا نمنح هذه النوعية من الأفلام مواصفاتٍ محددة، جاهزة، ونمطية، يمكن الاعتراف بسهولة، بأنّ كلّ متفرج يمتلك تصنيفه الخاصّ وُفق حساسيته، وحدود رغباته الدفينة، أو المُعلنة، وما يمكن أن يكون مثيراً للرعب، الاشمئزاز، والقرف، رُبما لا يُحرك ساكناً عند متفرج آخر يمتلك القدرة على البحلقة في الشاشة، يتفحصّ، ويتلذذ بأدق تفاصيلها البشعة.

على سبيل المثال، كلّ واحدٍ من المتفرجين يعاني من رهاب مشاهدة حيوان، أو حشرة في الواقع، أو حتى على الشاشة (الثعابين، العناكب، الفئران، الزواحف، الخفافيش، الديدان..)، وهي تجعل هؤلاء يقفزون من كراسيهم عندما يشاهدونها في أفلام عادية، ويمكن أن نتخيلهم في أقصى حالات الهلع عندما يجدونها أيضاً في فيلم من نوع TRASH.

وبالنسبة للبعض الآخر، تثير الأفلام العلمية ـ العمليات الجراحية على وجه التحديد ـ حالاتٍ من الخوف أكثر بكثير من أيّ فيلم رعبٍ يتبارى فيه الأموات/الأحياء على تمزيق البشر، والتهام أجسادهم.

في أفلام معينة، تتجسّد علاقتنا مع فضلاتنا اليومية (البول، والبراز)، وهي، بالنسبة للبعض، مرتبطةً برغباتٍ جنسية دفينة، لقد تعوّد الجمهور على مشاهدة شخصياتٍ تتخلص من فضلاتها بصفتها أفعالاً يومية طبيعية لا تتطلب الخجل، أو الحرج، وحتى رُبما تثير في أذهان المتفرج صوراً، ونزواتٍ من الصعب أن تتحقق في الواقع، كانت هذه المشاهد فيما مضى من المُحرمات السينمائية (المُغالاة في العلاقة الجنسية، قضاء الحاجيات اليومية، ممارسة العادة السرية)، ولكن، هناك أفلام تذهب بعيداً في إظهار مشاهد من المُفترض بأنها مقرفة (التهام الفضلات البشرية، أو شربها)، وهذا ما نجده على سبيل المثال في أحد البورتريهات الثنائية (رقم 98) الذي أنجزه السينمائي الفرنسي "جيرار كوران" عام 1994، وصور فيه لمدة ثلاثة دقائق متواصلة رجلاً، وإمراه يقدمان تجلياتهما مباشرةً أمام الكاميرا، وهنا يمكن أن يتموقع هذا الشريط البريء على حدود الإباحية.

من المفيد إذاً، بأن لا نخلط بين أفلام إنسانية من السينما الكلاسيكية، والأهمّ، بأن لا نشاهدها، ونتحدث عنها بنفس النظرة النقدية في حال مشاهدتنا قصص زومبي يركضون خلف فتياتٍ حسناوات.

التسلسلات الهرمية المعروفة سابقاً لم تعدّ صالحة اليوم، وذلك بفضل المبادرات التي تقوم بها المهرجانات، والتظاهرات السينمائية، ومن خلال تراكم خبراته، أصبح المشاهد يمتلك القدرة على التمييز على حدّ سواء في داخل النوع بين فيلم زومبي جيد، وآخر سيئ، وفي خارج النوع، بين فيلم لـ"جون فورد" وآخر لـ"روس ميير".

سوف يكون الأمر عبثياً أن نشاهد "سجين الصحراء" لجون فورد(1956) بنفس طريقة مشاهدتنا "موتور يسيكو"(1965) لروس ميير.

في السينما، يتوّجب على المتفرج أن يكون يقظاً، وأن لا يتحول إلى "جهاز استقبال"، وبالأخصّ، أن لا يصبح "وعاءً".

هذه اليقظة المطلوبة في المُشاهدة، وفهم الفوارق بين الأنواع، سوف تجعلنا نبتعد مسافة كبيرة عن المُبتدئين الذين يعيبون أفلام "كونتان تارانتينو"، ونتجاهل تماماً احتقار المُتعالين على أفلام "إسماعيل ياسين"، لأنه، ببساطة، في يوم من الأيام، سوف يأتي جمهورٌ جديد ينصف كلّ هؤلاء، وأكثر.

الجزيرة الوثائقية في

10/07/2013

 

الفيلم الإيراني "لا تحرق المخطوطات" لمحمد رسولوف

أمير العمري 

جاء المخرج الإيراني المثير للجدل، محمد رسولوف، إلى مهرجان كان بمفاجأة جديدة مثيرة، هي فيلمه الجديد الذي أنجزه سرا في إيران، في حين قام بتصوير مناظره الداخلية – كما نشر- في ألمانيا.

جاء روسولوف لعرض فيلمه الجديد "لا تحرق المخطوطات" Manuscripts, Don’t Burn ليس في المسابقة الرسمية التي تتنافس أفلامها على السعفة الذهبية، الجائزة الكبرى للمهرجان، بل في قسم "نظرة خاصة"، القسم التالي في أهميته للمسابقة، وقد حصل على جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما في كان.

أما المفاجأة فتتمثل في أن هذا المخرج كانت قد صدرت ضده أحكام عام 2009، بالمنع من العمل في السينما لمدة 20 سنة، كما حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات تم خفضها فيما بعد، إلى سنة واحدة وإن كان التنفيذ مؤجل حتى الآن. ومن مظاهر التناقض في السياسة الداخلية الإيرانية ونتيجة لصراع الأجنحة، أن روسولوف في الوقت نفسه، مسموح له بالسفر إلى المهرجانات الدولية، بل وقالت بعض المصادر القريبة منه إنه يقيم منتقلا ما بين طهران وهامبورج في ألمانيا، كما ذكرت مصادر أخرى أن الفيلم الجديد أنتج في وقت ارتفعت بعض الأصوات داخل إيران على صعيد المؤسسة الرسمية، تنتقد بشدة الممارسات العنيفة التي تلجأ إليها أجهزة الشرطة السرية.

ما هذا النظام الإيراني؟ ومم يتكون؟ وما هذه التناقضات التي تجعل القائمين عليه يقضون بسجن مخرج ومنعه من العمل، ثم يسمحون له بالعمل وبالسفر وحضور مهرجان "كان" وتقديم الممثلين الذين تعاونوا معه في الفيلم على خشبة المسرح، وكيف يمكن أن ينجز رسولوف فيلما جريئا إلى هذا الحد، وهو ما يمكن اعتباره الفيلم الأكثر جرأة من بين كل الأفلام الروائية الطويلة التي خرجت من إيران حتى الآن، في نقده المرير للممارسات القمعية التي تلجأ إليها السلطات التي تحكم البلاد بالحديد والنار.

إننا أولا أمام مرثية لثقافة عظيمة هي الثقافة الفارسية، التي يمثلها مجموعة من الرموز الثقافية من الكتاب والمبدعين في هذا الفيلم، يتعرضون حاليا، لأقصي صنوف التعذيب والاضطهاد والترويع والترغيب، فإما يهادنون ويقبلون بالتعامل كمرشدين للنظام، يساهمون- كما نرى في الفيلم- في تعقب وتصفية زملائهم من المثقفين الإيرانيين، أو يكون مصيرهم الحرمان والمطاردة والمنع من السفر والتعذيب بل والإعدام بطرق عديدة بشعة مبتكرة!

إنها مرثية للكلمة، التي أصبحت مطاردة ومضطهدة ومحظورة، تدفن داخل ثلاجة، أو داخل حاشية مقعد، أو تحرق إذا عثر عليها. وفي الوقت نفسه، مرثية للكتاب المناهضين للنظام الشمولي الإيراني الذين يعبرون عن احتجاجهم بالكلمات.

قصة حقيقية

تقول كتابة تظهر على الشاشة في بداية الفيلم إن أحداثه وشخصياته تستند إلى وقائع حقيقية وقعت في إيران عبر سنوات، منها عمليات التعقب والاغتيال والتصفية التي تعرض لها نحو ثمانين مثقفا وكاتبا وناشطا إيرانيا فيما بين عامي 1988 و1998، كانوا يعارضون نهج النظام الإيراني.

ومن المفارقات أن مخرج الفيلم محمد روسولوف، لم يضع أسماء الممثلين والذين تعاونوا معه في الفيلم، سواء من داخل أو خارج إيران، على الفيلم أو في المطبوعات التي تروج له والتي نشرت ضمن كتالوج مهرجان كان، وذلك إتقاء لما يمكن أن يتعرضوا له من أذى على أيدي زبانية النظام الإيراني.

يبدأ الفيلم من وجهة نظر إثنين من المخبرين السريين أو بالأحرى، عملاء الأجهزة الأمنية، هما "مرتضى" وخورسو". ولعل هذا الفيلم الإيراني هو الأول الذي يقدم وجها مركبا غير نمطي لرجل يتعاون مع أجهزة الأمن في إيران- هو مرتضى- الذي يمارس التعقب والتعذيب البشع والقتل بطرق مبتكرة رهيبة بدم بارد، يبرر لنفسه ما يقوم به من عمل بدافع الحاجة إلى الاستمرار في العيش، وتحمل نفقات علاج ابنه المصاب بمرض خطير مما اقتضى إدخاله المستشفى، فهو لا يجد تناقضا بين القتل والتعذيب الذي يمارسه، وبين الذهاب للوضوء ثم أداء الصلاة بعد ذلك بكل هدوء، لعله يمحو بذلك ما يشعر به في داخله من إحساس بالإثم. وفي أحد المشاهد يتساءل مرتضى-متشككا- وهو يخاطب زوجته عبر الهاتف لكي يطمئن على ابنه، ما إذا كان المرض الذي ألم بابنه عقابا من الله على ما يقوم به!

إنها إذن شخصية "مركبة" دراميا وليست من تلك الشخصيات ذات البعد الأحادي، على النقيض من شخصية عميل الأمن الثاني "خورسو" الذي يبدو أكثر تمكنا وبرودة وسيطرة على نفسه.. فهو لا يتكلم كثيرا، وهو الذي يقود ويتحكم في "مرتضى" المذعور، بل ويقوم أيضا بتهدئة خواطره فيشرح له كيف أن ما يقومان به من أفعال هي أمر مشروع في سياق الدفاع عن الجمهورية الإسلامية وعن مباديء الشريعة الإسلامية، ضد أعداء الدولة الذين يريدون تقويض النظام الإسلامي في البلاد لحساب المصالح الخارجية. وتطلق الشرطة السرية على مجموعة المثقفين المناوئين للنظام "الناتو الثقافي"!

سياق السرد 

يقوم الشكل الدرامي على بناء الفيلم البوليسي المثير الذي تنتقل فيه الأحداث من الجلاد إلى الضحية، ومن الحاضر القاسي اللعين إلى تذكر الماضي والتذكير به واستدعائه، من فكرة كيف يصبح الجلاد أسيرا لما يقوم به، إلى فكرة كيف يمكن أن يؤدي الضغط العصبي الشديد على المثقف إلى دفعه للسقوط في خيانة قضيته والوشاية بزملائه.

إنه سرد تقليدي ولكن من منظور أفلام المطاردات، مع طابع سياسي واضح. وهو نوع من السرد يكفل جذب المشاهدين.

يتعقب مرتضى وخورسو كاتبا يدعى كاسرا يقيم في شمال طهران، لكي يرغمونه على تسليم المخطوطة التي كتبها وتحوي شهادته على محاولة أجهزة الأمن الإيرانية قبل سنوات، اغتيال 21 كاتبا ومثقفا معارضا في حادثة تصادم مدبرة لانقلاب حافلة، وهي العملية التي فشلت لكن بعد ان أصبح هناك شهود عليها من الصحفيين والكتاب يجب القضاء عليهم حتى لا يفضحوا النظام، ومن بينهم كاسرا الذي ينفي وجود المخطوطة لديه في حين أنه كتب وترك أكثر من نسخة من تلك المخطوطة، ترك أحدها مع زميل له سرعان ما يتم تصفيته عن طريق وضع "لبوس" سام في فتحة شرجه، بعد إغلاق فمه (في دلالة رمزية على إسكات المعارضين بشكل مادي مباشر) وبعد أن يقتله رجل الأمن بهذه الطريقة، يفتح الثلاجة الموجودة في منزله ويتناول منها خبزا وجبنا ويصنع لنفسه شيئا يأكله بنهم وبرود وكأن شيئا لم يكن!

وفي السياق ذاته، نرى شخصية مثقف كان في الماضي مناضلا ضد النظام وهو من المجموعة التي شهدت على حادثة التصادم المدبرة الفاشلة، ولكن بعد أن أصبح الآن ضابطا يعمل في خدمة النظام، يتعقب المثقفين الذين يعرفهم جيدا، ويتفنن في طرق تدميرهم والقضاء عليهم. ونفهم بالطبع أنه اعتقل ثم تحول تحت التعذيب في المعتقل، إلى متعاون بحماس أيضا مع النظام.

من بين من يمارس ضدهم التهديد والضغوط والابتزاز مثقف يريد أن يغادر البلاد لزيارة ابنته التي لم يرها منذ سنوات بعد أن أصبح يشعر بدنو الأجل.

واقعية رصينة

أجواء المراقبة والتعقب والتنصت على المكالمات الهاتفية نشعر بها طوال الفيلم، كما ينتقل السيناريو ببراعة بين الأحداث وبين الشخصيات، وينتقل المخرج بين الأماكن، من الداخل إلى الخارج، إلى الغابات النائية أو الجبال التي تغطيها الثلوج، ويصور باقتصاد ودون أي إفراط في السرد، أدوات القهر، بعيدا عن تلك النغمة الخطابية العالية التي تطغى أحيانا على هذا النوع من الأفلام. ويمتلك روسولوف القدرة على تحقيق الواقعية الرصينة، مع الاختيار الجيد لأماكن التصوير، واستخدام الإضاءة الطبيعية في المشاهد الداخلية بوجه خاص، والاستفادة من المشاهد الخارجية في خلق تناقض بين الطبيعة وأجواء السجن والقهر التي تتجسد في اللقطات القريبة- كلوز أب- التي تحصر فيها شخصيات المثقفين والكتاب داخل إطار ضيق خانق.

المثقف السابق- رجل الأمن الحالي الذي أصبح مغاليا في ولائه للنظام، يريد أن يمحو تماما كل ما بقي من أصداء تلك الحادثة القديمة، ويبحث بالتالي عن أي مخطوطة- يعرف بوجودها- يكون قد كتبها وخبأها أي من هؤلاء الشهود.. باستخدام كل وسائل الترهيب، والتعذيب التي تصل إلى حد غرز آلة حادة في العضو التناسلي لأحد الذين يتم تعقبهم.

وفي أحد المشاهد نرى كيف يتم اختطاف أحد الكتاب ووضعه في الجزء الخلفي للسيارة ثم اقتياده إلى غابة بعيدة والإقدام على قتله قبل أن تأتي التعليمات بوقف تنفيذ العملية، كنوع من الضغط على أعصابه حتى يقبل بالتعاون. وهو ما يحدث بالفعل في حالة ذلك الكاتب الآخر كان يصرخ في جهاز التليفون مستجديا ضابط الشرطة السرية- المثقف السابق- أن يرأف بحاله المرضية وأن يسمح له بالسفر لرؤية ابنته في الخارج. لقد وعده الرجل أنه سييسر له السفر خلال أسبوعين ولكن مرت بضعة أشهر ولم يسمع منه خبرا. لكننا نراه في النهاية يقوم بغسل جهاز التليفون، يرتدي ملابسه الفاخرة، يحمل حقيبته ويرحل في هدوء في حين يظل زميله الذي قبل أن يحمل مخطوطته ويخفيها، على وفائه وصموده ويلقى بالتالي مصيره بالموت!

روسولوف يروي قصة شاهد الكثير من فصولها إستمع إليها من زملائه، بكثير من الحساسية والرصانة، يتوقف أمام ما يريد التأكيد عليه بما لا يجعله يترك أي ظل من الشك فيما تقوم به الدولة القمعية في تعقب المثقفين والتنكيل بهم، دون أن يضحي بالمستوى الفني لفيلمه، فيحافظ على إيقاع هاديء، يتيح الفرصة أمام المشاهدين للتأمل فيما يشاهدونه وإستيعابه، دون أن تفلت خيوط الفيلم من بين أيديهم.

"لا تحرق المخطوطات" فيلم من أفلام الإحتجاج الجريئة التي لاشك أنها ستسبب الكثير من الصداع للنظام الإيراني، وقد تفضي أيضا إلى مزيد من المشاكل لمخرجه الشجاع.

الجزيرة الوثائقية في

11/07/2013

 

الغلبة لأفلام شرق أوربا والتمثيل لغَربها

قراءة في بعض جوائز مهرجان كارلوفي فاري 2013

قيس قاسم - كارلوفي فاري 

حصول سينما شرق أوربا على أهم جوائز الدورة ال48 لمهرجان كارلوفي فاري السينمائي، يعكس حضورها في المشهد السينمائي العالمي ويبرر للمهرجان تصنيفه كواحد من المهرجانات السينمائية العريقة التي تقدم منجزاتها بأكبر عدد ونوعية جيدة من الأفلام الجديدة الانتاج، وبعيداً عن لعبة الجوائز ولجان تحكيمها فالمنافسة ووفق ذائقة نقدية صرفة ما كانت ستتقاطع معها، بل قد تختلف على خروج الفيلم البولندي "بابوشا" بتنويه مجامل كان يستحق أكثر منه بكثير لكن ما يهمنا هنا هو انتماؤه الى منطقة شرق أوربا وبموضوع شائك يخص واحدة من المشاكل الجدية التي تواجهها وتضع "ديمقراطيتها" الناشئة على المحك ونعني بها "مشكلة الغجر" وكيفية النظر الى وجودهم البشري بين ظهرانيهم، على غرار ما فعله التشيكي يان هرجبيك حين عالج "المثلية الجنسية" في فيلمه "شهر العسل" واستحق عليه جائزة أفضل مخرج، وعلى مستوى الوثائقي جاء فيلم الروسي فيتالي مانسكي "أنابيب الغاز الطبيعي" ليكرس هيمنة اضافية حين توج بجائزة أفضل فيلم "فوق ثلاثين دقيقة" أما الأقل من ثلاثين دقيقة فكانت من نصيب الدنماركي أميل لانغبول عن وثائقيه "صبي الساحل". فيما تقاسمت ممثلات فيلم "الطائر الأزرق" وهو من انتاج سويدي أمريكي مشترك جائزة أحسن ممثلة ,ذهبت الكرة البلورية لأحسن ممثل الى الآيسلندي أولفور داري أولفسون عن دوره في فيلم "XL" أما العربية فشعبيتا كانت أكثر  بين الجمهور الذي وضع "عمر" لهاني أبو أسعد و"وجدة" لهيفاء منصور بين الأفلام العشرة التي أحبها.

عودة الى الحرب العالمية الثانية

يعود الحائز على الكرة البلورية المجري يانوش ساس في "الدفتر الكبير" الى الحرب العالمية الثانية من خلال حكاية طفلين عاشا مآسيها مستعرضاً من خلال تجربتيهما المتغيرات التي شهدتها بلادهما بين حكم النازيين الألمان و"المحررين" الروس  والتي ستترك آثارها عليهما وعلى المجتمع الهنغاري ككل. ربما يضع هذا النص التاريخي المقترح الفيلم في خانة "أفلام المراجعة التاريخية" وأن مال ساس الى تقديمه كرؤية لحالة انسانية محددة في ظرف تاريخي محدد يمس حياة طفلين شهدا انقلاباً هائلاً في مسيرة حياتهما على أثر وجود طاريء، مريع لا تفسير له عندهما سوى بوصفه قدراً جُرا الى مواجهته وهما في سن صغيرة، وكنوع من التحدي وحتى لا ينسيا ما غيرهما نحو قساوة  مبكرة سجلا تفاصيله في دفتر مدرسي قام المخرج ساس بتقليبه وفق رؤيته الخاصة لتاريخ بلاده أثناء الحرب العالمية الثانية والتي أراد من خلاله لعنة الذين حكموهم بالقوة وقرروا شكل النظام الذي عليهم الخنوع له. في محاولة تميز أراد "الدفتر الكبير" تسجيل موقف نقدي للروس والألمان على حد سواء، بل أراد والى حد ما عرض صورة النازي بشكل مغاير عن صورته النمطية والروس على عكس ما ثقفوا به على مدى نصف قرن، فهم في فيلمه مغتصبون وقتلة، وما إدعوه من قيم التحرر والعدالة تناقضت في أول ظهور لهم فوق مدرعاتهم التي اغتصبوا فتاة مشردة فيها ثم رموها ميتة، أما درجة التمزق الاجتماعي السياسي فستتجلى تعابيرها في رحلة الصبيين من بيتهما الى بيت الجدة القاسية والنهاية الدرامية التي يقرر فيها أحدهما الهروب خارج حدود بلاده تاركاً أخاه ليعاني ما عاناه الشعب الهنغاري تحت سلطة الدولة القائمة على سحق النازية وترسيخ نهجها الشمولي البديل.

"بابوشا".. الغجر لا يتعلمون

التنويه الخاص من لجنة التحكيم يشير على الأغلب الى حرجها جراء حرمانها فيلم "بابوشا" ليوئنا كوس ـ كراوزه وكرشتوف كراوه من نيل احدى الجوائز الرئيسة مع ان الأمر لا يغير من أهمية الفيلم الذي يبقى على مستوى البصري واحداً من أجمل الأفلام المصورة بالأسود والأبيض المعاملان بتقنية حديثة تمنح الضوء المنعكس من تفاصيل اللقطة لوناً داخلياً حاراً ما يزيد من الجمالية المشهدية التي اشتغل عليها المخرجان بشكل مدهش. أما على مستوى الحكاية فهي استثنائية تخص حياة الشاعرة الغجرية البولونية "بابوشا" التي خرجت عن كل الأعراف الثابتة لأبناء جلدتها ومثلت تحدياً للمجتمع الأكبر الذي يعامل الغجر بدونية ولا يتوقع منهم أي مبادرة للإرتقاء الى مستوياتهم "المتحضرة" والوصول الى أعلى دراجاتها المتمثلة في كتابة الأدب، والشعر، على الخصوص. فحقل التعليم ظل حصراً على "البيض" وبالمقابل لم يعبأ الغجر بجهلهم الكتابة والقراءة فهم، وكما يشير موروثهم الثقافي، لا يريدونها بوصفها شكلاً من أشكال تدوين الذاكرة "والغجري لا يريد  تسجيل ذاكرته" لأنه رحال لا يعود الى مكان مرتين والذاكرة موجعة قد تدفعه للتوطن، وهو ما لايريده ومن هنا عارضت قبيلتها رغبتها بالتعلم كما امتعضت المؤسسة الرسمية من خروج شابة غجرية من شرنقتها طامحة في الانتقال الى صف "المتفوقين" وهو أمر تحملت تباعته كثيراً، خسرت شعرها وحبيبها وخضعت لشروط عيش قاسية. "بابوشا" التفاتة سينمائية لمشكلة حقيقية تعاني منها أوربا الشرقية على وجه الخصوص بعد انتقال دولها من الإشتراكية الى الرأسمالية وهو تحفة بصرية ممتعة بكم الجمال الذي ينتقل منه الى مشاهدي فصل طويل وحزين من تاريخ  حياة شاعرة موهوبة جاءت من مكان لا يحب الكتابة وعاشت في وسط لا يحب الغجر.

"صبي الساحل" توثيق مكثف

كثافة مادة الوثائقي الدنماركي "صبي الساحل" لا يضاهيها من حيث القوة إلا منجز النمساوي الكبير أولريش سيدل في واحد من ثلاثيته الروائية الأخيرة "الجنة: الحب" عن السياحة الجنسية للأوربيين في القارة الأفريقية. أميل لانغبول يسجل ذات الموضوع عبر الشاب الكيني جوما الذي يعتاش على السائحات الغربيات العجائز، في علاقة استغلالية من الطرفين. فالأربيون يشترون متعهم الجنسية بقوة المال والشباب الأفريقي يبع قوته الجسدية، والفرق بينهما أن الطرف الأول طاريء، عنده مكان ثابت وحياة مستقرة في وطنه، لكن الكيني جوما يعيش أوهام الهجرة والغنى. الأول مستقر والثاني معلق لا مستقر له لأسباب خارجة عن إرادته تعود في مجملها الى حالة الفقر التي تعيشها بلاده والتي تدفعه الى التفكير في الهجرة واقامة علاقات غير متكافئة سجلها الوثائقي "صبي الساحل" بشكل تفصيلي دون ايغال في بحث الأسباب الدافعة له لممارسة سلوكه المختل التوازن مكتفياً في التقاط الجو العام لمجموعة الشباب المتشابهي الأوضاع مقابل حالة المرأة الانكليزية التي تغدق الوعود للكيني فيزداد قناعة بقرب مجيء اللحظة المنتظرة ما يترك آثاره على بقية علاقته بمجتمعه وأسرته فهو لا ينشد الاقتران الجدي بصديقته التي تعمل في الخارج ولا يراهن على عمل في بلاده. كل ما يحلم به هو السفر مع أي امرأة أوربية عجوز الى خارج كينيا، لكن الحقائق تشير الى غير ذلك فالطائرات التي تحط في مطار كينيا غالباً ما تعود بنفس ركابها، أما الحالمون فيبقون معلقين فوق مساحات أواطنهم المدعاة الى تركها بأي ثمن

الجزيرة الوثائقية في

11/07/2013

 

"خطوة خطوة":

الحضور الثوري للسينما المغيَّبة

درويش درويش 

في قرية "الرامة" النائية جغرافياً، و"القريبة" من سلطة الولاءات "البعثية"، ولاءات ما قبل الدولة في الواقع، تدور "رحى" أسامة محمد، بين عام 1976 و 1977.

قرية "الرامة" التي بلا طرق... ولا ماء. فيها "الظلام" وجور الطبيعة يحكمان الخناق على وجود أبنائها. يرسمان الرعب على تعاريج وجوههم الكالحة. هنا حيث الأطفال حفاة، والجوع لا يخفي وقاحةَ حضورِه في صحنٍ من البيض وآخر من اللبن، تتحلق حولهما مجموعةٌ "أكبر" من عائلة. هنا "الرامة" في اللاذقية، لاذقية العرب، "عرين الأسد" كما اعتاد الكثيرون من أبناء البلد تسميتها. هنا حيث كان "السوريون" لا يزالون يعيشون بقرب حيواناتهم و"معها"، معزولين بالجبال، والآفاق الموحشة من حولهم، عما يجري في العالم. هنا سنرى كيف أن السلطة "الجديدة" ووهمها، سيتشبثان كالطود في وحل طرقها و"بركها" التي كالأفخاخ.

يبدأ الفيلم بإصبع مرفوعة لتلميذ في مدرسة القرية، ثم أصابع، فأطفال يدلون للكاميرا بما يودون أن يكونوا عليه في المستقبل، حلم يتنقل بين "الطبيب" و"المهندس" و"المدرّسة"... حلم سينزاح رويداً رويداً عبر دقائق الفيلم الاثنتين والعشرين، لنصل في النهاية إلى طموح من نوع آخر، وكأن المخرج قفز بنا في الزمن إلى مستقبل هؤلاء الأطفال وقد "تحقق"، برصده لاثنين من "عساكر" القرية؛ شابان يصرّح أحدهما بأنه لم يجد مفراً من "التطوع" مستذكراً مُقَاساته في العيش والدراسة. إن ما يدفع المشاهدَ إلى النظر إليها كنبوءة واستشراف، هوَ قدرة المخرج على الإيحاء بتوقف "الزمن" والحركة، قدرته على إظهار هذا التوقف وتعريته. إذ يعاجلنا بعد البداية المذكورة آنفاً بنداءٍ يبدأ فيه "المغني" مواويله وغناءه عن أبي سليمان "حافظ الأسد" بعبارات مستجدية نائحة: "اسمعوا يا من تؤمنون بالله وبرسول الله" مع لقطة على الجبال المقفرة والموحشة و"الخالية" حول "الرامة" ثم أيضاً وبالتلازم الضمني مع تأثير هذه اللقطات وانطباعها فينا، يصل "المغني" إلى "الزبدة": "يا حافظ ماني قدك... أنت السِّيْدْ وأنا عبدك.. بهوّيلك بمناديلي".

إن هذه المتلازمة المشؤومة على طول الفيلم؛ بين الواقع وترديه من جهة، وحضور السلطة، روحها، بين الناس وفي مخيلاتهم، كتعويض راهن عن لا معقولية أوضاعهم، ومن جهة أخرى؛ كأمل مبهم "ويائس" في مستقبل أفضل، قد تحققه دولة البعث، التي يصدح بمحاسنها "المتنفذ"، "الوكيل" الشعبي للسلطة في القرية، من يصف نفسه بأنه "اشتراكي"... إن هذه المتلازمة هي ما تدفعنا للشعور بأن هذه الحالة، هذا التوازن، لن يتغير. يبدو من الواضح أن الوضع المتردي لهؤلاء الناس هو شرط بقاء هذه السلطة. وإذا كان لدى أحدنا شك في هذا "الإحساس" المتسرب إليه في بدايات الفيلم، فإن المتابعة ستؤكده صراحةً على لسان الشخصيات، والرصد الموسع لمدينة اللاذقية.

في عيد العمال تخرج كاميرا "أسامة محمد" مع أحد شباب القرية إلى المدينة، وتتجول بقرب الميناء. نسمع عبر مكبرات الصوت احتفالَ إعلامِ السلطة بعيد العمال و"احتفاءَها" بالعامل، بينما نرى صورةً عملاقة للرئيس "حافظ الأسد" منصوبةً على بناء ضخم. لكن أسامة سيستمر في رصد وتصعيد المفارقة بأن ينقلنا بسرعة إلى عامل ينتظر متعباً مع رفاقه "باصقاً" على الأرض. هاهي الحقيقة العارية؛ العمال المجتمعون ينتظرون عملاً مجحفاً بحق إنسانيتهم، لا يأتي. ومن بينهم "طبعاً" شاب من قرية "الرامة".

سنعود بعد مقابلة عاجلة مع رب العمل إلى القرية، وسيوجه المخرجُ السؤالَ مباشرةً إلى الجندي، وسيجيبه هذا: "أنفذ كل ما تطلبه مني القيادة حتى ولو كان يقتضي الموت في سبيله، إذا كان أخي معارضاً وشتم القيادة أو الحزب، سأضع مسدسي في أذنه وأقتله" وما أخوه إلا ذاك العامل المعدَم المرصود "قبل قليل".

هكذا "ستدور" الدائرة على الشرائح الموالية للنظام، وتحكم الخناق عليها في حلقة جهنمية، كما بقية البلد، الذي يُحرق الآن 2013 لأجل "الأسد".

الفيلم يزخر بلقطات ثمينة كثيرة، كان للمونتاج دوراً أساسياً في سبكها لتقول "المعنى" المركب.

إن "خطوة خطوة" لأسامة محمد، يوقفنا مجدداً أمام الفيلم والعمل الفني، بوصفه نتاجاً إنسانياً "متكاملاً" بأبعاده التاريخية والمعرفية أيضاً، إنه من ذلك النوع الذي يختزن التاريخ فيه ويختزل مؤلفاتٍ وصفحاتٍ كثيرةً من البحث، كانت الثورة السورية في أمس الحاجة لتعميمها الواسع، ويقول "ما تعجز وسيلة غير السينما على إيصاله"، إنه أيضاً يذكرنا "بإيزنشتاين" ويعيدنا إلى دور الفيلم السينمائي كما رآه لينين ذات يوم.

لم يفقد أسامة محمد التزامه الإنساني العميق تجاه موضوعه، ولم يفقد جرأة التهكم عليه في آن، وسيُحكِم التوازنَ الدقيق بأن يطلق أعلى صيحات سخريته بعد تصريح الجندي باستعداده للقتل، بأن يجعل موسيقا مارش عسكري ترافق مشيتَه ومصافحتَه لأفراد أسرته، فلا تُبرِز إلا ضآلته وحجمَه الحقيقي.

سيثبت هذا الفيلم "التسجيلي" المغَيَّب قبل الثورة، بالروح التجريبية التي تسم عمل مخرجه في خطواته الأولى، وبالربط مع فيلمه الروائي الطويل الذي غُيبَ هوَ الآخر؛ "نجوم النهار" 1988، أننا أمام واحد من أكثر المخرجين موهبةً في تاريخ السينما السورية، إذا لم يكن أكثرهم موهبةً على الإطلاق.

الجزيرة الوثائقية في

11/07/2013

 

وثائقي أميركي يدحض أسطورة المنفى اليهودي

مونتريال - «الحياة» 

يقدم «المجلس الوطني للفيلم ONF» في مونتريال عرضاً سينمائياً لفيلم أميركي تحت عنوان «المنفى، نبش أسطورة». الفيلم وثائقي سياسي. مدته 97 دقيقة، ويعرض بنسختين إنكليزية وفرنسية. وهو من إخراج أيلان زيف (أميركي يهودي. ولد في إسرائيل عام 1950 - شارك في حرب أكتوبر عام 1973 «يوم الغفران» في رصيده السينمائي أفلام وثائقية عدة تتمحور مضامينها حول حقوق الإنسان والتاريخ المعاصر ودور الدين في السياسة اضافة إلى فيلمين عن «التفجيرات الانتحارية» و«حرب الأيام الستة» عام 1967).

يتصدى الفيلم بجرأة لافتة إلى واحدة من اهم الأساطير الراسخة في معتقدات الشعب اليهودي وثقافته الدينية واللاهوتية. وتتمثل في نفي اليهود على يد الرومان اثر سقوط مدينة القدس وتدمير المعبد عام 70 ميلادية. وتؤكد المصادر التاريخية المتعددة التي يستخدمها الفيلم من مقابلات مع مؤرخين وعلماء آثار وبقايا أثرية بينها معبد وثني ومسرح وجداريات إلهية ووجوه بشرية وجدت في قرية تسيبوري (أي صفورية الفلسطينية التي أصبحت مستعمرة إسرائيلية بعد عام 48) ومسعدة والجليل وصولاً إلى سراديب الموتى في روما، أن هذا النفي لم يحدث أبداً، وأن الرومان لم يطردوا اليهود ولا سكان الأراضي التي كانوا يحتلونها حينذاك. بدليل، يؤكد الفيلم، أن اليهود والرومان عاشوا في وئام، وأن القرى الفلسطينية كانت غنية بالتنوع والتعدد الإثني، وأن التعامل اليومي مع كل الفئات كان يتسم بالمرونة وبطريقة كانت، ربما، اكثر تسامحاً وعدلاً من الحالة الراهنة التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي.

أسلاف غير معروفين

الفيلم يلقي نظرة جديدة على تاريخ إسرائيل التي عمدت ولاتزال إلى تحريف الوقائع والأحداث التاريخية بشكل تعسفي. ويشير على سبيل المثال إلى أن الفلسطينيين الذين طردوا على يد الإسرائيليين من قرية صفورية عام 1948، هم في الواقع من نسل اليهود ممن اعتنقوا الإسلام قبل 1300 سنة. ويكشف الفيلم أيضاً أن الفلسطينيين كانوا يمارسون الطقوس اليهودية القديمة التي تعزز مظهر التعايش بين الثقافتين اليهودية والفلسطينية. ويركز الفيلم على مسألة المنفى، حجر الأساس في الثقافة اليهودية، وما تبعها من تحريفات وأساطير لدرجة، وهذا أمر لا يمكن إنكاره، أنها زادت في معاناة الفلسطينيين وأصبحت عقبة أمام السلام في المنطقة.

وعلى الرغم من أن طروحات المنفى ساهمت في خلق الكيان الإسرائيلي، إلا أن الفيلم يرفض التشكيك في شرعية الدولة اليهودية في الشرق الأوسط. ويشير إلى أن هناك الملايين من الناس «يعيشون اليوم في إسرائيل ويشعرون انهم يهود ولهم فيها منازل ومصالح».

الأمل في الشباب

يشدد الفيلم في نهايته على رؤية تفاؤلية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإن تعذر في المدى المنظور. ويوجه في هذا السياق رسالة إلى الشباب والأجيال الناشئة الذين يمكن أن يساهموا بإيجاد حل سياسي عادل ودائم.

بعد انتهاء عرض الفيلم فتح الصحافي الكندي جان فرانسوا ليبين وبحضور المخرج أيلان زيف، باب المناقشة أمام جمهور جله من اليهود المتدينين والعلمانيين. فرأى البعض أن ما أثاره الفيلم من فضائح تاريخية حول أسطورة العودة الجماعية لليهود، كان يمكن أن تكون باعثاً لتوليد الأمل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بدلاً من إثارة التوترات والأحداث المأسوية في الشرق الأوسط. واعتقد البعض الآخر، أن المنفى بدأ مع فقدان السيادة على الأراضي اليهودية وانتهى مع تأسيس الدولة الحديثة لإسرائيل. أما الناقد السينمائي في جريدة « لابرس» فيليب ميركور فتوقف عند مسألة العودة إلى التاريخ اليهودي واعتبرها معقدة ومثيرة للجدل مشيراً إلى أن وفرة المصادر التاريخية في الفيلم هي أشبه بتحقيق بوليسي عبر القرون والقارات.

أما المخرج زيف فأكد أن «الفيلم من بدايته إلى نهايته وثائقي سياسي. وحاولت أن اكون فيه مخلصاً للحقائق أثناء بحثي في الوثائق التاريخية. ولكن الكثير ينظر إلى التاريخ بعين غير متجردة وغير موضوعية».

الحياة اللندنية في

10/07/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)