حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«خمسُ كاميرات محطَّمة»

على أبوشادى

الأحد 26-05-2013 21:57

 

فى بناء هرمى متصاعد، يلعب فيه المونتاج دوراً رئيسياً فى توليف المادة السينمائية التى صَوَّرها الفلاح الفلسطينى الشاب عماد برناط، من خلال كاميراته الخمس التى تحطمت واحدة بعد الأخرى بسبب الاعتداءات الإسرائيلية.. يأتى الفيلم التسجيلى «خمس كاميرات محطمة»، من إخراجه والإسرائيلى جاى داڤيدى، ليرصد ويوثق الحياة اليومية لقرية «بلعين» الفلسطينية إحدى قرى الضفة الغربية المحتلة، التى تعرضت فى سنة ٢٠٠٥ متزامنة مع ميلاد «جبريل»، رابع أبناء عماد، وامتلاكه أول كاميرا فى حياته - لعملية اغتصاب جديدة لأراضيها من قبل العدو الصهيونى، فراح يصور الجرافات الإسرائيلية وهى تقتلع أشجار الزيتون من جذورها لإقامة سور يعزل بين أهل القرية ومساكن مستوطنة قريبة.

فى اللقطات الأولى نرى عماد وسط كاميراته الخمس المحطمة، وبصوت مُترع بالأسى يفسر كيف أصبح مصوراً: «مريت بتجارب كتيرة فى حياتى، التجارب اللى لسَّاتها بتوجَّع القلب.. الجروح القديمة ما عندها وقت تطيب.. الجروح الجديدة راح بتغطى عليها.. قررت أصور عشان أحفظ ذاكرتى.. لم أحلم أنى أعمل أفلام.. بدأت بتصوير المناسبات والأحداث المميزة بالقرية، بعدها أصبحت مصوِّر (بلعين)».. ينتقل برناط من الخاص إلى العام ببساطة، فالعام عند الشعب الفلسطينى هو الخاص، يمتزجان معاً بجدلية تضرب فى عمق التاريخ، فقد ارتبط ميلاد كل واحد من أبنائه الأربعة بوقائع وأحداث عايشها الفلسطينيون ابتداء بابنه الأكبر الذى ولد مع الأمل الذى صاحب اتفاقية أوسلو الأولى عام ١٩٩٥، مروراً بالانتفاضة التى تزامن معها ميلاد ابنه الثالث، حتى عام ولادة جبريل الصغير الذى شهد بدء بناء الجدار العازل.

يحكى عماد ويعرض ما شهدته عدسة كل كاميرا من أحداث قبل أن تتحطم، لتبدأ أخرى فى استكمال التأريخ ومتابعة المقاومة السلمية لأهل القرية التى تقابلها قوات الاحتلال المتوحشة بطلقات الرصاص وقنابل الغاز والاعتقالات وقتل الأهالى العزَّل، كما تتابع الكاميرا العلاقات الإنسانية بين أهالى القرية بتنوع شخصياتهم القادمة من قلب الواقع والمفعمة بحب الأرض والوطن؛ «أديب» بأدائه الاستعراضى الطريف وكأنه على خشبة مسرح، نراه يحتضن شجرة زيتون محدثاً كاميرا عماد: «وُلِدنا فى هذه الأرض.. وبنعيش وبنموت، وسنظل مرابطين فيها من هلَّا مدى الحياة»، ونسمع صوت عماد معلقاً: «هذا أديب بيتحيّن الفرص ِليقدِّم مشهد!».. يشترك أديب فى المظاهرات بكامل أناقته ويعتبرها عُرْساً يستحق التعطَّر والتزيّن، وفى إحداها تتابعه الكاميرا وهو يتقدم حتى يصبح فى مواجهة جنود الاحتلال.. يصرخ فيهم بالعبرية وهو يحمل علم فلسطين: «أليس لديكم قلب أو عائلة؟! كل واحد منكم يعرف أن هذه أرض (بلعين).. أنتم تسرقون أرضى.. أقول لكم لا تفعلوا ذلك».. وصديق عماد الشاب «فيل» معشوق أطفال القرية، ببنيانه الضخم وروحه الطفولية الذى اغتالته رصاصة صهيونية غادرة، وزوجته ثريا التى باتت تعارض استمراره فى التصوير خشية عليه وعلى أطفاله، خاصة بعد صدور قرار باعتقاله، ووالده الذى قفز فوق سيارة الجيش الإسرائيلى ليمنعها من التحرك حين اعتقلوا ابنه شقيق عماد، وغيرهم من أهالى «بلعين» الذين استخدموا أساليب مبتكرة فى المقاومة السلمية كإنزال بيوت صغيرة متنقلة فى الجانب الإسرائيلى من السور العازل، محاكاة لما يفعله المستوطنون واستفزازاً لهم، رغم أنهم يعلمون سابقاً أنه سيتم تدميرها، أو بإحداث ضوضاء صاخبة بقرع الطبول ونفخ المزامير بشكل مستمر وسط حالة من الضحك والغناء بصوت عالٍ لإزعاج جنود الحراسة الإسرائيليين والضغط على أعصابهم.

كان هدف عماد من شراء الكاميرا الأولى أن يُصور بها مراحل نمو وليده الرابع جبريل، لكنها تحولت، كما يقول، إلى سبب لوجوده، فقد أراد اقتناص الحياة داخل عدستها فراح يصور الأحداث والحوادث مؤرخاً لها وكأنه «جبرتى» القرية المعاصر، يوثق جهود أهلها فى الدفاع عن الأرض، ويرصد أشواقهم للحرية التى تتمتع بها الطيور المحلقة، السابحة فى سماء القرية، تتابعها الكاميرا ويستخدمها المونتاج كعناصر باعثة للأمل كلما احتدمت الأحداث أو استشهد أحد أبناء «بلعين»، التى نجح مواطنوها فى الحصول على حكم قضائى بعدم مشروعية السور العازل، لكنه لم ينفذ إلا بعد أن بلغ جبريل سنته الخامسة، وقبل أن تكتمل الفرحة أقامت الحكومة الإسرائيلية جداراً أسمنتياً عازلاً بديلاً للسور السلكى الهش!

شارك الفيلم فى بعض المهرجانات الدولية ممثلاً لفلسطين، أو لإسرائيل فى مهرجانات أخرى، ورغم مشاركة ثمانى دول من بينها إسرائيل فى إنتاجه فإنه حصل على جائزة أحسن فيلم تسجيلى «إسرائيلى» ٢٠١٢ من «مؤسسة مجموعة ڤان لير» فى إطار مهرجان القدس! كما رشح لجائزة أحسن فيلم تسجيلى طويل فى مسابقة الأوسكار ٢٠١٣ دون ذكر جنسيته.. قد يعيدنا ذلك إلى السؤال المتكرر حول الموقف من الأفلام التى تتناول القضية الفلسطينية أو الواقع الفلسطينى المعاصر وتتم بمشاركة إسرائيلية.. فى ظنى أن رؤية صنَّاع هذه الأفلام وموقفهم من الصراع العربى الفلسطينى - الإسرائيلى هى التى تحدد هويتها، فأفلام الفلسطينى إيليا سليمان أو محمد بكرى (وكلاهما إسرائيلى الجنسية شأن كل عرب ٤٨)، هى أفلام فلسطينية الهوى والهوية، وكذلك فيلم «عماد برناط وجاى داڤيدى» الذى يقدم نموذجاً دالاً لمدى استمساك الفلسطينيين بحقهم فى أراضيهم ومقاومتهم السلمية المستمرة للاحتلال الصهيونى، ويفضح الممارسات اللاإنسانية للإسرائيليين تجاه أصحاب الأرض، بلغة سينمائية تتسم بالبساطة والعمق وتحمل قدراً كبيراً من الأمانة والصدق. 

سعيد شيمى.. راهب التصوير السينمائى

على أبوشادى

الأحد 19-05-2013 22:06

«التصوير السينمائى من السينما الصامتة إلى السينما الرقمية» أحدث كتب مدير التصوير النابه والباحث المدقِّق سعيد شيمى، يضع فيه -شأن كتبه الخمسة عشر السابقة- خلاصة تجربته العلمية والعملية فى مجال التصوير السينمائى، بعد ما يقرب من إدارة تصوير أكثر من مائة فيلم روائى طويل والعديد من المسلسلات التليفزيونية وعشرات الأفلام التسجيلية، وهو أحد أهم المصورين الذين قَدِمُوا إلى السينما الروائية من عباءة السينما التسجيلية، ليساهموا فى تدشين واقعيةٍ مصريةٍ جديدة، تعبِّر عن الواقع المعاصر وتخرج بالكاميرا إلى الشارع بديلاً للديكورات والغرف المغلقة لتحقيق مزيد من الصدق الدرامى.

يُوجز الناقد والمؤرخ الكبير أحمد الحضرى هذا الإنجاز الهام فى تقديمه للكتاب بأنه يتناول «الصورة السينمائية من بدء مرحلة الصورة الفوتوغرافية ثم الوصول إلى الصورة السينمائية التى تدب فيها الحركة وما مرَّت به من مراحل صمت، ودور هذه الصورة فى الأساليب المختلفة من السرد الروائى بعد مرورها بالمرحلة التسجيلية الأولى ومرحلة ما هى قادرة عليه من تقديم الخدع المختلفة، إلى مرحلة السينما الناطقة وما يتبع ذلك من تطوير فى الصورة السينمائية ومرحلة الانتقال من الصورة باللونين الأبيض والأسود ودرجاتها المختلفة إلى الصورة السينمائية كاملة الألوان والأساليب المختلفة لاستخدام الألوان حسب اختلاف الفنانين واختلاف دولهم، ثم ما مرّت به الصورة السينمائية من اختلاف المقاس وطريقة العرض أمام الجمهور وصولاً إلى الصورة الرقمية».

والسينما الرقمية هى التعامل مع الصور على أنها إشارات كهربائية رقمية بدلاً من تحميضها وطبعها كيميائياً على ورق حساس، فلا يوجد شريط أو صورة ملموسة، كما تلتقط الصورة من أجهزة الكومبيوتر أو التليفون المحمول، فالكاميرات الرقمية Digital Camera تصور وتخزن المعلومات فى ذاكرة إلكترونية بداخلها بديلاً لبكرات الشرائط فى الكاميرات السينمائية التقليدية. ويرى سعيد شيمى أن هذه التقنية الجديدة سوف تعصف بكل ما فى الماضى من عراقة، خاصة أن الصورة الإلكترونية قد تبلغ قريباً درجة الاكتمال وتصبح مساوية لجودة شريط السينما (السليلويد Celluloid).. ربما يكون فى هذا الرأى قدر من المغالاة فى تقدير ما سيأتى به المستقبل فالتاريخ يعلمنا أنه لا شىء يزيح الآخر فقد سبق -على سبيل المثال- أن قيل ما يقترب من ذلك بالنسبة للسينما حين ظهور التليفزيون وقبله بالنسبة للمسرح حال اختراع السينما، وقال البعض بانتهاء عصر الأبيض والأسود مع ظهور الألوان وما زال بعض من كبار المخرجين يصورون أعمالهم بالأبيض والأسود حتى الآن، فمن الممكن أن تتجاور المستحدثات إلى جانب السائد وبهذا تفتح آفاقاً جديدة للإبداع.

يتابع الكتاب، الذى تقترب صفحاته من ٤٥٠ صفحة، تلك المراحل بدقة وتفصيل ولغة سهلة وشيقة عبر تناول الأساليب الجمالية لكبار المخرجين الذين أثْرَوْا تاريخ السينما وأثَّروا فى مسيرتها، ليصل إلى أمتع فصول الكتاب بعنوان «سنوات التغيير» الذى يواصل فيه المؤلف تحليل أساليب كبار المصورين السينمائيين وعلاقتهم بمخرجى أفلامهم وبيان تطور تلك الأساليب ومدى التوافق بين المصوِّر والمخرج، فكلاهما مُبدع، فيشرح شيمى ويحلل أهمية اللون فى أعمال أنتونيونى وفللينى (إيطاليا) وإنجماربر جمان (السويد) وكلود ليلوش (فرنسا) وباراد جانوف وأندريه تاركوڤسكى (روسيا) وستانلى كوبريك (أمريكا) وأكيرا كيروساوا (اليابان) والمصرى شادى عبدالسلام الذى يقول عنه، بعد تحليل وافٍ وممتع لدور اللون فى فيلمه الكبير «المومياء»: «إن الفنان المبدع شادى عبدالسلام جعل اللون شكلاً خالصاً فى فيلمه مستمداً قوته وعظمته من ألوان مصر القديمة.. كان اللون مع عنصر التكوين والحركة البطيئة وباقى عناصر اللغة السينمائية من أهم مميزات أسلوبه الفريد الذى لم يَجُدْ بمثله الزمن على أحد غيره حتى الآن».

بنظرة فاحصة متعمقة، مسلحاً بخبرة عملية طويلة ومدججاً بسعة فى العلم ورحابة فى الأفق وعقلٍ يقظ يحمل قدراً كبيراً من الإعجاب والاحترام، يتابع سعيد شيمى -راصداً ومحللاً - أعمال نظرائه من كبار المصورين فى تاريخ السينما، جوردون ويليس (الأب الروحى الجزء الأول والثانى لكوبولا) ومتصوف الألوان الإيطالى ڤيوتوريو ستورارو (مصور أعمال بيرتولوتشى «التانجو الأخير فى باريس» و«١٩٠٠» و«القمر» وفيلم ستانلى كوبريك «سفر الرؤيا الآن») والإسبانى نيستور ألميندروس (أيام السماء لتيرانس ماليك) وغيرهم من الكبار شارحاً الخصائص الجمالية فى أسلوب كل منهم.

قدّم سعيد شيمى جهداً ملحوظاً فى متابعة وتحليل أساليب أساطين التصوير فى العالم، لكنه غفل -أو تغافل- عن ذكر اسم أى مصوّر سينمائى مصرى أو عربى، وبرغم إشادته بأسلوب التصوير فى «المومياء» للراحل مصطفى إمام فإنه نسب كل الفضل للفنان شادى عبدالسلام، كما تناسى أسماء كثيرة وكبيرة فى تاريخ التصوير المصرى، بداية من الأساتذة العظام عبدالعزيز فهمى وحسن التلمسانى ووديد سرى وخورشيد، والجيل التالى المثقف الدارس مثل طارق التلمسانى ومحسن نصر وماهر راضى ومحمود عبدالسميع ومحسن أحمد، على سبيل المثال لا الحصر، بل وسعيد شيمى نفسه وذلك غير جيل الشباب الحالى المجتهد.. ربما يرى المؤلف أن أعمال بعض هؤلاء لا ترقى إلى مستوى من ذكرهم، أو تعلل بسابق الإشارة إليهم فى كتبه السابقة، لكنى أعتقد أنه كان من الضرورى الإشارة إليهم والإشادة بمن أجاد أو تميز بأسلوب خاص أو -على الأقل- التطرق إلى دور مصطفى إمام مع شادى عام ١٩٦٩ مع مراعاة فارق الإمكانات هنا.. وهناك.

اقترب سعيد شيمى، من خلال ستة عشر كتاباً عن التصوير السينمائى، من عالم لم يسبق لغيره أن تعامل معه، فى اللغة العربية، بهذه الدقة والعمق، ويكاد يشكل وحده موسوعة متكاملة للتصوير السينمائى يمتزج فيها العلم بالعمل، والتجربة بالخبرة ليفتح لعشاق السينما، هواة ومحترفين، باباً جديداً للتذوق والمعرفة. 

على الغزولى.. مخرج وفنان بدرجة شاعر

على أبوشادى

الأحد 12-05-2013 21:51

الصدفة وحدها هى التى دفعت المخرج التسجيلى الفنان على الغزولى إلى النزول بكاميرته الخاصة إلى ميدان التحرير راصداً ومصوراً وموثقاً لما يحدث منذ اندلاع المظاهرات المندّدة بالنظام المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية فى ٢٥ يناير، وحتى لحظة تخلّى مبارك فى ١١ فبراير، فـ«الغزولى» يقطن على بُعد أمتار من ميدان التحرير، جامع الثورة وكنيستها، حيث يقع منزله فى ميدان الشهيد عبدالمنعم رياض، وشاهد من شرفته، وصَوَّر، أكثر المواجهات عنفاً وقسوة بين شرطة النظام السابق وجموع الشعب الثائر..

رغم تلاحُق الأحداث، وغزارة المادة المصوّرة التى فاقت العشر ساعات، تمكّن «الغزولى» بدعم إنتاجى من صندوق التنمية الثقافية، وبالتعاون مع خبرة ومهارة فنان المونتاج أحمد متولى -الذى تقاسم، وأستاذ المونتاج كمال أبوالعلا، مونتاج معظم أفلامه- أن يلملم شتات الصور ويقترب بها من عالمه الخاص، فيقدّم فى «الشهيد والميدان» قصيداً نثرياً عن تلك الأيام الثمانية عشرة التى هزّت العالم.

رغم تباين الموضوع عن أعماله السابقة، ووفرة ما قُدّم عنه فى مختلف وسائل الإعلام، فإن الفيلم لم يبتعد كثيراً عن عالم «الغزولى» وأسلوبه المتميز فى تناول موضوعاته، حيث تحمل الصورة، عادة، قيمة تشكيلية، ويشكل شريط الصوت بعناصره من موسيقى وتعليق ومؤثرات إضافة حقيقية لشريط الصورة.

يستخدم «الغزولى» فى أفلامه، أسلوب الدراما التسجيلية كما فى «حكيم سانت كاترين» و«صيد العصارى» و«الريس جابر»، فيوظّف كل عناصر الواقع البشرية لأداء أدوارهم الفعلية دون التخلّى أو الإخلال بالجوهر التسجيلى الذى يستبعد تمثيل المحترفين واستخدام الديكورات، فأبطاله يعيدون إنتاج حياتهم أمام الكاميرا دون تزييف.

من سمات سينما على الغزولى احترام الإنسان المصرى البسيط الكادح من أجل أن يبقى على قيد الحياة، محاولاً التعايش مع واقع ضنين، ووسط ظروف بالغة القسوة، متشبثاً بأمل، لا يتحقق عادة، فى تغييرها، كما يحرص «الغزولى» على تأكيد خصوصية المكان كما فى صحراء بحيرة «صيد العصارى» وبحر «الريس جابر» وأعماله عن العمارة المدنية والمساجد ورباعيته البديعة عن سيناء (أرض الفيروز، وسيناء هبة الطبيعة، وحكيم سانت كاترين، وقوافل الحضارة) التى يتبدّى فيها حسه التشكيلى وولعه بالتفاصيل، فهو فنان تشكيلى بالأساس له العديد من المعارض التى حظيت بتقدير فنانى ونقّاد الفن التشكيلى، و«الغزولى» مصور سينمائى نابه وبارع، شارك، قبل أن يتحوّل إلى الإخراج، كمدير للتصوير فى أعمال العديد من المخرجين التسجيليين، فهو وراء الكاميرا فى فيلمى داود عبدالسيد «العمل فى الحقل» عن الفنان حسن سليمان و«أسرة فنية» عن الفنان راتب صديق وفيلم أحمد راشد «٣٠٠ فنان» وفيلم هاشم النحاس «منمنمات تركية»، وقد أضفى بوعيه التشكيلى حساً جمالياً مميزاً على تلك المشاركات.

على الغزولى، الذى يكمل عامه الثمانين فى ديسمبر المقبل -أمد الله فى عمره ومنحه الصحة والعافية- والحاصل على نوط الامتياز عام ١٩٨٨، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام ١٩٩٤ وعشرات الجوائز المحلية والعربية والدولية كمدير تصوير أو كمخرج، فنان يتمتع بروح شابة وحيوية فائقة مع بساطة وتواضع جَمّ يمتلك الذكاء والقدرة على التعبير عن رؤيته للواقع والمجتمع من حوله، عشق الصورة، ثابتة على سطح لوحة فوهبتها فرشاته نبض الحياة، ومتحركة على شريط السينما يعيد بها، وفق رؤيته، ترتيب وتنظيم الواقع والوقائع.. وهو ما نلمسه فى لوحته التسجيلية «الشهيد والميدان» التى تجلّت فيها سمات أفلامه من احترام للمكان «ميدان التحرير وما حوله» والزمان «١٨ يوماً» والإنسان «ثائراً وشهيداً» ونجح فى منحها خصوصية وتفرُّداً -رغم تشابهها مع آلاف اللقطات التى زخرت بها الفضائيات- عبر صورة غير تقليدية وإيقاع رزين ينتقل بسلاسة ونعومة من يوم إلى يوم ومن موقف إلى آخر مع لمسة شاعرية مفعمة بالأمل تحتفى بلحظة نادرة فارقة فى تاريخ مصر.

على الغزولى.. مخرج وفنان بدرجة شاعر. 

«سمير أبوالنيل»

على أبوشادى

الأحد 05-05-2013 09:05

فى شريط «سمير أبوالنيل» يحاول الثلاثى أيمن بهجت قمر، كاتباً، وعمرو عرفة، مخرجاً، وأحمد مكى، نجماً، تقديم هجائية للإعلام المضلل الذى يزيف الحقائق ويشوش وعى الجماهير ويصرفها عن قضاياها الحقيقية والملحة، مشيراً إلى استخدام تمويلات مشبوهة من قوى معادية للشعب تحاول تثبيط همته وتعمل على إفشال ثورته وإغراقه فى تفاهات تبعده عن مشكلاته وهمومه وتؤجل حلمه بمستقبل أفضل، خاصة بعد ثورة توقع كثيرون أنها ستعيد تشكيل المجتمع وتغيّر من تلك الصور السلبية التى عانى وما زال يعانى منها الواقع المصرى من فساد واستبداد ورشوة ومحسوبية وغياب للعدالة الاجتماعية وإهدار للكرامة الإنسانية وانتهاك للحرية.

هدف نبيل ومشروع، ونوايا طيبة هى، عادة، تفترش الطريق إلى جهنم. فنحن بإزاء مجموعة من الإسكتشات المتوالية تنضح باللجاجة والاستظراف البليد وافتقاد الحس الكوميدى والعجز عن استغلال موهبة أحمد مكى والطاقات التى يتمتع بها وتجلت فى أعماله السابقة -سينمائياً وتليفزيونياً- التى قدّم فيها كوميديا الموقف بمفارقاتها الدرامية المختلفة.. و«مكى» مؤلفاً ومخرجاً وممثلاً يمتلك حساً كوميدياً ساخراً وخفة ظل ملحوظة وخيالاً رحباً تبّدى منذ تقديمه لمشروعيه فى معهد السينما «الحاسة السابعة ويابانى أصلى» اللذين حظيا بتقدير أساتذته وإعجاب النقاد.

فى سيناريو «سمير أبوالنيل»، المترهل، يستغرق تقديم الشخصية الرئيسية «سمير أبوالنيل» مساحة زمنية كبيرة حتى نتعرف على ملامحه التى تتسم بالأنانية والبخل الشديد والحرص على اكتناز المال وكراهية الإنفاق بشتى صوره والتنطع على الأقارب والجيران والأصدقاء فى الحى الشعبى الذى يقيم به لاقتناص وجبة، مما تسبب فى النفور منه وتصاعد مشاعر الكراهية تجاهه، نتابع ذلك، بملل، وعبر تنويعات مختلفة لا تقل سماجة عن الأداء السطحى والمفتعل لأحمد مكى ومعظم ممثلى الفيلم.

بعد فاصل الإملال المتكرر يتذكر السيناريو موضوعه الأساسى، فتظهر شخصية المليونير السخيف «حسين»، ابن عم سمير، ليوهمه بأنه سوف يأتمنه على مبلغ ضخم (٥٥٠ مليون جنيه نقداً) بصفة أمانة ويقنعه أنه مصاب بمرض خطير قد يودى بحياته خلال عدة أشهر وأن هذه الأموال من حق ابنته الوحيدة التى سوف ينازعها فيها إخوته الطامعون فى هذه الثروة.. يقبل سمير العرض، دون أن يقدم السيناريو أسباباً مقنعة لاختيار حسين لسمير أو لقبوله هذه المخاطرة، ووفقاً لنصيحة ابن العم، يلتقى سمير مع المرأة الحديدية، مديرة أعمال حسين، ويتفقان على استثمار الأموال فى إطلاق قناة فضائية باسم «صَبْحَة»، يديرها ويقدّم برامجها وحده، ومنفرداً.

على جانب آخر، وبشكل عشوائى، تظهر شخصية صحفية شريفة -كالعادة- تطارد سمير، رجل الأعمال والإعلامى الناجح، ساعية إلى كشفه وفضحه أمام الرأى العام، وتنجح -كالعادة أيضاً- فى تسجيل حواراته التى يعترف فيها بمحاولة رشوتها.. فيأمر رجاله بتأديبها بعنف شديد، لكن ضميره المتمثل فى حبيبته السابقة المطلقة، التى هاجرت إلى أستراليا، والتى تعود فجأة لتذكره بموقفه الشهم السابق الذى أدان فيه أى رجل يعتدى على امرأة «اللى يضرب ست ما يبقاش راجل».. تتحرك داخله مشاعر الندم ويقرر إغلاق القناة ليفاجأ بأنها تُطْلق من جديد باسم «سِبْحَة» يديرها ويقدم برامجها شقيقه السلفى بنفس الأسلوب الفاسد مستخدماً ذات الشخصيات ولكن فى ثوب متأسلم ويمارس نفس الدور المشبوه وإن اختلفت التوجهات!!

حين يعود إلى منزله، يكتشف أن ابن عمه قد استرد أمواله، وأنه كان ضحية مخطط ذكى دبره ابن العم لغسيل أمواله وأنه «لا مريض ولا حاجة»!

عمل ملىء بالادعاء والترميز الساذج بدءاً من اسمه «أبوالنيل» وأموال «ابن العم» ومروراً بالمعالجة السطحية لقضية فساد الإعلام وتعميمه والمبالغة فى كاريكاتيرية الشخصيات واستسهال إدانة الشرطة والسخرية منها فى شخصية أمين شرطة فاسد وتزييف الوقائع بتصوير الذين اقتحموا الأقسام باعتبارهم مجموعة من البلطجية والمدمنين وهذا مجافٍ للحقيقة، إلى حدٍ ما، كما تكشَّف بعد ذلك.

«سمير أبوالنيل» شريط بائس وهزيل، استنفد كثيراً من رصيد الموهوب أحمد مكى المتبقى، والقليل!

الوطن المصرية في

05/05/2013

 

أبطال أفلام الاختطاف أقوي حضوراً وأكثر شعبية

خيرية البشلاوي 

منذ ما يقرب من ثمانين عاما وقصص "الاختطاف" من المواضيع المحببة في السينما الامريكية باعتباره مصدرا نموذجيا لافلام الأكشن والاثارة. والتاريخ الامريكي يحفل باختطاف العبيد. من السواحل الافريقية والعودة بهم إلي العالم الاستعماري الجديد "امريكا" يزرعون ويحصدون ويجنون القطن ويخدمون داخل بيوت البيض.

ومنذ القرن السادس عشر شاعت تجارة العبيد في افريقيا وبلاد العرب. وأوروبا وامتلأت البحار والمحيطات بالسفن المحملة "بالسود" باعتبارهم السلعة الرائجة في تجارة الرقيق. ومن أجل خدمة المستعمرات الجديدة. واستمر الحال حتي القرن التاسع عشر وباشكال مختلفة ومتنوعة حتي يومنا هذا.

التاريخ البشري يمتليء بعمليات "الخطف" من اختطاف "العبيد" وحشدهم كالحيوانات إلي اختطاف السفن والطائرات إلي أن دخل "الإرهاب" علي الخط وأصبحت عمليات الاختطاف باشكاله موضوعا يحمل المقومات القوية التي تخدم صناعة شعبية واسعة الانتشار جدا الا وهي صناعة "الصور المتحركة".

ولم يقتصر موضوع "الاختطاف" علي الانتاج السينمائي وانما امتد إلي الموسيقي "!" والعاب الفيديو. والرقص. وافلام الدعاية. والعاب الاطفال.

ويحتل الهجوم الإرهابي بالطائرات علي برجي التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001. أهمية كبري في التاريخ المأساوي لعمليات "الاختطاف" وشهادة صارخة ودافعه علي التطور العلمي الرهيب الذي طرأ علي أساليب هذه العمليات الاجرامية ويكشف قوي التنسيق الدقيق بين مجموعة الإرهابيين الذين ارتكبوا ذلك الحادث الذي هز العالم وقاد إلي حرب عالمية بقيادة الولايات المتحدة ضد الإرهاب.

الشر المطلق

ودخل الإسلاميون وتنظيم القاعدة إلي قلعة الصناعة السينمائية باعتبارهم الشر المطلق والشيطان الذي لابد من محاربته وظهرت العشرات من الأعمال السينمائية. التسجيلية والروائية وتشاركت مجموعة من المخرجين من دول عديدة في انتاج عمل مشترك يتناول الحادثة من وجهات نظر مختلفة. وضمت هذه المجموعة من مصر المخرج يوسف شاهين. ومن إسرائيل أموس جيتاي. إلي جانب مخرجين من فرنسا وامريكا اللاتينية والولايات المتحدة. وظهر الفيلم الذي يجمع معا هذه التجارب الكاشفة من وجهات النظر المختلفة تحت عنوان "9/11".

وشككت افلام اخري في الرواية الرسمية عن الحادث في فيلم بعنوان "صباح سبتمبر" بطولة مارتن شين وودي هارلسون واد ازنر. حيث كتب صانعوه في بداية الاحداث "نحن الشعب نطالب بتحقيق مستقل ودقيق حول الاحداث الماساوية للهجوم علي برج التجارة العالمي". وقدم المخرج الامريكي اوليفر ستون شهادته علي الحادث في فيلم "مركز التجارة العالمي" مثلما فعل من قبل في حادثة اغتيال جون كيندي ومن الاعمال المهمة التي تناولت الحادث فيلم بعنوان "خلية هامبورج" "hamborg cell" 2004 المستوحي من الاحداث التي سبقت الهجوم ومهدت له. وذلك من وجهة نظر الخاطفين وهم أربعة من الشباب العرب احدهم كان طالب يدرس في هامبورج وهو الذي تولي لاحقا اختطاف "الطائرة 93" وقد ظهر اثناء اقامته هناك عند التردد علي جامع الحي حتي "يكون مسلما صالحا" وملتزما. وقد اتضح انه هدفا جيدا لتنظيم القاعدة وبالفعل نجحت في تجنيده وضمه إلي الجهاديين ومنهم المصري محمد عطا ورمزي بن الشيبة.

بعد عشر سنوات من الحادث. استطاعت القوات الخاصة الامريكية ان تأسر مؤسس "القاعدة" بن لادن وتخطفه وتقوم بتصفيته والقاء جثته في المحيط في مايو 2011. ولم يمر عامان حتي قامت المخرجة الامريكية كاترين بيجلو بعمل فيلم عن الحادث يفوز باحدي جوائز الاوسكار .2013

لقد طال التأثير الثقافي لهذا الحدث كافة مظاهر الحياة في الولايات المتحدة حسب الدراسات المنشورة وكذلك طال العادات الأسرية ومرات التردد علي الكنيسة وأثر علي الانتاج في السينما والاذاعة والتليفزيون والبرامج وأساليب الدعاية الامريكية ووصل إلي لعب الاطفال ومؤسسات صناعة الترفيه الخ الخ..

ثورة علي السفينة بوانتي

ويعتبر فيلم "السفينة بوانتي" من بين أشهر الأعمال التي عالجت فكرة الاختطاف. حيث يصور ثورة مجموعة من البحارة التابعين للقوات البحرية الملكية البريطانية بقيادة فلتشر كريستيان ضد كابتن السفينة ويليام باي وذلك بسبب المعاملة الفظة والقسوة الشديدة ومن ثم كان عليهم ان يخطفوا السفينة ويوجهوها إلي جزيرة تاهيتي ثم يتركونه لمصيره. الفيلم من اخراج فرانك لويد وقام ببطولته شارلز لوتون وكلارك جيبل وقد اختير كأفضل فيلم في عام .1935

اعيد انتاج نفس الحادث التاريخي الذي جري عالم 1789 فوق السفينة بوانتي التابعة للقوات الملكية البحرية. اعيد أربع مرات. الأول عام 1962 وقام بالبطولة مارلون براندو وفي عام 1984 اعيد مرة ثالثة وقام بالبطولة انطوني هوبكتر.

نوعية "افلام الاختطاف" تفتح المجال امام اشكال مثيرة من المغامرة. وفيض متدفق من الحركة وشحنات من مشاعر الترقب والاثارة فضلا عن حبكة محكمة. وابطال يتسمون بالجرأة والقدرة المطلقة علي مواجهة الاخطار واللجوء إلي الخديعة وتوظيف ملكة الذكاء وسرعة البديهة وقد رأينا هذه السنة نموذجا مهما من انتاج السينما الامريكية وهو فيلم "Argo" "أرجو" بطولة واخراج بن افلك. إلي جانب "زيرو دارك ثرتي" لكاترين بيجلو.

موضوع "الاختطاف" مناسبة نموذجية لتضمين الفيلم ابعاداً سياسية تعكس وجهات نظر موالية أو معادية لاحداث بعينها في التاريخ أو الواقع المعاصر ولقد استخدم هذا الموضوع في افلام "الحرب الباردة" التي استوحت السينما وقائع منها في افلام خيالية أو واقعية مهمة ومنها فيلم "Hunt For Rel october" بطولة النجم البريطاني شون كوونري فالتشويه المتعمد "للحُمر" أي الروس أو للنازية أو للعرب يدخل ضمن موضوعات "الاختطاف".

لقد تم استخدام نفس هذه النوعية في معالجات قوية ومتنوعة لادانة الإرهاب الفلسطيني ثم الإرهاب الايدولوجي الذي تمارسه الجماعات الإسلامية وبالذات تيار الإسلام السياسي الذي عادة ما يلجأ إلي السلاح وإلي جرائم الاختطاف معتمدا علي تدريب عالي الكفاءة. وامكانيات مالية ومقومات شخصية ومؤخرا كما في هجوم "11 سبتمبر 2011" إلي كفاءة وعلوم تكنولوجية متقدمة جدا.

في وصف الشباب الذين اطلقوا عليهم "خلية هامبورج" نقرأ "أنهم من خيرة الشباب تربية وعلم وكفاءة"!!"" ولكنهم "وهذا من عندي" تم غسل أدمغتهم باسم الدين فصاروا مجرمين.

معظم الأفلام المهمة التي تناولت حوادث الاختطاف تحمل جنسية امريكية وقد عُرض اغلبها في القاهرة ومن اشهرها فيلم "Air Force one" وهو الاسم الذي يطلق علي طائرة الرئيس الامريكي التي تتعرض لعملية اختطاف يقوم بها جماعة راديكالية سوفيتية تنتمي للتيار القومي الجديد في الاتحاد السوفيتي "قبل سقوطه" ويقوم بالعملية واحد من هذه الجماعة وهو ثوري جسور ومقتحم قام بدوره "جاري اولدمان" ولكنه يواجه بهزيمة نكراء وينجو الرئيس الامريكي طبعا.

وشاهدنا من نفس النوعية سلسلة افلام "داي هارد" "Die hard" بأجزائه الشيقة واحداثه اللا معقولة. التي تعتمد علي خطف عدد من الطائرات بعد السيطرة علي برج المراقبة في المطار وقيادة الكولنيل ستيورات التي فرض ارادته علي الإرهابيين بالرغم من شراستهم. ونتذكر أيضا فيلم "Face off" بطولة نيكولاس كيج الذي قام بخطف عميل مهم للمباحث الفيدرالية "جون ترافولتا".

افلام "الاختطاف" عادة ما يختار لها أقوي النجوم حضورا واكثرهم شعبية ذلك لأنهم يمتلكون الوسامة والتكوين الجسماني اللائق. وقوة الحضور والايحاء. ويحظون بسطوة ونفوذ شعبي بالغين.

* * نحن نعيش هذه الأيام اجواء "الاختطاف" بامتياز ولكن من النوع المتدني. والخسيس ذلك لأنه لا يوجه إلي العدو وانما إلي أبناء الوطن الواحد ونعيش حبكات علي الارض نراقبها ونشهد بأنها خائبة للغاية ولم تراع ذكاء المشاهدين ولم تحقق أيا من اشكال الاثارة اللهم إلا ما يثير البغضاء والكراهية.

ومن اسوأ تداعيات مثل هذه المغامرات الاجرامية الواقعية إنها تثير اجواء من الكراهية وحروبا ظاهرة وخفية وقودها البغضاء والاحتقار.

المساء المصرية في

26/05/2013

 

"الغول" السينمائي الصيني يخيف هوليوود

محمد رضا: 

قبل نحو عشرة أيام قامت صحيفة “تشاينا دايلي” بنشر مقال موجّه إلى هواة السينما الصينيين عنوانه: “لا تقعوا ضحية خدعة هوليوودية” . ليس مقالاً طويلاً لكنه محدّد ولا لف أو دوران فيه وهدفه التحذير، كما يوحي عنوانه بوضوح، من الأفلام الهوليوودية على أساس أنها ليست معنية بالثقافة الصينية، بل فقط بشبّاك التذاكر الصيني .

المناسبة هو الإقبال الكبير (وربما غير المسبوق لفيلم غير صيني) على الفيلم الأمريكي الجديد “آيرون مان 3” للمخرج شاين بلاك وبطولة روبرت داوني جونيور . إقبال وصل حتى الآن إلى مستوى المئة مليون دولار ولايزال يتصاعد . بكلمات أخرى هناك عشرات الملايين من الصينيين أقبلوا على هذا الفيلم وكثير منهم فضّل مشاهدته على مشاهدة أفلام صينية حديثة .

المقال يطالب قراءه بألا يُخدعوا بحيلة مارستها هوليوود في هذا الفيلم، فالنسخة التي تم توزيعها في الصين هي معدّلة عن تلك التي شاهدها الجمهور في مختلف أنحاء العالم . هذه النسخة بدورها لم توزّع عالمياً كما أن النسخة العالمية لم تعرض في الصين . الاختلاف هو قيام صانعي الفيلم بتغيير عدد من الشخصيات الجانبية وإسنادها إلى ممثلين صينيين، والمقال يكشف عن ذلك حين يقول: “لأجل بيع التذاكر الصينية تم إسناد أدوار أقل من رئيسة لصينيين، في حين أن أدوارهم تم حذفها من النسخة العالمية” .

وأضاف المقال “بعض الناس يعتقدون خطأ أن قيام هوليوود باستراتيجية التقرّب من الصينيين هي دلالة اهتمام بالثقافة الصينية، لكن هذا هو تكتيك هوليوودي من قبل صانعي السينما هناك لكي تروّج لأفلامها وتربح المزيد من الإيرادات” . والمقال ليس بعيداً عن الحقيقة، وهناك مخرجون صينيون يعلنون صراحة أنهم يتمنّون لو أن الصين تحد من تدفق الأفلام الأمريكية لكي يُمنحوا فرصة تقديم أفلامهم في غياب هذا المنافس الطارئ .

من ناحيتها فإن هوليوود، ولاعتبارات مالية محضة، تحسب حسابات كثيرة للسوق الصينية . في نموذج “آيرون مان 3” هناك حقيقة أن خمسين مليون دولار على الأقل سيكون العائد الصافي للاستوديو الذي قام بتمويل الفيلم (وولت ديزني)، الذي بلغت تكاليفه نحو 200 مليون دولار . في الولايات المتحدة جمع للآن نحو 91  مليون دولار وحول العالم (بما في ذلك الصين وأمريكا) ملياراً من الدولارات .

أكثر من قبل

هذه الحسبة ليست اعتباطية . فالسوق الصينية أصبحت بالنسبة إلى هوليوود من أهم الأسواق العالمية (الرقم الثاني بين الأسواق بعد الدول الأوروبية)، وبينما كان “آيرون مان 3” يستفيد من شغف الصينيين بالخدع والمؤثرات والرجال الطائرين، كان المخرج كوينتين تارانتينو يحط في بكين لأجل التفاوض على عرض فيلمه الأخير “دجانغو طليقاً”، والسبب هو أن الرقابة منعته في آخر لحظة ما أصاب الإنتاج بخيبة أمل شديدة .

الحقيقة أن هوليوود باتت تخشى الغضب الرقابي الصيني أو الموقف الرسمي للصينيين منذ حين . ففي العام الماضي، وكما بات معروفاً، انتبهت هوليوود إلى أن الفيلم الأمريكي “فجر أحمر” مهدد بالمنع من دخول السوق الصينية لأن أشراره صينيون . وكان تصوير الفيلم قد انتهى لكن ذلك لم يمنع من إعادة تصوير مشاهد وقيام برنامج الدجيتال بتغيير الأزياء العسكرية من صينية إلى كورية شمالية .

وبالنظر إلى “شباك التذاكر” الصيني نجد أن الوضع لم يكن على هذا النحو في أي وقت سابق . مثلاً بينما يتربّع “آيرون مان 3” على القمّة هذا الأسبوع أيضاً، فإن الفيلم الماثل على المركز الثاني صيني (عنوانه “شابة جدّاً”) لكن المركز الثالث والرابع والخامس والسادس هي لأربعة أفلام أمريكية على التوالي وهي “غموض” الخيالي العلمي، و”ذي كرودس” الكرتوني، و”دجانغو طليقاً” (الذي حط خامساً بعد السماح بعرضه قبل أسبوع) و”جي آي جو: الانتقام” وهو فيلم فانتازي في المركز السادس .

هذا يعني أن خمسة أفلام من أصل العشرة الأولى أمريكية والخمسة الأخرى صينية وآسيوية، ما يكشف عن السبب وراء كل ذلك الاهتمام بالسوق الصينية ومحاولة إرضائها إما عبر حذف شخصيات مسيئة، وإما عبر صنع نسخ خاصّة بالعروض الصينية أو محاولات التقرّب أكثر عبر دراسة السيناريوهات قبل التصوير والتأكد من خلوها مما قد يشكل عائقاً يحول دون عرض الأفلام في الصين لاحقاً .

الجمهور الصيني قد لا يكترث للتحذير الوارد في تلك الصحيفة المعبّرة عن وجهة نظر الحزب الحاكم . وطالما أن هناك أفلاماً ونجوماً من الغرب، سيكون هناك التفاف حولها، فهذه براعة هوليوود وهي مارستها منذ مئة سنة عندما كانت لا تزال وليدة . المختلف خلال العقود السابقة هو أن السلطات الصينية لم تكن تسمح بعرض أي فيلم أمريكي . أي نسخة فيديو (قبل اختراع أسطوانات الدجيتال) كانت تعتبر ضرباً من الخيانة . وفي ظل التشدد الشيوعي كان وضع صورة لنجم سينمائي أمريكي يؤدي بصاحب الصورة إلى معسكر اعتقال .

شاشة الناقد

المخرج الذي فقد الرؤية

في حديثنا السابق عن فيلم “غاتسبي العظيم” عرضنا تاريخ السينما مع رواية فتزجيرالد، وشرحنا الفوارق التي يتميّز بها كل فيلم عن الآخر، وصولاً إلى نسخة الماثلة الآن للمخرج باز لورمان . لكن الفيلم الحديث بأسره من النوع الذي يتطلّب إدراك الفوارق بين الفن والتقنية، بين الفن والتشكيل، ثم بين الفن والاستعراض السطحي .

الفيلم الحديث هو دراما أخرى من تلك التي يحققها المخرج الأسترالي باز لورمان بإيمان شديد بأن الفيلم عليه أن يكون ضخم الحاشية والإنتاج والصنعة . هكذا مارس أعماله منذ أن قدّم “روميو وجولييت” و”مولان روج” ثم “استراليا” .

في البداية أذهل الفيلمان الأولان النقاد . وجدوا في المخرج تجديداً كبيراً على المألوف . لكن الحقيقة تكشّفت في الفيلم الثالث “إستراليا” الذي أخفق في إيجاد نقاد كثر يؤمنون به وجمهور كبير يحضره . الحال هذه المرّة مختلف لأن الفيلم مأخوذ عن رواية الأديب الأمريكي ف . سكوت فتزجرالد التي لا تزال تعد واحدة من أهم الإنجازات الروائية الأمريكية .

الفيلم هو  رؤية المخرج للرواية وليست رؤية الراوي نفسه ما يشكّل سوء تقديم وفهم لماهية ذلك العمل . همّ لورمان، خلال تناوله حكاية جاي غاتسبي الحالم بالحب والثراء معاً،  هو التشكيل البصري .

أول اهتمامات هذا المراهق السينمائي هو استخدام الكاميرا، كما لو كانت كرة قدم، وآخر مشاغله هو أن يحقق فنّا . طبعاً بعض النقاد اعتبروا أن التشكيل البصري الذي اعتاد على ممارسته فناً بحد ذاته، وهؤلاء قد يضيفون إلى آرائهم المبدعة أن توظيف الأبعاد الثلاثة في هذا الفيلم هو من صرح ذلك الفن (معظمهم ينتظر آراء النقد الغربي ليبني موقفه) .

ضمن ما هو مهدور هنا ليس فقط نحو 130 مليون دولار مصروفة على عمل لا قيمة له، بل عمق المادة الأصلية التي أطيح بها وبرسالاتها الاجتماعية . تلك التي استطاع فيلم جاك كلايتون “غاتسبي العظيم” (نسخة 1974) الاحتفاظ بها . ذلك الفيلم ورد باهتاً وعلى شيء من البلادة حينها، لكنه بالتأكيد ليس بركاكة ورداءة هذه النسخة .

سينما عربية

حين خاضت السينما "معركة الجزائر"

انبرى فيلم “معركة الجزائر”، أحد أهم الأفلام المعبّرة عن روح الثورة (أي ثورة في أي مكان) كرغبة من المنتج الجزائري (وممثل أحد الأدوار) يوسف السعدي، في إظهار النضال الجزائري في عمل أحسن اختيار مخرجه الإيطالي جيلو بونتيكورفو الذي كان، في ذلك الحين وقبل انقلابه، شيوعياً معروفاً . ومع أن ملابسات وخلفيات هذا الاختيار ليست واضحة، إلا أن الفيلم انطلق كإنتاج مشترك بين شركتين واحدة جزائرية (اسمها “أفلام القصبة” على اسم الحي الجزائري المعروف) والأخرى إيطالية (إيغور فيلم  Igor Film) . وفي حين كان الفيلم الثالث للشركة الجزائرية، كان الفيلم الأول (من ثلاثة فقط) للشركة الإيطالية التي قدّمت بعد عامين فيلماً أرادته مشابهاً بعنوان “معركة نيرتا” The Battle of Neretva  لكن مخرجه اليوغوسلافي ليكو بولاييتش Veljko  Bulagjic أنجزه كفيلم حربي ضد النازيين مع أمريكيين وأوروبيين مختلفين في البطولة وسرعان ما غاب في طيّات التاريخ على عكس “معركة الجزائر” الذي لا يزال متداولاً إلى اليوم .

لم يكن هدف السعدي، كما قال لهذا الناقد قبل سنوات، مجرد “تحقيق فيلم عن الثورة الجزائرية، بل تحقيق فيلم ناجح عن تلك الثورة” . فيلم يشاهده الغربيون أيضاً . ما لم يكن متوقّعاً هو هذا النجاح الذي تجاوز الموضوع زماناً ومكاناً وتحوّل إلى أحد أهم كلاسيكيات السينما السياسية- رغم أنه إذ يفتح العين على المواجهة بين  الثورة والاستعمار يرفض الانحياز إلى أحد جانبيها، ظاهرياً، مختاراً التغطية الريبورتاجية عن الموضوع- وبذلك الاختيار كسب الفيلم موقعاً فريداً، فهو لو جاهر بتأييده للثورة لانتهى كفيلم جيّد لكنه مُسيّر إعلامياً لخدمة ما . أما في حسب الطريقة التي تم إنجازه فيها بقي فيلماً رائع المعالجة ويصل إلى مبتغاه برسم مسافة واحدة من المستعمِر والمستعمَر .

ردّ الفعل العربي حيال الثورة الجزائرية لم يتكرر بعد فيلم “جميلة بوحريد”، لكنه تكرر بالنسبة للسينما العالمية وتحديداً في إطار السينما الفرنسية ذاتها . كذلك لم تثر  الثورات أو الإنقلابات أو المتغيّرات السياسية في أي بلد عربي إلا القدر الضئيل من الاهتمام التعبيري (رواية ومسرحاً وسينما) عربياً، باستثناء القضية الفلسطينية .

أخبار المخرجين

بعد غياب سنوات، يعود المخرج المستقل تود هاينز إلى العمل مختاراً عملاً عاطفياً بعنوان “كارول”، يضم إليه كلاً من كايت بلانشيت وميا وازيكوفسكا . سبق للمخرج أن قدّم “بعيداً عن الجنّة” و”أنا لست هناك”.

المخرج الكبير فرنسيس فورد كوبولا أعلن يوم الخميس الماضي أنه في سبيل تحقيق فيلم ملحمي بحجم “العرّاب” ويدور، مثل سلسلة “العرّاب”، حول الثقافة والحياة الإيطالية في الولايات المتحدة .

 

أثار الفيلم الجديد للمخرج عبداللطيف كشيش المسمّى “الأزرق هو اللون الأدفأ” ردّات فعل متناقضة، لكن غالبها احتجاجي النبرة بسبب مشاهده الإباحية . أكثر من ناقد وصف الفيلم بأنه “بورنو” .

أوراق ومشاهد

ذاكرة فلسطينية

هذا كان أول فيلم للمخرج الفلسطيني ميشيل خليفي، أنجزه سنة ،1980 ويتحدث فيه عن شخصيتين حقيقيتين . حقيقي كذلك كل ما حولهما، واقعي، وفيه طعم الحياة اليومية، جمال تلك الحياة وبساطتها المنشرحة . السيدة الأولى (فرح حاطوم) امرأة متمسكة بحقها في الأرض التي صادرتها قوات الاحتلال . والسيدة الثانية (سحر خليفة) امرأة متمسكة بنضالها في سبيل مجتمع عربي أفضل في فلسطين . في الاثنتين ثورة واحدة . التعبير عنها هو الذي يختلف: السيدة الأولى ترفض بيع الأرض بعناد شديد، والثانية تدعو إلى انتفاضة المرأة العربية على نفسها أولاً، وعلى التقاليد التي من حولها .

للفيلم جانب كبير من التسجيلية . إنه يصور حياة المرأتين (كل على حدة) الخاصة في نفس السهولة والمعايشة التي قد لا يقدر عليهما إلا مخرج كبير مع ممثلين كبار . خليفي يكتفي بالبيئة سنداً له، وبفهمه لها ولتواصله مع هاتين المرأتين اللتين، كباقي شخصيات الفيلم المقتصدة، لم تقفا أمام أي كاميرا من قبل . يدلف بهما في مواقف فيها إدارة سردية، لكنه لا يتخلى قيد أنملة عن الحس الواقعي  للحياة اليومية، وينجب لحساب السينما العربية ما يمكن أن نسميه سينما المعايشة . وطريقته في ذلك مزج التسجيلية بالمواقف السردية المطلوبة من دون دراما، ومن دون أن يؤثر ذلك في الصورة اليومية والهادئة التي تنبض بنبضات اليوم والليل في القرى العربية .

حتى نحو منتصف الفيلم، لا يبدو أن شخصيات الفيلم لديها روابط مع الواقع الاستعماري لفلسطين، إلا ما يبدو مستتراً وراء تلك الهمسات الحزينة، والتعابير الجادة والمستكينة في آن . لكن الفيلم لاحقاً يصل إلى المدرج الذي من عليه تتصاعد المواقف السياسية ثم تتدفق ومعها يتدفق الحنان الذي في الفيلم . هذا التدفق لا يرفع شعاراً، ولا يؤلف عصبة، بل يعلن قضية إنسانية، مئة في المئة إنسانية . ومئة في المئة غير ساذجة، وبما أنها إنسانية فهي سياسية بالضرورة .

الفيلم هو أيضاً أحد الأعمال العربية القليلة التي تجعل المرأة الموضوع والمحور، بل هي الكيان كله . إنها التماثل الذي يحن إليه الرجال: المرأة المرأة، المرأة  الأرض، والمرأة  الأم . هذا التماثل مسنود بأسلوب من السرد الهادئ، بلقطات طويلة للأرض، وبحس بيئوي كامل لا تلفيق فيه . إنه فيلم أخّاذ في صدقه وجمال طبيعته (الطبيعتان: طبيعة الفيلم وطبيعة البيئة والحياة التي ينقلها) .

م .ر

Merci4404@earthlink.net

الخليج الإماراتية في

26/05/2013

ستانيلافسكي

محمد رضا 

«أعتقد أنني طبقت التمثيل حسب منهج ستانيلافسكي في كل مراحل حياتي المهنية». هذا ما قاله أحد الممثلين العرب خلال حديث قبل عدة سنوات. وهو ممثل جيد وفضولي. جيد لأنه يتمتع بالموهبة، وفضولي لأن هذه الصفة ضرورية لاستكشاف مختلف الآفاق. لكنه كان مغاليا أيضا من حيث إن ما قدمه على المسرح وفي السينما لم يكن «ستانيسلافسكيا» على الإطلاق، بل انتمى إلى المنهج التعبيري العام.

منهج ستانيلافسكي، وهذا كان ممثلا ومخرجا مسرحيا عاش ما بين 1863 و1938، بني على السعي لنقل ذات الممثل لداخل ذات الشخصية ليتخلى بذلك عن وجوده الخاص ويغرف من الشخصية التي دخلها. يصبح هو الآخر. وهي بوركت من قبل منظري الفترة الشيوعية، حتى وإن كانت سبقت ذلك النظام، تبعا لتفسير سياسي لا يعبر عن لب الرسالة الفنية التي سعى ستانيلافسكي لإيصالها. هذا التفسير تناول الرغبة في تجريد الناس من هوياتها الثقافية ليتحولوا إلى مواطنين مجتمعين تحت راية واحدة. لكن رؤية ستانيلافسكي كانت أوسع شأنا وأهدافه كانت محض فنية بصرف النظر عن كيفية توظيفها السياسي. فهو رأي أن على الممثل أن يترك نفسه وكل كيانه خارجا قبل دخول الشخصية التي سيؤديها... ليس نسبيا ولا جزئيا ولا وهما، بل كحقيقة كاملة، لذلك فتدريباته شملت الصوت والعاطفة والذاكرة. بالتالي، حين يعتبر بعض الممثلين أنهم «غاصوا في الشخصية» فإن مقدار هذا الغوص ربما شبر من عمق الماء. ملامسة للسطح. مرحلة أولى في رحلة طويلة أو ما حصيلته ساعتا تمهيد في درس يشمل الشكل والمضمون والمعرفة لجانب العناصر الأخرى السابقة.

حين قام ستانيلافسكي بنقل أعمال أنطون تيشخوف إلى المسرح (ومنها «الخال فانيا» التي قدمها في العام ما قبل الأخير من القرن التاسع عشر و«ثلاث شقيقات» في العام الأول من القرن العشرين) اكتشف أن إعجابه بتشيخوف وأدبه يناقض مبدأه الفني، فهو كان يريد تطبيق الأحداث والشخصيات على نحو واقعي طالبا الصدق والحقيقة، ما يعني أن عليه مواجهة الجانب الأدبي لروايات تشيخوف. لم يعد كافيا أن يسرد ما يحدث، بل أراد أن يمنح ما يحدث طينة واقعية، طالبا من ممثليه عدم اتباع إرشادات الكاتب ومفاتيح شخصياته، بل التعمق في تلك الشخصيات على نحو من يريد دراستها نفسيا وواقعيا.

وهو لم يكن يعني الواقعية طريقة صلاح أبو سيف أو روبرتو روسيلليني أو حتى برتولد بريشت (ولكل إسهامه في فنه وأعماله)، بل تلك التي لا تترك مساحة مهما كانت صغيرة تفصل بين الممثل والشخصية التي يؤديها. لذلك فإن ما بناه ليس مجرد إرشادات مثل «عليك أن تقرأ الشخصية جيدا وتفهم دوافعها»، ولا حتى من نوع «عليك أن تعيش نبضاتها ومعاناتها»... هذا كله تحصيل حاصل. المنهج (أو The Method، الكلمة المتداولة حوله) هو بناء الشخصية من العدم وتصديقها بما فيها أن تكون لها ذاكرتها الخاصة. لا ينفع أن يخطو الممثل على خشبة المسرح وينطلق من اللحظة ذاتها ليمثل عطيل مثلا، بل عليه أن يكون عطيل قبل أن يبدأ التمثيل.

والفارق واضح بين تمثيل أورسن ولز لشخصية عطيل (بالمناسبة) وقيام البريطاني لورنس أوليفييه بتمثيلها. الأول جسد والثاني أدى، والاختلاف واسع للغاية.

الشرق الأوسط في

27/05/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)