حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ماجدة موريس:

لا أستبعد هجوم تيار الإسلام السياسي على دور العرض

كتب الخبرهند موسى

 

ترى الناقدة ماجدة موريس أن تراجع شركات الإنتاج عن تقديم أفلام سيؤثر سلباً على مستقبل السينما المصرية، مؤكدة أن أسوأ الظواهر الأخيرة هي السينما التجارية، وأن عدم توافر الإنتاج يشكل أكبر عقبة تواجه السينما المستقلة. حول رأيها في الموسم السينمائي الراهن وتوقعاتها للمقبل ورأيها في الأزمات التي مرّ بها بعض الأفلام كان لـ «الجريدة» معها الحوار التالي.

·        ما تقييمك للموسم السينمائي الراهن؟

موسم فقير، لأن عدد الأفلام قليل والإنتاج ضعيف، وغالبية شركات الإنتاج الكبيرة تراجعت لأسباب عدة من بينها السوق المتغير والخوف من المخاطرة في ظل هذه الظروف السياسية. بحكم كوني عضواً في لجنة تحكيم مهرجان جمعية الفيلم، وجدت أن الجمهور اختار عدداً قليلاً من الأفلام التي دخلت المسابقة، واكتشفت أنه كلما كان عدد الأفلام قليلاً كان الجيد منها قليلاً، لذا كانت الأفلام الفائزة من إنتاج غير مصري ما عدا «ساعة ونص» الذي هو من إنتاج أحمد السبكي. أتوقع أنه إذا استمر حال الإنتاج في هذا الاتجاه لن يصبح لدينا ما يسمى بالسينما المصرية، لأنه يفترض أن يوازي صعود جيل جديد من المبدعين إنتاج مستمر وعوامل الحفاظ على وجودهم واكتشاف غيرهم.

·        وهل هذه أزمة الإنتاج عموماً أم مشكلة تخض جهات الإنتاج؟

أتصور أنها تخص جهات الإنتاج لأنها تقيس عملها في السينما وفقا لمبدأ المكسب فحسب، أما الخسارة فهي ليست ضمن حساباتها رغم أن السينما المصرية منحتها الكثير، وهي الآن ترفض المخاطرة لأجلها، وترى ضرورة الابتعاد إلى حين تحسن الظروف ثم تعود بقوة، وهذا رهان مفهوم للسينمائيين.

·        ما أبرز الظواهر السينمائية التي طرأت أخيراً؟

انتشار السينما التجارية واصطياد الإفيهات التافهة من المجتمع وتقديم أفلام ليست جيدة قادرة على جذب الجمهور، لا سيما فيلم «عبده موتة» الذي وضع يديه على قيمة البلطجي ودوره في حياتنا رغم كونه فيلماً تجارياً من الألف إلى الياء ومع ذلك لا يمكننا تجاهله. كذلك اختفاء كبار المخرجين، من بينهم علي بدر خان الذي صرح منذ فترة بعودته إلى السينما مع فيلم جديد وما زال حتى الآن متوقفاً لأسباب إنتاجية بالدرجة الأولى.

·        وما تعليقك على الجدل الذي أثير حول أول أعمال سينما النهضة «تقرير» ؟

سعيدة بخروج أفلام تعبر عن وجهة النظر هذه وجميعنا معرّض للخطأ والصواب، وأتمنى خروج أفلام تعبر عن التيارات كافة، سواء كان الإخوان أو غيرهم. عموماً، كل عمل ينضح بما فيه، وبعد عرضه سنرى فكرته وتطور الدراما فيه ثم نبدأ نقده بأدوات الفن بعيداً عن أي انتماءات ونوضح ما إذا كان جيداً أم سيئاً، وبالأسباب.

·        كيف وجدت الأزمة التي أثيرت حول فيلم «يهود مصر»؟

الغريب في هذه الأزمة أن الفيلم قد حصل على حق العرض في بانوراما الفيلم الأوروبي ولا أجد سبباً قوياً لمنعه من العرض الجماهيري؛ فهو يوثّق لحياة يهود مصر ويثير تساؤلات عدة أبرزها، هل طردهم المصريون خارج البلاد أم أن واقعاً سياسياً جديداً فرض عليهم ذلك؟ وما علاقة إسرائيل بهم؟ وهل هم خونة أم لا؟ والمشاهد سيخرج بإجابات من خلال التطورات الدرامية، مع أسئلة أخرى يستخرجها بنفسه. والحقيقة أن الشابين أمير رمسيس المخرج وهيثم الخميسي المنتج قد خاضا مغامرة جريئة ورائعة رغم أنه كان بإمكانهما الاستسهال وتقديم فيلم تجاري أو روائي.

·        ولكن هل يمكن لهذه الأفلام أن تحقق نجاحاً جماهيرياً؟

جمهور السينما المحب لها ذكي وقادر على رؤية الأفلام كافة والحكم عليها، فضلاً عن أن هذا الفيلم بطبيعته لن يذهب إليه إلا الباحث عن هذا النوع وليس جمهور الأفلام التجارية، وسيكون فاتحة تجذب الجمهور لدخول هذه النوعية المختلفة من الأفلام، وتفيد أيضاً في استرداد الجمهور لدور العرض السينمائي واستعادة ثقته بها، وهو لا علاقة له بأي قواعد رقابية لكونه مجرد فيلم وثائقي. بالإضافة إلى أن الجمهور المصري يستحق أفضل الأعمال الفنية، والغرض من وجوده هو عرض باقة منوّعة من الأفلام يختار المشاهد الأفضل من بينها.

·        «الشتا اللي فات» أحد أفلام السينما المستقلة،كيف تقرئين واقعها؟

جاءت السينما المستقلة لتعدل ميزان السينما التجارية، وهي اتجاه رائع يعني أن المؤلف أو المخرج اللذين قد يكونان شخصاً واحداً غالباً لا يريدان الالتزام بتعليمات شركات إنتاج السينما التجارية وتقديم فن محترم غير هزلي ولا تافه، مع تقديم وجهة نظر هذا الفنان المستقل وليس وجهة نظر المنتج ولا الموزع.

·        وما أبرز مشكلاتها؟

إنتاجية من الدرجة الأولى، ولهذا السبب استغرقت هالة لطفي 10 سنوات حتى قدمت فيلمها «الخروج من النهار»، كذلك ماجي مرجان وفيلمها «عشم»، وثمة أيضا فريق عمل المؤلف والمخرج أحمد عبد الله الذي قدم «ميكروفون» و{هيليوبوليس»، ومن قبلهم المخرج إبراهيم البطوط الذي طلب من بلاد عربية عدة التمويل لإنتاج أفلامه. كذلك يحضر في اللائحة نفسها شريف حتاتة الذي لم يستطع حتى الآن تقديم فيلمه الثاني منذ أن قدم «الأبواب المغلقة»، رغم أن جميعهم موهوبون بحق فإن هذه هي ضريبة الدفاع عن الاستقلال مع أن نتائجها مبهرة؛ فقد أعادنا فيلم «الشتا اللي فات» إلى مهرجان فينيسيا مجدداً.

·        هل لديك أي تخوفات في شأن حريات الفن والإبداع من التيارات الإسلامية؟

بالطبع؛ لأنها في لحظة قد تقوم بعمل خارق أهوج يسيء إلى الفن ويرعب الجمهور، وأقول هذا لأن أعمالها ونواياها كثيرة في هذا الإطار، فقد قالت بأن الأهرامات أصنام ويجب التعامل معها دينياً وليس حضاريا، وزادت في هجومها على الآثار المصرية، لذا لا أستبعد حدوث هجوم على دور العرض بحجة أن ثمة فيلماً مخلاً بالآداب أو أن قصته لم تنل إعجاب الجماعة، أو أن الملصق الخاص به غير لائق.

·        كيف يمكن مواجهة هذا الهجوم؟

علينا أن نرفضه بكل قوة ونقف جبهة واحدة أمامه، ونسعى إلى تقديم وجهة نظر واضحة ومحددة مفادها أن ثمة من يقدر الثقافة ويدافع عنها، في مقابل بعض الأشخاص الذين يمسكون العصا من المنتصف ويفضلون الوقوف في منطقة الحياد. ولا ننسى أن هؤلاء المتطرفين لا يملكون تصريحاً من ربنا ليتصرفوا ويقرروا عنّا المسموح والممنوع.

·        كيف تجدين هروب بعض نجوم السينما إلى التلفزيون هذا العام مثل منى زكي وهاني سلامة؟

ليس اتجاهاً حديثاً؛ فهو قائم منذ حوالي 10 سنوات ويسير فيه الفنان الذي يظل فترة طويلة من دون عمل ثم يرغب في المشاركة في أي مسلسل يثبت من خلاله استمراره حتى لو لم يأخذ أجره كاملا. والسبب الآخر أصيل متعلق بأن التلفزيون بعد التطورات التكنولوجية الأخيرة واستخدام كاميرات عالية الجودة ألغى الفوارق الفنية بينه وبين السينما، إلى جانب دخول جيل جديد من الكتاب الذين يشجعون الفنانين لتقديم أعمال تلفزيونية، مثل ليلى علوي التي قدمت «حكايات وبنعيشها» مع سميح النقاش وهالة خليل، و{نابليون والمحروسة» مع المخرج شوقي الماجري، ما يساعدها على تجديد قدراتها كفنانة.

·     أقيمت مهرجانات سينمائية عدة من بينها الأقصر وجمعية الفيلم ولقاء الصورة... في رأيك ما أهمية هذه الأنشطة في هذا التوقيت؟

تؤكد أن مصر بلد لم يمت، ومثلما فيها متظاهرون يطالبون بحقوقهم فيها فريق مبدع يعمل ويقيم نشاطات تتماشى مع التغيير الذي يحدث فيها يومياً. ورغم أن مهرجان جمعية الفيلم مثلاً لم يحضره إلا جمهور قليل فإن الفنانين كانوا في غاية السعادة للاهتمام بعرض أعمالهم وتقييمها ومنحهم جوائز عنها، وقد تحدثت إلى أحمد السبكي منتج «ساعة ونص» وطلبت منه تقديم مزيد من أعمال تقترب من هذا الفيلم ولكنه برر إنتاجه للنوعية الأخرى من الأفلام بأنه يريد أن يعيش ويستمر في الإنتاج وإن لم يقدمها سيتوقف تماماً.

·        ما توقعاتك للموسم السينمائي المقبل؟

أنتظر عرض الأفلام والجيد منها أثني عليه، والسيئ سيأخذ حقه من النقد.

·     ما تعليقك على احتكار السبكي لأفلام الموسم المقبل من خلال أفلام «تتح» و{توم وجيمي» و{سمير أبو النيل» و{الحرامي والعبيط»؟

هل منع السبكي المنتجين من تقديم أي أفلام؟ بالطبع لا، وبدلا من أن نهاجمه ونقول عنه بأنه يحتكر السوق علينا تحيته وتشجيعه لأنه مصمم على الاستمرار في الإنتاج بدلاً من الذين ينتظرون تحسن الحالة الإنتاجية والسينمائية عموماً، وإذا لم يعمل هذا المنتج فإن صناعة السينما التي يعمل فيها عدد كبير كلها ستتوقف، لذا دعونا نتركه ينتج والأفلام الجيدة ستحصل على جوائز، ودون المستوى ستذهب إلى مزبلة التاريخ.

·        هل تتوقعين إقبال الجمهور على دور العرض في ظل الظروف السياسية الصعبة؟

نعم؛ خصوصاً مع كونه موسماً كوميدياً يخرج المشاهد من الحالة النفسية السيئة التي يعانيها، وإن كان هذا ليس سبباً لاستسهال القيمين عليها وتقديم أي قصة؛ فثمة أفلام كوميدية قديمة ما زالت في الذاكرة ونبحث عنها على الفضائيات ونشاهدها، ويعتبر تقديم هذه الأعمال في هذا الوقت خدمة جليلة لأهل الوطن لمساعدتهم في الخروج من هذا الكرب، فضلاً عن أن العمل الجيد جاذب للجمهور في أي وقت.

فجر يوم جديد: الصندوق الأسود!

كتب الخبر مجدي الطيب 

لم أكن أعرف أن المطربة الكبيرة شهرزاد لا تزال على قيد الحياة حتى فوجئت بحفيدتها المخرجة الشابة هبة يسري تنعيها للأمة، وتؤكد أن أفراد عائلتها اكتشفوا وفاتها عند توجههم لإيقاظها في الصباح، ووجدوا أنها فارقت الحياة فدفنوها في مقابر الأسرة في مدينة نصر.

المثير أن أخباراً أكدت أن الموت غيب شفيقة محمد السيد الشهيرة بـ{شهرزاد»، وهي في الثمانين من عمرها بينما بثت وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية الخبر مصحوباً بتأكيد أنها رحلت عن عمر يناهز الخامسة والثمانين، حسب حفيدتها المخرجة هبة يسري، التي أنجزت عنها فيلماً وثائقياً بعنوان «ستو زاده». أتاحت لي الظروف فرصة مشاهدة الفيلم في الدورة الثامنة من «لقاء الصورة»، الذي نظمه المركز الفرنسي في القاهرة، وأدركت وقتها أن الأقدار كانت سخية للغاية مع الحفيدة التي وجدت نفسها في منزل واحد مع مطربة عظيمة امتلكت حنجرة ذهبية كانت سبباً في حماسة الموسيقار الكبير رياض السنباطي لها والرهان عليها، حتى ذاعت شهرتها في خمسينيات القرن الماضي. لكن الفيلم، الذي يُفترض أنه ينتمي إلى السينما التسجيلية يبدو غالباً وكأنه «ريبورتاج» تلفزيوني، ربما لأن مخرجته عملت فترة طويلة بالفعل كمخرجة تلفزيونية، فضلاً عن إيقاعه المترهل نتيجة زخم المادة التي صورتها الحفيدة مع الجدة، وأبت أن تفرط في لقطة منها، لقناعتها، وهذه حقيقة، بأنها في صدد وثيقة مرئية تاريخية!

أهمية فيلم «ستو زاده» لا تكمن في صدقه وواقعيته، واللحظات الحميمية التي جمعت الجدة والحفيدة، وإنما في إشارته ذات المغزى إلى التزمت الديني الكبير الذي طرأ على شخصية يسري، نجل المطربة شهر زاد ووالد مخرجة الفيلم، ودفعه إلى رفض عمل أمه، لقناعته بأن «مكان المرأة البيت»، وصدمته في عمل ابنته (مخرجة الفيلم) بالإخراج، غير أن الفيلم يبرر تزمته بإحساس الوحدة الذي كان يلازمه في ظل انصراف أمه إلى عملها، واهتمامها الزائد بالحفاظ على نجوميتها، وإهمالها رعايته.

بالطبع خصت الجدة حفيدتها بكثير من الصور النادرة، والرسائل العاطفية التي تروي قصة الحب الخالد في حياتها، واعترفت، في جرأة لم تكن غريبة عنها، بأن «أم كلثوم» كانت تشعر بالغيرة حيالها، لكن عاب الفيلم غياب الرؤية أو «الاستراتيجية» التي تبرر الهدف من الفيلم، وعدم انتظام السرد في سياق درامي واحد، وإصابة المخرجة بحمى «سينما المؤلف»، التي يستعصي على المخرج خلالها حذف أي مشهد كتبه؛ إذ وقعت هبة يسري في فخ التكرار، حتى بدا وكأنها مُطالبة باتخاذ قرار عاجل بإعادة «مونتاج» الفيلم أو إسناد المادة الخام التي انفردت بتصويرها مع جدتها، المطربة الكبيرة، إلى مخرج آخر يملك عينين مختلفتين، ورؤية تعرف الطريق إلى الحياد، ولا تسقط في غرام الشخصية، كما حدث مع هبة التي أبهرتها «ستو زاده»!

نجحت الحفيدة في اقتحام الجدة، التي ظلت لأعوام طويلة بمثابة «الصندوق الأسود»، الذي لا يمكن الاقتراب منه أو كشف أسراره، ومن ثم إماطة اللثام عن غموضه، ويُحسب لفيلم «ستو زاده» إعادة الاعتبار إلى مطربة لم تلق ما تستحقه من تقدير لموهبتها وتقويم لمسيرتها وتكريم لعطائها، وأكبر الظن أنه سيظل الوثيقة الوحيدة التي تؤرخ لتلك السيدة الموهوبة، التي قامت ببطولة ما يقرب من تسعة أفلام بدأتها عام 1942 بـ»ابن البلد»، ولم تتردد في إعلان تأييدها لثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر، وغنت للجيش فيما سارعت المطربة أم كلثوم بتقديم اعتذارها عن الغناء خشية فشل الثورة!

رحلت «شهر زاد» وبقي فيلم «ستو زاده» بمثابة شهادة على تفردها وصرامتها وقوة حنجرتها وحلاوة صوتها و{الكاريزما» التي كانت تتمتع بها، ووثيقة أيضاً تعكس الرقي والتحضر اللذين سادا المجتمع المصري في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، مقارنة بالانهيار الأخلاقي والحضاري، والتطرف الديني الذي سيطر على حياتنا اليوم؛ بدليل الدعاوى التي لا تنتهي بتحريم الفن والغناء؛ فالرؤية الذاتية للفيلم، وخصوصيته التي فرضتها علاقة القربى بين المخرجة والبطلة، جعلت منه قراءة في الماضي ودرساً بليغاً في مقارنة ما كان مع الحاضر الراهن. لكن أخطر رسالة يمررها فيلم «ستو زاده»، من دون أن يدري في الغالب، أنه يجعلك على قناعة تامة بأن «الماضي أفضل» و{الحاضر أسوأ» .. وأننا في طريقنا إلى «الهاوية»!

خشية البطالة...

مخرجو السينما إلى الإعلانات

كتب الخبرفايزة هنداوي 

من الإخراج السينمائي إلى التدريس الجامعي وتصوير الإعلانات وإخراج المسلسلات... هذه حال المخرجين السينمائيين الذين وجدوا أنفسهم فجأة عاطلين عن العمل بسبب كساد سوق الأفلام فاضطروا إلى البحث عن بدائل تضمن لهم دخلاً.

اختار أحمد عوض وعلي بدرخان وغيرهما التدريس، فيما اتجه سعد هنداوي وخيري بشارة إلى الدراما التلفزيونيّة، محمد أبو سيف وشريف عرفة ومحمد حمدي وعادل أديب إلى تصوير الإعلانات.

رغم أن أعمالا سينمائية عرضت عليه إلا أن عادل أديب رفضها لأنها غير مناسبة، مشيراً إلى أن تصوير الإعلانات أفضل من التنازل وتقديم أعمال سينمائية دون المستوى، وهو أمر لم يفعله طيلة مسيرته السينمائية، لذلك يصوّر الإعلانات لتأمين دخل يغنيه عن قبول مشاريع لا يرضى بها،  إلا أنه يحرص على الاختيار بمعنى أنه لا يقبل أي إعلان إلا إذا تميّز بفكرة جديدة غير تقليدية.

وسيلة جيدة للدخل

لا يرى محمد أبو سيف عيباً في تصوير الإعلانات، موضحاً «أن كبار مخرجي السينما في العالم يخوضون مجال إخراج الإعلانات، ويستطيع المخرج المتميز وضع بصمته على الإعلانات التي يقدمها، لأنه غالباً ما تتوافر له إمكانات ضروريّة لتصوير عمل جيد».

يضيف أن الإعلان يتميز بإيقاع سريع، وبأن تصويره يستغرق يوماً أو يومين، بدل أسابيع أو أشهر وهي فترة تستغرقها الأفلام والمسلسلات، ما يتيح للمخرج فرصة الاستمتاع بعمل سريع.

بدوره يوضح محمد حمدي أن العمل في الإعلانات أمر ممتع، كونه فرصة لاكتشاف طرق جديدة في التصوير والإخراج لا تتيحها الأعمال السينمائية، مشيراً إلى أنها وسيلة جيدة للحصول على دخل.

يضيف أن على المخرج التدقيق في اختيار الإعلانات التي ينفذها، كي  لا يقدم أعمالا رخيصة أو مبتذلة تؤثر في تاريخه. حول عدم وضع اسمه على الإعلانات التي ينفذها، يؤكد حمدي أن هذا الشكل متعارف عليه في تقديم الإعلانات في مصر.

رغم عدم خوضه تجربة إخراج الإعلانات، إلا أن سعد هنداوي يؤكد أنه لن يتردد في السير في هذا المجال، إذا عرضت عليه إعلانات متميزة ومختلفة وغير تقليدية، مشيراً إلى أن هذا المجال يتطور بسرعة في العالم، وعلى المخرجين المصريين مواكبة هذا التطور، وهو أمر لا يعيب المخرج كونه أحد مجالات الإبداع مثل السينما والتلفزيون.

في المقابل، يؤكد مجدي أحمد علي أنه لا يفكر في إخراج إعلانات تلفزيونية، حتى لو ظل سنوات من دون عمل، «لأنها مجرد عمل تجاري بحت، يختلف إيقاعها عن إيقاع الدراما التلفزيونية أو السينمائية، لذلك لا تضيف إلى خبرة المخرج كونه لا يهتم إلا بالشكل البصري الذي يجذب المشاهد ويخضع لرغبات المنتج أو صاحب السلعة، وقد يؤكد على ميزات في السلعة مع علمه أنها ليست موجودة أصلا، ما يعد خداعاً للمشاهد»، لافتاً إلى أن المخرجين يقبلون على إخراج الإعلانات بهدف العائد المادي فحسب.

فن متطوّر

لا يرى الناقد يعقوب وهبي عيباً في إقدام المخرجين السينمائيين على إخراج الإعلانات في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها السينما المصرية، خصوصاً بعد عزوف المنتجين عن الإنتاج خشية المغامرة بأموالهم، لا سيما أن المخرجين يمكن أن يتميزوا من خلال تقديم إعلانات تختلف عن الأشكال السائدة.

كذلك يعتبر الناقد صبحي شفيق أن تنفيذ المخرجين الإعلانات يزيدهم ثراء ويرفع مستوى الإعلانات، موضحاً أن المتابع للإعلانات في الفترة الأخيرة يلاحظ أن مستواها اختلف، وباتت تحتوي على أفكار جديدة تختلف عن الإعلانات التقليدية التي كانت سائدة.

يضيف أن المخرج الذي لا يجد فرصته في الإخراج السينمائي بسبب ظروف إنتاجية تمر بها السينما المصرية، يبحث عن وسائل لإشباع رغباته في الإخراج، سواء من خلال الدراما أو الإعلانات التي أصبحت فناً متطوراً على مستوى العالم.  

الجريدة الكويتية في

15/04/2013

 

شباب "دفاتر السينما" يعيش "الربيع السينمائي"

أحمد بوغابة / المغرب

في مثل هذا الشهر – أبريل – من سنة 1951، بمعنى قبل 62 سنة، أزيد من ستة عقود. وفقط 5 سنوات بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ظهرت في فرنسا مجلة سينمائية ورقية تحمل عنوان "دفاتر السينما". هي واحدة من أقدم المجلات في أوروبا والتي صمدت في الصدور إلى يومنا هذا دون توقف أو تعثُّر رغم كل المراحل الصعبة في تاريخ وجودها. وكان قد تنبأ الكثيرون لها بالموت مباشرة بعد ظهورها. ثم قال آخرون بأنها ستغيب حين غابت "الموجة الجديدة" التي خرجت من أحشائها. وانتظر البعض الآخر الأزمة المالية التي زعزعتها أكثر من مرة. لكنها تخرج دائما منتصرة بالبقاء ولو تغير الناشرون ومدرائها ورؤساء تحريرها وحتى هيئاتها التحريرية برمتها. فقد فضل البعض من داخلها الانسحاب أو بيع أسهمهم واستقطاب آخرين برؤى مختلفة على أن تتوقف أو تذوب في السوق أو تموت... فنكران الذات بالنسبة للبعض كي تستمر المجلة يستحقون عليها التحية.

تُعد مجلة "دفاتر السينما" جزء أساسي من تاريخ السينما الفرنسية نفسها لما بعد الحرب العالمية الثانية. وشكلت أيضا مدرسة لها أتباع في كثير من البلدان الفرنكوفونية أو الموجودة في فلكها. كما خلقت تيارات سينمائية في فرنسا سواء في ممارسة النقد في ذاته أو الإبداع السينمائي نفسه. وتَخَرَّجَ من صفحاتها أيضا سينمائيون كُثُر فتحولت إلى مؤسسة سينمائية ضاغطة في مختلف الاتجاهات، الرسمية وغير الرسمية.

وبقدر ما كانت فاعلة بقوة في محيطها تأثرت أيضا به إلى حد أنها إضطرت في كثير من الأحيان من تغير جلدها (خطوط تحريرها وهيئاتها وإخراجها الفني والمطبعي وطبيعة مقالاتها ونقدها وتحاليلها). تتغير مع تغيُّر المجتمع الفرنسي خاصة الثقافي والسياسي والاقتصادي. وبذلك واكبت - أو بعبارة أصح تفاعلت أو استوعبت أو انضمت أو إلتحقت حسب منطق التحليل كل جهة - مع التيارات التي كانت تخترق المجتمع. فمن النقد النضالي العام إلى النقد الملتزم سياسيا نحو اليسار الراديكالي إلى ما سُمِّيَ في مرحلة ما بالنقد الخالص بالحديث عن السينما بالسينما وتجريده من محيطه الإنتاجي. ولكن المجلة لم تصل أبدا إلى مستوى النقد الأكاديمي الذي كانت تنتقده بنفس المستوى والحماس الذي كانت تنتقد فيه النقد الصحفي أو النقد التجاري الدعائي المُمارس في كثير من المجلات حينها حيث هذه الأخيرة تعتمد في عملها على الاستثمار في النجوم. كانت المجلة جدية أكثر من اللازم أحيانا في نظر بعض المؤرخين

لم تكن التحولات التي عرفتها مجلة "دفاتر السينما" تأتي اعتباطية أو من فراغ بتغيير مدير نشرها أو رئيس تحريرها. وإنما يصحبها نقاش عميق، في كل مرة، بين جميع أعضاء هيئة تحريرها من جهة وبين باقي رجال ونساء السينما الفرنسية من مخرجين ومنتجين وممثلين وتقنيين من جهة أخرى. وحتى مع جزء كبير من المثقفين والفنانين من اختصاصات مختلفة. وقد يستغرق هذا النقاش سنوات قبل التغيير. أو يتم كُلَّ تغيير نتيجة جدل مثمر ديمقراطي ينعكس على صفحات المجلة من خلال النصوص النقدية حول الأفلام نفسها التي تفرز تلك الآراء عن بعضها. وهذا ما أعطى قوة الصمود للمجلة في استمرارها حيث اعتبرتها الأطراف المتصارعة فنيا وثقافيا وسياسيا حتى بأنها "الوطن" الذي يجمعهم وبالتالي لا ينبغي تدميره بل تقويته. لم تكن السينما في فرنسا منعزلة خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين. ولعبت فيها "دفاتر السينما" دورا كبيرا في إخراج السينما من التصوير الكلاسيكي بالاستيديوهات نحو ديكورات حقيقية وواقعية في الشوارع والمعامل والحقول والمساهمة في تقليص ميزانيتها ضد السينما "الرأسمالية" و"الاستهلاكية". كما غيرت حتى في استعمال آلات التصوير من كاميرات ضخمة إلى التصوير ب 16 ملم المحمولة على الكتف، دون إغفال الجوانب الإنسانية الأخرى كالعمل الجماعي المشترك في كل تفاصيل السينما كفرقة أصدقاء وشلة واحدة تتبادل الأدوار والمهام السينمائية في ما بينها حيث يتحول الممثل في فيلم ما إلى منتج منفذ في فيلم آخر. والمونتير يعمل أيضا كاسكريبت في جميع الأفلام تقريبا ليتحول السيناريست إلى ممثل عند صديق من الأصدقاء وهكذا دواليك. وهي التجربة التي أقدم عليها عدد من السينمائيين في كثير من الأقطار إذ وجدوها غير مكلفة ومساعدة اقتصاديا للجميع. وهذا الأسلوب في الإنتاج هو روح وعُمق ما سيُعرف في ما بعد ب"الموجة الجديدة" في فرنسا. وكان وراءها عدد من النقاد في "دفاتر السينما" الذين سيتحولون إلى الإخراج السينمائي لتأكيد وجهة نظرهم بربطها بالممارسة وليس نظريا فقط. سينمائيون كثيرون انتقلوا من الكتابة بالقلم/الحبر إلى القلم/الكاميرا حسب ما روجوه أنفسهم من مصطلح سينمائي حينها. نذكر من بينهم على سبيل المثال وليس الحصر: رومير، شابرول، كودار، تريفو.... وهذا الانتقال من النقد إلى الإخراج السينمائي استمر في المجلة على امتداد وجودها إلى حدود هذا التارخ.

لم تستقر المجلة في نصوصها التحريرية وهيئتها منذ تأسيسها في شهر أبريل سنة 1951 إلا إلى حدود سنة 1959 حيث بدأت من ذلك التاريخ تظهر ملامح معالمها النقدية واضحة كهوية ووظيفة ورؤية للعالم. وتميزت عن المجلات الأخرى الموجودة حينها ولها نفس القوة المعرفية والتأثير مثل مجلات "بوزيتيف" و"السينما" و"صورة وصوت" حيث الجدل بينها دفع بالنقد السينمائي إلى صورة متقدمة في العالم وأصبح مرجعا لاعتماده في كثير من الأقطار حتى التي لم تكن تنتج السينما ويكتفي نقادها باستهلاك الإنتاجات العالمية كما كان الحال في المغرب وخاصة في الأندية السينمائية.

لم تكن المجلة تكتفي بالحديث عن الأفلام بشكل مجرد وكفى الله شر المؤمنين بل كانت لها مواقف جريئة من قضايا سينمائية. وتتضامن مع السينمائيين المقموعين في بلدانهم في ما كان يُسمى حينها ب"العالم الثالث" أو المعسكر الاشتراكي وحتى في الأقطار الغربية نفسها. كما كانت ترحب بتجارب جديدة غير تقليدية قادمة من أقطار أخرى غير أوروبية. إنها المجلة التي عاشت في قلب المجتمعات وعلى إيقاع نبضها. محطات تاريخية كثيرة يمكننا الوقوف عندها لتأكيد ما سلف قوله لكن يمكن للقارئ الاطلاع عليها مباشرة في مواقع الأنترنيت، وكثير من الكتب الصادرة عن تجربة هذه المجلة، ولا نعتقد بوجود مجلة سينمائية أخرى حُظيت بالعدد الضخم من الإصدارات كـ"دفاتر السينما". إنها فعلا ظاهرة في النقد السينمائي بمحتواها ووجودها وصمودها لأكثر من ستة عقود. مجلة طبعت التاريخ السينمائي... والنقدي طبعا ومن يطلع عليها تنقصه تهوية في معارفه.

ففضلا عن سنة التأسيس في أبريل 1951، يمكن اعتبار سنة 1959 محطة بارزة أيضا بتشكيل هويتها السينمائية والأدبية إلى حدود سنة 1964 التي انتهت فيها ما عُرف بسنوات "دفاتر الصفراء" إحالة إلى لون الغلاف الأصفر بمحتوى أدبي نقدي يعتمد على سينما المؤلف ويتبنى إنتاجاتها ويعتبرها السينما "الحقة"!!! وتمت أيضا قطيعة رمزية مع بعض مؤسسيها الذين أصبحوا مخرجين معروفين بمغادرتهم النقد السينمائي نهائيا. تكون أحداث مايو 1968 بدورها محطة ساطعة في المجلة حيث لم تبق حبيسة مكاتبها بل نزلت إلى الشارع مع باقي الشباب المنتفض من المؤسسات التعليمية إلى جانب العمال في أكبر مظاهرات احتجاجية في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية. ونجحت في توقيف مهرجان "كان" وألغت فعالياته صحبة السينمائيين الذين كانوا من مؤسسيها، إلى آخره من الأحداث المواكبة. سيظهر بعد ذلك، داخل المجلة، ما يمكن تسميته بتيار "السياسة والجمالية في النقد السينمائي" الذي سيفرض نفسه علينا في المغرب في مطلع السبعينات. وسيمتد هذا التيار طيلة سنوات السبعينات بكل المناهج في تطبيقها على فنون السينما بدءً بالماركسية مرورا على التحليل النفسي ووقفة عند البنيوية ثم السيميولوجيا. علما أن التوجه العام لهيئة التحرير حينها كان "ماويا" (نسبة لفكر الزعيم الصيني ماو تسي تونغ) كرد فعل على "خيانة" الاتحاد السوفياتي الذي أصبح بدوره إمبرياليا خاصة وأن ذلك واكب انتصار شعوب الهند الصينية على الولايات المتحدة الأمريكية، وسقوط الدكتاتوريات في شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال) وباليونان، وتحرير كثير من الأقطار الإفريقية من الاستعمار. كل هذا سينعكس جليا في "دفاتر السينما" والذي يمكن الرجوع إليه لفهم الإنتاج السينمائي لتلك الفترة من تاريخ البشرية.

طفرة أخرى ستعرفها المجلة مع مطلع سنة 1981 حيث وسعت من أنشطتها لتشرع في إصدار الكتب السينمائية وأعداد محورية حول سينمائيين أو ظواهر سينمائية أو اتجاهات، وكذا السفر إلى سينمات من العالم لتقفز قفزة أخرى مع الألفية الثالثة نحو التكنولوجية بتأسيس موقع إلكتروني وإصدار أفلام في أقراص مدمجة DVD وتنظيم تظاهرات للمجلة خارج فرنسا، وغيرها من الأنشطة السينمائية لا يسمح لنا المجال التعمق فيها بالتفصيل ما دامت متوفرة لمن يرغب الاطلاع عليها وربطها بالأحداث السياسية التي تعرفها البشرية. لقد عرَّفت المجلة بكثير من السينمات في العالم منها السينما الإيرانية والكورية واليابانبة والمستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية....  

لكن لا ينبغي إغفال دور "دفاتر السينما" في النقاش الذي دار حول "الاستثناء الثقافي" حيث نجحت بقوتها المعهودة في الدفاع عن السينما الفرنسية فتمكنت هذه من البقاء على الوجود بينما ضاعت سينمات وطنية كثيرة في أوروبا أهمها السينما الإيطالية والسينما الألمانية والسينما الإسبانية التي أصبحت تلك الأقطار كلها تحت رحمة هوليوود في قاعاتها.

ثلاث أسماء نقدية أساسية طبعت تاريخ مجلة "دفاتر السينما" والتي تُعد  رموزها وإيقونتها على مر السنين وهم: المنظر "أندري بزان" كمؤسس منذ انطلاقها ثم المناضل السياسي اليساري الملتزم "سيرج داني" الذي أخذ المشعل في منتصف الستينات وجعل من السينما في طليعة النضال ليأتي الرجل الناضج والهادئ "سيرج طوبيانا" في الثمانينات حيث أعطى دفعة قوية للمجلة بإنقاذها من الموت وإعطاء مساحة جديدة في النقد السينمائي لجيل تكون أكاديميا للجمع بين السينما والسياسة والتجارة بمفهوم نبيل لها.

قبل سنتين، بدأت إرهاصات التغيير تصل إلى هيئة التحرير لمجلة "دفاتر السينما" (لاحظوا معي بأن التغيير الذي بدأ يدخلها قبل سنتين جاء بالضبط مع الأزمة الاقتصادية العالمية. فهل هي صدفة التاريخ من جديد؟ أم التفاعل السينمائي؟ أم..؟ هل هي رغبة ذاتية؟ أم الواقع الموضوعي يفرض نفسه رغما على الجميع؟). 

فقبل سنتين كانت تظهر بعض النصوص تنتقد السينما الفرنسية والسياسة الرسمية تُجاهها (كانت المجلة ضد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وسياسته في المجال السمعي البصري حيث انتقدته بدون هوادة أو رحمة). وتنتقد أيضا السينمائيين المُهيمنين على الساحة الفرنسية بأفلامهم التي لا تروقهم وتحملهم تدهور الإنتاج الفرنسي في الداخل والخارج. بدأت وتيرة النصوص النقدية تتصاعد في كل عدد، وتحتل حيزا مهما في المجلة، لتصل في هذا الشهر – أبريل 2013 – قمتها حيث خصصت المجلة نصف عددها لملف حول السينما البديلة، التي يحملها الشباب والشابات بمنطق مختلف في شكلها ومضمونها، والأبعاد التي تتوخاها سواء بأفلام قصيرة أو طويلة وبآليات جديدة في التكنولوجية تنعكس جليا في الإنتاج السينمائي. شباب وشابات من حساسيات ثقافية ومنابع معرفية مختلفة وحتى من مراجع فنية متنوعة كالمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية. ملف تضمن حوارات ونصوصا تحليلية، وإعطاء فسحة لهم للتعبير بالكتابة عن منهجهم الجديد. جاء الملف على شكل "بيانات" و"احتجاجات" لجيل جديد من السينمائيين في فرنسا ليس بالضرورة يدخل في نمط ما يمكن أن يسميه البعض ب"صراع الأجيال" بل برؤية سينمائية لها آفاق أخرى في التعامل مع الفن السابع. وهذا ما عبرت عنه افتتاحية العدد بوضوح حيث ربطت هيئة التحرير نفسها بأولئك السينمائيين الشباب وأنها جزء منهم لأنها تريد بدورها أن تتطور لكي تنتج مجلة جديدة اعتمادا على أفلام جيدة

والجميل أنها ربطت النصوص بإخراج فيه كثير من الاحتجاج حيث اعتمدت على كتابة عناوين النصوص في "لافتات" يحملها أصحابها كأنهم في مسيرة ومظاهرة مطلبية بينما العنوان الرئيسي للملف هو "الهجوم" وهي دعوة صريحة للصراع. وهذه الروح الاحتجاجية والقتالية، في هذا العدد الذي يصادف شهر أبريل تاريخ صدور التأسيس، واضحة في غلاف العدد الذي يبدو فيه الحائط مكتوبا عليه العنوان على طريقة "غرافيتي" في الشوارع كأسلوب الاحتجاج "لم يمت السينمائيون الفرنسيون الشباب" ! 

إنعراج جديد في سياسة المجلة التي أعلنت "ربيعها السينمائي" مع السينمائيين الشباب وليس هذا غريب إذا علمنا أن 90% من أعضاء هيئة تحرير "دفاتر السينما" حاليا لا يتجاوز عمرهم 30 سنة فيناصرون أقرانهم من السينمائيين كما فعل من قبلهم زملائهم قبل نصف قرن وطيلة مسيرة حياة المجلة. تتأسس سينما جديدة في فرنسا ومع نقد مختلف فيه كثير من الاجتهاد وكثير من الغموض الفكري والجمالي في حق أفلام فرنسية وغيرها. مجلة "دفاتر السينما" فاعلة ومواكبة ومجتهدة وهذا ما ينقصنا في أقطارنا العربية..

الجزيرة الوثائقية في

15/04/2013

 

هالة لطفي:

«الخروج» إلى جحيم القاهرة

 أحمد ندا/ القاهرة 

البؤس الذي يكسو ملامح كائنات هذا البيت ليس نابعاً من ظروف إنسانية واقتصادية قاسية فحسب، بل من أسئلة الحياة التي لا تظهر بفجاجة من خلال ميلودراما زاعقة. الحياة تدوس أبطال «الخروج للنهار» ببطء لا يسمح لهم بالصراخ. هم يعيشون سجنهم «بنبل كبير»

أب مصاب بالشلل، وأم تعمل ممرضة في أحد المستشفيات الحكومية البائسة، وابنة غير جميلة وغير متزوجة. تمضي المخرجة هالة لطفي يوماً في بيت هذه العائلة المتواضع في «السيدة عائشة» إحدى المناطق الشعبية في القاهرة. في باكورتها الروائية الطويلة «الخروج للنهار» الذي عرض أخيراً في القاهرة، ثمة مشاعر لا يمكن التعبير عنها بالمبالغة في الانفعالات. «الخروج للنهار» نبذة من حياة أسرة مصرية تعيش تحت خط الفقر، تكابد همومها اليومية باستسلام يبلغ حد اليأس وبتقشف العواطف.

أم (سعاد النجار) تشبه الأموات، تعيش مع المرض بحكم عملها ممرضة أولاً، وبحكم مرض زوجها المقعد (أحمد لطفي) المستسلم لشلله كأنه طال روحه أيضاً. الإنهاك الذي يتبدى على ملامحها آت من الموت الذي يحوم بجوه المقبض على كل تفاصيل البيت البسيط. الابنة الثلاثينية سعاد (دنيا ماهر) تعين أباها على المقاومة، وتساعده في لبسه وأكله، وثمة غضب مكتوم يحاول الخروج أحياناً في تعابير وجهها التي تقترب من الجمود. النظرات التي تتبادلها مع أمها مليئة بالأسئلة، لا تلبث أن تختصرها في سؤال بسيط وهي تعالج قروح والدها جراء النوم المستمر على السرير «سألتِ على المرتبة الطبية؟» (فراش النوم).

«الخروج» هو مفتاح قراءة الشريط. سعاد ذات الملامح غير الجميلة، تحاول الخروج من جحيم البيت إلى الجحيم الواسع في مدينة قاتمة مثل القاهرة. تطلب من أمها أثناء معاونتها في تغيير ملابس والدها أن تخرج قليلاً، «ساعتين بس» تعد لنفسها كوباً من الشاي، وتستمع إلى أحد شرائط الكاسيت ليخرج صوت محمد عبد الوهاب، ويرطب جفاف الجو وخشونة المعيشة. تسرح سعاد في خيالاتها بينما يدق الباب لتجد ابن خالتها (جلال البحيري) المجند في الجيش المصري. توقظ سعاد أمها التي ترتاح استعداداً ليوم آخر في المستشفى، وتجهز الغداء. البؤس الذي يكسو ملامح كائنات هذا البيت ليس نابعاً من ظروف إنسانية واقتصادية قاسية فحسب، بل من أسئلة الحياة التي لا تظهر بفجاجة من خلال ميلودراما زاعقة. الحياة تدوسهم ببطء لا يسمح لهم بالصراخ، المعاناة الصامتة في سجن القبول والاستسلام.

تستعد البنت الثلاثينية للخروج من البيت، تنظر إلى نفسها في المرآة، تلملم شعرها الأشعث، غير متأكدة بأنّ مظهرها يليق بالخروج. تسأل أمها «حلوة كده؟». نظرات الأم اللوامة تؤلم، وسؤال سعاد المتشكك يطلب مواساة غير موجودة لدى الأم. تركب سعاد أحد ميكروباصات القاهرة المتجهة إلى «التحرير». تقابل بنتاً تبدأ الحديث مع سعاد وحركاتها العصابية لا تتوقف. تسألها عن الطرحة وإن كانت مضبوطة جيداً على رأسها، وتسرد معاناتها مع أعمال السحر، وتسأل سعاد بعفوية «انتي مسيحية؟». السؤال يدفع بواقع قاس في وجه المشاهد دفعةً واحدةً. الحجاب هو رمز هوياتي للبنت المصرية المسلمة، والمفارقة الأليمة أنّ البنت ذاهبة إلى أحد القساوسة حتى «يفك العمل» الذي يمنعها من الزواج. هنا يقع المشاهد في حيرة عما إذا كانت البنت تعيش معاناة حقيقية، أم تستخدم هذه المعاناة للاحتيال. تطلب مالاً من سعاد وتطلب النزول من الميكروباص.

سعاد تحاول لقاء حبيبها الذي لا يرد على مكالماتها، فتتصل به من الشارع، تحثه على الخروج، على الهرب من هذه المقبرة الواسعة، لكنه لا يستجيب، فما كان منها إلا الاتصال بإحدى صديقاتها لزيارتها، ولا نعلم ما إذا تمت هذه الزيارة أم لا. ترتجل سعاد بعض البهجة. تذهب إلى أحد صالونات تصفيف الشعر، ربما نلمح شبح ابتسامة خجلى، ربما لا. الثابت أنّه بعد أن تصفّف سعاد شعرها، تجمعه في عقدة صغيرة مجدداً، وترفع الشعرات النافرة باضطراب. تدخل إلى أحد محال الأدوات الطبية لتسأل عن «المرتبة الطبية» ثم يأتيها هاتف من أمها، لتعلم أنّ أباها في المستشفى ثانية. تهرع إلى هناك. بعد خروجها من المستشفى، تذهب إلى الحسين وتتشبث بالمقام. لا نعلم ماذا تطلب من صاحبه، تركب ميكروباصاً آخر للعودة إلى البيت. هنا تضطرب من السائق ذي الملامح الشرسة، فينزلها في منتصف شارع مظلم، عند مقابر «عين الصيرة»، لتجلس سعاد تطالع الأبد حتى مطلع الفجر. وعندما تعود إلى البيت، لا تجد غير وجه أمها المنهك شبه الميت ينتظرها لتسألها أقسى سؤال: «هو احنا هندفن بابا فين؟».

الكاميرا تنقل صورة شديدة القسوة خالية من المشاعر، والإضاءة تلقي جواً مقبضاً، مع شريط صوتي يتماهى مع تقشّف المشاعر (باستثناء أغنيتين) وضجيج القاهرة غير المتناغم، والسجن الكبير... أو كما تقول لطفي «كيف نصنع سجوننا بأيدينا من خلال قبولنا، وبنبل كبير، حياةً يمكن وصفها بأي شيء إلا النبل»؟».

البطولة والخيانة «في ضباب» الحرب

فيصل عبد الله/ لندن 

إنّه تجربة جديدة تندرج ضمن الموجة الجديدة في السينما الروسية التي تعتمد على المزج بين تقاليد هذه المدرسة وإنجازات روادها والتقنيات الأوروبية الغربية. رائعة المخرج سيرغي لوزنيتسا «في الضباب» الذي ينزل هذا الشهر إلى الصالات البريطانية محاولة لقراءة تاريخ الاتحاد السوفياتي السابق بعيداً عن الرقيب

بعد فوزه بجائزة «هيئة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين» (فيبريسي) في «مهرجان كان» الأخير ومروره في أكثر من احتفالية سينمائية، تنزل رائعة المخرج البيلاروسي الأوكراني سيرغي لوزنيتسا «في الضباب» إلى الصالات البريطانية هذا الشهر. في هذا الشريط، يترجم صاحب «يا فرحتي» (2010) رواية مواطنه فاسيل بيكوف المُهمّة الى السينما بعد أكثر من عقد على قراءتها والانبهار بعوالم شخوصها.

يأخذنا العمل الروائي السينمائي الى واحدة من جبهات القتال في غرب الاتحاد السوفياتي السابق وتحديداً بيلاروسيا عام 1942. نتابع هنا فصولاً من أجواء الحرب العالمية الثانية لكن بلغة أخرى. لغة تبتعد عن مشهديات المعارك الكبرى، واجتراح البطولات على الطريقة الأميركية كما في «إنقاذ الجندي راين». إنّها أقرب الى لغة التأمل الفلسفي والإنساني في مصائر شخصيات عادية وضعها قدرها العاثر في وضع غير عادي. يفتح الفيلم على قرية محتلة من قبل القوات الألمانية، وهناك مجموعة من الرجال تساق الى ساحة الإعدام إثر اتهامهم بعمل تخريبي يطال سكة قطار. لا نرى كمشاهدين الفعل ولا العقاب على الشاشة. لكن إطلاق سراح سوشينيا (فلاديمير سفيرسكي) بين المحكومين بالإعدام، يثير تساؤلات كثيرة تطال سمعته، وتضعه في خانة الخونة والمتعاملين مع قوات الاحتلال النازي. إزاء هذه المحنة/ التهمة الخطيرة، لا يستطيع سوشينيا الدفاع عن براءته. يفشل في إقناع زوجته مثلما يعجز عن وضع حد لنميمة سكان قريته. ما يدفع برجالات المقاومة في الغابات المجاورة، أولهم بوروف وفويتيك، الى اعتقاله في بيته من أجل تصفيته. كانت الأسئلة الموجهة الى سوشينيا بمثابة اتهام يصعب رده: هل تعرف ما هو ذنبك؟ لماذا أقدمت على هذا الفعل؟ لماذا أُعدم الباقون فيما أطلق سراحك؟ ولعل السؤال الأهم الذي يطرحه الشريط في هذا السياق، كيف يمكن أن تثبت براءتك في ظروف حرب عالمية وشكوك الولاء تطال الجميع؟ ذلك أنّ قرار الإعدام قد اُتخذ وما على بوروف وفويتيك سوى تنفيذه. يُطلب من سوشينيا مصاحبة الرفاق الى غياهب غابة وحفر قبره بيده. وعلى اثرها، ينتقل الشريط الى مستوى آخر.

«الرجاء لا تبلغ زوجتي. قل لها إنّ الألمان قتلوه» يقول سوشينيا لبوروف، فيردّ الأخير «احفر وبعد ذلك سنرى». على هذا المنوال، تتشكل الحوارات بجمل قصيرة، لكنها تقول الكثير بشأن الحدود الفاصلة بين البطولة والخيانة. ومثلما كانت تهمة الخيانة جاهزة، فإنّ سوشينيا هو الآخر اقتنع بعدم جدوى الدفاع عن براءته في ظل غياب الدليل، فقرر المضي الى آخر الشوط مدفوعاً بعزة كرامته الإنسانية وصمت مُعذب. إلا أنّ تبادل إطلاق النار مع قوات الاحتلال النازي، وإصابة بوروف بطلق ناري، يقطع هذه الحوارات ويؤجل عملية تنفيذ الإعدام بسوشينيا. وفي ظل هذه الأجواء الصعبة، يقرر فويتيك ترك رفيقه بصحبه سوشينيا من أجل الحصول على الدواء والخبز من قرية مجاورة.

استعان المخرج سيرغي لوزنيتسا بمدير التصوير الروماني أوليغ موتو (أربعة أشهر وثلاثة أسابيع ويومان). حافظ المخرج والمصور معاً على أجواء الرواية وعوالم شخوصها الداخلية مثلما هي. حرب من دون معارك عسكرية، ولا معالم للمدنية في مواقع التصوير، وغياب تام للموسيقى التصويرية، وهناك 72 قطعاً لفيلم يتجاوز الساعتين. لذا يمكن إدراج «في الضباب» ضمن اشتغالات أخرى صاغتها تجارب مدرسة الموجة الجديدة في السينما الروسية. تلك التي تعتمد على المزج بين تقاليد هذه السينما وإنجازات روادها والتقنيات الأوروبية الغربية، والغاية تصويب قراءة تاريخ الاتحاد السوفياتي السابق بعيداً عن إلزامات الرقيب، وضمن مسعى جديد لمقاربة أحداث هذا البلد الكبير. ولنا في شريط «الفصيلة التاسعة» لفيودور بوندارتشوك، و«العودة» لأندريه زفياغينتسيف الحائز «أسد البندقية الذهبي» عام 2003، مثال وليس حصراً.

لا أحكام قطعية في هذا العمل الفني المهم، بل شخصيات عادية تدور في حبائل الصدق والبراءة والنميمة والشك والنذالة، وفي لعبة المصائر المتقاطعة. دراما بصرية صاغ تفاصيلها لوزنيتسا بحسّ الفنان ومتعة القارئ. ولعلها رسالة أراد المخرج وقبله الروائي فاسيل بيكوف إيصالها لنا كمشاهدين وقراء.

الأخبار اللبنانية في

15/04/2013

 

ثلاثة أيام ليست من حياتي

بقلم كلارك جابل  

كان ذلك في  عام 1939 وكنت حينذاك اشتغل بالتمثيل في احد مسارح نيويورك وكانت الرواية  التي نقوم بعمل "بروفاتها" تدور حوادثها حول سجين يريد الفرار من سجنه، وقد  عهدوا الى في تمثيل دور هذا السجين

وأحسست بانقباض غريب في نفسي،  وضيق شديد في صدري، وخيل إلي إني سجين حقاً، وان لابد لي من الفرار من ذلك  الجو الذي اعيش فيه وانتهزت فترة الاستراحة، فخرجت من المسرح كالمجنون، وما كدت أجد نفسي في عرض الطريق حتى أصبت فجأة بفقدان ذاكرتي، ولم اعد ادري عن نفسي شيئا وانقضت ثلاثة أيام وانا لا اعرف لي اسما ولا منزلا.. وكل ما اذكره ان هذه الحالة الغريبة انتابتني في يوم الجمعة، وظللت أهيم في واد من التيه والغيب دون ان ادري عن حقيقة نفسي شيئاً حتى يوم الاثنين، إذ تنبهت الى اني جالس فوق مقعد في حديقة باتري بنيويورك، وانا ارتدي ثيابا غير ثيابي التي خرجت بها من المسرح، ومرت أثناء ذلك فتاة جميلة هيفاء، فخيل الي اني اعرفها، ونهضت اريد اللحاق بها، وفي هذه اللحظة فقط عادت الي ذاكرتي المفقودة، وأخذت استعيد ما حدث لي في الأيام الثلاثة الماضية كما يستعيد المرء حلما رهيبا غريباً

تذكرت اني عقب خروجي من المسرح في يوم الجمعة سرت في الطريق على غير هدي حتى وصلت الى شاطئ البحر، فأحسست بشعور غريب يدفعني الى ان القي بنفسي في الماء، وبينما انا أهم بتنفيذ ذلك قابلني رجل رث الثياب، كثيف شعر اللحية، تبدو على سيماته إمارات الشر والإجرام فسألني أين اقصد، فأخبرته، باني أريد ان انزل الى الماء. وعندئذ انفرجت شفتاه عن أسنان قذرة ولمعت عيناه ببريق غريب وقال لي: "خسارة يا عزيزي ان تنزل الماء بهذه الملابس النظيفة، هاتها واستبدل بها ملابسي". 

ومن غير ان ابدي اية معارضة استبدلت ملابسي النظيفة بملابس اللص القذرة وأعطيته كيس نقودي الذي كان يحتوي على ثلاثين ريالا وسار اللص في طريقه.. وسرت في طريقي نحو الماء. وبينما انا أوشك ان القي بنفسي اليه امسك بي رجل عجوز قد ابيض شعر رأسه ورسمت الأعوام والخطوب على وجهه غضونها وتجاعيدها

قال بصوت جميل حنون: "أية فعلة شنيعة تريد الإقدام عليها يا بني؟ لماذا تريد ان تموت غريقا؟ هل ضقت ذرعا بالحياة؟ الم تفكر في انك بعملك هذا انما تغضب الله تعالى.. اخبرني ما اسمك ومن أين جئت" ولما اخبرته باني لا اعرف لي اسما ولا منزلا هز رأسه، وربت بيده على كتفي وقال: "لا عليك يا بني" هيا معي الى منزلي لنتناول فنجانا من الشاي ولتستريح قليلا".

سرت مع الرجل العجوز كما يسير الطفل مع أبيه راضيا صاغرا، وأخذنا نخترق شوارع ضيقة ودروبا قذرة حتى وصلنا الى زقاق صغير فطرق باب منزله، ففتحت لنا تلك الفتاة الجميلة الهيفاء التي اعادت لي رؤيتها في "حديقة باتري" ذاكرتي المفقودة..! 

استقبلتنا بابتسامة بريئة فاتنة، ولم تظهر اية دهشة او استغراب لرؤيتي، كما لو كانت متعودة زيارة الغرباء امثالي وكان المنزل يحتوي على غرفتين كبيرتين يدل اثاثهما على الفقر والعوز، ولكنهما كانتا نظيفتين قد احسن ترتيبهما وجلست في كرسي كبير، واسرعت الفتاة فاحضرت لي قهوة وطعاما، وانا لا اذكر تماما اني رأيت طول حياتي وجها اجمل واطهر من وجه هذه الفتاة

وبعد ان اكملت وشربت القهوة جلست الفتاة الى جانبي تخيط بعض الثياب، وجلس الرجل العجوز امامي يحدثني عن نفسه

قال: انه كانت له زوجة جميلة يحبها الى حد العبادة والتقديس وان هذا الحب كان سببا في نجاحه في حياته فحصل على ما كان يبغي من مال وشهرة، وبينما هو في اوج مجده وشهرته اكتشف ان زوجته تخونه مع رجل آخر،ّ واكتشف ان أصدقاءه يصادقونه ريثما يسلفهم نقودا وينفق عليهم بسخاء.. وعندئذ ثار على الدنيا وعلى اللئام الذين يملأونها فطلق شهرته وتخلى عن ثروته وسحق قلبه حتى قضى على حبه وترك زوجته واصدقاءه واخوانه واقام مع ابنته الوحيدة في ذلك المنزل الصغير في عزلة عن الناس

وصعدت النظر في وجه الرجل وابنته فوجدت على وجهيهما إمارات السعادة الحق والهدوء والاطمئنان

وكانت الفتاة خلال حديث أبيها تهز رأسها مبتسمة ما بين حين وآخر، كأنها تؤكد على قوله وتوافقه على آرائه.

ونمت في هذه الليلة نوما عميقا، ولم استيقظ الا في ظهر اليوم التالي واذكر اني افتتنت بتلك الفتاة وازددت شغفا بها، حتى اني عندما نهضت لآوي الى فراشي في الليلة الثانية تقدمت اليها وطلبت منها ان تقبلني قبلة المساء!

لم أتعود مثل ذلك من قبل، ولكني كنت حينذاك شخصا آخر ولم تتردد الفتاة في إجابة طلبي، فنهضت وطبعت على جبيني قبلة طاهرة.. وشعرت في تلك الليلة بان لي جناحين، واني اطير بهما في جو كله هدوء ونور وسعادة ولست ادري ما حدث بعد ذلك، ولكن الذي اذكره اني وجدت نفسي قبل ظهر يوم الاثنين جالسا على مقعد في حديقة "باتري"، وان ذاكرتي عادت الي على اثر وقوع نظري على فتاة تشبه تلك التي آواني أبوها عندها فلما هممت باللحاق بها فقدتها وسط الجماهير

اما من هو ذلك الرجل العجوز الحكيم، ومن هي فتاته، وفي اي زقاق او شارع يسكنان، فهذا ما حاولت معرفته عبثا، كان ذلك في عام 1939

ولكن يخيل إلي انه حدث في الأمس فقط.. 

كلارك جابل 

المدى العراقية في

15/04/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)