الممثل الوحيد الذي فاز بالأوسكار ثلاث مرات في تاريخ هذه الجائزة لا
يبدو عليه أنه يستطيع أن يتوقف عن التميز. هذا طابع وليس تطبعا. الممثل
البريطاني العتيد الذي يحتفل في التاسع والعشرين من أبريل (نيسان) المقبل
بميلاده السادس والخمسين، خامة فنية برهنت على أنها تكسب معظم جولاتها حين
يأتي الأمر للمناسبات السنوية وجوائزها.
موعده الأول مع الأوسكار كان سنة 1990 عندما نال ذلك التمثال الذهبي
الشهير عن فيلم «قدمي اليسرى»، والثاني عن دوره في «سيكون هناك دم» سنة
2007، والثالث هذا العام عن دوره في «لينكولن». يحسب له أيضا دخوله
المسابقة ذاتها عن فيلمين آخرين هما «باسم الأب» (1993) و«عصابات نيويورك»
(2002) لكنه لم ينل الجائزة في أي من هاتين المرتين: «هل علي أن أنالها في
كل مرة؟»، يقول ذلك ضاحكا.
والأوسكار ليس الجائزة الوحيدة التي نافس فيها وفاز أكثر من مرة: هناك
البافتا (أربع مرات) والغولدن غلوبس (مرتين).
ولد في لندن سنة 1957 ابنا لسيسيل داي- لويس وجيل بالكون، ابنة مايكل
بالكون الذي ترأس إدارة استديوهات إيلنغ الشهيرة التي سادت إنتاجاتها
الخمسينات والستينات. دخل مدرسة كنت أولا ثم درس التمثيل في «بريستول أولد
فيكتوريان سكول». شقيقته تاماسين مخرجة تسجيلية كان لها نصيب من الدعم،
فآخر فيلم حققته كان «جرح خصوصي» سنة 1996 الذي نال مدحا لافتا من قبل
النقاد.
لعب دانيال في السينما أول مرة في فيلم لجون شلسنجر عنوانه «أحد لعين»
أو
Sunday Bloody Sunday،
وذلك سنة 1971 ثم عمد إلى بضعة مسلسلات وأفلام تلفزيونية قبل أن يشترك
كواحد من ممثلي فيلم «ذ باونتي» من بطولة أنطوني هوبكنز سنة 1984 وهو العام
الذي واصل فيه التمثيل للسينما فظهر بعد ذلك في «مغسلتي الجميلة» (1985)
و«غرفة مع منظر» (1985) وهما من بين كلاسيكيات السينما البريطانية اليوم.
فيلمه الأميركي الأول ورد سنة 1988 وهو «الوجود الخفيف غير المحتمل»
The Unbearable Lightness of Being لفيليب كوفمن وبعده في «نجوم وخطوط» قبل أن يعود إلى بلاده ليضطلع
ببطولة دور تطلب منه جهدا بدنيا غارقا في الصعوبة، ففي «قدمي اليسرى» لعب
شخصية الرسام المصاب بالشلل الدماغي الذي نتج عنه عدم القدرة على الوقوف
والسير وتشغيل اليدين مما دفعه لإتقان الرسم مستخدما أصابع قدمه اليسرى.
كان فيلما غريبا ومأسويا وقيما أخرجه جيدا جيم شريدان وشاركت في بطولته
برندا فريكر وفيونا شو.
لبضع سنوات، بعد ذلك النجاح بقي دانيال داي- لويس حديث المجتمع
السينمائي فتكاثرت عليه العروض وقبل منها ما رآه مناسبا: «آخر الموهيكانز»
(1993) لمايكل مان لم يكن عملا رائعا لكن آثار ذلك لا تبدو على الممثل
المنخرط جيدا في تأدية ذلك الدور التاريخي الذي كان راندولف سكوت لعبه في
نسخة 1936 (وبطريقته الخاصة التي لا تتضمن الطموح للأوسكارات). أيضا استعين
به في «عصر البراءة» (مارتن سكورسيزي - 1993) و«الملاكم» (جيم شريدان -
1997) قبل عودته إلى إدارة مارتن سكورسيزي في «عصابات نيويورك».
دوره في «سيكون هناك دم» يبقى أفضل أدواره، لكنه في الوقت ذاته أفضل
ما في فيلم «لينكولن» لستيفن سبيلبرغ. درس الدور كتبا وصورا وأفلاما قديمة
وامتهن تدريبا طويلا على إتقان الصوت واللكنة والحركة مما جعله الفوز
الوحيد لذلك الفيلم الذي رشح لإحدى عشرة جائزة أوسكار لكنه فاز باثنتين فقط
(ذهبت الثانية لأفضل تصميم إنتاجي).
·
الجميع، مستر داي- لويس، يتحدث
عن طريقتك في الأداء. لكني لم أقرأ لك أنك وصفت بنفسك هذه الطريقة.
أوه.. هذا سؤال كبير لا أدري من أين أبدأ. طريقتي في معالجة الشخصية
لهذا الدور هي الطريقة ذاتها لأي دور آخر لعبته. أبدأ بأن أجد وسيلة لفهم
الشخصية التي سأقوم بها بطريقة شخصية جدا بالنسبة لي. مثلا في دور أبراهام
لينكولن ساعد طبعا على أن حياته موثقة جيدا مما يجعلني قادرا على سبر غوره
وإقناع نفسي ثم الآخرين بأني وجدت الثغرة التي أستطيع دخول الشخصية منها
وتقمصها تماما.
لكي تصل إلى هذا الفهم عليك أن تبدأ من مكان ما.. صحيح. أبدأ دائما من
القراءة. لكن هذا يعكس مشكلة أخرى. كم الكتب والمراجع التي وضعت عن لينكولن
تكفي لأن أمضي سنوات حياتي هذه وفوقها سنوات وأنا غارق في القراءة. لذلك
كان علي أن أدقق اختيار ما أقرأه. قرأت كثيرا. كان لدي عام كامل من التحضير
وطبقات من الكتب. بعد ذلك يبدأ فعل الخيال.
·
أتصور أن آخر يوم من تصوير طويل
الأمد كما الحال في «لينكولن» كان بمثابة تحضير لعطلة طويلة تودع فيها
شخصية لازمتك لأشهر طويلة.
نعم، لكنه كان أيضا يوما حزينا جدا. كنت أقول شكرا لله على أن التصوير
انتهى، لكني كنت أيضا حزينا وأنا أغادر مكان التصوير وأعود إلى ذاتي. كان
هناك إحساس هائل من الحزن ليس عندي فقط بل عند ستيفن (سبيلبرغ) والباقين.
لقد عشت في داخل هذه الشخصية أكثر من سنة ولم يمض يوم واحد لم أكن فيه
ممتنا للفرصة التي واتتني للعب هذه الشخصية الفريدة. لقد أحببت هذه الشخصية
إلى حد أنني لم أكن أريد فعلا مغادرتها.
·
لا بد أن لينكولن، كشخصية، عنى
لك أشياء محددة جذبتك إليه خصوصا أنه معروف أنك تختار أدوارك بعناية.. ما
هي هذه المواصفات الخاصة؟
لا أستطيع الجواب على هذا السؤال. لا أعرف لأنه ليس أنني شخصيا لا
أعرف بل لأن الإجابة صعبة. أصارحك بأن الدور جاذب من ناحية أخرى لا أعتقد
أن أحدا يضعها في الاعتبار؛ هذا الدور جاءني وأنا في سن متقدمة. سن لا
يتسلم صاحبها الكثير من العروض النوعية. هذا جعلني أدرك أنها فرصتي لدور
آخر أمارسه على نحوي الخاص الذي وصفته لك. نعم الشخصية عليها أن تعني لي
الكثير وأن أجد الوسيلة للنفاذ إليها. لكن عامل السن أساسي هنا. رغم ذلك
ترددت في البداية لأني كنت أعي المسؤوليات المتراكمة على مثل هذا الاختيار.
أنا بريطاني أقوم بلعب شخصية رئيس أميركي وعلي أن أتقن ما أقوم به وليست
هناك ضمانات فورية. هذه مسؤولية. سؤالي لنفسي هو ما إذا كنت أستطيع أن أخدم
هذه الشخصية وأخدم المخرج الذي يتحمل مسؤولية اختياري.
·
كونك دقيقا جدا في اختياراتك
يجعلك حريصا على أن يكون مظهرك «لينكوليني» كاملا. الانحناءة والتجميل
والصوت.. كيف درست كل ذلك؟
كانت هناك جماعات خبيرة ومظهريا كل شيء يبدأ بالماكياج، لكن الانحناءة
هي طبيعية من عندي (يضحك). ربما لا تعرف أننا جربنا الماكياج قبل سنة كاملة
من التصوير. ثم مع قراءتي للينكولن وتصفحي للصور أدخلنا تعديلات خلال السنة
حتى تتطابق الصورة على نحو صحيح. لكن الحقيقة أنني كنت أعتقد أنني لن أحتاج
إلى ماكياج. اعتبرت أنني أستطيع بقليل من «توضيب» اللحية وتسريح الشعر
أستطيع أن أكون هو (يضحك)، لكني اكتشفت أنني كنت مخطئا.
·
لا تحب الماكياج؟
أحب الماكياج حين أمثل للمسرح وأحاول أن أتحاشاه حين التمثيل للسينما.
·
كم ساعة تطلب منك الجلوس على
كرسي التجميل؟
ساعة ونصف الساعة صباح كل يوم. تسألني عن شيء عادة ما يريد الممثل عدم
الحديث فيه.. أو هكذا أعتقد.
·
لماذا؟
لأن الممثل يريد أن يقنع المشاهد والمشاهد الناقد أيضا أن التجميل لم
يكن عاملا رئيسيا. إن ما شاهدته على الشاشة هو الممثل وليس الماكياج. هذا
مثالي.
·
قيل لي إنك كنت في مزاج مرح خلال
التصوير، وعذرا لا أدري كيف تستطيع أن تكون وأنت ممثل بالغ الجدية؟
(يضحك) نعم قد يدعو الأمر إلى الغرابة. أنا ممثل جاد من حيث أن لعب
الدور وإجادته في فيلم بالغ التكلفة، وفي هذه الأيام كل فيلم مهما كان
رخيصا هو مكلف، هو مسؤولية جسيمة. أعتقد أن مسؤوليتك أن تتعامل والفيلم
بمسؤولية، لكنه من المهم أن لا آخذ نفسي على محمل الجد إلى هذا الحد. على
العمل أن يكون ممتعا.. بكلمات أخرى.
صحيح.. وأنا لا أستطيع أن أجيد إذا كان العمل غير ذلك. إذا لم يكن
العمل مدعاة للمتعة فهو ليس في نظري ناجحا. هناك ما يحد من نجاحه أو جودته.
العمل هو لعبة ذات شروط ولا تستطيع أن تتصرف حياله على غير هذا النحو.
·
من هم أبطالك في الحياة، تاريخيا
وسياسيا أو في أي شأن آخر؟
أعرف أن ما سأقوله سوف يبدو ناشزا، لكن أبراهام لينكولن سيبقى دائما
واحدا من الرجال الذين سأعتبرهم نماذج تاريخية. لكن أول بطل أحببته كان
هوراشيو نلسون.
·
أعتقد أنه كان قائدا عسكريا في
القرن الثامن عشر؟
نعم. كان أدميرالا بحريا. أعجبتني شخصيته وأنا طفل لأني ولدت قريبا من
«المتحف البحري» وتعرفت عليه هناك. كان خسر عينا وذراعا في حروبه ثم قتل في
ترافلغار. أستطيع أن أرى نفسي وأنا صغير مجمدا أمام صورته وهو مصاب بذراعه
ولا يزال يقاتل بشراسة. بطلي الآخر وأنا صغير كان يوري غاغارين.
·
هل توافق إذا ما تقدم إليك أحدهم
بمشروع تمثيل إحدى هاتين الشخصيتين؟
سيعتمد ذلك على العناصر ذاتها التي تجعلني أقبل أو أرفض الأدوار
جميعا، لكن مبدئيا نعم. للأسف ليست هناك الكثير من الأفلام التاريخية هذه
الأيام مثل أفلام «ووترلو» أو التي تدور عن شخصيات عسكرية مثل «بونابرت».
·
هل تجذبك السلطة؟ أعني أن مثل
هذه الأفلام دارت حول شخصيات تمتعت بالسلطة والقيادة العسكرية.
أعتقد أن السلطة هي من بنات الخيال. شخصيا لم أتمتع يوما بأي سلطة أو
قيادة. ولا أعتقد أنني أريد أن أكون بخلاف ما أستطيع أن أمارسه في البيت من
مسؤوليات. بكلمة واحدة لا تجذبني فكرة التمتع بالسلطة ولا أشغل نفسي
بالتفكير في هذا الصدد.
·
كذلك كل واحد من هؤلاء، بمن
فيهم، وربما خصوصا، لينكولن، حمل قضية. هل تحمل قضايا سياسية أو اجتماعية
ترى أنك موكل بالتعبير عنها؟
لا أخاف أن أقول رأيي. إذا ما وجدت أن هناك وضعا سيئا أو وضعا يحتاج
للنقد. الحقيقة أننا في عالم متضارب وأكثر تعقيدا من الماضي. لكني أحتفظ
لنفسي بحق إبداء الرأي من عدمه وبحقي في اختيار الوقت المناسب.
·
بعض الممثلين يحصلون على
أوسكارات فإذا بمشوارهم يتأثر سلبا. هذا لم يحدث معك من حسن الحظ.
عندما نلت الأوسكار الأول شعرت أنني في بداية طريق جديد. طبعا ليس
هناك من ممثل جاد يؤدي دورا وعينه على الجائزة - أي جائزة. ليس هذا ممكنا.
لكن هل تعلم شيئا؟ تسلمت العديد من العروض التي رفضتها. أعتقد أن صانعي
الأفلام يدركون ماذا يريدونه من الممثل المعين وماذا وكيف يستطيع الممثل
إفادتهم. مثلا أنا لا أرى نفسي صالحا لفيلم موسيقي أو ربما كوميدي، على
الأقل هذا ما أعتقد، وهذا يعني أنني لن أوافق على فيلم من هذا النوع وهذا
ما يصبح شائعا. المخرج يعرف ممثله ويطلبه لما هو عليه وليس لما يريده أن
يكون.
·
لقد شاهدت في حياتي العديد من
الأفلام إلى درجة أنني أستطيع التأكيد أن هناك ممثلين يصبغون الفيلم
بحضورهم وليس العكس.
تماما صحيح، لكن إذا لم يخطئ كل من المخرج والممثل في اختيار كل
للآخر. إذا ما جلبت ممثلا محددا لبطولة فيلمك فإن حضوره سيؤثر في صياغة
الفيلم، وهذا صحيح.. أو لن يؤثر، وذلك أيضا صحيح لكن هذا إذا حدث ليس في
صالح الفيلم.
·
هل الانتقال ما بين أفلام
بريطانية وأفلام أميركية أمر صعب على ممثل مدقق مثلك؟
من المفترض أن يكون الجواب لا. الفيلم حالة عمل تنتمي إلى ظروف معينة
وهي كثيرة من بينها مصدر التمويل لكنه ليس كل شيء. من جانب ثقافي يمكن
لفيلم مثل «آخر الموهيكانز» أو «قدمي اليسرى» أو حتى «لينكولن» أن يكون
فيلما من إنتاج ثقافة مختلفة أو تاريخ أو بلد مختلف. هذا بالطبع إذا ما تم
التعاقد مع العناصر المحلية أو الخبيرة التي تنتمي إلى ذلك التاريخ.
·
هل يختلف تعاملك مع مهنة التمثيل
اليوم عما كان عليه بالأمس؟
لا. ربما كان على هذا التعامل يتغير بعض الشيء عبر السنين. لكني لا
أعرف أي طريق آخر لمعاملة مهنتي هذه. أحب التمثيل وأحب هذا العمل على النحو
الذي أمارسه ولا أرى نفسي منشغلا بالبحث عن وسيلة أخرى. ما أبحث فيه هو
تطوير داخلي. من واجباتي أن أجسد الشخصية التي أريدها على نحو صحيح. هل أنا
الآن ممثل أفضل مما كنت عليه قبل عشرين سنة؟ لا أدري. عليك أن تحكم أنت
بذلك.
·
هل لي أن أعتقد أن ممثلا خالصا
ومتميزا مثلك يواجه صعوبة التطور إذا ما كانت بدايته كبيرة؟
شكرا لك. هذا تقدير كبير. ربما من الصعب أكثر وأكثر إجادة الدور على
نحو يرتفع عما جاء عليه الدور السابق. أنت كممثل تريد أن تتجاوز نفسك، وفي
«لينكولن» وجدت أن هذا التحدي موجود. لقد قرأت عشرات الكتب لكي أحيي
الشخصية مجددا وبصورة متكاملة. لا أستطيع أن أقدمها بنفس الشروط السابقة.
لا بد أن هناك تطورا مقصودا أو غير مقصود وإلا فإن هناك تراجعا.
·
بالمقارنة مع شخصية خيالية مثل
«سيكون هناك دم» كيف تستطيع إتقان مثل تلك الشخصية التي لا وقائع لها؟
العملية معقدة دائما هذا إذا أراد الممثل لها أن تكون. بالنسبة لي
المعالجة ذاتها. علي أن أدرس الشخصية من كل جوانبها وإذا ما كانت خيالية أن
أؤلف حقائق لها كما لو كانت واقعية.
·
تحدثت قبل قليل عن السن وصعوبة
الحصول على أدوار نوعية. بعض الممثلين غير منهاجه حتى لا يتوقف عن العمل،
لكني لا أعتقد أنك من هذا النوع.
لا أستطيع أن أفعل ذلك. أعتقد أنها ستكون نهايتي وإذا ما أخطأت وأقدمت
فلربما سأتوقف عن التمثيل إلى الأبد. سيكون ذلك خطأ قاسيا أرتكبه.
·
ما الذي يجعل الممثل ممثلا
رائعا؟
لا أدري كيف أجيب على هذا السؤال لأن هناك الكثير من الممثلين والكثير
من الاتجاهات، لكن أعتقد أن الممثل هو نتيجة تراكمات من التجارب والظروف
الخاصة به. كل ممثل هو جاد في اختياراته حتى ولو بدت للبعض الآخر اختيارات
خاطئة أو سهلة. هذا ما يريده لنفسه. بالنسبة لي كما قلت لا أستطيع إلا أن
أكون من أنا.
الشرق الأوسط في
10/03/2013
فيلمان فقط انتشرا عالمياً
سينما أوشيما ضد اليسار واليمين
اليابانيين
محمد رضا
باستثناء مقالات سورع بكتابتها للمناسبة، لم يُثر موت المخرج ناغيزا
أوشيما (1932 - 2013) أكثر من عناوين عابرة في معظم الصحف العربية . أحد
أسباب ذلك أن أفلامه التي سنح لنقاد عرب مشاهدتها قليلة (وبعضهم لم يشاهد
له أي فيلم)، والسبب المهم الثاني، أن أوشيما في حياته المهنية لم ينجز
تتابعاً من الأفلام التي أتيح لها الانتشار عالمياً . ولديه فيلمان فقط
شهدا نوعاً من الانتشار هما “في مملكة الحواس” (1976) و”ماري كريسماس، مستر
لورنس” (1983) . ما بينهما وما قبلهما مرّ من دون أن يلفت الاهتمام لا
عربياً فقط، بل في ضروب مختلفة حول العالم .
أوشيما كان معبّراً، أكثر من سواه، عن صوت اليسار في السينما
اليابانية . في ذلك هو قريب الشبه بالإيطالي بيير باولو بازوليني . وتمرّد
على المؤسسة أكثر من مرّة وسعى من خلال أفلامه إلى نقد السُلطة اليابانية
في أكثر من حقبة مستنداً إلى مفاصل تاريخية مشهودة ناسجاً عليها حكايات
تجمع بين الخيال والوصف الدرامي الواقعي للحالة التي يصفها .
في الواقع، نجد أن واحداً من أعماله السينمائية، الباكرة وهو “الليل
والضباب في اليابان” يطرح مشكلة النزاع بين اليسار القديم واليسار الجديد .
أوشيما الذي درس العلوم السياسية أوّلاً، ينطلق في هذا الفيلم من مشهد عرس
مرتقب بين صحافي وناشطة سياسية وسريعاً ما يعرّض علاقتهما إلى مختلف
الأسئلة عن المرجعيات الفكرية التي تشد كل منهما إلى رأيه، وكيف أن لقاءهما
خلال حركة الاحتجاج على أول معاهدة يابانية- أمريكية كان بمثابة شعلة توهجت
ثم تهددت بالانطفاء نتيجة تراجع الحماس لدى البيئة السياسية التي تحتضن
بطليه .
ذلك الفيلم كان أيضاً بداية اختلاف المخرج عن أعماله الأولى التي سبرت
غور أسلوب تقليدي . وكان أيضاً فاصلاً مهمّاً في حياته السينمائية على صعيد
آخر، فستديو شوشيكو الذي أنتج هذا الفيلم سحبه من العروض بعد أيام قليلة
على أساس أنه قد يؤدي إلى قلاقل أمنية (كان رئيس الحزب الاشتراكي الياباني
أنجيرو أسانوما قد اغتيل قبل أيام من بدء عرض الفيلم) . حيال ذلك أوقف
المخرج تعامله مع الاستديو رافضاً أن يتعرّض فيلمه لمثل هذا الموقف وأسس
شركته الخاصّة .
علاقات فوقية
الياباني والآخر كان دوماً في قلب اهتمامات أفلام أوشيما . لا يعني
ذلك أن هذه المسألة كانت مطروحة في كل فيلم من أفلامه، بل يعني أنها تواجدت
في أكثر من فيلم . نعود إلى سنة 196_ لنجده يطرح موضوع أسير أمريكي في قرية
يابانية خلال الحرب العالمية الثانية وذلك في فيلم بعنوان “الإمساك” أو
“القبض”
The Catch .
في الستينات أيضاً نجده يعالج موضوع المعاملة العنصرية التي تعرّض
إليها الكوريون من قِبل اليابانيين خلال الحرب بينهما وما بعد . في “أطروحة
حول أغنية يابانية” (1967) وفي العام التالي يعود إلى الشخصية الكورية
المُساء إليها في “ثلاثة سكارى مبعوثون” . وفي العام ذاته، “الموت شنقاً”
حول حادثة واقعية حاك منها أوشيما فيلماً ذا دلالات سياسية واضحة حول ذلك
الياباني الذي اتهم بجريمة لم يرتكبها وحوكم بتعسّف يكشف، عن الفيلم
ومخرجه، عن الضغينة التي يكنّها الياباني لجيرانه .
وقبل “في مملكة الحواس” الذي نال أوسع شهرة بين أعمال أوشيما جميعاً،
أنجز المخرج عدداً من تلك الأفلام المشابهة وإن كانت أقل عنفاً من بينها
“مفكرة شينجوكو” (1968) و”الفتى” (1969) و”الاحتفال” (1971) .
الباحث بين أعمال ناغيزا أوشيما سيجد اضطراباً في المستويات . بعض
أعماله الأولى جدّاً غير دالة على أي موهبة . تلتها أفلام، مثل “القبض”
و”مفكرة لص شينجوكو” و”الفتى” يكشف عن امتلاكه موهبة تقديم سينما يابانية
تنتمي إلى نهضة الستينات حول العالم . تماثل في كيانها سينما الموجة
الفرنسية الجديدة- طرار جان- لوك غودار ومضامين السينمات اللاتينية وغضب
السينما البريطانية .
“في مملكة الحواس” لم يكن عملاً جيّداً على الصعيد
السينمائي البحث بصرف النظر عن الصدمة التي أحدثها وعن تلقّفه الفائض عن
الحاجة بالنسبة لنقاد الغرب، ولمن ينقل عنهم عربياً . لكنه كان مهمّاً
بالنسبة لمسيرة المخرج . وهو حاول اتباعه بفيلم مماثل في صدامه من رغم
اعتماده الأقل على المشاهد الحسية الواضحة والرسالة السياسية المبيّتة في
فيلم “مملكة العاطفة” . حكاية عن روح زوج كانت الزوجة وعشيقها قتلاه قبل
ثلاث سنوات وروحه الآن تحوم حولهما .
في العام 1983 أقدم أوشيما الذي كان اكتسب شهرة دولية، بتحقيق فيلمه
الوحيد الناطق بالإنجليزية وهو “ميلاد سعيد، مستر لورنس” حول حياة جنود
وضبّاط بريطانيين في معسكر اعتقال ياباني خلال الحرب العالمية الثانية .
نافذة المخرج للحديث في هذا الفيلم هي العلاقة السادية بين المعتقِل
والسجين . بعده بثلاث سنوات حقق “ماكس، حبّي” الذي لم يترك أثراً . وفي
العام 1996 سقط في أرض مطار هيثرو مصاباً بنوبة قلبية ألزمته الفراش طويلاً
إلى أن حقق فيلمه الأخير “تابو” . لكن الفيلم ذكّر به ومضى .
أسماء في تاريخ الفن السابع
فرانشسكو روزي
المخرج الإيطالي البالغ من العمر حالياً 91 سنة متوقّف عن العمل بعدما
أخرج 19 فيلماً في 45 سنة . أول هذه الأفلام سنة 1952 بعنوان “أنيتا
غاربالدي” وآخرها سنة 1997 بعنوان “العهد”، لكن فترة المخرج الذهبية هي
الستينات والسبعينات حينما حقق على التوالي “سالفادور جوليانو”، و”أيدٍ فوق
المدينة”، و”أكثر من معجزة”، و”قضية ماتي”، و”لاكي لوتشيانو” و”جثث لذيذة”
.
تحلّت أفلام روزي بأسلوبه الخاص في حياكة الفيلم الروائي، سواء أكان
مأخوذاً عن الواقع أم لا، على نحو تقريري . وكان همّه الدائم طرح القضايا
السياسية انتقادياً . آخر آخر أفلامه المهمّة “ثلاث أشقّاء” سنة 1981 الذي
سبر من خلاله حكايات جيل على مفترق طرق .
شاشة الناقد
"أرايانوس" ...... Arraianos
إخراج: إيلوي إنسيسو
إنثروبولوجي - إسبانيا 2013
“أرايانوس” ليس فيلماً تسجيلياً، كما تُشير بعض
المصادر لكنه ليس روائياً أيضاً كونه يخلو من الدراما كما من القصّة . إنه
تسجيل مُرتّب لحياة قرية في مقاطعة غاليسيا الواقعة في أقصى شمال غرب
إسبانيا (فوق البرتغال) يبدأ بتصوير امرأتين في غابة من الأشجار الطويلة
تتحدّثان عن الضياع والهوية، ثم ينتقل بعد ذلك إلى تصوير معالم الحياة في
القرية (لا يكترث لتصوير القرية ذاتها) مختاراً مشاهده بعناية وبمنحى تأملي
للعناوين الصامتة التي يعرضها: الغناء الكنائسي، الغناء في الحانة، المطر،
العناية بالحيوانات، مساعدة بقرة على الولادة، كسر الجليد بعصا طويلة، قطع
شجرة . . إلخ . كل لقطة هي مشهد طويل يقوم على تأمّل وملاحظة يوميات الحياة
في تلك القرية عبر لقطات طويلة الأمد تتنفّس الطبيعة والبيئة ببطء لكن
بقدرة مواكبة في التعبير عن طبيعة تلك الحياة وفرادتها .
التصوير (كما قام به مورو هيرسي) خلاّب وتوزيعه مناطق الضوء والظلال
موح . التعامل مع أشخاص غير محترفين يحد من مرامي الفيلم لكنه في الوقت
ذاته يتماشى ومنهجه . يترك تأثيراً غير فني لكنه يطبع العمل بواقعيّته،
مذكّراً المشاهد الملم بأعمال الإيطالي أورنالدو أولمي الأولى التي دارت في
بيئة إيطالية مشابهة لكن من دون غايات إنثروبولوجية . كذلك يذكّر بأفلام
المخرج التسجيلي المبكر روبرت فلاهرتي من حيث تناولها حياة أناس عاديين
جدّاً في بيئات مهجورة وغريبة . وفي حين كان العالم لا يزال جديداً في
العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين عندما قام ذلك المخرج بتحقيق
أعماله التسجيلية ذات المنحى الإنثروبولوجي، فإن المرء يكاد يعجب أن تكون
في الغرب بعض هذه المجتمعات التي انحسر عنها الاهتمام أو فقد علاقته
الحميمة بها كما الحال هنا .
حين ينحو المخرج إيلوي إنسيسو إلى حديث متبادل بين شخصيّتين (كما في
مطلع الفيلم وفي محطّات لاحقة) يحرص على أن يتم إلقاء الحوار من دون تمثيل
(رغم أنه معد سلفاً) وألا يتعامل كل ممثل مع الآخر بالنظرات أو باللمس بل
يوجّه كل للآخر حديثاً يحمل أفكاراً فلسفية على نحو ما كان روبرت بريسون
يقوم به، وفي تشكيل لا يبتعد عن المدرسة البرشتية . في مجمله هذا فيلم فريد
في سينما اليوم كونه يعمل على عدّة مناهج وأفكار مفقودة في عالم التعبير
سينمائياً (ومسرحياً أيضاً) . فرادته متأتية من سعة معلومات مخرجه في
المنهج الخاص الذي يقوم به . تلك المؤثرات (أولمي، بريسون، بريشت وفلاهرتي)
ليس وحيدة، بل تواكبها علاقة جدلية بين الفيلم وفكر جان-ماري ستروب ودانييل
ويلييه المعبّر عنه في أفلامهما خلال الستينات .
أوراق ومشاهد
نقطة التلاشي
Vanishing Point (1971)
***
هذا الفيلم واحد من ملامح سينما السبعينات من القرن العشرين التحررية
شأنه في ذلك شأن العديد من أفلام نهاية الستينات حتى منتصف السبعينات وقبل
أن تعاود “هوليوود النظام” السيطرة على مقدّرات الإبداع .
“نقطة التلاشي” أنتجته “كيوبيد برودكشنز” وهي كانت
شركة مستقلّة ووزّعته “توينييث سنتشري فوكس” سنة 1971أي واحدة من كبريات
المؤسسات الهوليوودية . وهو ثاني سيناريو لمؤلّفه غويلرمو كاين (اسمه
الأصلي غويلرمو كابريرا إنفانتي ومن مواليد كوبا) ورابع فيلم لمخرجه رتشارد
س . صارافيان الذي حقق شهرة متوسّطة في ذلك الحين وتعامل مع أنواع مختلفة
من الأفلام من بينها “الرجل الذي أحب كات دانسينغ” مع بيرت رينولدز .
الفيلم يبقى فريداً بين أعماله ومختلفاً عن أفلام سيارات سريعة تعبر
طول وعرض الولايات المتحدة . في الواقع فإن من يريد معرفة ما هي سينما
السبعينات الأمريكية لا يستطيع أن يترك هذا الفيلم يمضي بلا مشاهدة .
حكايته بسيطة: كوولسكي (باري نيومان) عليه أن ينطلق من كولورادو إلى
كاليفورنيا في ثلاثة أيام بسيارته “دودج تشالنجر” . من البداية يعلم أنه
حتى يفعل ذلك عليه أن ينطلق بلا توقّف وأن رجال شرطة ثلاث ولايات سوف
ينطلقون في أعقابه . قليل جدّاً من الأحداث لتوفير خلفيّته الشخصية، وهي
مقتصرة على بضعة ملامح . بقية الفيلم مطاردة واحدة طويلة بين سيارات الشرطة
وبينه مروراً بتيهانه في صحراء “وادي الموت” ولمحة عن أتباع كنيسة غامضة
يجدها هناك .
هناك إثارة مشهدية قوامها السيارات السريعة والمطاردة المفتوحة في
البراري الأمريكية وسؤالان: كيف سيتخلّص بطل الفيلم من مطارديه؟ وما هي
النهاية المنتظرة؟ وكل ذلك مقدّم بأسلوب من لا يريد أن يروي حكاية بل
موقفاً وفي ذلك ينجح الفيلم تماماً .
معظم الفيلم على الطريق وعن إصرار السائق على بلوغ غايته والشرطة
لإحباطها، لكن في اللب حريّة الفرد (ولو غير مسؤولة تماماً) وعداؤه المبيّت
لنظام كان انتمى إليه (كان شرطياً ورفض الفساد حوله) . في النهاية لن
يستسلم ولو أدّى الأمر لانفجاره وسيّارته .
م .ر
Merci4404@earthlink.net
الخليج الإماراتية في
10/03/2013
عرّضه لتهديدات مباشرة بالقتل
نجدت إسماعيل أنزور: ملك الرمال حالة دفاع عن النفس
!
سامر محمد إسماعيل
هنا يتحدث صاحب «إخوة التراب» عن فيلمه الجديد «ملك الرمال» وأسباب
تعرضه للتهديدات بعد تحقيقه هذا الفيلم الذي يروي بسرد تاريخي مشوق نشوء
المملكة السعودية، كما
يتحدث عن مسلسله« تحت سماء الوطن» الذي بدأ تصويره لمصلحة المؤسسة العامة
للإنتاج التلفزيوني، ولا يخفي صاحب «نهاية رجل شجاع» غضبه من مواقف بعض
الفنانين السوريين الذين تعاملوا مع وطنهم كفندق تركوه عندما ساءت الخدمة؟
تشرين دراما التقت الفنان نجدت إسماعيل أنزور وكان الحوار الآتي:
·
بقيت في دمشق رغم كل الظروف،
تعمل وتصور أعمالك، كيف ترى إلى مواقف بعض الفنانين الذين رحلوا عن الوطن
في ظل الأزمة؟
للأسف معظم الفنانين السوريين لم يلتفتوا في السنوات الأخيرة لصياغة
مفاهيم ثقافية تساهم في دعم الحياة المشتركة، بل تطرفوا نحو المال والشهرة
وعبادة الذات، وذلك نتيجة المغريات الكبيرة التي قُدمت لهم من دول النفط،
خذ مثلاً المسلسلات التركية المدبلجة التي تخطت حد المعقول على شاشات
الفضائيات العربية، لتصبح هي المتن البصري للفرجة، فيما تراجعت الدراما
السورية نحو الهامش، الآن أنت كفنان ليست مهمتك أن تقاتل لتصنع مسلسلاً،
فالمعركة اليوم هي معركة بقاء كون الآخر يريد أن يلغيك تماماً، ومن هنا
تأتي أهمية وعي الفنان لما يحدث حوله، فعندما تترك البلد وتغادر، هذا يعني
أنك كفنان تخليت عن مشروعك الفني التنويري لتترك للآخر حرية العبث ببلدك،
والفنان عليه مسؤولية تجاه الجمهور وتجاه ذاته، وعليه أن يصمد مثله مثل
الجندي الذي يقاتل اليوم ضد هذا الإرهاب الدموي، فما يحدث من محاولات للنيل
من سورية يثبت أن هذا الآخر مجهولة غاياته البعيدة حتى الآن، فما خفي أعظم،
والذين غادروا خارج سورية نحو هذا الآخر؛ إما أن يكونوا في محل التقاعس أو
الجبن أو أنهم جزء من المؤامرة، ولا يخرج علي أحد اليوم ويقول لي أنني لا
أستطيع مغادرة البلد، هذا غير صحيح، الكل يستطيع المغادرة، الكل يستطيع
التخلي، لكنني اخترت بكامل إرادتي البقاء في وطني والصمود فيه، وسورية
اليوم قريبة جداً من نصر كبير، وكما يقولون: النصر صبر ساعة، ودمشق لن تسقط
لأنها إذا سقطت لا سمح الله، لن يقوم للعروبة والعرب قائمة، فمن غير
المقبول التخلي عن بلدنا بهذه السهولة التي غادر فيها من غادر، أما القادم
من الخارج فليس لديه سوى لغة القتل والتدمير وإلغاء الهوية الوطنية، وأنا
برأيي سورية الوطن مقبلة على تغييرات جذرية، فليس من الطبيعي أن نقول: إننا
سنعود كما كنا سابقاً، لأننا كنا على خطأ، شئنا أم أبينا يجب أن نعترف بهذا
الأمر، فلم نستطع أن ننمي الريف بشكل جيد، لم نستطع أن نبني إنساناً ونحقق
له جزءاً يسيراً من طموحاته، ففي هذه الأزمة خسرنا الكثير من شبابنا ، كما
خسرنا بنية تحتية دفع السوريون دمهم لإنجازها على مدى خمسين عاماً من العمل
بعد الاستقلال، ولذلك نحن اليوم بحاجة إلى جميع السواعد السورية، بحاجة إلى
دماء جديدة، وفكر جديد، وحتى إلى طريقة تفكير مختلفة حتى نستطيع الحفاظ على
ما تبقى من هذا الإرث الوطني الذي أخاف عليه، وكل فنان غادر سورية مجبراً
أو مكرهاً أو خائفاً أنا أدعوه اليوم للعودة إليها، فالمعركة التي تخوضها
بلادنا هي معركة وجود وبقاء، وليجلس الجميع مع الجميع على طاولة واحدة،
فمصلحة البلد ومصلحة الناس هي الأعلى، وخروج الفنانين من ممثلين ومخرجين
وكتاب إلى الخارج كان خياراً خاطئاً، الفنان يجب ألا يدخل في اصطفافات
سياسية يمكن لها أن تتغير بين ليلة وضحاها، الفنان يجب أن يحافظ على مسافة
من السلطة وأن ينال احترامها كي يكون قادراً على أن يمرر رؤيته لأصحاب
القرار فيها، فهؤلاء يحتاجون إلى من يقول لهم دائماً أين أخطتم وأين أصبتم،
هكذا يكون تأثيره أقوى على هذه السلطة أو تلك، لكن الغريب هو هجرة الفنانين
خارج وطنهم، وتسجيلهم مواقف سلبية تجاه الدولة، مع أنهم هم أكثر من كُرموا
في سورية، هم أكثر ناس كانوا يتقاضون أعلى الأجور، فلماذا يأخذون موقفاً
سلبياً من حكومة بلدهم؟ كيف يضعون أيديهم في أيدي قتلة يريدون أن يدمروا كل
هذا الإرث الحضاري والفني لبلادهم؟! الفنان يجب أن يكون لونه من لون الوطن،
فكروا قليلاً..فكروا بالذين يريدون تدمير البلد إلى أين سيأخذونكم؟ من أجل
المال؟! المال وسيلة وليس غاية، الفنان في سورية مكرّم رغم أخطائه، الدولة
ترعاه وتشتري أعماله السيئ منها قبل الجيد، وتعفيه من الضرائب فلماذا فعلتم
ما فعلتم؟ أين مشكلتكم؟ هل هذا نوع من ركوب الموجة؟ أبشرهم أول أشخاص
سيسقطون هم هؤلاء، فالآخر لديه مشروع رغم قبحه، لكن أنتم ما هو مشروعكم؟
·
الإشكالية هي سمة أعمال نجدت
إسماعيل أنزور، أم هي رغبة دائمة في تحريك المياه الراكدة في العقل عبر
الصورة والطرح الفني؟
الإشكالية تأتي لدي من وقوفي الدائم في وجه التطرف، هناك مخرجون
سوريون لم يستطيعوا أن يحافظوا على إرثهم الفني، فليس كافياً أن أقدم عملاً
أو عملين مهمين، المهم أن أصل لعقل الجمهور وقلبه في آنٍ معاً حتى أستحوذ
على جزء من تفكير الناس، هذا ما نجحت به، الناس يمكن أن ينسوا الكثيرين،
لكنهم لن يستطيعوا نسياني، أنا أسكن في ذاكرة الجمهور.
·
«تحت
سماء الوطن» عبارة عن ثلاثيات تطل على اللحظة السورية الراهنة؟
هي المرة الأولى التي أتعامل فيها مع التلفزيون العربي السوري، ومؤسسة
الإنتاج التلفزيوني قدمت لي نصوصاً تملكتها، لكنني فضلتُ أن نقدم عملاً من
عشر ثلاثيات يتعرض للأزمة السورية، يكون حقيقياً وملامساً للوجدان السوري
الجمعي، لكي نقدم مرآة للناس في هذه الأزمة، أين هم ذاهبون؟ والعمل سيكون
نوعاً من الترميم الاجتماعي، وليس هجوماً على طرف من طرف، إطلاقاً، وليس
مداعبة لطرف على حساب طرف آخر، فنحن مع الإنسان السوري في هذه الثلاثيات؛
ثم إن هناك خمسة كتاب يشاركون في تأليف هذا العمل، وهذا يعطي مناخاً آخر من
المشاهدة، تتغير فيه الشخصيات وطبيعة الموضوع وأماكن التصوير، وهذا برأيي
مهم بعيداً عن نمط الثلاثين حلقة التي عادةً ما تكون معرّضة للحشو الزائد
وغير الدرامي لتمرير وقت على حساب المشاهد، لكن في هذا العمل تستطيع مشاهدة
عشر مسلسلات بدلاً من أن تشاهد مسلسلاً واحداً، وجميعها يطل على ما يحدث في
سورية اليوم، إضافةً إلى الرغبة المشتركة لدي كمخرج للعمل وعند إدارة
المؤسسة لتشغيل جميع الفنانين الذين ظلوا في سورية ورفضوا مغادرتها رغم كل
الظروف القاسية.
·
إلى أي حد تستطيع الدراما اليوم
أن تصوغ رأياً عاماً في مواجهة سطوة نشرات الأخبار والبرامج السياسية؟
الدراما قادرة على صياغة الرأي العام، تذكر معي مسلسل مثل «ما ملكت
أيمانكم» هذا العمل الذي استشرف وجود التطرف في المجتمعات العربية، مشيراً
إليه بكل جرأة وتجرد، أيضاً الثلاثيات التي أحققها لمصلحة مؤسسة الإنتاج
الإذاعي والتلفزيوني سيكون لها دور كبير في صياغة وتكوين آراء أعتقد بأنها
ستكون مدوية في الشارع السوري، خصوصاً عند المرأة السورية، فثلاثيات «تحت
سماء الوطن» تتعرض في جانب منها لما تعرضت له النساء السوريات في مخيمات
التهجير القسري عن الوطن، والفتاوى التي صدرت بحقهن، وكيف تم بيعهن خارج
أوطانهن، وهن كن المحصنات مرفوعات الرأس في كنف الوطن.. ثم إن الثلاثيات
ستكشف الدور السعودي في المتاجرة بنساء سوريات يتم تعريضهن لأقسى وأبشع
أنواع الرق المبرر بفتاوى دينية، وهذا يأخذنا إلى فيلم «ملك الرمال» الذي
حققته مؤخراً، والذي أفضح فيه مفهوم السبي والسبايا في الفكر الوهابي
المتطرف.
«تحت
سماء الوطن» يفضح الممارسات ضد النساء السوريات في مخيمات التهجير
·
ما قصة «ملك الرمال» وما الذي
حرضك على تحقيق هذا الفيلم بالذات؟
أولاً السعودية هي من صدّرت عن إصرار وتصميم المسلسلات التركية
المدبلجة للإساءة والتضييق على الدراما السورية عبر شبكة الـ
mbc، فهذه الشبكة بالذات مسيسة والكل يعرف من يملكها،
وكيف تدار ولمصلحة من، أريد أن أقول: إن النظام السعودي مثلما صدّر الإرهاب
للعالم هاهو يصدّره لبلدي الغالي سورية، يكفي اليوم أن تذكر كلمة السعودية
في أي مدينة من مدن الغرب الأمريكي حتى يتذكر الجميع أن آل سعود كانوا وراء
أحداث 11 أيلول، ولهذا تضافر لدي الشخصي مع السياسي، فعكفت على صياغة فيلم
«ملك الرمال» الفيلم كحالة دفاع عن النفس قبل كل شيء، فالعمل حرصت على أن
يكون عملاً كبيراً إنتاجياً وفنياً، كونه يميط اللثام عن صفحات غير مقبولة،
بل من المحرم على أحد في العالم العربي أن يكشف عنها، فتاريخ مؤسس الدولة
السعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن بن آل سعود لها تفاصيل تلك الرحلة
المشوّقة التي قام بها بعد خروجه من منفاه في الكويت، ومن ثم غزوه للرياض
وإنهاء فترة حكم آل الرشيد هناك، وانتقاله بعدها إلى نجد وحائل والحسا عام
1921، وقضائه على الأسرة الهاشمية هناك بالتعاون مع الإنكليز عبر جاسوسهم
الشهير جون فيلبي الملقب بـ«عبد الله المهتدي»، وكيف قام عبد العزيز بن عبد
الرحمن بن آل سعود بقتل كل خصومه بوحشية مرعبة وكيف قام بقتل عجلان الشمري
بالتواطؤ مع المستعمر البريطاني للقضاء على الهاشميين والتخلص من
العثمانيين في شبه الجزيرة العربية.
أمر آخر جعلني أقوم بإخراج «ملك الرمال» هو تشابه ما يحدث اليوم في
المنطقة العربية من محاولة تقسيم المقسم، فلقد أنجزته فيلماً ناطقاً باللغة
الإنكليزية، وأنتجته بمالي الخاص ومن دون أي علاقة لأحد في هذه المسألة،
فلقد عانيت من حكاية التمويل في فيلم (سنوات العذاب) الذي تعرضت فيه لفترة
الاستعمار الإيطالي لليبيا، لكن الرئيس الراحل معمر القذافي حين تصالح مع
الطليان تراجع عن إتمام تمويل الفيلم فتوقف المشروع بالكامل، ولذلك
أحببت أن يكون (ملك الرمال) بعيداً عن أي تمويل أو بروباغاندا سياسية
مضادة، حتى أتمكن من إطلاع الغرب والعالم على حقيقة النظام السعودي الذي
يريد أن يعلمنا الديمقراطية وهو يفتقد لأدنى حد من أشكال حريات وحقوق
الإنسان؛ اقرأ تاريخهم لن تجد أنهم رفعوا سيفاً إلا على العرب، إضافةً إلى
أن الجميع يعرف أن المؤسسات الإعلامية الكبرى في العالم العربي تعود
بملكيتها للنظام السعودي، وكان من السهل عليهم لو قدمته باللغة العربية
وأده وشطبه من التاريخ، طبعاً أنا عربي قبل أن أكون سورياً وليست لدي مشكلة
مع الشعب العربي الطيب في بلاد الحجاز، مشكلتي مع الإرهاب التتري المغولي
البربري الذي تتعرض له سورية الحبيبة من قبل نظام آل سعود وسواه من مشيخات
النفط، انظر إلى ما يجري الآن بعد مضي عامين في سورية على ما سموه
ربيعاً،تجد أن هناك مخططاً واضحاً لإعادة تقسيم المنطقة، تماماً مثلما جرى
بعد الثورة العربية الكبرى مطلع القرن العشرين والتي دعمها الإنكليز
والفرنسيون للقضاء على العثمانيين فوقّعوا اتفاقيتهم الشهيرة (سايكس بيكو)
وقسّمونا.. يا أخي.. هل ممنوع علينا حتى الدفاع عن النفس؟؟.
من ناحية أخرى حرصت على أن يكون هذا الفيلم مصنوعاً بسوية فنية عالية
ورؤية تاريخية شاملة تجعله قادراً على منافسة أكبر وأضخم إنتاجات السينما
في العالم، من دون أن أنسى القالب العربي الذي تمكنك ملاحظته في الفيلم
بالحفاظ على الأغاني التراثية في بلاد الحجاز التي أعطت للفيلم نكهة فنية
وبصرية خاصة، طبعاً مع التركيز على إسقاطات معاصرة عبر تقديم أمثلة من
الحاضر السوري اليومي والذي يزداد تأججاً بفعل دعم المال السعودي الخليجي
للإرهاب الدموي في بلدي الحبيب سورية.
·
لكن «ملك الرمال» عرضك لتهديدات
مباشرة بالقتل، هل يستحق الموضوع كل هذه المجازفة؟
التهديدات دائماً كانت تطاردني لكنها اليوم أصبحت أمراً واقعاً، الحذر
مطلوب لكنني لا أشعر بالخوف، فالخوف يشل التفكير ويمنعك من متابعة عملك،
وهذا ما لن أسمح لهم بتحقيقه، فأنا لم أصل إلى مرحلة الخوف، ولا التوقف عن
إكمال مشاريعي الفنية، مع أنهم حاولوا إيصال رسائل حازمة عبر وسطاء لشركة
محاماة بريطانية ممثلة للعائلة السعودية الحاكمة، وقاموا بإجراء مفاوضات
لشراء حقوق الفيلم، وهددوا بطل الفيلم النجم الإيطالي فابيو تيستي الذي قام
بأداء دور الملك عبد العزيز في كهولته، وطلبوا منه إطلاعهم على مصادر تمويل
الفيلم، وأماكن تصويره وأسماء الفنيين والفنانين الذين اشتغلوا فيه حتى
يمنعوا عرضه، لكنني نجحت مع الشركة المختصة بتسويق الفيلم بتوزيعه في كل
أنحاء العالم، فأنا كفنان يجب أن يكون لدي موقف مما يحدث على الأرض
العربية، ولكن بأدوات تعبير مختلفة وراقية وقادرة على فضح المسكوت عنه
ونبشه من محمياته ومقدساته المزيفة.
samerismael@yahoo.com
تشرين السورية في
10/03/2013
مخرج «جارسونيرة» يتحدى الملل بـ٣ ممثلين ولوكيشن واحد
أحمد الجزار
تجربة مثيرة وفريدة يخوضها المخرج هانى جرجس فوزى فى فيلم «جارسونيرة»
الذى ننفرد بنشر الصور الأولى منه
العمل تدور أحداثه بالكامل داخل لوكيشن واحد، وهو «الجارسونيرة»،
بينما يشارك فى التمثيل ثلاثة ممثلين فقط، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً لأى
مخرج، لأن مثل هذه الأعمال تعد جديدة فى الوطن العربى، ولم تقدم كثيراً على
الشاشة الكبيرة، وتقديمه فى الوقت الحالى يمثل مغامرة لأى مخرج، لأنه إذا
لم يقدم بحرفية شديدة قد يفشل ويصيب المشاهد بالملل.
هانى جرجس قال: إن تجربته كانت مجازفة كبيرة وتختلف تماماً عن نوعية
الأفلام التى قدمها من قبل مثل «بدون رقابة» و«أحاسيس»، وهو فيلم درامى صعب
حول المشاعر الإنسانية، كما أن ٧٠% من مشاهده تعد «ماستر سين» لأبطاله،
لذلك كان من الضرورى اختيار أبطال تتوافر فيهم إمكانيات تمثيلية تستطيع أن
تسيطر على المشاهد طوال الوقت، حتى إن المشاهد لم يتم تصويرها بالطريقة
التقليدية، بل تم تصويرها حسب ترتيبها فى السيناريو، بما أن اللوكيشن واحد.
وأكد أن الفيلم تم تصويره فى أربعة أسابيع ويوم، ووصلت مدته إلى
ساعتين وعشرين دقيقة، ويقوم حالياً بعمليات مونتاج مستمرة مع المونتيرة فى
محاولة لتقليص مدته إلى ساعتين إلا عشر دقائق. وتجسد «غادة» خلال الأحداث
شخصية «ندى»، صاحبة النفوذ، التى تصاب بالانهيار عندما تعشق وتحب، وترى أن
الشخص الذى أحبته ينظر إليها وكأنها امرأة سيئة السمعة.
بينما يجسد نضال الشافعى شخصية «سامح»، وهو رجل سياسة ورئيس حزب
معروف، وهو شخصية وصولية، وقد حقق طموحه السياسى عن طريق زوجته ووالدها.
أما منذر ريحانة فيجسد شخصية حرامى شمام، وفجأة يجمع مكان الحدث هذه
الشخصيات الثلاث. الفيلم من تأليف حازم متولى، وتصوير سامح سليم، وديكور
رامى دراج، وسيقوم بكتابة أغنية الفيلم جمال بخيت، بينما لم يتم تحديد
المطرب، والفيلم من إنتاج محمد عارف، ومن المقرر عرضه خلال موسم الصيف
المقبل.
المصري اليوم في
10/03/2013
نجاح عوض الله ترصد كفاح نساء غزة
عمر شبانة/ عمان
ثلاثة أفلام رصدت نضالات المرأة في القطاع: الأجنبيات في «هناك هنا»،
والبطلة أم صالح في «عرايس»، وصهباء البربري زوجة الشاعر معين بسيسو في
«حاملة الجمرة». إنجاز يشكّل نجاحاً للسينما الوثائقية الفلسطينية
بين 2008 و 2010، أنجزت المخرجة الفلسطينية نجاح عوض الله ثلاثة أفلام
وثائقية رصدت وجوهاً متميزة من قطاع غزة رغم الهامشية التي تبدو على ملامح
شخصياتها «بطلاتها»... هامشية يفرضها مجتمع محافظ وبسيط في تقديم إنجازات
أولئك النسوة اللواتي أسهمن في تطوّره وتنويره. إنجاز المخرجة يشكّل نجاحاً
للسينما الوثائقية الفلسطينية عموماً على مستوى الرؤية الفكرية المتميزة،
والأداء الفني المتقدم، إضافة إلى كون المخرجة هي الباحثة وكاتبة سيناريو
أفلامها.
ثلاثة أفلام تبين أنّه يمكن للفنان أن يخترق التابوات ويسير في الطرق
الوعرة لتقديم ما هو متميز. تجربة نجاح عوض الله هي ثمرة غوص في المجتمع
الغَزّي من جوانب متعددة. تبدو مهجوسة بالشخصيات التي تقدمها عمقاً وصدقية.
عن هذا الجانب تتحدث عوض الله لـ«الأخبار»: «عادة ما تغريني الشخصية بحدّ
ذاتها. هناك من يملك القصة الجميلة والمثيرة لكنّه لا يستطيع روايتها،
والفيلم لا يحتاج فقط إلى قصة بل يحتاج أيضاً إلى راوٍ جيد».
في البدء، تلتقط المخرجة حال ثلاث نساء أجنبيات يعشن في غزة. يوثّق
فيلم «هناك هنا» لحياة امرأة رومانية وأخرى بلغارية وثالثة روسية، يتحدثن
عن تجاربهن في العيش مع أزواجهن وعائلاتهن بأسلوب يجمع القصة المحكية
والمادة البصرية التي تعكس مدى التصاق هؤلاء النسوة بالبيئة المحيطة،
والعادات والتقاليد المحلية، والتبادل الثقافي والإنساني بينهن وبين هذا
المجتمع الغريب. تقول المخرجة: «في هذا الفيلم، كنت أرقب عن كثب ــ من خلال
علاقتي بالنساء الأجنبيات في غزة ــ حجم المعاناة على صعيد اللغة والتأقلم
مع ظروف البلد سياسياً واجتماعياً وثقافياً. قصص النساء الثلاث كانت تتحرك
أمامي من خلال تفاعلها مع المجتمع الغَزّي، أردت القول إن التعايش بين
الشعوب ممكن، والنساء الثلاث أصبحن جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي في
غزة، يُعلِّمن أطفاله الموسيقى، ويتعلمن كيف يصُغن علاقتهن مع المحيط».
الفيلم الثاني «عرايس» يتناول حياة امرأة مكافحة منذ انتقالها من بيت
أهلها إلى بيت الزوج وأهله، حين كانت في الرابعة عشرة من عمرها، وكيف بدأت
تذلل الصعوبات من «حَلْب» البقرة، إلى إرساء «مشروع نموذجي لتربية
الأبقار»، والافادة منه بطرق علمية، ومساهمتها في تعليم أبنائها ووصول
اثنين منهم ليكونا طبيبين. تقول المخرجة «التقيت بالسيدة أسمهان أو «أم
صالح»، فوجدتها امرأة ذات حضور قوي، وقدرة على تقديم قصة حياتها بشكل مؤثر،
أعجبت بها كنموذج للمرأة الفلسطينية المكافحة رغم الحياة القاسية التي
عاشتها، إلا أنّها استطاعت أن تخلق شيئاً، فأم صالح لديها مشروع في الحياة
تعرف كيف تديره».
أما الفيلم الثالث «حاملة الجمرة»، فرغم كونه يتناول نضالات أرملة
معين بسيسو، وما تمثله في حياة هذا الشاعر وتجربته، إلا أنّ حضور الشاعر في
الفيلم يجيء على هامش «حكاية» السيدة صهباء البربري، امرأة من أوائل
الشيوعيات والشيوعيين في غزة. من خلال تجربتها في السجون المصرية في زمن
عبد الناصر أواخر الخمسينيات، نكتشف الكثير من تفاصيل الحياة السياسية
والاجتماعية والثقافية في غزة وفلسطين ومصر. في السجن، لا تتعرف إلى معين
بسيسو فحسب، بل أيضاً إلى مناضلات مصريات منهن الفنانة إنجي أفلاطون
والممثلة محسن توفيق... لذلك فهي قصة بذاتها، ولهذا كان تناولها من قبل
المخرجة بصفتها الشخصية، لا بصفتها أرملة شاعر كبير.
عن هذه التجربة، تقول عوض الله «منذ طفولتي وأنا أسمع من والدي عن
المناضلة صهباء البربري التي اعتقلت معه في المعتقل نفسه أواخر الخمسينيات.
عندما كبرتُ، لم أعد أسمع عنها شيئاً في الوقت الذي كنت أسمع فيه عن الشاعر
معين بسيسو. فوجئت بأنها في غزة. خمس سنوات وأنا أسعى خلفها، لا تريد
الحديث عن نفسها، تتحدث عن معين بسيسو، أما عن نفسها فلا. وقد أغرتني حقبة
الخمسينيات من خلال السيدة صهباء وتجربتها وطفولتها في تلك الفترة،
والمعاناة في السجون المصرية التي لا يعرف عنها كثيرون. هذا الفيلم تكريم
لهذه السيدة التي جذبتني ببساطتها ورومانسيتها الثورية وأناقتها».
يبقى طبعاً الاهتمام بالجوانب الفنية للأفلام الثلاثة، حيث الموسيقى
المعبرة، والتصوير المتعدد الزوايا، والأداء القوي للشخصيات، والشهادات
التي تعزز بناء الشخصية، ما يجعل كل فيلم عالماً قائماً في ذاته. لكنّ
البؤرة التي ترتكز إليها الأفلام، هي نقطة انظلاقة المخرجة بتوجهاتها
التقدمية، ورؤيتها إلى مفاصل أساسية في حياة شخصياتها. وربما أمكن القول
إنّ إنجاز المخرجة مفاجئ حين يأتينا من غزة، فكيف تتعامل سلطة «حماس» مع
عمل ينتقد سياساتها ويؤكد على التحولات السلبية في عهدها؟ تقول المخرجة إنّ
«أحداً لم يقترب من هذه الزاوية، لا أدري هل هو الخوف؟ أم هي الرقابة
الذاتية، أم الوقت لم يحن بعد؟ لكن من خلال بعض اللقطات الصغيرة في بعض
الأفلام التي تتعارض مع رؤية «حماس» الاجتماعية، أستطيع القول بأنها لم
تلقَ القبول، ولم يتم التصريح بعرضها إلا بعدما شطبت تلك اللقطات التي رأت
حكومة «حماس» فيها خروجاً عن ذائقتها، فلا يمر فيلم في أي مهرجان دون أن
يمر بالرقيب».
الأردن بعيون مصرية:
لا عزاء لـ «أمهات الشمس»
محمود منير/ عمان
الفقر يصنعه الرجل وتكتوي بناره المرأة. تلك هي خلاصة الفيلم الوثائقي
«أمهات الشمس» الذي يصوّر معاناة النساء في أشد مناطق البادية فقراً. العمل
الذي أنجزته جيهان نجيم ومنى الضيف يرصد سيرة أمّ لأربع بنات تعكس أزمات
الأردن مجتمعةً
الفقر يصنعه الرجل وتكتوي بناره المرأة. هذه المقولة ليست دعاية نسوية
عابرة، بل خلاصة الفيلم الوثائقي «أمهات الشمس» الذي يصوّر معاناة النساء
في أشد مناطق البادية الأردنية فقراً بالقرب من الحدود العراقية/ السورية،
حيث يسقط الرجال العاطلون من العمل بجبروتهم الزائف في تسلط الدولة التي
تُغيّب مواسم التنمية واستدامتها.
بعد عام على إنتاجه وتطوافه المهرجانات، عُرض «أمهات الشمس» للمصريتين
جيهان نجيم ومنى الضيف في عمّان للمرة الأولى خلال افتتاح «مهرجان Aat»
في مناسبة يوم المرأة العالمي. تعثر صانعتا الفيلم على نموذج حقيقي لامرأة
تختصر أزمات الأردن مجتمعةً. رفيعة هي الزوجة الثانية لرجل يعيش في قرية
«منشية الغيّاث» التي تتصدر قائمة جيوب الفقر في المملكة، ولديها أربعة
أطفال لا يجدون طعاماً كافياً وتدفئة وإنارة. يسكنون خيمة في العراء،
فوالدهم عاطل من العمل ينتظر عطف الدولة. لكنّه في الوقت نفسه، يعارض سفر
زوجته إلى الهند للالتحاق بدورة تدريبية ينظمها لستة أشهر «معهد حفاة
الأقدام» Barefoot
كي تكتسب خبرة فنية في إعداد الطاقة الشمسية مع بعض النساء الآتيات من
كولومبيا وكينيا وبوركينا فاسو.
يطرح الفيلم تساؤلاً أساسياً: هل النساء أقدر على التخلص من الفقر
مقارنة بالرجال؟ تلتقط الكاميرا التحولات التي تطرأ على بيئة تستبطن
الإقصاء والحرمان اللذين تمارسهما الدولة بحق مواطنيها، وتعكسها سلوكيات
الرجل الذي يأبى أن تتعلم زوجته لتمتلك مهنة تعيل بها أولادها، لكنه يتقبل
سفرها على مضض. ستسافر رفيعة وامرأة أخرى برفقة «محرَم» يتفرّغ لحمايتهما
أثناء إقامتهما في الهند، ولا ينقطع لسانه وهم متوجهون إلى المطار بترديد
بيت الشعر الآتي: سلاماً يا دار بها العز موجود/ من أجل الوفا ملزوم إني
أغادر! بمجرد مغادرة رفيعة، يبدأ زوجها ابتزازها مهدداً بطلاقها ما لم تعد،
وتحميلها مسؤولية التخلي عن بناتها الأربع، وبذلك تضطر إلى العودة بعد أقل
من شهر. عودة لن تلغي الشروط الاجتماعية والاقتصادية التي تحكم بيئتها.
الرجال أدمنوا البطالة ووعود السلطة المؤجلة لتطوير القرية، بيد أنّ خجل
رفيعة وخوفها من زوجها والفقر انتهيا إلى غير رجعة. من خلال تجربتها
القصيرة في الهند، استطاعت تفكيك خطاب السلطة الأبوية التي تفقد هيبتها
وتأثيرها نتيجة عجزها المزمن عن تغيير الواقع وأزماته. يتوقف الفيلم عند
مظاهر القوى العاجزة في مجتمع ينكر واقعه، فتُعرض صور المرشحين وبرامجهم
الانتخابية المعلقة على خيام قرية هي في أمسّ الحاجة إلى قماش اللافتات لا
للشعارات البرّاقة التي دُونت عليها.
بعفوية وصدق استثنائيين، تصرخ رفيعة أمام الكاميرا: «زوجي قتل روحي».
ولاستعادة روحها وتغيير واقعها، تنجح رفيعة وتسافر مجدداً إلى «معهد حفاة
الأقدام» لتتلقى معرفة جديدة وتسرق لحظة فرح تتكشف في رقصها مع زميلاتها
الأفريقيات واللاتينيات والهنديات وهي بكامل زينتها فيما حجابها ينساب من
كتفيها على الأرض. زالَ الحجاب الذي يغطي عيني رفيعة، وحملت شهادة الدبلوم
إلى باديتها النائية، مسرعة لإنجاز أول مجسم للطاقة الشمسية لتنير مساحات
العتمة الشاسعة، وتستعد لخوض معركة مع رجال قريتها لإقامة مركز للتدريب
التقني للنساء، لكنها تصطدم بواقع أكبر منها، فقد رفضت الحكومة تمويل
مشروعها الذي تبلغ قيمته 115 ألف دينار، ومن شأنه إضاءة القرية بالطاقة
الشمسية وتعميمها على قرى أخرى مظلمة، رغم أن كلفة إضاءتها بالتيار
الكهربائي تتجاوز الملايين.
ضوء في نهاية الفيلم يشع من غرفة ابنتة رفيعة في قرية لا يسمع فيها إلّا
عند الحديث عن مشاريع التنمية المتعثرة، أو تبادل إطلاق نار بين أبنائها
إثر خلاف عشائري.
استري هذا النهد...
«طيب إذا صدر المرأة عورة بالنسبة إليكم، ليش محتفلين فيها؟»، تختصر
هذه الجملة عدداً كبيراً من الانتقادات التي انهالت على الصفحة الخاصة بــ«مهرجان
آت» على الفايسبوك. المهرجان الذي أقيم أصلاً لتكريم المرأة وقع في
الانتقاص من قيمتها. على «بوستر» المهرجان، وضع القائمون على الحدث صورة
التمثال الشهير لآلهة الحبّ فينوس الذي يظهر امرأة عارية من دون يدين. لكن
هذه المرة، ارتأى المسؤولون عن المهرجان تغطية الصدر... كأنّنا بهم يقولون
مع «طرطوف» موليير: «استري هذا النهد الذي لا أقوى على رؤيته»!
«دراجة»
هيفاء المنصور تفتتح «أيام بيروت»
فريد قمر
تنطلق يوم الجمعة الدورة السابعة من «أيام بيروت السينمائية» الذي
تنظمه جمعية «بيروت. دي. سي» في «متروبوليس أمبير صوفيل» بمشاركة 50 فيلماً
من لبنان والعالم. الإعلان عن البرنامج جاء خلال مؤتمر أقيم في أحد الفنادق
في العاصمة بمشاركة زينة صفير، وسينتيا شقير وجاد أبي خليل من «بيروت دي سي»
وبرنامج «دوك ميد».
14
عاماً مرت على «بيروت. دي. سي» التي تدافع عن السينما وتؤمن
بها وسيلة لتظهير التغيرات الثقافية والفكرية في العالم العربي، فضلاً عن
دورها التحريضي ضد الرقابة والاختزال. هذا العام، تكتشف الدورة مواهب جديدة
من المغرب، وترفع عن السينمائيين الفلسطينيين الحصار الثقافي المفروض من
سلطات الأمر الواقع ومن سلطات الاحتلال على السواء. أما الحدث السينمائي
الثوري هذا العام، فهو استقبال المهرجان أول شريط من إخراج امرأة سعودية.
فيلم «وجدة» لهيفاء المنصور، سيفتتح الدورة بعدما جال المهرجانات منتزعاً
جوائز عدة من بينها ثلاث في «البندقية» بوصفه أول شريط يصوّر في المملكة.
يتحدث العمل عن طفلة تحلم بشراء دراجة هوائية في مجتمع محافظ كالسعودية.
ومَن يعرف تاريخ تحرر المرأة في أوروبا، يعرف أنّ الدراجة منحت المرأة حرية
التنقل من دون الرجل للمرة الأولى في التاريخ، لكنّ المفارقة أنّ هذا كان
قبل نحو 200 عام!
وإذا كانت منصور تشكل سابقة سينمائية في السعودية، فإنّ السينما
المغربية تقدم اجتهاداً كبيراً مع ثلاثة أفلام شبابية كسرت «تقليد» الانتاج
المشترك بعدما قررت الدولة دعم السينما. ومن الأفلام المشاركة «على الحافة»
لليلى كيلاني الذي شارك في «مهرجان كان» قبل الأخير، و«يا خيل الله» لنبيل
عيوش الذي شارك في المهرجان نفسه العام الماضي. ويبدو أنّ سوريا التي دمّر
العنف والعنف المضاد مظاهر الحياة فيها، لم ييأس مخرجوها بعد. ها هي ميار
الرومي تشارك بفيلمها الروائي الطويل «مشوار»، بالإضافة الى وثائقي «كما لو
أننا نمسك كوبرا» لهالة العبد الله. ولفلسطين حصة في أفلام القضية مع «لما
شفتك» لآن ماري جاسر و«غزة 36 مم» حيث يقدم خليل المزين نقداً للحصار
الثقافي «الحمساوي».
على عادته، يكمل المهرجان دعمه للسينما اللبنانية فيعرض «النادي
اللبناني للصواريخ» لجوانا حاجي توما وخليل جريج الذي سينتقل الى العرض
التجاري في الصالات المحلية الشهر المقبل، شأنه شأن «عصفوري» لفؤاد عليوان،
بالإضافة إلى فيلم اليان الراهب «ليال بلا نوم». وتشارك أيضاً أفلام لمواهب
لبنانية شابّة هي: «أبي يشبه عبد الناصر» لفرح قاسم، و«الحارة» لنيكولا
خوري (إنتاج روزي الحاج)، و«استعادة النضال» لرائد ورانيا رافعي. ويقدم
المهرجان لفتة الى المخرجة تمارا ستابنيان عارضاً شريطها الوثائقي «جمر»
الذي يتناول نضال عائلة أرمنية خلال الحرب العالمية الثانية. على هامش
المهرجان، تقام ندوات حول صناعة السينما والإنتاج والأفلام الوثائقية
وبرنامج «دوك ميد»، بالإضافة الى ليلتين طويلتين للأفلام القصيرة.
«أيام بيروت السينمائية 7»: بدءاً من 15 حتى 24
آذار (مارس) ــ «متروبوليس أمبير صوفيل»
للاستعلام: 01/204080
الأخبار اللبنانية في
11/03/2013 |