حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أبو عوض:

ميلاد جمعية مغربية متخصصة في الوثائقي

 

يشهد المغرب الأقصى في السنوات الأخيرة حراكا ثقافيا وسينمائيا لافتا جعل منه أهم بلد عربي ينظم مهرجانات السينما والتظاهرات التي تعنى بالثقافة عموما. وسيشهد هذا البلد الزاخر بالمبدعين ميلاد جمعية أكاديمية وسينمائية جديدة متخصصة في الفيلم الوثائقي تحمل اسم " الجمعية المغربية للدراسات الإعلامية والأفلام الوثائقية". وتطرح هذه الجمعية على نفسها مشروعا ثقافيا وطنيا وعربيا واعدا. التقينا مدير الجمعية د.عبد الله أبو عوض ليعطينا بعض التفاصيل عن هذه الجمعية.

·     د. عبد الله أبدأ معك من اسم الجمعية.. الجمعية المغربية للدراسات الإعلامية والأفلام الوثائقية، حيث تبدو التسمية وكأنها حاملة لموقف فكري وجمالي عندما وضعتم الإعلام كخطاب وكوسيط ثقافي مع الفيلم الوثائقي كمنتج إبداعي سينمائي في سلة واحدة. لو توضحون لنا الفكرة من وراء هذا المزج ؟

أولا، اسمح لي بأن أوضح أن الجمعية المغربية للدراسات الإعلامية والأفلام الوثائقية هي من الجمعيات المغربية التي تسعى إلى إبراز الدور الفعال للمجال الإعلامي المغربي من حيث التعريف بخصوصية المغرب الثقافية والفنية والفكرية، واستيعاب الطاقات المهتمة بالعمل الإعلامي، والكفاءات الفكرية المهتمة بالبحث الأكاديمي في مجال الميديا عموما .

وقد جاءت فكرة الجمع في اسم الجمعية بين الدراسات الإعلامية والأفلام الوثائقية لمجموعة من الأهداف، وللتوضيح فهذا الجمع جاء بناء على رغبة مؤسسي الجمعية في إبراز بعدين : الأول، وهو بعد أكاديمي، يتمثل في الدراسات الإعلامية، ليكون المسعى هو تنظيم دورات تكوينية، وورشات تعليمية، وإصدار مؤلفات علمية خاصة في مجال البحث الإعلامي وتنظيم ندوات دولية. وهناك بعد ثان. وهو بعد سينمائي يتمثل في الفيلم الوثائقي من خلال تأسيس مهرجان دولي يعنى بالفيلم الوثائقي، لأن هذا المجال السينمائي هو فن يعنى بالنقل الخلاق للواقع، وواقع المغرب في ثقافته هو انعكاس لواقع الحضارة الأندلسية، هذه الحضارة التي نالت من نصيب العد الزمني للحضارة الإسلامية ما يناهز ثمانية قرون. وبالفعل تم الإجماع على تنظيم هذا المهرجان بعد دراسات مفصلة ودقيقة واستشارات محلية ودولية ليكون تحت عنوان (مهرجان أوربا ـ الشرق للفلم الوثائقي)وذلك بمدينة الثقافة العالمية مدينة أصيلة الساحرة.

·     من وجهة نظر المتلقي .. ألا يعتبر وضع الوثائقي ضمن دائرة الإعلام إضعافا للقدرة الابداعية للوثائقي وربطه بجمهور منمّط هو جمهور الإعلام عموما..

لا بالعكس، الفيلم الوثائقي هو صورة إبداعية قوية في مجال الإعلام عموما، والمتلقي أو المرسل إليه بدأ يجد ضالته في الفيلم الوثائقي، لأن هذا الشق الإبداعي في عالم السينما يمزج بين الصورة الفنية والمعالجة الواقعية. ولا يمكن تنميط أذواق المشاهدين ما دام عالم الصورة من أهم المرتكزات التوجيهية في إقناع الرأي العام.

·     يعتبر المغرب الأقصى من أكثر البلدان العربية تنظيما للمهرجانات السينمائية فما هي الإضافة التي ستقدمونها

أتفق معك، ولكن ما ينبغي توضيحه أن لكل مهرجان خصوصية تميزه عن غيره بين الوثائقي والفيلم القصير والفيلم الطويل، والمغرب بلد التنوع والاختلاف الثقافي والعرقي بين الأمازيغي والعربي والأندلسي ... وهو ما أقره دستور المملكة المغربية، وهذا التنوع هو الذي يهب للثقافة المغربية انفجارا يعبر عن مختلف الأوجه الإبداعية ومن بينها تعدد المهرجانات، وهذه المهرجانات في جوهرها إضافات فنية تحمل إبداعات إنسانية. ونحن في الجمعية بعد دراسة خصوصية المهرجانات قررنا بمسؤولية مواطنة أن لا يكون المهرجان رقما زائدا، أو أن نخندق العمل تحت قاعدة الفشل التي تنص على أنه (ليس في الإمكان أبدع مما كان) وإنما سعينا هو إحياء الدور الذي عرف به المغرب حضاريا، كدور مد جسر التواصل والتعايش الإنساني بين أوربا والشرق من خلال تاريخ الأندلس. فجاءت فكرة المهرجان تحت عنوان (مهرجان أوربا ـ الشرق للفيلم الوثائقي).

·     دائما مع قراءة في اسم الجمعية .. يوحي بأن منحاها أكاديمي فهل سيكون نشاطها أكاديمي بالتالي أعضاؤها فقط اكاديميون أم ستهتمون بالإنتاج وبالتالي معكم مخرجون ومبدعون

سؤال مهم، سبقت الإشارة إلى البعد أكاديمي والفني، فمن حيث البعد الأول فقد وضعنا برنامجا لإنشاء (المركز المغربي للدراسات الإعلامية) كمركز يعنى بتنظيم ندوات دولية، وللإشارة فقد شرعنا في إعداد ندوة دولية بمشاركة مختلف الباحثين والأكاديميين من المغرب ومن الدول العربية والغربية لمناقشة موضوع تحت عنوان (صورة المغرب في الإعلام المحلي والدولي)، كما أن المركز سيهتم بالإصدارات العلمية والدورات التدريبية والأوراش التكوينية.... والفيلم الوثائقي في برنامج الجمعية يعكسه التوجه نحو المهرجان، مما يعني الانفتاح وبكل قوة على عالم الإبداع السينمائي في شقه الوثائقي والمساهمة في إنتاج أعمال ولو مصغرة تعيد ترويج الثقافة المغربية.

·     لو تقدم لنا بسطة عن برامجكم المستقبلية وخاصة استعدادكم لملتقى أوربا – الشرق للفلم الوثائقي بمدينة أصيلة

مهرجان أوربا الشرق للفيلم الوثائقي تم تحديد تاريخ دورته الأولى يوم 23-26 أكتوبر 2013، وسيتضمن مسابقة للأفلام المشاركة وندوة دولية وورشات تكوينية وعروض في مؤسسات مدنية وتعليمية ومسابقة للهواة... وستكون المدينة المستضيفة للمهرجان هي مدينة رسمت جدران مآثرها التاريخية بالثقافة، مدينة أصيلة، والتي تعرف استقطاب ثلة من مبدعي ومثقفي وسياسيي العالم بأسره تحت إشراف السيد الدكتور محمد بنعيسى رئيس مؤسسة منتدى أصيلة والذي نتوجه له بالشكر والتقدير على مساعدته اللوجيستيكية التي قدمها للمهرجان.

·        هل تفكرون في شراكات مع مؤسسات عربية وأوروبية

بالطبع وهذا ما بدأنا العمل عليه سواء مع مؤسسات عربية أو أجنبية، ومن أهم المؤسسات التي نسعى إلى خلق شركات معها مؤسسة الجزيرة من خلال قناة الجزيرة الوثائقية، لأنها القناة العربية الوحيدة في العالم التي جعلت للوثيقة التاريخية والإنسانية، العربية خاصة وحتى غير العربية لغة الصورة الإعلامية من خلال إنتاج أفلام ذات هوية بعيدة عن عملية الاستيراد.

·     كثيرا ما تتهم السينما والثقافة المغاربية بصفة عامة بأنها فرنكوفونية أكثر من اللزوم فكيف تردون على هذا الاتهام وما دور الوثائقي في تغيير هذه الصورة بين الضفتين

هذا ما يروج عند بعض السينمائيين العرب والأجانب، وهو فهم خاطئ في هذه الجزئية، لأن الأمر له علاقة بالبعد التاريخي، فدول الشمال لها امتداد ثقافي مع دول الجنوب قد يكون لأسباب كثيرة، فالثقافة الأنكلوساكسونية هي امتداد داخل مجموعة من الدول العربية والثقافة الفرانكفونية كذلك، وهذا ما يعكس جانب الاهتمام الداخلي من طرف دول الجنوب بالثقافة الوافدة عليه.

والجمعية المغربية للدراسات الإعلامية والأفلام الوثائقية ليست بمنأى عن هذا الامتداد الثقافي إلا أنها تعكس في تصورها رؤية كونية مفادها(الإنسان جوهر كل شيء)سواء أكان ذا ثقافة أنكلوساكسونية أو فرانكفونية أو إسبانية أو صينية..... ولا يمكن أن يكون هناك جمع خلاق بين كل الثقافات حسب نظري إلا بالفيلم الوثائقي. لهذا نراهن أن يكون مهرجان أوربا ـ الشرق للفيلم الوثائقي ملتقى للثقافة، إنسانيا ولجمال الصورة سينمائيا.

الجزيرة الوثائقية في

28/02/2013

فيلمان محورهما المرأة والأسلوب التسجيلي

أمير العمري

شاهدت في الدورة الثالثة والأربعين من مهرجان روتردام السينمائي فيلمين، أولهما هو "كيان" Kayan  للمخرجة الإيرانية مريم النجفي المقيمة في كندا، والثاني هو فيلم "هوية" I.D  للمخرج الهندي كمال محمد.

القاسم المشترك بين الفيلمين من ناحية الموضوع هو وجود المرأة في صدارة الحدث أو في بطولة الفيلم إذا جاز التعبير، فهي الشخصية الرئيسية التي نرى كل ما يجري من وجهة نظرها. غير أن الفيلمين ليسا "عن" المرأة، بل قصد أن يكونا من خلال وجهة نظرها بشكل محدد وواضح في أسلوب السرد، مع الحرص على أن تكون موجودة في كل مشاهد الفيلم من البداية إلى النهاية.

العامل الثاني الذي يجمع بين الفيلمين هو أن كلاهما يجنح صانعه، إلى استخدام الأسلوب التسجيلي في التعامل مع المادة المصورة، وهو ما يؤكد يوما بعد يوم، زيادة نفوذ الفيلم التسجيلي وزحفه على الفيلم الروائي، ولعل ما يدفع إلى انتهاج الأسلوب التسجيلي في الفيلمين كونهما يتناولان موضوعين وثيقي الصلة، سواء بما نراه في حياتنا اليومية، أو بما يمكن أن يحدث لنا.. بما يتداعى من تجاربنا الإنسانية، ومن محيطنا الإجتماعي.

ولكن بينما يميل الفيلم الكندي "كيان" إلى التركيز على شخصية المرأة كونها الشخصية "المأزومة" التي تستحق التأمل، يستخدم الفيلم الثاني شخصية إمراة منفصلة عن الواقع، أو قادمة من خارجه لا تعرف عنه شيئا، لكي يكشف لنا تلك الحقائق المذهلة عن الواقع الذي لا تعرف هي شيئا عنه.

المرأة إذن في الفيلم الأول مقصودة في حد ذاتها، ومقصود التطرق إلى مشاكلها الشخصية وهي المهاجرة إلى مجتمع غريب عليها. والمرأة في الفيلم الثاني مهاجرة من الريف إلى المدينة داخل بلادها، أي أنها أيضا غريبة عن الواقع الجديد الذي تتأمله في دهشة إن لم يكن في صدمة.

كيان

فيلم "كيان" هو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرجة الإيرانية الأصل المقيمة في كندا، مريم النجفي، وهو يدور حول شخصية إمرأة لبنانية مهاجرة تعيش في تورنتو بكندا، والفيلم ناطق باللغتين العربية والإنجليزية.

الشخصية الرئيسية في الفيلم هي شخصية "حنين"، وهي إمرأة تجاوزت منتصف العمر، تدير مطعما في المدينة، هو في الحقيقة بمثابة "مقصد" لعشرات المهاجرين من جنيسيات مختلفة من الذين وفدوا على المدينة، بعضهم من العاملين بالمطعم، والآخرون من الزبائن الذين يترددون عليه

أجواء المطاعم اللبنانية والطعام اللبناني والرقص الشرقي ليلة بعد أخرى في المطعم هي أجواء حميمية دافئة تتناقض بالطبع مع البيئة المحيطة. لقد إن حنين تحاول نقل عالمها من لبنان إلى تورنتو. وتبدو وقد إنفصلت تماما عن المجتمع من حولها. وهي تستعين بمغني إسباني مع راقص من راقصي الفلامنكو، رغبة في زيادة جاذبية المطعم.

لكن الموضوع ليس هو المطعم أي ذلك "الكيان" الشرقي الذي يحمل طابعا خاصا جدا يجعلك تشعر أنك في بيروت أو في إحدى العواصم العربية، رغم أن مشاكل إدارة هذا "الكيان"، الذي يتعايش فيه الجميع، ودفعه للنجاح، في صميم الفيلم، لكن أساس الموضوع هو شخصية "حنين" نفسها، التي انفصلت عن زوجها منذ فترة، وتقوم بتربية إبنتيها المراهقتين، وكيف ترتبط بعلاقة عاطفية مع شاب يدعى "فؤاد" يصغرها كثيرا، يقيم حاليا في مدينة أخرى، هي تحبه بينما يتهرب هو منها بوضوح، ويختزل علاقته بها إلى مجرد علاقة هاتفية، حتى يحتاج إلى مساعدتها فيطلب منها أن تحصل على قرض من البنك خصيصا لكي تعطيه المال بدعوى أنه يواجه أزمة مالية.

"حنين" التي تتمتع بجمال واضح وإن كان في طريقه للزوال تدريجيا، وتعاني من بعض الترهل وزيادة الوزن، تصر على التردد على المطعم وهي في كامل زينتها، فهي ترتدي الأحذية ذات الكعب العالي والملابس المكشوفة دون خجل مما يجعلها أحيانا مطمعا لبعض المارين على المطعم، ومنهم شاب إيراني يحاول التودد إليها والإقتراب منها، لكنها تكتشف في النهاية انه يريد إستخدامها للوصول إلى فتاة أخرى تعمل لديها في المطعم، أكثر شبابا وجاذبية.

تعاني حنين كثيرا في إدارة المطعم كما تبذل جهدا هائلا للسيطرة على جموح مشاعر إبنتيها المراهقتين، وحل مشاكل العاملين في المطعم، والسيطرة على التناقضات التي تنشأ بينهم بفعل إختلاف الثقافات والجنسيات. لكنها تشعر في نهاية اليوم عندما تختلي بنفسها، تنفث دخان سيجارة وتتأمل، أنها أصبحت أكثر وحدة عما كانت، وأن كل هذا الصخب المحيط بها لا يوفر لها أي تعويض عن الافتقاد للحب وللحنان ولرجل يمكنها أن تتساند معه، وتشعر معه بذاتها كأنثى.

إنها تكتشف في النهاية أن ذلك الحبيب الذي لا نراه أبدا، والذي يعد ويخلف في كل مرة بدعوى إنشغاله، يستغلها، وأنه يريد الحصول على المال الذي ستقترضه رغم مشاكلها المالية، لكي ينفقه على فتاة تعمل عندها، تعترف لها بأنه على علاقة بها منذ فترة

الفيلم يمتليء بالأجواء الحميمية التي تنتج عن تجمع كل هذا العدد من الشخصيات العابرة منها والمقيمة في المطعم، بمشاكلها العديدة، واختلافاتها وخلافاتها، وما تراه حنين من مشاكل من لا يدفعون الحساب، أو من يسعون للنصب عليها، ونعبر خلال ذلك، على مشاكل الهجرة التي يواجهها البعض في كندا، واختبائهم عن الشرطة حيث يجدون المأوى في ذلك "الكيان" أي المطعم.

غير أن الفيلم يعاني كثيرا من الترهل والإطالة وتكرار المعنى من خلال مشاهد مكررة ثابتة (مكالمات الحبيب الغائب المتكررة لحنين مثلا). وفي كثير من المشاهد تتحرك حنين من موقع إلى آخر داخل الفضاء الضيق للمطعم، تتكلم بلا توقف، وتصدر الأوامر والملاحظات، تسقط من التعب في نهاية كل يوم، ثم نعود إلى اليوم التالي الذي يمر أيضا دون معنى ومن دون جديد يجعل طعم الحياة تختلف

إنك تشعر أن هذا الفيلم كان يمكن أن يصبح أكثر إتزانا وإثارة للاهتمام، لو أن المخرجة إشتغلت أكثر على تطوير الفكرة الرئيسية، أي فكرة المرأة الوحيدة التي تتولى مسؤولية العمل والإدارة وتربية الإبنتين وإختلاس لحظات نادرة من الإسترخاء والبحث عن الحب، لكنها أدخلت الفيلم من خلال ذلك السيناريو المرتبك، في الكثير من المتاهات الدرامية التي بدأتها دون أن تتمكن من إنهائها. ورغم وضوح الحبكة منذ وقت مبكر أمامنا، إلا أنها إستغرقت حتى نهاية الفيلم لكي تجعل بطلتها تكتشف الحقيقة!

الكاميرا الصغيرة المتحركة داخل تلك الديكورات الضيقة للمطعم (وهو لاشك مطعم حقيقي) ومتابعة الشخصية الرئيسية اثناء العمل، تضفي طابعا تسجيليا أو حتى مرتجلا على الفيلم في الكثير من المشاهد. وكان يجب أيضا التحكم في طول تلك المشاهد

ولعل من الجوانب التي سببت بعض الارتباك أيضا في الفيلم ذلك الأداء الأحادي الطابع من الممثلة الرئيسية علا حمادة، وهي ممثلة غير محترفة بالطبع شأن جميع الممثلين الذين يظهرون في الفيلم. لكن لابأس فالتجربة كانت جديرة دون شك أن تخوضها مريم النجفي. وفي انتظار فيلمها القادم.

هوية

أما فيلم "هوية" الهندي فهو أفضل كثيرا في مستواه. إنه يدخل مباشرة في صميم موضوعه دون لف أو دوران. فتاة تنتمي للطبقة الوسطى، متعلمة، جاءت إلى مدينة مومباي للبحث عن وظيفة في عالم الإعلان والدعاية، تتشارك في مسكن مع صديقة لها مثلها، تستعين بعامل لطلاء جدار في المسكن إلا أنها تفاجأ بسقوطه فاقدا الوعي، فتقوم بنقله إلى المستشفى وهناك تفاجأ بأنها أمام عشرات الأسئلة عن الرجل، أصله وفصله، وعن علاقتها به، فتقع في حيرة كبيرة لأنها لا تجد مع الرجل سوى هاتفه المحمول فقط، وليس معه بطاقة هوية. إنها تدفع تكاليف العلاج بالمستشفى، لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، فالرجل يموت بعد أيام من إجراء العملية ويصبح مطلوبا أن يتسلمه أحد لدفنه، وتقوم الفتاة بجولة طويلة في الأحياء الفقيرة والعشوائية بالمدينة في محاولة للعثور على اقارب هذا الرجل، اعتمادا على رقم تليفون مسجل على هاتفه

الفيلم عبارة عن رحلة أرضية جهنمية في مدينة لا تعرف الشفقة، حيث يعيد المخرج الذي يتمتع بجرأة هائلة، وبواسطة كاميرا محمولة تتحرك وتهتز باستمرار، إكتشاف مومباي التي لا ترحم الغرباء، والتي أصبحت مدينة المهاجرين واللاجئين من القرى والمدن الأخرى، وكيف يعيش الملايين على الأرصفة، يفترشون الأرضيات، تزدحم بهم محطات السكك الحديدية وما يجاورها، لا شئ يحمي أولئك الأطفال الحفاة الذين يعيشون في ظروف بالغة القسوة.

تنتقل الفتاة من حي إلى آخر فالجميع يصفون لها أين تذهب لكنهم لا يعرفون على وجه التحديد من أين جاء هذا الرجل الذي تطلعهم على صورة له سجلتها على هاتفها المحمول له، وتفشل دائما في الإقتراب من الحقيقة. تنقذها إمرأة غجرية من إعتداء بعض المحتالين واللصوص عليها، ثم تقودها في رحلة أخرى مثيرة داخل عالم لا تعرف شيئا عنه: عالم الذين يعيشون على هامش الحياة.

رحلة في عالم البؤساء، من خلال أسلوب تسجيلي يجعل الممثلة الجرئية الرائعة التي قامت بالبطولة، جيتانجالي ثابا، تختلط وتحتك بعشرات الشخصيات الحقيقية للفقراء والبؤساء وسكان الأحياء المتداعية والأكواخ القصديرية والرجال المتراصين في إنتظار من يلتقطهم للعمل فيما يعرف بأسواق الرجال في ضواحي المدينة، حيث تتصاعد الأبخرة، وتتراكم أكوام القمامة. إنها تركب القطارات، وتسير بشجاعة وسط كل مظاهر الفقر والجريمة، تتحدث إلى هذا وذاك، والكاميرا تتابعها، وهي غير مسلحة سوى بجهاز التليفون المحمول. وعندما تفقده أخيرا بعد أن يختطفه منها أحد أطفال الشوارع، نكون قد وصلنا إلى نهاية الرحلة، إلى نقطة الحقيقة الساطعة التي تجعل المشكلة الذاتية تتراجع وتبرز المشكلة العامة: من المسؤول عن وجود هذا الوضع؟

هذا فيلم من أفلام الواقعية التسجيلية، يستخدم المدخل الدرامي المثير (رجل يسقط ثم يغادر الحياة- جثة تبحث عمن يتعرف عليها) ومن هذا المدخل الذي يعكس إضطراب الفرد (الفتاة الجميلة) إلى ذلك الإضطراب العام، تلك الفوضى الاجتماعية المدمرة، من دون صراخ ولا دروس ومحاضرات وشخصيات متشنجة تصرخ في وجهك بالمأساة، فالمأساة مجسدة من خلال تلك الصور المرعبة للمدينة المركبة في مونتاج لاهث يراكم ويكشف، كأنما لم يرها أحد من قبل.

جميع الشخصيات في الفيلم فاقدة الهوية.. إنها تأتي إلى المدينة تبحث عن هويتها.. عن حقها في الحياة.. عن المواطنة المفقودة. لكن هذا الفقير البائس الذي يلقى مصيره، لا يملك تلك الهوية التي بدونها يصبح مهانا في العيش والممات!.

الجزيرة الوثائقية في

28/02/2013

 

يحيي الفخراني يهدي تكريمه لملهمته مصر صاحبة الفضل

رسالة المغرب ـ أحمد إسماعيل‏:‏ 

‏'‏سينما عربية تعد توثيقا حقيقيا للتنوع الثقافي والإنساني في عالمنا العربي الذي يموج بالمتغيرات الكبيرة‏'‏ هذا ما يمكن أن نعنون به فعاليات‏'‏ مهرجان الداخلة السينمائي الدولي‏'.

 الذي انطلقت فعاليات دورته الرابعة مساء السبت الماضي في مدينة' الداخلة' الواقعة في عمق الصحراء المغربية تحت الرعاية السامية للملك' محمد السادس' وذلك في الفترة الممتدة حتي الأربعاء27 فبراير, والذي يشهد إقامة أول مسابقة رسمية له للفيلم العربي الطويل تتباري فيها مجموعة من الأعمال السينمائية من مختلف الدول العربية كي تظفر بإحدي الجوائز الأربع للمسابقة, والمتمثلة في جائزة' الداخلة الكبري- جائزة لجنة التحكيم- جائزتي أحسن دور نسائي و رجالي'

ومنذ يومها الأول شهدت أنشطة المهرجان مشاركة مصرية كبيرة حيث كان التكريم من نصيب الفنان الكبير والقدير يحيي الفخراني ومشاركة أشرف عبد الباقي كعضو في لجنة التحكيم, وخالد يوسف الذي شارك في ندوة السينما حقوق الإنسان, والمخرج إبراهيم البطوط المشارك في المسابقة الرسمية بفيلمه' الشتا اللي فات' والسيناريست وليد يوسف الذي يقود ورشة السيناريو بالمهرجان, إلي جانب عدد من النجوم العرب إلي جوار الكثير من الفنانين والسينمائيين المغاربة.

كان الحدث الأبرز في حفل الافتتاح عندما وقف الجمهور للفنان' يحيي الفخراني' وهويتوجه إلي منصة التكريم, حيث تزامن ذلك مع عرض فيلم تسجيلي أعدته قناة' نايل سينما' يلخص مسار الطبيب الشاب الذي تحول إلي التمثيل بعد تعيينه كطبيب بمبني التليفزيون المصري, ومن ثم بات واحدا من أهم الفنانين أصحاب التأثير الأكبر في المشاهد العربي أينما وجد, ثم تحدث الفخراني كثيرا عن حبه للمغرب وتونس, حيث نال من الأخيرة أغلي جوائزه عن فيلم' خرج ولم يعد', وقال إن أهل المغرب ينطبق عليهم المثل المصري القائل' لاقيني ولا تغديني', وبعدها توجه للجمهور قائلا: كل سنة كنت أنتظر جائزة أهم وأكبر لأهديها للسيدة صاحبة الفضل علي.. اليوم سأفصح عن مشاعري', وأقول إن تلك السيدة الرقيقة, الجميلة والمعطاءة' ليست إلا مصر الحضارة, المنارة والعطاء, عندها غالبت الدموع الفخراني وقال بصوت متهدج' مصر أم الدنيا'.

علي جانب آخر وضمن الفعاليات كرمت إدارة المهرجان الفنان المغربي' محمد خويي' الذي صعد المسرح علي أنغام أغنية' خيي عملني من صحابك' للمطربة المغربية الكبيرة لطيفة رأفت. وقدمه الممثل المغربي' محمد الشوبي' الذي قال' أنا مخلوع, لأني دعيت لإعطاء شهادة علي مسار خيي الذي يعتبر هرما من أهرامات الفن بالمغرب, وفي الحقيقة' إن أردت أن أتحدث عن الرجل فوجب علي أن أسكت', وفي أعقاب ذلك تم تكريم الفنانة الإسبانية' باتريسيا ألفاريس', وهي ممثلة من' جزر الكناري', حيث ظهر اهتمام المنظمين بسينما تلك الجزيرة الإسبانية التي حلت كضيف شرف للدورة الرابعة, والتي اعتبرها البعض هنا بمثابة رسالة سياسية لإسبانيا المعروفة بمواقفها غير الودية تجاه المغرب في ملف النزاع حول الصحراء من خلال استضافة وفد' مهرجان لاس بالماس' بجزر الكناري. كانت ادارة المهرجان الذي تنظمه' جمعية التنشيط الثقافي والفني بالأقاليم الجنوبية' قد اختارت سينما' لاس بالماس' لتكون ضيف شرف هذه الدورة التي تقام برعاية الملك' محمد السادس' ويترأس الوفد الإسباني مدير مهرجان' لاس بالماس السينمائي'إضافة إلي عدد من المبدعين والإعلاميين بهذه الجزر المعروفة عربيا باسم' جزر الكناري' حيث توقع إدارة المهرجانين اتفاقية شراكة و توأمة فيما بينهما من أجل تعزيز التعاون الثقافي بين' لاس بالماس' وأقاليم جنوب المملكة المغربية.حفل الافتتاح الذي احتضنته قاعة جميلة وسط قصر المؤتمرات الجديد و البعيد عن المدينة بضعة كيلومترات شهد مساء السبت الماضي تقديم أعضاء لجنة التحكيم التي يترأسها الناقد المغربي' نور الدين آفاية' و المكونة من' الشاعرة السورية آسيا الريان مدير' مهرجان لاهي لافلام المرأة بهولندا' والتونسي فتحي الخراط مدير' مهرجان قرطاج السينمائي' بالإضافة إلي' صبحي سيف الدين' نقيب السينمائيين في لبنان, والنجم المصري أشرف عبد الباقي, ولم يخل الأمر من مداعبة الجمهور الصحراوي لعبد الباقي خاصة دوره في مسلسل' راجل وست ستات' وطالبوه بأن تكون حلقاته السابعة من أهل المغرب.

يقول التونسي فتحي الخراط مدير مهرجان قرطاج إن المسابقة ضمت عددا من الأفلام المهمة وأنها تعبر في كل منها عن مضمون عربي يخص كل دولة وأن ذلك يعد توثيقا حقيقيا للتنوع الثقافي الإنساني في عالمنا العربي, وهو الأمر الذي أكده أشرف عبد الباقي مضيفا: إن الأفلام كلها تمثل قضايا وموضوعات تخص المجتمع العربي, كما اعرب عن سعادته بالتواجد في المغرب خاصة بين أهل الصحراء بما لمسه من شغف كبير بالسينما, وتمني نقيب الفنانين اللبنانيين صبحي سيف الدين أن تتعدد المهرجانات السينمائية في الوطن العربي كله حتي نستطيع الارتقاء بمستوي الإبداع ومواكبة التحديثات في صناعة الفن في العالم, وهو ما أيدته الشاعرة آسيا الريان متمنية ازدهار وتطور مثل تلك المهرجانات.

الحفل شهد لوحة فنية من أداء كورال الأطفال, رافقتهم فيها المطربة المغربية الشهيرة' كريمة الصقلي' حيث شاركتهم أغنية تقول كلماتها' حاملين كتاب الله وطريقنا مستقيم/ إخواننا في الصحراء يسألون الرحيم..', وتلك أغنية ألهبت حماس الجمهور القادم من مدن الشمال الذي صفق لأغنية افتتاح مهرجان ينظم في واحدة من أجمل مدن الجنوب.

وفي قلب المنافسة الحامية علي الجزائز تشارك سبعة أفلام عربية في المسابقة الرسمية الأولي للمهرجان هذا العام حيث يتطرق مخرجوها إلي موضوعات متعددة مهمومة جميعها بالإنسان العربي, وتضم المسابقة الرسمة للفلم العربي:

- فلم' خوا' إخراج كمال الماحوطي المغرب, يحكي الفيلم حكاية الرسام' مو بن صالح' الذي يعيش مع عوالمه الخاصة صحبة موسيقي' كناوة' الفلكلورية بسبب انفصاله عن زوجته مواصلا نبش لذاته بين مكانين' فرنسا والمغرب' إذ لا يغيب بلد في ذاكرته حتي يحضر الآخر.

- فلم' الشتا اللي فات' للمخرج إبراهم البطوط مصر, بطولة عمرو واكد وفرح يوسف, وتدور أحداث الفليم أثناء ثورة25 يناير, وذلك في إطار ثلاث قصص إنسانية وقت الثورة, الأولي لضابط بمباحث أمن الدولة, والثانية لمذيعة تليفزيونية, والثالثة لمهندس كمبيوتر وعلاقتهم بالثورة المصرية, ويقوم عمرو واكد بدور مهندس برمجة, علي علاقة بفئات شبابية كان لها دور كبير في الثورة موضحا الأسباب التي أدت إلي تفشي الفساد طوال الـ30 سنة المنصرمة.

- فيلم' التائب' اخراج مرزاق علوش الجزائر, ويقدم علوش في فيلمه دعوة إلي تفعيل ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بين أبناء شعبه الجزائر.

- فلم' مرم' إخراج باسل الخطب سورا, وهو أول عرض عالمي, بطولة سلاف فواخرجي وعابد فهد وديمة قندلفت وريم علي وصباح الجزائري, والفيلم أثار جدلا حول ولادته في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها سوريا, ويحكي قصة ثلاث نسوة يحملن الاسم نفسه' مريم', وعلي مر حقبات زمنية مختلفة ابتداء من عام1918, ومرورا بنكسة يونيو( حزيران) في القنطيرة عام1967, وحتي2012 عام والذي احتل تصويره مناطق عدة من سوريا منها' بانياس- مشتي الحلو- القنطيرة وغيرها', والفيلم يقرأ مرارة الحرب وأزماتها وأثرها البالغ, ويعكس أيضا التردي الأخلاقي الذي وصل إليه البعض في زمن بتنا نتعايش مع قيمه الاستهلاكية برتابة تدفع للتساؤل عما يمكن أن نصل إليه؟

- فلم' تنورة ماكسي' إخراج جو بوعيد لبنان, ويروي حكاية ولد يري بطريقته كيف التقي والداه وكيف أحبا بعضهما, وحكاية فتاة تزور إحدي الضيع في فترة الاجتياح فتقوم باجتياح من نوع آخر علي أهل الضيعة بشكل عام وعلي شاب يتحضر ليصير كاهنا بشكل خاص, إنها قصص من الحب قادرة أن تولد في أي زمان ومكان وظرف حتي تحت القذائف والقنابل.

- فلم' أصيل' إخراج خالد الزدجالي, وهو الفيلم السينمائي الثاني لسلطنة عمان, وتدور أحداثه في قرية صحراوية يعيش أهلها علي تربية الجمال, ويواجهون تحديات وصعوبات الصحراء العديدة والتغيرات الديمجرافية والتنموية التي تحدث من حين لآخر, بما يؤثر في القرية وسكانها الذين سيواجهون مشكلة كبيرة تؤرقهم وتصعب عليهم العيش في هذه المنطقة لكنهم يصرون علي البقاء والتصدي لهذه المشكلة.

- فلم' باب الفلة' للمخرج مصلح كرم تونس, بطولة' درة وعلي بن نور' وتدور أحداث الفيلم داخل المدينة العتيقة بتونس حيث يتناول قصة فتاة من الطبقة الشعبية تتعلق بشاب يعمل في دار عرض سينمائي. وفي إطار الأنشطة الموازية التي برمجتها إدارة المهرجان ستقام الندوة الرئيسية حول' السينما وحقوق الانسان في العالم العربي' علي ضوء الأحداث المتسارعة والحراك السياسي الكبير الذي يشهده العالم العربي في السنتين الأخيرتين, وسوف يشارك في حلقات هذه الندوة مجموعة من المخرجين السينمائيين و باحثين مختصين بقضايا السينما وحقوق الانسان ومنهم المخرج خالد يوسف والناشط المغربي والمخرج سعد الشرايبي والناقد المغربي محمد كلاوي, وتتميز فقرات المهرجان بتخصيص حيز خاص للسينما العالمية في قسم بانوراما الفيلم الأجنبي, حيث سيتم عرض مجموعة من الأفلام الأجنبية من أوروبا وإفريقيا وآسيا بالإضافة إلي أفلام السينما الأمريكية. وبالطبع تم الاحتفاء بالسينما المغربية عبر نافذة' بانوراما الفيلم المغربي' والتي تميزت بعرض أقوي عشرة أفلام تم إنتاجها في السنتين الأخيرتين, هذا وتضم أجندة' مهرجان الداخلة السينمائي الدولي' فقرة تحت عنوان' ليلة الفيلم القصير' يتم خلالها عرض ومناقشة ستة أفلام قصيرة من المغرب و فرنسا, كما يعرف برنامج هذه الدورة تنظيم ورشات تدريبية في كتابة السيناريو يشرف عليها السيناريست المصري وليد يوسف, بالإضافة إلي القيام بحملات تثقيفية بقضايا البيئة وسينما حقوق الإنسان.

محمد رجب‏:‏

مصر وحشاني وأنا بين ايديها

أحمد السماحي 

أجمل لحظة في حياة أي فنان هي مكافأته عن دور قدمه ببراعة‏,‏ أو شخصية جسدها بصدق‏,‏ وهي ذاتها اللحظة التي تمنحه الشعور بالرضا عن موهبته وتكسبه الإحساس بالثقة في نفسه وفي اختياراته‏.

كما أنها نفس اللحظة التي يحصد فيها ثمرة جهده, وفاتورة حبه لفن أخلص له الفنان الشاب محمد رجب يعيش هذه الأيام تلك اللحظات السعيدة بعد أن توجته الجماهيرفي صالات العرض نجما صاحب أداء خرافي في تجسيد دور الضابط' فاروق' في فيلمه الجديد' الحفلة' تأليف وإنتاج وائل عبدالله, إخراج أحمد علاء الديب, رجب يعيش حاليا أيام النجاح ويشعر بحرارة الإعجاب, بعد سنتين من الأيام العجاف, وربما كانت أسوأ ما مر عليه من أيام ــ علي حد تعبيره ــ بفعل الحيرة والارتباك, رغم أن فيلمه قبل الأخير' محترم إلا ربع' طرح في الأسواق في ظل وجود أفلام عادل أمام, أحمد السقا, أحمد حلمي, وحقق نجاحا كبيرا وتجاوزت إيراداته الـ15 مليون جنيه, ما يعني أنه سيرتاح ويعيش بهدوء وسيودع أيام القلق, لكن ذلك لم يتحقق- للأسف وعلي العكس زادت لديه حدة القلق مما جعله يقع فريسة للأم, وظل يعيد علي نفسه كل يوم نفس السؤال' إيه اللي بيحصل؟'.

تمر الأيام ثقيلة وبإيقاع بطئ, ولم تجب عن سؤاله الملح حتي جدران شقته ولا الكافيه الذي يخلد إليه متسللا من أحزانه كي يـأمل في هدوء حاله وأحواله, وما أحزنه أكثر أنه بدأ التحضير بالفعل لفيلم جديد بعنوان' مطبق من امبارح' لكن أحداث الشارع الغاضب حالت دون فتح بوابة أمل, فتأجل تصويره أكثر من مرة بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة في مصر, وصادف حظه العثر أثناء ذلك أن سرقت سيارته مما سبب له إحباطا أكبر, لكن إيمانه الراسخ بأن' بعد العسر يسرا' انتشله من الإحباط والهزيمة النفسية وجاء' فرج الله القريب' ليعرض عليه فيلم' الحفلة' الذي أذاب عثرات الماضي وأشعل جذوة الفرح في قلبه ليتحول إلي كتلة متوقدة من الطاقة الإيجابية مرت علي أثرها أيام التصوير بسهولة ويسر, وطرح الفيلم وحقق ــ وما زال ــ نجاحا جماهيريا ونقديا أضاء له مواقد النور في نفسه المطمئنة بالقضاء والقدر.

بصوت تلونه الفرحه أكد محمد رجب' للأهرام' أنه وقع في حيرة شديدة عندما عرض عليه صديقه المنتج والمؤلف وائل عبدالله شخصية الضابط فاروق في فيلم' الحفلة' نظرا لتقديمها مئات المرات في السينما المصرية, لكنه لم يستسلم لهذا الخاطر, وبدأ يشتغل علي الشخصية بتركيز شديد, وأفاده تردده علي أقسام الشرطة للسؤال عن سيارته المسروقة- رب ضارة نافعة- وجلوسه مع كثير من الضباط ومع ذلك لم يجد شبها بينهم وبين فاروق الذي سيؤديه, فقرر أن يتعامل معه كمواطن مصري بسيط, وظيفته ضابط شرطة لمدة ثلاث ساعات في اليوم, ورغم جدية عمله إلا إنه كإنسان لابد أن يضحك ويسخر ويلقي' النكات',ولاتمنعه وظيفته من الأناقة في حدود مرتبه.

وأشار إلي أن' الرتوش' الكوميدية في الشخصية كان معظمها مكتوبا بحرفية عالية, لكنه أضاف بعضا منهابالتعاون مع المؤلف كي تساعد في بروز الشخصية أكثر, لكنها كانت إضافات محسوبة بميزان حساس حتي لا تفلت الشخصية من بين يديه, وتفقد مصداقيتها عند الجمهور, ورغم البساطة التي ظهرت بها الشخصية إلا إنها أنهكته صحيا علي المستوي النفسي, لكن سرعان ما يزول التعب الذي مازال يعاني منه مع كم المكالمات الهاتفية الكبيرة التي تلقاها سواء من زملائه في الوسط الفني أو من أصدقائه الصحفيين والإعلاميين.

رجب صرح انه توقع النجاح الكبير للفيلم منذ بدء قراءة للسيناريو, وأثناء التجهيز للتصوير, نظرا لروح الصداقة والحب التي تجمع بين فريق عمله, بداية من المؤلف والمنتج وائل عبدالله, مرورا بصديقه الجميل أحمد عز, وزميلته الرائعة جومانة مراد, والمخرج الموهوب أحمد علاء الديب إلي الوجوه الجديدة, كما أن' قرفة' الفيلم كانت حلوة, بداية من تفكيره في اختيار ملابس الشخصية, التي حصل عليها في زمن قياسي ومن محل واحد دون ترتيب مسبق, كما أن أيام التصوير التي مرت في جو من الألفة والبساطة والسعادة, ولم تستغرق سوي أسابيع قليلة جدا ساهمت في صدق توقعه, وفي النهاية يعتبر هذا الفيلم من أسهل الأفلام التي نفذت وطرحت في الأسواق وحققت النجاح بفضل الله وتوفيقه قبل كل شيء.

وأوضح محمد رجب أن ما ينغص فرحته بفيلمه الحالة السيئة التي تمر بها مصر حاليا من تردي الأوضاع في كل الحالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الفنية, وتمني أن تعود مصر كما كانت قوية وعافية ومستقرة مضيفا: أصعب شيء أن توحشك بلدك وهي' قصاد عينك' وأنت بين أحضنها وربوعها.

كارثة "حفلة منتصف الليل" فيلم يجمع كل مواطن السذاجة السينمائية

محمد حبوشة 

يعد الفيلم السينمائي وسيلة مهمة من وسائل الاتصال التي يمكن استخدامها لتوضيح وتفسير التفاعلات والعلاقات المتغيرة في مجالات كثيرة بغرض الإرشاد والتثقيف والترفيه أيضا وتبدو المعالجة السينمائية عبارة عن سرد تفصيلي لملخص الفكرة الرئيسية‏.

 ومن هنا فإن السرد لابد وأن يضيف إلي الأحداث الرئيسية التي وردت في هذا الملخص من خلال أحداث تكميلية أو فرعية بهدف تعميق الخط الأصلي لتلك الأحداث لتبدو في تسلسل منطقي, ومن ثم فإن المعالجة تضيف ماتراه من الشخصيات الثانوية, ويمكنها أيضا أن تتضمن بعض الأوصاف و العبارات الأدبية التي تخدم علاقاتها بالأحداث والشخصيات الرئيسية, وعموما فإن المعالجة تتضمن كل العناصرالتي من شأنها التأثير في تطور الأحداث وتبريرها بحيث تعمل علي إحداث التوازن الطبيعي في بناء الموضوع بكامله.

ومن هنا يبدو فيلم' حفلة منتصف الليل' بعيد تماما عن جوهر المعني الحقيقي للفيلم السينمائي في سياقه الطبيعي علي مستوي الفكرة أو والمعالجة وطريقة السرد التفصيلي للأحداث بلغة خاصة تستطيع أن تجتذب عين وعقل المشاهد نحو معالجة صحيحة تكشف عن الهدف الأساسي من وراء قصة تدور أحداثها حول حفلة تقيمها رانيا يوسف رشا بفيلتها الكائنة في منطقة نائية, وتدعو العديد من أصدقائها وصديقاتها للحفل الذي يبدأ مع منتصف الليل, وينبغي أن يستمتع الجميع من خلاله, لكنهم يصابون بالدهشة والشعور الغريب بالارتباك والقلق جراء أشياء تحدث لهم داخل الفيلا حيث تواجههم' رانيا' بحجزها لهم داخل الفيلا لمعرفة المرأة التي خانتها مع زوجها, وتدخل الجميع في صراع درامي يودي بحياة نصف الحاضرين, مع اقحام غير منطقي لبعض القضايا المتعلقة بالظلم والفروق الطبقية بين الأغنياء والفقراء ونظرة الفقراء للأغنياء وغيرها من قضايا يفترض ألا يتضمنها فيلم يصنف تحت مسمي' الجريمة والدراما'.

ولأن الفيلم كما ذكرنا ينتمي لنوع' الجريمة والدراما معا', وبالتالي يتطلب أن يكون الأداء فيه هو أقرب للمسرح, فقد عمد الجميع إلي أداء ارتجالي مترهل يبعد تماما عن جوهر الدراما المقصودة والتي تؤدي بالضرورة إلي تعميق الخط الأصلي للأحداث وجعل تسلسلها منطقيا عبر فنون' السيناريو والحوار والموسيقي والمونتاج', ومن وراء كل ذلك مخرج واع يجمع كل خيوط العمل الدرامي في سياق مترابط يقود المشاهد نحو هدف واحد هو كشف أركان الجريمة كما يسعي إليه الفيلم من خلال قصة ينبغي أن تكون من واقع الحياة المعاشة أو تحدث علي الأقل- نوعا من الإسقاط علي حقائق مشابهة يعيشها أو عاشها المواطن المصري.

والحقيقة المرة في هذا الفيلم أن يخدعك الأفيش أو النجوم المشاركين في فيلم يفترض أنه يعتمد علي انفعالات الممثلين, وهذا هو الأصعب برأيي في هذه النوعية من الأفلام الدرامية التي تعتمد علي انفعالات' الشخصية والوجه والجسد', لكن هذا لم يتوافر في الفيلم للأسف-, كما أن زوايا الكاميرا بعدت تماما عن مواطن يمكن نوعا من الثراء الرمزي علي مستوي المكان والأشخاص بحيث تؤدي إلي توصيل إحساس تلك الشخصيات علي النحو الصحيح.

هي مهزلة إذن تجمع كل مواطن السذاجة السينمائية من وجهة نظري في هذا الفيلم الذي رغم ما جاء علي لسان رانيا يوسف قائلة: إن فيلم' حفلة منتصف الليل' الذي يعرض حاليا بدور السينما من أهم الأعمال التي قدمتها في مشوارها الفني, مشيرة إلي أنها تنتظر نهاية الامتحانات لمعرفة المقياس الحقيقي لنجاحه' تقصد موسم منتصف العام', وها هو الموسوم قد انقضي دون النظر بعين الاهتمام إلي أهم أعمالها وهنا نسألها: ماذا يدور في رأسك الآن؟ خاصة بعد كل هذا الكم الهائل من التخاريف المستمدة من قلب خيال مزيف في رأس مؤلف فشل حتي في سرقة الفكرة من فيلم أجنبي وتمصيرها علي نحو يقترب من واقعنا, كما حالفه الحظ العاثر- علي مايبدو في أن يقع مع مخرج لايعرف أبجديات الفن السينمائي مستغلا أجواء الريف التي كانت تحيط بالفيلا في رسم صورة تؤكد أركان الجريمة, وهو ما انعكس علي مجموعة من المشاهد المرتبكة, والتي يكسوها أداء مسرحي مفتعل يخاصم تماما كل فنيات سينما الدراما, وبالتالي انحرفت الكاميرا عمدا ومع سبق الإصرار- في رصدها بعيدا عن المسار السليم, بل هي علي الأرجح كانت لاتعرف مواطن الضعف والقوة حين تتحرك من زوايا لا تخطئها عين المشاهد في محاولة للقبض علي المشهد الصحيح الذي يلازم المشهد الذي يسبقه أوذلك الذي يليه, خاصة أغلب عمليات التصوير جاءت في مكان واحد' تصوير داخلي فقير' وفي مساحة محددة لا توازيها مشاهد خارجية من الشارع بطريق' الفلاش باك' لأحداث نوع من التوازن في الرؤية البصرية التي أصيبت بالتلف خاصة أن الممثلين لم يغيروا طاقم الملابس الوحيد طوال الفيلم, كما افتقر الأداء من جانب الأبطال إلي انفعالات حقيقية يمكن أن تثير خيال المشاهد وتغريه علي التوقع لخط النهاية, وربما ساهم غياب فنيات المونتاج الواعي عن تركيب مشاهد متجانسة ودقيقة في سياقها الطبيعي ليبدو الفيلم في بنيان متماسك يعكس رؤية المولف والمخرج معا, ناهيك عن غياب كامل لموسيقي تصويرية تجسد جوهر هذا العمل الذي يجنح نحو الجريمة بحيث تتحكم في انفعال الممثلين في حالات التصاعد والهبوط الدرامي وبما يقابله شعور من جانب المشاهد بالخطر أو إحساس بالتصعيد في الأحداث نحو الذروة.

أما علي مستوي الإضاءة فقد أضفت جوا عاما من الكآبة التي لاتناسب المشاهد خاصة في لحظات الفصل بين مشاهد الواقع والفلاش باك التي كانت فيها الشاشة وكأن الكهرباء قد فصلت أثناء التصوير وهو الأمر الذي لم يمكن الكاميرا من رصد أي نوع من الانفعال بشكل صحيح في ذروة تصاعد الفعل الدرامي الناجم بالأساس عن الضعف الشديد في السيناريو قابله ضعف أكبر في الحوار مصحوبا برداءة في الاسقاطات اللغوية, ومن هنا لايبدو بطلا في الأداء غير أحد الحراس الذي أبدي نوعا من الأداء بلهجة صعيدية في مزرعة لم يتحدد مكانها علي وجه التحديد هل هي في أطراف القاهرة أم في قلب الصعيد, خاصة أن لهجة الحارس تشير إلي أنه من سكان سوهاج وتحديدا جرجا مع أن الغيطان المتاخمة للفيلا تنتمي إلي الوجه البحري, وهناك مشاهد قليلة جدا أجادت فيها رانيا يوسف' لحظة نزولها سلم الفيلا مع عريسها' بحكم خبرتها وأيضا أحمد وفيق في مشهد ماقبل أن تطلق عليه زوجته درة النار حتي يصمت عن كشف فضائحها.

ويمضي الفيلم في سياق غير منطقي حتي مشهد النهاية الذي حمل قدرا هائلا من العشوائية بفعل الجثث الملقاة علي الأرض, ومن حولها يبدو أداء الممثلين بتعبيرات مفتعلة ورتيبة بشكل لايجسد عمق المأساة بل يحرفنا نحو الأسي علي الوقت الضائع في المشاهدة, لأنه يفترض أن السينما هي لغة الصوت والصورة والحركة معا, وهي تعد من المنجزات الهامة في مسيرة الفنون الإنسانية التي ولدت لتقدم شيئا من المسرة والأنس للإنسان, إلي جانب أنها تؤدي وظائف اجتماعية وفكرية وتاريخية وإنسانية, كما أنها تؤدي وظيفة إنسانية كبري في حياة المجتمعات البشرية, وتؤرخ للأحداث الكبري التي تعيشها المجتمعات حتي ولو كانت' جريمة', فهي التي تؤرخ عظمتنا ونبلنا وتاريخنا, وكذلك تؤرخ إخفاقاتنا, وهي المرآة الحقيقية لتاريخ الإنسان, وقد استطاعت أن تعود كل تلك القرون والأحقاب إلي الخلف لتؤرخ مجد الإنسان وتؤرخ فشله, تؤرخ انتصاراته وتؤرخ نكباته, لتبقي ذلك اللحن الشجي الذي ينساب من الأعالي, والضوء الساطع نحو الأعماق وخفايا الإنسان.

كان' نيتشه' يقول:' إننا لا نستطيع أن ننقذ أنفسنا من الفناء إلا عن طريق الفن', لكن عن أي فن يتحدث هذا الرجل العظيم؟, بالتأكيد يقصد ذلك الفن الذي عندما نشاهد من خلاله فيلما سينمائيا فإننا ننظر إلي مرآة ذواتنا في سطوعها, إنها المرآة الأكثر وضوحا من أي مرآة أخري, إنها المرآة التي لا غبار عليها, المرآة الأكثر سطوعا ولا تحوي بالطبع تعبيرات أوانفعالات مبالغ فيها وغير منطقية علي غرار مهزلة منتصف الليل التي لا تستحق أن تضيع فيها وقتك قبل فلوسك.

الأهرام اليومي في

28/02/2013

 

في مهرجان الداخلة السينمائي..

سوريا تتجاوز أزماتها وتفوز بفيلم يقرأ مرارة الحرب

رسالة المغرب خالد عيسي 

فاز الفيلم السوري مريم بجائزة أحسن فيلم في ختام مهرجان الداخلة السينمائي الدولي بالمغرب‏,‏ إخراج باسل الخياط الذي تسلم الجائزة في حضور بطلي الفيلم عابد الفهد ولمي الحكيم‏,‏ وهو الفيلم الذي آثار جدلا حول ولادته في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها سوريا والذي يحكي قصة ثلاث نسوة يحملن الاسم نفسه مريم وعلي مر حقبات زمنية مختلفة ابتداء من عام‏1918-‏ مرورا بنكسة يونيو في القنطيرة عام‏1967-‏ وحتي‏2012‏ والذي احتل تصويره مناطق عدة من سوريا منها بانياس مشتي الحلو القنطيرة وغيرها‏,‏ الفيلم يقرأ مرارة الحرب‏,‏ وأزماتها وانعكاساتها‏,‏ ويعكس أيضا التردي الأخلاقي الذي وصل إليه البعض في زمن بتنا نتعايش فيه مع قيمه الاستهلاكية برتابة تدفع للتساؤل عما يمكن أن نصل إليه‏..‏

كما فاز الفيلم اللبناني تنورة ماكسي للمخرج جو بوعيد بجائزة لجنة التحكيم الخاصة‏,‏ والفيلمان شهد المهرجان عرضهما الاول عالميا‏.‏

وكانت لجنة التحكيم التي ضمت الفنان أشرف عبد الباقي وصبحي سيف الدين مدير مهرجان بيروت السينمائي وفتحي الخراط مدير مهرجان قرطاج واسيا الريان مديرة مهرجان لاهاي ورأسها محمد نور الدين افايا قد اعلنت نتائجها في حفل الختام الذي حضره عدد كبير من الفنانين المغاربة والوفود المشاركة بحضور والي وادي الذهب‏.‏ كما نال الفيلم المغربي خويا تنويها خاصا وشهادة تقدير من لجنة التحكيم تسلمها المخرج كمال الماحوطي‏.‏ وذهبت جائزة أحسن ممثل للتونسي علي بن نور عن فيلم باب الفلة وتسلمها المخرج مصلح كريم‏,‏ بينما حازت الممثلة الجزائرية عديلة بنت محمود جائزة احسن ممثلة عن فيلم التائب للمخرج مرزاق علواش‏,‏ وهو الفيلم الذي وصف بانه كسر حواجز الجليد بين المغرب والجزائر بمشاركته في المسايقة الرسمية للمهرجان في الداخلة بالصحراء المغربية تحت رعاية ملكية‏.‏

وكانت قد أعلنت جوائز ورشة السيناريو التي اشرف عليها الكاتب وليد يوسف بداية حفل الختام وفاز بالمركز الاول ايمان ولد اومو عن سيناريو بعنوان بلا نهاية وهو الفيلم الذي تقرر تنفيذه ليعرض خلال انشطة الدورة القادمة‏,‏ وجاء في المركز الثاني عبد السميع بن ناصر عن سيناريو يوم خارج الجسد‏,‏ والثالث زلزال للكاتبة ليلي الخمليشي‏.‏

الأهرام المسائي في

28/02/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)