استطاع الفنان محمود شكوكو أن يصنع أسطورة فنية حيث تحدى كل من حوله
وتحول من نجار لا يجيد القراءة والكتابة إلى نجم كبير تمكن من رسم البسمة
على وجوه الناس وتميز فى فن المونولوج الذى أصبح له رائدًا، وامتد مشواره
الفنى حتى استحق لقب «شارل شابلن العرب» فكان يسعى دائمًا لتعميق دور الفن
وتوصيل صوت الشعب للحاكم وتمكن من أن يكون معارضًا كوميديًا مما جعل الحكام
يستبعدونه من قوائم التكريمات، ومع هذا فالدور الوطنى الذى لعبه «شكوكو»
مازال يتحدث عنه حيث قدم العديد من الحفلات التى تبرع بأجرها للمجهود
الحربى. واستطاع أن يحصد حب الكبار والصغار لدرجة أنه كان الفنان الوحيد
الذى صنع له «تمثال باسمه» تهافت عليه الأطفال، مع هذا كله لم يحصل شكوكو
على حقه فى التكريم من الدولة ولا حتى من صناع الفن الجدد، بل عانى ومازال
يعانى من التجاهل الشديد ولم يخلده حتى الآن أى عمل درامى لجيل لم ير منه
سوى الضحكة
عبدالباقى:
لم أتناوله فى مسلسلى لأن إسماعيل ياسين لم يكن صديقه
أعرب الفنان أشرف عبدالباقى عن غضبه من إهمال صناع الفن للسيرة
الذاتية للفنان شكوكو، سواء بكتابة عمل درامى عنه أو ذكره فى الأعمال
الأخرى.. حيث قال إنه لم يجد أى معلومة عن شخصية الفنان الراحل فى المسلسل
الذى قدمه منذ 3 أعوام عن حياة إسماعيل ياسين وذلك لعدم ذكر ياسين لمواقفه
مع شكوكو فى مذكراته الخاصة والتى تم الاستعانة بها فى كتابة العمل. وأضاف
قائلا: «ليس معنى استبعاد شخصية شكوكو من حياة إسماعيل ياسين وجود غيرة
بينهما كما تردد ولكن ياسين كان يتحدث فى مذكراته عن أصدقائه المقربين فقط
والذين أثروا بشدة فى حياته، وأعتقد أن علاقته بشكوكو كانت فى إطار العمل
فقط».
وأضاف عبد الباقى أنه يعتبره أحد أعمدة المونولوج وتحدث عن مدى تأثيره
فى الجمهور وقتها لدرجة أن فريق عمل فيلمه الشهير «عنتر ولبلب» اضطر لتغيير
اسم شكوكو داخل الفيلم من «شمشون» إلى «عنتر» وذلك بسبب تخوف صناع الفيلم
من غضب الرئاسة وقتها بعد إطلاق لقب «شمشون العرب» على الرئيس الراحل جمال
عبدالناصر وقاموا بإجراء عملية دوبلاج فى مقاطع من الفيلم.
خالد جلال:
برحيله اندثر فن المونولوج
أكد المخرج خالد جلال أن جيل المونولجيست الذى يعد الراحل شكوكو أحد
أطرافه لم يسلم الراية للأجيال التالية له مما دفع الفن للاندثار مع وفاة
الأسماء اللامعة فى هذا المجال ومنهم إسماعيل ياسين وشكوكو وثريا إبراهيم.
وأضاف قائلاً: «للأسف المجتمع تعامل مع هذا الفن على أنه فن تافه على
الرغم من كونه اداة لانتقاد وتشريح أحوال المجتمع بشكل كوميدى ساخر، لذلك
اندثر مع وفاة رواده ثم عاد من جديد بعد سنوات ولكن بشكل حديث وذلك من خلال
«ستاند اب كوميدى» والذى يعتمد على وقوف شخص منفرد والذى يعتمد على المسرح
ويقوم بالسخرية من الأوضاع التى تدور حوله بشكل أقرب للنكات المطولة.
بالاضافة إلى برامج اللايت كوميدى مثل برنامج «البرنامج» لباسم يوسف.
ماجدة موريس:
الفرصة مازالت أمام «الإنتاج» لتقديم حياته
أكدت الناقدة ماجدة موريس أن المونولوجيست محمود شكوكو تفوق على
الممثل فكان له تأثير على النوع الذى يقدمه من غناء الموال وكان له ملامح
فى الأداء الغنائى على عكس إسماعيل يس الذى كان متميزا فى التمثيل وأثر فى
السينما المصرية.
وعن عدم تقديم أى عمل تليفزيونى يخلد ذكراه أرجعت ذلك إلى من يقوم
بهذا الدور والمشكلة تكمن عند شركات الإنتاج ولكن مع ذلك مازالت الفرصة
متاحة لتقديم أعمال عن هذا الفنان المؤثر والمتفرد.
حسن مصطفى:
الوحيد الذى صُنع له «دميه للاطفال»
أكد الفنان حسن مصطفى أنه كانت تجمعه علاقة طيبة بالفنان الراحل قبل
وفاته بسنوات حيث كان يقوم شكوكو بعرض إحدى مسرحياته مع فرقة المتحدين الذى
يعتبر حسن مصطفى أحد مؤسسيها حيث قضى معه عدة أشهر بالإسكندرية أثناء عرضه
لمسرحيته وكان يتمتع بروح طيبة ويحمل الخير لمن حوله ويكفى أنه كان الفنان
الوحيد الذى صنع له تمثال صغير من الزجاج كان يباع للأطفال وحقق هذا
التمثال انتشارًا كبيرًا فى مصر وأنهى مصطفى حديثه داعيًا للفنان محمود
شكوكو بالرحمة وقال «رحم الله الإنسان الفنان صاحب تمثال «شكوكو فى زجاجة».
حلمى بكر:
استطاع أن يحول النجار إلى فنان
أكد الملحن حلمى بكر أن الفنان محمود شكوكو استطاع أن يقدم نموذجًا
فريدًا للفنان الحقيقى الذى تفوقت موهبته على الظروف المحيطة به خاصة أنه
استطاع أن يتحدى الجهل والأمية وبالرغم من عدم حصوله على شهادات استطاع أن
يتحول إلى نجم كبير بعد أن كان يعمل نجارًا ولم يصدق أحد أن حلم النجومية
سوف يتحقق بعدد من الأفلام التى مازال الجمهور يشاهدها ويستمتع بها كأنها
تعرض للمرة الأولى وبرر بكر عدم إهمال صناع الفن فى تخليد ذكرى شكوكو على
طريقة السيرة الذاتية وعدم تقديم أى عمل يحكى قصة حياته إلى أن هذا ناتج من
الحالة العشوائية التى يشهدها عالم الإنتاج الفنى حيث أصبح شغلهم الشاغل
تحقيق مكاسب مادية بغض النظر عن القيمة التى يحملها العمل.
أما عن المونولوج والاستعراضات التى تميز بها شكوكو قال كل من حاول
تقليده فشل حتى أقاربه لأنه كان حالة متفردة.
وعن الرقصات التى كان يقوم بها بكر انها قال كانت تقدم بطريقة غير
مبتذلة عكس ما يحدث الآن من أشخاص أمثال سعد الصغير الذين يقدمون ذلك من
أجل (الاسترزاق والاستفزاز).
فيصل خورشيد:
اعتبره رئيس حزب كوميدى معارض والحكومات لا تكرم منتقديها
على الرغم من أنه لم يجمعه سوى لقاء واحد بالراحل شكوكو إلا أن
المنولوجيست فيصل خورشيد يعتبره سبباً رئيسياً فى احترافه لفن المونولوج
ومحاولته لتكوين شخصية مستقلة فى هذا الفن مثلما كان شكوكو حيث أكد خورشيد
أنه كان ترمومتراً ينقد سلبيات المجتمع فى كل المراحل التى عاش فيها بداية
من الملك فاروق ثم عبد الناصر والسادات وانتهى فى الثمانينات بمبارك وهذا
ما جعل الحكومات لا تمنحه حقه ولا تساهم فى ذكراه.
■ بداية
حدثنا عن اللقاء الذى جمعك به؟
- كان فى آخر ايامه حيث طلبت من صديق له صلة به أن يأخذنى معه وهو
يزوره فى المستشفى وتحدثت معه عن رغبتى فى تقديم منولوجات تكون لها بصمة
مثل أعماله فشجعنى واعطانى نصائح افادتنى بعد ذلك فى مشوارى منذ أن دخلت
مجال المنولوجات فى منتصف الثمانينيات وأذكر أننى فى أحد المرات التى
التقيت فيها بالملحن عزت الجاهلى الذى كان يلحن معظم منولوجات إسماعيل
ياسين وشكوكو طلب منى أن احترف الغناء لكن اصريت على تقديم المنولوج.
■ وفى
رأيك ما هو السر وراء نجاح شكوكو فى المونولوج؟
- أكيد خفه دمه وروحه الحلوة التى تضحك الجمهور فقد حفر اسمه بحروف من
ذهب فى مجال الدراما الساخرة والموال الفكاهى والمنولوج الغنائى وهذا جعله
ينافس إسماعيل ياسين على لقب شارل شابلن العرب ومع هذه المنافسة جمعتهم
أفلام سينمائية وكونا دويتو ناجحاً على الشاشة الكبيرة وهذا سر عظمة هذا
الجيل.
■
ولماذا لم يأخذ شكوكو حقه من التكريم من جانب الدولة؟
- لأن الحكومات لا تكرم من ينتقدها ويعرض سلبياتها وإلا كان الإخوان
كرموا باسم يوسف عن «البرنامج» ونفس الحال بالنسبة لشكوكو الذى يعتبر اشهر
رئيس حزب سياسى كوميدى معارض وهذا ما جعلنا لا نرى مسلسلاً أو فيلماً أو
برنامجاً عن شكوكو على الرغم أن حياته مليئة بالأشياء الايجابية التى تكون
قدوة لأى فنان يخطو أول خطوة فى مجال الفن فيكفى أن شكوكو هو الفنان الوحيد
الذى قامت شركات تدوير الزجاج بعمل تمثال له بزجاجات المياه الغازية
الفارغة فى السبعينيات وهذا ما جعل الأطفال يجمعون الزجاج الفارغ ليستبدلوه
بتمثال شكوكو لا ينسى دوره أيضا فى مسرح العرائس ومساهمته فى ادخال
الأراجوز للمسرح.
■ هل
ترى أن هذا العصر ليس زمن المنولوج؟
- لكل عصر أدواته ومع تطور الموسيقى ظهرت النكت السريعة إلى أن وصلنا
فى هذا الوقت للبرامج الساخرة وبرامج ستانداب كوميدى الى تنتقد الواقع
بإسلوب ساخر وهذا ما أجهز له الآن حتى أكون مسايراً للعصر الذى أعيش فيه.
■
إذا تم تقديم مسلسل أو فيلم عن حياة شكوكو من الذى يصلح لتجسيده؟
- شكوكو كان له شخصية وشكل من الصعب تقليدهم لذلك لا أعتقد أن هناك
فناناً قادراً على تقليده.
أحد أصدقائه رفعت الشربيني:
من مؤسسي مسرح العرائس وتبرع بأجره للمجهود الحربي
أكد الفنان رفعت الشربينى مدير مسرح العرائس سابقا والذى كانت تربطه
علاقة صداقة بالفنان الراحل محمود شكوكو أنه كان فريدا على المستوى الفنى
والإنسانى أيضا حيث كان يتمتع بخفة ظل كبيرة وكان يحب الخير لمن حوله
ويساعد كل الفنانين الصغار ولم يبخل عليهم بفنه.. وعن أعماله الفنية قال
الشربينى أنه من أهم مؤسسى مسرح العرائس واستطاع أن يجعل من مسرح العرائس
منافسا قويا لمسارح الدولة.
ولكن فن العرائس مكلف للغاية فكان من الصعب عليه أن يكمل فيه وكانت
الدولة لا تدعم هذا الفن لذلك أندثر مسرح العرائس حاليا.. وعن مواقفه
الوطنية قال الشربينى إنه كان يعشق تراب أرض مصر وكان يقوم بعمل الكثير من
الحفلات ويتبرع بأجرها للمجهودات الحربية وتم تكريمه من الرئيس الراحل جمال
عبد الناصر عن مجهوداته التى قدمها لمصر وأيضا كان له عدد من الأعمال
الفنية الوطنية التى كان يرددها الأطفال فى هذا الوقت وزرعت بدخلهم حب
الوطن والانتماء له.
روز اليوسف اليومية في
22/02/2013
قطع معاش ابنة شكوكو بعد 28 عامًا من وفاته
كتبت- سهير عبدالحميد
قررت نقابة المهن التمثيلية قطع معاش مجموعة من الفنانين الذين يجمعون
بين معاش أكثر من نقابة ومن هؤلاء الفنانين الفنان الراحل محمود شكوكو التى
تحصل على معاشه نجلته وذلك منذ وفاته عام 1985 أى من 28 سنة حيث اكتشفت
النقابة أنها تحصل على معاش آخر من نقابة الموسيقيين الذى كان الراحل يحمل
عضويتها أيضًا من جانبه أكد الفنان سامح الصريطى وكيل نقابة المهن
التمثيلية أن قرار قطع معاش مجموعة من الفنانين جاء بشكل قانونى حيث قامت
الشئون القانونية بإخطار أعضاء مجلس النقابة بأن هناك عددًا من الفنانين
يجمعون بين معاشين منهم نجلة محمود شكوكو التى تحصل على معاش لوالدها منذ
وفاته عام 1985 من نقابتى الممثلين والموسيقيين كذلك المنولوجست حمادة
سلطان وهذا يتنافى مع اللوائح والقوانين وأن قيام النقابة بقطع المعاش
لهؤلاء الفنانين جاء من منطلق الحفاظ على المال العام وتحقيق مبدأ المساواة
خاصة أن هناك أعضاء فى النقابة يستحقون هذه الأموال وليس معنى هذا أن يكون
قرار قطع المعاش يعنى عدم احترام لتاريخ هؤلاء الفنانين. على جانب آخر تبحث
لجنة الشكاوى فى النقابة الشكوى المقدمة من المنتج أحمد الجابرى ضد الفنان
محمود حميدة الذى رفض اعادة مبلغ من المال حصل عليه من الجابرى نظير قيامه
ببطولة مسلسل «النيل الطيب» ثم انسحب من العمل دون ابداء اسباب وقد قام
المنتج أحمد الجابرى بتقديم صورة من العقود المبرمة بينه وبين حميدة وذلك
للشئون القانونية بالنقابة لاتخاذ الاجراءات القانونية ضد محمود حميدة.
روز اليوسف اليومية في
20/02/2013
"لينكولن"..
أن تكون صوتاً فى السياسة.. وسوْطاً فى الحرب!
محمود عبد الشكور
أتمنى أن تكون النظرة الأوسع لفيلم Lincolnالذى
أخرجه ستيفن سبيلبرج، باعتباره فيلماً عن القيم الأمريكية التى دافعت عنها
هوليوود طوال تاريخها، وفى أفلام مختلفة الأنواع والموضوعات، دون أن يلغى
ذلك بالطبع أن الفيلم عن إحدى الشخصيات الكبرى فى التاريخ الأمريكى، ربما
يكون المعنى الأدق أن "لينكولن" تم استدعاؤه لأنه أحد الذين يعبرّون عن تلك
القيم، التى تدور حول الحرية والإتحاد، وتمزج بين الأفكار المثالية
والوسائل البرجماتية، وتُعْلى قيمة الأسرة والدين، مع التركيز على أن
الأحداث الكبرى فى التاريخ ليست فى حقيقتها سوى جهد وإلهام وتصميم حفنة من
الأبطال، الذين نجحوا فى تحقيق ما يؤمنون به.
لو قصرنا زاوية الرؤية على تفصيلات الشهور الأربعة الأخيرة فى حياة
الرئيس الأمريكى محرر العبيد، فنحن أمام فيلم متقن الصنع، يحتاج بالقطع الى
بعض التكثيف، ودمج بعض الأحداث، أما إذا انطلقنا الى أنه فيلم عن القيم
التى تبناها لينكولن فأصبحت جزءاً من الفكرة الأمريكية عن الوطن والحياة،
ستنفتح أمامنا آفاق أكثر اتساعاً. لاشك عندى فى أن نجاح الفيلم التجارى فى
الولايات المتحدة، يرجع بالأساس الى أن سبيلبرج لعب على الوتر الثانى، هم
يحفظون سيرة حياة لينكولن، يدرسون حياته فى التعليم، ولكنهم اكتشفوا فى
الفيلم تلك المعانى الأعمق التى دأبت هوليوود على تكرارها، تستطيع أن تتحدث
فى الواقع عن تمهيد الطريق لبذور الحلم الأمريكى، كان من المستحيل أن تقول
إن أمريكا هى أرض الفرص المتساوية أمام الجميع، بينما ينقسم الشعب الى عبيد
وأحرار.
إحدى مناطق الذكاء فى رسم شخصية لينكولن أنه يبدو كما لو كان رئيساً
ينتمى الى القرن الحادى والعشرين، وليس رئيساً من القرن التاسع عشر، طريقته
فى إدارة الصراع بوسائل السياسة والحرب معاً، واعتبار الحرب وسيلة أو أداة
من أدوات السياسة وليست غاية فى حد ذاتها، فكرة رجل الدولة صاحب الرؤية
الإستراتيجية الذى يسبق زمنه، كل ذلك يكاد يقدم نموذجاً معاصراً تماماً،
ويكاد يلمح الى حلم مفقود يستحق الإستدعاء.
زعيم استثنائى
لا تقدّم الشخصيات التاريخية الكبرى فى الأفلام الناضجة لأسباب
تعليمية إخبارية تقريرية، ولا لكى تقول إن لينكولن هو الذى حرر السود، ولكن
لكى تقول من خلال الماضى أشياء معاصرة، الفيلم كتب له السيناريو تونى كوشنر
عن كتاب أصدرته دوريس كيرنز جودوين بعنوان "فريق المتنافسين: العبقرية
السياسية لدى ابراهام لينكولين"، الحكاية إذن عن دور فن السياسة فى خدمة
الأفكار الكبرى، الفكرة المثالية وحدها لم تصنع أمريكا، ولكن الحصافة
والرؤية والبراجماتية الساسية هى التى جعلت المستحيل ممكناً، هذا هو المعنى
العام للقصة كلها، ولايوجد أفضل من هذا القديس المحارب والسياسى لضرب كل
هذه العصافير بفيلم واحد.
لينكولن فى فترة رئاسته الثانية هو الشاهد والدليل، وتحديداً فى
الشهور الأربعة الأولى من العام 1865، من يناير الى أبريل حيثت تنتهى معركة
هذا الزعيم الإستثنائى بمقتله بالرصاص فى أحد المسارح، أرجو أن تلاحظ أن
لينكولن سيكون فى هذه الفترة بالذات بمثابة المرآة الواضحة لكل الأفكار
المطلوب معالجتها: أمريكى بسيط، صعد الى السلطة، أمامه هدفان لايغيبان عن
نظره: وحدة الشمال والجنوب ورفض انفصال ولايات الجنوب بقوة السلاح وذلك من
خلال الحرب، وإقرار مجلس النواب للتعديل الثالث عشر الشهير بإلغاء الرق
والعبودية من خلال السياسة، الفيلم ببساطة هو فى التقاطع بين الفكرتين:
الماكر لينكولن يعتبر أن تمرير التعديل سينهى الحرب، وخصومه يريدون إنهاء
الحرب حتى لايمر التعديل.
يترجم السيناريو هذه اللعبة الشاقة على مدى 150 دقيقة، يسير خط الحرب
جنباً الى جنب مع خط السياسة، يمسك لينكولن بالطرفين، ويتلاعب بهما كيفما
شاء، ربما أثقلت التفصيلات والبصمة التوثيقة البناء فى بعض الأوقات، كان
أفضل بالقطع إذا تم التكثيف والإختزال، ولكن السيناريو لم يفلت أبداً
فكرته: هذا هو الرجل، وهذه هى القيم المقدسة التى دافع عنها، وتلك هى
وسائله البشرية لتحقيقها، وهذا هو الثمن الذى دفعه مقابل ذلك.
يعمل النص فى عدة إتجاهات متداخلة: ملامح إنسانية لشخصية معروفة،
أفكار مثالية، وأدوات براجماتية، منذ المشهد الأول تكتب عبارات مباشرة عن
تلك الصعوبات التى واجهت الديمقراطية الأمريكية، وفى مشهد تمهيدى يلتقى فيه
لينكولن مع اثنين من الجنود السود، يتحدث الجندى كلارك عن المستقبل: اليوم
تحرير العبيد، وغداً إقرار حقهم فى التصويت، وبعد نصف قرن دخولهم مجلس
النواب، لم يبق إلا أن يقول، وفى وقت ما سيحكم أمريكا رئيس أسود.
يقول لنا هذا المشهد الإفتتاحى الهام إن فيلمنا عن الأمس الذى لولاه
ما كان اليوم، يتعمد سبيلبرج أن يحتل الجنود السود الصورة، بينما نسمع صوت
لينكولن فقط، وحتى عندما تنتقل الكاميرا إليه، يظهر لأول مرة فى لقطة
متوسطة محايدة، ويستبقى سبيلبرج اللقطة القريبة المكبرّة المنتظرة لوجه
لينكولن لإنهاء المشهد، وكأن الحلم لن يحققه سوى هذا الوجه.
معارك محسوبة
نعرف إن إصرار لينكولن على طرح التعديل الدستورى الخطير على مجلس
النواب لم يكن الأول، فقد فشل من قبل فى تمريره، هو ينتمى الى الحزب
الجمهورى، تمريرالتعديل ينقصه موافقة عشرين نائباً إضافياً على الذين يضمن
تصويتهم الى جانبه، منذ تلك اللحظة يتبلور الصراع واضحاً، هناك جناح شديد
المحافظة فى الحزب الجمهورى، يعتقد أنه يمكن إنهاء الحرب بدون هذا القرار،
وهناك بعض أعضاء الحزب الديمقراطى الذين يرفضون أصلاً فكرة المساواة بين
الأبيض والأسود، ويرفضون إلغاء العبودية من الأساس.
تنطلق خطة لينكولن فى عدة اتجاهات: استمالة المترددين من خلال فريق
قام بتكوينه وزير خارجيتة وليام سيوارد، يقابل الفريق هؤلاء واحداً واحداً،
مع وعدهم بوظائف لمكافأتهم حال إقرار التعديل، ثم يتدخل لينكولن بنفسه فى
محاولات الإقناع، من ناحية أخرى، يستمر الضغط العسكرى الشرس على الجنوبيين،
أنصار الرق والإنفصال، ويتم ذلك بقصف دموى للميناء الأخير الذى كان يساعدهم
على الإستمرار فى الحرب، من ناحية ثالثة يخوض لينكولن معركة عائلية مع
أسرته: زوجته مولى ترفض التعديل الخطير، تذكر زوجها بمحاولة اغتيال فاشلة،
ترفض أيضاً أن يذهب ابنها روبرت الى الحرب، ما زالت تعيش مأساة وفاة أحد
ابنائها بالتيفود.
ثلاث معارك متداخلة أماكنها البيت الأبيض والبرلمان وساحة الحرب،
ووجهان للرئيس المحرّر: صاحب رسالة لتحقيق العدل والمساواة القادمين مباشرة
من السماء (مشهد الحلم الإفتتاحى يجسده مثل نبى وحيد على ظهر سفينة تبحث عن
شاطئ وتسير بسرعة هائلة)، ورجل سياسة يعلم أن الأفكار الكبرى تحتاج الى حيل
كبرى لتمريرها، المعنى هنا أنه رجل رأسه فى السماء، وقدماه الطويلتان على
الأرض، المعنى أيضاً أن هذه الثنائية هى التى صنعت أمريكا.
فى أحد أذكى حوارات الفيلم، يقول تاديوس ستيفنز، وهو أحد أكثر انصار
فكرة تحرير العبيد، ويلعب دوره المشخصاتى الكبير تومى لى جونز:"إن أعظم
خطوات القرن التاسع عشر تم تمريرها بالفساد من خلال أنقى شخصية فى الولايات
المتحدة"، هذا المزيج هو بالضبط التوليفة الأمريكية التى تنزل الأفكار
المجردة الكبرى الى ملعب التطبيق البراجماتى بكل نقائصه الإنسانية.
تظهر القيمة الهوليودية الثانية فى الدفاع عن الحرية والمساواة كغاية،
بدونها لا يمكن أن يتحقق الحلم الأمريكى، نظرة عيون لينكولن ( بأداء الفذ
دانييل داى لويس) تقول ببساطة إنه لا ينظر الى قدميه، ولكن الى أمريكا
القادمة غير المرئية للآخرين، وكأنه يقوم بتعبيد الطريق للغد، هناك قيمة
ثالثة هى فكرة الرسالة الأمريكية للبشرية كلها، يقول لينكولن فى المشهد
الأخير، إن علينا أن ندافع عن السلام الدائم والحرية والمساواة، يتحدث
بوضوح عن خروج القيم الأمريكية الى العالم كله.
يمثّل مشهد التصويت على التعديل، بعد محاولات مضنية من الديمقراطيين،
ذروة الدراما، يستخدم سبيلبرج كل أسلحته لكى يسجل هذه اللحظة التاريخية
الفارقة، بفارق صوتين فقط يتم تمرير التعديل الذى سيغّير وجه أمريكا الى
الأبد، سيتحايل لينكولن على محاولة تأجيل التصويت، سيكتب عبارة "على حد
علمى" لكى ينكر وجود وفد من الجنوبيين للتفاوض فى واشنطن.
لا ينسى لينكولن أنه محام سابق، نراه يحكى عن تلك المرأة التى تعاطف
معها الجميع، فسمحوا بتهريبها رغم أنها قتلت زوجها، يحكى عن ذكاء السياسى
الأمريكى الذى تعامل مع وجود صورة واشنطن فى المرحاض أثناء وجوده فى لندن،
يبدو الحق كما لو كان فى حاجة الى شيطان يدافع عنه، تظل الأمور دائماً
مرهونة "بنتائجها الواقعية"، وهذا هو جوهر الفلسفة البراجماتية الأمريكية.
السهم الأخير
لاينتهى الفيلم رغم تمرير التعديل، مازال الجنوبيون يرفضون إلغاء الرق
الذى سيحرر 4 ملايين من السود، ثم قد يفتح الباب أمام تحرير الملونين، وقد
يسمح بزواج البيض والسود، وإعطاء المرأة حق التصويت كما قال جورج وود أحد
أكبر خصوم التعديل فى مجلس النواب، ولكن مشكلة الجنوبيين فى أن تحرير السود
سيؤدى الى تدمير اقتصاد الجنوب الذى يعتمد على هذه الأيدى العاملة الرخيصة.
يتحدث إليهم لينكولن بنفس المنطق البراجماتى عن مجتمع حر ومفتوح، بل
إنه يدافع عن الحرب باعتبارها وسيلة لتحقيق غايته "النبيلة"، نراه فى مشهد
تال وهو يتفقد القتلى على حصانه دون أن يهتز له جفن، يستسلم ثوار الجنوب،
يعود وجه القديس، يرفض الإنتقام، يتم اغتيال لينكولن، لا نشاهد الحادث،
ولكننا نشاهد رد فعل طفله الصغير، يستمع الى الخبر، وهو يشاهد مسرحية فى
مسرح آخر.
اكتملت الشهور الأربعة الأخيرة، السهم الأخير يغلق القوس، الزوجة
التعيسة مولى يبدو أنها قد تصالحت مع زوجها، تقول إنها مجنونة به قبل فترة
قصيرة من اغتياله، يحدثها مثل ناسك عن رغبته فى الحج الى القدس، الابن
روبرت يظهر كجندى بعد أن أصر على أن يحقق حريته واختياره الخاص، رغم مخاوف
والده ومعارضته، قيمة أخيرة طالما دافعت عنها الأفلام الأمريكية: قد لا
تكون الأسرة مثالية، ولكن لابد أن تظل أسرة متماسكة، أما التاريخ فقد صنعه
فرد عرف كيف يستخدم الصوت فى السياسة، بنفس القدر الذى عرف كيف يستخدم
السوط فى الحرب.
أصبح من التكرار أن نتحدث عن الإتقان فى عناصر الفيلم الأمريكى، الأدق
أن نتحدث عن التجويد والإضافة الى الإتقان المفروغ منه، يثبت سبيلبرج من
جديد قدرته على تقديم بناء كلاسيكى متماسك بصرياً، وباستثناء الملاحظة
الأساسية بضرورة التكثيف لاختزال التفاصيل مثلما تم تكثيف موسيقى جون
ويليامز فى مشاهد محددة، فإن هناك مشاهد أخرى بأكملها تقدم بطريقة مشبعة
وقوية مثل المواجهة بين لينكولن وزوجته، وبين لينكولن وابنه روبرت، ومشاهد
مجلس النواب جميعها، مدير التصوير المفضل لدى سبيلبرج هو بالطبع يانوس
كامينسكى الذى استخدم ببراعة الضوء الطبيعى القادم من النوافذ المفتوحة،
مما منح لينكولن هالة شبه مقدسة، وفى مشاهد أخرى بدا كما لو أن إضاءته
الحادة تنحت وجه لينكولن تعبيراً عن صلابته الداخلية.
دانييل داى لويس نجح بامتياز فى الإختبار، كان مرعوباً من الشخصية
التى ظهرت فى أفلام سابقة، ولكن المشخصاتى القدير حافظ ببراعة على كل
الخيوط، المشكلة ليست فقط فى الملامح الشكلية البدنية ( كان لينكولن مفرط
الطول تتأرجح يداه الى جانبيه ويسير محاولاً السيطرة على توازن سيقانه
الطويلة وهو ما جسّده لويس حرفياً)، ولكن الصعوبة الأخطر فى هذه الوجوه
المتعددة للشخصية: محارب وسياسى وقديس صاحب رسالة، أب حنون وقائد صارم،
تلونت التعبيرات على وجه لويس القدير كيفما شاء، ولكن شيئاً واحداً كان مثل
الخيط الذى يربط كل شئ، إنها نظرة العين الثابتة، وكأن الرجل ينظر الى
أشياء غير مرئية، هذا هو مفتاح الأداء كله: لينكولن رجل يرى هدفه واضحاً
وثابتاً، وكل ما يفعله من أجل تحقيق ما يراه.
تعود الرائعة سالى فيلد الى أدوارها الكبرى بدور الزوجة مولى، هذا
الوجه المجهد، وتلك الانفعالات المفاجئة، تكشف عن بركان تحت الابتسامة
المفتعلة للحفلات، مجرد امرأة تريد الدفاع عن أسرتها وما تبقى من أولادها،
براجماتية محدودة للغاية، نقطة ضعفها أنها تحب زوجها، ولا تستطيع أن تتركه،
أما تاديوس سيتفنز (تومى لى جونز) فهو تنويعة أخرى على نغمة لينكولن، يؤمن
بالحرية والمساواة، يقاتل لمدة 30 عاماً من أجل إلغاء الرق، ويقتنع فى
النهاية أن عليه أن يتحايل من أجل تمرير التعديل التاريخى، نكتشف فى
النهاية أن حبيبته سوداء، يضمهما سرير واحد، تقرأ له التعديل، وكأنه تترنم
فى أذنه بأجمل عبارات الحب.
فيلم "لينكولن" يقول بخبث فنى إن هذا الرئيس كان عظيماً بقدر عظمة
القيم الأمريكية التى تستحق الدفاع عنها، لم يكن الرجل يستهدف تحرير أربعة
ملايين أسود فقط فى عصره، ولكنه كان يستهدف تحرير كل السود الذين سيولدون
بعد ذلك (منهم رئيس أسود سيدخل البيت الأبيض)، يحتاج الحق والخير الى
أنياب تدافع عنهما، وإلا ظلا مجرد أحلام مثل حلم سفينة لينكولن الضبابى.
عاد محرر العبيد الى الشاشة لكى يصنع امتزاجاً كاملاً بين الدين
والفلسفة البراجماتية والديمقراطية والسلاح، فهل لا يزال البعض مصرّا على
قراءة "لينكولن" على أنه فيلم تاريخى وكفى؟!
عين على السينما في
22/02/2013
خارج النص
»أرجو « أن تفهم
غلط
بقلم : مصطفى
حمدى
الترشح لسبعة جوائز أوسكار أمر يكفي للحديث عن هذا الفيلم..
"أرجو" الذي أخرجة وجسد بطولته النجم بن أفليك وحصد من جيوب المشاهدين في
أمريكا أكثر من 130 مليون دولار مستوحي من قصة حقيقية من ملفات المخابرات
الامريكية وهي المهمة التي نفذتها عن طريق منتج فني وماكيير لتخليص ستة من
موظفي السفارة الامريكية اختبأوا في منزل السفير الكندي بطهران بعد اقتحام
الثوار الايرانيين لسفارتهم واعدام كل من فيها.
تيتر البداية في حد ذاته ينزع الغطاء عن علاقة امريكا بالثورة
الايرانية "الشيعية"
التي تسببت أمريكا في اشعالها بعد تنصيبها لشاه ايران الذي أتي علي حقوق
الشعب الإيراني فكانت النتيجة ثورة شعبية إنقض عليها الخوميني ورجالة
لتتحول ايران ـ بفعل فاعل- الي دولة دينية شيعية.
وجهة النظر الامريكية بالطبع تفرض نفسها علي الفيلم..
امريكا ليست مسئولة عن علاج الشاه علي أراضيها، الادارة الأمريكية مثل ملاك بريء أو بطل أسطوري
يسعي كالعادة لانقاذ رعاياه حول العالم وهو نموذج متكرر في كثير من افلام
هوليوود ولكن المختلف هذه المرة هو وضوح العلاقة بين السي أي ايه وصناع
السينما في امريكا حيث تمت العملية تحت
غطاء منتج يسافر الي ايران لتصوير فيلم هناك اسمه
"أرجو" ويخرج بعدها من الاراضي الايرانية ومعه الستة موظفين بجوازات سفر
مزورة تحت مسمي فنيين ومخرجين وقبلها تم حبك القصة بعقد مؤتمر صحفي عالمي
ضخم في امريكا حول الفيلم.
عناصر التشويق والاثارة التي تغلف مشاهد المغامرة هي أحد مقومات
النجاح في السينما الامريكية ولهذا كان حضورها مخيما علي حقائق كثيرة
احتوتها القصة الأصلية..
حقائق بعيدة عن المثالية التي تصدرها هوليوود لجمهورها الضحل
ثقافيا ومعلوماتيا ولكن تبقي العلاقة بين ترشيح الفيلم لسبعة جوائز اوسكار
ومن قبلها فوزة بجائزة الجولدن جلوب وبين تقديمة صورة بطولية للمخابرات
الامريكية أمراً مثيرا للريبة.. "أرجو"
أن يفهمه الجميع بنية غلط.
Mostafahamdy2009@yahoo
أخبار النجوم المصرية في
22/02/2013 |