المواجهة كلمة يحبها المخرج التركي رئيس شليك وفعل يسعى إليه، فإن لم
تتم المواجهة سواء تعلقت تلك بالعلاقة بين الرجل والمرأة أو برحيل رئيس بلد
«فلا يمكن إدراك الأمور».
فيلمه «ليلة الصمت» أثار النقاشات حيث عُرض. في برلين مثلاً كان
السؤال: متى ستحل هذه المشكلة في شرق العالم؟ أما في قريته التركية فكان:
متى ستحل هذه المشكلة في إيران وأفغانستان... «كل فرد يظن أن ذلك يحدث في
مكان آخر. ثمة رغبة دائمة لإسقاط مشاكلنا على الآخرين مع أن اعترافنا أولاً
بوجود المشكلة عندنا يمكننا من بناء رؤية أخرى للعالم» كما يقول لنا.
«المشكلة» التي أراد المخرج التوقف عندها تتجلى في كون الناس ضحية وضع
عام، فالرجال بنوا إمبراطورية للسيطرة على النساء لكنهم باتوا ضحايا ما
بنوه. «ليلة الصمت»، أبعد ما تكون عن الصمت! يصور الفيلم زوجين في ليلة
واحدة فقط على مدى ساعة ونصف. إنها ليلة زفاف قاصر وكهل، الزوجة الصغيرة
تحاول إرضاء رجلها أو بالأحرى «سيدها» على هواها الذي لا يتناسب بالضرورة
مع هواه. تسكب له الماء ليتوضأ، تجلب له المكسرات وتطلب منه أن يروي لها
حكاية المرأة الثعبان «شهرمان وحبيبها كهمش»... تتحايل عليه ببراءة الأطفال
وشيطنتهم كي تبعد اللحظة التي تخشاها... فيلم يدور في مكان مغلق ويطرح بكل
رهافة، السؤال حول الضحية والجاني، ويأسر متابعه بإنسانية شخصياته وبحواره
المكثف.
حين قدَّم رئيس شليك للجمهور فيلمه الذي عرض في المسابقة الرسمية
لمهرجان فزول الدولي للسينما الآسيوية حذرهم «سأصحبكم إلى الأناضول وأحبسكم
في غرفة وأترككم وسنرى إن كنتم ستستمتعون أم لا؟». لقد استمتعنا واستمتعنا
جداً، لهذا التقينا المخرج كما قلنا له.
>
حين قلت إنك ستحبسنا في غرفة، خشيت من ملل قد يعترينا ومن
مسرحية سينمائية، لكن هذا لم يحصل ولو لثانية!
- (مبتسماً) منطقتنا هي منبع ألف وليلة وليلة، لهذا نعرف فن القص!
·
كيف جاءتك هذه الفكرة وكيف عملت
على السيناريو لجعله مشوقاً هكذا؟
-
أميل بشدة للعمل على المواضيع الاجتماعية لا سيما ما هو مخفي
منها ويعتبر من المحرمات، كما أحب تناول القضايا السياسية والتطرق إلى
الجوانب الدينية والتقليدية في هذا المجتمع، ولهذا السبب وقعت في بعض
المشاكل مع الدولة والمؤسسات الدينية التي تطرح الأسئلة حول أفلامي. وأنا
أظن أن هذا هو دور الفن. مسألة الزواج بقاصر والرجال الكبار في السن
والمزواجين هو من المحرمات التي رغبت في طرحها على بساط البحث. غالباً ما
نتناقش مثلاً حول حقوق المرأة ولكننا لم نواجَه أبداً بالسؤال حول الأسباب
التي أدت بنا إلى الوصول إلى هذه الحال. كانت هذه الفكرة الدعامة التي بنيت
عليها السيناريو. لطالما فكرت بمواضيع ثم فيما بعد أقوم بتطويرها في ليال
عدة. وهذا الفيلم كان نتيجة تفكير طال سنوات لكنني كتبته كاملاً في ليلة
واحدة. تعلمين في الشرق فإن الحكايا تحكى في ليلة وأنا لست سيناريست، أنا
حكاء!
استنكار
·
هل تقصدت اختيار فتاة عمرها ثلاث
عشرة سنة؟ حين عُرف عمر الفتاة في الفيلم سرت همهمة استنكار لدى الجمهور
الفرنسي، لكن أحداً لم يتطرق إلى هذا في الحوار معك!
-
تقصدت هذا العمر نعم. أما الأسئلة فيصعب على الناس طرحها، هم
يفكرون بقضية ما ويودون الحديث عنها ولكنهم ينتظرون من الآخرين البدء. وما
إن يستهل أحدهم بطرح السؤال الجيد حتى يتحرك الباقون. هكذا، تبدأ الثورات!
لقد قرأت أسئلة عدة في وجوه الناس ولو كنت أتكلم الفرنسية لخلقت ثورة هنا!
>
هنا! أي نوع من الثورات تود خلقه؟
-
ثورة لتجديد العلاقة بين الرجل والمرأة ومواجهة الوضع. في شكل
عام لا يرغب أحد بتحمل عبء المشكلة أو بتحريك الأمور، نرغب ببقائها هادئة.
إنما يجب أن يشعر أحد ما بالمسؤولية ويحدد نوعية المشكلة لحلحلة الأوضاع.
لهذا الغرض أنجزت الفيلم. سأعطيك مثلاً، في حال سورية الكل يرى أن المشكلة
هي في رحيل الأسد، ثمة مشاكل كثيرة لا يريد أحد النظر إليها ولا رؤيتها،
فرحيل الرئيس ليس المشكلة.
·
لكنه جزء منها!
-
نعم جزء، إنما لا يجب التخلي عن رؤية كل المشاكل الباقية
ومناقشتها.
·
لنعد إلى الفيلم فما أشرت له
حديث طويل سيحرفنا عن المسار. لم تحدد زمناً للفيلم!
-
حتى الشخصيات والأمكنة لا اسم لها، الفيلم يمكن أن يكون في كل
زمان ومكان.
·
أداء بطل الفيلم (الياس سلمان)
كان رائعاً وقلت إنه هجر التمثيل منذ عشرين سنة وإنك أردت إرجاعه، لِمَ هو
بالذات؟
-
أنا ضد إبعاد بعض الممثلين من قبل الحكومة بمعنى وضع العصي في
دواليبهم ومحاولة عزلهم بعيداً من الحلقة الرسمية والتطورات التي تقرب
البعض وتبعد البعض الآخر. أردت التعبير عن رفضي لمواقف كتلك. هذا الممثل
كان معروفاً جدا في تركيا وتوقف عن التمثيل لمدة عشرين عاماً أي منذ انقلاب
1980، وأقنعته بالعودة. إنه موقف أصر عليه وقد أعدت ممثلين آخرين إلى دائرة
الضوء وأحدهم «تونجل كورتيز» بات اليوم نجماً في تركيا.
·
على سيرة النجوم، هل أنت على
دراية بنجاح المسلسات التركية في العالم العربي؟ هل تعتبر الأمر إيجابياً
أم سلبياً؟
-
لا أرى الأشياء من وجهة النظر هذه أي سلبية وإيجابية.
المسلسلات حال قائمة والناس ترغب بالتسلية والتمتع، في السابق كانت
المسلسلات البرازيلية، واليوم التركية وثمة ممثلون جيدون يعملون فيها
ومصورون يتدربون عبرها. لِمَ لا؟ هذا شيء إيجابي إذا أردت! أما السلبي
فالمسلسلات تدفع باتجاه انعزال الناس، فهم ينغلقون أكثر فأكثر في أفكارهم
ويغدون سلبيين أمام التلفزيون ولا يفكرون أو يفعلون شيئاً آخر. لكنها
كالموضة، كالريح التي تعبر...
·
ما هي الموضة المقبلة؟ لقد سئمنا
تلك!
-
هذا هو بالذات ما أردت مواجهته، تطور القصص والحالات. الناس
يخلقون نظاماً ما ويبقون داخله وفي وقت ما يتعبون من خلقهم فيشعرون برغبة
العبور إلى منحى آخر.
العبور إلى أين؟
·
إلامَ تريد العبور بعد هذا
الفيلم؟
-
في هذه اللحظة لا أدري! قد يأتيني الوحي في ليلة ما. ثمة أمر
أنا متأكد منه ألا وهو ميلي لتحفيز الناس على التفكير والنقاش. لدي موضوع
أفكر فيه منذ زمن طويل حول الإنسان والحمار. فما الذي يجعل هذا إنساناً
وذاك حماراً؟ يشترك الاثنان بالروتين اليومي من أكل ونوم وجنس... باختصار
أود التفكير لمناقشة هل يدفعنا العقل الذي نختلف به للتطور أم للتراجع.
·
لم نسألك التعريف بنفسك في
البداية، أود أن تقوم بذلك بطريقتك.
-
أعتقد أنني كائن إنساني يختلف عن الحيوانات (مبتسماً)، أريد
تجاوز مرحلة الإيمان بالأديان وبالأيدلوجيات التي يؤمن بها الناس من دون
تفكير، وأرى نفسي في هذا العالم الحديث كإنسان قديم جداً يتجول في الصحارى
وفي الأناضول كدرويش قديم. (ثم مضيفاً) ولكن ليس على الجمال بل بالطائرة!
·
وما هي علاقتك مع الجمهور
التركي، كيف يرى أفلامك؟
-
في البداية كان هناك الكثيرون ثم بعد اعتيادهم على مشاهدة
الأمور الفارغة ابتعدوا عن هذه النوعية من الأفلام.
·
ربما أيضاً لأن الناس لا تحب
الدراويش في أيامنا!
-
أوافقك لسببين. أولاً لأنهم ليسوا على الموضة، وثانياً لأننا
نتطرق إلى مواضيع لا يحب الناس مناقشتها، هم لا يرغبون برؤية أنفسهم عراة
في الحياة الحقيقية. المجتمع هو من خلق هذا السعي للمحافظة على كل ما هو
مخفي. وما هو مخفي يجب أن يبقى كذلك!
·
ثمة لغة خاصة للسينما التركية.
-
بدلاً من سينما تركية أفضل القول سينما من تركيا فهذا أكثر
شمولاً فهناك أيضاً السينما الكردية والعربية...
·
نعود إلى الحديث عن سورية
-
لا أفكر مثلما يفكر كثيرون في تركيا. سورية مثل تركيا بلد
إسلامي عصري. والسؤال الذي يجب طرحه يتعلق في ما بعد رحيل الأسد وإن كانت
ستُبنى سورية أكثر عصرية أو أفضل؟ أنا ثوري بطبعي وأرى أنه على ثوار سورية
أن يبنوا بلداً أفضل، إنما هل الطريقة المناسبة هي إعطاء السلاح وإدخال
مقاتلين ليقوموا بما قاموا به؟
هل أعطى التدخل الأميركي في العراق ديموقراطية أفضل؟ يفضل ترك الشعب
ليقوم لوحده من دون تدخل خارجي. لذا، أنا ضد أي تدخل إمبريالي في وضع كهذا،
بيد أن ذلك لا يعني أنني ضد الثورة، لكن عليها أن تقوم من الداخل.
·
هذا ما حصل أولاً!
-
منذ خلق إسرائيل وهي تريد تدمير من حولها: تركيا، سورية...
وسؤالي هو: بالنظر إلى ما يحدث اليوم هل نحن ندمر النظام أم نحاول أن نفعل
ما تفعله الدولة الإسرائيلية منذ أكثر من خمسين عاماً؟
الحياة اللندنية في
22/02/2013
«غلوريا»
الستينية تحمل شهية الحياة والجوائز الأساسية
لأفلام الهمّ الاجتماعي الأوروبية
برلين – محمد موسى
انطباعات عدم الرضا التي سادت في الأيام الخمسة الاولى، والتي غَلبت
على تغطيات وسائل الإعلام وتعليقات الرواد في الدورة الثالثة والستين
لمهرجان برلين السينمائي، تضاءلت قليلاً مع وصول المهرجان الى خاتمته يوم
الأحد الماضي. إنها اختيارات المسابقة الرسمية مجدداً، والتي تثير منذ
أعوام انتقادات المتابعين. فالمهرجان يواجه صعوبات كبيرة في جذب أفلام
مخرجين معينين، كما يبدو أنه خسر المنافسة مع مهرجاني «كان» و «فينسيا»،
عندما يتعلق الأمر بأفلام مسابقتة الرسمية، ويكفي للتيقن من هذا، العودة
إلى سياسة توزيع الأفلام في الصالات السينمائية الاوروبية للعام الفائت،
والتي تُشير الى شعبية الأفلام التي عرضت في مهرجاني «كان و «فينسيا»،
والدليل وصولها السريع الى الصالات الاوروبية الفنية مقارنة بمثيلاتها التي
عرضت في برلين.
كما أن سياسة التوازنات الجغرافية والفنية بين الأفلام المختارة أصبحت
عبئاً على المسابقة، تضاف الى هذا القرارات غير المفهومة التي تقف وراء
توزيع الأفلام بين برامج المهرجان، ولماذا يعرض مثلاً فيلم «الأرض
الموعودة» للأميركي غوس فان سانت في المسابقة الرسمية على رغم انه عرض
تجارياً في الولايات المتحدة الأميركية في شهر كانون الأول (ديسمبر) من
العام الماضي، ولا يعرض فيلم «الخروج للنهار» للمصرية هالة لطفي في
المسابقة عينها (عرض في برنامج «فورم» من المهرجان)، على رغم أن الأخير
يتفوق فنياً على الكثير من أفلام المسابقة لهذا العام. وكيف يمكن تفسير عرض
أفلام شديدة السوء لهذا العام، مثل فيلم «الموت الضروري لتشاري كونتريمان»
للمخرج السويدي هندريك بوند؟ والذي حاول تقديم قصة عصابات ذكي، وانتهى الى
هجين من الأفكار المُقلدة البدائية، على رغم مجموعة الممثلين الأوروبيين
والأميركيين الجيدين الذين اشتركوا في لعب الادوار الرئيسة في الفيلم.
المجتمع بكلفة زهيدة
جاءت الجوائز لمصلحة الأفلام الاجتماعية من ذوات التكلفة الإنتاجية
الزهيدة، والتي قاربت قصصاً معاصرة من القارة الاوروبية. فجائزة الدب
الذهبي لأفضل فيلم حاز عليها الفيلم الروماني «حالة الطفل» للمخرج بيتر
كالين نتسار، ليستكمل النجاح الاخير، تلك التي حققتها السينما الرومانية
منذ فيلم «أربعة أشهر وثلاثة أسابيع ويومان» للمخرج كريستيان مونجيو،
(جائزة مهرجان «كان» السينمائي لعام 2007). هناك في الحقيقة الكثير الذي
يجمع بين الفيلمين المذكورين، كما يمكن إيجاد مشتركات بين «حالة الطفل»
ومعظم الأفلام الرومانية من العقد الأخير، بعضها فني (الكاميرا المحمولة
اللاهثة وراء الشخصيات، والتقشف التقني لهذه الأفلام، لتبدو قريبة من
السينما التسجيلية)، وبعضها يتعلق بعلاقة هذه السينما بالماضي الخاص للبلد،
والعلاقة المعقدة بين شخصيات الأفلام وهذا الماضي، وتمظهراتها السياسية
والاجتماعية والنفسية والدينية.
شخصيات فيلم «حالة الطفل» تحمل وزر الماضي، الذي لن نعرف عنه الكثير
ضمن سياق الفيلم. فالخلاف الذي وصل إلى العطب في علاقة الأم والإبن في
الفيلم، وقع خارج الفيلم والشاشة، ولن تتسنى لنا معرفة تاريخه وأسبابه،
لكنه هناك. وحتى عندما يواجه الإبن الأزمة الأكبر في حياته، حين يقتل طفلاً
بسيارته، يبقى غضب الإبن من الأم الثرية ماثلاً، ولن تنفع كل محاولات الأم
في إنقاذ ابنها من أزمته في إذابة جليد ذلك الخلاف.
يقدم الفيلم الأيام القليلة التي تمضي بين حادثة السيارة ودفن الطفل،
ويتابع الجهود التي تبذلها الأم لتخليص الإبن. الأم هذه من طبقة اجتماعية
تجمع بين الثراء والنفوذ الاجتماعي. ومرة أخرى لن نعرف الكثير عن خلفيات
الطبقة التي تنتمي اليها الأم، هل هي من «رومانيا القديمة»؟ أم تنتمي الى
طبقة ظهرت بعد الثورة ضد الشيوعية؟ كثير من وقت الفيلم سيذهب في التفاصيل
الإدارية الخاصة بالحادثة، ومحاولات الأم وأصحابها من ذوي النفوذ التأثير
في تحقيقات الشرطة. تلك المشاهد تملك أهميتها الخاصة، فهي تكشف عن فروقات
اجتماعية وغضب مكبوت، سيتفجر أحياناً في وجه الأم (تلعب دورها بتمكن كبير
الممثلة رومينيتا جيورجيو). يهدأ الفيلم أحياناً، وبخاصة في مشاهد الوحدة
التي تعيشها الأم، وألمها من جحود الإبن، كما يتضمن الفيلم، أحد أكثر مشاهد
المسابقة الرسمية حميمية وتأثيراً، عندما تقوم الأم بوضع مَرهم على ظهر
إبنها بعد الحادثة، هي ربما المرة الأولى التي تكون بهذا القرب من ابنها
منذ عقود، هما عادا الى زمن كاد يُنسى من حياتهما، وكلاهما لا يرغب لتلك
اللحظة أن تنتهي.
الجنين الميت
جائزة الدب الفضي، وهي الثانية في تسلسل الجوائز في المهرجان، حصل
عليها «حلقة من حياة جامع الحديد» للمخرج البوسني دانيس تانوفيتش. الفيلم
الذي كانت تكلفة انتاجه اقل من 50 الف يورو، كان مفاجأة سارة للمهرجان. هو
ينتمي الى سينما ما بعد الواقعية الجديدة، عندما يقوم ناس عاديون بلعب
شخصياتهم ذاتها او قريبة منها على الشاشة. قصة الفيلم عن عامل جمع الحديد
وعائلته. العائلة من غجر البوسنة، من الذين تحاصرهم الصور النمطية الكثيرة،
والتي ليس منها عوزهم الشديد وظروف حياة كثير منهم الصعبة. الفيلم يتبع
العائلة لأيام، عندما تكتشف ان الجنين في بطن الأم قد مات، لكنها عاجزة عن
دفع تكاليف المستشفى للعلاج. يقضي الأب (حصل نظيف ميويتش على جائزة أفضل
ممثل في المهرجان عن الدور) معظم وقت الفيلم وهو يحاول ان يجد حلاً لأزمة
عائلته، والموت الذي ينتظر الأم اذا لم يتم استخراج الجنين الميت. الفيلم
يقترب بصدق من عالم تلك العائلة، وينقل شظف عيشها. وهو عندما يصل الى
منتصفه، تكون قصة هذه العائلة قد صارت من التأثير، بحيث لم يعد مهماً ابداً
ان الذين قاموا بالادوار في الفيلم يقفون امام الكاميرا للمرة الأولى في
حياتهم، وأداؤهم تغيب عنه الجودة في مواضع.
لم ينل الفيلم التشيلي «غلوريا»، جائزة الفيلم الافضل، وذلك خلافاً
لترشيحات معظم النقاد الذين حضروا المهرجان، لكن بطلته بولينا غارثيا والتي
لعبت شخصية «غلوريا»، نالت جائزة أفضل ممثلة. هي تلعب دور امرأة على مشارف
عقدها السادس. موظفة، عادية الشكل، من اللواتي لا يجذبن الانتباه، مطلقة،
وأبناؤها البالغون لم يعودوا في حاجتها. غلوريا هذه لا ترغب أن تنسحب من
مجرى الحياة، الفيلم يبدأ بمشهد لها في نادٍ ليلي لرجال ونساء من عمرها. هي
تبحث عن الحب والجنس، عن علاقة طويلة او عابرة. غلوريا ستهيمن على تفاصيل
الفيلم، وهذا غير شائع في السينما، لنساء من عمرها، ما زلن يملكن رغبات
وشهية كبيرة بالحياة. وخلافاً لفيلم «حب» لمايكل هانيكه من العام الماضي،
والذي يطرق «الموت» فيه شقة الزوجين العجوزين، تفتح «غلوريا» بابها للحب،
ولا تمانع الوقوع في الاخطاء او تجربة ما يقوم به شباب بعمر أولادها.
الأفلام الملحمية في المسابقة خرجت من دون جوائز على الاطلاق، حيث كان
أكبر الخاسرين فيلم «الراهبة» للمخرج الفرنسي غيوم نيكلو، مع انه تميز
بجودة تنفيذه، لقد عانى كثيراً من قدم موضوع الرواية التي اســتند إليها
(رواية الكاتب الفرنسي دنيس ديدرو عن فتاة فرنسية تحاول الخروج من أسر بيت
الراهبات الذي وضعت فيه)، وعدم قدرة الفيلم على عصرنة القصة بالشكل الكافي
لتبدو مهمة للجمهور الآن. كما أخفق فيلم «ذهب» الالماني للمخرج توماس
أرسلان، والذي قدم قصة من الغرب الاميركي، بإقناع لجنة التحكيم بجدوى
القصة، والتي تدور عن باحثين عن الذهب من مهاجري الألمان من القرن الماضي،
هذا الفيلم عاني كالفيلم السابق من ترهل الجزء الأخير منه، والإخفاق في
تبرير اسباب تقديمه.
الفيلم الذي تم تجاهله ايضاً من لجنة التحكيم (تألفت من: الممثل
الأميركي تيم روبينز، المخرج الألماني اندرياس دريزن، المخرجة الإيرانية
شيرين نشاط، المخرجة الدنماركية سوزانه بير والمصورة الأميركية إيلن كوراس
والمخرجة والمنتجة اليونانية أتينا راشيل تسانجاري، وترأس المخرج الصيني
ونج كار واي لجنة التحكيم لهذا العام)، هو «كاميل كلوديل 1915» للفرنسي
برونو دومون. الفيلم يقدم اياماً فقط من السنوات الطويلة التي قضتها
النحاته الفرنسية كاميل كلوديل في المصحة النفسية التي دُفعت إليها. تلعب
النجمة جولييت بينوش هنا واحداً من افضل ادوارها على الاطلاق، دور النحاتة.
الفيلم يبتعد في باريس حيث وقعت الاحداث الجسيمة في حياة النحاتة، ويقدمها
بعد مضي سنوات من وجودها في المصحة. وعلى عكس فيلمي «الراهبة» و «ذهب»،
يبدو التقديم الجديد للقصة على يد برونو دومون عصرياً وملحّاً، لذلك يبدو
من الغرابة كثيراً ان تذهب جائزة لجنة التحكيم لأفضل مخرج للأميركي جوردون
جري عن فيلمه المتوسط المستوى «برينس أفالانش». وحصل الإيراني جعفر بناهي
والذي ما زال رهن الإقامة الجبرية في إيران على جائزة السيناريو عن فيلمه
«الستارة المغلقة» مناصفة مع كامبوزيا بارتوي.
جوائز لأفلام فلسطين
واصل الفيلم التسجيلي «عالم ليس لنا» للمخرج الفلسطيني الشاب مهدي
فليفل، والذي عرض ضمن برنامجه «بانوراما»، الحصول على جوائز المهرجانات
التي يعرض فيها، فحل في المركز الثالث في قائمة الأفلام التسجيلية المفضلة
لدى جمهور مهرجان برلين السينمائي، كما نال جائزة السلام الخاصة في
المهرجان... في حين حصلت مواطنته آن ماري جاسر على جائزة «نيت باك»
المتخصصة بالأفلام الآسيوية عن فيلمها الروائي «لما شفتك»، وحصل الفيلم
التسجيلي «فن – عنف» للمخرجين بتول طالب ومريم أبو خالد وأودي ألوني على
جائزة
«FAIRBINDET».
ومن الأفلام الكثيرة التي قدمت قصصاً من فلسطين، والتي عرضت في الدورة
الثالثة والستين من مهرجان برلين، حصل فيلم «ان شاء الله» للمخرجة أنيس
باربو - لافيته على الجائزة الثالثة لأفلام الروائية المفضلة عند الجمهور
وجائزة اتحاد النقاد العالمي (فبريسي).
الحياة اللندنية في
22/02/2013
المغاربة والسينما الهندية:
تأملات في ظاهرة شعبية تتكرر
مراكش – مبارك حسني
من يشاهد الحفاوة الكبرى التي تُستقبل بها نخبة نجوم بوليوود في
المدينة الحمراء، مراكش، لا يسعه إلا أن يستغرب، وبخاصة اذا كان من يرصد
المشهد، من نجوم العالم الغربي وصحافييه، كما حدث خلال الدورة الأخيرة
لمهرجان مراكش السينمائي. فساحة جامع الفنا، التي تعد تراثاً إنسانياً تعرف
حين انعقاد هذا المهرجان السينمائي الدولي، عروضاً مستمرة في الهواء الطلق
لأفلام القارة الهندية أمام جماهير غفيرة متتبعة ومولهة ومتناغمة مع
الساعات الطوال التي لا تكاد تنتهي، تحكي نفس الأحداث بنفس الآليات، ولا
تحس بالملل ولا التعب. إلا أن الاستغراب ينتفي حالما تذكر بأن بالقرب من
الساحة في زقاق سياحي ضيق وحافل ومزدحم توجد قاعة سينما «المبروك» المتخصصة
في عروض الفيلم الهندية منذ عقود، وجمهورها يُعيد اكتشافها في محفل أكبر
وأوسع مع حضور أبطال هذه الأفلام الذين صاروا أسطوريين من قبيل شاروخان
وإيشوارا راي من لدن شريحة عريضة من الشباب الحرفي القادم من آلاف محلات
الصناعة التقليدية ومحلات البيع السياحية والشباب المتعلم الخارج من
الثانويات ومراكز التكوين. وليست هذه القاعة المراكشية وحدها من تخصصت في
هذه النوعية من العروض. ففي كل مدن البلد الصغيرة والكبيرة، توجد قاعات
سينمائية منذورة للفيلم البوليوودي. وفي الدار البيضاء التي لا تشذ عن
القاعدة، مثلاً، اشتهرت بعروضها قاعات سينما «موريطانيا» و «البيضاء» و «أوبيرا»
و «فيردان». وهي معادلة طبيعية ما بين مجتمع محافظ وسينما شعبية محافظة في
مجملها. ولذلك أسباب موضوعية عامة.
الأسباب
السينما الهندية هي إحدى السينماتوغرافيات الأكثر شعبية في المغرب.
وذلك لكونها تقترب من الهم العام لشريحة كبيرة من الناس، وتخاطب فيهم
العواطف والتفكير والقلب والعاطفة. في شكل مباشر ودانٍ ومن دون وساطات. أي
أنها مفهومة فهماً لا يحتاج إلى وسائل العلم والمعرفة والتكوين الذهني أو
المعرفي، أو التمازج مع خياراتها المحددة لها، ولا الاتفاق مع أهدافها
المعلنة والخفية.
هي سينما شعبية بامتياز. لأن مواضيعها في الغالب الأعم تتناول أولاً
العائلة، وعلاقات الآباء والأبناء المتسمة بحركتها العمودية، حيث الأب
والأم محترمان ولا يعصى لهما أمر كما في العائلة المغربية، وتسود فيها قيم
الطاعة وواجب القربى والقرابة، وقيم الاحترام للكبير والعجوز، وواجب الحشمة
والوقار والتوقير. وبالتالي تلقى القبول العام. كما أنها تهتم بكل ما يشكل
عصب السعادة العائلية، من تآزر وتآخٍ وتضحية وتفانٍ. وبالتالي لا يمكن إلا
أن تبعث لدى المتفرج متابعة قوية. كما أنها تعتمد في موضوعاتها المجتمعية
الخارجية على قيم الجوار والشفقة والمساندة والتعاطف الجمعي مع الضعيف
والفقير والمظلوم. بحيث أن الخير هو الذي ينتصر أبداً وأن الشر مذموم وله
وجه واحد ولون واحد. إن كل تعقيدات الحياة والأواسط من الأمور لا تجد فيها
مكاناً ولا اعتباراً.
ثانياً تعتمد السينما الهندية على الجانب العاطفي في العلاقات
الشبابية، فالحب هو رباط وثيق علامته الوفاء والتضحية والإخلاص التام، ولا
يقبل الخيانة ولا الغدر ولا التعدد. الحب يكون حتى الموت، وهو حب عفيف على
أكبر قدر ممكن، مما يجد انتشاراً للكل أفراداً ومجتمعاً. وكي يُصور الحب
بهذا الشكل لا بد من طرح كل ما يمكن تصوره في مضادات الحب ومراحله كما يعاش
كونياً أولاً وعربياً ثانياً، من عدول وحساد وطامعين. ليست المعادلة
شكسبيرية في الحب على طريقة السينما الهندية، هو بسيط ولا يقبل بدوره أواسط
الأمور المعقدة والملتبسة على الفهم الشعبي.
من جهة أخرى تتوسل السينما الهندية الشعبية بوسائل عميقة الأثر هي
الغناء والرقص والجمال. وذلك للتعويض عن المباشرة والحميمة الجسدية والحسية
التي تميز السينما الغربية. فالغناء فقرة رئيسية لا يمكن الاستغناء عنها.
فهذه السينما أساسها الإمتاع أطول ما يمكن، ومنح المتفرج ساعات طويلة من
الفرح والمتعة. وهي بهذا تستدعي أكبر المغنين والمغنيات للطرب وتأدية
المقطوعات الموسيقية الهندية الشهيرة والرائقة، بين أطايب اخرى.
الحياة اللندنية في
22/02/2013
حكيم بلعباس مخرج لبضعة أفلام في فيلم واحد
الدار البيضاء -خالد الخضري
قدم المخرج المغربي حكيم بلعباس فيلمه الجديد «محاولة فاشلة لتعريف
الحب» في إطار المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة بالمهرجان الوطني
14 للفيلم المنظم مؤخراً بمدينة طنجة، حاصلاً به على جائزتي جمعية نقاد
السينما والمونتاج.
وتدور حكاية الفيلم، وفق ما ورد في كتيّب المهرجان، على الشكل التالي:
زينب وحمزة ممثلان يسافران إلى أعالي جبال الأطلس لتحضير دوريهما في تصوير
فيلم يروي حكاية (إيسلي وتيسليت)، العاشقين اللذين مُنعا من الزواج واللذين
تروي الأسطورة أن دموعهما خلقت البحيرتين اللتين تحملان اسميهما.
إن أي مهتم بتاريخ السينما المغربية لا بد أن يستهويه منطلق هذا
الفيلم قبل موضوعه أو مضمونه، لسبب بسيط، وهو أننا كلنا كمغاربة يهمنا أن
ترتكز سينمانا أو تنطلق من التراث الشعبي، سواء كان تاريخاً موثقاً («بامو»
لإدريس المريني و «معركة الملوك الثلاثة» لسهيل بن بركة)، أو تراثاً
أسطورياً محكياً («قنديشة» لجيروم كوهن)، أو على الأقل مغنّى عبر بعض
المتون الشعبية (من ضمنها العيطة الحصباوية («خربوشة» لحميد الزوغي). وبغض
النظر عن المستويات الفنية والتقنية لهذه الأقلام وما حبلت به من حمولة
فكرية قد نتفق معها أو نختلف، إلا أنها في مجملها قدمت حصة لا يستهان بها
من المعلومات المفيدة حول محور الحدث أو المرحلة أو الشخصية المؤفلمة...
هذا بعكس فيلم «محاولة فاشلة لتعريف الحب» الذي ارتفق أسطورة إيسلي وتيسليت
ليعبر إلى الشاشة سارداً ومصوراً مجموعة أحداث لا أدعي أنها لا تمت إلى
الأسطورة بصلة، ولكنها فقط تحلّق بعيداً في مجرتها، مكررة حكيها على ألسنة
مجموعة من الشخصيات، سواء من الممثلين المحترفين (وهما اثنان: زينب الناجم
وحمزة عبد الرزاق)، أو من السكان الأصليين لمنطقة إملشيل في الأطلس الكبير،
وبالتالي فالإشكالية التي طوقت هذا الفيلم خلقها المخرج نفسه، إذ هو على
الشاشة، كما أثناء مناقشة الفيلم، يقر بأنه لم يرد تصوير حكاية هذين
العاشقين الضحيتين، ولا إنجاز فيلم روائي ولا حتى تسجيلي عنهما، هو فقط
أعجب بهذه الحكاية وحمل ممثليه وكاميراته ومجمل أدوات التصوير والتسجيل
وراح يصور ويحاور ليشركنا معه في ما هفت إليه نفسه.
بين الواقع والأسطورة
والحقيقة أننا حين نعاين الفيلم، قد لا نجد أثراً لذلك الحب الطوفاني
الذي أغرق منطقة بكاملها بفيض من الدموع إلى أن غدت بحيرة، كما لا نجد له
تأثيراً في علاقة بعض شخصيات الفيلم إحداها بالأخرى، وإن كان لكل واحدة
منها قصة حب متشظية، زينب مع ذلك «الحبيب» الذي لم يعد يجيب على مكالماتها
الهاتفية فغدت تنعته بـ «الحمار»، وذلك الراعي الشاب الذي يحب عائشة ولا
يستطيع الزوج منها بسبب فقره، من دون أن ننكر أن الفيلم حبل بلقطات تضج
حباً وتماسكاً إنسانياً، سواء بين الإنسان والإنسان: علاقة زينب بتلك
العجوز الجميلة التي توفيت مؤخراً عن سن يناهز المائة وخمس سنوات وفق تصريح
حكيم بلعباس، وكيف كانت هذه الأخيرة تشفط المساحين من وجه زينب بالماء
الصافي والطبيعي الجاري ببحيرة إيسلي أو تيسليت، وكيف كانت تحضن كل واحدة
منهما الأخرى بحب وحنان عارمين، أو بين الإنسان والطبيعة، والتي رغم أنها
تبدو أحيانا قاحلة وقاسية، فإنها تمنح لمريديها، سواء من سكانها الأصليين
أو زائريها، قبساً ممنعاً من الحب، والذي يطاول أيضاً عين المتفرج
المتذوق.. ويعود الفضل في هذا إلى عدسة حكيم بلعباس كمتخصص في الأفلام
الوثائقية منذ فيلم «عش في القيظ» إلى الآن. إلا أن ما أخافه عليه سقوطه في
النمطية، فكأنه ولحد الآن، يخرج فيلماً واحداً في عدة أفلام، حيث يمزج
الوثائقي بالروائي، منطلقاً دائماً من ذاته. ولا عيب في هذا متى وصل الذاتي
إلى العام، والأمثلة كثيرة، يذكر منها على المستوى العربي أفلام يوسف
شاهين، لاسيما ثلاثيته الشهيرة («إسكندرية ليه»، «حدوثة مصرية» و «إسكندرية
كمان وكمان» وغيرها...)، حيث لم تعد القضية قضية يوسف وعائلته وأمه وأبيه،
ولكنها غدت قضية جيل عربي برمته تحكمه أنظمة سياسية وأعراف وقوانين عربية
وضعية وسماوية شبه متشابهة.
وهنا أفتح قوس مؤاخذة للمركز السينمائي المغربي، الذي ينبغي أن يضيف
إلى قانون المهرجان صنفاً خاصاً بمسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة، كما
الطويلة، فهذه عقدة لم يستطع الفكاك منها منذ الدورة الخامسة للمهرجان
الوطني الذي نظم بالدار البيضاء سنة 1998 ونال فيه فيلم «في بيت أبي»
لفاطمة جيلي الوزاني الجائزة الأولى، إذ هو أيضاً فيلم يجمع بين الوثائقي
والروائي، إلى الدورة 12 للمهرجان ذاته، الذي فاز فيه فيلم (أشلاء) لمخرجنا
حكيم بلعباس بالجائزة الأولى، من دون أن يشذ عن النسق ذاته. وإذا كان
للمركز السينمائي عذر فيما سبق، من حيث قلة الإنتاج الفيلمي المغربي، فإن
هذا العذر انتفى كلياً بوفرة الإنتاج، التي غذت تقارب العشرين فيلماً
سنوياً في الوقت الراهن!
سيناريو محكم
عموماً، وبعيداً من هذا المأخذ التنظيمي، لا بد أن ننظر إلى طبيعة
الفيلم الحكائية، والمفتقرة إلى سيناريو محكم، على حد اعتراف حكيم خلال
المناقشة، لأن المهم بالنسبة إليه هو السرد وليس السيناريو، وهذا هو السبب
الذي جعل لجنة الدعم السينمائي المغربي ترفض دعم مشروع الفيلم ذاته حين قدم
إليها سنة 2007، لخلوِّه من عنصر السيناريو المتكامل، وذلك باعتراف أحد
أعضائها السيد العروسي نفسه أثناء مناقشة الفيلم. وبالتالي يكون حكيم
بلعباس قد أنجز فيلماً لا هو وثائقي ولا هو روائي، وإنما حقق فيلماً
مربكاً، وبالنسبة إلي لم أستطع التواصل معه ولم يشد انتباهي. وقد سبق أن
عبنا في مرحلة الثمانينات على بعض سينمائيينا غلوهم في إنجاز أفلام شخصية
مغرقة في الذاتية تصور أنفسهم وعائلاتهم، غير مكثرتين بذوق الجمهور العام
الراغب في مشاهدة أفلام يفهمها ويتفاعل معها، وعلى رأس هؤلاء مصطفى
الدرقاوي في: «عنوان مؤقت» و «أيام شهرزاد الجميلة»... إلى أن أثر فيه
النقد البناء فسعى إلى عقد صلح مع الجمهور المغربي الواسع من خلال أفلامه
الأخيرة «غراميات الحاج الصولدي» و «الدار البيضاء ليلاً»... فمهما يكن،
نحن لا نكتب كتباً ولا ننجز أفلاماً أو مسرحيات أو أغاني لأنفسنا وأهالينا،
بل لشعب يدفع ضرائب ويؤدي أثمان تذاكر لمشاهدة هذا الإبداع أو ذاك...
وبالتالي يبقى فيلم «محاولة فاشلة لتعريف الحب» فيلماً نخبوياً وفيلم
مهرجانات.
يمتاز حكيم بلعباس بطاقة حكي شفهية مؤثرة، لكنها للأسف لا تظهر حين
يؤفلم أفكاره، ويجب أن يكون حاضراً معنا ليشرحها لنا، كما أنه ينتقي بذكاء
عناوين بعض المشاهد: الحب اللامشروط، الغضب... وكأنه يكتب قصصاً قصيرة هي
جديرة بالقراءة أكثر منها بالمشاهدة... وهذه كلها تقنيات سينمائية نتمنى أن
يوظفها بذكاء أشد نجاعة لإنجاز أفلام أجمل وأشد تواصلاً مع جمهور أوسع، حتى
ذلك الذي لا يحسن القراءة، كما أنه قسا على نفسه بالدرجة الأولى حين حمّل
الفيلم بذلك العنوان الناسف: (محاولة فاشلة)، هذا إن لم يكن قد استعمله عن
عمد وسبق ترصد بمثابة قشرة موز لزحلقة النقاد وقارئي الصورة من الداخل، كما
جمهور المهرجانات بالخصوص، ليقول لهم: «ها أنا أقول لكم ما أتوقع منكم
قوله: إنه فعلاً محاولة فاشلة لتعريف الحب». وشخصياً، بدل أن أنجرف معه
قائلاً إنه عنوان في محله، أكتفي فقط بالتصريح –ومن دون أي قذف أو تجريح
شخصي– أن فيلمك باختصار شديد: محاولة متواضعة لتعريف الحب ليس إلا.
الحياة اللندنية في
22/02/2013
استقبال «جماهيري - درامي» لأول فيلم روائي عن الثورة
السورية
«باب
شرقي» يُفتح في القاهرة
خالد محمود - القاهرة
وسط حضور لافت من الجالية السورية في القاهرة، تم عرض أول فيلم روائي
عن الثورة السورية، أمس، «باب شرقي»، في نقابة الصحافيين المصريين، للمخرج
المصري أحمد عاطف، وبطولة الممثلة لويزا عبدالكريم، والاخوين أحمد ملص
ومحمد ملص، ومجموعة من الممثلين غير المحترفين، أدهشوا الجمهور باعترافاتهم
بعد نهاية العرض بعدم امتهانهم السينما رغم ابهار معظمهم في تأدية دوره،
وتعهدوا (في عبارات كوميدية) بالانصراف عن التمثيل مع انتصار الثورة
الثورية.
يدور الفيلم حول رحلة آلاف السوريين واللجوء الى مصر بعد اندلاع
الثورة، وتفاصيل وقسوة يوميات الخروج، ثم معاناتهم كلاجئين خارج الوطن،
ويركز على الصراع بين الأخوين هلال وبلال. حيث يمثل الأول شخصية الشرير
الذي ملأ والده «المسؤول السوري» قلبه بالحقد على العالم، واعتبار الولاء
للحاكم هو الهدف الأسمى للحياة، ثم دخول هلال في احتراب سياسي مع بلال، بعد
ان تحول الأخير إلى ناشط ثوري وانحاز للشعب، بينما سار الأول على نهج
والده، وأصبح من شبيحة النظام. ويتطور الصراع بين الشقيقين من التجاذب
الكلامي الى المستوى الحركي حيث يقرر هلال ملاحقة بلال من مكان الى آخر،
واستهدافه لقتله تلبية لرغبات النظام.
يعرض الفيلم عبر تطور احداثه شخصيات وحكايات سورية مختلفة بلورتها
الثورة سلباً وايجاباً، يقع في اقصى طرفيها شخصية الدبلوماسي السوري
المناصر للنظام البعثي (والد هلال وبلال - فرحات مطر)، الذي ينام ويستيقظ
في حالة هيام بشخصية الرئيس، حيث يضع صورة «القائد الملهم» أمام عينيه طوال
الوقت ليبثه مناجاته بأن أقصى أمانيه أن يقبل يوماً يديه، بينما تجسد في
الطرف المقابل الطفلة ناتاليا (تجسد دورها ناتاليا فرحات)، نموذج الصبية
اللاجئة التي تجد نفسها فجأة في أرض غريبة، والمفتقدة لأسرتها ورفيقاتها،
والتي تمثل بعذوبتها
وبراءتها حلم الثورة الآتي، وتصل ذروة تجسيد ناتاليا للحلم في
علاقتها بشجرة وجدتها بحديقة مصرية شبيهة بشجرة تركتها في سورية.
يركز المخرج علي التشابه المذهل في الملامح بين التوأمين هلال وبلال،
الذي يربك الثوار والجمهور والسلطات الأمنية على حد سواء، ويختلط الأمر على
الجميع فلا يستبين أحدهما من الآخر، وينتج عن هذا التشابه اتهامات من
الثوار لزميلهم المناضل بلال بالعمالة، ويخفف هذا التشابه في الوقت ذاته
أجواء الدم والرعب في الفيلم، عبر مفارقات لطيفة أبرزها سخرية سيدة قاهرية
من التوأمين، حيث ذكراها بفيلم «مين فينا الحرامي». ينتهي الفيلم باشتباك
بدني دموي بين الشقيقين داخل شقة مغلقة لا يتبين من متابعته المنتصر من
المهزوم، وبانتحار الأب المنافق، فيما تبث في الأثناء محطة تلفزيونية في
عاجل لها نبأ سقوط دمشق في يد الجيش الحر، وانتصار الثورة السورية.
اتسم عرض الفيلم بتسيد حالة من الحماسية من قبل الجمهور، ومقاطعة
العرض مرات عدة بالهتافات والتصفيق، واعتبر نقاد حضروا الفيلم منطقية ذلك
درامياً، كون الفيلم يعبر عن حياة المتفرجين من اللاجئين والنشطاء ذاتها،
ولتداخل الخيال السينمائي بواقعهم المعاش، واعتبار المتلقي نفسه جزءاً من
الحدث، وتوقه إلى نهاية مفرحة لمسيرة الثورة.
وأشارت بطلة الفيلم لويزا عبدالكريم لـ«الإمارات اليوم»، إلى انها لا
تعتبر «باب شرقي» فيلماً سياسياً، إنما هو فيلم إنساني يكشف ما فعله
الاستبداد سلبا، ثم ما صنعته الثورة ايجاباً بالإنسان السوري، وبنسيج
العلاقات الاجتماعية السورية.. وقالت عبدالكريم إن «حياة خمسة ملايين لاجىء
سوري بتفاصيلها، وأمانيها حتى إحباطاتها، تمثل ملحمة تحد حقيقية تحتاج إلى
إبراز موازٍ لنجاحات الثورة الإنسانية والميدانية».
وقال المخرج أحمد عاطف لـ«الإمارات اليوم»: «إنني أصنع فيلماً عن
سورية رغم انني لم ازرها من قبل، لكني زرتها عبر التاريخ، وعبر انبهاري
بثورتها وتضحيات شعبها، وهي كما قدمت للعالم دروساً سابقة في الحضارة،
تعطيه اليوم مثالاً حياً في قدرتها على البسالة والصمود وبذل الدم ضد
الدكتاتورية والطغيان».
وأضاف عاطف أنه «اعتمد على ثيمة تشابه الشقيقين هلال بلال، لأنه يؤمن
أن الحرب تصبح حربا حين يقتل الأخ أخاه، وهي ثيمة تكشف ايضاً بشاعة نظام
بشار الأسد لتسلله وتخريبه أمتن الوشائج الانسانية مثل رابطة الأخوة،
واخيرا لأن الثيمة ابرزت تجاوز الخير والشر في عالمنا بشكل مزرٍ».
وتطرق عاطف إلى انه تعمد اللجوء إلى تكنيك (تداخل الأزمنة)، نظراً
لأنه بصدد حدث مفتوح، وهو الانسب من وجهة نظره لاشتباكات الثورة السورية.
وختم المخرج «انه قصد صياغة الحدث بطريقة قابلة لتعدد القرارات بدلاً
من حصرها في رؤية بعينها، كما ترك النهاية مفتوحة في صراع الشقيقين، لأن
الخاسر الانسان، رغم حتمية انتصار الثورة، وعلاقة الاخوة من زاوية درامية».
وقال الممثل والكاتب والناشط فرحات مطر، انه «اختار دور المسؤول
السياسي الانتهازي، لانه عمل سنوات في التلفزيون السوري، ويعرف عن قرب هذه
التكوينات البغيضة وتفاصيل تصرفاتها»، وتابع مطر «اليوم عبر(باب شرقي)
اطلقنا اول صاروخ فني من السوريين بالخارج على قصر بشار الأسد، وابلغناه
اننا نحيا رغم ما أرادوه لنا من موت، واننا لعائدون». وقالت الطفلة ناتاليا
فرحات بعفوية صبيانية وهي تضحك «اشكر الثورة السورية، لأنها صنعت مني ممثلة».
الإمارات اليوم في
22/02/2013
أول فيلم روائى طويل عن ثورة سوريا
«باب
شرقى» يفتح طريق السينما لثلاثية «الربيع العربى»
أحمد خليفة
جاء عرض فيلم «باب شرقى»، الاثنين الماضى بنقابة الصحفيين، ليفتتح
ثلاثية المخرج أحمد عاطف السينمائية عن الربيع العربى التى تتناول الثورة
فى مصر وسوريا وليبيا. والعمل هو أول فيلم روائى طويل يتناول الثورة
السورية، يتوقع عرضه بمهرجان «فسباكو» للسينما الأفريقية نهاية شهر فبراير
الحالى.
«باب شرقى»، وهو أحد أبواب دمشق السبعة، يتناول الصراع داخل أسرة سوريا
واحدة، منقسمة على نفسها بين موال للسلطة ومن يعارضها، ويتطرق الفيلم
لانهيار تلك الأسرة السورية خلال الثورة نتيجة لذلك.
كما يتناول شخصية الشبيح، وهو الاسم الذى يطلق على «البلطجية»
الموالون للرئيس بشار الأسد والمتورطون فى أعمال العنف وقمع الاحتجاجات،
ويصور الفيلم هذه الشخصية كنموذج للتوحش الإنسانى، فهى شخصية فريدة فى
التاريخ، بحسب المخرج.
وأضاف أحمد عاطف أن الفيلم يتطرق كذلك إلى حياة النشطاء السوريين
الذين لجأوا إلى القاهرة، ومعاناتهم مع التهجير القسرى، إضافة إلى تصوير
معاناة العائلات السورية خلال رحلة هروبها من الموت. وينتمى هذا الفيلم إلى
نوع السينما المستقلة فى مصر، التى تعتمد على مصادر تمويل خاصة وذاتية دون
الاعتماد على جهات تمويل، وقد شارك السوريون بالفيلم بأجور رمزية أو بدون
أجر تماما.
ويعد أغلب الممثلين بالفيلم، باستثناء الفنانة لويز عبدالكريم، من غير
المحترفين الذين يمثلون لأول مرة فى حياتهم، وأغلبهم من النشطاء السوريين
الذين يعيشون بالقاهرة ويناضلون من أجل نصرة الثورة السورية، وبينهم الكاتب
فرحان مطر والناشطين حسام ملص وسلمى الجزايرلى، الطفلة ناتالى مطر، وقد
ساعد فى خروج الفيلم إلى النور مركز «راية» للاعلام السورى بالقاهرة بتقديم
الدعم اللوجستى، وشارك فى إعداد الفيلم كذلك مؤلف الموسيقى خالد داغر.
وأوضح عاطف أن فكرة الفيلم راودته عقب لقاء ممثلى المسرح السوريين
الشهيرين أحمد ومحمد ملص، الذين لجآ إلى مصر بعد لبنان إثر تعرضهما للسجن
والتعذيب فى سوريا مع اندلاع الاحتجاجات فيها، وقد شارك الأخوان التوأمان
فى وضع سيناريو الفيلم معه.
وأوضح عاطف أن الفيلم يأتى فى إطار ثلاثيته السينمائية عن الربيع
العربى، وقال: قبل تنفذ «باب شرقى» كنت قد انتهيت من النسخة النهائية من
سيناريو فيلم «قبل الربيع» عن الثورة المصرية وحصلت على منحة لانتاجه فى
مسابقة لوزارة الثقافة المصرية للدعم السينمائى.
وأشار إلى أنه يعتزم استكمال الثلاثية بعمل عن الثورة الليبية، مشيرا
إلى أنه التقى أصدقاء ليبيين ووجدوا معا قصة يرغبون فى تحويلها إلى عمل
سينمائى.
الشروق المصرية في
22/02/2013 |