حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الكبير كبير!!

طارق الشناوي

23/1/2013 4:56 ص

 

المخرج النمساوى الكبير مايكل هانيكة قرر أن يسحب فيلمه «الحب» من مسابقة الفيلم الوطنى فى النمسا التى يتم إعلانها مساء اليوم، وذلك حتى يمنح فرصة لأفلام ومخرجين آخرين يتطلعون للجائزة.

كان فيلم هانيكة قد حصل مؤخرا على جائزة «الجولدن جلوب» كأفضل فيلم أجنبى، كما فاز قبلها بأفضل فيلم وممثل وممثلة فى مسابقة الفيلم الأوروبى وهو حاليا مرشح بقوة لجوائز الأوسكار التى تعلن 24 فبراير القادم كأفضل فيلم فى المسابقة العامة، وأيضا أفضل فيلم أجنبى، لأنه ناطق بالفرنسية، حيث إن الأوسكار مسابقة للأفلام الناطقة بالإنجليزية، ولكن لأن الفيلم عرض تجاريا فى أمريكا أصبح من حقه أن يتنافس على الجائزة فى كل الفروع وعددها 24، بالمناسبة حدث لنا قبل 10 سنوات مع فيلم «خريف آدم» أن دخل إلى الأوسكار برغم تواضع مستواه الفنى، ولكن كان منتج الفيلم قد تمكن من عرضه أسبوعا هناك، فانطبقت عليه الشروط وخرج بالطبع لضعف مستواه من التصفيات الأولى ولكن هذه قصة أخرى.

كان مشوار الجوائز لفيلم «حب» قد بدأ مع أول عرض للفيلم فى مهرجان «كان» فى مايو الماضى، وحصل على جائزة السعفة الذهبية ليحصد المخرج للمرة الثانية سعفة «كان» التى كانت من نصيبه قبل ثلاث سنوات بفيلم «الشريط الأبيض».

ما أتوقف عنده هذه المرة هو كيف يترفع الفنان عن التنافس. نعم لا يوجد فنان فوق مستوى التنافس، والدليل أن هانيكة يشارك فى مسابقة الأوسكار كما أنك ترى مخرجين بحجم ستيفن سبيلبرج بفيلم «لينكولن» وبن إفليك «أرجو» وكاثرين بيجلو عن فيلمها «زيرو» وغيرهم ينافسونه فى التسابق.

الأمر بالطبع يختلف بين مهرجان عالمى أو مسابقة بحجم الأوسكار يشاهدها وينتظرها قرابة ربع سكان المعمورة، وبين مسابقة محلية يتطلع إليها فقط أهل الوطن. كما أن هناك وجها آخر للصورة، وهو أن أى لجنة تحكيم من حقها أن تصل بعد المناقشات إلى نتائج طبقا لقناعتها، وهى ليست بالضرورة تتوافق مع ما انتهت إليه كبرى المهرجانات العالمية. أتذكر مثلا أن فيلم «انفصال» للمخرج الإيرانى أصغر فرهادى الحاصل على جائزة دب برلين فى فبراير 2011 وأيضا جائزة لبطليه كأفضل ممثلين، وبعدها أوسكار أفضل فيلم أجنبى فى العام الماضى شارك فى التسابق فى مهرجان أبو ظبى الدورة قبل الأخيرة، وحصل على جائزة لجنة التحكيم، وليست الجائزة الكبرى التى كانت من نصيب الفيلم الفرنسى «دجاج بالبرقوق». المفاجآت ممكنة ومحتملة ما دام هناك تسابق ولجنة التحكيم مهما ارتكنت إلى الموضوعية فإن فى التعاطى مع الفنون هامشا من الذاتية لا تستطيع أن تلغيه أو تتجاوز عنه، ربما لا شعوريا نكتشف أن لجنة التحكيم تتوجه لكى لا تصبح صدى للجنة أخرى سبقتها حتى ولو كانت عالمية فتقرر مثلا أن لا تحتفى بفيلم سبق تتويجه بعشرات من الجوائز.

كان المخرج يوسف شاهين فى سنواته الأخيرة يعتذر عن الترشح لجائزة الإخراج فى المهرجان القومى للسينما المصرية، حتى لا يجد نفسه يتصارع مع تلاميذه على نفس الجائزة.

هل الفنان من الممكن أن يعيش بلا تنافس؟ الحقيقة أن الذى يدفع بالفنان إلى الإبداع هو إحساسه الدائم بأن هناك من يقدم الجميل فيسعى هو لكى يصل إلى الأجمل. كما أن دائما الأكثر إبداعا تزداد احتمالاته مع الجيل الجديد أكثر من الراسخين، لأننا فى نهاية الأمر أبناء المرحلة الزمنية التى نولد فيها، بينما الزمن يطرح دائما لمحات عصرية وطازجة والجيل الجديد هو الأقدر على اكتشاف تلك الومضات الإبداعية.

هناك ملمح تستطيع أن تراه من خلال تغير المفردات التعبيرية على الشريط السينمائى فى السنوات العشر الأخيرة. السينما ليست فقط حرفية مخرج ولكنها فى قسط كبير منها مرتبطة بالتقدم التقنى، صحيح أن فيلمى هانيكة الحاصلين على سعفة «كان» يرتكنان إلى الحس الإبداعى لا البراعة التقنية، إلا أن السرد السينمائى الذى قدمه المخرج يظل عصريا وابن هذا الزمن.

ترفُّع مخرج مثل هانيكة عن الترشح لجائزة محلية لا أراه بالمناسبة خوفا من التنافس مع الآخرين من أبناء بلده، ولكنه يحمل فى أعماقه نبلا شخصيا حرص عليه المخرج الذى من المؤكد سيحضر الحفل مساء اليوم، لا ليسرق الأضواء من تلاميذه وزملائه، ولكن لكى يضيف إلى حفلهم بريقا. بعض المبدعين فى بلادهم يتجاوزون إبداعهم ليصبحوا أيقونة، وهانيكة هو أيقونة النمسا!

 

رحيل ضحكة

طارق الشناوي

21/1/2013 5:35 ص

مع الأسف لم ألتق الفنان الكبير وحيد سيف إلا عابرا وهو تقصير أعترف به. كما أن الإعلام- ولا أعفى نفسى من المسؤولية- تهاون ولا يزال فى رصد هؤلاء النجوم الذين لم يصلوا إلى نجومية الشباك فى السينما، ولكنهم حفروا فى مشاعرنا بصمة وومضة تجاوزت حتى الأدوار التى احتفظت بها الشاشات.

كان وحيد سيف نجما مسرحيا لديه جمهور ينتظره ولكنه لم يحقق النجومية السينمائية إلا أنه فى العديد من أفلامه، رغم صغر حجم بعض الأدوار، كان يترك دائما مساحة من الضحك من القلب. مرة واحدة أتذكر أننى التقيت فيها مع الفنان الكبير فى لبنان قبل نحو 8 سنوات كنت أشارك بأحد المهرجانات وفى أثناء تجولى ليلا فى شارع الحمراء ببيروت وجدت على أحد المسارح «أفيش» يشير إلى مسرحية لا أتذكر عنوانها يلعب بطولتها وحيد سيف وسيد زيان وشعبان عبد الرحيم فوجدت نفسى بدون دعوة أدخل إلى الكواليس وتصادف أنها الاستراحة. كان وحيد يحكى بسخرية كيف أنه لقن شعبان عبد الرحيم درسا عندما حاول أن يخرج على النص ويسخر منه فأوقفه وحيد على الفور بكلمات تنال منه أمام الجمهور، وأوضح بلهجة الخبير أن هذه هى الطريقة الوحيدة التى يستطيع من خلالها أن يضمن عدم تكرار ذلك.

قال وحيد إن الجمهور كان يضحك واستشعر من خلال تلك الضحكات أنه يمنحهم ما يريدونه، وفى نفس الوقت نجح فى توصيل إنذاره إلى شعبان بأن هناك مقامات ينبغى أن تحترم.

وحيد بدأ مشواره فى مطلع الستينيات فى مرحلة زمنية كانت الكوميديا فى مصر يعاد تشكيلها، فرقة ثلاثى أضواء المسرح تنجح فى انتزاع مساحة عند الجمهور، بينما مسرح التليفزيون الذى كان يقوده السيد بدير يلعب بأوراق مسرحية مضمونة الجماهيرية من جيل أسبق مثل فؤاد المهندس ومحمد عوض وأمين الهنيدى وعبد المنعم مدبولى، وشهدت أيضا تلك المرحلة بدايات عادل إمام وسعيد صالح.

وحيد التقطَتْه الفنانة تحية كاريوكا من الإسكندرية، حيث كان لا يزال هاويا واعتبره الكاتب والمخرج فايز حلاوة أحد أهم أسلحة الضحك فى مسرحيات الفرقة مثل «روبابكيا». اشتهر وحيد بلازمة تعتمد على التصلب فى الأداء الحركى واللفظى، وعن طريقها يقتنص الضحكات، ولكنه لم يستسلم كثيرا لذلك وتستطيع أن ترى أن مخرجا كبيرا بحجم سعيد مرزوق يحرص دائما فى أفلامه الجادة- مثل «زوجتى والكلب» و«المذنبون» و«أريد حلا»- على أن يمنح دورا لوحيد واضعا عينه على الممثل وليس فقط الكوميديان، وهو ما تستطيع أن تلمحه أيضا مع المخرج عاطف الطيب فى «سواق الأوتوبيس» وقبلها مع حسين كمال فى فيلم «إحنا بتوع الأوتوبيس» ويحيى العلمى فى فيلم «شلة الأنس».

أن توجد فى مرحلة انتقالية أراها هى النقطة الفارقة التى حددت مسار ومصير وحيد سيف فهو لم ينضم إلى فرقة مثل الثلاثى التى تنازع بطولتها جورج سيدهم والضيف أحمد وسمير غانم. كما أن عادل إمام وسعيد صالح وجدا المنتج سمير خفاجة بما لديه من قدرة على الاستشعار والاستشراف فدفع بالنجمين إلى دنيا البطولة من خلال فرقة الفنانين المتحدين، ومن بعدها كانت الانطلاقة إلى السينما.

بينما وحيد سيف لم يكن يملك سوى الاعتماد على نفسه واختياراته، فهو يسعى لكى يلعب دورا مؤثرا ولافتا ولكنه على استعداد أيضا على أن يمثل كمحترف، وهنا نرى الوجه الآخر لوحيد سيف أنه هنا الممثل صاحب الحرفة ولهذا مثلا تجد فى حياته الفنية أفلاما عديدة مما يطلق عليها مقاولات. محدودة إبداعيا وفكريا ويتم تنفيذها فى أقل عدد من الأيام ولا أقول الأسابيع والغرض تعليبها على أشرطة لتسويقها فى السعودية تحديدا، ولا يهم أن تعرض فى مصر أم لا. فى آخر عامين كنت ألاحظ أن الفنان الكبير من خلال الصور التى تنشرها له الجرائد غير قادر على الحركة بسهولة ونجم الكوميديا جزء كبير من أسلحته تكمن فى قدرته الحركية. الناس إذا تعاطفت أو بتعبير أدق أشفقت على نجم الكوميديا هنا تموت الضحكة، وهو مثلا ما حدث مع إسماعيل يسن فى سنواته الأخيرة.

رحل وحيد سيف صاحب الضحكة الصافية.. وما أشد حاجتنا إليه فى تلك الأيام التى عزّت فيها الضحكات!!

 

مرسى على الشاشة!!

طارق الشناوي

20/1/2013 4:15 ص

بعد «طباخ الريس» الذى شاهدنا فيه خالد زكى يؤدى دور الرئيس المخلوع حسنى مبارك يجرى الإعداد لفيلم «حارس الرئيس» وجار البحث عمن يؤدى دور الرئيس «الحُركرك» محمد مرسى.

طلعت زكريا هو الخيط الذى يجمع بين الفيلمين، فلقد كان طباخا فى الأول وسوف يصبح حارسا فى الثانى. الغريب أن فى اللقاء الخاص الذى جمع بين حسنى مبارك وطلعت زكريا قبل إجباره على التنحى بثلاثة أشهر فقط، كان زكريا يعرض عليه فكرة فيلم «حارس الرئيس»، وأشارت الصحف وقتها على لسانه إلى أنه بعد أن حصل على موافقة من الرئيس لن تستطيع الرقابة أن تقف فى طريقه.

مفارقة بالطبع فيلم صُنع من أجل مبارك يتم تقفيله الآن لحساب مرسى، هل كان مبارك مجرد مستمع لما قاله طلعت، أم أنه أضاف أشياء أو استحسن أشياء، وهل من حق مبارك أن يتمسك بحقه فى براءة اختراع الفيلم والاحتفاظ بحارسه الخصوصى.

هل توافق الدولة الإخوانية على تقديم شخصية مرسى؟ الرقابة عندما كانت تسمح على استحياء بالاقتراب من شخصية مبارك لم يكن الأمر يمر ببساطة، كانت أولا تشترط أن لا يحدث تماثل، وفيلم «طباخ الرئيس» على سبيل المثال كان شرط الموافقة مرتهنا بأن لا يتم تقليد مبارك، ورشح تباعا عادل إمام ثم محمود عبد العزيز حتى وصل الدور إلى خالد زكى، كانت هناك رغبة من الدولة فى أن تقدم شخصية مبارك بقدر كبير من التعاطف. وربما تجد فى أفلام مثل «زواج بقرار جمهورى» وبعد ذلك «ظاظا رئيس جمهورية» الذى تم فيه حذف اسم رئيس جمهورية من العنوان سوف تجد شيئا من محاولة إضفاء القدسية على شخصية الرئيس.

بعد ثورة الربيع شاهد الناس الرئيس فى القفص ويصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد فسقط المقدس. فلم يعد هناك مبرر يمنع تقليد شخصية الرئيس، مثلما تعمد خالد زكى أن لا يقترب من لزماته الشهيرة، كانت الدولة قبلها ببضع سنوات ترددت فى التصريح بعرض فيلم «زواج بقرار جمهورى» إلا بعد أن شاهده جمال مبارك فى عرض خاص، ووجد أنه لا يقدم إلا ما يرضى الرئيس، كذلك كان من شروط تنفيذ فيلم «ظاظا» أن لا يقدم شيئا يوحى بمصر، وبالتالى نمنع أى تماثل محتمل بين ظاظا والرئيس. من الممنوعات أيضا الاقتراب من الأسرة، ولهذا فى «طباخ الرئيس» لم نر لا سوزان ولا علاء أو جمال، فكان الرئيس يأكل منفردا مما صنعه له الطباخ طلعت زكريا.

الآن الرئيس ينتقد بضراوة فى عديد من الفضائيات ووصل إلى الذروة فى برنامجى إبراهيم عيسى «هنا القاهرة» وباسم يوسف «البرنامج».

مهدت البرامج الفضائية التى كانت تنتقد مبارك قبل الثورة لزيادة مساحة الحرية الدرامية، صحيح أن الرئيس ظل ممنوعا وعصيًّا على الاقتراب الدرامى ولكن الآن تغير الأمر وصار من غير الممكن أن يرى المشاهد فيلما عن رئيس الجمهورية محمد مرسى، وتشترط الرقابة مثلا أن تمنع ظهور أى طيور فى السماء، حتى لا يعتقد أحد أنه يسخر من طائر النهضة الذى يخيم على سماء مصر، الزمن تغير وأصبح رئيس الجمهورية فى متناول الجميع. سقطت الهالات وتبددت المسافات.

هل من الممكن أن يؤدى طلعت زكريا دور حارس الرئيس؟ بالتأكيد طلعت سيتقمص دور الحارس، ولا أتصوره بالمناسبة سوف ينافق الرئيس هذه المرة مثلما فعل فى فيلم «طباخ الرئيس»، حيث كان الهدف هو تفريغ شُحنة الغضب بعيدا عن الرئيس وإلصاقها بالحاشية. لا شك أن الناس تحتفظ بذاكرتها حاضرة عندما كان الرئيس يفتح صدره متحديا الحرس فى ميدان التحرير، ويتذكرونه عندما كان فى طريقه إلى المحكمة الدستورية قبل حلف اليمين، عندما غادر سيارته وبدأ فى توجيه تحية لركاب الأوتوبيس الذى تصادف عبوره فى الشارع. هذا الرئيس الذى يمشى الآن فى حراسة مكثفة لم نشهدها فى عز أيام مبارك، تلك المفارقة تخلق انقلابا دراميًّا.

«حارس الرئيس» الذى يكتبه الآن مؤلف «طباخ الرئيس» يوسف معاطى، لا أتصور أن الرقابة فى عهد مرسى ستوافق عليه بسهولة، ولكننا فى الحد الأدنى سنشاهده عبر «اليوتيوب». ويبقى السؤال عمن يؤدى دور رئيس يفتح صدره للجميع ثم بعد بضعة أسابيع يضيق صدره ولا يتسع سوى فقط لأهله وعشيرته.. أنتظر ترشيحاتكم!!

 

أين كنا... كيف أصبحنا؟

طارق الشناوي

19/1/2013 4:26 ص

لماذا لا يعرض التليفزيون المصرى هذا الفيلم؟ إنه فيلم نادر شاهدته بالصدفة عندما حضرت احتفال رأس السنة فى المركز الكاثوليكى المصرى، هذا المركز الذى أصبح بؤرة إشعاع حيث إنه حاضر فى كل المناسبات الثقافية.

تابعت نشاط المركز منذ أن تولى قيادته الأب يوسف مظلوم الذى كان يعنى حضوره فى أى مناسبة بالنسبة إلىّ هو حضور للسلام والتسامح، وقبل سنوات قليلة ارتكن الأب يوسف إلى العزوف للعبادة، فأكمل المشوار أبونا بطرس دانيال بكل ما يحمله من طاقة شابة ليعقد مصالحة بين الفن بمختلف أطيافه وصحيح الدين، حيث لا تجد أبدًا تلك النظرة المتشددة فى التعاطى مع الفنون التى ارتبطت بالكثير من ممارسات رجال الدين مسلمين ومسيحيين.

يواكب المركز الكاثوليكى الذى تجاوز عمره 60 عامًا ما يجرى فى الحياة، وكان قبل نحو 10 سنوات هو المنوط به ترشيح الفيلم المصرى الذى يشارك فى مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى، وذلك قبل أن تستحوذ وزارة الثقافة على هذا النشاط ومنذ ذلك الحين والدولة تتخبَّط وكثيرًا ما نكتشف أننا قد نسينا موعد الأوسكار.

منحنى المدير الفنى للمركز «C.D» لفيلم «حياة وآلام يسوع المسيح» إنتاج عام 1935، وتمت دبلجته باللغة العربية فى مطلع الخمسينيات وعُرض تجاريًّا فى مصر.. النسخة مخادعة حيث تعتقد فى البداية وأنت تدير القرص أن السينما المصرية تقدّم فيلمًا روائيًّا عن حياة السيد المسيح، وتقرأ أسماء أحمد علام فى دور «المسيح»، عزيزة حلمى السيدة «مريم»، سميحة أيوب «مريم المجدلية»، وتعددت أسماء النجوم، توفيق الدقن وصلاح سرحان وسعد أردش وغيرهم من النجوم المصريين، وفى نهاية الفيلم يأتى فى التتر وعلى استحياء أن النسخة العربية إخراج محمد عبد الجواد.. سارعت بالاتصال بالفنانة الكبيرة سميحة أيوب التى أكدت لى أن الفيلم عُرض فى سينما «ميامى» أو «ريفولى» فى مطلع الخمسينيات -لا تتذكر التاريخ على وجه الدقة- الواقعة حقيقية وهى أن الدولة وربما المملكة المصرية إذا كان الفيلم عرض لأول مرة قبل ثورة 52 قد وافقت على عرضه جماهيريًّا، وكما ترى فإن كل مَن شارك فى تنفيذ الفيلم مسلمون.

الفيلم على مستوى الأداء الصوتى مقدم بدرجة حرفية عالية تلمح فيه جهد مخرج يضبط أداء الممثلين الصوتى على النسخة الأصلية المرئية.. كما أنه يقدم الممثل أحمد علام بأداء ملىء بالنقاء والطهر للسيد المسيح عليه السلام، وهذا الممثل تحديدًا أحد أهم نجوم المسرح المصرى فى بدايات القرن الماضى، ولكنه لم يلحق عصر التليفزيون ولهذا لم تحتفظ له التسجيلات بأى تراث له كما أنه لم يكن فنانًا سينمائيًّا ولهذا لا يعرفه فقط إلا الأكاديميون المتخصصون فى المسرح الحديث، وقالت لى عنه الفنانة القديرة سميحة أيوب إنه واحد من أروع مَن اعتلوا خشبة المسرح فى تاريخنا الفنى.

سميحة أيوب تؤدّى بروعة دور «مريم المجدلية» وعبارة المسيح الشهيرة عندما عاتبه اليهود قائلين فى شريعة «موسى» إن الزانية ترجم فقال لهم ولكن أنا أقول لكم من كان منكم بلا خطيئة فليلقى الحجر الأول.. ولم يجرؤ أحد!!

الذى أعلمه أن الدولة منذ الستينيات وهى تمنع عرض أفلام عن السيد المسيح فى دور العرض بحجة أن الأزهر يرفض تجسيد صورة الأنبياء وفيلم «آلام المسيح» لميل جيبسون عرض قبل 9 سنوات بقرار من د.جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلى للثقافة وقتها، وليس بقرار من الرقيب لأن القواعد المطبقة فى الرقابة تحول دون ذلك ولا تزال بالمناسبة القواعد تحول دون عرض أى فيلم يجسد المسيح عليه السلام!!

إنها حساسية مفرطة ولا يجوز فيها سوى الاقتحام.. المواجهة تبدأ بالعرض بعيدًا عن الخوف المرضى الذى يعانى منه أغلب المسؤولين، لماذا لا نفكر بترميم نسخة فيلم «حياة وآلام يسوع المسيح» ونعرضه فى تليفزيون الدولة، لنستمع إلى أصوات كل هؤلاء الممثلين المسلمين وهم يقدمون فيلمًا عن السيد «المسيح» عليه السلام.. إنه هدية نقدمها فى العام الجديد إلى كل المصريين. هل يمتلك وزير الإعلام الإخوانى -الذى كان قبل يومين فى ندوة أقامتها الكنيسة الإنجيلية يتحدث عن حيادية الإعلام- القدرة على تحقيق ذلك؟ هل تعود مصر إلى مصر التى كنا نعرفها قبل 50 عامًا!!

 

إرهاب فى الجو!

طارق الشناوي

18/1/2013 3:55 ص

الخبر هو أن نائبا من حزب العدالة والتنمية الإسلامى المغربى اعترض على الفيلم السينمائى «الرجل العنكبوت» المسموح بعرضه بالمناسبة للأطفال. كان الفيلم يتم بثه مع عشرات الأفلام الأخرى على متن خطوط الطيران المصرية المتجهة من القاهرة إلى الدار البيضاء، وجد النائب المغربى -من وجهة نظره- أن بالفيلم ما يخدش حياؤه وبدلا من إدارة المؤشر بعيدا عنه طلب ضرورة إلغائه وإلا.. وأمهلهم خمس دقائق وتحسبا من و«إلا..» كان قرار طاقم الطائرة هو الاستجابة له وحذف الفيلم تماما من كل التسجيلات بالطائرة.

إنه نوع آخر من الإرهاب الذى يتدثر بالدين مثلما تُمسك بمسدس وتجبر قائد الطائرة على تغيير مساره و«إلا..» أتخيل هذا النائب وهو يشعر بالفخر بين أقرانه بعد أن وجد منكرا فقرر أن يغيره بلسانه ولا أستبعد أن الدقائق الخمس التى أمهلهم إياها كانت تعنى أنه من الممكن أن ينتقل إلى الذروة فى مقاومة المنكر وهو استخدام يده، متجاهلا تماما أن المقاومة تجوز أيضا بالقلب.

الأحزاب الدينية من الواضح أنها لا تختلف من بلد إلى آخر. مصر وتونس والمغرب والأردن وغيرها كلها لا تعرف سوى التشدد ومن حقها بالمناسبة أن تتشدد مع نفسها، ولكن لماذا يستعرضون قوتهم ويجبرون الآخرين على الخضوع لهم. لماذا عندما شاهد النائب المغربى الفيلم ووجد فى مشاهده ما يثير غرائزه لم يمسك بالريموت وينتقل إلى فيلم آخر أو بلاها أفلام لديه أغنيات، ومنها أغانٍ دينية لعبد الوهاب وأم كلثوم وعنده أيضا قناة إذاعية لا تُقدم سوى القرآن الكريم؟ ولماذا استمر فى مشاهدة أكثر من مشهد خادش للحياء، وبعد أن أخذ قسطا من الفيلم تنبه لضرورة أن ينشر الفضيلة بين ركاب الطائرة ويمنع تماما بث هذا الفيلم الأبيح؟

لقد تغير الزمن وأصبحت حرية الإنسان مصونة فى اختيار أسلوب الحياة، ومنها بالطبع الفيلم الذى يشاهده على متن شركات الطيران.

التيار الإسلامى كالعادة يرى أنه هو المرجعية الوحيدة، وهو المنوط به تحديد الذوق العام.. عينه على الآخرين يريدهم أن يتحولوا إلى صور مما يفعلونه هم.

ما الذى يريده حزب إسلامى مغربى من شركة طيران مصرية هو أن تتلقى تلك الرسالة التى تعنى أننا نتابع ما يجرى وهو ما يسمح أن نرى رجالا من «الحرية والعدالة» لدينا يرون أنهم المنوط بهم فرض القيود فى الشارع بحجة أنهم أدرى بصحيح الإسلام. أن المواجهة لتلك الدعاوى السلفية التى تتدثر بالدين ينبغى أن تبدأ بأن نتصدى لمن يريد فرض رأيه على الجميع بالقوة، رغم أننى أتفهم بالطبع لماذا لم تتصد شركة الطيران إلى النائب المغربى وهى فى السماء، ولكن ينبغى أن لا يمر ذلك من دون تحقيق مع هذا النائب بعد هبوط الطائرة على أرض المطار.

خطيئة التيار الإسلامى مع اختلاف توجهاتهم ليس فى أنهم يحرمون حتى ما أحله الله ولكن فى إصرارهم على أن يصبحوا هم القانون «من النهارده مافيش قانون إحنا القانون»، يعتقدون أنهم من الممكن إعادة عقارب الزمن قرونا إلى الخلف متجاهلين ثقافة الريموت كنترول، وهى لا تعنى فقط التعامل مع مشاهدة التليفزيون، ولكنها تؤكد حرية الاختيار المطلق فى كل مناحى الحياة.

سائق التاكسى الذى يدير فى شوارع مصر فقط محطة القرآن الكريم أو يصر على شريط القرآن ولا يمنح الزبائن فرصة للاعتراض وإلا تتهمه نظراته إذا لم تكن كلماته وأفعاله بأنه عدو الله، فهو لا يكلف نفسه مثلا أن يسأل الزبون إذا ما كان يريد أو لا يريد، ولا يفترض أن هناك فى الوطن من يدين بالمسيحية. أعلم بالطبع أن أصدقاء عديدين من الأقباط يستمعون إلى القرآن، ولكنى أتحدث عن فرض الرأى، إنها الديكتاتورية فى أبشع صورها عندما يلبسونها عنوة بالدين الإسلامى.

الراكب المغربى اعتدى على شركة الطيران المصرية عندما أجبرها على المنع ولم يطبق حتى شرع الله فى أنه يمنح الإنسان حتى الحق فى الكفر «ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». الدين الإسلامى العظيم يمنح الإنسان حرية اختيار العقيدة، بينما هؤلاء يجبرونه على اختيار القناة التليفزيونية.

الزمن تغير ولكن قلوب المتشددين دينيا وأفكارهم لا تعرف سوى الجمود، يعتقدون أنهم قادرون على إجبار الناس أن يتحولوا إلى لون وفصيل ومذاق واحد، لقد صاروا بتلك الممارسات هم «الرجل العنكبوت»!!

 

بناهى.. من «كان» إلى «برلين»!

طارق الشناوي

17/1/2013 5:49 ص

لا تستطيع أن تحجب الشمس، وهكذا يشهد مهرجان برلين الذى يُعقَد 7 فبراير فيلمًا جديدًا للمخرج جعفر بناهى رغم أنه طبقًا للقانون الإيرانى صدر ضده حكم بالحبس 6 سنوات وممنوع من مزاولة المهنة 20 عامًا قادمة.

الفيلم الجديد اسمه «باردى» (الستارة المغلقة)، وشارك بناهى فى إخراجه كامبوزيا بارتوفى. كيف صُنع هذا الفيلم والمخرج ممنوع عليه مغادرة منزلة ينتظر حُكم الاستئناف فى الحُكم بسجنه؟ سبق لبناهى قبل عامين أن عُرض له فى مهرجان «كان» فيلمه «هذا ليس فيلمًا» الذى كان عنوانه يحمل سُخرية ممن منعوه من ممارسة المهنة.

المهرجانات العالمية تحتفى بجعفر بناهى وبزميله محمد رسولوف الذى واجه أيضًا حكما مماثلًا.

ما الجريمة التى أُدينَ بسببها المخرجان؟ لديهما موقف معارض للنظام الحالى، بناهى كان مؤيدًا لموسوى الذى رفع شعار الإصلاح، بالإضافة إلى أنه شارك فى تشييع جثمان واحدة من شهداء الحرية الذين قُتلوا فى المظاهرات الغاضبة بعد فرز نتيجة الانتخابات. إنه موقف إنسانى قبل أن يكون موقفًا سياسيًّا، لا يستحق أبدًا أن يدفع الفنان ثمنه من حريته.

عندما زرت المتحف الإيرانى للسينما قبل أقل من ثلاثة أشهر فى أثناء زيارتى لطهران وجدت لجعفر بناهى مساحة متميزة، فالرجل حاصل على عديد من الجوائز ولا يمكن تجاهل تاريخه، أفلامه مثل «الدائرة» و«تسلل» و«المرآة»، وغيرها من فرط مصداقيتها صارت جزءا من تاريخ الفن السابع فى العالم، ولكنهم اكتفوا بالاحتفاء بإبداعه ووضعوه فى متحف.

سألتُ بعض الشباب الذين التقيتهم -وللعلم المجتمع الإيرانى منفتح على الآخَر ومن الممكن فى غضون دقائق أن تكسب وُدَّهم- اكتشفت أن آخر أفلام بناهى «هذا ليس فيلمًا» تم تسريبه على «دى فى دى» وشاهده عدد كبير من الإيرانيين. أراها مأساة إنسانية، ليس مهمًّا أن تكون شاهدت أفلام هذا المخرج ولا يغير فى الأمر شيئًا أن تكون أو لا تكون حتى من عشاق السينما، ولكن يكفى أن تمتلك مشاعر لتتعاطف مع إنسان لم يرتكب جريمة سوى أنه قرر أن يعبر عن موقفه وأن تتسق الشاشة التى يعرضها على الناس مع قناعاته الفكرية.

فى اللقاء الذى ضمّ أكبر وفد فنى مصرى منذ أكثر من ثلاثين عامًا فى طهران كنا جميعًا حريصين على أن تعود العلاقات الثقافية مع إيران ولا يوجد أى مبرر لكى تعكّر السياسة صفو القواسم المشتركة بين البلدين، وكثيرًا ما طالبت بذلك فى عديد من المقالات، وبقدر ما أحرص على الإمساك بما هو مشترك بيننا وأن نعلو على تلك الخلافات السياسية والعقَدِيَّة، أشعر بتعاطف مع جعفر بناهى وزميله محمد رسولوف.

فى لقاء مع وزير الثقافة الإيرانى د.سيد محمد حسنين تحدث الرجل بكلمات عظيمة عن الثورات العربية وأشاد بالثورة المصرية، وتَطلَّع إلى أن نعبر جميعًا فوق تلك السنوات العجاف بيننا وبينهم، وقال إنه بمجرد ذكر اسم مصر يصعد للذهن مباشرة الفنانون والعلماء والقامات الفكرية التى أنجبتها. وتمنى إقامة أسبوع ثقافى مصرى فى طهران مثل الأسبوع الثقافى الذى أقيم فى تونس. وكان قد بدأ حديثه الدافئ بمَثَل إيرانى يقولونه للضيف العزيز هو «أقدامك على عيوننا».

أمام كل هذه الكلمات الصادقة التى خرجَت بالفعل من القلب وجدت الفرصة مواتية فى حضور وزير الثقافة لأن أدافع عن مخرجَين كل جريمتهما أنهما صاحبا موقف.. كان سؤالى بالعربية، وهو السؤال الوحيد الذى لم تتم ترجمته إلى الفارسية، وإن كان هناك من تولى الترجمة بصوت هامس للوزير، الذى نفى تمامًا أن تكون أحكام صدرت ضدهما فقط، قال إن الدولة منعت عرض فيلم أو أكثر لأنها تتعارض مع الدولة، ولم يكن هذا بالطبع حقيقيًّا، لأن جعفر -على سبيل المثال- لن يستطيع حضور «برلين» مثلما لم يستطع قبل عامين حضور «كان». كان بعض من شارك بين أعضاء الوفد المصرى يرى أن لكل مقام مقالًا وأننا لسنا لجنة حقوق الإنسان وأن هذا يُفسِد الفرح، وغضب من يعتقد أنه ذهب إلى إيران لكى يقتنص صفقة.

الإبداع له أسلحته، وهكذا انتقل بناهى من مهرجان إلى آخر بينما السلطة الإيرانية فى أعجب حُكم قضائى منعته من ممارسة المهنة 20 عامًا.

 

القضاء يناصر الحرية!!

طارق الشناوي

15/1/2013 6:41 ص

حزمة من الأحكام القضائية لا شك أنها أثلجت صدورنا جميعا. عودة البث المباشر إلى «دريم» وبراءة باسم يوسف من تهمة سب الرئيس وسجن عبد الله بدر وإغلاق قناة «الحافظ».

القضاء يدافع عن حرية التعبير ولكنه يُجرم الشتائم، السخرية أحد أسلحة التعبير ولهذا من حق باسم وإخوانه أن يواصلوا حمل هذا السلاح وأن يجددوا دائما طلقات السخرية التى تصيب الحُكام فى مقتل. إنها بالتأكيد جولة واحدة فقط وأمامنا جولات أخرى وستنتصر الحرية فى تلك المعركة، لأننا نملك حصنا عصيا على الاختراق.. إنه القضاء.

بعد أن تعرضت فرنسا للتدمير الشامل فى أعقاب الحرب العالمية الثانية كان ما يخشاه ديجول ليس دمار البيوت، ولكن دمار التعليم والقضاء، فسأل عنهما وعندما قالوا له إنهما بخير أجاب إذن فرنسا بخير.

بالطبع حالة التعليم فى مصر خلال العقود الثلاثة الأخيرة ليست بخير على الإطلاق، ولكن القضاء خط الدفاع الأخير هو الذى سيضمن العافية لمصر.

الدرس الذى ينبغى أن نتوقف جميعا عنده هو أن لا نتقاعس عن اللجوء إلى ساحة القضاء عندما نتعرض للظلم. مثلا إلهام شاهين عندما قررت أن لا تكفى على الخبر ماجور وتقول مثلما يفعل أغلب النجوم إن تلك المحطة التى نهشت فى عرضها لا يراها أغلب الناس فلماذا تسهم هى فى ذيوع شتائمها، بالمناسبة كانت هذه هى نصيحة العديد من النجوم والنجمات لإلهام، ولكنها امتلكت الجرأة لكى تخوض المعركة حتى النهاية.

ما الذى فعله الوسط الفنى؟ أغلبهم مع الأسف كانوا يترقبون.. كان من المفروض مثلا أن يكرمها مهرجان القاهرة فى دورته الأخيرة وتم إبلاغها بذلك ولكن الوزير تدخل فى اللحظات الأخيرة تحسبا من إغضاب الحكومة الإخوانية وبالتالى يفقد كرسى الوزارة. الإعلان عن اسم إلهام فى مهرجان تشرف عليه وزارة الثقافة كان سيضعه فى إطار التساؤل «أنت عدو ولا حبيب؟» والرجل كعادته يحرص دائما على أن تظل حبال الود موصولة بينه والإخوان، ولا بأس إرضاء للمثقفين وبين الحين والآخر أن يعلن وعلى استحياء أن مصر لا يمكن أن تصبح لونا واحدا، بينما هو الذى يُمسك بالفرشاة ويضع على ملامحها هذا اللون.

إن ما توقفت عنده ليس هو بالتحديد استبعاد إلهام، ولكن أن لا أحد من القائمين على المهرجان اعترض على الوزير وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى زمن فاروق حسنى الذى كان يُمسك بقبضة من حديد على مقدرات الثقافة فى مصر.

هل تزداد جرعة السخرية من السلطة الحاكمة؟ أظنها قابلة للانتشار لتصبح هى اللون المميز للبرامج والدراما. الناس تدافع عن وجودها بالسخرية، بينما السلطة ستجد نفسها عاجزة عن المواجهة.

الحرية التى تنتزع هى التى تعيش ونشعر بالفعل أنها تستحق التضحية، لا أرى أن الدعاوى القضائية التى أرادت تكميم الأفواه سوى أنها لعبت دورا أكبر من حيث لا تدرى ولا تريد فى الدفاع عن الحرية، كما أن تلك الأحكام القضائية تمنح ليس الوسط الفنى والإعلامى فقط، ولكن المصريين جميعا شعروا بدفعة لمواصلة الطريق الذى بدؤوه، فلا أحد فوق الانتقاد، القضاء المصرى الشريف تصدى إلى الكثير وفى عهد مبارك كان قضاة مصر فى طليعة من واجهوه وبشروا بالثورة، صورة القضاء ظلت فى شعور المصريين أنه الحصن الذى لا يقهر، ولهذا ليس غريبا أن يصبح نصيرا للحرية وحاميا لها.

القادم يحمل فى أعماقه صورة أكثر تفاؤلا مما نراه الآن فى ربوع الوطن، تبدو الآن أنها تسعى إلى تشويه الصورة، ولكن الحقيقة هى أن القادم فى ظل هذا القضاء الشامخ تشعرنا أن الغد أروع وأجمل.

القنوات السلفية والإخوانية لا تعرف الفارق بين السخرية والشتائم، ولهذا سوف يخسرون كل معاركهم القادمة لأنهم لا يملكون سوى الشتائم ولا يكتفون بهذا القدر، بل إنهم ينطلقون من ارتكاب الخطأ إلى الإقدام على اجتراف الخطيئة، عندما تستمع وترى من يحاول أن يفترى كذبا على الله ورسوله، مدعيا أن هذا الذى نسمعه من سباب هو من صميم الإيمان بالدين الإسلامى.

من يملك بيده السلطة أصبح لا يملك أن يواجه الإعلام، قد يرسل من يحاصره مثلما فعل أبناء أبو إسماعيل، ولكننا نلوذ بالقضاء الشريف فنكسب المعركة وترتاح ضمائرنا على مصير الوطن وننتظر الفجر الجديد.

 

مبارك وسوزان على شاشة الواقع!!

طارق الشناوي

14/1/2013 5:55 ص

هل نستطيع أن نعزل الشريط المرئى عما يجرى على أرض الواقع. العمل الدرامى لا يقدم فقط الحقيقة ولكنه يخاطب جمهورا لديه قناعات ومواقف مسبقة، لا أعتقد أن التوقيت الآن ملائم نفسيا أو موضوعيا. الأحداث تتلاحق ولا يمكن أن تعثر على خط ثابت لتبنى من خلاله موقفا دراميا. إجبار مبارك مثلا على التنحى كان من الممكن أن يتحول إلى ذروة، إلا أن ما تلاها من أحداث جعل حتى الفضائيات التى تُقدم الخبر الطازج لحظة بلحظة غير قادرة على الملاحقة بعد أن خُلقت ذُرَى أخرى، الناس لم تعثر على الخط النفسى الفاصل، هل يتوقف المؤلف الدرامى عند هتاف «يسقط مبارك»، أم ينتقل إلى «يسقط حكم العسكر»، أم إلى «يسقط حكم المرشد»، أم ينتظر هتافا آخر.

كيف نُطل على الحدث بينما الصورة تتغير، صحيح لن يُصبح أىٌّ من هؤلاء بطلا ضحَّى بالكرسى لإنقاذ شعبه، فكلهم جناة امتصوا مقدرات شعوبهم، ولكن تفاصيل الصورة قابلة للتغيير تبعا لما تُسفر عنه المحاكمات الدائرة الآن وأيضا الواقع الذى تحياه الشعوب بعد خيبة أملها فى ثورات الربيع.

قبل أسابيع قليلة من الثورة كان جهاز السينما التابع لوزارة الإعلام يعد فيلم «الضربة الجوية» يكتبه عاطف بشاى ويخرجه على عبد الخالق وبطولة أحمد شاكر. بالتأكيد كان الفيلم يمجّد مبارك فالكل كان يردد أن حرب أكتوبر تساوى الضربة الجوية وأن الضربة تساوى مبارك، لم يكن الأمر متعلقا فقط بسلاح له كل التقدير والاحترام ولكن قائد سلاح أراد أن يستحوذ بمفرده على الانتصار. كانت قبضة الدولة تسمح لها بفرض هذا العمل والمؤكد أنه كان سيواجَه برفض جماهيرى رغم نفاق متوقَّع من الدائرة الإعلامية والثقافية الرسمية تعوّدنا على مؤازرتها كل ما يصدر عن السلطة الحاكمة. مشاعر الناس تغيرت 180 درجة تجاه مَن صنع من نفسه بطلا منفردا لانتصار أكتوبر إلا أنها ترى الحاضر بعد الإطاحة به وهو ينذر بالعديد من المخاطر القادمة بينما هذا الطائر الذى أطلقوا عليه النهضة لا يزال محلقا ونسمع نعيقه.

ليس لدينا كادر وصورة ثابتة نستطيع أن نبنى من خلالها رؤية لعمل فنى متكامل. تقديم فيلم أو مسلسل عن الثورة بتفاصيلها مغامرة غير مأمونة العواقب، هناك العديد من التفاصيل لا يمكن ببساطة كشفها، مَن هو مبارك؟ بالتأكيد ليس الذى رسمت أجهزة الإعلام صورته «اخترناه اخترناه واحنا معاه لماشاء الله». الناس هل تتقبل مبارك المدان أم القابع الآن فى المستشفى أم الذى لا يزال ينتظر ما يسفر عنه موقفه القانونى؟ الثورة لم تنته والناس التى تعلقت أحلامها البسيطة بالكثير من الآمال تبددت على واقع ينبئ بكثير من السحب السوداء. لسنا بصدد ثورة 23 يوليو التى أنجبت مثلا «رُدّ قلبى» وتوابعه «أنت من الأحرار يا على» و«الأميرة إنجى» و«السفرجى إدريس» و«الجناينى حسين رياض» الذى فقد النطق ثم هتف مع نهاية الأحداث تحيا مصر. المصريون على أرض الواقع صاروا منقسمين لا يرددون تحيا مصر، بل نداء «يسقط» لا يزال يسكن الحناجر والقلوب.

ربما يعتقد البعض أنه من الممكن أن يقدم دراميًّا مبارك والفساد والتوريث قضايا لا شك ساخنة، مَن يريد أن يدافع عنه يقول إنه آخر من يعلم خصوصا أن الحكم ضد مبارك ليس نهائيا وليس مستبعدا أن يحصل على براءة من تهمة قتل المتظاهرين وربما لا تتمكن جهات التحقيق من إثبات عشرات من قضايا الفساد وقد تتجه شحنات الغضب إلى كل من سوزان وجمال ويخرج علاء منها باعتباره لم يكن لديه طموحا سياسيا مثل أخيه.

الشاشة الدرامية ليست منعزلة عما يجرى فى الشارع ولا يجوز أن يتصور أحد أن الشخصيات الدرامية هى ملك لصاحبها لأنها ليست خيالا محضًا فكل منّا لديه صورة ذهنية ولديه أيضا قناعاته.

أنا شخصيا لا يمكن أن أصدق عملا فنيا يقول إن مبارك لم يكن يسعى لكى يسلم مفتاح مصر لابنه، جميع أفراد الأسرة والدائرة القريبة كانوا يمهدون لساعة الصفر.

عمل درامى يقدَّم بعد عامين من الثورة سوف يخرج مبتسَرًا لأن الحقيقة لم تكتمل والوثائق لم تعلَن والصورة حتى الآن تتشكل على شاشة الواقع.. فلا وقت للدراما.

 

«حفلة منتصف الليل»

طارق الشناوي

12/1/2013 4:22 ص

كيف استشعر الجمهور أن هذا الفيلم ليس فيلمه وتلك الحفلة لن يقبل الدعوة للذهاب إليها؟ منذ الحفلات الأولى وهناك شىء من البرودة أعلن عنه بوضوح شباك التذاكر وهو ما أدى إلى أن تلغى العديد من العروض بسبب أن لا أحد قطع التذكرة.

«حفلة منتصف الليل» كتبه محمد عبد الخالق، وأخرجه محمود كامل فى فيلمه السينمائى الرابع بعد «ميكانو» و«أدرينالين» و«عزبة آدم». الفيلم يجمع فى مساحة مكانية وزمنية محددة عددا من الممثلين رانيا يوسف ودرة وحنان مطاوع وعبير صبرى بالإضافة إلى رامى وحيد، وسامى عبد الحليم وعمرو حسن يوسف وأحمد وفيق.

وحدة الزمان والمكان هى القانون الذى صاغه المخرج والذى صار أيضا بمثابة قيد للفيلم، فنحن نبدأ الأحداث فى منتصف الليل ونستمر حتى فجر اليوم التالى وتناثرت خلال ذلك طلقات الرصاص لتحصد العديد من الأرواح. من الممكن أن تجد فى هذا القصر الذى دارت فيه أغلب مشاهد السيناريو حالة مصر حيث هناك من يملك كل شىء، بينما نتابع ثورة وقتلى وكانت التربة صالحة لكل من يريد انتهاز الفرصة. الحفل الذى دعت إليه رانيا يوسف من أجل أن تكشف من الذى من أصدقائها أرسل «السى دى» الذى يفضح خيانة زوجها رامى وحيد كان المقصود منه أن تفضح أيضا العديد من شرائح المجتمع.

المشهد الأول نرى عددا من العربات الفارهة تنقل الأصدقاء من محل إقامتهم. كلهم يعيشون تحت مظلة رانيا يوسف فهم ليسوا مجرد أصدقاء لديهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، بل هم بشكل أو بآخر تابعون لصاحبة الدعوة والقصر.

المخرج يحرص فى تكوين الكادر على أن نرى فى أعلى باب الدخول للقصر يافطات لبعض مرشحى الحزب الوطنى مما يحدد الفترة الزمنية للفيلم قبل الثورة. فهو يقدم ثورة أخرى داخل بلاط القصر لنتعرف على تنويعات من المجتمع الذين لا يملكون سوى الخضوع لمن يملك وبعد أن يُقدم كل منهم مونولوجا دراميا طويلا ومملا يأتى دور خُدام القصر الذين يقررون أن يصبحوا من خلال امتلاكهم لقوة السلاح هم السادة أصحاب القرار ليواجهوا حتى صاحبة القصر التى كانوا قبل قليل خاضعين دون قيد ولا شرط لأوامرها.

الفيلم يقدم لنا أردأ أنواع الأداء الدرامى للممثلين. الكل يصرخ ليس فقط فى وجه الآخر، ولكن فى وجوهنا نحن الجمهور الذى حضر طواعية لمشاهدة الفيلم ودفع من جيبه لكى يرى كل هذا التشنج.

أن تضع أبطالك فى لحظات عصيبة يقفون فيها بين الحياة والموت، تلك المواقف كثيرا ما شاهدناها فى أعمال درامية بينها مثلا مسرحية «سكة السلامة» للراحل سعد الدين وهبة، حيث تبدو الشخصيات وهى تعرى مشاعرها على الملأ ولا يوجد ما تخفيه فليس أمامها زمن قادم تخاف عليه، إلا أن الحوار الذى كتبه محمد عبد الخالق لم يمتلك أى قدرة إيحائية، كما أن المخرج عندما قيد نفسه فى تلك البقعة المحدودة لم يدرك أنه بهذا الاختيار يختبر بالدرجة الأولى إمكانياته فكان يكشف عن ضعف قدرته على تقديم إيقاع خاص يحمل قدرا من المتعة البصرية والسمعية تتضافر فيه كل العناصر من إضاءة وحركة كاميرا ومونتاج وموسيقى تُقدم لنا من خلال ممثلى الفيلم تنويعات مختلفة فى فن الأداء، كل شخصية فى مثل هذه الأحوال ينبغى أن تملك نغمة أداء خاصة، ولكن الحقيقة هى أن الجميع كان يبدو أمامنا وكأنهم يؤدون نفس النغمة فى سباق يكسب فيه الأعلى صوتا لنجد أمامنا شريطا سينمائيا لا يبدو فقط فقيرا بل بليدا.

ومن الممكن أن نرى هذا الفيلم بوجه ما بمثابة محاولة للدفع برانيا يوسف كبطلة سينمائية. رانيا لا شك تقدمت كثيرا فى آخر عامين وتطورت ولها أكثر من مسلسل درامى حققت فيهم نجاحا ملفتا، ولكن يبقى أن جاذبية الشباك قضية أخرى. صحيح أنها لعبت بطولة فيلم يفتقد المقومات الجماهيرية بمثل ما يفتقد المقومات الإبداعية ولكن القدرة على الجذب الجماهيرى أراها لا تزال حلما بعيد المنال، لا أصادر حق رانيا فى الحلم ولكن أرى أن التجربة الأولى لها لتحقيق هذا الحلم لم تكن أبدا فى صالحها لأن ما شاهدناه هو أن الجمهور لم يقطع التذكرة للفيلم بل قاطع قطع التذكرة!

 

ديبارديو فرنسى أم روسى؟!

طارق الشناوي

9/1/2013 4:50 ص

أصبح مواطنا روسيا يمتلك منزلا فاخرا وحديقة مترامية الأطراف، أكثر من ذلك عرض عليه فلاديمير بوتين الرئيس الروسى أن يصبح وزيرا للثقافة واعتذر شاكرا، لأنه فقط على حد قوله فنان ولا يجيد أى مهنة أو وظيفة أخرى، وانتشرت صوره عبر الفضائيات وهو يرتدى زيا روسيا تقليديا ويشارك بالرقص والغناء فرحا بالجنسية التى حصل عليها من صديقه رئيس الجمهورية. أتحدث بالطبع عن الفنان الفرنسى الكبير جيرارا ديبارديو الذى اعتقد أن الجنسية تجعله مواطنا روسيا حتى لو كانت كل علاقته بروسيا أنه قدم فيلما عن حياة الراهب الدموى الروسى راسبوتين.. لقد بدأ ديبارديو وهو فى الـ64 من عمره فى الحصول على «كورسات» مكثفة لتعلم اللغة الروسية.. عندما يختار أيقونة فرنسية أن يتخلى عن جنسيته ويهاجر فى البداية إلى بلجيكا، هل نعتب على الفنان الذى تنازل بسهولة عن هويته الوطنية أم نعتب على الوطن الذى شدد الخناق على الفنان، حتى بعد أن دفع ما يربو على 100 مليون يورو ضرائب بأثر رجعى عن نشاطه الفنى.

ديبارديو من النجوم الفرنسيين القلائل الذين انطلقوا خارج حدود بلاده وحظى بمكانة أوروبية وعالمية استثنائية. هو يقول مدافعا عن نفسه إنه مواطن عالمى وليس فقط فرنسيا، ويشير إلى أنه تعرض لإهانة من رئيس الوزراء الفرنسى عندما وصفه بالدنىء، ولهذا أطاح بجواز السفر فى وجهه، بينما الرئيس الفرنسى الحالى فرانسوا أولاند الذى تربطه صداقة مع ديبارديو لم يستطع أن يزيل التوتر ويعيد مرة أخرى المهاجر إلى وطنه الذى ولد فيه وشهد أهم محطات حياته الفنية.

لماذا صارت قضية عالمية ووجدنا أن أكثر من بلد تعرض على ديبارديو أن يحصل على جنسيته، بل إن الحكومة الفرنسية شعرت بحرج بعد انتشار هذه الأخبار، ووجدت أن بها ما يمس هيبة فرنسا الدولة، ولهذا تعمدت أن تنشر مؤخرا تقريرا يوضح أن البلجيكيين الذين يطالبون بالجنسية الفرنسية أكثر عددا من الفرنسيين الذين يتقدمون بطلب الحصول على جنسية بلجيكية.

بالتأكيد لولا أنه فنان عالمى ما كان من الممكن أن نشاهد هذا السيل المنهمر من التهافت الإعلامى، كما أنه لن يجد نفسه محاطا بكل تلك العروض التى تنهال عليه للحصول على الجنسية.. عالميا كان الفنان شارلى شابلن هو أكثر فنان أرادوا أن يعاقبوه بدفع ضرائب مبالغ فى تقديرها، وذلك فى أثناء فترة ما كان يُعرف فى أمريكا بالمكارثية فى الخمسينيات من القرن الماضى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكان شابلن متهما بميوله الشيوعية فقرروا استخدام سلاح الضرائب، رغم أنه بريطانى المولد، هاجر إلى أمريكا وكان على حد قوله فى مذكراته يسدد الضرائب بانتظام، ورغم ذلك فلقد كان المقصود هو عقاب هذا الفنان، رغم أن التحقيقات أثبتت فى النهاية براءته من التهرب الضريبى ومن الميول الشيوعية، فإنه فضل أن يقضى أخريات سنواته فى سويسرا.

الفنان العربى قد يجد نفسه مضطرا إلى البحث عن جنسية أخرى، ولكن لأسباب مختلفة كان أكثر فنان عربى حصل على جنسيات متعددة هو فريد الأطرش السورى الأصل والمولد والجنسية، ولديه أيضا ثلاثة جوازات سفر مصرى ولبنانى وسودانى، وهذا يدخل فى إطار تكريم فريد من رؤساء هذه الدول، مثلما حصل مثلا وديع الصافى اللبنانى الجنسية على جواز سفر مصرى وأصالة السورية على جواز سفر بحرينى.

ورغم ذلك فإن اللعبة فى العالم العربى تحكمها قواعد مختلفة، فهى تظل بين دولة تملك سلاحين وهما الرقابة والضرائب تُطلقهما فى وجه الفنان لو أرادت ذلك، وفى التوقيت الذى تختاره، ولا يزال الأمر قائما حتى الآن. كبار النجوم يتحسبون فى علاقتهم مع الحكومة الإخوانية الحالية فى مصر، خوفا من أن تعيد فتح هذا الملف، لأن التهرب الضريبى جريمة لا تسقط بالتقادم.

ولا يزال الملف مطروحا: الضرائب أم الوطن؟ هل نعتب على الفنان الذى يضحى بوطنه ويمزق جواز سفره لو طالبوه بأموال حتى ولو حمل الأمر قدرا من التعسف، أم نعتب على الوطن عندما يتعسف ضد واحد من أبنائه؟ أتذكر بيت الشعر «بلادى وإن جارت على عزيزة * وأهلى وإن ضنوا علىّ كرام».. ديبارديو اعتبر أن بلده هى التى تحتفى به، أما التى جارت عليه فلقد تركها وهو يرقص على الإيقاع الروسى!!

 

براءة الأوراق!

طارق الشناوي

7/1/2013 9:47 م

لم يكن قرار الإفراج عن فاروق حسنى من تهمة الكسب غير المشروع مفاجأة، لأن لدى فاروق سلاحًا يدافع به عن نفسه، وهو أن لوحاته تباع بالملايين خارج مصر، تقدم فاروق إلى جهات التحقيق بأوراق تُثبت أنه يُعتبر واحدًا من أكبر الأسماء فى دنيا الإبداع التشكيلى عالميًّا التى تحقق لوحاتهم أرقامًا استثنائية فى البيع.

أتذكر منذ 15 عامًا عندما كانت تتردد مثل هذه الأرقام المليونية عن بيع لوحات فاروق حسنى، طالبت الدولة أن تمنحه منحة تفرغ ويتم عزله عن الحياة بكل تفاصيلها فى ما عدا الورق والألوان والريشة، لأداء هذه المهمة الوطنية، فمن خلال بيع لوحاته نستطيع سداد ديون مصر واليونان وكل الدول المعرَّضة لإشهار إفلاسها. العدالة دائمًا معصوبة العينين وهى قرينة للمستندات ولا يوجد عند إصدار الأحكام سوى اليقين، والقاضى بالتأكيد لم يجد لديه يقينًا مطلقًا لإدانة فاروق حسنى، فأخلى سبيله ومنحه البراءة. بينما لدينا أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق، الذى دفع الكفالة، والتى لا تعنى البراءة، ولكن خروج على ذمة قضايا لا تزال تلاحقه منها أيضًا الكسب غير المشروع، ولن أزيدكم من الشعر بيتًا حول نزاهة أسامة الشيخ وإصراره على أن يتحرر فى فترة رئاسته للاتحاد من كل القيود الروتينية التى تحكم المنظومة الإدارية، المرؤوسون يوقّعون أولًا وبعد ذلك يوقّع الرجل الكبير، فتصبح الأمور بلا أى مسؤولية مباشرة تطوله. إنه القانون الذى يدقق فقط فى الأوراق، ولو ألقيت مثلًا نظرة على الاتهامات التى تلاحق صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق، ستجد أنه أسهم فى تربّح ابنه، ولكن أمام القانون الشركة التى تتعاقد مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون يملكها رجل أعمال آخر هو الذى يتعاقد، رغم أن الموظفين الكبار الذين وافقوا على الصفقة كانوا يعلمون أن هذا البرنامج أو المسلسل من إنتاج شركة ابن الوزير، هو نفسه، أقصد الوزير، كثيرًا ما كان يؤكد للموظفين أن عليهم أن لا يجاملوا ابنه، فيبدو كأنه يبرّئ أمامهم ساحته، فهو يعلم يقينًا أن مرؤوسيه لن يجرؤ أحد منهم على أن يقول لا.

أسامة الشيخ طوال فترة رئاسته للاتحاد كان يوقّع القرارات متخطيًا الروتين، قرأت له فى أكثر من مطبوعة على لسانه وأيضًا ما أشار إليه عديد من الزملاء عما قدمه للدولة بتلك القرارات التى اخترقت الروتين فأوقعته تحت سكين الإدانة.

تقدم أسامة باستقالته بعد أيام قليلة من ثورة 25 يناير وأشارت جريدة «الدستور الأصلى» الإلكترونية، وقتها إلى هذا الخبر، ولكن بعد ذلك من المؤكد أن هناك ضغوطًا مورست عليه، فتراجع عن القرار الذى كان سيضع الدولة وليس الإعلام فقط فى تلك اللحظات فى إطار المتواطئ ضد الشعب.

الحياة الفنية والثقافية والإعلامية فى مصر لا تستطيع أن تفصلها عما يجرى فى السلطة، الكل لديه حسبة ما عندما يختار هذا الموقف أو يتراجع عنه، مثلًا هل تعلم عزيزى القارئ أن منير ثابت شقيق سوزان مبارك، كان يشارك أيضًا فى الإنتاج الدرامى، ولكن على الورق لم يكن هناك شىء تستطيع أن تكتشفه، لم يجرؤ أحد أن يذكر ذلك لأنه لا توجد فى الحقيقة شركة إنتاج باسمه، فهناك دائمًا صاحب شركة على الورق، بينما الوسط الفنى كله يعرف أن منير هو المنتج.

أسامة الشيخ لم يكن بطلًا ولا مناضلًا، فلم يقل لا ضد الفاسدين، إلا أنه فى نفس الوقت لم يكن جزءًا من المنظومة السياسية للنظام الفاسد. فاروق حسنى كان واحدًا من أعمدة النظام ودوره هو تدجين الوسط الثقافى والفنى، صحيح أنه بعد السقوط قال إنه منذ أكثر من خمس سنوات كان مناوئًا للتوريث، وهى فى الحقيقة حجة من الصعب تصديقها، فلماذا كان يتمتع بحماية العائلة التى كانت تملك مصر بينما كان التوريث استراتيجية معلنة.

أسامة سيظل فى صراع مع المستندات حتى يحصل على براءته وأعلم أن لديه الكثير مما يقوله، وأعلم أيضًا أنه لديه الكثير مما لن يستطيع أن يقوله، كان ولا يزال الإعلام مخترقًا من السلطة الحاكمة، هناك دائمًا مكالمات وتوصيات ورغبات كانت تنفذ حرفيًّا، متعلقة بأمور فنية ودرامية تهبط من العائلة مباشرة على ماسبيرو. أسامة لم يكن بطلًا ثوريًّا، ولكنه فى حدود ما عرفته ورأيته كان رجلًا شريفًا والشرف يحتاج أمام القضاء إلى أوراق!!

 

خمسة فرفشة وصَلحه!

طارق الشناوي

2/1/2013 9:03 م

وسائل الإعلام اليونانية عندما وجدت أن الأخبار السيئة والمفزعة هى التى تسيطر على كل الميديا حيث تعيش اليونان وشبح الإفلاس يهددها قررت أن تقدم أخبارا تبعث على البهجة وتدعو الناس للابتسام بأن تمنحهم الأمل فى القادم من الأيام.

ووجدت أن حالتنا فى مصر لا تختلف كثيرا عن حالة الخواجة ينِّى فى اليونان، فلماذا لا نفكر نحن أيضا فى البحث عن أخبار مفرحة فى السياسة والفن والثقافة؟ أعلم أن هذا الصنف من الأخبار غير متوفر فى الأسواق ولكن ما رأيكم أن نردِّد مثل نجاة وهى تقول بشعر نزار قبانى «لو لم نجده عليها لاخترعناهُ».

د.مرسى يوافق على اقتراح د.البرادعى ويرأس حكومة إنقاذ وطنى ينضمّ إليها البرادعى وصباحى فى موقعَى نائبَى رئيس الوزراء للشؤون الخارجية والداخلية وفى أول اجتماع لمجلس الوزراء يقرر د.مرسى فتح ملف تمويل جماعة الإخوان المسلمين ويحيل إلى التحقيق محمد البديع وخيرت الشاطر وعصام العريان. المذيع توفيق عكاشة يعلن من خلال قناة «الفراعين» أنه سوف يجرى اختبارا عمليا للثلاثة المتهمين، وأحضر إلى مقر الإخوان ثلاث بطات، وسيمنح كلا منهم بطة، فإذا أجادوا تزغيطها فإن هذا يدل بما لا يدع مجالا للشك على براءتهم من أى اتهامات تتعلق بالذمة المالية، أما إذا لم يحددوا نسبة الفول والذرة وما بالضبط سعر «بَرْكة» الحمار فى السوق فإنه لا يحتاج إلى دليل آخر ليؤكد من خلاله تواطؤ الجماعة فى الحصول على أموال من الخارج. باسم يوسف يقرر ارتداء النقاب لكى يُسمَح له بإجراء حوار مع بديع، عمرو أديب يهدِّد بخلع هدومة فى ميدان التحرير لو لم يثبت أن جماعة الإخوان تتلقى عدة مليارات من الدولارات لكى يتم دعمها من إحدى دول الخليج. عماد أديب ينصحهم بكل هدوووووء بشراء بطانيات من «التوحيد والنور» خصوصا أن البرد القارس على الأبواب وهناك احتمال كبير للتنقيط، محمود سعد يقول «كنت أؤيد مرسى رئيسا فى صراعه مع شفيق وندمت عندما أحال الجماعة إلى الوطن والآن بعد أن أصدر قراره بالتحقيق فى مصادر تمويل الجماعة أعلن ندمى على الندم»، ويقرر إنشاء جروب أطلق عليه «آسفين يا مرسى». إبراهيم عيسى يقرر ابتهاجا بهذا القرار أن يخلع الحمَّالات لأول وآخر مرة فى حياته. وحيد حامد يستكمل كتابة الجزء الثانى من «الجماعة» بينما وزير الإعلام صلاح عبد المقصود بدأ فى إعادة عرض الجزء الأول على سبيل تسخين الرأى العامّ لاستقبال الجزء الثانى. عادل إمام بعد طول صمت وتخوف من انتقام الإخوان بسبب أفلامه التى انتقدهم فيها فى عهد مبارك يؤكد أنه يتمنى أن يشارك ولو ضيف شرف فى هذا المسلسل الذى يفضح كل ألاعيب الإخوان. ولكنه اشترط لتنفيذ ذلك أن يسند إخراج المسلسل إلى ابنه رامى وأن يلعب محمد دور البطولة، وزير الثقافة صابر عرب يعلن أنه يرفض أخونة الدولة وأنه فى لحظة تطهير مع النفس يعلن على الملأ أنه سوف يعيد لخزينة الدولة 200 ألف جنيه نالها مقابل حصوله على جائزة الدولة التقديرية دون وجه حق لأنه لا يجوز أن يقبل ترشحه وهو فى منصب الوزير، ويطلب من وحيد حامد أن يعيد كتابة «الجماعة» لتقدم برؤية أوبرالية على المسرح الكبير، حازم صلاح أبو إسماعيل يرسل من خلال جماعة «حازمون» مئات يقومون بمحاصرة المجلس ويهتفون «الشعب يريد تطهير مجلس الوزراء»، أحمد شفيق يعقد مؤتمرا صحفيا فى أبو ظبى ويؤكد أنه بعد ستة أشهر قد انتهى من أداء العمرة التى غادر من أجلها البلاد وسوف يعود للقاهرة قاتلا وقتيلا، عمرو موسى يعلن أنه فى حالة الحاجة إلى رئيس جمهورية فإنه جاهز ومتوفرة فيه كل الشروط: حُسن المظهر والخبرة وإجادة اللغة الإنجليزية، ويصرّح فى بيان له على الهواء أنه فى منزله ويترك للجماهير رقم المحمول، بينما تقدم الشاشة أغنية شعبان عبد الرحيم «وباحبّ عمرو موسى وباكره مرسى وصباحى والبرادعى».

وإليكم فى نهاية الموجز هذا الخبر الفنى: المخرج محمد فاضل أكّد أن مسلسله القادم لن تلعب بطولته فردوس عبد الحميد التى أسند إليها بطولة آخر عشر مسلسلات من إخراجه وإنتاج وزارة الإعلام، المسلسل الجديد اسمه «الخروج من الفردوس» ولا توجد فيه بالمناسبة أى أدوار نسائية وسوف تكتفى فيه فقط فردوس بأداء دور الراوى وغناء تتر المقدمة والنهاية!

 

حارة السقايين!!

طارق الشناوي

31/12/2012 10:00 م

ونحن نفتح أولى صفحات العام.. هل تخشى على الفن والثقافة فى 2013؟ إنه السؤال الذى تكرر كثيرا وسوف يتردد أكثر كلما أوغلنا فى العام الجديد.

المؤشر الأساسى الذى يحدد الإجابة ليس هو أين تتجه ما دأبنا على وصفها بالقوة الناعمة ولكن أين تتجه مشاعر الناس.. انتهى الزمن الذى تمتلك فيه الدولة كل أدوات الإنتاج الثقافى.. أعلم أن فى يدها بعضا منها، وأعرف أيضا أن امتلاكها لآليات التشريع سوف يمنحها شيئا من القوة، أكرر، شيئا منها لا كلها، ولكن فى نهاية الأمر نحن بصدد سلعة ينبغى أن تجد من يتناولها، لا يمكن أن يتعاطى الناس مع فن موجه من الدولة سيظهر على الفور فن موازٍ له.. الزمن الذى تحدد فيه الدول المواصفات القياسية حطمته تماما الميديا الحديثة.. نعم الحاكم دائما ما يعتقد أنه قادر على أن يملك كل شىء حتى أذواق الناس.

ثورة 52 على سبيل المثال بعد أسبوعين فقط على قيامها أصدر محمد نجيب أول رئيس مصرى بيانا يعتب فيه على السينما، لأنها دائما ما تقدم فى أفلامها الرقص وطالبها بالدعاية للثورة.. فهل استجاب السينمائيون ومنعوا الرقص مثلا.. كل ما حدث وقتها وما سوف يحدث الآن هو أن البعض سيذهب إلى حيث تريد السلطة، ولكن حتى هؤلاء لن يستطيعوا الابتعاد عما يريده الناس، لأن الفن مثل رغيف الخبز إذا لم يجد من يُقبل عليه سيصاب بالعفن.

الجانب الآخر من تلك المعادلة هم المبدعون أين يتوجهون.. سوف يحرك قسط وافر منهم مؤشر المصلحة. هذه هى أول أسلحة الاختراق التى تمتلكها الدولة، معنا نلقى نظرة على جناحى النظام المباشرين فى السيطرة على الإبداع، وهما وزيرا الثقافة والإعلام، ولا أتصور بالمناسبة أنهما سوف يطاح بهما فى التغيير الذى من المنتظر إعلانه بعد ساعات إذا لم يكن قد أعلن قبل ساعات.

صلاح عبد المقصود نموذج للوزير المباشر فى توجهه الإخوانى، وجد بين العاملين من يدعمه، عندما قال عصام الأمير رئيس التليفزيون، وعلى عبد الرحمن رئيس القنوات المتخصصة السابقين لا لن نواصل الكذبة، توافد على مكتب عبد المقصود عشرات كل منهم لا يعنيه شىء سوى أن يحصل على الكرسى، وهم يؤكدون له أنهم سيقدمون له شاشة إخوانية كما ينبغى أن تكون الأخونة. عدد كبير من المذيعين سوف تنبت لهم لحى فى الذقن، أو على العقل فهى فرصتهم للوجود على الشاشة.

لو توجهت إلى الجناح الآخر للنظام وأعنى به صابر عرب وزير الثقافة الذى تم حصاره بعدد من المثقفين فى حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، عندما أعلن بعضهم رفض مصافحته، بل هددوا بفضحه لو صعد على خشبة المسرح، فلقد اعتذر مهندس الديكور أنسى أبو سيف عن قبول التكريم من يد وزير يصدر أوامره بطبع مسودة الدستور للترويج لحكومة الإخوان، وهو نفس ما فعله الشاعر والكاتب مدحت العدل عضو لجنة التحكيم، عندما اعتذر عن عدم حضور ختام مهرجان القاهرة. الذى حدث بالضبط هو أن الوزير المذعور من أن يتحول الموقف إلى فضيحة علنية اتفق مع وزير الإعلام أن لا ينقل الحفل على الهواء، كما أنه لم يحضر الحفل، وبعد ذلك أشاع بعد أحداث الاتحادية أنه تقدم باستقالته من الوزارة ليضرب شقلباظ لدى المثقفين يعلن من خلاله أنه يؤيدهم، وعندما أذاع بعض الفضائيات خبر استقالته ضرب شقلباظ عكسى لدى النظام، وقال إن خبر الاستقالة لا أساس له من الصحة.. ثم عقد قبل نحو أسبوع اجتماعا فى شقلباظ ثالث مع عدد من المثقفين ووجد كالعادة من يذهب إليه مهرولا وشاكرا.

إنها اللعبة التى يجيدها البعض وفى كل الأزمنة، تخيلوا المشهد لو قاطع الأغلبية من المثقفين صابر وأعلنوا تضامنهم مع زملائهم رافضين مصافحته، ولو عبد المقصود حوصر من المخرجين والمذيعين والعاملين فى ماسبيرو ولم يتهافتوا للظهور على الشاشة مرددين إخوان إخوان ولآخر مدى إخوان إخوان.. ولكن مع الأسف تكتشف أن عددا منهم يبيع الميه فى حارة السقايين.. ورغم ذلك فأنا متفائل، تقوللى كيف؟ أقول لك لأن العصمة فى يد الناس لا عرب ولا عبد المقصود ولا هؤلاء البائعون يستطيع أن يفرض شيئا على أذواق الناس!!

 

ماذا لو تكلم الفقى وصفوت!!

طارق الشناوي

29/12/2012 10:07 م

انطلق خارج السجن كل من صفوت الشريف وأنس الفقى. بالطبع إنها هدنة مؤقتة فهو خروج على ذمة القضايا التى كانت ولا تزال تلاحقهما، ولكن ماذا لو قرر كل منهما أن يتكلم ويبوح، بالتأكيد سنصبح بصدد وليمة فضائح علنية لوجوه ارتبطت بالنظام وكانوا الأسلحة الناعمة لدعمه، وللتمهيد للتوريث صاروا بعد الثورة من رموزها.

كان الإعلام هو الملعب الذى شهد كل ما عاشته مصر. كان صفوت ثم الفقى شاهدين عليها، هناك فارق استراتيجى بين زمن صفوت الذى امتد 22 عاما، وزمن أنس الذى لم يتجاوز السنوات الست، كانت هى ذروة التمهيد لتوريث البلد إلى جمال. ماذا لو قال صفوت وأنس بعض ما لديهما؟ أعلم أنهما لن يقولا ما يضعهما تحت المساءلة ولن يذكرا كل شىء، ولكن تستطيع أن ترى جزءا من مصر بعد أن شاهدنا كيف أن كل من أصبح أمامه كاميرا وميكروفون يروى عن نفسه كل ما يحيله إلى بطل مغوار قال للطاغية فى عقر داره لا. لأنهم كانوا واثقين أن صفوت وأنس سيصمتان إلى الأبد.

صفوت هو الداهية الأكبر الذى عاش كل الأزمنة، والاتهامات التى تلاحقه تتجاوز الذمة المالية. وكان حريصا على أن يستخدم كل الأسلحة لخدمة النظام. وكان ينوبه أيضا من الحب جانب. كنا نعرف كيف أنه عن طريق شركة ابنه يدخل إلى جيبه الملايين من الصفقات التى تتم مع وزارة الإعلام. كتبت قبل 10 سنوات على صفحات «الوفد» مقالا عنوانه «فساد أبناء الكبار»، وبعد النشر أصدر وقتها نعمان جمعة، رئيس الحزب ورئيس مجلس الإدارة، قرارا بمنعى من الكتابة لمدة شهر، حيث كنت أكتب مقالين أسبوعيا. ولم يكتف بهذا القدر بل خصم خمسة أيام من مرتب الزميلة حنان أبو الضياء رئيسة القسم، لأنها لم تنبه رئيس التحرير عباس الطرابيلى إلى ضرورة حذف المقال.

أشرت إلى أن الوزير أصدر أوامره لشراء فيلم «الكافير»، وهو من الأفلام الرديئة بمليون جنيه لأنه إنتاج ابنه. لم يحتمل الوزير من جريدة مفروض أنها معارضة أن تشير إلى ذلك وجامله رئيس الحزب وقتها بإنزال العقاب على المذنبين.

كثير من الاتهامات باستغلال النفوذ والتربح لصالح صفوت وعائلته تستطيع أن تراها مجسدة أمامك فى مواقف نعرف بعضها ويعرفها تفصيليا بالتأكيد عشرات من المسؤولين السابقين والحاليين فى ماسبيرو. عدد من المذيعين والمذيعات كانوا يعملون فى تلك المنظومة واستفادوا من اقترابهم من صفوت، بالمناسبة شاهدت أحدهم فى رمضان الماضى وهو يصلى فى إحدى القنوات الخاصة شكرا لله الذى منحه العمر لكى يرى برنامجه النور، مدعيا أن النظام البائد هو الذى كان يحول بينه وبين الناس، رغم أننا نعرف كم كان النظام البائد يمنحه فيضا من الدفء والحنية.

الملعب الرئيسى للإعلام الرسمى فى مصر كان هو برنامج «البيت بيتك» الذى حمل فى آخر عامين اسم «مصر النهارده». ما الذى كان يدور فى كواليس هذا البرنامج؟ لن يذكر المذيعون كل الحقيقة ولكن أنس الفقى يعرفها ولديه وثائق.

لو نظرت من خلال عدسة البرنامج تستطيع أن ترى مصر فى سنوات مبارك الأخيرة، وكيف كانت التوازنات والصفقات كلها كانت تصب فى النهاية عند أنس.

وتبقى أيام الثورة التى شهدت صراعا بين بيت الرئيس والقوات المسلحة. انحاز أنس لبيت الرئيس، بينما كان عبد اللطيف المناوى الرجل الثانى فى ماسبيرو مع شرعية الجيش.

ما الذى حدث بالضبط؟ وهل كانت محاولات حماية عبد اللطيف بعد الثورة واحدة من خطط القوات المسلحة لأنه انحاز إليهم فى لحظات عصيبة؟ أنس لديه الكثير بعد أن قرأنا فقط ما رواه عبد اللطيف من وجهة نظره فى كتاب أصدره بعد أشهر قليلة من الثورة.

هل من الممكن أن يحكى أنس وصفوت بعضا مما لديهما أم أنهما فى هدنة من الكلام حتى يستطيعا تجميع كل الخيوط؟ هل يرددان مثل الشاعر أبى فراس الحمدانى «إذا مت ظمآنا/ فلا نزل القطر»، أم أنهما لن يفتحا مجددا النيران وسوف يكتفيان بمشاهدة عدد من الأفاقين والكاذبين الذين نراهم أبطالا، وكانوا إحدى الأذرع التى لعب بها صفوت ثم أنس لخدمة مبارك وجمال وسوزان، وبعد الثورة أصبحوا يلعبون بالثورة؟!

 

قطار وثلاث راقصات!!

طارق الشناوي

28/12/2012 8:57 م

لم يكن المزاج النفسى مشجعا للجمهور لكى يتابع الأفلام والمسلسلات والأشرطة الغنائية، الأمر ليس له علاقة بعوامل موضوعية مثل استمرار التظاهرات فى التحرير وحالة الاختناق المرورى وضياع ساعات فى الشوارع. كل ما ذكرته سابقا لعب بالتأكيد دورا سلبيا، ولكن أرى أن الطقس السينمائى الذى يقتضى من المشاهد أن يغادر موقعه أمام شاشة التليفزيون ويذهب إلى دار العرض وصل إلى حدوده الدنيا فى العام الذى أوشك أن يحمل لقب سابق.

من المفارقات أن يشهد العام الذى يكبس فيه الحكم الإخوانى على أنفاس المصريين وجود ثلاث راقصات. واحدة تجرب حظها السينمائى لأول مرة وهى سما المصرى، والثانية تواصل حظها ربما لآخر مرة، فيفى عبده، والثالثة أثارت حفيظة المفتى، دينا. سما هى التى أنتجت وكتبت ولعبت البطولة وأيضا شاهدت فيلم «على واحدة ونص» فلقد فشل الشريط السينمائى فى إقناع أحد غيرها -إلا فى ما ندر- بالذهاب إلى الفيلم. الجهة الوحيدة التى كادت تتورط هى نقابة الصحفيين التى قررت إقامة دعوى قضائية لمصادرته بدعوى أنه يهين مهنة الصحافة، لأنه يقدم حياة صحفية تحترف الرقص رغم أننا نعلم أن بعضا ممن ينتمون إلى المهنة مارسوا الدعارة الفكرية وهى بالتأكيد أسوأ من احتراف الرقص! مات الفيلم بالسكتة الجماهيرية وربما كان الأقل إيرادات فى الموسم. بينما عادت فيفى عبده إلى السينما بعد 10 سنوات فى «مهمة فى فيلم قديم» فاحتلت بجدارة لقب الأسوأ. فهو فيلم يصيبك بكوابيس بمجرد أن تتذكر أنك قد شاهدته. الراقصة الثالثة هى دينا التى دفعت دار الإفتاء إلى مشاهدة رقصتها «يا طاهرة يا أم الحسن والحسين» فى «عبده موتة» وأوصت بحذفها.

محمد رمضان عرف البطولة هذا العام مرتين. «الألمانى» فى منتصف العام إخراج علاء الشريف و«عبده موتة» قبل نهايته إخراج إسماعيل فاروق وهو أكثر الأفلام التى حققت إيرادات فى تاريخ السينما المصرية، وذلك لو أخضعناه لمقارنة التكلفة بالعائد لأن الأكثر تحقيقا للإيرادات هو «المصلحة» الذى جمع بين نجمين يتقاضيان أعلى الأجور أحمد السقا وأحمد عز.

سوف ينتظر الجمهور بالتأكيد رمضان فى فيلمه القادم وأتصوره سيواصل أداء دور البلطجى الذى بات يشكل حضورا فى مجتمع صار الانفلات واحدا من أهم معالمه. حتى إن بعض دور العرض واجه عدوانا من الجمهور الذى حاول اقتحام السينما بعد نفاد التذاكر واعتقد كل منهم أنه «عبده موتة».

الفنانة التى خذلتنا وخسرت الرهان المسبق عليها هى ياسمين عبد العزيز فى «الآنسة مامى». الفيلم مصنوع على مقاس ياسمين ومن خلال تفاصيلها مثل حضور الأطفال، ولكن الفيلم الذى أخرجه وائل إحسان شهد تراجعا فى ما حققته ياسمين من قبل فى «الدادة دودى» و«الثلاثة يشتغلونها». ياسمين هى نموذج للفنان الذى تغيب عنه قدرته على الاختيار ولا يدرى أين يتجه المؤشر. فيلم «ساعة ونص» رغم كل ما يحمله من سوداوية، فإن ما نعيشه الآن يجعلنا نشعر أن قطار الوطن كما صوره بالفعل الفيلم ينطلق مسرعا بلا قضبان.

فى الجعبة أيضا الحديث عن أفلام وقفت فى مرحلة متوسطة تبدو أقرب إلى مشروع سينمائى يحتاج إلى مراجعة مثل «حلم عزيز» لعمرو عرفة وبطولة أحمد عز، و«بابا» لعلى إدريس بطولة أحمد السقا، كل منهما حاول أن يذهب إلى منطقة إبداعية غير متداولة كثيرا فى السينما المصرية، ولكن لم يخلصا سينمائيا للفكرة.

ويبقى أن نذكر الأفضل هذا العام.

أفضل فيلم: «ساعة ونص».

أفضل مخرج: وائل إحسان «ساعة ونص» وساندرا نشأت «المصلحة».

أفضل كاتب: أحمد عبد الله «ساعة ونص».

أفضل ممثل: ماجد الكدوانى «ساعة ونص».

أفضل ممثلة: سوسن بدر «ساعة ونص».

ويبقى الأمل فى 2013 من خلال أفلام داوود عبد السيد «رسائل حب»، ومحمد خان «فتاة المصنع»، وطارق العريان «أسوار القمر»، وأحمد عبد الله «فرش وغطا»، وأفلام شاركت فى المهرجانات ونترقبها فى دور العرض «عشم» ماجى مورجان، و«الخروج للنهار» هالة لطفى، و«هرج ومرج» نادين خان، و«الشتا اللى فات» إبراهيم بطوط.. نعم رقم 13 لا يبعث مطلقا على الاطمئنان، ولكن ليس أمامنا سوى أن نُمسك ببقايا الأمل!!

 

عبَدَة الأضواء!!

طارق الشناوي

27/12/2012 10:15 م

هل هم مقتنعون بما يقولونه أم أنهم يحاولون اكتساب مساحات مجانية من الضوء، ومع الزمن أصبحوا مدمنين ينتظرون الجرعة اليومية.

قبل نحو عشر سنوات عرفت مصر مجموعة من الشباب أطلق عليهم الإعلام وقتها عبدة الشيطان، لم يكن هؤلاء يمارسون شيئًا ضد المجتمع، بل كانت لقاءاتهم تتم فى قصر البارون فى مصر الجديدة، كانوا مادة خصبة للإعلام والأفلام والمسلسلات ولكن لم يمارس هؤلاء أى مخاطر ضد المجتمع.

ولم نسمع أنهم قرروا الزحف خارج حدود البارون. هذا هو حال عبدة الشيطان، ولكننا نعيش الآن فى مرحلة أخرى لشيوخ أصبحوا عبدة الأضواء، لقد قرر فصيل منهم الزحف ظهر اليوم إلى نقابة الممثلين لتطهير الفن.

عندما أتأمل عددا من شيوخ الفضاء الذين أصبحوا يحتلون الشاشات أجد أنهم بالفعل قد أصبحوا عبدة للضوء، لا شىء آخر يشغلهم سوى البحث عن الإيفيه الذى يحقق أكبر نسبة من الترديد فى الشارع وعلى الإنترنت. البحث عن الشهرة هدفهم. الأمر ليس له علاقة بثورة يناير، فهم موجودون ومنتشرون قبلها، ولكن حالة الانفلات التى نعيشها هى التى سمحت لهم بمساحة أكبر، بالإضافة إلى شعورهم الحالى بالأمان، فهم يستشعرون أن النظام يقف معهم وكأنهم لسان حاله ولسانه وصوته فى توصيل تلك الرسالة التى تحرم الفن. عبد الله بدر على سبيل المثال هو أحد النماذج الصارخة. الرجل حصل على حكم بالحبس عاما، صحيح أنه أول درجة وأمامه الاستئناف، إلا أن الحد الأدنى هو أن يستشعر بأن هجومه سوف يضعه فى حرج قانونى، ولكنه قرر أن يعتبرها قضية شعبية، ويقود الزاحفين إلى نقابة الممثلين لكى يعلن غضبه ضد ما يقدم من أفلام ومسلسلات وأغنيات بمليونية تطهير الفن. إنها تبدو الشقيقة الصغرى لمليونية تطهير الإعلام التى حاصر من خلالها الحازمون مدينة الإنتاج الإعلامى، يطالبون بالقصاص ولا يشغلهم شىء سوى إنشاء مراحيض للصرف الصحى.

الزحف المليونى الذى يلجؤون إليه مستغلين أن هناك ثقافة شعبية ترى الفن مرادفا للإسفاف، وأن هناك قطاعا من المواطنين سوف يصدق تلك الدعاوى التى تتدثر عادة بالحفاظ على قيم المجتمع المصرى، الذى يصدق أن هؤلاء الفنانين عندما يدافعون عن الحرية، فإنهم لا يعنون شيئا سوى الإباحية، وأن الأمر فى نهاية المطاف ليس صراعا على الفن ولكن معركة بين حماة الفضيلة وناشرى الإسفاف.

يجب أن نرى كيف أن الضربات الموجعة تأتى أحيانا من داخل الوسط الفنى، عدد من الفنانين يعلنون بين الحين والآخر توبتهم، وهناك من يصرخ فى مغازلة صريحة للإخوان والسلفيين أنه يرفض أداء بعض المشاهد ويتساوى فى ذلك الرجال والنساء. مؤخرا كنت مدعوًّا فى نادى الصيد لحضور ندوة عن الشاعر الكبير كامل الشناوى فى عيد ميلاده 104، وأراد منظمو الحفل كنوع من التحية له أن يقدموا فى الفقرة الأخيرة إحدى قصائده «لست قلبى»، ووجدت المطرب بدلا من أن يردد «قدر أحمق الخطى» يقول «قدر أحكم الخطى». كانت دار الأوبرا المصرية فى تسجيلات لها قد أحالتها إلى «قدر واثق الخطى». عكس ما أراد الشاعر تماما.

لم أشأ أن أوقف المطرب فى أثناء الغناء، وبعد أن أنهى القصيدة قلت له إنك بتلك الإضافة تجرح روح كامل الشناوى. وسألته لماذا هذا التغيير؟ فلم يجب، ولكنه أشار إلى قلبه، وبعد ذلك قال بصوت عال حتى يطمئن قلبى.. قلت له لو تابعت كل الأغانى ويدك على قلبك لن تترك أى أغنية، وضربت له مثلا آخر بقصيدة «لا تكذبى» التى يقول فيها الشاعر كامل الشناوى «ورأيت أنك كنت لى ذنبا سألت الله أن لا يغفره فغفرته». وفى الصالة قال أحد الحاضرين إن كلمات قصيدة «هذه الكعبة» التى كتبها إبراهيم ناجى، والتى يقول مطلعها «هذه الكعبة كنا طائفيها والمصلين صباحا ومساء/ كيف بالله رجعنا غرباء» كانت مقررة على الطلبة ولم يعترض أحد وقتها قائلا: كيف يشبه مكان لقاء العشاق بالكعبة أطهر الأماكن فى الأرض.

أعلم تماما أنهم ليسوا غيورين على الإسلام، ولكنهم تعودوا على خلط الأمور لاكتساب أى جماهيرية زائفة، فهم لم يكونوا يوما من أصحاب المواقف، وتسجيلاتهم الداعمة لمبارك والتوريث تشهد على ذلك ولكنهم ينتظرون جرعة الأضواء التى أدمنوها فعبدوها.

التحرير المصرية في

27/12/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)