حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أتعاون مع خالد يوسف لأنه مخرج كبير وشاطر.. وهناك مشروع قائم بينى وبين على بدرخان..

محمد السبكى: أنا مش "ممثل" ومعرفش أعمل فيلم مش "كوميدى"

حاوره العباس السكرى

 

أرجع المنتج محمد السبكى، أسباب ضعف اقتصاديات السينما المصرية فى الفترة الأخيرة، لعدم استقرار الشارع السياسى المصرى، وربط انتعاشة الصناعة بهدوء الأوضاع، والتزام وزارة الثقافة بالقوانين التى تجرّم طرح الأفلام الأجنبية بمواسم العيد تزامنا مع الأفلام المصرية.

وكشف المنتج الكبير خلال حواره لـ«اليوم السابع» عن تعاونه مع المخرجين على بدرخان وخالد يوسف خلال الفترة المقبلة، مؤكدا التزامه بنمط أفلامه الكوميدية لاحتياجات السوق لها، ونفى محمد السبكى أن تكون هناك خلافات بينه وبين شقيقه المنتج أحمد السبكى أو بين المطرب تامر حسنى.

·     تواجه صناعة السينما المصرية فى الوقت الحالى عقبات كثيرة، أدت إلى تقلص عدد الأفلام المطروحة بدور العرض خلال مواسم السنة وانخفاض عائد الإيرادات سنويا، فما رؤيتك للخروج من تلك الأزمة؟

- أود أن أشير إلى أن الظروف السياسية التى تمر بها البلاد، أحد أسباب انفجار الأزمة، وهى العامل الرئيسى فى ضعف اقتصاديات السينما المصرية، إضافة إلى التراخى الأمنى وانعدامه فى بعض الأوقات، مما أدى إلى تخوف العائلات من الذهاب لدور العرض لمتابعة الأفلام، وهو ما أثر سلبيا على أرقام الإيرادات بالسلب، وأرى أن الحل الوحيد للخروج من الأزمة استقرار الشارع المصرى، وعودة الحياة لطبيعتها مرة أخرى.

·     تعتزم بعض الشركات التنسيق فيما بينها لبناء كيان إنتاجى موحد؛ الهدف منه مواجهة أزمة الصناعة، فهل تعتقد نجاح هذه التجربة؟

- تجربة جيدة أتمنى أن يفعلوها، لكنى أتوقع عدم اتفاقهم، لأننا «عمرنا ما هنتفق على شىء» مثل العرب تماما «عمرهم ما اتفقوا على حاجة».

·     ترى أن الدولة قصّرت تجاه «صناعة السينما» بطرحها أفلام أجنبية بدور العرض فى مواسم الأعياد لتنافس المصرية على الإيرادات؟

- قانونا لا يجوز عرض الأفلام الأجنبية أثناء بدء المواسم، وعرضها بدور العرض مخالف للقانون، ونادينا بعدم عرضها مرات كثيرة، لكن «لا حياة لمن تنادى» والمسؤولون يتحججون بأن دور العرض فارغة من الأفلام المصرية، وهى «لا فارغة ولا حاجة».

·     لماذا لم تخاطب الجهات المعنية وهما وزارة الثقافة وغرفة صناعة السينما، بخطابات رسمية تطلب فيها عدم عرض «الأجنبية»، خاصة فى ظل ضعف أرقام شباك التذاكر؟

- أخطرتهما عشرات المرات، لكن «مفيش حد بيرد على حد دلوقتى»، وأكرر أن عرض الأفلام الأجنبية تزامنا مع المصرية بمواسم الأعياد، يؤثر سلبيا على إيرادات الأفلام المصرية.

·        ربما لو سعيت لتقديم إمكانيات أفضل كالسينما الأمريكية لجذبت الجمهور بأفلامك؟

- لابد أن نضع فى حساباتنا أن هناك اختلافا فى الموضوعات الحياتية بين واقع مصر وأمريكا، فالسينما الأمريكية تصنع أفلاما تعبر عن واقعها وكذلك نحن، وأنا حريص على انتقائى للورق والمضمون الجيد ولا أبخل من ناحية التكلفة الإنتاجية.

·     لكن النقاد يتهمونك بأنك أفسدت الذوق العام بابتعادك عن الواقعية وإغراق السينما فى نمط الأفلام الاستعراضية والشعبية؟

- كل زمن له نوعية أفلامه التى تتماشى معه، واتهمنى نقاد السينما بهذا الاتهام عشرات المرات، لكنى حريص على تقديم ما يرغب الجمهور فى مشاهدته وهو نوعية الأفلام الكوميدية الخفيفة.

·     هل من الممكن تغيير اتجاهك وتعود لإنتاج أعمال أكثر أهمية مثل أفلامك «الرجل الثالث» و«الرغبة» وغيرهما؟

- بالطبع لا، ولن أغير اتجاهى وسأظل أقدم الأفلام الكوميدية، وبصراحة «أنا معرفش أصنع غير فيلم كوميدى فى هذا التوقيت بالذات لأن السوق عايز كده»، إضافة إلى أن «الناس بقى عندها كبت حقيقى من اللى بيحصل فى البلد وترغب فى الفرجة على العمل الكوميدى».

·        ما الذى شجّعك على التعاون لأول مرة مع أحمد مكى فى فيلم «أبوالنيل»؟

- فريق العمل بالكامل، فسيناريو الفيلم كتبه أيمن بهجت قمر بشكل جيد، وعمرو عرفة مخرج مجتهد وواع، وأحمد مكى رجل خلوق وفنان كوميدى له أسلوب مميز فى التمثيل، لذلك تحمست لدخول التجربة وأتمنى لها النجاح، وقررت عرض الفيلم بدور العرض مطلع أبريل المقبل.

·     مع تحديدك بداية موسم الصيف المقبل موعدا لعرض فيلمك «أبوالنيل» كيف ترى المنافسة بينه وبين الأعمال الأخرى؟

- لا توجد منافسة فى أى موسم من مواسم السنة، والفيلم الجيد بيفرض نفسه على جميع الأفلام المطروحة، ويستطيع جذب الجمهور وتحقيق أرقام أمام شباك التذاكر.

·        هل تشجع فكرة إنتاج النجوم لأفلامهم السينمائية؟

- «ياريت» هذا شىء جيد، حتى يزداد عدد الأفلام المطروحة ولا تقتصر على أربع أو خمس أفلام فقط، وبالتالى يساهمون فى عودة الحراك السينمائى لدور العرض، ولن يؤثر هذا على المنتجين.

·     تردد أنك قمت بتوجيه جمهور السينما لدخول فيلمك «مهمة فى فيلم قديم» أثناء عرضه لتحقيق أعلى الإيرادات؟

- ليس صحيحا على الإطلاق، وبصراحة «أول مرة أسمع الكلام ده»، وأنا حريص على أن أتوجه لدور العرض لمعرفة ذوق جمهور السينما فى اختياره لنوعية الأفلام، وأيضا متابعة إيرادات فيلمى على أرض الواقع، وليس لتوجيه الجمهور.

·        ما الأسباب التى دفعتك للتفكير فى التعاون مع المخرج خالد يوسف؟

- بالفعل سأتعاون مع المخرج خالد يوسف فى فيلم سينمائى يحمل عنوان «أرض النعام» يدور فى إطار كوميدى تراجيدى، ويعتبر هذا التعاون الأول بيننا، وأقبلت على العمل معه لأنه مخرج كبير يجيد امتلاك أدواته الفنية، وله بصماته فى الإخراج السينمائى، كما أحضر أيضا لفيلم مع المخرج الكبير على بدرخان، لكن مازلنا لم نشرع فى التحضير له حتى الآن.

·        بصفة دائمة تظهر بأفلامك، فهل تفكر فى الاتجاه لـ«التمثيل»؟

- «أنا مش ممثل» وبظهر فى «شوت واحد فقط» كنوع من التفاؤل، ولم أفكر مطلقا فى التمثيل لكونى منتجا سينمائيا.

·     يشاع أنك تتحكم فى شكل ظهور العمل السينمائى وتفرض رأيك على من يتعاون معك، ما تعليقك؟

- لا يوجد فرض رأى، هناك اتفاق بين الأطراف على وجهات النظر، وعندما أجد شيئا يصب فى مصلحة العمل أبلغ المخرج، بحيث لو اتفقنا فيما بيننا نتمم العمل، وإن لم نتفق «هو فى حاله وأنا فى حالى».

·        ما حقيقة الخلافات التى اندلعت بينك وبين المطرب تامر حسنى هل أدت إلى رفعه قضايا ضدك؟

- لا توجد بينى وبينه أى خلافات وما أشيع حول هذا الموضوع «كذب فى كذب»، ولا أدرى من يقف خلف هذه الأقاويل.

·        متى يعود محمد السبكى للتعاون مع شقيقه أحمد السبكى من جديد؟

- نحن بالفعل متعاونان، ولا يوجد بيننا انفصال عكس كل ما يقال ويتردد، والظاهر أمام الجميع أننا منفصلان، لكن الحقيقة غير ذلك بالمرة، ولا توجد بيننا أى خلافات من الأساس.

«على جثتى»..

الفكرة مكررة و«كروت» حلمى الذكية غادة وحسن حسنى تفشل فى إنقاذه

كتب - محمود التركى 

يعتبر النجم أحمد حلمى من النجوم الذين ينتظر المشاهدون أفلامهم لثقتهم فيما يقدمه، حيث إن حلمى عود مشاهديه على الاهتمام بالمضمون الذى يقدمه فى شكل كوميديا راقية والشكل الجديد المتمثل فى «الكاركتر»، الذى يصنعه لنفسه إلا أن تجربته الأخيرة لم تكن على نفس مستوى تجاربه السابقة ونسبة المشاهد الكوميدية به ليست كثيرة، وليست على نفس المستوى الذى تعودنا أن نرى فيه أحمد حلمى الذى اكتفى بتعليقات ساخرة تقف لتساند فكرة رئيسية تدور حولها أحداث العمل وهى الهيمنة والسيطرة التى يفرضها رجل على كل من حوله سواء فى العمل أو المنزل وشكوكه الدائمة التى تحيط بأى فعل أو تصرف يقوم به من حوله.

ويبدو أن تقارب «على جثتى» مع فيلم «1000 مبروك» فى الخط الدرامى المتعلق بوفاة بطل العمل وعودته للحياة، هو ما جعل الجمهور لا يلمس جديدا فى قصة الفيلم وأفقدته عنصر المفاجأة، خصوصا أنهما يتشابهان أيضا فى التفصيلة الدرامية المتعلقة بشكوك بطل العمل فى كل من حوله حتى يكتشف أنه كان على خطأ منذ البداية وتتغير الأمور إلى الأفضل، حيث يجسد حلمى فى الفيلم دور «رؤوف» مهندس متسلط الرأى ويمتلك معرضا للأثاث ويتعرض لحادث يدخل على أثره فى غيبوبة تامة، وتبقى روحه عالقة بين السماء والأرض ويتحول إلى شبح غير مرئى ولا يتذكر اسمه أو أى شىء عنه، ويقابل عن طريق الصدفة شخصا آخر يعانى من نفس حالته.

ولم تفلح كروت الحظ التى استعان بها حلمى فى الفيلم «غادة عادل وحسن حسنى»، فغادة لم يمنحها السيناريو مساحة إبداع كافية لإخراج طاقتها، كما أن استعانة حلمى بالنجم الكوميدى حسن حسنى لاستعادة بريقهما معا لم تكن موفقة أيضا.

مفاجأة الفيلم تتمثل فى ظهور النجم أحمد السقا ضيف شرف على الفيلم، حيث يظهر بشخصيته الحقيقية فى مشهدين فقط.

لكن الفيلم نجح فى تحقيق انتعاشة إلى حد ما فى إيرادات دور العرض السينمائية بفضل نجومية أحمد حلمى.

رحيل نجمى الكوميديا وحيد سيف ونبيل الهجرسى فى يوم واحد..

على لوز يحفر اسمه فى المال والبنون والشاعر يرحل بعد ابتسامة الكواليس

كتب- محمود التركى 

فقدت الكوميديا فى يوم واحد اثنين من أبرز نجومها هما وحيد سيف ونبيل الهجرسى، الذين رحلوا عن عالمنا أول أمس السبت، بعد مشوار فنى طويل يتشابه فى بعض تفاصيله حيث نجحا الاثنان فى رسم البسمة على وجوه محبى السينما والمسرح والتليفزيون، كما أنهما من مواليد الإسكندرية، وقدما إلى القاهرة لإشباع طاقتهما الفنية، ورحلا وهما فى العقد السابع من عمرهما.

ويتشابه الاثنان إلى حد كبير فى طبيعة الأدوار التى قدماها فى السينما والتليفزيون حيث لم يقفزا إلى مرتبة البطولة المطلقة رغم موهبتهما الفنية، ونجح وحيد سيف فقط فى تقديم مسرحيات قليلة من بطولته المطلقة.

ولد وحيد سيف فى الإسكندرية عام 1939، واسمه الحقيقى مصطفى سيد أحمد سيف، وكان التمثيل هوايته الأولى التى يعشقها لذا انضم إلى الفرقة التمثيلية وأثناء دراسته بكلية الآداب قسم التاريخ بجامعة الإسكندرية، ولم تكن بدايته فى الأدوار الكوميدية التى أجادها بعد ذلك، ولكن كانت من خلال التراجيديا ومسرحيات ويليام شكسبير، ليأتى بعد تخرجه فى الجامعة إلى القاهرة، ليلتحق بمسرح الريحانى ويقدم عدة مسرحيات منها "إنهم يدخلون الجنة".

وتميز وحيد سيف بحضور خاص على المسرح الذى شهد تألقه الفنى ووقف على خشبة المسرح وساهم فى نجاح العديد من المسرحيات ومنها "شارع محمد على" مع فريد شوقى وشريهان، و"دول عصابة يا بابا" مع محمد نجم و"القشاش" مع سيد زيان وأحمد آدم و"زوج على نار هادئة" مع سيد زيان أيضا، ووصل رصيد أعماله الفنية إلى أكثر من 250 عملا فنيا متنوعا، حيث قدم فى السينما أيضا أفلام بدءا من عام 1971 بفيلم "زوجتى والكلب" ليقدم أعمالا منها "على باب الوزير" و"سواق الأتوبيس" والشاويش حسن" ومحامى خلع" ليقدم آخر أعماله فى السينما عام 2006 من خلال فيلمى "الفرقة 16 إجرام" و"عبده مواسم".

ورغم تقديم وحيد سيف للعديد من المسلسلات إلا أن دوره فى مسلسل "المال والبنون" هو الأبرز فى تاريخ مشواره مع الدراما التليفزيونية حيث جسد دور "على لوز" الذى كان يقنع أهل الحارة بأنه يعمل "ضابطا" حتى يتضح بعد ذلك أنه "ضابط إيقاع" أى "طبال"، ليكون سيف صاحب نكهة خاصة لا تتكرر كان يؤمن بأن الخروج عن النص هى موهبة لا يقدر عليها أى فنان، ورغم تاريخه مع الكوميديا إلا أنه كان يتمنى ألا يحصره المنتجون فى تلك الأعمال فقط، ليبرز طاقته الفنية من خلالها.

ويتشابه نبيل الهجرسى مع سيف فى أنه أيضا لمع فى الأعمال المسرحية التى شهدت تألقه لكنه لم يقدم أعمالا من بطولته الخاصة، حيث ولد فى الإسكندرية عام 1937، وحصل على بكالوريوس الفنون التطبيقية ليأتى أيضا إلى القاهرة بحثا عن إشباع موهبته الفنية خصوصا أنه كان يتميز بخفة الظل، وقدم فى المسرح أعمالا منها "أصل وصورة" و"أنا ومراتى وجوزها" و"الصعلوكة"، كما أنه أخرج 3 أعمال مسرحية هى " الزنقة " و"موعد مع الوزير" و"قانون الحب".

وشارك الهجرسى فى أكثر من 120 عملا فنيا، ما بين مسرح ودراما تليفزيونية وسينما، منها أفلام "أجازة بالعافية" و"هو والنساء" و"الست الناظرة" و"أزمة سكن" ومسلسلات" البحث عن فرصة" و"الأزواج الطيبين"، وتميز الهجرسى بأنه كان يستطيع بث روح جميلة فى كواليس الأعمال التى يشارك بها نظرا لخفة ظله.

وكان الهجرسى يمتلك موهبة أخرى بخلاف التمثيل وهى تأليف الأشعار، وتميز فى شعر الزجل فلم يكن يترك مناسبة تجمعه بأصدقائه من داخل الوسط الفنى إلا ويلقى عليهم أشعاره التى كانت تجد استحسانا وقبولا لما كانت تتميز به أيضا من خفة ظل.

ويبدو أن القدر الذى اختار أن يرحل النجمان فى يوم واحد شاء أيضا أن يقام عزاؤهما فى يوم واحد وهو الخميس المقبل فى مكان واحد وهو مسجد الحامدية الشاذلية".

اليوم السابع المصرية في

21/01/2013

 

فيلم "طابور": متعة العين والعقل والنقد

أحمد بوغابة / المغرب 

يُدخلنا فيلم "طابور"(1) للمخرج الإيراني "وحيد وكيلي فير" في عالم سينما المؤلف من بابها الواسع وبوضوح الرؤية، فهو ينتمي إلى هذا الصنف الفني بامتياز بفضل لُغته السينمائية واختياراته الإبداعية في معالجة السرد السينمائي بأسلوب غير تقليدي يذكرنا بالسينما التعبيرية الألمانية والسوفياتية – سابقا - في العشرينيات من القرن الماضي اعتمادا على التشكيل البصري أولا بتوظيف الإضاءة في علاقتها بهندسة الديكور كخلفية للحكي. واشتغاله بالموازاة للصورة على الشريط الصوتي بذكاء المبدع المتميز. وهذا التحديد ضروري لكون لا يقوم بتكرار بعضهما أو الاستغراق في شرحهما أو تغليب كفة الصورة على الصوت أو العكس، ولا حتى البحث عن التكامل أو التوافق بينهما. فلكل منهما مكانته المستقلة في دورهما الفني، يسيران متوازيان، وقد يتداخلان أحيانا بدون اندماج في ما بينهما، أو يتقاطعان للحظات سريعة جدا. هذه اللعبة السينمائية في سينما المؤلف بين الصورة والصوت من مميزات المخرج الفرنسي/السويسري جان لوك غودار كرائدها التي شاهدنها في جل أفلامه، (وكان المخرج المغربي مصطفى الدرقاوي هو أيضا من مريدها وكذا التونسي ناصر لخمير والمصري خيري بشارة...). 

ولم يعتمد المخرج الإيراني "وحيد وكيلي فير" على دغدغة عواطف المُشاهد كما هي في كثير من الأفلام الإيرانية بقدر ما كان يناقش عقل المشاهد بالتفاعل معه من خلال الصًّوَر والأصوات، وقد يكون الصمت في ذاته صوتا دراماتيكيا في فيلم "طابور". ولِكَون سينما المؤلف تعتمد أولا وقبل كل شيء على الصورة فقد أعطاها فسحة التعبير الكلي كما هو معروف فيها من خلال عناصر الإضاءة ثم المونتاج الذي هو كنه السينما المؤلف. وسنفهم خلال مشاهدتنا للفيلم سبب اختيارات المخرج الفنية هاته إذا وضعنا الفيلم في سياق الإنتاج الإيراني والحراك الفكري والسياسي الذي يعيش فيه البلد حاليا من جهة وبعلاقته بالعالم.

الكتابة بالكاميرا والضوء و....

يستهل الفيلم بمشهد لغرفة مُغَلَّفَة بالكامل بورق الألمنيوم وذات محتويات بسيطة والضرورية منها فقط ولا أثر فيها للنوافذ أو باب (إنتبهوا جيدا لهذا المشهد المجازي الذي افتتح به فيلمه). ويوجد بهذه الغرفة/المغلقة رجلا مسنا يجلس على سرير تظهر عليه ملامح التعب والتردد واليأس فيعتقده المشاهد كأنه في سجن ما أو غرفة طبية للأمراض العقلية داخل تلك البويضة الفضية. دام المشهد دقائق معدودة إلا أنه بدى طويلا (عند العامة) خاصة وأن الشريط الصوتي كان صامتا بدوره فيوحي المشهد بالفراغ الكامل داخليا وخارجيا (إحالة أخرى ذكية للمخرج). لا يوجد بالمشهد/الغرفة ما يوحي بالحياة إطلاقا حيث الأشياء البسيطة الموجودة به مرتبة بعناية فائقة وكأنها لا تُستعمل ونظافة منقطعة النظر. قد يتبادر إلى الذهن أن المخرج تعمد في عدم تحريك شخصيته حتى نتمعن جيدا  فيه وفي غرفته لنتساءل عما يخفيه. وأفلام كثيرة جدا شاهدنها من قبل يكون التغيير يأتي من خارج الصورة hors champ ليدخل إلى le champ حتى يخلخله ويغيره حسب متطلب السيناريو إلا إن المخرج دفع بشخصيته لتقوم بلباس نفسها بِوَاقٍ من الألمنيوم على جسده/جلده مباشرة قبل الثياب العادية فيزيد للمشهد غموضا وتساؤلات دون أن نحصل على جواب في حينه. وتعمد المخرج أيضا ان يتم المشهد بكامل تفاصيله حيث تابعنا عملية ارتداء الملابس كلها ولم يختزل مشهد اللباس بتاتا ليضرب بعرض الحائط أحد أبجديات السينما السائدة على أنها فن الاختزال. هذا التعمد والإلحاح من المخرج على الإطالة (وليس التمطيط) هو جزء من التشويق السينمائي الذي سيمارسه علينا كمشاهدين طيلة مدة الفيلم (ساعة و22 دقيقة). وبذلك أعلن عن إيقاع الفيلم منذ الوهلة الأولى فإما أن تصمد إلى نهايته أو تغادره حالا حسب قدرتك على القراءة السينمائية. قد يرى المشاهد المتعود على أفلام الحركة والإيقاع السريع والاختزال السينمائي أن المشهد الأول في فيلم "طابور" (تابور) طويل أو به تمطيط أو قد يذهب بعض محدودي المعارف السينمائية بوجود خلل في السيناريو هكذا بشكل اعتباطي عوض فهم موقف المخرج والتفاعل مع وجهة نظره كما يعرضها علينا وليس كما يريدها هؤلاء. وقد يعتقد المُشاهد بأنه لا يقع شيئا بتاتا في المشهد الأول إلا أنه في الحقيقة مشحونا بدلالة الانتظار والفراغ والتردد والمساءلة في فضاء مُضاء بإضاءة شاملة، ولو بزُجاجة واحدة، ينعكس فيها الضوء بشدة على الألمنيوم فيزيده براقا... لكنه اصطناعيا أو لنقل مُزيفا وليس حقيقيا.

سينتهي هذا المشهد الافتتاحي بانتهاء شخصيته من اللباس وحمل كيسا ومحفظة التي لا نعلم ما تحتويه حينها. نكتشف بوجود باب لهذا الفضاء الغريب. يخرج منه ونحن نشاهده من الداخل حيث ما زلنا ننتظر هناك ولا ندي ماذا يوجد خارجها ليسدل السواد على الشاشة (ولا أقول الظلام لأن الظلام سنشاهده  في ما بعد طيلة مدة الفيلم) نقرأ حينها عنوان الفيلم وإسم المخرج. جنيرك مُقتضب جدا عكس المشهد الذي سبقه وبالتالي فهو وضعنا أمام "حالة" إنسان كتوطئة التي سيُعَرِّفُنا عليها بعد إخراجه من الغرفة . نتأكد في الجنريك ما قلناه في البداية على أننا أمام فيلم المؤلف بحيث مخرجه هو كاتب السيناريو والمنتج أيضا. وعليه، فهو يُوَّقِّعُ فيلمه بمسؤولية مطلقة. والاقتضاب في السيناريو من علامات تلك السينما

بعد الجنيريك الأول القصير، الذي كان عبارة عن ومضة سوداء سريعة تلى المشهد الأول السالف الذكر، سنلتقي مباشرة في فضاء مفتوح لمدينة لم تظهر لنا ملامحها ولم يحددها المخرج ليتركنا من جديد في المجرد إلا في لقطة واحدة حيث نرى على حافة أحد الجسور كتابة بالفارسية، فنعلم بأننا في إيران. فقد خرجت الشخصية من غرفة مضيئة اصطناعيا كلها إلى فضاء الليل حيث تتوزع الإنارة العمومية هنا وهناك. ظلام وإنارة. مدينة فارغة، لا حياة فيها كأنها مدينة الأشباح. نجول بها رفقة الكاميرا لأننا لم نعرف بعد هل من يسير فيها هو "بطلنا"؟، ويدخلنا أحيانا تحت الأنفاق أو فوق الجسور. وهذه الجولة تُعَرِّفُنا أيضا على أسلوب الكتابة والإخراج عند هذا المخرج حيث اشتغل كثيرا على الإضاءة بل في الواقع اعتمد عليها كأساس مركزي في تشكيل السرد السينمائي الدرامي، وشكلت شخصية من شخصيات الفيلم لصيقة ب"بطلنا" (الممثل الرئيسي في الفيلم).كما لا يمكننا أيضا إغفال الدور الذي لعبه الديكور كشخصية أخرى داعمة للدراما، وكان قد بدأ دراماتوجية الديكور بالسينوغرافية التي بنى بها الغرفة التي تحدثنا عنها في بدء النص. الفيلم في حد ذاته بناء هندسي يستعير كثيرا من هذا العلم الجمالي

سنكتشف "بطلنا" بأنه هو الذي يتحرك بالمدينة ليلا فوق دراجة نارية من نوع قديم حين توقف بأحد الأنفاق لمساعدة أصحاب سيارة مُعطَّبة. كما سنكتشف عمله الذي يرتبط هو أيضا بالليل. ولا تأتي هذه الاكتشافات دفعة واحدة وإنما مع تقدم زمن الفيلم وتعمقه في فضاءات المدينة. وزمن الفيلم الافتراضي هو ليلة واحدة. لكن، يبدو أنها نفسها في الليالي السابقة، تتكرر في اغلبها حسب العلاقات التي تجمعه بالناس الذين يلتقي بهم حيث يستجيبون له بحكم درايتهم بوجوده وعلمهم بمقدمه دون حوار بينهم وكأنه عمل/لقاء عادي.

ممنوع من الكلام والموسيقى والشمس و...

وبما أن المخرج جعل من الصورة هي لغته الأصلية فقد استغنى عن الحوار بشكل مطلق، لا وجود للحوار في الفيلم. شخصيات لا تتكلم مع بعضها. لا تتواصل بالكلام المباشر. فيلم بدون حوار، فالحوار في هذا الفيلم يتم مع المشاهد وليس غيره عبر الصورة ومكوناتها بينما الشريط الصوتي ومؤثراته تُرِكَ للأصوات العادية للآلات (الدراجة النارية، السيارات ومنبهاتها، المصعد،القطار، أدوات العمل، آلة سكانير، اللعبة الافتراضية...) وأيضا خطوات الأرجل، التنفس، دقات القلب... إن المقاطع الثلاث الوحيدة التي نسمع فيها للكلام هو خارج إطار الصورة ب "voix-off" بالتأكيد على أهمية (hors champ) في البناء الذي اعتمده المخرج في فيلمه "طابور" بأن ما يجري أحيانا خارج المرئي يأخذ صبغة أهم في العلاقات البشرية. أو أن مصير الرجل يتم من خارج إرادته وبدون رغبته إلى آخره من العلامات التي سنكتشفها مع تصاعد وتيرة الفيلم وأحداثه. الكلام/الحوار القليل جدا وجدا في هذا الفيلم هو في صيغة حوار يتم على الهامش (الغير المرئي) وعلى مَشَاِهد استثنائية في مكوناتها الفيلمية. وبالتالي فهو ليس حوارا تقليديا نرى فيه المتكلم أو نعرف صاحبه ولو كان خارج الإطار. والمقطع الأول من هذا "الحوار" (تجاوزا) الذي سيأتي في الدقيقة 32 من زمن الفيلم سيُعرِّفُنا أكثر على "الشخصية" ويُقربنا إليها وإلى جسدها وحميميتها لنفهم بعد ذلك جيدا نهاية الفيلم أيضا

في الوقت الذي يضع الممرض/ الطبيب قطعة من شريحة لحم على المقلاة ويتركها أمامنا تُطبخ ونحن المُشاهدون نتابع تغيير لونها وحجمها وتبدأ تجف من مائها وتتسرب منها ومن المقلاة بخارا لتشكيل لوحة حية تجمع بين ثناياها الأحمر والأسود والبخار بخطوط بيضاء استغرقت مدة طويلة في العرف السينمائي التقليدي المحافظ (2) بينما هي مُتَعِّمَدة من لَدُنِ المخرج ومتناسقة مع خَطِّهِ السينمائي كما أسلفنا أعلاه ومنذ انطلاق أول لقطة في أول ثانية من الفيلم. فبموازاة هذا المشهد المرئي الذي يمر أمام أعيننا (عند 32 دقيقة من زمن الفيلم) نسمع كلاما يختلط فيه الحوار مع مناجاة الذات و لا ندري مَنْ يُكلِّمُ مَنْ؟ فهو بتقنية voix-off (خارج الإطار). فقد تركنا المخرج في حيرة من نفسنا بحيث يمكننا أن نعتقد بأن "الشخصية" نفسها هي التي تتحدث مع تلك الشريحة من اللحم وتحاورها وتشهد مصيرها (جسمها) مُجسدا فيها، بأنها ستتعرض لنفس الشيء، أم أن قطعة من اللحم هي التي تحاور الشخصية؟. أو قد يكون الممرض/الطبيب هو الذي يشرح له تحليلا لمرضه. نسمع، إذن، كلاما أو توجيهات أو حتى تهديدات من خارج الصورة، هناك من يفكر له ولحسابه ولا يحق له التعليق. كلام غير عاد في  سياق الفيلم. ويتضمن الكلام  ما يلي:

حاولت إخبارك عن حالتك

لا أعلم كيف أُقنعك؟

يمكن أن تكون درجة حرارة دمك في ارتفاع مستمر

للأسف فدَمُّكَ، هذه المرة، يشبه لتلك الشريحة من اللحم

ربما ستُحِسُّ بالاشتعال من الداخل

لم يعد هذا الثوب يقيك ضد الميكروب

سيبدأ جلدك في الاحتراق إذا استمرت على هذا الحال

ماذا قررت؟

هل تبقى أم تذهب؟

آمل أن تدرك حالتك

بعد اكتمال طهي الشريحة وانتهاء الكلام سيظهر لنا وجه "البطل" في لقطة كبيرة شاردة تنظر في اتجاه الشريحة ودمعة تسقط من عينه في صمت مطلق. فهذا المشهد الذي دار فيه الكلام/الحوار السابق الذكر هو مفتاح الفيلم لفهم تلك الشخصية ومعاناتها ومأساتها وسبب انعزالها ... وأيضا فهم نهاية الفيلم.       

وبنفس البُعْد الفني يلغي المخرج من فيلمه الموسيقى التصويرية ليزيد من وحدة وانعزال "شخصيته" الرئيسية بتركها في الفراغ الكلي ولا تجد ما تؤثث به وحدتها في تلك الليالي ولا في "مسكنها". كانت الموسيقى مقتضبة في مشهدين منفصلين على شكل "رنين" مُمِلٍ، مجرد نوطة واحدة روتينية تتخلل الشخصية حين تسرح بذهنها. أما المشهد الوحيد الذي يتضمن موسيقى مُركبة ومضبوطة وكان لها الحضور المادي الملموس ضمن مكونات الفيلم فقد كان ذلك بعد أن استمع إلى نبض الصراصير في الحائط وهو من أقوى المشاهد في الفيلم بالاشتغال على الصورة والصوت في علاقة جدلية بينهما، علاقة جمالية وذهنية، الكتابة بالضوء على مساحة مُظلمة مكتفيا في ذلك على توظيفه للقنديل أوالسيجارة. استقبل رجل شخصيتنا بالقنديل أمام منزل كبير فأدخله إليها بعد أن تأكد من هويته ليدله على المكان الذي ينبغي الاشتغال فيه. يبدأ بالإنصات على حائط غرفة بفضل آلة جس النبض التي يستعملها الأطباء (Stéthoscope) وكأنه يتجسس عن ما وراءه ليحيلنا إلى أن للحيطان آذان خاصة وأنه بمجرد ما بدأ يحفره انطلقت الموسيقى ليحمل القنديل بحثا عن مصدرها، موسيقى فارسية تقليدية ملأت الفضاء المرئي ثم تتوقف عندما يبدأ برش مختلف الأمكنة للمنزل بالمبيد للحشرات وكأنه يقتلها – أي الموسيقى - مع تغيير في تشكيلة الديكور بفضل تحرك إنارة القنديل فتظهر لنا محتويات المنزل الذي يدل على أنه تقليدي وتاريخي وهو يطرد منه أشباح لعينة قد تكون تلك الموسيقى الممنوعة وحتى الكتب التي قد تكون تلك "الصراصير" قد تسللت إليها لتأخذ الصراصير" بُعدا مجازيا هنا. وهذا المشهد هو الوحيد الذي تم فيه توظيف الموسيقى حقا ليكون للمشهد دلالة حول التجسس والمنع باعتبارها – أي الموسيقى - تعيش في السرية. وهي موسيقية غير تصويرية بما هو مُتعارف عليه في اللغة السينمائية وإنما استحضارها لتلعب دورا في تسلسل أحداث الفيلم. وتدفع بالدراما إلى التطور ليفهم المُشاهد خلفيات الفيلم. وربط بحثه على الصراصير بالإنصات عليهم عبر الجدران مع سماع الموسيقى يحيلنا المشهد إلى أفلام إيرانية سابقة التي تطرقت للمجموعات الغنائية والموسيقية المُسماة كظاهرة "تحت الأرض" (Underground).

وهذا العالم التحتي سيعيشه "بطلنا" من خلال اللعبة الافتراضية التي هي فترة استراحته وتسليته حيث ستستغرق 10 دقائق من الفيلم. لعبة لم تخرجه من عالمه السفلي لأنه دخل بها هي أيضا إلى الدهاليز والأنفاق كأنفاق المناجم التي تم استغلالها بشكل مُفرط وإلى حد استنفاذها لتنتقم الكرة الأرضية التي هي هنا في اللعبة الافتراضية كرة حديدية كبيرة التي انفجرت من عمق المنجم. لا يخرج إذن من عوالمه سواء في الواقع أو في الافتراض فهو حبيس لها لحد مرضي. وهذه الأنفاق (الواقعية والافتراضية في اللعبة) فهو كان عاملا منجميا في ما مضى قبل أن يمارس عملا جديدا بإغلاق المنجم. توظيف ذكي لتقنية "فلاش باك" في حياة "الرجل" من خلال لعبة عوض ان يقوم بذلك بالحكي المباشر أو المُفصل.      

عرَّفَنَا المخرج بوظيفة "شخصيته الرئيسية" قديما وحديثا بعد أن أخرجها من الغرفة على أنها تشتغل في الليل فقط لإبادة الحشرات وربما الحيوانات الفطرية كالفئران من خلال جولاته في أقبية كثيرة. وهذا التقابل بين عالم غرفته الصغيرة المغلقة والمضيئة وبين الأقبية الطويلة المغلقة والمظلمة مع غياب النهار وضوئه يغلقنا المخرج بدورنا في مساحة المُشاهَدة ولكن ليس في القراءة لفيلمه الغني.

"الخروج للنهار" (3) ... والمواجهة و...

وجد الرجل كثير من العثرات في طريقه بدءا بالسيارة المٌعطلة في النفق ثم المصعد الذي تعطل بدوره عن الصعود به ليخرج منه بصعوبة يليه الأزمة القلبية التي تعرض لها مرافقه في العمارة وكذا إنارة دراجته النارية التي تعطلت هي أيضا والتي نجح المخرج في توظيفها فنيا على وجه بطله باللعب بها بين الضوء والظلام، بين الخير والشر، حيث وجود هذه الثنائيات والمقابلات بين "البطل" ومحيطه وكأنه في حوار ضمني معها.

نعود بعد ساعة و15 دقيقة من زمن الفيلم إلى الغرفة من جديد (قد تكون الليلة كلها في الزمن الافتراضي) حيث يظهر وجه البطل في لقطة كبيرة يدخن وهو مُتعب وشارد ليحس بعد ذلك بدماء ينزف من إحدى أذنيه ليقوم إلى الحمام لتنظيفها فتبدأ ملامح مكان إقامته تتحدد شيئا فشيئا. خاصة حين يخرج منها في مطلع الفجر لنعاين وجود مسكنه الذي يتشكل من شبه كوخ عشوائي على هامش المدينة رغم أنه يقطن في الأعلى على هضبة يطل عليها. ولا تبدو لنا ملامح المدينة ساطعة بل يغطيها نوع من ضباب غير طبيعي قد يكون التلوث. والشكل الذي تم تصويرها به كأنها مدينة الأشباح مازالت نائمة.

يخرج "بطلنا" هذه المرة من غرفته في مطلع النهار، مع الأشعة الأولى للشمس، وعاري الجسد، ليتمدد على فراش الخشب مطلا على مشارف المدينة ومتوجها بوجهه نحونا في الشاشة بينما ظهره للمدينة غير عابئ بها وبما سيحصل له بعد قراره هذا بعرض جسمه لأشعة الشمس ومواجهته للنهار. هو الذي كان رجل الليل كالوطواط. خرج إلى واضحة النهار لمواجهة مصيره. فمِن الأفضل له أن يموت تحت الشمس ما دام مصيره معروفا مسبقا ومحكوما عليه عوض أن يبقى سجين تلك الغرفة (الكوخ) التي كانت بمثابة نعش دائم له وهو على شبه الحياة. كان ذلك المشهد هو ختام الفيلم الذي تركنا أمامه المخرج لدقائق (قد تبدو طويلة أيضا للبعض) حتى نتمعن جيدا في مصير ذلك الرجل ونكون نحن شاهدون/كمشاهدين على موته، على هامش المجتمع، بسيادة الصمت أيضا في الشريط الصوتي تأكيدا على عزلته.

وعند ظهور السواد من جديد وفوقه مكتوب الجنيريك الأخير للفيلم قد لا يعني نهايته بل ربما فرصة للمشاهد الذكي بإمكانية إعادة طرح الأسئلة من زاوية مختلفة كاستمرارية في مناقشته خاصة المسكوت عنه في الفيلم والغائب فيه ومنه خارج الإطار le hors champ الذي كان الفيلم/المخرج يدفعنا باستمرار للتفكير فيه. فطيلة الفيلم لم نشاهد المرأة ولا الأطفال حيث تم تغييبهم نهائيا. تم إقصاؤهم من الصورة ومن الصوت. فهم لا يحق لهم الوجود بالليل، إنه ليس زمنهم. وهذا الإبعاد/ الإقصاء/الغياب/ الإنكار ليس رمزيا فقط في إطار الاشتغال على المجاز في الفيلم بقدر ما يحمل دلالة اجتماعية وسياسية في المجتمع الإيراني الذكوري بامتياز. وكل الرجال هم متقدمون في السن ماعدا في النفق، في بداية الفيلم، ظهر بعض الشباب يدفع السيارة المُعطلة لتغيب هذه الفئة أيضا من الشاشة. وإذا كان الفيلم يعتمد على شخصية واحدة مركزية المتمثلة في "الرجل" فإن كل "الشخصيات" التي ظهرت معه أو إلتقى بها في طريقه ليست ثانوية أو عابرة بقدر ما كانت كل واحدة تجرنا في صيرورة الأحداث وبالتالي في السيناريو نحو فهم محتواه بدخولها إليه والخروج منه مُساهِمَة في ما جرى ويجري أمامنا والإطلاع على الهوامش القائمة التي تظهر بالليل كالصراصير (نموذج القزم وهوايته الغريبة على سبيل الذكر).    

إن فيلم "طابور" ليس فيلما سلسا لاستهلاك الوقت وتزجيته وإنما دعوة للتفكير من خلال السينما في موضوع في غاية الأهمية. وفي ذات الوقت كيف مَوْقَعَ المخرج بلده (إيران) في الخريطة الحالية. إنه فيلم ضد القمع والرقابة والتحكم في مصير الناس وتهميشهم وإقصائهم. إنه صرخة صامتة تقرر مصيرها

هوامش:

• (1) "تابور" بالأصل الفارسي بينما الأتراك حرفوا حرف التاء بالطاء التي استعارها العرب بعد ذلك لكن تعني نفس الشيء لنفس المعنى. كُتب العنوان في الجنريك الأصلي للفيلم بالفارسية ب"التاء" إلا أننا في العربية ملزمون ب"الطاء" للفهم 

• (2) نعم حتى في السينما يوجد المحافظون الذين لا يقبلون بتغيير النمطية في الكتابة السينمائية ويرفضون الأفلام التي تكسره بالحكم على أن السيناريو ضعيف وبه تمطيط إلى غيرها من التصنيفات السهلة الدالة على عدم فهمهم للفيلم والتعامل معه كاختيار للمبدع.

• (3) استعرنا هذا العنوان الهامشي من عنوان للفيلم المصري الجميل "الخروج للنهار" للمخرجة الشابة هالة لطفي حيث يلتقي فيلمها في كثير من الجوانب الفنية مع فيلم "طابور"       

الجزيرة الوثائقية في

21/01/2013

 

مشاهدوه منحوه العلامة الكاملة وانحازوا لجيل الفنانين القدامى

«جدو حبيبي».. عودة لرومانسية الأبيـــض والأسود

علا الشيخ - دبي 

لا يبدو محمود ياسين ولبنى عبدالعزيز في فيلم «جدو حبيبي» للمخرج علي إدريس، الذي يعرض حالياً في دور السينما المحلية، مجرد فنانَين عابرَين في فيلم يشارك في بطولته عدد من الشباب فحسب، بل جاءا ليثبتا الفرق بين جيلين أحدهما مازال يواظب على تقديم نفسه فناناً بمعنى الكلمة، فالمقارنة تبدو صارخة بوجود «بشرى» والمطرب «أحمد فهمي» اللذين زادت عيوب أدائهما وهما يقفان أمام ياسين ولبنى، لكن هذا لا ينفي أن الفيلم بمجمله يعد مادة دسمة تستحق المشاهدة والتأني معها، خصوصاً أنه يناقش الاختلاف بين الأجيال، والى اين ذهبت العاطفة التي لا يجب أن تقترن بالمصلحة، وعلى الرغم من أن نهاية الفيلم كانت حزينة، الا أنه استطاع أن يصنع الابتسامة على وجوه مشاهدين أكدوا أن «جدو حبيبي» يعد من أجمل الأفلام المصرية التي تم انتاجها بعد الثورة المصرية، مانحين اياه العلامة التامة احتفاء بعودة بطلة فيلم «الوسادة الخالية» لبنى عبدالعزيز.

مصلحة عاطفية

يروي الفيلم قصة رجل طاعن في السن، يعلم ان ايامه باتت معدودة، فيقرر أن يأتي بحفيدته التي تقيم في لندن كي تكون معه في هذا الوقت الصعب، وهو المليونير البخيل في الوقت نفسه، أما هي ففتاة تفكر فقط بلغة المال، حتى علاقاتها مع كل من حولها تنصبّ على هذا الهدف، تخسر أموالها في البورصة في الوقت الذي تعلم فيه خبر مرض جدها، فلا تفكر الا في وقت موته كي ترثه.

منذ بداية الفيلم شعرت سمر عيسى (30 عاماً) بالأنانية التي تعيش في داخل الحفيدة، وهي الأنانية ذاتها التي تعيش في قلب الجد الذي لم يتذكر حفيدته سوى وقت مرضه، وترى أن «الفيلم جميل وواقعي وفيه الكثير من المشاهد الكوميدية المضحكة، والأهم اننا رأينا عودة لبنى عبدالعزيز التي نورت الشاشة برومانسيتها المعهودة».

في المقابل قالت زينب حريري (44 عاماً) أن «الفيلم جميل بهذا الاختلاف بين جيلين بكل معنى الكلمة، وفيه من العاطفة ما يجعل القلب يبكي، أعجبني كثيراً فمنذ مدة لم اشاهد فيلماً مصرياً بهذا العنفوان».

الفيلم استطاع حسب محمد الأيوبي (36 عاماً) «أن يدخل بحقيقة المشاعر الإنسانية من قبل فتاة تمنح فرصة كي تكون انسانية»، موضحاً «هي تحتاج نقوده وهو يحتاج الى من يساعده في قضاء آخر ايام حياته، فهي المصلحة اذن ولو تغلفت بغلاف العاطفة»، مؤكداً «لكن الحقيقة أن المعدن الأصيل هو اصل الحكاية، الإنسان في داخل كل واحد منهما قربهما، من دون التفكير في اساس هذا القرب».

ووجد طارق عبدالله (28 عاماً) أن «الفيلم جميل وخفيف الظل وفيه فائدة»، شارحاً أن «من المشاهد التي تدل على أن العاطفة بالأساس كانت مبنية على المصلحة؛ موقف الحفيدة التي تذهب مع جدها الى محال التسوق وتملأ العربة بكل شيء بخلافه هو ، وفي مشهد آخر عندما تزل قدم الحفيدة عن الدرج ولا يأبه الجد لما حدث لها مقابل اطمئنانه على أنه لم يخسر شيئاً من اثاث المنزل وتحفه، ومع الكثير من تلك المشاهد تظهر اللحظة التي تجمعهما برباط لا يمكن تفسيره الا بالجينات ربما، عندما تقرر الحفيدة العودة الى لندن لكنها تصاب بحادث يجعلها تظل في المنزل ويتولى الجد مسؤولية الاهتمام بها.

لقاء العمالقة

تكتشف الحفيدة أن الجد كان يحب فتاة في الماضي لكنه لم يتزوجها لظروف قاسية، وهذا الاكتشاف يأتي بعد قراءة الجد نعياً في صفحة الوفيات يخص الحبيبة القديمة، فيقرر الذهاب للعزاء ليتضح له أنه ذهب الى عزاء فتاة اخرى تحمل الاسمن فسه، وفي هذا المشهد تحديداً تندمج الكوميديا مع الأداء المميز لمحمود ياسين، فتقرر الحفيدة بعد ذلك البحث عن هذه الحبيبة التي تجدها اخيرا في مدينة الفيوم.

هنا يقف المشاهد امام لقطات تجمع بين محمود ياسين ولبنى عبدالعزيز ليعودا معا الى زمن السينما بالأبيض والأسود، فمازالت عبدالعزيز رومانسية بحركاتها وصوتها ونظرات عينيها، وهذا ما عبرت عنه حلا حسن (20 عاماً) «مع أنني أنتمي الى الجيل الجديد الا أنني مفعمة برومانسية الجيل القديم التي افتقدها في جيل الفنانين الجدد»، وأضافت «هناك فرق كبير بين الجيلين حتى في النظرات العاطفية».

في المقابل قالت هدى طاهر (49 عاماً) «هذا لقاء العمالقة، عمالقة الفن الجميل، فن عبدالحليم حافظ العاطفي والشغوف، لم تظهر قدرات الفنانين الجدد أمامهما لأن المقارنة بينهما مستحيلة»، مؤكدة «الفنان الجديد مخارج الحروف لديه غير واضحة، وهذه أول ملاحظة يجب على المشاهد رؤيتها التي تتجلى في هذا الفيلم».

ووجد إلياس العاصي (33 عاماً) «ان الفيلم استطاع بالفعل أن ينبه المشاهد إلى مدى الفرق بين الجيلين القديم والجيل الحديث، فمع كل محاولات فهمي وبشرى في أدائهما الا أنهما لم يتركا اثراً كما ياسين وعبدالعزيز».

الحب القديم يظل قديماً في ظل الحياة التي عاشها كلاهما بعيدين عن بعضهما، لكن بوجود الحفيدة والحفيد المتزوج أصلاً من فتاة جميلة لكنها كاذبة بمشاعرها، تتغير أحداث الحكاية بمحاولة الجدين استئناف علاقتهما من خلال الحفيدين، وينجحان.

ويؤكد ابراهيم متولي (29 عاماً) «أحببت الفيلم كثيراً لدرجة أنني سأشاهده مرة أخرى، ففيه الكثير من المشاهد المميزة والكوميديا التي تجعلنا نبتسم براحة من دون قهقهة عالية لا تجعلها نتنه للمشهد التالي " .

كليك

عند الانتهاء من تصوير الفيلم صرح الفنان محمود ياسين بأنه يشعر بأن هذا الفيلم سيكون آخر اعماله، وأضاف «على الرغم من فخري بتاريخي السينمائي الذي يصل إلى 174 فيلماً، فإنني أعتز للغاية بهذا العمل الذي لن أحزن اذا كان آخر أعمالي السينمائية».

وتمنى ياسين أن تكون عودته ولبنى هذه المرة ليس كفنانين من جيل الكبار فحسب، بل «عودة جيل كامل إلى السينما لأنها مكانه الطبيعي بخبراته السينمائية التي على الشباب الاستفادة منها».

حول الفيلم

واجه فريق عمل الفيلم صعوبات كثيرة خلال تصوير الفيلم الذي تزامن مع ثورة 25 يناير في مصر، وكان الفريق بدأ بروفاته قبل الثورة المصرية، لذلك طالت مدة التصوير مع الأحداث، فقرر توقيف تصوير الفيلم حينها، وبعد انتهاء الثورة كان الفريق ينزل الى التصوير في وقت لم يكن هناك أي وجود لرجال الأمن، حتى إن بطلة الفيلم «بشرى» تعرضت لاعتداء من قبل من يطلق عليهم «البلطجية»، وجاء شباب الثورة وحموا الفريق كله، حسب تصريحها.

عن قرب

قالت الفنانة لبنى عبد العزيز عن تجربتها في فيلم «جدو حبيبي»:

جاء مخرج العمل علي ادريس عندما كنت في بروفات مسرحية «سكر هانم»، وقدم لي نفسه، وأول سؤال سألته له لماذا اخترتني لهذا العمل؟ خصوصاً أنني لست من الفنانات المنتشرات في جميع المهرجانات والحفلات بحثاً عن مخرج يأتي لها بدور في عمله الجديد، فرد قائلاً: لم أر أحداً في هذه الشخصية غيرك لأنك دائماً في ذهني، وأتذكر كل أعمالك، وهنا عرض علي سيناريو العمل وقرأته ووجدته مناسباً، ودوري فيه رومانسي، وأنا أعشق هذه الأدوار، كما أن العمل ينتمي للأعمال الكوميدية الاجتماعية الجديدة، خصوصاً اننا نفتقد مثل هذه الأنواع في هذا الوقت العصيب الذي نمر فيه دائماً بكثير من المشكلات والأزمات. وعن رأيها في الموضوعات التي تناقشها السينما المصرية حالياً قالت عبدالعزيز «عندما عدت من أميركا ظننت ان الأعمال السينمائية ستكون جيدة وهادفة مثلما كانت قديماً، لكنني نفرت عندما وجدت معظم الأفلام غير هادفة وسيئة، وهذا ما احزنني على حال السينما المصرية التي كنت افتخر بها في أميركا».

المخرج

بدأ المخرج علي إدريس مشواره مع السينما عقب تخرجه في المعهد العالي للسينما عام 1988 بالعمل مساعد مخرج في العديد من الأفلام بداية من «شباب على كف عفريت» عام 1990.

أول الأفلام التي أخرجها فيلم «أصحاب ولا بيزنس» بطولة مصطفي قمر، وهاني سلامة، ثم فيلم «رشة جريئة» و«التجربة الدنمراكية»، و«عريس من جهة أمنية» الذي حاز جائزة الإخراج عنه، وتوالت الأفلام بعد ذلك مثل «كلام في الحب»، و«حريم كريم»، و«مرجان أحمد مرجان»، وغيرها. وعلي إدريس متزوج من المؤلفة والسيناريست زينب عزيز، وقام بالتعاون معها في اكثر من فيلم مثل «كلام في الحب»، و«عصابة الدكتور عمر».

فريق الفيلم

لبنى عبد العزيز

ولدت عام 1935، وتخرجت في الجامعة الأميركية ولمعت على خشبة مسرح الجامعة، وحصلت على لقب فتاة الجامعة، وعملت في الإذاعة الأوروبية مقدمة برامج أطفال باسم «ماما لولو»، ثم اكتشفها صلاح أبوسيف لتعمل في «الوسادة الخالية»، حصلت على منحة فولبرايت للدراما ودرست في جامعة واشنطن، تزوجت رمسيس نجيب ثم من الدكتور اسماعيل برادة الذي سافرت معه الى الولايات المتحدة، وهناك راسلت جريدة الاهرام وعملت في بعض الأعمال العادية، وحصلت هناك على درجة الدكتوراه ثم عادت الى مصر عام1998

محمود ياسين

ولد عام 1941، وحصل على ليسانس حقوق عام 1964، متزوج من الفنانة شهيرة وله ولد وابنة هي الممثلة رانيا محمود ياسين، وقبل تخرجه بسنة واحدة التحق بالمسرح القومي، حيث قام بدور الراوي في مسرحيات: «سليمان الحلبي» و«الزير سالم» و«دائرة الطباشير القوقازية»، وقام بدور البطولة في مسرحيات: «ليلة مصرع جيفارا» و«وطني عكا» و«ليلى والمجنون» و«الزيارة انتهت» و«أهلا يا بكوات» و«الخديوي»، حصل على العديد من الجوائز السينمائية وتم تكريمه في مهرجان المسرح التجريبي، وعمل في التلفزيون في مسلسلات منها: «غداً تتفتح الزهور»، «العصيان»، «ثورة الحريم»، استطاع ان يكون النجم الأول في السبعينات وان يقف امام اغلب نجمات تلك الفترة ابتداءً من فاتن حمامة وشادية.

بشرى

ولدت عام 1984، وتعد فنانة شاملة، فهي الممثلة والمغنية والمنتجة أيضاً، موهوبة بالفطرة، برعت في الفن في جميع مجالاته، كانت بدايتها مذيعة محبوبة على شاشات الفضائيات، ثم انتقلت للتمثيل وكانت أولى بطولاتها السينمائية مع المخرج الراحل يوسف شاهين، وذلك من خلال فيلم «إسكندرية نيويورك»، وقد حققت بشرى نجاحاً لافتاً، كما عملت الفنانة أيضاً مع شركة «نيو سينشيري برودكشن»، وأصبحت لديها شركتها الخاصة في الإنتاج السينمائي، وفيلما «678» و«جدو حبيبي» من ضمن الأعمال التي أنتجتها.

الإمارات اليوم في

21/01/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)