هل أعجبكَ فيلم زياد دويري «الصدمة»؟
هذا السؤال تكرَّر لعشرات المرات في أروقة مهرجان دبي السينمائي
الدولي التاسع، بين كل المنشغلين في السينما من نقّاد ومنتجين وفنّانين،
ومن بعض الشخصيات.
وحصل أنّ انقساماً واضحاً جداً برز بين موقفين، إمّا رافض بالمطلق، أو
مؤيّد بالمطلق، والثالث لا ينفي وجود جماليات سينمائية لكنه لا يؤيد
الفيلم.
الصدمة.. لم يكن صدمة بالنسبة إلينا.
نحن أحببنا الفيلم، لأنّنا نشاهد سينما، وزياد يقدّم فيلماً متكاملاً،
وعميقاً وجريئاً في آن، والشريط الذي يُصنع حتى لا يقول شيئاً ليس من أهل
السينما ولا من شيم المهنة إطلاقاً، فلا معنى لعمل يمر مرور الكرام ولا
يشعر به أحد، وهذا حرام بمعنى خسارة الجهد والوقت ومحاولة صنع شيء.
«الصدمة» يدخل إلى منطقة الخطر، يتخطّى الأحمر، مستوحياً مادته من
رواية
l`Attentat
للأديب الجزائري ياسمينا خضرا (محمد مولسهول)، لكن مع تغيير في أحداث
الختام، فزياد ترك بطله حيّاً، أمّا خضرا فأرداه قتيلاً بالخطأ في غارة
إسرائيلية على مقاومين في نابلس حيث تُجرى الأحداث، لكن المخرج الشاب
والمقيم منذ عامين في باريس مع زوجته وابنته قال بأنّ الكاتب لم يكن
مرتاحاً لتغيير الخاتمة، لكنه عاد وتسامح مع دويري وأبلغه بأنّ هناك قصة
جديدة له، ولو أراد فهي جاهزة كي يقتبس أو يستوحي منها فيلماً جديداً، وهو
ما كان فعله المخرج الفرنسي ألكسندر أركادمي عندما نقل قصة: «فضل الليل على
النهار» إلى السينما وسط اهتمام واسع من الوسطين الثقافي والسينمائي في
فرنسا، ما حوّل خضرا الذي اعتمد على إسم زوجته في توقيع رواياته واحداً من
الأسماء التي تثير جدلاً... مثلما هي حاله في دنيا العرب، بينما هو يستند
إلى ماضيه كضابط في جيش التحرير الجزائري.
بعض لقطات
l`Attaque
(كما هو إسم الفيلم تجارياً) صوّرها زياد في تل أبيب لأنّه لم يجد شبيهاً
لها في أي عاصمة أخرى، لكن مجمل مشاهد وأحداث الفيلم جرت في نابلس بينما
القصة برمّتها وبكل تفاصيلها قابلة لإثارة الحساسيات خصوصاً في صفوف الجهات
السياسية التي تؤمن بالحل العسكري للقضية العربية، فأولاً البطل الرئيسي
(علي سليمان) طبيب عربي ناجح ومتفوّق ويعمل في تل أبيب، لا بل إنّ الجهات
الإسرائيلية تكرّمه وله حظوة من باب عدم عنصرية الكيان الصهيوني، وهو
متزوّج من شابة مسيحية تُدعى سهام ويعيشان حياة شبه طبيعية بين اليهود، لكن
فجأة يتبدّل كل شيء في حياة الدكتور أمين جعفري (سليمان) عدنما تُنفّذ
عملية استشهادية في تل أبيب، ويتبيّن أنّ مَنْ قام بها هي زوجته، ليخوض
بعدها غمار رحلة تفسير ما حصل من خلال من التقتهم سهام قبل تفجير نفسها، مع
طرح جديد يتناول استشهادية مسيحية ووجود أحد رجال الدين في كنيسة بنابلس
يقول كلاماً عن الثورة، وضرورة بذل الروح في سبيل الوطن، وهو الكلام نفسه
الذي يسمعه الدكتور من الشيخ مروان الذي أعطى الراحلة بركة العملية، وأبلغه
بأنّ ما فعلته زوجته من عمل رائع لا يغطّي على أفعاله وارتباطاته
بالإسرائيليين.
لا أحد يعطي الدكتور أمين كلمة السر سوى إبن شقيقته الذي عرف أنّ سهام
تحرّكت مشاعرها حين رأت الدمار الذي عرفته جنين في الحرب ما قبل الماضية
عليها، لذا قرّرت بعدها تنفيذ عملية فوراً، ومن سوء حظّها أنّها أرادت
الاتصال قبل التنفيذ بزوجها لكنه كان في القاعة التي يكرّمه فيها
الإسرائيليون فأبلغها بأنّه غير قادر على التحدث اليها وسيحادثها لاحقاً،
وطبعاً كان مستحيلاً أنْ يتحادثا فقد ذهبت إلى التنفيذ، وكل هذا كان
موثّقاً في شريط فيديو شاهده.
في كل مفاصل الفيلم حضور للمخرج دويري.
وهناك الكلب - الدمية على خلفية مقعد السيارة، والذي يهز برأسه كاملاً
مع أي حركة داخل السيارة، وحين يكون الشيخ مروان يعلن موقفاً سياسياً يكون
المشهد على رأس الكلب، في وقت تبدو فيه المهاجِرة الروسية إلى إسرائيل
متطاولة على الدكتور أمين كأنّها تحاكمه أو تحاسبه بطريقة استفزازية وقحة.
المخرج دويري سمح في «الصدمة» للراغبين بالتعايش مع اليهود أنْ
يحضروا، وللذين يريدون المواجهة العسكرية مع إسرائيل أن يقولوا رأيهم،
والكل قالوا آراءهم بوضوح بحيث لا يُعرف لماذا كانت هناك عقبة أمام التعاطف
مع الفيلم، والكثيرون صوّروا مشاهد في الأراضي المحتلة، وقالوا آراء فيها
نواح من التسامح مع العدو، خدمة لحضور سلمي يوقف كل مجازر الدم التي تحصل
من وقت لآخر، لكن هذا الأمر ليس بالسهولة التي نفتقدها لذا ستظل هناك نواح
كثيرة تمنع التلاقي وحسم الأوضاع.
تقدير
النقّاد الأجانب في لوس
أنجلوس أعلنوا ترشيحات الـ «غولدن غلوب»
«لنكولن» لـ سبيلبرغ يتصدّر بـ ١2 ترشيحاً و«البؤساء» بـ ١١ ترشيحاً
النقّاد الأجانب أعلنوا ترشيحاتهم للأفضل من عروض العام ٢٠١٢ لجوائز
الـ ٢٠١٣ في لوس أنجلوس، الذين تُعتبر آراؤهم مؤشراً نموذجياً على ملامح
جوائز الأوسكار في ما بعد.
عشرة أفلام تتبارى على جائزة أفضل فيلم يتصدّرها «لنكولن» للمخرج
سبيلبرغ الذي يبدو أنّ الأمور واضحة في ترجيحه للفوز بدليل الترشيحات التي
حازها ومنها:
- أفضل ممثّل لـ دانيال داي لويس.
- أفضل ممثّل دور ثانٍ: تومي لي جونز.
- أفضل ممثّلة دور ثانٍ: سالي فيلد.
- أفضل مخرج: ستيفن سبيلبرغ.
- أفضل سيناريو مقتبس: توني كوشنر.
- أفضل موسيقى: جون ويليامس.
- أفضل مدير تصوير: جانسون كامنيسكي.
- أفضل إدارة فنية: لـ ريك كارتر وجيم إريكسون.
- أفضل مونتاج: مايكل كان.
- أفضل ملابس: جوانا جونستون.
- أفضل ماكياج.
عدا الـ ١٢ ترشيحاً لشريط سبيلبرغ هناك تسعة أفلام تواجهه على جائزة
أفضل فيلم ومنها، «حياة باي» لـ آنغ لي الذي باشرت صالاتنا اللبنانية عرضه
في العشرين من الجاري، وهو مرشّح أيضاً لجوائز أفضل مخرج (آنغ لي) وأفضل
سيناريو مقتبس (ديفيد ماغي) وأفضل ممثّل واعد (سوراج شارما) أفضل موسيقى:
(مايكل دانا)، أفضل ادارة فنية (ديفيد غروبمان، آنا بينوك) أفضل مونتاج
(تيم سكويسرس)، أفضل مؤثرات مشهدية.
ومع هذه الترشيحات الثمانية لشريط لي تتواصل الترشيحات الأخرى:
- آرغو لـ بن آفلك المرشّح أيضاً لجائزة أفضل مخرج، وأفضل ممثّل دور
ثانٍ (آلان آركن)، أفضل مجموعة ممثّلين، أفضل سيناريو مقتبس لـ كريس تيريو،
أفضل موسيقى (الكسندر ديسلات)، أفضل مونتاج (بيلي غولدنبرغ) مع ٧ ترشيحات.
والشريط التالي في الأفضلية:
Silver Linings Playbook المرشّح لأفضل فيلم، وأفضل ممثّل (برادلي كوبر)، وأفضل ممثّلة (جنيفر
لورانس)، أفضل ممثّل دور ثانٍ (روبرت دو نيرو) أفضل مجموعة ممثّلين، أفضل
مخرج (ديفيد أ. راسل)، أفضل سيناريو مقتبس (ديفيد أ. راسل) أفضل فيلم
كوميدي، أفضل ممثّلة كوميدية (جنيفر لورانس) (٦ ترشيحات).
ثم
Les Miserables
كأفضل فيلم، وأفضل ممثّل (هيو جاكمان)، أفضل ممثّلة دور ثانٍ (آن هاثاواي)،
أفضل مجموعة ممثّلين، أفضل مخرج (توم هوبر)، أفضل أغنية
Syddenly لـ كلود ميشال شونبرغ، آلان بوبليل، هيربرت كروتزنر، أفضل مونتاج
(ميلاني اوليفر، كريس ديكنز)، أفضل ملابس (باكو ديلغادو) وأفضل ماكياج (١١
ترشيحاً).
أيضاً:
The Master
مع ترشيح أفضل فيلم، هناك أفضل ممثّل دور أول (جواكين فونيسك) وأفضل ممثّل
دور ثانٍ (فيليب سيمور هوفمان)، وأفضل ممثّلة دور ثانٍ (آمي آدامس) وأفضل
سيناريو أصلي (بول توماس آندرسون) وأفضل تصوير (ميهاي مالايمار جونيور) (٦
ترشيحات).
إضافة إلى أشرطة
Zero Dark Thirty
لـ كاترين بيغولو التي تتناول العملية التي اغتيل فيها أسامة بن لادن،
Moonrise Kingdom
وDjangoun
Chained لـ كوانتين تارانتينوBeats
Of The Southern Wild.
ومن بين المرشّحين للإدارة الأولى: جون هاوكس
The Sessions دانزل واشنطن
Flight ومن الممثّلات دور أول: جيسيكا شاستين
Zero Dark Thirty ماريون كوتيار
Rust And Bone إيمانويل ريفا
Amour كفانرانيه ويليس
Beats Of The Southem Wild نعومي واتس
The Impossible.
أما الأفلام الأجنبية غير الناطقة بالإنكليزية فهي أربعة وليس بينها
أي شريط عربي.
-
Amour
لـ مايكل هانيكي مع جان لوي تريتنان، وإيمانويل ريفا وهو الأرجح للفوز هنا،
وفي أوسكار أفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالإنكليزية.
-
A Royal Affair
-
The
Untouchables
-
Rust and Bone
-
Kon Tiki
عروض
Life Of Pie
عمل جميل
ومؤثّر فقد إيقاعه في الثلث الأخير
«آنغ لي» ترك الحكاية في إشكالية بين الواقع والتخيّل
بيروت شاهدت الفيلم قبل دبي بـ ٦٠ ساعة.
الشريط الذي بوشر عرضه بدءاً من العشرين من الجاري نجده ساحراً
ورائعاً وجميلاً جداً، لقد أحببنا كثيراً أجواء فيلم
Life Of Pie للمخرج التايواني آنغ لي، الذي استطاع تقديم كوكتيل من الجذب مع أنّ
الشخصيات فيه محصورة بفتى ونمر وحسب، وما تبقّى من شخصيات كلها ثانوية
جداً.
سوراج شارما يجسّد دور البطولة وهو شاب صغير الحجم والسن، يعيش في
عائلة تمتلك عدداً من الحيوانات المفترسة، وعندما يقرّر الوالد الانتقال
بالكامل إلى بلد آخر يقرّر قطع المحيط الهادي في طريقه إلى أميركا، لكنه لا
يصلها أبداً، لأنّ عاصفة هوجاء تهب وتتسبّب بأمواج عاتية تقلب السفينة
اليابانية وتُغرِقها، وتقتل عائلة الفتى (أمه ووالده وشقيقه رافي)، بينما
ينجح هو بالنزول إلى المياه بمركب إنقاذ ويقفز وراءه حمار وحشي، ثم نمر، ثم
ضبع.
حال من الذعر تسود المركب الصغير، يتواجه الحمار والضبع وينفق
الإثنان، ويبقى النمر، ومشكلته الوحيدة الجوع، ما يدفع بالشاب للهرب من
إمكانية التهامه في لحظة إلى قطعة عائمة استحدثها وعام بها على سطح الماء،
وعندما لم يستطع المتابعة على هذا النحو لجأ إلى الحيلة فباشر عملية صيد
الأسماك لسد جوع النمر الذي رضي قليلاً عليه، وعندما عثر على كتاب توجيهي
يضعه في صورة الكيفية الأسلم لمواجهة أخطار كالتي يواجهها في مياه المحيط
الهادي، عرف أنّ عليه التكيّف مع الأجواء الصعبة، وبالتالي لجأ إلى ترويض
النمر وجعله يخضع له ولا يعود يفكر في التهامه.
لا ينفعه ظهور سفينة عن مرمى النظر وإطلاقه إشارة استغاثة، فلم ينقذه
أحد، إلى أنْ نام مرّة ليصحو وقد ارتطم المركب بأول يابسة يقصدها من زمان،
وفوقها حيوانات البنغوان الصغيرة، التي أكل منها النمر ما شاء، ثم كان
تموين بعدد منها على ظهر القارب والإبحار مرة أخرى، لكن النمر فضّل الغابة
وكان وداع مؤثر بين الطرفين الصديقين، ليصل صاحبنا إلى يابسة أخرى منهك
القوى ويتم انقاذه.
ويصل إلى المستشفى حيث يعالج فريق تحقيق ياباني ما قِبل الشركة مالكة
السفينة وعندها يُبلِغ الموظّفين بما حصل معه لكنهما لا يصدقانه، ثم
يصدّقانه لكنهما لا يريان أنّ أحداً سيصدّق ما رواه، فيعمد إلى اختراع قصة
أخرى تُرضي الشركة.
هنا يضع المشاهد بين الروايتين تلك المصوّرة أمامنا والأخرى المخيّلة،
وبعدما كان إيقاع الشريط سريعاً حاراً، جاذباً، برد فجأة في الثلث الأخير
مع خاتمة جعلتنا نستنتج أنّ سادة الفيلم لم يعثروا على نهاية مُقنِعة
فلجأوا إلى هذه التي لم تكن مقنعة هي الأخرى لا بل هبطت بالفيلم إلى أسفل.
يحسب لـ «حياة باي» عقوبة السرد، وروعة التنفيذ، خصوصاً الشاب الصغير
شارما، المرشّح من قِبل الصحافة الأجنبية في لوس أنجلوس لأفضل موهبة واعدة
بينما الفيلم مرشح لثمانية تقديرات من الغولدن غلوب.
مهرجان
ملتقى دبي
٩
كثر كانوا مانحو الجوائز في الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي
الدولي:
- دبي إكسبو ٢٠٢٠ للجمهور.
- الاتحاد الدولي لنقاد السينما.
- المهر الإماراتي.
- المهر الآسيوي الافريقي، القصير الوثائقي ثم الروائي.
- المهر العربي القصير، الوثائقي، والطويل.
ومن لبنان ربح كل من:
- خلفي شجر الزيتون لـ باسكال أبو جمرة.
- أبي يشبه عبد الناصر، لـ فرح قاسم.
- ألكسندرا قهوجي، أفضل ممثلة كشهادة تقدير عن دورها في الفيلم
السوري: مشوار لـ (ميار الرومي) ومعها عمار حاج احمد.
ولتبقى المفاجأة الجيدة فوز الفيلم السعودي: «وجدة» بجائزة أفضل فيلم،
للمخرجة هيفاء المنصور ومعها وعد محمد.
ملتقى
أعلن ملتقى دبي السينمائي إحدى تظاهرات مهرجان السينما عن جوائز
المشاريع السينمائية العربية بقيمة ١٠٠ ألف دولار أميركي توزّعت كالتالي:
- ٢٥ ألف دولار لكل من: بطاطا، للمخرجة نورا كيفوركيان، إنتاج بول
شبرزر.
- ليلة مقمرة، لـ فارس نعناع وإنتاج حبيب عطية.
- أنا نفسي ومردوخ لـ يحيى العبدالله إنتاج رولا ناصر.
جائزة فيلم كلينيك وقيمتها عشرة آلاف دولار ذهبت إلى:
بيروت سولو، إخراج صباح حيدر وإنتاج بيار صرّاف.
جائزة
Arte
وقيمتها ٦ آلاف يورو لفيلم: أنت الجزائر لـ فريد نتومي، إنتاج بيار لويس
غارفون.
جائزة المنظّمة الدولية للفرنكوفونية وقيمتها ٥ آلاف يورو لفيلمك
كيلو ٥٦، للمخرج محمد حماد، إنتاج موفّق الشوربجي.
جائزة شركة السينما الكويتية - فرونتارو بقيمة عشرة آلاف دولار: لفيلم
«صيد الشبح» للمخرج رائد أنطوني إنتاج بالماير بادنيير.
واختار الملتقى دبي السينمائي عشرة منتجين لحضور فعاليات شبكة
المنتجين خلال مهرجان كان ٢٠١٣ وهم: بيار صراف، جان وهيب، اسامة البواردي،
مريم سبسيني، حبيب عطية، موفق الشوربجي، رامي ياسين، فريد رمضان، سابين
صيداوي ومحمد علي بن حمرا.
قضية
«بيكاس»:
سوبرمان
لهزيمة صدّام حسين
لافت جداً نص شريط
Bekas
للمخرج العراقي الكردي كرزان كادر، لجهة الفكرة والمعالجة والتنفيذ في شريط
هو الطويل الأول له، ويحكي فيه عن طفلين من كردستان قتل والديهما الرئيس
العراقي الراحل صدام حسين، فعاشا يتيمين يحلمان بشخصية جبّارة كي تنتقم
لهما من قاتل والديهما، مع قدرة على إعادة وإحيائهما، ولا يجد الأخوان زانا
ودانا سوى سوبرمان الأميركي مخلّصاً لهما مما يواجهانه.
يقرّر الأخوان الذهاب إلى أميركا، التي يريانها على المقلب الآخر من
قريتهما الكردية ويمتطيان حماراً أطلقا عليه إسم مايكل جاكسون، وشربا
الكوكاكولا، ثم يتخطيان حواجز للجيش العراقي بالعبور متعلّقين بأسفل
شاحنتين ووصلا إلى منطقة معزولة تركهما فيها سائق سيارة صغيرة حيث تخيّل
الأكبر دانا أنّه داس على لغم، لكن ما اعتقده لغماً كان واقعاً دمية صغيرة،
وطبعاً لم تنفجر، فتابع الشقيقان، رحلتهما ويداهما تتقدمهما بالقبضة على
طريقة سوبرمان.
الشريط لافت، وتأثيره يكمن في نصه، وفكرته، فمثل هذه النماذج
السينمائية تعبر ويتم التصفيق لها وتعثر على جمهور يضحك لها، ويقف معها،
ويتابع بحزن مسكون بتعاطف.
اللواء اللبنانية في
24/12/2012
"متسللون":
فيلم مبتكر عن جدار العزل
عدنان مدانات
لا
يكف السينمائيون عن استكشاف زوايا جديدة لرؤية ظاهرة متكررة. هذه الملاحظة
نشأت
عندي لدى مشاهدتي الفيلم التسجيلي الفلسطيني
المعنون" متسللون" للمخرج خالد جرار
الذي عرض في مهرجان دبي السينمائي الأخير وحاز على جائزتين مهمتين إحداهما
جائزة
اتحاد النقاد الدولي
ثانيهما جائزة أفضل فيلم تسجيلي. الفيلم يحكي عن جدار العزل
العنصري في فلسطين، لكن لا من خلال التباكي على تقسيمه البلاد إلى قسمين
والفصل بين
السكان الفلسطينيين المقيمين في جهتيه، بل من خلال مقاومة المواطنين لهذا
الجدار
وتحديه عن طريق تسلقه، رغم المخاطرة بالاعتقال أو حتى السقوط
من أعلاه، للوصول إلى
الجانب الآخر، فالجدار شديد الارتفاع وتسلقه يتم عبر وسائل بدائية مثل سلم
خشبي
مصنوع من بقايا أخشاب أو مجموعة مواسير مختلفة الأطوال تركن في فجوة على
جانب
الجدار ويسند فوقها المتسلقون أقدامهم بحذر شديد كي لا يسقطوا،
ترافقهم أصوات
التشجيع من المنتظرين لدورهم في الأسفل، أو الذين يتسلقون و يصعدون فوق
قاعدة سرير
حديدي صدئ يوصلهم لنقطة أعلى في الجدار.
من يقومون بالمخاطرة أناس من مختلف
الأعمار: كبار و صغار، رجال ونساء، وكل له هدفه الخاص الذي
يستحق المخاطرة في
سبيله. بعضهم يودون الصلاة في القدس، وآخرون عمال يبحثون عن الرزق في
الجانب الآخر
من الجدار وثمة من يبتغي لقاء أقرباء.
مغامرة التسلق كما ظهرت في الفيلم ليست
نتاج مبادرات شخصية يقوم بها متسللون، بل استثمار مالي أسسه
بعض الأشخاص الذين
امتهنوا مهنة مساعدة الناس على عبور الجدار بواسطة التسلق لقاء مبلغ مالي.
هذا
الجانب الذي يتأسس عليه الفيلم هو نوع من التقديم الموضوعي للموضوع بدون
أية
مزايدات وطنية سياسية أو شعارات صارخة، بل باعتباره مجرد فعل
أو ردة فعل طبيعية
اقتضتها الحاجة ومتطلبات العيش اليومي.
تنبني أحداث الفيلم من الرصد الحي
المباشر المثابر والمتابع لحالات مختلفة من حالات تسلق الجدار
والهبوط من الناحية
الثانية. في واحدة من خالات الرصد تصور الكاميرا من أعلى الجدار هبوط
العمال
المتسللين إلى الناحية الثانية وركضهم في عتمة الليل إلى الأمام في مختلف
الاتجاهات
للوصول إلى بر الأمان. في هذه اللحظة ترصد الكاميرا و تصور
قدوم سيارة عسكرية
إسرائيلية تتمكن من اعتقال أحد المتسللين.
كنت شاهدت الفيلم بالصدفة، حيث
ذهبت إلى غرفة مشاهدة الأفلام الخاصة بالإعلاميين واخترت فيلما
للمشاهدة بدون أن
أعرف شيئا عنه. اخترته هكذا لا على التعيين، لكن الفيلم شدني إليه من
لقطاته الأولى
وجعلني أتابعه باهتمام وبمتعة شديدين: تشكل اللقطات الأولى من الفيلم مشهدا
ليليا
معتما يظهر فيه أفراد مختلفون وهم يركضون في مختلف الاتجاهات،
ينبطحون على الأرض
قصد الاختباء، ينزوون في حفرة، يحذرون بعضهم. المشهد كما يبدو هو أقرب ما
يكون إلى
الأفلام السينمائية الحربية الروائية التي تصور جنودا يتسللون وهم يخوضون
معركة
حربية ليلية، لكنه هنا مشهد حقيقي نابض بالحياة.
بعد هذا المشهد يعرفنا الفيلم
على المبادرة/ الاستثمار، الذي ابتكره بعض الشبان لكسب العيش
المتضمنة بصورة غير
مباشرة عكسا لإرادة مقاومة جدار العزل العنصري رغم المخاطر، ومنها كسر قدم
أحد
المتسللين بعد سقوطه من الأعلى، أو التعرض للاعتقال.
إضافة إلى الحالة العامة
التي تتابعها الكاميرا، يتضمن الفيلم بعض اللقطات والمشاهد
التي يصعب أن تمحى من
الذاكرة والتي تعكس رؤية شعرية للحدث: رجل يقيم مقابل الجدار يدهن جوانبه
بالأبيض
لأنه، جماليا، لا يحتمل لونه الداكن، وحين تنبت الأعشاب المتسلقة قرب
الجدار يتوقف
عن دهن بقية الأنحاء كي يتمتع برؤية الأعشاب المتسلقة. في مشهد
آخر نرى أصابع يد
امرأة تتسلل من خلال فراغ في موقع ما من أسفل الجدار لتعانق أصابع أمها في
الجهة
الأخرى. من خلال هذا الأصابع يتم نقل صورة عائلية للجانب الآخر كي يتاح
مشاهدتها من
قبل الأم. في مشهد ثالث نرى امرأة تهاتف امرأة أخرى في الجانب الآخر من
الجدار
تنتظرها و تعتذر منها عن عدم قدرتها على العبور بسبب وصول
سيارة جيب إسرائيلية
للمكان. في مشهد رابع نراقب كيف يجري تمرير الكعك عبر فتحة في الجدار لبيعه
في
الجانب الآخر، في مشهد خامس نرى كيف يجري عبور أب من تحت عبارة في أسفل
الجدار
مليئة بماء المجاري القذرة من أجل نقل طفله الرضيع إلى الجانب
الآخر.
يصور
المخرج مشهدا مقابلا لمحاولات العبور عبر بوابة رسمية، حيث تحتشد عشرات
النساء
وتقفن ساعات تحت الشمس في انتظار السماح بالعبور، حيث يجري أحيانا تفريقهن
بواسطة
قنابل الغاز المسيل للدموع.
ينتهي الفيلم مثلما بدأ، ينتهي بمشهد ليلي لكن
يتخلله مشهد لوصول سيارة جيب عسكرية واعتقال أحد المتسللين.
أخيرا، ثمة الكثير
مما يمكن قوله حول هذا الفيلم الممتلئ بالكثير من الصور المعبرة والقليل من
الكلام
لكن الكلام المعبر بدون ثرثرة.
الجزيرة الوثائقية في
24/12/2012
بيلا تار وحصانه والنقاد المدللون
محمد رُضا
«حصان
تورينو»، الذي عُـرض في مهرجان برلين مطلع
هذا العام وينطلق في عروض أميركية
وأوروبية هذا الشهر،
ليس فيلماً لكل المشاهدين.
أفلام مخرجه بيلا تار لا تجذب عادة حتى النقاد المدللين فما بالك بالجمهور
الذي
يريد أن يستشف شيئاً يتواصل وإياه حين يراه ماثلاً على الشاشة،
لكن حين لا يكون في
نيّة المخرج التعامل شعورياً مع شخصياته وإتاحة الفرصة أمامهم لتكوين ذلك
الشعور،
فإنه لن يكون مستعداً لمعاملة مماثلة مع مشاهديه. لذلك تحب أفلامه -إذا
أردت- كما
هي.
إنها أقرب الى التحف تصويراً وشعراً وتأمّـلاً، ما يمنعها أن تجتاز
النطاق
الضيق بالفعل وتصبح تحفاً هو فقدانها الأمل. لا الأمل الكاذب الواصل الى
نهاية
سعيدة حتى وإن لم تنتم، بل أمل ناتج عن حب الحياة ذاتها.... هذا لا يزال من
مزايا
المخرج الراحل أندريه تاركوفسكي وحده.
أي فيلم لبيلا تار، يصفع
الناظر بمشاهد من الصعب أن تُمحى من البال. في الحقيقة، فيلمه
الطويل جدّاً "تانغو
الشيطان" (ثماني ساعات إلا ربعاً) كلّه يبقى في البال كما لو شوهد بالأمس
بمشاهده
الطويلة، معايشاته المتمددة التي لا يمكن معرفة متى ستنتهي صوب معايشة أخرى.
بلقطاته التي تحرص على تأطير البيئة المنتقلة الى الشاشة. بذلك يبقيها تحت
الضوء
وفي المقدّمة. الساحة الكبيرة التي تتحرك عليها الأشياء والشخصيات معا. في
ذلك
الفيلم تعرّفنا على شخصيات حبيس موطنها وحين تحاول الخروج منه
وهجران البلدة ليس
لديها مكان تهاجر إليه فتعود. شيء كهذا يحدث في هذا الفيلم أيضاً.
يبدأ «حصان
تورينو» بذكر حادثة تردد أنها وقعت مع
نيتشه في تورينو سنة 1889 حينما شاهد حصاناً
يتلقّى الضرب المبرح من صاحبه، فما كان منه الا أن هرع الى الحصان وحضن
رأسه وأخذ
يبكي. وحسب ما يرد في مقدّمة مطبوعة قبل المشهد الأول في الفيلم، سقط
الفيلسوف
مريضاً من بعد ذلك وحتى وفاته. لكن الفيلم لا يريد أن يبحث في
تصرّف نيتشه او
دوافعه أو حتى ما حدث له من مرض، ولا تقديم حياة ذلك العربجي الذي كان يضرب
حصانه
بل يسأل "....ما الذي حدث للحصان؟"
ما حدث للحصان كثير. بعد ذلك، يقول الفيلم،
رفض الحصان أن يمتثل لرغبة صاحبه الا مرّة واحدة، عندما قرر
صاحبه الهجرة وابنته من
البيت المزروع وسط اللاّمكان في الريف، واللذين يعيشان فيه بعيداً عن كل
شيء، الى
مكان آخر لا يدريان أين.... لكن لحظة. هل هو الحصان ذاته الذي تسبب في موت
نيتشه؟
بيلا تار لا يقول.
المشهد الأول: الكاميرا تصوّر حصاناً يجر عربة
ثقيلة وفوقها رجل يحثّه بالسوط على المضي. المكان ريفي
والكاميرا تتراجع الى الوراء
وتمسح جانب الحصان والعربة ومن فوقها ببطء لتعود بعد ذلك الى الجزء الأمامي
من
الحصان كل ذلك بلقطة طويلة واحدة لا تريد أن تنتهي وتستمر طوال المشهد (نحو
أربع
دقائق). في نهاية تلك اللقطة من الممكن مشاهد الحصان وقد أخذت
خطواته تقصر وعنقه
يميل الى تحت دلالة تعبه. هذه اللقطة الأولى هي موازية للقطات بيلا تار في
"رجل
لندن" (2008) عندما تمسح الكاميرا ببطء شديد مقدّمة باخرة راسية في مرفأ.
كذلك في "تانغو
الشيطان" (1994) حيث الكاميرا تتحرّك بموازاة قطيع من البقر في شوارع قرية
مهجورة.
هنا تتحرّك أكثر كونها منصبّة على ذلك الحصان. لكنها لن تتحرّك كثيراً
بعد ذلك. ستقف في مكانها لتلتقط حياة الرتيبة أمامها. مع وصول الحصان الى
مزرعة
صحراوية جافّة في منطقة مهجورة، تهرع ابنة صاحب العربة الى أبيها وحصانه.
تساعد
أبيها في تفريغ الحمولة وتقود الحصان الى الإصطبل وتغلق الباب
وتلحق بوالدها الى
داخل البيت المؤلّف من حجرة كبيرة واحدة هي مكان للنوم ومكان للأكل وللطبخ
وللجلوس
والنظر من النافذة الى العراء في الخارج.
مع هذا المكان سنقضي الأيام الستّة
المقبلة، لأن الحصان في اليوم التالي يرفض أن يخطو بعيداً عن
اصطبله، وفي اليوم
التالي يرفض أن يأكل وفي الرابع يرفض أن يشرب، في الخامس تعتقد أنه لابد
مات. في
السادس صباحاً سيجرّه صاحبيه بعدما حمّـلا العربة بأمتعتهما الضرورية طلباً
للهجرة.
يتحرك الجميع بعيداً عن البيت وبعيداً عن الكاميرا فوق الأرض الخالية الا
من بئر
كان جف ماؤه فجأة. تبتعد العربة والكاميرا تراقبها. تصل العربة الى هضبة
بعيدة
فوقها شجرة يتيمة تمر بها وتغيب في الأفق. الكاميرا لا تزال في
مكانها وحس المشاهد
ويقظته منصبّان على الحركة التالية لها. فجأة تعود العربة كنقطة غابرة من
الأفق
التي غابت فيه. وبنفس المدّة الزمنية التي تطلّبها ابتعادها تعود الى
مكانها الأول.
ينقل الأب وابنته الأمتعة الى البيت (الكاميرا تحرّكت من مكانها السابق
للقطات
متوسّـطة لكنها لا تزال خارجية) والحصان الى الإصطبل: لا مكان يستطيعان
اللجوء
إليه.
هناك غرابة في التكوين لا تفلت من الملاحظة، لكنها
جزء من منهج عمل يقع ما بين بدايات الفيلم (المقدّمة ثم ما يقع في اليوم
الأول)
ونهاياته (يوم الرغبة في الرحيل). وما يقع ليس متعدد الشؤون،
لكنه أثرى مما لو كان
كذلك. خلال هذه الأيام التي يمضيها الرجل العجوز وابنته
الناضجة (لن تشاهد من
أنوثتها ما يُذكر) تمر الأيام ذاتها. هنا لا فرق بين اثنين وثلاثاء وخميس
وجمعة (لذلك يطلق عليها المخرج أرقاماً). كل شيء
يبدأ باستيقاظ الأب وقد نام على سريره
مستلقياً ببعض ثيابه نفسها على ظهره. يجلس ويطلق سعلة. إنها
إشارة الى ابنته (الكلام
شبه معدوم بينهما) لكي تساعده على ارتداء ما خلع من ثيابه وحذائه فيده
اليمنى معطوبة. تذهب الى البئر حاملة الدلو وقاطعة المسافة
ذاتها وتستخرج الماء ثم
تسلق قطعتين من البطاطا. هذا في اليومين الأوّلين، حين كان ذلك الأب
(كلاهما بلا
اسم) يأكل البطاطا بشراهة.
الآن
لنلاحظ شكل "مأدبة" الغداء:
طاولة خشبية كبيرة يجلسان عليها متواجهين.
كل منهما بصحنه وفي كل صحن حبّة بطاطا مسلوقة. حين يبدآن الأكل يسرع الرجل
بتقشير
البطاطا التي لا زالت تغلي من السخونة (تستطيع أن ترى الدخان يتصاعد منها).
أصابعه
تحترق لكنه لا يكترث. يقشّـرها بأصابع يده مجتمعة ثم يضع
فتاتها في فمه وهي ساخنة.
يأكل سريعاً ثم ينهض بينما لا تزال ابنته تأكل متمهّلة.
هذا في اليومين
الأوّلين. الإيقاع يصبح بطيئاً بعدما رفض الحصان العمل فتدخّل في حياة
صاحبيه.
البئر يجف بعد زيارة سريعة لمجموعة من
الغجر (لعنة غجرية). الحياة تتحوّل من رمادية
الى داكنة. ليس أن تلك الحياة كانت سعيدة قبل ذلك، لكننا نرى
الآن موتها. في
اليومين الأخيرين تبدو تلك الوجبة باردة والبطاطا ليست مسلوقة تماماً. الأب
في
اليوم الخامس يحث ابنته على أن تأكل. في اليوم السادس يتوقّف هو أيضاً عن
الأكل.
كما يُـلاحظ فإن البؤس الذي تطرّق إليه المجري بيلا تار في "تانغو
الشيطان"
وأعماله السابقة واللاحقة، مجسّد هنا من جديد لكن ما نراه ليس ساخراً بقدر
ما هو
مؤلم وهو أكثر ألماً مما في أفلامه السابقة. في الوقت ذاته الألم ليس نتيجة
محاولة
تحسيس المشاهد بمشاعر إنسانية. هذه الشخصيات تم كيّها من قبل
الأقدار وظروف الحياة
بحيث لم يعد لديها أي دواع لكي تتحدّث ناهيك عن أن تشعر. وكما في أفلام
بيلا تار
الأخرى، فإن التصوير بالأبيض والأسود جزء من العالم الذي يصوّره كون
الألوان ستوحي
ببعض الأمل وهو ضد الأمل الكاذب.
طوال ساعتي الفيلم يحرض المخرج تار على إعادة
تصوير الحركة ذاتها (البطاطا، جلب الماء، الاستيقاظ، الخ...)
لكن المشهد ليس هو
ذاته دائماً. رغم ما يبدو رتيباً ومتكرراً فإن الفيلم فيه من الثراء في
المعاني وفي
الصورة ومن ثنايا الشكل القشيب، كالحياة، ما يجعله متخماً بالمضمون الذي
يكبر لكنه
لا يتكرر.
إذ حط الفيلم على شاشات العالم بالتدريج ويعاود الإطلال طارحاً نفسه
كعمل فني، فإن احتمالات
غيابه من دون أثر واردة. هو لم يكن من بين الإختيارات التي
أعلنت من قبل أكاديمية العلوم والفنون السينمائية لأوسكار أفضل فيلم أجنبي،
وقليل
من النقاد ضمّـوه إلى لوائحهم لأفضل أفلام العام. هذا إذا كانوا شاهدوه
أصلاً. لكن
ذلك الوضع ليس غريباً على المخرج الذي يقول إنه سيتوقّف عن
العمل وأن «حصان تورنو»
سيكون آخر أعماله. على الرغم من تقدير المجتمع النقدي لأفلامه، لا زال
بعيداً عن
تحقيق ما وصل إليه مخرجين آخرين.
الجزيرة الوثائقية في
24/12/2012
تحولات البطل عبر ثلاثين عاما في مصر 3/5
شهداء يناير .. أبطال سينما المستقبل
أسامة صفار - القاهرة
يبدو البطل السينمائي في السنوات الثلاثين السابقة على الثورة وكأنه
شاب في عنفوان شبابه فبدأ العقد الأول 80 – 90 قويا وفتيا يكافح القبح
والقيم السلبية والفساد ويواجه بوادر اغتراب سياسي واغتراب اجتماعي في
ذروته آملا أن يكون كل ما في الأمر أزمة مؤقتة لكنه مع استفحال الفساد
واستفحال قوى القبح المادي والقيمي ينهزم فينعزل ويبدأ في الظهور عبر أفلام
التسعينات – وخاصة النصف الثاني منها – بصورة سلبية منهزمة ثم ينفصل عن
مجتمعه بشكل شبه تام – وهو الغارق في أوحاله – لكنه يعيش في عالم من
الشظايا التي تدور حول ذاتها المنعزلة في غربة تامة عن الاخرين مأخوذا بما
يتمناه من لقمة العيش حتي الخروج إلى حياة حقيقية لكنه دائما مقهور منهزم
سلبي ليتجلى ذلك واضحا مع انطلاق موجة أفلام " المضحكين الجدد" والذين
جسدوا بأفلامهم مرحلة من "المازوشية المجتمعية " تمثلت في انتشار موجة
الكوميديا واحتلالها لكل شاشات العرض في مصر وحصدها للايرادات ولعل الصفات
الشكلية لأبطال موجة الكوميدا والتي استمرت حتي العام 2006 تقريبا تشير الى
أن المواطن – المتلقي – المشاهد والذي كان يشترط في بطله الوسامة ( رشدي
أباظة – شكري سرحان – محمود عبد العزيز – محمود حميدة ) لم يعد يعتقد أنه
يمكنه التوحد مع أبطال لهم نفس الشروط
..
إن شكل هؤلاء الأبطال يستحق دراسة عميقة حيث كل منهم كاريكاتير يصلح
لرسم الصور المتحركة فمنهم القصير بشكل مبالغ والطويل بشكل مبالغ فيه
والسمين بشكل مبالغ فيه وبدا الأمر نوعا من "جلد الذات" لمواطن يعرف أنه
هارب من مواجهة ظروف مجتمع تسير من سيء الي أسوأ دون أن يكون له دور في وقف
هذا السقوط وكان التنوع الذي فرض نفسه بوجود أفلام من أنواع أخرى وأكثر
قيمة وجدية بدلا من تلك التي اعتمدت علي الافيهات اللفظية والأبطال الذين
يهربون لتحقيق النجاح خارج بلادهم "همام في امستردام" أو "فول الصين العظيم
" أو "غبي منه فيه" أو غيرها فإن أفلاما لداوود عبد السيد ويسري نصر الله
ومجدي أحمد علي قد بدأت في الظهور لتحتل مساحة في دور العرض ومن ثم يتوازن
الأمر بشكل نسبي ومع عودة الجدية ظهر البطل في أفلام مثل "هي فوضي" ايجابيا
مقاوما وواجه أمين الشرطة الفاسد ومعه أهل الحي حتى اضطروه للانتحار وفي
حين ميسرة لم يستسلم البطل لكن جيلا جديدا لا يزال بعد في بواكير الشباب ضل
الطريق ورغم ذلك فان بعض الأفلام مثل "كباريه" و"الفرح" و "الجزيرة" وغيرها
قد صورت بطلا يتكيف مع واقع الفساد والسرقة وينجو بنفسه منه باعتبارهذه
النجاة هي أقصي درجات المقاومة الايجابية.
والحقيقة أنه يصعب الفصل بين سينما الثمانينات والظرف السياسي
والمجتمعي الذي فرضه الانفتاح الاقتصادي بدءا من عام 1974 ووصل الى ذروته
مع بدء العقد الثمانيني والظرف السياسي الذي فرضته معاهدة كامب ديفيد ثم
الظرف السياسي الذي صنع زلزالا سياسيا في مصر وهو قتل الرئيس السادات ورغم
ذلك فان ظلال الأحداث السياسية لن تترك اثارا مباشرة علي الأفلام بينما صنع
الظرف المجتمعي المرتبط بالانفتاح الاقتصادي وما أفرزه من قيم حالة اغتراب
تبدت واضحة في أفلام مخرجي تلك المرحلة لكن هؤلاء القادمين من عالم الأحلام
فهم الجيل الذي تربى وعيه مع التجربة الناصرية في الستينات واجتروا أحزان
الهزيمة وحاربوا وقاتلوا حتى العبور والانتصار في السبعينات. هم أبناء
الطبقة الوسطى التي لم تجن ثمار النصر رغم أنها من زرعته.. الطبقة التي
دفعت من دمها وتجلى حصادها في انهيار اجتماعي سريع ومدوي، قابله صعود أسرع
لطبقة طفيلية هدمت كافة القيم المجتمعية الراسخة، وقلبت الموازين لذلك كان
طبيعي جدا أن يصبح نور الشريف في فيلم "سائق الأتوبيس" أو سائق التاكسي في
"ليلة ساخنة " أو أحمد زكي الهارب من القانون في فيلم "الهروب" رموزا
للبطولة في سينما عاطف الطيب. يتعاطف مهم المخرج ويمجدهم الجمهور وقد التزم
أغلب أبطالهم بمنظومة قيمية مقاومة للقبح والفساد وتميزوا بالايجابية في
مواجهة ما يرونه خطأ ورغم ذلك فقد تسربت الهزيمة الى أبطال الثمانينات –
وهو امر طبيعي – بعد حسم المعركة على الأرض فقدمت أفلاما انتهت بهزيمة
الأبطال رغم مقاومتهم الشديدة للقبح بكل أشكاله
وهؤلاء المخرجين هم مجموعة جديدة من الشباب الذين استطاعوا أن يتغلبوا
على التقاليد الإنتاجية السائدة، وأن يصنعوا سينما جادة وأطلق عليهم تيار
الواقعية الجديدة أو جيل الثمانينيات، من هذا الجيل المخرج عاطف الطيب،
وتجارب رأفت الميهى، وأفلام خيري بشارة ومحمد خان وغيرهم. وبرز في تلك
الفترة نجوم مثل : "عادل إمام" و"أحمد زكى" و"محمود عبد العزيز" و"نور
الشريف" و" نادية الجندي" و"نبيلة عبيد" و"يسرا" و"ليلى علوى" و"إلهام
شاهين" و"سهير رمزي" وفي منتصف الثمانينيات وبالتحديد مع بداية عام 1984
ارتفع عدد الأفلام المعروضة بشكل مفاجئ إلى 63 فيلمًا، فيما يشكل بداية
موجة أفلام المقاولات ؛ وهي عبارة عن أفلام كانت تُعَدّ بميزانيات ضئيلة
ومستوى فني رديء لتعبة شرائط فيديو وتصديرها إلى دول الخليج.
واذا كان عقد السبعينات قد شهد أكثر الموجات هبوطا في تاريخ السينما –
كما أكد المخرج الدكتور محمد كامل القليوبي دائما - فان الثمانينات بدت
وكأنها تعويض مباشر في ظل تحديات الظروف المجتمعية والسياسية والثقافية
التي كانت المرحلة تموج بها وقد واجه الشعب المصري في ظل سياسة الانفتاح
الدولية نتيجة الأوضاع العربية المتردية ارتفاع الأسعار في السوق السوداء
بشكل جنوني، ومخاطر التفكك الأسري، كالتفسخ والانحلال الخلقي وخاصة عندما
تتبدل وتتغير القيم والمفاهيم وتنتفي السلوكيات الأخلاقية وينصرف الضمير
الإنساني ويصبح الرجل همجياً عدوانياً والمرأة سلعة رخيصة.
ومن أهم وابرز الافلام التي قدمتها السينما المصرية في فترة
الثمانينات هو "الغول" والبري وسكة سفر وانتبهوا ايها السادة وأهل القمة
والكيف، وفيلم الغول اثار ضجة وقت عرضه بسبب مشهد العنف الذي انتهى به
عندما ارتكب ابن أحد رجال الأعمال من اصحاب النفوذ جريمة قتل ولكن الأب
استطاع ابعاد الشبهة عن ابنه ثم نجد صحفياً يهتم بمتابعة القضية ويستطيع
تقديم الدليل على أنه ابن رجل الأعمال، والأب يتدخل مرة أخرى لتغيير مجرى
الأدلة امام النيابة ومن ثم تحكم المحكمة بالبراءة على الابن القاتل.
وبعدها يقوم الصحفي باستعمال العنف حيث يقوم بمهاجمة رجل الأعمال وقتله.
وفي فيلم "سكة سفر" يختار بشير الديك بطله زغلول من وسط شريحة من أكثر
فئات المجتمع ميلاً للسفر بسبب ظروفهم الاقتصادية الأكثر صعوبة إنها شريحة
الفلاحين الذين هجروا الأرض إلى الداخل حيث بدأوا بممارسة أعمال يدوية ليست
لها علاقة بفلاحة الأرض ثم هاجروا إلى الخارج مقابل أية مبالغ وتحت أية
ظروف والفيلم يبدأ برجوع زغلول من إحدى الدول العربية بعد خمس سنوات من
المعاناة فجاء حاملاً بضعة آلاف من الجنيهات وقدراً هائلاً من مرارة الغربة
وعاد ليجد ابنة عمه وخطيبته مازالت تنتظر رجوعه وكان من المفروض أن يتزوجا
ولكن زغلول لم يعد زغلول لقد بدأ يتعامل مع كل شيء بمنطق المال والصفقات
فدخل مشروعاً فاشلاً مع أحد اصحاب الاعمال الصغار في العزبة ثم تقدم إلى
ابنة هذا الرجل والهدف هو تأمين مستقبله ووالطمع في المزيد من الثروة ضحى
بأبنة عمه وباع الماضي وكل القيم الحميدة ولم تعد في قلبه مساحة للعواطف
والمشاعر الإنسانية وهكذا ينتهي الفيلم بسفر زغلول مرة أخرى وهذا نتيجة
اطماعه وتعذيب الروح والنفس من جديد وكأنه اصبح مكتوباً على البطل السفر
إلى الأبد.
وكان فيلم "انتبهوا أيها السادة" هو أول أفلام الثمانينات التي غيرت
مفهوم البطولة وأعطت للبطل ملمحاً جديداً ارتبط بالواقع الاجتماعي المعاش
وعبر عنه إذ ينتهي الفيلم وأستاذ الفلسفة صاحب القيم والمفاهيم والمبادئ
الإنسانية والأخلاقية مهزوم وانتصر جامع القمامة الطفيلي، إحدى ثمرات سياسة
الانفتاح السيئة، لقد عجز أستاذ الفلسفة عن استيعاب المتغيرات الجديدة
قاومها في البداية وظل يقاومها ولكنها كانت أقوى من المقاومة وأعنف من أن
يتعرض لها شخص بمفرده ومن ثم كانت الهزيمة من نصيب البطل أستاذ الفلسفة ومن
الأبطال المهزومين أيضاً كان محمد ضابط الشرطة الشريف الذي عانى من ضغوط
اقتصادية عنيفة، وتحول إلى شاهد على هذا العصر الذي تحول فيه النشال إلى
رجل اعمال واصبح فيه الطفيليون واللصوص هم أهل القمة كما أسماهم نجيب محفوظ
كنوع من السخرية (القطط السمينة) وضابط الشرطة هذا هو أحد ابطال فيلم أهل
القمة الذي يحاول مقاومة ذلك الانهيار الذي حدث ويتصدى لفساد رجال الأعمال
الكبار وتكون النتيجة نقله من القاهرة إلى الصعيد كنوع من العقاب ليس ذلك
فقط بل أن النشال زعتر الذي أصبح أحد رجال الانفتاح الاقتصادي يتحداه
ويتزوج من ابنة شقيقته التي تقبل الزواج من زعتر رغم علمها بماضيه هروباً
من ظروفها الصعبة التي تعيش فيها وتنتهي أحداث الفيلم بهزيمة ضابط الشرطة
وفشله تماماً في المواجهة وبلقطة عامة في أحد الأماكن المزدحمة بالناس
ينتهي الفيلم وضابط الشرطة يدخل في عمق الكادر يتوه في الزحام.
وفيلم الكيف الذي يقوم بدور البطولة فيه محمود عبدالعزيز وكاتب القصة
محمود أبو زيد وأخرجه علي عبد الخالق، واحد من الأبطال الذين تعرضوا
للهزيمة في فترة الثمانينات وبطله يعمل كيميائياً يتورط في صنع مادة تشبه
المخدرات ولكنها في الحقيقة ليست مخدرة يحاول عن طريقها إثبات أن الكيف وهم
وليس حقيقة كما يتوهم الذين يتعاطون المخدرات وعندما يكتشف أحد كبار تجار
المخدرات ذلك يقوم باختطاف الكيميائي صلاح ويجبره على صناعة المخدرات
ويعد نور الشريف أحد أهم النجوم الذين جسدوا بطل الثمانينات حيث كانت
الفترة الذهبية لنضوجه الفني فقدم في بدايتها فيلم
'حبيبي دائما' الذي يعد واحدا من أهم الأفلام الرومانسية في السينما
العربية، وعلى رغم نسجه على منوال الفيلم الأميركي 'قصة حب' أنجز الفيلم
بصياغة مصرية، قد نراها فيمن حولنا من محبين ونسمعها عمن حولنا من قصص
وحكايات. وفي عام 1980 قدم فيلم 'ضربة شمس' وغامر بتقديم محمد خان كمخرج
جديد سيكون له شأن بعد ذلك.
الجزيرة الوثائقية في
24/12/2012 |