حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيفى عندها شَعرة

طارق الشناوي

October 31st, 2012 9:51 am

 

قالت مادلين مطر «طلبنى المنتج السبكى وقال لى: حزّمى حقائبك وتعالى فورًا إلى مصر، وأضاف: لو قلت لك الدور ح ترفضى لأنه محتاج إلى تضبيط وح نضبطه»، وحزّمت مادلين كل شىء قابل للتحزيم وجاءت بالفعل من بيروت إلى القاهرة.. ولا أتصور سوى أن هذا هو ما حدث مع كل المشتركين فى «مهمة فى فيلم قديم»، فلا يمكن أن تلمح أحدًا يؤدّى دورًا.. كل مَن شارك فى تلك المهمة كان عليه أن يأتى إلى الاستوديو وهو يعلم أن مهمته تتلخص فى تقديم أردأ بضاعة سينمائية من الممكن أن تشاهدها من قبل ومن بعد!

تعوَّدنا على الرداءة السينمائية مثل أكوام الزبالة فى مصر المحروسة، ولكنك تجد فى كل لقطات الفيلم أكبر معدل ممكن للتقزز ولا أدرى كيف نجح المخرج أحمد البدرى فى تجميع كل هذا الشخير والصفعات والركلات والبصقات فى كادر واحد ولم يكتفِ بهذا القدر، ولكنه أضاف المجارى والبالوعة التى كان لطفى لبيب يخاطبها والمفروض أن حبيبته تسكن فيها.

ما الحكاية؟ لا شىء. المفروض أن فيفى قبل نحو 20 عامًا كانت ورقة رابحة فى سوق السينما، ولكن منذ عشر سنوات دار الزمن دورته وصارت خارج الخريطة ومثل كل النجوم والنجمات الذين فاتهم قطار السينما اتجهت إلى التليفزيون، ولكن نادتها نداهة السينما.

الفيلم يريد أن يجمع بين حليم وفيفى فى لقطة واحدة، وحيث إن فيفى راقصة فكان ينبغى البحث عن مطرب ليصبح هو نقطة الانطلاق، وإدوارد جاهز دائما لمثل هذه المهمات والملمات. الرجل لا يسأل عن شىء سوى عن أجره ومع إضافة التحابيش من نوعيات لطفى لبيب وبدرية طلبة وضياء المرغنى وطفل وامرأة لبنانية مثيرة (مادلين) وفتاة مصرية حلوة وجذّابة مثل الوجه الجديد نهلة زكى نصبح بصدد طبخة مصنوعة طبقا للمواصفات القياسية السُبكية.. إدوارد يؤدى دور مطرب تعيس الحظ لا يستطيع أن يجد أمامه أى فرصة إلى الصعود ويحلم بعبد الحليم فى «شارع الحب» ويقدم قالب البارودى، وهو يعنى استعادة فيلم قديم أو أجزاء منه واختاروا فى عيد الأضحى أن يذبحوا واحدًا من أروع أفلام السينما المصرية ويقدمون عددًا من مشاهده الشهيرة وبعدها يتوجهون إلى فيلم «إسماعيل يس فى مستشفى المجانين» ولا يكفى أيضا، فتتم الاستعانة بـ«كابوريا» لأحمد زكى، ولا تدرى ما علاقة كل ذلك بذلك.. ولأن لكل شىء نهاية فتأتى مع النداء الشهير فى فيلم إسماعيل يس «أنا عندى شعرة ساعة تروح وساعة تيجى». المفروض أن الشعرة هى الجنون ومن الواضح أنها أصابت كل المشاركين فى هذا الفيلم وربنا يستر على المشاهدين والسامعين!

ما الهدف من الفيلم؟! ليس بالتأكيد مادلين مطر، فإنك من الممكن أن تنسى أنها كانت هناك.. فيفى رقصت وغنّت بقدر ما تيسّر، ولكن لن تتذكر لا غناءها ولا رقصها، فقط صوت شخيرها هو الذى لا يزال يملأ سماء مصر وكأنه السحابة السوداء!!

إدوارد كان الصديق الدائم للبطل فى أغلب الأفلام المعروضة، وهو ليس لديه مانع فى أن يقدم مشاهد صديق البطل لنجوم فاقهم شهرة، ولكن إدوارد هذه المرة هو الاسم الأكبر الذى يتصدر التترات.. يبدو أن السبكى قرر أن يمنح فرصة أخرى وأراها أيضا أخيرة لشادى شامل الذى شاهدناه قبل نحو عشر سنوات فى واحد من أسوأ مسلسلات السيرة الذاتية «حليم» وارتدى باروكة تقربه من ملامح حليم وجعله يبدو كخيال فقط لا يراه سوى إدوارد ليصبح فى نظر الشارع مجنونا وعنده شعرة تستوجب نقله إلى مستشفى الأمراض العقلية!

لا أتصور أن هذه العودة أرضت فيفى عبده، فهى كانت تتطلع إلى رقم فى الشباك لم يتحقق، ولكنها كعادتها قدمت درسًا فى التمثيل بالنظر الدائم إلى الكاميرا وتجاهل كل من يقف معها فى الكادر مع استمرارها فى حركة الرقبة التى اصطحبتها معها من مسلسل «كيد النساء».

وإدوارد سوف يعبر سريعا هذا الدور ويعود صديقا للبطل فى عشرات من الأفلام مثلما تعودنا مع أول ظهوره فى فيلم «بحب السيما».

المهمة التى أوكلت إليهم كانت الإساءة إلى فيلم «شارع الحب» وعبد الحليم وصباح وزينات صدقى.. وبسبب الشعرة التى أصابتهم فلقد نجحوا فى تحقيق تلك المهمة!!

 

ياسمين فى حارة سد!

طارق الشناوي

October 30th, 2012 10:18 am

كنت أعتقد أن ياسمين عبد العزيز سوف تحقق قفزتها الثالثة فى «الآنسة مامى» بعد «الدادة دودى» و«الثلاثة يشتغلونها». ياسمين هى الورقة الرابحة تجاريًّا على مائدة منتجى وموزعى السينما المصرية. وترقبتُ فيلمها الجديد، خصوصًا أن المخرج وائل إحسان واحد من الموهوبين فى هذا الجيل، ولا تزال أصداء فيلمه «ساعة ونص» تتردد فى دور العرض، ولكن، وآه من ولكن، فلقد خذلنى الجميع، حتى كاتب السيناريو خالد جلال رجل المسرح المتميز، يبدو فى تجاربه السينمائية سيناريست متعثرًا يقع من حفرة ليجد نفسه قد تورط فى دحديرة.

تستطيع أن تلمح سر الضعف فى هذا الفيلم، إنه التركيب والتفصيل لقد وضعوا -واو الجماعة تعنى الكاتب والمنتج والمخرج- أمامهم مشروعا لتقديم فيلم تلعب بطولته ياسمين، وبدأ الجميع يفكرون فى العثور على فكرة، مع مراعاة أننا بصدد فيلم عيد، وهذا يعنى أن الأطفال جزء حميم من العمل الفنى فاخترعوا تلك التركيبة.

ياسمين ترفض الزواج ولكنها تحلم بأنها قد تزوجت وتتحول كل أحداث الفيلم إلى حلم طويل به من الأطفال ثلاثة، والرابع فى الطريق، والزوج هو حسن الرداد، حيث تربطهما علاقة حب منذ أكثر من عشر سنوات، ولكنها ترفض الزواج.

التركيبة الكوميدية تستتبع أن نرى عددًا من الفنانين الذين تحولوا من كثرة الاستخدام إلى آلات لصنع الكوميديا يتناثرون بين جنبات الفيلم، وبالطبع فإن ممثلا مجتهدًا مثل الرداد ليس كوميديانا ولا أنصحه فى حقيقة الأمر بالدخول إلى هذه المنطقة، ولكن هناك انتصار التى دار بها الزمن ولم تتغير، فتراجعت إلى الصفوف الخلفية، إنها تبدو مثل المحاربين القدماء فهى الآن خارج أجندة المضحكاتية، بعد أن ظهر من هذا الصنف جيل جديد أكثر طزاجة، فى وش القفص تجد إيمان السيد طبعة 2012 من وداد حمدى التى كانت فى أفلامها تنتزع الضحك من الجمهور بالمبالغة فى الأداء مع الفارق بالطبع لصالح وداد.

ولدينا من الجدد هشام إسماعيل صاحب ضحكة عصرية، ولهذا كانت مساحة دوره أكبر نسبيًّا من انتصار التى أدت دور زوجته. ومن المحاربين القدماء فى مجال الكوميديا محمد لطفى، وتم اختراع خط درامى لمدرب سباحة للأطفال، وعليه أن يضيف ما تيسر من المحفوظات العامة فى الضحك، وقد تصيب واحدة منها، ولكن تُخفق على المقابل فى عشرة.

فى التركيبة التقليدية للكوميديا يتم توظيف الجميع فى الملمات الكوميدية، كل على قدر طاقته، ولكنى كنت ألاحظ أن الجاهز فقط هو الذى يشارك فى المشهد، ربما استشعروا أن انتصار لن تضيف الكثير، وأن حسن الرداد يفتقد مفردات الكوميديان، فتم استبعادهما، والمؤكد على المقابل أنهم استشعروا أن إيمان فى هذا الشأن أكثر عصرية، فمنحوها مساحة أكبر فى المشهد الختامى.

الكوميديا حالة أبعد بكثير من مجرد إفيه أو نكتة، كما أن مبدأ الاستعانة بالأنماط الكوميدية فى حاجة إلى إعادة نظر، التى صارت من علاماتها بدرية طلبة وعليها أن تعيد شحن البطارية، لأن التكرار هو آفة الضحك. وممثل مثل حسن الرداد اقتحم مجالا غير مهيأ له، وهو لا يمكن أن يجارى مثلا ياسمين التى تستطيع أن تضيف لمشهد عادى لمسة كوميدية. حسن حاول بين الحين والآخر الاستظراف.

ما الذى حدث فى «الآنسة مامى»، إنها الرعونة فى التنفيذ وقبل ذلك فى التفكير، كيف يتورط مخرج لديه الحد الأدنى من الإلمام بالكوميديا فى الدخول إلى حارة سد؟

الفكرة غير قابلة للتطوير دراميًّا، ولهذا تصطدم بين الحين والآخر بمنطق الأمور، فلا يصدقها المتفرج وقبل ذلك لا يصدقها الممثلون، فتتراجع إمكانيات الضحك ويشعر المتفرج بالمعاناة وهو ينتظر كلمة النهاية.

قبل أيام قليلة كتبت فى هذه المساحة أن ياسمين عبد العزيز هى سبارتاكوسة السينما المصرية، القادرة على أن تقود ثورة تحرر المرأة المصرية فى السينما، استندت إلى فيلميها السابقين، ولكن أخفقت ياسمين فى الخطوة الثالثة، ورغم ذلك فمن حقها أن تتطلع إلى جولة ثأرية قادمة.

كان الرهان الرابح والحصان الأسود فى أفلام العيد هو محمد رمضان فى «عبده موتة»، بينما الرهان والحصان الخاسر فيفى عبده فى «مهمة فى فيلم قديم»، وانتظرونى غدًا مع واحد من الحصانين!

 

زحمة يا مهرجانات زحمة

طارق الشناوي

October 29th, 2012 10:55 am

سألوا برنارد شو عن الرأسمالية، فأجابهم «غزارة فى الإنتاج مثل شعر ذقنى، وعدم عدالة فى التوزيع مثل حالة رأسى»، فلقد كان أصلع غزير الذقن. أتصور أن المهرجانات العربية صارت مثل شعر الذقن، بينما الأفلام المنتجَة هى الرأس. قبل أيام قليلة كنت أتابع فاعليات مهرجان أبوظبى فى دورته السادسة، وبعد أربعة أيام عُدت مرة أخرى إلى أبوظبى لحضور واحد من أقصر المهرجانات زمنًا، إنه مهرجان «تروب فست أرابيا» فى طبعته الثانية وبعد أيام قلائل تبدأ أحداث انطلاق مهرجانين، الأول هو الأقدم بين كل المهرجانات العربية «قرطاج»، والثانى هو أحدثها فى مجال السينما الروائية «الدوحة ترابيكا» فى رابع دوراته.

ولكن لماذا هذا التزاحم الشديد فى المهرجانات العربية التى تتلاحق كلها فى شهرين؟ يقص «أبوظبى» شريط الافتتاح فى منتصف أكتوبر، ويعلن «وهران» صفارة الختام فى منتصف شهر ديسمبر، وبين المهرجانين تتلاحق كل المهرجانات العربية، بالإضافة إلى «قرطاج» و«الدوحة» لدينا «القاهرة» ثم «مراكش» ثم «دبى» وصولا إلى «وهران» فى دورته الخامسة، وكنا قبل عامين نلتقى فى نهاية أكتوبر مع «دمشق» الذى تأجَّل بسبب ثورة الشعب السورى ضد طغيان بشار.

لو عدنا إلى أقدم مهرجان عربى عرفناه ستجد أنه «أيام قرطاج» الذى أطلقه الناقد التونسى الكبير الراحل الطاهر شريعة عام 1966 فى شهر أكتوبر، وفى نفس الشهر بعدها بعشر سنوات انطلق مهرجان القاهرة قبل أن يستقر فى السنوات الأخيرة على نوفمبر. وتتابعت كل المهرجانات الخليجية بداية من «دبى» 2004 فى مطلع ديسمبر، ثم «أبوظبى» منتصف أكتوبر 2007، ثم «وهران» النصف الثانى من ديسمبر، وإن كانت أولى دوراته قد اختارت شهر يونيو، ولكنه منذ الثانية وهو يُفضِّل زحام ديسمبر. كل المهرجانات العربية كانت تتحايل على مواعيدها فى السنوات الأخيرة تتقدم أسبوعًا أو أسبوعين بسبب مهرجان رمضان الذى تتوقف فيه الأنشطة السينمائية أو على الأقل تتضاءل، مما أدى إلى أن كل مهرجان كان يبحث عن موعد يبعده عن رمضان حتى انتقل رمضان إلى شهر أغسطس، وترك الساحة لصراع المهرجانات السينمائية. لماذا هذا التزاحم حتى إن مهرجانًا وليدًا مثل شرم الشيخ يختار أيضا نوفمبر؟

مهرجان «كان»، الذى يُعقَد فى شهر مايو هو دائمًا المحطة الرئيسية لأغلب المهرجانات العربية، فهو نقطة الارتكاز فى الاختيار، ورغم ذلك فإن فى مهرجان أبوظبى الأخير لم يكن «كان» هو المحطة الرئيسية والهامّة فى اختياراته، بل اتجه إلى كل المهرجانات الأقل شهرة وإلى الاتصالات الشخصية لصناع أفلام لم يسبق عرضها، وتمكن من خلال تريزا كامينا المبرمجة الأجنبية، وانتشال التميمى المسؤول عن البرمجة العربية، من اختيار كثير من الأفلام خارج الصندوق المتداوَل، فلا ينبغى أن ينتظر «كان» ثم «فينسيا» الذى يعقد فى شهر سبتمبر.

المهرجانات تلقى صعوبة فى الحصول على الفيلم العربى الذى لم يسبق عرضه من قبل، ولهذا صارت تشارك فى الإنتاج من خلال مؤسسات وهيئات تابعة لها، لكى تضمن أن المخرج سيفضِّل العرض فى المهرجان مثل أن مارى جاسر الفلسطينية بفيلم «لما شفتك» وهالة لطفى من مصر بفيلم «الخروج للنهار» فى «أبوظبى» وسوف تكتشف أن مهرجانَى الدوحة ودبى يعرضان أفلامًا عربية أسهما فيها إنتاجيًّا ويبدو أنه لا يوجد حل آخر.

هل كثرة المهرجانات لعبت دورًا فى انتعاش السينما العربية؟ لا تستطيع أن تضع السينما العربية كلها فى قائمة واحدة أو قانون واحد. مصر مثلا أرى أن فرصتها فى أن تنتعش سينمائيًّا ستجدها من خلال الأزمة الحالية بعد تراجع الشركات الكبرى عن الإنتاج وطرح بدائل أخرى من الممكن أن تسهم فى فتح باب مختلف ونمط مغاير. أتذكر فى شهر أكتوبر 2010 أن مصر حظت بجائزتين ذهبيتين فى كل من «الدوحة ترايبكا» (الحاوى) لإبراهيم بطوط، وفى مساء نفس اليوم حصلت مصر أيضا بفيلم «ميكروفون» لأحمد عبد الله على جائزة التانيت الذهبى من قرطاج، وهى من المرات النادرة التى حظيت فيها السينما المصرية بجائزة من قرطاج.

مظاهر كثيرة تؤكد أن مصر ستقدم سينما أفضل حتى فى وجود ضغوط دينية تحمل توجهًا معاديًا للفن، أتصور كما أن عوامل الخطر هى التى تدفع الإنسان إلى مواجهتها واكتشاف قواه الخفية فإن الأمر لا يختلف عن الإبداع. ورغم ذلك فستظل المهرجانات المصرية هى الأكثر معاناة فى الحصول على فيلم مصرى، لا عربى فقط، وأسلوب المواجهة تستحق مقالا آخر.

 

مهرجان فى الهواء الطلق

طارق الشناوي

October 28th, 2012 10:07 am

زمن فاعليات هذا المهرجان لا يتجاوز أربع ساعات، إنها تلك التى تشاهد من خلالها لجنة التحكيم الأفلام المشاركة فى المسابقة مع الجمهور، حيث يتم كل شىء على الهواء.. المهرجان الذى انطلق عالميا عام 1993 من خلال المخرج الأسترالى جون بولسون، هو ابن هذا الزمن الذى نعيشه، فهو يبدو وكأنه أحد توابع الميديا الحديثة التى جعلت ثقافة الصورة هى وسيلة التعبير الأكثر تداولا وتأثيرًا فى الحياة، ولا يشترط المهرجان تقنية عالية فقط، هو ينتظر فيلمًا قصيرًا لا يتجاوز زمنه عمليًّا 30 دقيقة، ولكن إدارة المهرجان كنوع من ضبط الإيقاع والسرعة حددت الحد الأقصى للفيلم بـ7 دقائق فقط، ولم تشترط نوع الكاميرا، الاشتراك مفتوح حتى لكل من يحمل جهاز المحمول.

الصفة الشعبية للمهرجان تعنى أن الجمهور يحضر إلى حفل الافتتاح الذى هو أيضا حفل الختام، ولأول مرة فى تظاهرة سينمائية بالإمارات يتجمع على شاطئ البحر عدة آلاف أغلبهم من الشباب.

النسخة العربية من مهرجان «تروب فست» تقام للعام الثانى فى أبوظبى، واختيار أول أيام العيد مقصود به التأكيد على الجو الاحتفالى للمهرجان، فلقد عقد أيضًا العام الماضى فى نفس التوقيت وحتى يتوافق زمنيًّا كان لا بد أن يتقدم 11 يومًا عن العام الماضى ليتواكب مع عيد الأضحى.

المهرجان يختار كل سنة «تيمة» أو فكرة تُقدم عليها تنويعات، مثلا العام الماضى كان معنى «نجم» هو العمق الذى تنوعت عليه كل الأفلام، هذا العام كان الرقم 2 بفكرة الثنائية، العام القادم سيصبح الوقت هو التيمة، ورغم ذلك فمن حق المبدع أن يذهب بعيدًا، لو أراد، خارج حدود تلك الفكرة.

المدير المشارك فى المهرجان من العالم العربى يتغير كل عام. أحمد حلمى كان فى العام الماضى، هذا العام تولت المسؤولية هند صبرى.

لجنة التحكيم تجد فيها غلبة الشباب بعدد من النجمات فى عالمنا العربى، كندة علوش من سوريا، وصبا مبارك الأردن، المخرج والكاتب عمرو سلامة مصر، والمخرج الإماراتى محمد سعيد حارب، والموسيقى خالد مزنر من لبنان، والمخرج الكويتى عامر زهير.

تجد فى الجوائز ملمحًا مختلفًا عن الجوائز الأخرى التى تعودنا أن تمنحها المهرجانات نسبيًّا.. القيمة المادية للجائزة لا تشكل الحافز الأكبر، ولكن يبدو الحرص على أن يواصل الفنان مشواره هو الهدف الأساسى للمهرجان.. الجائزة الأولى 12 ألف دولار، يسافر الفائز إلى لوس أنجلوس ليقابل محترفى الصناعة الأمريكية فى هوليوود، بينما الثانى 7 آلاف دولار يسافر إلى مهرجان «كان» 2013 ليلتقى مع صناع السينما فى أهم تظاهرة سينمائية فى العالم، ويأتى الثالث 5 آلاف دولار بتدريب داخلى فى قناة «mbc2» باعتبارها أحد رعاة المهرجان.

الفيلم الحاصل هذه الدورة على الجائزة الأولى «غير قابل للتلف» للمخرج المصرى محمد حسين أنور، قدم الثورة برؤية أراها أكثر عمقًا من عشرات الأفلام التى سبقته، البطل الذى لا نشاهده وهو فى الحقيقة لا وجود له إلا فى خيالنا فقط.. نرى صديقه وهو يمسح عن عينيه الدماء ويزيح مع كل طرفة عين قطنا يفيض بالدماء، ثم يخرج رصاصة اخترقت العين، ونستمع إليه، وهو يقول لصديقه خلصنى بسرعة، أريد أن أعود إلى المظاهرة.

حالة مصر فى أثناء الثورة والعين التى ترى ولا ترى فى نفس الوقت أليست هذه مصر الآن.. بينما الفيلم الحائز على الجائزة الثانية لعب مباشرة على تيمة المهرجان رقم «2»، كما أنه عكس الرقم ليصبح لو نظرت إليه 6، والفيلم عنوانه «ستة- اثنان» إخراج المغربى خالد التاقى البوسمهولى.. الجائزة الثالثة كانت من نصيب الفيلم المصرى «لقمة عيش» للمخرج إسلام رسمى، هذا الإنسان المصرى الذى يتحلى بالصبر ويبحث عن لقمة عيش وعلبة كشرى ليأكلها، فيجد خيطًا ويجد إبرة ولا يعترض، ولكنه يلضم الإبرة والفتلة، ويقرر أن يُمسك بالبنطلون فى محاولة منه لإصلاح الفتق. الفيلم كان مباشرًا فى توجهه الفكرى، بل وصاخبا أيضا، ولكنه أحدث تلامسا مع الجمهور الذى شارك فى العرض، فكان هو الفيلم الحائز على تصفيق الجمهور لو كان للجمهور جائزة، وهو ما تفكر فى تنفيذه إدارة المهرجان فى العام المقبل.

إنه مهرجان فى الهواء الطلق والتحكيم فى الهواء الطلق والأفلام تنشد الحرية وتسعى إليها فى الهواء الطلق.

 

الوزير والبهلول

طارق الشناوي

October 27th, 2012 10:01 am

أين البطولة فى التصريح بمسلسل المزرعة؟! مبارك ورموز الفساد فى مزرعة طرة وهناك مسلسل يسخر منهم. الرقيب سيد خطاب رفضه وأطيح به فأصبح يحمل لقب رقيب سابق، بينما عبد الستار فتحى أجازه فأصبح هو الرقيب الحالى. لا السابق ولا الحالى من أصحاب المواقف. الرقباء دائما يعبرون وأحيانا يجتهدون فى قراءة ما تريده الدولة. الرقابة فى النظم الشمولية المعادية بالضرورة للفكر هى صوت الحاكم.

الرقيب هو أصغر قطعة يتم تحريكها على هذه الرقعة وهو مثل البيدق فى لعبة الشطرنج من الممكن الإطاحة به فى أى لحظة لإنقاذ الفيل، أقصد الوزير.

سيد خطاب عاصر ستة وزراء فى الأعوام الثلاثة التى تولى فيها الرقابة، هم على التوالى فاروق حسنى، وجابر عصفور، ومحمد الصاوى، وعماد أبو غازى، وشاكر عبد الحميد، وصابر عرب، أى أنه تحرك من عصر مبارك مع فاروق إلى بداية انكسار مبارك مع عصفور ثم الإطاحة بمبارك وتغير ولاء الدولة من العسكريين إلى الإخوان، وكان شغال وعلى كل لون يا باطستا. حتى مع سيناريو المزرعة فإن داخل النظام قوتين تتصارعان يبدو أنه هذه المرة لم يستطع أن يتعامل تحديدًا مع شفرة المزرعة.

سوف يحظى الرقيب الجديد عبد الستار فتحى إما بلقب «المستنير» وإما بلقب «ذى القبضة الحديدية».. فهو فى نظر قطاع من المثقفين مصباح مضىء أو كتلة حديدية مصمته. يستطيع الرقيب أن يلاعب ويتلاعب بالصحافة والإعلام فى تلك المساحة ويحظى باللقب الذى يريده. الحقيقة أن مصر لم تعرف رقيبًا يتحرك طبقًا لقناعاته سوى المستشار الناقد السينمائى مصطفى درويش، لأنه كان يصدر قراراته استنادًا إلى منطق القانون وروحه كمثقف كبير.

الرقيب هو بهلول الوزير، والوزير بهلول الرئيس.. بديهى أن صابر عرب كان يريد أن تتم الموافقة على المزرعة وإلا ما كانت اللجنة التى شكلها لقراءة السيناريو بعد رفض خطاب قد وافقت عليه. وزير الثقافة يرى أن هذا يرضى الحاكم، ولكن على المقابل الوزير لا يريد لسيناريو فيلم «لا مؤاخذة» أن يرى النور، ولهذا لن توافق أى لجنة يشكلها الوزير على سيناريو الفيلم. مع الأسف تعودنا من القسط الوافر من المثقفين أن يتحولوا إلى محللين شرعيين للأنظمة.

المسكوت عنه فى تعنت الدولة مع سيناريو «لا مؤاخذة» هو تعليمات الأمن القومى الصارمة التى يلتزم بها الوزير إنها السور الحديدى الذى لا يمكن القفز فوقه أو اختراقه أقصى ما تسمح به الدولة فى أى عمل فنى يتناول العلاقة بين المسلمين والأقباط هو نموذج «حسن ومرقص»، التوازن الهندسى الصارم، الجامع يقابل الكنيسة، والصليب يساوى المصحف.

«لا مؤاخذة» أسلوب آخر فى التعامل مع تلك القضية الحساسة لا يعترف بالمعادلة الرقمية فلا تحاسبوا الرقيب عنها ولا عن فيلم «الخروج من القاهرة» الذى شاهدته فى مهرجان دبى قبل نحو عامين ويقدم علاقة بين فتاة مسيحية وشاب مسلم، فهو يتحرك خارج الصندوق. الفيلم شارك فى عديد من المهرجانات خارج الحدود وحصل على أكثر من جائزة، ولكن التعليمات التى صدرت من الأمن القومى -المخابرات العامة- هى أن هذا الفيلم ممنوع من التداول داخل مصر.. الوزير لا يستطيع أن يتحمل المسؤولية حتى لا يواجه هزة مع النظام، ووزيرنا الحالى يثشبث بالكرسى لأنه يعلم أنه بمجرد الإطاحة به سيفتح ملف حصوله بطريقة ملتوية على جائزة الدولة لأنه كان مرشحا للتقديرية وهو وزير، وسيطالب البعض بسحبها منه.

الرقابة قبل ثورة يناير هى الرقابة بعدها، والوزير الحالى مثل السابق فاروق حسنى.. الكارثة ليست فى الوزير، لكن فى انتهازية المثقفين فى الاستحواذ على جزء من تورتة النظام. عندما أرادت الدولة التخلص من رئيس تحرير جريدة «الجمهورية» جمال عبد الرحيم استعانت بصحفى آخر هو سيد البابلى ليتولى الرئاسة، وقال إنه يقبل المنصب حبا فى مصر. ألا يذكرك ذلك بما قالوه أيضا عندما قررت وزارة الثقافة أن تستولى على مهرجان القاهرة السينمائى فاستعانت بمثقفين قالوا أيضا إنهم فى حالة شحتفة فى حب مصر، ولهذا وافقوا على أن يصبحوا هم السكين الذى تطعن به الدولة زملاء لهم؟

اللعبة تتكرر فى كل المجالات، صحافة سينما مسرح موسيقى… هناك من يلعب لصالح النظام ليحصل على قضمة وبعدها يغنى «بلدى أحببتك يا بلدى»!

 

سبارتاكوسة!

طارق الشناوي

October 26th, 2012 10:13 am

هل نشهد فى الأسابيع القادمة ثورة نسائية سينمائية. لا أقول تتسيد بمفردها الشاشة، بل فقط تتقاسم هى والنجوم الرجال الأفيش مثلما كان يحدث فى الماضى، أقصد جيل فاتن وهند وماجدة ومريم وشادية وسعاد ونادية، وصولا إلى نادية الجندى ونبيلة عبيد!

فى عام 2010 شاهدنا ياسمين عبد العزيز بطلة فى فيلم «الثلاثة يشتغلونها» لسعيد حامد، وتحديدًا فى منتصف العام ولم يمض سوى أسبوعين إلا وكانت زينة وصبا مبارك بطلتين فى «بنتين من مصر» لمحمد أمين، وقبل أن ينتهى العام جاءت غادة عبد الرازق بطلة فى «بون سواريه» لأحمد عواض، ثم رأينا غادة عادل تشارك مصطفى شعبان بطولة وأفيش فيلم «الوتر» لمجدى الهوارى!

يبدو كأن هذه هى البدايات لإعلان ثورة التمرد التى نشاهد حاليا بعضًا من إرهاصاتها.. السينما المصرية تبحث عن «سبارتاكوس» الذى قرر تحرير العبيد فى روما القديمة أو إن شئت الدقة «سبارتاكوسة».. البداية دائما تنطلق كالشرارة من إنسان يتمتع بمواصفات الزعامة يصدقه الناس ويتحلقون حوله فيصبح قائدا وملهما لهم ويبدؤون بعده الكفاح على طريق الحرية والمساواة!

السينما المصرية تعامل النجوم السوبر باعتبارهم أسيادًا لا أحد يرد لهم كلمة وعلى النجمات اللاتى ليس لهن شباك تذاكر أن يتقهقرن إلى الصفوف الخلفية فى انتظار موافقة النجوم على ترشيحهن للأدوار التالية فى الأهمية الدرامية وفى المساحة الزمنية!

النجمات فى السينما دائما هن الطبق الفاتح للشهية الذى من الممكن أن نبدأ به الوليمة، وقد تنحيه جانبًا وتستغنى عنه، مكتفيًا بالطبق الرئيسى، حتى إنهن أصبحن وردة فى عروة جاكتة النجم، تستطيع أن لا تضع الوردة، لكنك لا تستغنى أبدا عن الجاكت!!

ارتضت النجمات بهذه المكانة التى انعكست أيضا بدورها على التفاوت الرهيب فى الأجور التى يحصل عليها نجوم الشباك مقارنة بالنجمات، حيث لا يتجاوز أجور النجمات عادة نسبة 10% مقارنة بالنجوم.. ورغم ذلك كانت هناك أكثر من محاولة لتحطيم هذا القيد وأرى أن أكثر نجمة لها معارك مشرفة فى الكفاح وخاضت أيضا أكثر من جولة سينمائية هى بالتأكيد ياسمين عبد العزيز، ولكنها ليست فى الميدان وحدها. يعرض لياسمين فى العيد «الآنسة مامى» إخراج وائل إحسان لم أشاهده عند كتابة هذه السطور وقريبًا يعرض لمنى زكى فيلمها «أسوار القمر» إخراج طارق العريان تؤدى دور البطلة الكفيفة، ورغم ذلك فإن أقرب نجمة قادرة على قيادة هذه الثورة النسائية هى ياسمين عبد العزيز.

لم تكن ياسمين بفيلمى «الدادة دودى» 2009، و«الثلاثة يشتغلونها» 2010 هى أول من حاولت التمرد على الوضع القائم بين نجمات هذا الجيل، سبقتها منى زكى، وحنان ترك، وهند صبرى، ومى عز الدين، وغادة عادل، وزينة وغيرهن، وكل منهن لها أكثر من تجربة فى البطولة، إلا أن شروط نجاح الثورة لا تكفى فيها إشادة النقاد ولا جوائز المهرجانات، الأهم أن يقول شباك التذاكر كلمته وبصوت عال واضح النبرات تسمع بين جنباته هدير الملايين، وهذا هو ما حدث مع ياسمين صار اسمها يشكل عامل جذب على الأفيش الذى يعنى أنها النجمة التى جاء إليها الجمهور، وعندما رأى اسمها على أفيش الفيلم لم يضن عليها بثمن التذكرة!

نعم حلمى والسقا وكريم ومكى وسعد وهنيدى وعز يحققون حتى الآن أرقاما أكبر فى الشباك، ولكن الجديد فى هذه المعادلة أن ياسمين لها مظلة جماهيرية من الممكن أن ينضوى تحت لوائها أيضا بعض النجوم الجدد!!

تعانى ياسمين دائما فى الحصول على اسم نجم يشاركها البطولة.. فى «الدادة دودى» لم يوافق سوى محمد شرف.. فى «الثلاثة يشتغلونها» استعانت بوجوه جديدة بعد أن حصلت على موافقة أحمد عز كضيف شرف، هذه المرة مع «الآنسة مامى» حسن الرداد بالتأكيد كانت هناك محاولات مع نجوم أكثر بريقًا.. نجم الشباك عادة يرفض أن يقف فى دور تالٍ للنجمة، ولكن على النجمات أن يدخلن المعركة من دون انتظار مباركة النجوم.

ياسمين هى «سبارتاكوسة» محررة العبيد، وسوف تتبعها أكثر من «سبارتاكوسة» أخرى.. وعلينا أن ننتظر البيان الأول لتلك الثورة التى رفعت شعار «عيش حرية بطولة نسائية»!ف

 

مهضوم يا خالو!!

طارق الشناوي

October 24th, 2012 10:18 am

ليه تدفع أكتر ما دام ممكن تدفع أقل.. هذا هو بالضبط ما تردده القنوات التليفزيونية عندما تتعاقد على المسلسلات الجديدة.. التركى هو البديل الأرخص ولهذا تُقبِل عليه وصارت المساحات التى تحتلها الدراما التركية تزداد عاما بعد آخر، كل ذلك بناء على طلب الجمهور وبما لا يخالف شرع الله، على رأى «إسلامجية» الدستور الجديد!

مشاعر الناس هى التى تجبر الفضائيات على اللهاث وراء التركى. بالتأكيد رخص الثمن أحد العوامل المساعدة فى إتمام الصفقات تجاريا، ولكن القناة لا يمكن أن تقدم للمشاهد وجبة درامية لمجرد ملء ساعات فارغة ولكنها وجدت لدى المشاهد رغبة مُلِحّة لتناول هذا المذاق.

أتذكر أننى التقيت فى بانوراما الفيلم الأوروبى منتجا سينمائيًّا معروفا، وقال لى: «سوف نتصدى للغزو التركى، هل تقف معنا فى نفس الخندق؟»، فأجبته «أين هو خندقك؟»، فقال لى: «ليست فقط الدراما ولكن ألم تلاحظ مثلا أن الشارع المصرى صار يتحدث الآن شامى بسبب (دبلجة) المسلسلات باللهجة السورية، ابنة أختى تقول لى (مهضوم يا خالو)!».

أجبته: لماذا تستعين فى مسلسلاتك بالفنان السورى جمال سليمان ولم تسند الدور مثلًا إلى فاروق الفيشاوى؟ من المؤكد أن لديك أسبابك الفنية والاقتصادية والتسويقية فى اختيارك فنانًا سوريًّا ولم تأخذ البديل المحلى المتوفر حتى ولو كان أرخص.. عندما حاولت نقابة الممثلين المصرية قبل خمس سنوات إيقاف التعامل مع الفنانين العرب رافعين شعار «جحا أوْلى بلحم طوره» ألم تكن أنت واحدا ممن تصدوا لجحا على اعتبار أن الفن لا يعرف الحدود الجغرافية.. الموقف لا يتجزأ إما أن نتعامل باحترافية وإما أن نعود مرة أخرى لتنفيذ قرارات المنع والتحجيم التى تجاوزها الزمن.

هل كان الأمر له علاقة بمصلحة ما فى الدفاع عن وجود الفنان العربى وعندما انتفت المصلحة أصبحنا نتباكى على المصرى الذى يضيع حقه أمام التركى المستورد..؟ هل تستطيع حقيقة الدولة أن تسيطر على الفضاء..؟ الأزهر الشريف بما له من قوة روحية على أغلب المسلمين أصدر قرارا بتحريم مشاهدة مسلسل «عمر» الذى عُرض فى قناة «إم بى سى» فكيف كانت النتائج حتى بغضّ النظر عن المستوى الفنى للمسلسل الذى لم يكن بمقدار التوقع ولكن الناس شاهدته وبكثافة وهو ما تكرر قبلها مع مسلسل «الحسن والحسين ومعاوية» الذى احتجّ عليه الأزهر؟

هل تستطيع نقابة السينمائيين أو غرفة صناعة السينما أو وزارة الثقافة أن تفرض على شركات الإنتاج عدم شراء نوع محدد من البضاعة الدرامية؟ ولو افترضنا وامتنعت الفضائيات المصرية عن شراء التركى فهل تتصور أن المشاهد سوف يحذو حذو القنوات ويقاطع..؟ بالتأكيد سوف يبحث عن المسلسل فى فضائية عربية ونكتشف أن الخاسر هو الإعلام المصرى!

الحقيقة هى أن شركات الإنتاج تدفع الملايين أجورا للنجوم بينما الفضائيات كانت تشترى هذه المسلسلات بالأجر الذى تريده الشركة الآن، تلك القنوات تساوم على الثمن بسبب توفر البديل الجيد. وكما أن البضاعة الصينية دخلت إلى كل شىء فى حياتنا: الفوانيس والسجاجيد بل وغشاء البكارة الصينى، تكرر الأمر مع الدراما التركية.. ويمكن تلخيص تلك المعادلة على هذا النحو، تاجر سورى شاطر اشترى حق التوزيع لمسلسل تركى وقام بالدوبلاج، لماذا لا تفكر مثلا إحدى شركات توزيع الفيديو المصرية فى لعب هذا الدور وشراء المسلسل ودبلجته للمصرية وبدلا من «مهضوم يا خالو» تصبح «دمك خفيف يا خالو»؟!

الحقيقة أن الدوبلاج تحديدا لدينا مشكلة مزمنة فى ضبطه وإحكامه، سبق مثلا فى الستينيات فى أثناء التوجه إلى المعسكر الشرقى، كان هدف عبد الناصر أن ينشئ منظومة متكاملة لا مجرد استيراد سلاح سوفييتى كما كان يُسمَّى الاتحاد السوفييتى قبل البروسترايكا.. المصريون لم ينجحوا وقتها فى دوبلاج الأفلام من الروسية للهجة المصرية ولم يقبل الجمهور على تلك الأفلام.. الناس لم تقتنع ليس فقط بسبب رداءة الدوبلاج ولكن لأنهم لم يجدوا فى هذه الأفلام الحس الإنسانى الذى يبحثون عنه.

قانون الفضاء بات يفرض على الجميع المرونة فى التعامل إذا وجدت أن التركى يُباع بـ10% فقط من سعر المسلسل المصرى الجديد، عليك أن تلعب فى اتجاهين: تحسين البضاعة الدرامية المصرية، والثانى تخفيض السعر.

التنافُس هو القانون الذى فرضه الفضاء.. مشاعر الناس تحركت بُوصلتها تجاه التركى وعلينا أن نفكر كيف نعيد المشاعر لتتوجه مرة أخرى إلى المصرى.. هذا هو الكلام المهضوم يا خالو!

 

يا من تمضى سوف تُبعث!

طارق الشناوي

October 12th, 2012 9:15 am

يا من تذهب سوف تعود.. يا من تنام سوف تنهض.. يا من تمضى سوف تُبعَث.. فالمجد لك.. للسماء وشموخها.. للأرض وعرضها.. للبحار وعمقها!

لم ألتقِ المخرج الكبير شادى عبد السلام -الذى غاب عنا قبل 26 عامًا فى مثل هذه الأيام- سوى مرة واحدة وذلك فى مطلع الثمانينيات.. لم تغادرنى بساطة وتواضع وتفانى شادى وهو لا يشعر إلا بالاستياء لأنه من خلال موقعه الوظيفى لم يستطِع أن يقدم شيئًا لتلاميذه، فلا توجد إمكانيات.. كان شادى يحلم أيضًا بفيلمه الروائى الثانى «إخناتون»، ومات بعد أن نهشوا بأنيابهم حلمه الأثير.

عندما أتذكر شادى لا يتبقى بالطبع هذا الحوار الصحفى العابر بينه وبينى ولكن فيلمه «المومياء» هو الذى يحتل كل الكادر.. سحر خاص يملكه هذا الفيلم، إنه النداء الذى يظل يسرى داخلك حيث تستمع إلى صوت يعلو ترديده يحفزك لأن تراه مرة أخرى.. شاهدت الفيلم وأنا طالب فى معهد السينما فى مطلع الثمانينيات ولا أتذكر بعد ذلك أنه قد أتيح لى فرصة أخرى لمشاهدته، كنت أسمع فقط ما يتردد من أن النسخة مهددة بالفناء ثم أنقذها مارتن سكورسيزى من خلال مؤسسته العالمية التى يرأسها والمنوط بها الحفاظ على التراث السينمائى.. وعُرض الفيلم فى مهرجان كان قبل ثلاثة أعوام ثم فى مهرجان الدوحة تريبيكا فى أول دورة للمهرجان حضرها أيضًا مارتن سكورسيزى، وبعد ذلك أصبحتُ من مجاذيب «المومياء».

الفيلم يبدأ بتلك الجنازة التى يقدمها شادى عبد السلام بلقطة بعيدة من خلال كاميرا المبدع عبد العزيز فهمى، حيث نرى الحالة الأسطورية التى نسجها شادى ببراعة.. الغموض المشوب بالوقار يغلف المكان فى وداع الموتى، كل التفاصيل تتوجه من أجل خلق هذه الحالة، موسيقى ماريونا شمبين، المونتاج للمبدع كمال أبو العلا، حركة الممثلين التى تتوافق بهذا الإيقاع الرتيب… قال الناقد الإنجليزى جون راسل تايلور بعد أن شاهد «المومياء» قبل 42 عامًا: «لقد عثر شادى وهو يبعث الحياة فى الروح المصرية القديمة على لغة سينمائية جديدة مدهشة عجيبة خاصة، ربما نحتاج إلى حجر رشيد آخر لكى نستطيع أن نحل شفرة هذه اللغة بكاملها. لا أتصور ذلك ولكن فقط نحتاج إلى أن نعيش مفردات الحالة التى نسجها شادى لكى نأخذ تأشيرة بالدخول إلى عالمه».

طريق الماعز الذى يسير فيه فريق اللصوص الذين يتاجرون فى الآثار.. إنها رزق عائلة الحربات الذى مات عائلها والد أحمد مرعى وأحمد حجازى وصار على الأبناء أن يعرفوا جميعًا السر.. القديرة زوزو حمدى الحكيم التى تؤدى دور الأرملة وبنظرة من عينيها تملك السيطرة على مقدرات الأسرة.

الحوار الذى اشترك فى كتابته شادى عبد السلام مع علاء الديب يأخذ من الفصحى جلالها وكمالها وصفاءها كأنها ماء مقطر من الشوائب، وقبل ومع وبعد كل ذلك جرسها الموسيقى الأخَّاذ ولكنك بسبب بساطة الكلمات المستخدمة تُشعِرك كأنها لغة التخاطب اليومى فى الحياة.

الإيقاع الذى سيطر على الفيلم يمنحه خصوصية تجمع بين الجمال والجلال، بين الموضوعية والاحتفالية.. الخطوط الفرعونية لا نراها فقط فى التماثيل ولكن وجوه البشر فى الفيلم تنطق دائمًا بالجذور، كأن المكياج محفور على تلك الوجوه.. ما الذى منح الفيلم كل هذا السحر؟ ليس القيمة الدرامية بقدر ما هو التعبير الإبداعى الذى نسجه شادى عبد السلام.. حركة الكاميرا تسيطر على أحداث الفيلم أكثر من حركة الممثل، لهذا فإن التعبير الذى يطل من الوجوه يلعب دور البطولة، هكذا شاهدنا الصامتة العظيمة نادية لطفى لم تؤدِّ سوى ثلاثة أو أربعة مشاهد تطل من خلالها فقط علينا فلا ننساها.. الحوار المكثف أحد أسلحة شادى فى التعبير، فهو يأخذ الكلمة القادرة على الإيحاء فى تلك الأجواء التى تشم من خلالها مصر التاريخ، نرى الآثار ليست بناءً ساكنًا فهى قائمة بقوة منحوتة من الصخور تتحدى الزمن بصمتها، ولكن شادى عبد السلام خلق من خلال السينما لغة الحركة، استطاع أن يُحيل صمتها وسكونها وثباتها إلى بلاغة وثبات فى التعبير.

يقول الحكيم المصرى القديم: «إذا كانت قشرة الذهب توضع فوق السبيكة لتظهرها ذهبًا خالصًا فإنها فى الفجر تُمحَى ولا يبقى غير القصدير.. رددها يا بُنَىّ كثيرًا وكن ذهبًا حقيقيًّا».. كانت هذه هى حكمة شادى عبد السلام المفضلة، وهكذا كان شادى ذهبًا حقيقيًّا… ويا من تمضى سوف تُبعث.. فالمجد لك!

 

انتصار مهند وهزيمة السلطان!

طارق الشناوي

October 11th, 2012 9:15 am

اعتقد موزعو السينما العربية أنهم قد عثروا على صفقة العمر من خلال عرض الفيلم التركى «السلطان الفاتح».

وهكذا وفى نفس التوقيت عُرض الفيلم فى كل من القاهرة وبيروت.. فى لبنان احتجوا عليه واعتبروه مسيئا لمشاعر المسيحيين وحقق فشلا ذريعا فى شباك التذاكر، وهو ما تكرر أيضا فى القاهرة ولكن لأسباب أخرى، حيث إنه رُفض جماهيريا، لأنه لم يلامس مشاعر الناس.

الحقيقة هى أن هذه هى المحاولة الثانية خلال عامين للدفع بفيلم تركى إلى الشارع، حيث سبق عرض فيلم «وادى الذئاب» الذى لاقى نجاحا ضخما عند عرضه كمسلسل ولكنه تبخر سريعا من دور العرض.

هناك من يحاول أن يعثر على تفسير سياسى لنجاح الدراما التركية فى العالم العربى، مشيرا إلى أن إعجاب المواطن العربى بالمواقف السياسية لتركيا الداعمة لثورات الربيع وحقوق الفلسطينيين والرافضة فى نفس الوقت لإسرائيل هى التى تدفعهم إلى التماهى مع المسلسل التركى.. لا ينبغى أن يشطح خيالنا بعيدًا فى محاولة للعثور على أسباب سياسية لحالة فنية متعلقة بذوق الناس.

هل هو غزو كما يحلو للبعض أن يطلق عليه؟ لا أتصور أن توصيف غزو تعبير دقيق عن حقيقة ما يجرى، ولكنها ظاهرة امتدت وحققت قدرًا من الاستقرار النسبى فلم تسع تركيا إلى ذلك ولم تخطط له، ولكنها الصدفة التى لعبت دورها فى البداية حيث نجح مسلسل تركى ثم حدث انتشار لهذه المسلسلات التى تمت «دبلجتها» إلى العربية باللهجة السورية قبل أربع سنوات لتنتقل من فضائية إلى أخرى حتى أصبحت بمثابة طبق درامى ثابت، لا يمكن الاستغناء عنه فى البيت العربى.

إلا أن السؤال: هل مزاج المشاهد التليفزيونى يتوافق أيضا مع مزاج وإيقاع الجمهور السينمائى؟ هناك مسافة ما بين مشاهد التليفزيون الذى ينتظر المسلسل فى البيت وبين متفرج السينما الذى يتهيأ لكى يذهب إلى دار العرض.. الحالة النفسية تختلف ولهذا لا يمكن أن يصبح مؤشر النجاح التليفزيونى هو دلالة على ترقب النجاح السينمائى.

وكما أن هناك نجمًا يلمع تليفزيونيا وآخر سينمائيا، فإن هناك تباينات نفسية وموضوعية بين المجالين، وكل هذا بالطبع يؤثر سلبا على الرهان التجارى.. فيلم «السلطان الفاتح» للمخرج فاروق أكسوى ملحمة تاريخية، حيث حصل السلطان محمد الثانى على لقب «الفاتح»، لأنه فتح مدينة «القسطنطينية» ذات الحصن المنيع والتى كانت مجرد حلم عاشته الأمة الإسلامية على مدى يزيد على 8 قرون عندما قرر سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه، أن يقتحمها وتعددت المحاولات من بعده ليتم الفتح الإسلامى لها فى 29 مايو 1453 على يد «محمد الفاتح» ليطلق عليها «إسلام بول» وكلمة «بول» تعنى «دار» ومع الزمن صارت «إسطنبول».

هل الفيلم يقدم إلى الجمهور فى هذا التوقيت نوعًا من تضميد الجراح النفسية بعد مساحة الغضب التى اجتاحت العالم الإسلامى بضراوة بعد الفيلم المسىء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام «براءة المسلمين»، فصارت المشاعر تطوق إلى استعادة صفحات مضيئة للإسلام، خصوصا أن السلطان الفاتح أكد فى الجزء الأخير من أحداث الفيلم بعد أن فتح القسطنطينية السماح لأهلها بممارسة شعائرهم الدينية وعلى حقهم فى دفن مليكهم طبقا لعقيدتهم؟!

المشهد الرئيسى هو عملية اقتحام الحصن المنيع الذى يحمى مدينة القسطنطينية الذى فشلت أعتى الجيوش فى اقتحامه، حتى إن البعض من بين القواد فى الجيش التركى كان قد تغلبت عليه مشاعر الهزيمة، لولا أن السلطان محمد الفاتح استطاع أن يلهب حماس جنوده ويعزز الروح القتالية داخل نفوس جنوده ليواصلوا اقتحام الحصن المنيع، بينما كان الآخرون يثبطون من همم الجنود.

فى عدد من التفاصيل شاهدت بعض مقاطع من فيلم «الفاتح»، وكأنها تُقدم شيئا من فيلم «أحدب نوتردام» الذى لعب بطولته قبل 60 عاما أنتونى كوين، وكأنه تنويعة أخرى خاصة فى تلك المشاهد التى حاولوا فيها اقتحام الكنيسة فى الفيلم الأمريكى الشهير.

رغم النجاح الذى لا يمكن إنكاره عبر الشاشة الصغيرة للدراما التركية فى البيت العربى، فلقد تعثر قطار الفيلم التركى عن السير فى الشارع والعبور إلى مشاعر الناس.. إنها هزيمة سينمائية، ولا شك كانت من نصيب هذا الفيلم بعد الانتصارات المتعددة التى حققها «مهند» و«فاطمة» و«لميس» فى البيت العربى!

 

عن اليهود فى مصر

طارق الشناوي

October 8th, 2012 10:26 am

خيط شائك أن تدافع عن حق اليهود الذين عاشوا فى مصر، فى الوجود على أرضها مجددًا، بعد أن غادروا أرضها بغير رجعة، بعد أن تم إجبارهم على التنازل عن الجنسية المصرية مقابل السماح لهم بالهجرة، ولكن لا يعنى ذلك من قريب أو بعيد أن الفيلم يتضمن دعوة إلى التطبيع مع إسرائيل.

هل كانوا مصريين يهودًا أم يهودًا مصريين؟ من الذى يسبق الآخر، الهوية الدينية أم الوطنية؟ المخرج أمير رمسيس طرح فى فيلمه التسجيلى الطويل «عن اليهود فى مصر» جانبًا واحدًا فقط من الصورة، وهم اليهود الذين تمسكوا بمصريتهم.

تاريخيًّا كانت مصر هى مرفأ الأمان لليهود، وبمراجعة الأسماء التى نجحت فى مصر على المستوى الثقافى والفنى فقط فى الزمن المعاصر تدرك أن مصر فتحت ذراعيها للجميع.. يعقوب صنوع فى الصحافة والمسرح، وتوجو مزراحى فى السينما، وعائلة مراد فى الموسيقى والغناء، الأب زكى وابنيه ليلى ومنير، وقبلهم الموسيقار داوود حسنى، ولدينا فى التمثيل راقية إبراهيم ونجوى سالم وسامية رشدى ونجمة إبراهيم، وعرفت مصر وزراء يهودًا وتجارًا كبارًا، ولا تزال المحلات الكبرى تحمل أسماءهم «بنزايون» و«شيكوريل» و«صيدناوى» وغيرها.

عدد اليهود فى مصر تجاوز قبل عام 48 رقم 900 ألف يهودى، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا فى مجتمع متسامح.. ثُلث هذا العدد عاش فى مدينة الإسكندرية التى كانت واحدة من أشهر مدن «الكوزموبوليتان» فى العالم، حيث تتعدد فيها الأعراق والأجناس والأديان.

توترت العلاقة مع بداية الأطماع الإسرائيلية فى فلسطين، وبدأنا نحصى عدد اليهود ونفتش عن ولائهم.. يوسف درويش وهارون شحاتة وهنرى كورنيل، وغيرها أسماء ترددت كثيرًا فى فيلم أمير رمسيس، كان ولاؤهم المصرى ليس محل شك.

ولكن لا أدرى لماذا تم برمجة عرض الفيلم ثلاث مرات يوم 6 أكتوبر، ولا أعتبرها مقصودة من بانوراما السينما الأوروبية فى دورتها الخامسة، حيث انتقت المخرجة ماريان خورى المسؤولة عن البانوراما كل هذه الأفلام التى تشع إبداعًَا وألقًا، والتى تستحق أن نمنحها مساحة قادمة، ولكن اختيار هذا التوقيت يظل خطأ مجانيًّا، بقدر ما أوقن أنه عشوائى.

العلاقة بين ثورة يوليو واليهود حملت قدرًا من التوجس.. من الواضح أن اللواء محمد نجيب كانت لديه نظرة سياسية ثاقبة، وذكر الفيلم أنه عندما احترق الدقيق الذى يستخدم فى المعابد اليهودية لصناعة الخبز كطقس دينى كان حريصًا كأول رئيس لمصر على الحفاظ على هذه الشعيرة اليهودية، باعتبارهم جزءًا من نسيج الوطن، بل إنه طبقًا لما ذكره الفيلم طلب من الشيخ الباقورى أن يتراجع عن تصريح له يحمل شيئا من البغضاء لليهودية كديانة.

عبد الناصر أيضًا كان منحازًا إلى مبدأ المواطنة، رغم أنه فى حرب 56 انقسم اليهود فى مصر حول طبيعة الولاء.. لمصر أم لإسرائيل.

لم يتعرض الفيلم إلى أرقام تؤكد أسباب الهجرة، هل كانت بسبب الخوف من الاضطهاد أم أن اليهود فضّلوا، ومع سبق الإصرار، الهجرة إلى إسرائيل.. هناك مجموعة من اليهود ارتبطوا بالمنظمات الشيوعية واليسارية فى مصر، ولاؤهم المصرى واضح، ولكن هؤلاء شريحة ضئيلة لا تعبر عن كل اليهود، إلا أن السؤال عن موقف اليهودى الذى يعيش على أرض مصر وليس منخرطًا أو مغموسًا فى السياسة، ما مشاعرهم الحقيقية تجاه مصر؟!

المعروف أن هناك أيادى إسرائيلية أشارت إليها الأجهزة المصرية تدين عددًا من الشخصيات كانت تريد الخراب لمصر، وألمح الفيلم إلى أن الجيش عادة كان لا يرحب بتجنيد اليهود داخل القوات المسلحة، وهو ما يعنى الشك فى الولاء للوطن.

عدد من اليهود أشهروا إسلامهم، ومن الواضح أن الأمر هنا متعلق بالخوف أكثر مما هو قناعة بالدين، كما أن جزءًا ممن أسلموا لم يكن الدين بالنسبة إليهم يشكل قيمًا روحية.. ولكن اليسارى الشهير شحاتة هارون مثلا من الواضح أن موقفه ثابت، فهو ظل على يهوديته ورفض أن يقرأ الطقوس على جثمانه قبل دفنه حاخام من إسرائيل، لأنه ضد هذا الكيان الاستيطانى حيًّا وميتًا، وطلب فى وصيته استقدام حاخام غير إسرائيلى.

«لا نعادى اليهودية كديانة».. رسالة مهم أن تصل إلى العالم، ولكن ليس كل يهودى عاش على أرض مصر أحب مصر، ومن أحبها هل توقن أن أبناءه وأحفاده أيضًا أحبوها؟!

 

إيدين ورجلين وعشرة ألسنة!!

طارق الشناوي

October 6th, 2012 9:24 am

30 عامًا والإعلام المصرى يزيف الحقيقة، ويعتبر أن انتصار أكتوبر يساوى الضربة الجوية، والضربة تساوى حسنى مبارك، ولهذا صار أكتوبر بالنسبة إلى القطاع الأكبر من الناس هو أغنية نفاق للحاكم.

الأوبريتات التى تكلفت الملايين لم تكن وزارة الإعلام فقط المسؤولة عنها، ولكن الملحنين والشعراء والمطربين الذين طبّلوا وزمّروا ورقصوا على إيقاع مبارك كانوا يحصلون على الثمن، ليس فقط الأجور التى ترصد لهم، ولكن كان وزير الإعلام صفوت الشريف، وبعده أنس الفقى، يُصدر تعليماته للأجهزة بأن تِدلّع الملحن والشاعر والمطرب الذى سبق له أن دلّع مبارك، وهكذا لو راجعت مثلا مَن كانوا يحصلون سنويًّا على جائزة أفضل موسيقى ستجدها كانت محجوزة لعمار الشريعى أكثر الموسيقيين الذين شاركوا فى زفة مبارك السنوية!!

الرئيس كان هو العريس، كما قال عمار، نقلا عن صفوت الذى طلب منه أن يدلع العريس فى كل أكتوبر، وهو على الجانب الآخر لم يتوانَ فى أن يجعل أكتوبر يا دلع دلع.

الدولة تدرك أن أغلب الفنانين بطبعهم يميلون إلى أن يصبحوا جزءًا من النظام وحتى الآن لا يزالون يطلبون الود، تابعوا مثلا ردود فعل عدد من الفنانين عندما يسألونهم عن المئة يوم وعد رئيس الجمهورية، تجدهم يدافعون عنه وعن حقه المطلق فى تجاوز الوعد، بل إن بعضهم إرضاءً لمرسى يغالط فى العد!!

النفاق أحد جينات وطبيعة قسط وافر من الوسط الفنى على مر العصور.. هم حائرون بين العصا والجزرة، كانت العصا فى الماضى هى التى تخيفهم، فمن كان يجرؤ أن يقول لا لعبد الناصر ولا يغنى باسمه، إذا استبعدنا أى عقاب مباشر فإن التعتيم الإعلامى فى زمن الخمسينيات والستينيات كان مرادفًَا آخر للموت.. تخيلوا مثلا أن «أم كلثوم» أو «عبد الحليم» قال أىٌّ منهما إنه لن يغنى لعبد الناصر أو الثورة!!

حكى لى الموسيقار الكبير كمال الطويل الذى كان مؤمنًا بالثورة وبعبد الناصر، إلا أنه بسبب خلاف شخصى مع عبد الحليم أراد فى عام 1966 أن يعتذر عن تلحين أغنية «صورة» فى احتفالات ثورة يوليو، لأنه لم يكن فى حالة مزاجية تؤهله للتلحين، وقرر أن يسافر خارج مصر، ففوجئ بأن شمس بدران وكان وقتها أحد القيادات العسكرية الكبيرة، والذى يحظى بثقة جمال عبد الناصر، فوجئ به يقول له أنت لا تلحن بمزاج، ولكن تلحن لأن الثورة لها عيد، وتم منع الطويل من السفر وأجبروه على أن يلحن، وقال له شمس بعد أن استمع إلى الأغنية «أُمال لو كان عندك مزاج كنت عملت إيه»!!

أم كلثوم آمنت بعبد الناصر وبمبادئ الثورة وظلت ناصرية حتى بعد رحيله، ورغم ذلك فإن عددًا من أغانيها الوطنية لا تشعرنى أبدًا أنها قدمتها بإحساس، ولكنها تبدو فى بعضها مثل موظف يريد التوقيع على كشف الحضور.

لم تعرف مصر فنانًا يخرج عن الصندوق الرسمى سوى الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى، وكان المقابل هو التعتيم الإعلامى دائمًا والسجن أحيانًا وعندما ظهر شريط الكاسيت كان هو التعويض الحقيقى لسنوات الغياب، حيث انتشرت أغانيهما فى مصر والعالم العربى رغم المصادرة والمطاردة الرسمية، ولكنك تفاجأ مثلا أن فى فيلم «العصفور» تم حذف اسمى نجم وإمام من التترات بتعليمات من النظام، واستجاب وقتها مخرج الفيلم يوسف شاهين لتوقيع هذا العقاب القاسى.

الدولة كانت تملك الصندوق الرسمى ولم تكن هناك صناديق أخرى من الممكن أن يقدم خلالها الفنان إبداعه.. مثلا عندما أرادت الدولة التعتيم الإعلامى على نزار قبانى بعدم عرض الأغنيات المأخوذة عن قصائده فى قنواتها الرسمية بحجة أنه نقد الزعيم فى قصيدة، كان هذا بالفعل يعنى الموت للشاعر الكبير لولا أن نزار حرص على أن يرسل خطاب توضيح إلى عبد الناصر.

لم أعذر الفنانين الذين تحزموا ورقصوا لمبارك لأنهم كانوا ينتظرون الجزرة التى يرسلها إليهم الحاكم، ولكنى تسامحت مع الفنانين الذين غنى بعضهم لعبد الناصر عن غير قناعة، لأنهم كانوا يخشون من عصاه؟!

هل يدرك نجومنا أننا نعيش الآن فى زمن الوثيقة المرئية وأنه لم يعد للكذب رجلين؟ تابعوا كيف يجاملون د.مرسى لتدركوا أن الكذب لديهم نبتت له بالإضافة إلى الرجلين إيدين وعشرة ألسنة!!

 

الضوء فى سرادق العزاء

طارق الشناوي

October 5th, 2012 9:40 am

أصبحت الصحافة والفضائيات المصرية والعربية تفرد مساحات مبالغا فيها فى صفحات وبرامج الفن لمتابعة واجب العزاء وقبلها تشييع الجنازات، والجمهور على الجانب الآخر صار نهما وهو يبحث عن دموع ومشاعر النجوم الحقيقية بعيدا عن الشاشة.

عدد من النجوم والفنانين أصبح يحدد حجم أحزانه باحتمالات وجود كاميرات تليفزيونية وصحفية لتغطية الحدث.

عندما رحل الناقد والكاتب السينمائى الكبير أحمد صالح، لم يذهب أغلب النجوم والنجمات فى عزائه، وذلك لأن التغطية الإعلامية حتى فى المؤسسة الصحفية العريقة التى كان ينتمى إليها الأستاذ أحمد صالح وهى «الأخبار» لم تمنحه إلا مساحة صغيرة جدا لا تليق باسمه ولا عطائه.. بينما كان القراء والمشاهدون يتابعون رحيل المخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ، وبعدها النجم الكبير أحمد رمزى، فتوافد العشرات على تقديم العزاء.. جزء من الفنانين عادة يحسبها قبل أن يغادر بيته تبعا لهذا المؤشر.

ولهذا فإن أغلب الفنانين الذين أسهم أحمد صالح صحفيا وناقدا وكاتبا فى صناعة نجوميتهم لم تعثر لهم على أثر فى عزائه.

يظل الفنان يبحث عن تلك البقعة من الضوء، حتى إن بعضهم لو لم يجد ما يثير نهم القراء والمشاهدين يسارع بإطلاق شائعة تعيده مرة أخرى إلى بؤرة الاهتمام.

هل يطلق الفنانون الشائعات على أنفسهم؟ نعم هذا كثيرا ما يحدث، ولكن لا يمكن أن يعترف الفنان بأنه يصنع الشائعة سوف يسارع بالإنكار، مؤكدا أنه يعلم أن هناك أيادى مغرضة فعلت ذلك، رغم أنه قد يكون هو اليد التى أشعلت عود الثقاب وسكبت أيضا البنزين.. أسوأ ما يواجه الفنان ليس أن يُكتب عنه مثلا أنه قدم عملا رديئا، ولكن أن تتجاهله تماما كأنه لم يفعل أو يقدم شيئا، هذا هو أكبر عقاب يوجه إليه.. وكثيرة هى الشائعات التى صنعها بعض الفنانين عن أنفسهم بدأت بعدما خاصمتهم الأضواء، حتى إن بعضهم مثلا ساعد على انتشار خبر موته.. فعلها مخرج عندما كان شابا وعندما رحل قبل خمس سنوات كتبت أنه مات مرتين.

شائعة الزواج والطلاق والحب والهيام تلعب دورا فى إتاحة الفرصة للفنان ليظل على قيد الحياة الإعلامية.. أتذكر أن ابن موزع ومنتج سينمائى شهير عندما بدأ مشواره الفنى نصحوه بأن يخترع لنفسه قصة حب يشغل بها الصحافة مع نجمة شابة، كانت قد حققت نجاحا لافتا، حتى يضمن أن يواصل الإعلام متابعة أخباره وماتت الشائعة ولم تتحقق نجومية هذا الفنان.. أسهمت سعاد حسنى فى مطلع الستينيات مثلا فى سريان شائعة ارتباطها بعبد الحليم حافظ، وكانت الصحف كثيرا ما تسمح بمساحات تروى فيها قصة الحب، ثم مات مشروع الزواج، وقبل نحو 20 عاما فتحت سعاد حسنى النار على نفسها، عندما أشارت فى حديث مع الكاتب الصحفى مفيد فوزى عن زواج عرفى جمعها مع عبد الحليم، ولم يكن ذلك صحيحا على الإطلاق، فلم تتزوج سعاد من عبد الحليم، ولكن كانت سعاد قد ابتعدت عن الأضواء -وهذا تفسيرى الشخصى- فاتفقت مع مفيد على أن تذكر هذه الواقعة لتجذب القراء لمجلة «صباح الخير»، التى كان مفيد قد تولى رئاسة تحريرها، ودليلى على ذلك أن سعاد صمتت تماما ولم تكن فى حياتها تذكر أبدا تلك الشائعة.. لا هى أكدتها، ولا هى أيضا نفتها.

الذى يحدث الآن هو أنه فى كل ذكرى ميلاد أو رحيل كل من سعاد أو عبد الحليم لا نستمع إلا إلى من يؤكد أو ينفى تلك الشائعة.

فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى تجد فى حفل الافتتاح العشرات من النجوم، حيث الصحافة والفضائيات، وبمجرد أن ينتهى الحفل ويبدأ عرض الفيلم لن تجد أيا منهم، وذلك لأن الكاميرا التى كانت فى الصالة ذهبت إلى الحفل الساهر فشد النجوم الرحال حيث الكاميرا.

هل الفنان يعشق الضوء أو الإبداع؟ أغلب نجومنا يحركهم هذا الوميض، بينما من الممكن أن تجد هذا العدد المحدود منهم الذى يخاصم الكاميرا ويهرب مع سبق الإصرار عن أجهزة الإعلام.

مثلا الفنان الكبير محمود مرسى لن تجد له أى تسجيل شخصى فى الأرشيف المرئى والمسموع والمقروء، كان رهانه فقط على ما سوف يتركه للجمهور على الشاشة.

إنه الاستثناء الذى يؤكد القاعدة، وهى أن النجوم يبحثون عن الضوء حتى فى سرادق العزاء!!

 

مقاطعة ومصادرة واغتيال

طارق الشناوي

October 2nd, 2012 9:35 am

أعلن وزير الثقافة الإيرانى محمد حسينى مقاطعة إيران للأوسكار 2013 رغم ترشيح فيلم «مكعب سكر» إخراج رضا ميركريمى لجائزة أفضل فيلم أجنبى. قال الوزير إن إيران تحتجّ على الفيلم الأمريكى المسىء «براءة الإسلام»، ولهذا قررت أن لا تشارك فى الأوسكار هذا العام رغم أنها فى الأوسكار الماضى حصلت لأول مرة على جائزة أفضل فيلم أجنبى -غير ناطق بالإنجليزية- بفيلم «انفصال نادر وسامين» للمخرج أصغر فرهدى، وانتزع الفيلم الإيرانى الجائزة بجدارة من الإسرائيلى «ملاحظة» الذى راهن الكثيرون على أن اللوبى الإسرائيلى سوف يخترق أكاديمية العلوم والفنون الأمريكية التى تمنح الأوسكار ليجعل المؤشر يميل إلى كفة الفيلم الإسرائيلى.

إيران هى أول دولة تُشهر سلاح المقاطعة الثقافية فى وجه أمريكا، بينما باكستان رصد وزير النقل فيها مكافأة 100 ألف دولار لمن يقتل المخرج الأمريكى صانع الفيلم المسىء.. صحيح أن الحكومة الباكستانية شجبت هذا التصريح ولكن ظل هذا الإعلان محسوبا على فكر من ينتمى إلى الإسلام. من المؤكد أن بعضا من القراء يستشعر أهمية هذا الموقف بل ويثمِّنه أيضا.. فهل المقاطعة والمصادَرة والاغتيال هى الحل؟!

العديد من المهرجانات العربية على الأبواب تبعا لمواعيد انطلاقها أبو ظبى وقرطاج والدوحة والقاهرة ومراكش ودبى ووهران فهل تنجح دعوة المقاطعة الجماعية لكل ما هو أمريكى؟

حدث بعد هزيمة 67 أن قررت مصر مقاطعة الفيلم الأمريكى ومنعت شركات التوزيع من استيراده، ولم يمض سوى بضعة أسابيع إلا وكان الفيلم الأمريكى يحتل مكانته مجددا فى دور العرض. كانت وقتها المقاطعة ممكنة فلم نكن قد وصلنا بعد إلى عصر الفيديو كاسيت، ومشاهدة الفيلم الأجنبى خارج دور العرض كانت شبه مستحيلة.. الآن صارت الفضائيات والسى دى والنت تتولى ببساطة عرض الفيلم الأجنبى بلا ثمن وفى كل وقت.

مصر تترقب على سبيل المثال أسبوع الفيلم الأوروبى الذى يُفتتح غدًا، والعديد من الدول الأوروبية نشرت رسوما مسيئة إلى الرسول فهل تُمنع بالقياس كل الأفلام الأوروبية..؟ ولو امتدت النظرة فلن نشارك فى المهرجانات الكبرى والصغرى فى العالم لأن عددا من الدول الأوروبية نشرت ومن الممكن أن تنشر أيضا رسوما مسيئة.

المقاطعة سبق أن طبقناها قبل ست سنوات ضد كل ما هو دنماركى بعد رسوم الكاريكاتير المسيئة إلى الرسول التى انطلقت من هناك، وكان يتردد نداء «بأبى أنت وأمى يا رسول الله» فما الذى حدث؟ هل توقفت الدنمارك عن النشر؟ أم توقفنا نحن عن المقاطعة؟

المقاطعة لن تستمر إلى الأبد، وكما رأينا «جوجل» يستجيب للضغوط ويصادر الرابط الإلكترونى للفيلم المسىء فلا يعنى ذلك أننا لن نشاهد الفيلم بعد أيام أو أسابيع فى «جوجل» وغيره.

واجبنا هو أن نقدم صورة ذهنية صحيحة عن الإسلام.. الخبر الذى يتردد الآن عن إجبار الأسر المسيحية فى رفح على الهجرة خارج الحدود وتدخُّل المدرعات والقوات الخاصة لحماية القبطى من جاره المسلم هو أكبر إساءة نوجهها إلى الإسلام.

تصريحات الكبار فى البلد حتى عندما تبدو ظاهريا تتسامح مع الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام تنسى أن نِصْف العالم يدين بالهندوسية والبوذية والكونفوشيستية وغيرها، فهل نعادى هؤلاء باعتبارهم أصحاب ديانات غير سماوية؟ علينا إدراك أن المعركة ثقافية بالدرجة الأولى.. لا أحد يستطيع أن يحدد حجم المقاطعة لو أننا فتحنا الباب فلن نترك شيئا، لا فيلم ولا غذاء ولا دواء أوروبى ولا أمريكى ولا مهرجان نقيمه على أرضنا ولا مهرجانات تُقام فى أمريكا وأوروبا.. الفرصة المتاحة أمامنا هى فى الاقتحام، أن نصل إلى الآخر ونصحح المفاهيم الخاطئة التى تسكن فى عقول الغرب عن الدين الإسلامى الذى يصفه الغرب بالعنف وبتلك النظرة المتدنية للمرأة ونكتشف أن هناك من يناضل فى لجنة الدستور من أجل تصغير سن زواج الفتاة إلى 9 سنوات.. هل هذا هو الإسلام أم أن البعض ممن ينتسبون إلى الدين لا يدركون حقيقة عظمة الإسلام فلا يتبقى إلا تلك التُرَّهات؟

المعركة ممتدة، نستخدم فيها الكتاب والفيلم والبرنامج لكى نصل إلى العالم.. إذا نجحنا فى تقديم الصورة الصحيحة فسوف نكسب قضيتنا، لا مصادرة ولا مقاطعة ولا اغتيال.. نحن لا نعيش فى عالم مثالى وعلينا أن نقتحم ونشتبك وننتصر ثقافيا وفنيا وفكريا.

التحرير المصرية في

02/10/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)