حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

لا يحق للنظام أن يعاقب الشعب المطيع لأنه قال لا للمرة الأولى

نبيل المالح: الناس منقسمون لكنهم نسوا سوريا

يوسف عكاوي (دبي)

 

المخرج السينمائي السوري نبيل المالح، هو الأكثر غزارة من بين المخرجين السوريين، ومع ذلك يرى أن ما أنجزه لا يساوي عشرة بالمئة مما حلم بإنجازه. لكن المالح يقع خارج تلك الخاصية السينمائية السورية، إذ غالباً ما يقضي المخرج حياته في إنتاج فيلم أو اثنين. لكن ليست هذه ميزته الوحيدة، فهو يقول إنه رغم كل الجوائز التي حظي بها، ظل السينمائي المبعد عن المؤسسة طوال اربعين عاما. فهل كان لذلك علاقة بالسياسة؟ هنا يتحدث المخرج عن أفلامه كمواقف سينمائية ـ سياسية، تؤكدها الثورة السورية التي اندلعت منذ عام ونيف، كما يتحدث عن موقفه من النظام والثورة، وأسباب مغادرته للبلاد.

·        لماذا أنت في دبي الآن؟

} أحسست أن الجو مقبل على مزيد من التوتر، وأنا بحاجة لأن أكتب وأرى الأمور عن بعد. ثم إنني لا أريد أن أكون شاهداً على دمار، لا طاقة لي على تحمل ما يجري.

·        ألم يكن ذلك نتيجة لتعرضك لمضايقات؟

} لا. ولكن حين وصلت إلى دبي كانت نشرة الأخبار المسائية تورد نبأ اعتقالي. يبدو لي أن الجو كان سائراً بهذا الاتجاه.

·        هل فوجئت بمجريات الثورة؟

} الجميع يعرف أن البداية كانت سلمية، وكانت المطالب هي الكرامة والحرية، وذلك بعد سنوات طويلة من القمع والقهر وتعديات النظام. كان هناك أمل في البدايات بأن تتم لملمة الأمور بالحوار الوطني، ولكن ردة فعل السلطة كانت أعنف، وجاء الحل الأمني مبكراً كشيء مضمون، وحينما فكرت السلطة بالحوار الوطني كانت الأمور قد تأخرت.

لا أخفي سراً أنني اقترحت قناة تلفزيونية للحوار الوطني قوبلت بالموافقة، ولكن يبدو أن هناك جهات لم يكن يعنيها هذا الاقتراح، فوقفت ضده أو تجاهلته. كنت أرسلت محتوى هذه القناة والسبل التقنية لتنفيذها خلال خمسة أيام، وحينما جاء الضوء الأخضر اتصلت بكل المعارضة في الداخل والخارج، والكل أبدى حماساً وكان الجميع جاهزاً للحوار. الكل كان ذاهباً لاحتواء الحالة وبدء مرحلة جديدة، لكن تم تجاهل كل ذلك وبدأ حمام الدم والقتل، وتزايدت المظاهرات وكسرت الرموز التي لم تكن تمس.

بعد أربعة أشهر من ذلك تمت الدعوة إلى حوار وطني الذي أداره فاروق الشرع، ولكن الوقت كان قد تأخر، ومن كان قد قبل بالحوار رفض تالياً، وكان الشارع تهيج إلى حد كبير ودخل في حالة الدفاع عن النفس وتطورت الأمور بحيث تسلح من تسلح، وأنا كنت شاهد عيان على مجابهات عقيمة حيث كنت مرة في باب توما وكان هناك عسكر ذاهبون إلى الغوطة مدججون بالسلاح وذاهبون إلى حالة قمعية نارية صدمت صدمة قوية، ورأيت أن الفعل العنيف للسلطة بدأ يسقط رموزاً، والأشياء التي لم يحكها الناس حكوها، وانكسر حاجز الخوف وهذا ما طور الأمور وأوصلنا إلى حالة الدمار لبلد من أجمل البلدان.

·        ما المحتوى المفترض لتلك القناة التلفزيونية؟

} قناة لا يوجد فيها خطوط حمراء، وتطرح الأمور للنقاش العام، لا أحد فيها ممنوع من الكلام.

·        ما كانت توقعاتك؟

} أنا فوجئت بالشكل الذي وصلت إليه الثورة، ولكن من يعرف القمع والغضب والخوف التي أوصلت الناس إلى الذروة يدرك شرعية الحراك الشعبي. كذلك فإن الثورات كانت معدية. معروف أن الشعب السوري مرن، وكان للقيادة بشخص الرئيس شعبية معينة لا ينكرها المرء، وكان يمكن احتواء الأمور. ولكن بحياتي لم أتصور أن تصل السلطة إلى هذا المستوى من القمع القاسي والشرس. أعترف أن الشعب السوري على مدى أربعين سنة هو شعب مطيع، ممنوع عليه التظاهر، وإذا قيل له اخرج بمسيرة مؤيدة لا يمانع، يعني أربعون عاماً من الامتثال للنظام ونحن نعرف كمية الفساد والنهب، وبالتالي لا يحق للنظام أن يعاقب هذا الشعب رغم طاعته كل هذا الوقت عندما يقول للمرة الأولى لا بهذه الطريقة. كان مفاجئاً للعالم كله أن يدمر البلد. والآن أرى المستقبل بشكل معتم كيفما جرت الأمور. كيف يمكن أن تعيد بناء النسيج السوري الاستثنائي بعدما تم تخريبه؟ أن يدمر البلد على هذه الشاكلة أمر لن ينسى لقرون، وما يؤسفني أن الفرصة أتيحت للسلطة أن تتصرف بشكل مختلف.

في البداية قلت يجب أن يطالب الشعب والرئيس بإسقاط النظام ، فإذا هو رأس النظام الذي نريد أن نزيله، ولذلك أنا حزين جداً.

تجاهل الأبطال

·        هل شاركت في المظاهرات؟ هل كنت على تماس معها؟

} لا، لم أشارك، فردود فعل السلطة كانت قاسية جداً، ولا أنسى ما جرى مع (الممثلة) مي سكاف وآخرين. وأعتقد أن موقعي ليس في المظاهرات أنا منذ 40 سنة أشتغل على قول كلمة لا.

لم يحصل أن كنت على تماس مع المظاهرات ولو بالصدفة. حينما رأيت ما فعلوه عبر الموبايل في نقل الحدث شعرت بأننا في عالم جديد ومختلف وأن الحدث اليومي أكبر من كل الكلام. الصورة فيها أشياء رائعة ومأساوية.

أنا معجب بهؤلاء الثوار والمتظاهرين، لكن ما يشغلني في هذه الأيام من ينقل صورة الحدث، الكل يريد أن يظهر في نشرة الأخبار ولكن هناك تجاهلاً لمصير الأبطال الحقيقين؛ النساء اللواتي يبحثن عن طعام لأولادهن، وأولئك الذين بآخر عمرهم فقدوا كل ما يملكون. السوري صاحب الكرامة والشهامة الآن يبحث عن الملجأ والأمان. هذا لم يتم تغطيته ولم نره في العمل الإعلامي، وهذا يشعرني بالمهانة التي وصلنا إليها. من الذي أوصل الناس لأن تدمر بيوتهم؟

·        هل كان هنالك دور للسينمائيين؟

} هناك أناس أشجع مني، ما أرسل على الموبايل أشجع وأكثر تأثيراً، ولا أستطيع أن أتحداه. أنا أعمل على مصائر البشر ويجب أن أنأى قليلاً حتى أرى الصورة كاملة. هناك فنانون أخذوا مواقف، لكن المحزن أن الناس منقسمون إلى موالاة ومعارضة ونسوا الشيء الأساسي الذي هو سوريا.

السينما بمعناها السينمائي لا دور لها، الدور الآن هو لتغطية الأحداث. كل الأعمال السينمائية العظيمة عن الحروب كانت تأتي في ما بعد. استطاع السينمائيون أن يقدموا الصورة بمفهومها الشامل لا الجزئي، السينما تحتاج إلى دراسة وفهم عميق ورؤية شمولية.

·        هل أملت عليك الثورة فكرة أو موضوعا؟

} أنا أعمل على فيلم سينمائي ملحمي، وأشتغل على السيناريو الآن، وأستطيع أن أفخر به. كنت قد أنجزت فيلماً منذ أربع سنوات بعنوان «عالشام عالشام»، ومنع من العرض، وهو يحكي عن الهجرة من الريف إلى المدينة، وفيه نكتشف من هم وقود الثورة ولماذا الثورة نتيجة حتمية.

الفيلم الذي أعمل عليه الآن يتناول حياة إنسان عاش الأربعين سنة الماضية. ترى في الفيلم سوريا في مراحل معينة، ترى عناصر داخلية في المجتمع والنظام السوري بحيث لا يمكن أن يكون هناك نتيجة إلا الثورة، الثورة ليست حدثاً مدبراً وإنما نتيجة حتمية.

·        هل جعلتك الثورة ترى أعمالك بعين أخرى؟

} بل كرست لي نظرتي لما عملت. أنا كنت دائماً مبعداً، ولكنهم كانوا مضطرين للتعامل معي، فيبدو أنني سينمائي جيد، وأنني قدمت لسوريا أشياء لها خصوصية، أنظر باحترام لما أنجزت عبر أربعين عاما، وأرى بأن في أفلامي مواقف سياسية. دائماً كنت أعرف أنني مسيس، وطوال عمري أعتبر أن هناك وحشا غامضاً، هو تركيبة سلطوية تقف في وجه البلد وطبيعته الانسانية. منذ صغري حين كنت أكتب في الصحافة في عمر الثانية عشرة كان لي موقفي السياسي الواضح، وحتى الآن.

السينمائي ليس عالماً مغلقاً على نفسه، بل مفتوح على أشكال ووسائل التعبير. حاولت أن أجدد ضمن الممكن ، كثير من الأعمال كان لأول مرة في تاريخ السينما العربية وربما العالمية، فمثلاً لنعد إلى فيلم مبكر هو «إكليل الشوك» وهو عن القضية الفلسطينية، لأول مرة تستخدم فيه مقاطع بالألوان ضمن الأبيض والأسود (سبيلبيرغ عمل ذلك بعد سنوات)... لأول مرة يتم جمع المادة الوثائقية بنسيج روائي. «اكليل الشوك» دراما تمتزج بالوثيقة، هو عن مخيمات الفلسطينيين عقب حرب 67، وهو موجود بنسخة مدمرة في المؤسسة التي لم تحافظ على الأفلام، وكذلك فيلم «الفهد». النيغاتيف الأصل يفترض أن لا يمس ويجب أن يعمل عنه نسخ. فيلم «الفهد» صار من كلاسيكيات السينما لكن أصوله دمرت. «الفهد» فيه بناء سردي خاص، حيث الحس الجمعي مع الحس الفردي جعله ذا بنية غير مسبوقة.

فيلم «نابالم»، وطوله 90 ثانية أثار العالم، كان جديداً كلياً على مستوى الشكل الفني، وهو اعلان فني ساخر (إعلان عن قنابل) يختصر بدقيقة ونصف السياسة العالمية، هذا هو الابتكار الذي لم يعمله أحد.

·        إذاً فالمؤسسة لم تقم بأبسط واجباتها اتجاه الأفلام؟

} نهائياً. أحياناً هناك ألاعيب من قبل أن أدعى إلى مهرجانات فيعمدون إلى عدم إبلاغي بها، أو تُطلب أفلام ولا يرسلونها. أنا السينمائي الوحيد المبعد من قبل المؤسسة على مدى أربعين عاماً. وإذا حدث أن شاركوا بأفلامي في مهرجانات وتظاهرات سينمائية فذلك يحدث من دوني، علماً انني أنا من حصل على أكبر عدد من الجوائز. هذا جزء من ذاكرة الحزن السوري.

·        هل استطعت أن تعمل كل الأفلام التي أردت أن تعملها؟

} لم أنجز سوى عشرة بالمئة مما أريد. ولكن لدي إحساس بأني رغم العمر يمكن أن أبدأ من جديد، العالم متجدد وأنا مستعد للتجدد معه.

·        اثمرت الثورة عدداً من الأفلام الوثائقية كيف نظرت إليها؟

} أحترم ذلك، وهذا أمر مهم، لكن يبدو أن الصيغة السينمائية لم تنضج، نضجت صيغة الربيورتاج السينمائي الذي لا يملك تكامل الحالة السينمائية، ولكن ذلك عظيم ويعمل إضافة لذاكرتنا.

·        برأيك لماذا هذا الانقسام حول الثورة السورية بين المثقفين؟

} باعتقادي السينما موقف. والحياة موقف. كثير من السينمائيين متوافقين لأنهم مستفيدون، ما يجمعهم، وهذا شيء محزن، قلة الموهبة. في العشر سنوات الأخيرة لم يظهر فيلم مهم في السينما السورية وهذا يدل على تدجين. السينمائي الذي لديه موقف من الثورة عملياً لديه موقف من فنه كلياً. أحزن من أجلهم لأنهم ضيعوا فرصة الإمساك بهذا المفصل التاريخي. كثر يقفون الآن على الرصيف وسيبقون في الأيام القادمة على الرصيف.

·        أين كنت من البيانين؟ أعني «نداء السينمائيين»، و«بيان سينمائيي الداخل»؟

} لا أعرف الاثنين. الأمور لم تعد ببيان. كثير من الأشياء فاقدة للبوصلة. التاريخ لا يتوقف ولا يمكن تغطية الجرائم بالماكياج. لكنني أقدر أن كثيراً من الناس خائفين على لقمة العيش. الفنان الحقيقي غير مقيد بل أكبر من السلطات. ولكن أحترم الجميع على كل حال.

·        قلت لم تر سينما سورية في السنوات العشر الأخيرة؟ ماذا عمّا قبلها؟

} هناك معالم مهمة في السينما السورية. السينما ليس سرد حكاية. الحكواتي المعاصر هو التلفزيون. نحن بلد صغير، لا نستطيع أن نعمل إنتاجات ضخمة كهوليوود، فما الذي يضعنا على الخريطة خصوصيتنا. مجرد الدخول في المعادلات التقليدية على غرار الحكواتي سأكون رقماً ضمن أفلام كثيرة لا مكان لها. هذه الخصوصية لم تتشكل في السينما السورية، والسبب هو غياب حرية التعبير، ثم قصر النظر للمؤسسات الممولة ثم قلة الموهبة. لا تستطيع بمليون دولار أن تصنع موهبة. في السنوات العشر الأخيرة الكل يدور في فلك الحكواتي.

لا أريد أن أدخل في ورطة التصنيف، والمحاباة. لا شك أن هناك أسماء عملت اضافات مهمة مثل قيس الزبيدي في فيلم «اليازرلي» ففيه جماليات خارقة، وقد تم إعدامه . فيلم «نجوم النهار»، «أحلام المدينة»، هناك شذرات مهمة في السينما السورية ولها حضور في المنطقة. المحزن أن التلفزيون قدم أعمالاً لافتة للنظر إن على مستوى الشكل الفني والسرد أهم. السينما منطقة أخرى تماما، وخاصة أننا نحن من دولة صغيرة لا يمكن أن نعمل بالأفكار الصغيرة.

جيل شاب

·        ما هو فيلمك الأحب؟

} هناك مجموعة من الأفلام، «الفهد» كمكانة في تاريخ السينما، «بقايا صور» حالة سينمائية، «الكومبارس» مساحة تعبير أحبها.

·     طالما لم تنتج لك «المؤسسة العامة للسينما» كيف كنت تتدبر أمر التمويل، وهل كان ذلك يؤثر على خياراتك على مستوى الشكل والموضوع؟

} لم تكن «المؤسسة العامة للسينما» بشكل عام الجهة المنتجة الوحيدة لأعمالي، فلقد استطعت عبر السنوات خلق مصادر تمويل أخرى، وكانت مجزية في الغالب، فلقد تعاملت مع جهات لبنانية (مسلسل حالات) ومع جهات سورية وليبية في سلاسل وثائقية سينمائية إضافة لفيلم «تاريخ حلم»، إضافة لأعمال عديدة مع أوروبا، بينها الفيلم الروائي الطويل مع بريطانيا «وليمة صيد» وفي الحقيقة فإن العديد من هذه الأعمال كانت من خياراتي وبأسلوبي الفكري وأنا أفخر بها من ناحيتي الشكل والموضوع، فمن المعروف أنني أكتب كل سيناريوهات أفلامي بأشكالها المختلفة، وحتى التلفزيونية (مسلسلات حالات - حكايا وخفايا - وأسمهان وغيرها)، ثم أنني تعاملت مع جهات رسمية أخرى كوزارة البيئة (درس في القتل) والريّ والتلفزيون السوري (شيخ الشباب) وأهم جهة كانت الهيئة السورية لشؤون الأسرة التي أتاحت لي فرصة إنجاز حوالي 15 فيلما (من بينها: «ع الشام ع الشام»، «الكريستال المقدس»، « باقة دمشقية»، « شهرزاد»، « في الظل»، وغيرها الكثير أعتبرها من الأهم في مسيرتي في مجال الفيلم الوثائقي وكانت فرصة لقراءة الواقع السوري من الداخل. كانت التجربة مع الهيئة السورية لشؤون الأسرة ( 2004-2007) هي الأكثر حرية وإبداعا مع جهة رسمية.

·        هل تعفي كل المتمولين من شبهة الانصياع لأجندة الممول؟

} تتفاوت شروط الإنتاج في سورية وفق مستوى المخرج والكاتب، فهنالك من الكتّاب من يعمل وفق مشروعه الإبداعي الشخصي، وآخرون يعملون بناء على الطلب والسوق، ولا شك أن أجندة الممول تلعب دورا (وهذا ما جعلني أبتعد بنفسي عن سوق الإنتاجات التلفزيونية) وغالبا ما يحدد الممول طلباته وفقا لسوق التوزيع. وأعترف (بكثير من الاحترام) أن عددا من الكتاب قد استطاع الخروج من هذه الدائرة الضاغطة وصنعوا دراما سورية طموحة وذات خصوصية أهّلتها للتفوق عربيا، ولا شك أن الجهات المنتجة السورية قد ساهمت بشجاعة في تقديم وتحقيق هذه الأعمال . هنالك حقا سوق رئيسية للمنتج التلفزيوني السوري في دول الخليج والسعودية، ولكن الأعمال التي أنتجت فرضت نفسها على المحطات بسبب مصداقيتها وشجاعتها وغيّرت الشروط الرقابية التقليدية.

·        هل من امثلة؟

} كل ما كتبه نجيب نصير وحسن سامي يوسف، وفادي القوشقجي وفؤاد حميرة وعدد آخر من الكتّاب الشجعان والحقيقيين.

·        هل تعتقد أن مؤسسة السينما تظل إطاراً صالحاً للإنتاج بعد الثورة؟

} يعتبر استحداث «المؤسسة العامة للسينما» في الستينيات واحدا من أهم الأحداث الثقافية في عالمنا العربي، إذ تواجد فيها الحلم بوجود منصة إبداعية حرّة، واستطاعت في بداية السبعينيات أن تشكّل فارقا في المشهد الثقافي. ولكن السلطة اكتشفت آنذاك أن هذه المؤسسة ستكون عبئا على المنظور الثقافي المغلق للسلطة، وأنها ستشكل تجاوزا للخطوط الحمراء، فسارعت إلى تطويقها بإدارات منصاعة انصياعا كاملا بل ومنفذة للخطاب السياسي للـسلطة بكل ضــيقه وحدوده.

أنا مؤمن بجيل شاب جديد من السينمائيين الذين يستطيعون أن يتقدموا بالسينما السورية إلى آفاق جديدة، وستبقى المؤسسة إطارا صالحا للإنتاج بعد الثورة في حال استعادت حريتها من السلطة ومن الوصوليين والفاسدين و(شبيحة الثقافة) القائمين عليها الآن.

وجود مؤسسة السينما ضرورة حيوية من أجل قراءة القادم الحرّ المبدع والمتعدد الوجوه في هذا الوطن.

·        الأفضلية عندك للفيلم الدرامي الروائي أم التسجيلي؟

} لكل من المنهجين جمالياته وأهميته، فمثلا يستهويني الفيلم التسجيلي لعدد من الأسباب، أولها إبقاء علاقتي متجددة بالواقع المعاش للبشر إضافة إلى إمكانية التجريب اللانهائية في الشكل السينمائي، وكل ذلك إلى جانب قدرة الفيلم التسجيلي على التعبير السياسي والاجتماعي الواضح والدقيق، وأنا لم أكن لأستطيع أن أصنع أفلاما روائية جيدة لولا خبرتي في التسجيلي، فالبشر والأماكن والأحداث تكون قادمة من أرضية صلبة وواضحة.

السفير اللبنانية في

05/10/2012

 

المهرجان السينمائي الدولي لأفلام المرأة…

كتب: القاهرة - مصطفى ياسين  

شكلت قضايا المرأة بوجوهها المختلفة محور «المهرجان السينمائي الدولي لأفلام المرأة» الذي عقد على مدى أسبوع في مدينة سلا المغربية (يطلق عليها مدينة القراصنة)، وتميّز بمشاركة 12 فيلماً من أنحاء أوروبا والبلاد العربية والمغرب العربي، بما فيها مصر التي لم تحصد أي جائزة بل مجرد تنويه من لجنة التحكيم، فيما نال «أندرومان من دم وفحم» جائزة لجنة التحكيم.

مشاهد سينمائية لا تنقصها الإثارة ولا تبتعد عنها الجاذبية ولا تختفي منها الحبكة الدرامية التي تشدك وتمتعك، اجتمعت كلها في أفلام: «أندرومان من دم وفحم» (المغرب)، «أسماء»(مصر)، «أطفال سراييفو» (البوسنة)، «هانيزو» (اليابان)، «أنكريد جونكر» (هولندا)، «الطريق الأخير» (أميركا)، «الحب ولا شيء غيره» (ألمانيا)، «سر الطفلة النملة» (فرنسا)، «طفل الأعالي» (سويسرا)، «بورتريه للشفق» (روسيا)، «رانيا» (البرازيل)، «فيوليتا صعدت إلى السماء» (شيلي).

ترأست أرونا فاسوديف (إحدى أبرز الشخصيات في السينما الآسيوية ومؤسسة «مهرجان السينما الآسيوية» في نيودلهي) لجنة التحكيم التي ضمت: الفنانة المصرية عبير صبري، الممثلة الإيرانية فاطمة معتمد، المخرجة والمنتجة فانتا ريجينا ناكرو من بوركينا فاسو، المخرجة أوني لوكونت من كوريا الجنوبية، المخرجة مريم ميزيير من فرنسا، المخرجة المغربية سلمى بركاش.

كرّم المهرجان في حفلة الافتتاح المنتجة المغربية الراحلة نزهة الإدريسي مؤسسة «مهرجان أغادير الدولي للفيلم الوثائقي»، والفنانة تيسير فهمي، كذلك عرض فيلم «ألمانيا» للمخرجة التركية ياسمين شمردل (إنتاج 2011) المتمحور حول قضية الهوية العربية والإسلامية من خلال أسرة تهاجر إلى ألمانيا.
وفي حفلة الختام، كرّم المهرجان الفنانة المغربية أمينة رشيد والممثلة والناشطة الحقوقية الإيرانية فاطمة معتمد، التي حازت أكثر من 80 جائزة في مهرجانات دولية مرموقة.

في حي شعبي

أجمل ما في مهرجان سلا إقامة حفلتي الافتتاح والختام وعروضه السينمائية في قاعة سينما هوليوود في حي «كريمة» الشعبي في المدينة، حيث شارك أهالي الحي في احتفالية كانت بمثابة عرس سينمائي سنوي.

ومن الأفلام التي حازت نصيب الأسد في دورة هذا العام: «أندرومان من دم وفحم» للمخرج عز العرب العلوي الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم مناصفة مع الفيلم الشيلي «فيوليتا صعدت إلى السماء» للمخرج أندريس وود، وكان أندرومان فاز أخيراً بجائزة أفضل ممثلة في الدورة الأخيرة لمهرجان الإسكندرية السينمائي.

الفيلم تحفة فنية سينمائية، ويبدو كأنه ملحمة أسطورية يناقش فيها قضية قهر المرأة. تدور الأحداث في إحدى قرى الأطلسي وتتمحور حول رجل لم يحتمل أن يرزق ببنت، فقرر إخفاء الأمر عن القبيلة وإخفاء شخصية ابنته في ثياب ولد حفاظاً على مصالحه، ولكن الخدعة تنكشف عندما تكبر الطفلة وتقع في غرام أحد شباب القبيلة.

ورغم عبقرية الصورة والموسيقى والأداء التمثيلي لنجوم الفيلم فإنه صُوِّر بإمكانات هزيلة، باعتراف مخرجه ( وهو بالمناسبة فيلمه الروائي الأول)، وفي ظل ظروف مناخية صعبة للغاية.

بعد استلامه الجائزة، انتزع عز العلوي في كلمته تصفيق الحضور عندما أهدى جائزته للمسلمين الذين طاولتهم الإساءة والعنصرية من الفيلم المسيء للرسول الكريم.

جوائز

كانت الجائزة الكبرى في المهرجان من نصيب الفيلم الياباني «هانيزو» للمخرج ناوومي كواس، تدور أحداثه في منطقة أوزاكا حيث تعيش امرأة مع زوجها حياة هادئة إلى أن تقع في غرام رجل آخر وتكتشف معه متعة الحياة، وحين تجد نفسها حاملاً منه تقرر تغيير حياتها بالكامل وتحقق أحلامها الضائعة.

كذلك فاز الفيلم الروسي «بورتريه للشفق» بجائزة أفضل سيناريو، يتمحور حول تعرض طبيبة نفسية متخصصة في معالجة الأطفال للاغتصاب من أحد رجال الشرطة، فلم يعد لها سوى هاجس واحد هو الانتقام منه إلا أنها تقع في حبه (الفكرة نفسها تناولها الأديب الراحل الدكتور طه حسين في رائعته السينمائية «دعاء الكروان»).

نال الطفل كاسي كلين جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم «طفل الأعالي» للمخرجة أورسولا ميير، وتدور أحداثه في إحدى مناطق التزحلق على الجليد في سويسرا حيث اعتاد طفل في الثانية عشرة من عمره سرقة المزلاجات ومعدات السياح الأغنياء وبيعها إلى أبناء الحي الذي يسكن فيه، ويحصل مقابل ذلك على أموال يعيش بها مع شقيقته الوحيدة.

أما جائزة أفضل ممثلة فكانت من نصيب الهولندية كاريس فان عن فيلم «أنغريد جونكر» الذي يدور حول امرأة تناضل لأجل الحرية والعدالة وتعيش قصة حب تغير مجرى حياتها.

أما الفيلم المصري «أسماء» فحصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم من دون أن يحصل على أي جوائز، بالإضافة إلى أنه لم يحضر أي فنان من فريق العمل بعد اعتذار كل من: هند صبري لسفرها وماجد الكدواني لانشغاله بمسرحية «في بيتنا شبح» والمخرج عمرو سلامة لانشغاله بتجهيز فيلمه الجديد.

السينما المستقلة

إحدى أبرز الفاعليات التي أقيمت على هامش المهرجان الاحتفاء بالسينما الأرجنتينية كضيف شرف من خلال بانوراما عرضت فيها أفلام: «سماء صغيرة»، «آخر صيف»، «الخطيئة التائهة»، {لاسييناكا».

يأتي هذا الاحتفال بالسينما الأرجنتينية لأسباب من بينها: زيادة الإنتاج السينمائي الذي بلغ 54 فيلماً، بالإضافة إلى تطور التقنيّة ما يفرض ضرورة التعرف إلى ملامح هذه السينما التي يجهلها كثر.

في عنوان «نافذة على السينما المستقلة» عرضت أفلام: «بركات» (الجزائر) للمخرجة جميلة صحراوي، «مهما كان الثمن» (فرنسا) للمخرجة كلير سيمون، «القلوب إلى الأعلى» (بلجيكا) للمخرجة ماري فيرميار، «ليلى» (فرنسا) للمخرجة سولفيك أنسباش، «عندما يصعد البحر» (فرنسا) للمخرجة يولاند مورو.

كذلك أقيمت عروض خاصة لأفلام: «حياة الآخرين» للمخرجة المغربية بشرى بلواد، «الورود السوداء» للمخرجة الفرنسية هيلين ميلانو، «مناضلات» للمخرجة التونسية سونيا شمخي.

واستضاف المهرجان المخرج أسامة فوزي الذي ألقى محاضرة تحدث فيها عن كيفية صناعة سينما راقية بأقل تكاليف، ودارت مناقشات معه ومع الشباب الذين يهتمون بالسينما المغربية. كذلك نُظمت ندوة «المرأة والربيع العربي» تحدثت فيها تيسير فهمي عن تجربتها السياسية من خلال حزبها السياسي.

الجريدة الكويتية في

05/10/2012

 

فجر يوم جديد: ما هكذا توردُ الإبلُ

مجدي الطيب 

فور أن يُغيب الموت فناناً من أصحاب الحظوة، والموهبة والعطاء، تُسارع الصحف إلى دبج المقالات التي تتغنى بمآثره، والرصيد العظيم الذي تركه، والخسارة الفادحة التي تنتظرنا في أعقاب رحيله. وقتها، وباستثناء اسم «الفقيد» الذي يتغير، تكاد تتكرر الكلمات نفسها والمصطلحات والعبارات من عينة: «فقدت مصر والأمة العربية رمزاً من الرموز المضيئة في تاريخ السينما العربية… رحل أهم فناني جيله… صاحب الحضور الطاغي والملحمة المليئة بالنجاحات التي يصعب تكرارها في الزمن الحالي. رحل فريد عصره وعلامته الفارقة… عُرف بالتزامه وكان مثالاً يُحتذى وبطلاً تراجيدياً ما زالت صورته كإنسان وفنان موشومة في قلوب محبيه».

تفعل الصحف ذلك، وتجاريها وسائل الإعلام كافة، في حال كان «الفقيد» ذائع الصيت وكبير القيمة والمكانة، بينما يمر الموقف بهدوء مخز إذا كان الأمر يتصل برحيل فنان ينتمي إلى طبقة المهمشين؛ إذ يكفيه خبر لا يتجاوز السطور في مكان منزو في جريدة متواضعة ومهجورة.

في أحيان كثيرة، وددت لو أن الظروف أتاحت للفنان «الراحل» قراءة بعض ما كتب عنه من قصائد مديح وإطراء في حياته، بدلاً من أن تنعيه لأهله ومحبيه بعد أن وري الثرى؛ فأكبر الظن أن كلمات الثناء التي أشرنا إليها في السطور الأولى كانت ستنعكس إيجاباً على الحالة النفسانية للفنان، وهو في عزلة المرض أو الزهد نتيجة اليأس من تراجع العروض وضياع البريق، على عكس ما يحدث الآن من تجاهل قاتل يُعجل بالموت، ويدفع الفنان إلى إبداء الندم على العمر الذي ضيعه في مجال أهدر كرامته، ولم يحفظ ماء وجهه قبل أن يلفظ النفس الأخير.

في كل الأحوال، ينبغي أن تختلف نظرتنا لتكريم موتانا من المبدعين السينمائيين، وبدلاً من أن ننعيهم بالكلمات التي لا تُسمن ولا تُغني عن جوع، علينا أن نكرم منجزهم بتنظيم الأسابيع السينمائية التي تعرض أفلامهم، وعقد الندوات التي تعمل على تقييم موهبتهم، وتقدير حجم ما قدموه من عطاء للمهنة والمجتمع. والأهم، أن نجمع تراثهم ونبادر بترميم التالف والهالك منه، وليتنا ننجح في حثّ الكتّاب والنقاد على توظيف ملكاتهم لرصد مسيرة الراحلين، والإسهام في نشر الكتب التي تقيس حجم ما كانوا يتمتعون به من قدرة على الإبداع.

هكذا يُكرم الفنان عقب رحيله عن دنيانا، بدلاً من الإشادة به لحظة الرحيل، وتأبينه في ذكرى الأربعين، ثم يطويه النسيان طوال السنين. فأين نحن اليوم من فريد شوقي ورشدي أباظة وأحمد زكي وسعاد حسني وغيرهم من الفنانين العظام الذين كانوا ملء السمع والبصر ثم انصرفنا عنهم، وأودعناهم الصندوق الأسود المسمى «الذاكرة».

لقد قيل الكثير عن نجومنا، عندما كانت دماؤهم الطاهرة ما زالت ساخنة، وتسابقنا للحديث عن مآثرهم ومناقبهم، ونحن نحمل نعوشهم إلى قبورهم، ومع الدموع التي ذرفناها عليهم، انطلقت الوعود بإطلاق أسمائهم على الشوارع التي قطنوها، فضلاً عن المسارح وقاعات المحاضرات في معاهد السينما، والأكاديميات التي شهدت ميلادهم، وبالغ البعض بالدعوة إلى إقامة تماثيل لهم في الشوارع والميادين، التي عاصرت تألقهم، وبمجرد أن تبرد الدماء وينتهي السامر، وينفض غبار الحزن، الذي يولد كبيراً ويصغر مع الأيام والأعوام إلى أن يتلاشى، ننسى الوعود البراقة وتعود الحياة إلى دورتها الطبيعية، وربما لا نتذكر قراءة الفاتحة على أرواحهم.

على الجانب الآخر من عالمنا، ابتكروا في هوليوود طريقة فريدة للاحتفاء بالنجوم وتخليد ذكرى المشاهير، بأن حفروا على الرصيف الجانبي لما يُعرف اليوم باسم «ممشى المشاهير في هوليوود» نجوماً خماسية تحمل أسماءهم، ورموزاً تُشير إلى مجال تميزهم في السينما والتلفزيون والإذاعة والمسرح والعروض الموسيقية والغنائية الحية، فضلاً عن كتاب الأغاني. ولم يقتصر التخليد على الراحلين، بل كان للأحياء نصيب من التكريم، ومن ثم تحول «ممشى المشاهير» تدريجاً إلى مزار يرتاده المحبون والمعجبون ليضعوا باقات الورود أو يُشعلوا الشموع، في ذكرى رحيل النجم.

ما أحوجنا إلى هذا التقليد الإنساني الجميل كأسلوب حياة، ووسيلة لتكريم نجومنا ومشاهيرنا… وما أكثر شوارعنا التي تصلح لأن تتحول إلى «ممشى».

«ما هكذا توردُ الإبلُ» مثل عربي قديم يُضرب لمن قصر في الأمر أو في طلبه أو لم يقم بأداء واجبه حيال ما هو مُكلف به أو ما هو مسؤول عنه، وأكبر الظن أننا في حاجة إلى إعادة النظر في كثير من أمورنا الحياتية لنتدارك أخطاء ارتكبناها، ومن بينها تقصيرنا في حقوق نجومنا الراحلين… والأحياء على حد سواء.

magditayeb@yahoo.com

الجريدة الكويتية في

05/10/2012

 

محاولة للرد علي السؤال الصعب

حرب أكتوبر مازالت ممنوعة من »العبور« إلي شاشة السينما ..لماذا ؟

تحقيق :  مصطفى حمدى  

الرصاصة لا تزال في جيبي و» بدور « و العمر لحظة« و»الوفاء العظيم « وحتي آخر العمر« .. وغيرها أفلام وثقت حرب أكتوبر المجيدة في تاريخ السينما المصرية وذاكرة المشاهد العربي الذي يستعيد ذكريات النصر كلما أعيد عرض تلك الأعمال علي شاشات المحطات التليفزيونية والفضائية، ولكن مع مرور ٩٣ عاماً علي النصر المجيد توقفت عقارب الزمن أمام هذه الأعمال ولم تنتج السينما المصرية أي أعمال جديدة خلال العقدين الأخيرين لتنعش ذاكرة الأجيال بالنصر المجيد ويظل السؤال يطرح نفسه كل عام.. لماذا تجاهلت السينما المصرية نصر أكتوبر طوال السنوات الماضية؟ هل هناك عائق حقيقي يقف أمام ظهور أفلام جديدة عن حرب ٣٧٩١ أم أن صناع السينما فرضوا مقاييسهم التجارية للدرجة التي جعلت تلك النوعية من الأفلام أشبه بالمحرمات؟ »أخبار اليوم« تبحث عن إجابة السؤال في هذا التحقيق.

المخرجون :  نتمني تقديم فيلم عن النصر لكن جهات الإنتاج لم تتحمس

المؤلفـــون: غياب المعلومات والوثائق أجهض المشروع

٩٣ عاماً مرت علي حرب أكتوبر المجيدة إلا أن عدد الأفلام التي تناولت ذلك النصر العظيم لم تتجاوز الخمسة أفلام تقريباً وكلها أنتجت في حقبة السبعينيات حتي فيلم »حائط البطولات« الذي أنتجه التليفزيون في منتصف التسعينيات لم يظهر إلي النور بفعل فاعل ولا أحد يعلم مصيره حتي الآن.

لماذا لا تقبل السينما المصرية علي تقديم أعمال عن حرب أكتوبر؟

ــ يجيب عن السؤال المخرج الكبير علي عبدالخالق موضحاً أن المعايير التي تحكم السوق السينمائية هي السبب حيث يقول: عقب حرب ٣٧ كان هناك حماس كبير لدي صناع السينما لتناول المعركة المجيدة في أعمال سينمائية تخلد هذا النصر وبالفعل ظهرت مجموعة من الأعمال التي تمثل روائع فنية ولكن مع مرور الوقت بدأت معايير السينما تتغير ومرت السينما بأزمة صناعة خلال فترة الثمانينيات وأدت هذه الأزمة لتغيير الكثير من المفاهيم وبعدها حدث تحول في شكل السينما بظهور جيد الشباب.

ويضيف عبدالخالق: هذه التحولات والتقلبات أدت إلي تجاهل بعض الأحداث المهمة في تاريخنا فنياً وبدأ المنتجون والمؤلفون والمخرجون يسعون إلي الأعمال التي تتناسب مع رغبات الجمهور الجديد رغم أن تقديم فيلم عن حرب أكتوبر لا يعد بعيداً عن ذوق الجمهور لأننا لو قدمنا قصة من واقع الحرب بشكل درامي إنساني سيقبل عليها المشاهد ولكن الأزمة الثانية هي حاجة هذه النوعية من الأفلام إلي ميزانية ضخمة نظراً لوجود معارك في الأحداث وبالتالي سيخشي أي منتج الآن أن يضخ أموالاً ضخمة في فيلم لا يعلم ما إذا كان سينجح أم لا ولذلك يبقي الحل في تبني الدولة لإنتاج فيلم ضخم عن حرب أكتوبر.

المنتجون: الدولة أولي بإنتاج فيلم عن حرب أكتوبر

مطلوب حماس

ويري المخرج عمرو عرفة أن الحماس هو العنصر الأهم الغائب عن الفكرة حيث يفتقد أغلب العاملين في صناعة السينما إلي الحماس لإنتاج فيلم يؤرخ حرب أكتوبر المجيدة في ظل المتغيرات التي طرأت علي ساحة السينما.

ويقول عرفة: في ظل التقنيات التي شهدتها السينما خلال السنوات الأخيرة يبدو إنتاج فيلم عن أكتوبر أمراً سهلاً مقارنة بالماضي.. صحيح أن أعمال الجرافيتي التي ستستخدم ستسهل المهمة إلا أنها بالطبع مكلفة ولكن في الواقع التكلفة لن تكون أضخم بكثير مما هو متوقع خاصة أننا شاهدنا أفلاماً تبلغ ميزانيتها ٠٦ و٠٧ مليون جنيه.

ويري عمرو عرفة أن الأمر لا يلقي علي عاتق المنتجين فقط بل المسئولية ملقاة علي الدولة أيضاً حيث يقول: كان هناك مشروع تبنته وزارة الثقافة لإنتاج أفلام وكان من الأجدي أن يطرح مشروع عن حرب أكتوبر في هذه الخطة، كما أن الدولة مسئولة عن تذكير الأمة بهذا النصر وهي ككيان ومؤسسات أكبر بكثير من أي شركة إنتاج تسعي لعمل فيلم عن حرب ٣٧، كما أن الدولة ستضمن توافر كل التسهيلات المطلوبة لتقديم فيلم عن الحرب خاصة أن الجهات المعنية في كل المواقع ترفض تقديم التسهيلات اللازمة لأي فيلم فما بالك لو كان فيلماً عن حرب أكتوبر يحتاج إلي تصاريح وتسهيلات من مؤسسات مختلفة ابتداء من القوات المسلحة ووصولاً إلي أصغر الهيئات المعنية.

ويضيف عرفة: أنا كمخرج لو توافرت أمامي الإمكانيات ووجدت سيناريو جيدا ودعما من الجهات المعنية لن أتردد علي الفور في تقديم فيلم يخلد النصر العظيم فهذا بلا شك حلم لأي مخرج وشرف كبير نتمناه جميعاً.

ومن جانبه يري المخرج محمد بكير أن السوق السينمائية ظلت تفرض قيوداً علي العديد من الأفكار طوال السنوات الماضية وهو ما تسبب في تحجيم السينما بين عدد من الموضوعات التي لا تخرج عن إطار الكوميديا والأكشن والقليل من الأعمال الرومانسية ولكن الأفلام »الملحمية« مثلاً كانت بعيدة عن الخيال لأسباب إنتاجية فأغلب صناع السينما يخافون من دخول مغامرات إنتاجية مجهولة وحتي عندما انتعش السوق منذ ست سنوات ودخلت كيانات إنتاجية ضخمة أنفقت الملايين علي أجور النجوم في أعمال لا تخرج عن نفس القوالب ولم تثر المشاهد بموضوعات جديدة.

ويقول بكير: تقديم مشروع سينمائي عن حرب أكتوبر أمر وارد ولكن كثرة الحديث عنه وعدم تحقيقه علي أرض الواقع أدي إلي ملل الجمهور والمشاهد من كثرة سماعه أخبار ونداءات بضرورة إنتاج فيلم عن حرب أكتوبر ولا أحد يتحمس ولا أحد يسعي لتقديم فيلم بميزانية ضخمة وإنتاج متميز، ولهذا سيظل إنتاج هذا الفيلم مشروعاً مؤجلاً إلي أن تتحمس الدولة وكامل مؤسساتها لإنتاجه.

دراما ثرية

ويؤكد الكاتب والسيناريست محمد دياب أن تقديم فيلم عن حرب أكتوبر يتطلب معالجة درامية مختلفة بعيداً عن فكرة تقديم الحرب في قالب فني سينمائي فعلي سبيل المثال فيلم مثل »بيرل هاربر« كان قصة درامية وتم من خلالها تناول الحرب ورغم أن الجمهور انجذب للمعارك التي شهدها الفيلم إلا أن الدراما كانت حاضرة بقوة وكانت العنصر الأهم في الفيلم.

ويضيف دياب: فيلم مثل »الرصاصة لا تزال في جيبي« قدم رائعة درامية حول قصة حب ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالحرب وهذا وارد تقديمه الآن ولكن الأزمة أن هناك وثائق ومعلومات عن الحرب لم يتم الكشف عنها بعد وأي مؤلف هو في حاجة لتقديم الجديد والمختلف ولكن كيف سنكتب عملاً عن أكتوبر وليس لدينا معلومات كافية عن الحرب وتفاصيلها، كما أن حرب الاستنزاف مثلاً هي جزء من حرب أكتوبر ولا تتوافر عنها معلومات كافية لتقديم عمل فني موثق بشكل سليم.

ويري محمد دياب أن حرب أكتوبر تمثل دراما ثرية جداً فوراء كل جندي شارك في هذه المعركة قصة طويلة تصلح لفيلم خاصة أن كثيرين منهم عانوا اجتماعياً ونفسياً لسنوات طويلة ظلوا فيها علي الجبهة تاركين أسرهم وحياتهم ومستقبلهم من أجل تحرير الوطن واستعادة الأرض.

ويؤكد دياب أن السبب الرئيسي في تجاهل السينما لانتصار أكتوبر يعود إلي عدم حماس الجهات المسئولة والدولة لإنتاج هذا العمل، بالإضافة لخوف شركات الإنتاج من تكبد تكاليف ضخمة ولا تجد مساندة حقيقية من الدولة لإنتاج فيلم علي قدر وقيمة نصر أكتوبر المجيد.

موضوعات مختلفة

ويطالب المؤلف والمنتج محمد حفظي بضرورة إتاحة الفرصة لتقديم أعمال سينمائية عن حرب أكتوبر ولكن من زوايا جديدة حيث يقول: المؤلفون لديهم حماس لتقديم موضوعات جديدة ومختلفة وحرب أكتوبر مليئة بالحكايات والقصص التي يمكن أن تقدم زوايا مختلفة للحرب ولكن هناك عائقان تحديداً.. الأول هو عدم توافر المعلومات اللازمة فكثير من وثائق الحرب لم تظهر بعد ونحن لا نملك سوي ما عرض وقدم من قبل، أما الأزمة الثانية فتكمن في عدم وجود حماس ودعم حقيقي من الدولة لإنتاج فيلم ضخم عن حرب أكتوبر.

ويضيف حفظي: المسألة أصبحت معقدة فتقديم فيلم عن الحرب يحتاج لميزانية ضخمة والسينما الآن تمر بأزمة حقيقية والجمهور ربما لا يقبل علي هذا النوع من الأفلام، إضافة إلي أن تقديم فيلم عن الحرب يحتاج إلي تضافر وتعاون أكثر من شركة إنتاج وتعاون مؤسسات الدولة حتي توفر المعلومات والتصاريح والمعدات اللازمة وأماكن التصوير.

الدولة مسئولة

ويري المنتج الكبير محمد حسن رمزي أن الدولة هي المسئول الأول عن تقديم فيلم عن حرب أكتوبر حيث يقول: من المنتج الذي سيجرؤ علي خوض هذه التجربة وتحمل خسائرها، إن تقديم فيلم عن حرب أكتوبر هو واجب قومي ولكن الدولة أولي به وربما تتشارك مع القطاع الخاص الذي سيدعمها بخبراته ولكن تحمل منتج خاص الموضوع من أوله إلي آخره أمر صعب ولهذا لم يخرج للنور أي عمل عن الحرب طوال العشرين عاماً الماضية.

ويضيف رمزي: لدينا فرص ذهبية لتقديم فيلم عن حرب أكتوبر خاصة أن القيود التي كانت مفروضة من المفترض أنها الان غير موجودة ، كما أن الجهات المسئولة لابد أن توفر الدعم المادي والمعنوي لهذا المشروع وأتمني أن تتولي وزارة الإعلام هذا المشروع الضخم خاصة أننا كثيراً ما سمعنا عن أفلام تتناول حرب أكتوبر ولكنها لم تظهر للنور والآن رحل نظام سابق كان يفرض أفكاره ورغباته علي أي مشروع متعلق بالحرب والآن هناك نظام جديد وسننتظر موقفه من تقديم فيلم عن الحرب.

الرؤية السياسية غائبة

الناقد الكبير مصطفي درويش يري أن غياب الرؤية الفنية لفيلم عن حرب أكتوبر هو السبب الرئيسي في عدم ظهور أفلام عن نصر أكتوبر المجيد حيث يقول: الرؤية السياسية كانت غائبة عن الرؤية الفنية بدليل أن أي مشروع عن حرب أكتوبر كان لابد من فرض دور سلاح معين علي الأحداث والتأكيد علي أن الحرب لم تكن لتنجح لولا شخص ما وبالطبع المعني مفهوم.. وبكل صراحة لا ندري إلي متي تظل الرؤية السياسية غائبة عن تسجيل هذا النصر العظيم؟!

ويضيف درويش: الآن أصبحت الساحة مفتوحة لتناول بطولات القوات المسلحة بمختلف أسلحتها ورجالها وننتـظر أن نري ما ستقدمه الدولة أو الإنتاج الخاص لهذه الحرب وروائع السينما الأمريكية تتضمن أعمالاً كثيرة عن الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة حتي لو كانت هي الجاني ولكنهم بذلك يعيدون كتابة التاريخ بطريقتهم وأخشي ما أخشاه أن نفاجأ يوماً بعمل غربي يطمس تاريخ حرب أكتوبر ويحرفه لما يتفق مع وجهة نظر ورغبات الطرف الآخر بينما نحن مازلنا نسأل.. لماذا لم ننتج فيلماً عن حرب أكتوبر؟.

أخبار اليوم المصرية في

05/10/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)