حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان بيروت السينمائي افتتح أمس بـ"قصة ثواني"

هوفيك حبشيان

 

بعد دورة لم تكن سيئة، يعود مهرجان بيروت السينمائي (أو مهرجان بيروت الدولي للسينما في تسميته الرسمية)، بطبعة مقتضبة فرضتها الظروف الأمنية والاقتصادية والسياسية التي عرقلت ولا تزال تعرقل مسار هذا المهرجان منذ تولي كوليت نوفل ادارته. امس، رفع النقاب عن الدورة الثانية عشرة في "بلانيت أبراج" مع "قصة ثواني" للمخرجة اللبنانية لارا سابا، ويُختتم الخميس المقبل مع "لوبر" لراين جونسون. في الآتي، فيلمان جديران بالمشاهدة يعرضان في هذه الدورة.

"خلف التلال" لكريستيان مونجيو، يعزز فكرة الانغلاق ووحدة المكان التي هيمنت على افلام عدة من الدورة الأخيرة لمهرجان كانّ. البلجيكيان لوك وجان بيار داردين "تورطا" في هذا الفيلم الرصين، الذي لا يوفر المؤسسة الكنسية من لطشاته اللاذعة. انه اطول افلام المسابقة (ساعتان وثلاثون دقيقة)، تجري حوادثه الحميمة داخل دير وجواره. مونجيو يقحمنا في حكاية حبّ عذري: فتاة مغرمة براهبة، والراهبة مغرمة بالله. الشابة الينا تريد اقناع فويشيتا بمغادرة الرهبنة والعودة معها الى المانيا. لكن الأمور ليست بتلك البساطة تحت قبة التسلط الديني. مرة اخرى، يستعيد مونجيو ادواته الاخراجية. انه سيد في بناء التراجيديات الحديثة التي يصعب على المشاهد ابتلاعها مع قهوة الصباح. عوّدنا على تقشف رهيب في نقل جانب من الصورة. لا موسيقى سوى بعض الحرتقة هنا وهناك، ولا مبالغات بصرية. الصمت رفيق الفيلم. نظرة مونجيو فارغة، تعلن الحياد، غير سياسية البتة. لا يسعى الى فضح كواليس العمل الاكليريكي، بقدر ما يضع الحب تجاه الانسان في مواجهة حبّ من نوع آخر، تجاه الله، معايناً نتائجه، سلوكه، مراقباً الطريق المسدود التي أمام الحبيبين.

النفاق الاجتماعي يسود افلام الدانماركي توماس فينتربرغ. العضو السابق في حركة "دوغما 95"، الحائز جائزة عن "فستن" (1998)، يصوّر في "اقتناص" اتهام فتاة في الخامسة لرجل مطلّق حديثاً بالتحرش الجنسي. موضوع حارق يعيد موضعة فينتربرغ على خريطة السينمائيين الذين يتغذون من الفضيحة والاستفزاز البنّاء. يفتح المخرج نصه على مواضيع عدة، تتشابك وتتخاطب في ما بينها: العلاقات بين البشر في بلاد ممعنة في الثقافة الاسكندينافية، المغالاة في التهمة الموجهة إلى الآخر، البارانويا، المازوشية، العقاب الديني، الخ. فينتربرغ يعرف كيف يضيف الالتباس الى فيلمه. لا شيء أكيداً هنا، كلها شكوك بشكوك، باستثناء كلام الطفلة كلارا التي تأخذها مديرة المدرسة وتصدّق عليه. التحرش يغدو حجة لتعرية مجتمع بكامله، من الرأس حتى الأسفل. وهو الشيء الذي سيأخذ الشخصيات الى حتفها، قبل أن يتصالح الجميع في سلوك يكشف الكثير ويخفي أكثر. يضع فينتربرغ بطله المقهور والمضاد أمام امتحان صعب: الى أي مدى يستطيع تحمل الظلم والمحافظة على تحضره ونظافة كفه؟ المخرج النمرود الذي لا يتبنى "طريقة غاندي"، يختار المواجهة منزعجاً من سلبية المتهم. انها مسألة أيام قبل أن يتمرد البطل على الوضع الذي حُشر فيه وينتقل الى حالة بهيمية. فينتربرغ، كصديقه ومعلمه لارس فون ترير، يفضل الصفعة على المداعبة، والتهديد على الاقناع. في الخلاصة: فاعلية لا مثيل لها حتى الآن في المسابقة. وإياكم ان تقولوا للدانماركي الغاضب: خذوا الحقيقة من فم الأطفال!

hauvick.habechian@annahar.com.lb

نور الدين الصايل: السينما أقوى من السينمائيين

"النهار" ـــ طنجة

انطلقت الاثنين الماضي دورة جديدة لمهرجان طنجة للفيلم المتوسطي القصير (1 ــ 6 تشرين الأول). عشرات العناوين الجديدة لسينمائيين شباب تتنافس في مدينة تحتضن هذا الحدث منذ عشر سنين. ما النظرة التي يلقيها مدير المركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل على هذا الموعد السنوي مع الفيلم القصير؟

"عُقدت الدورة الاولى من هذا المهرجان عام 2002. كانت فكرة جميلة جداً. في ذلك الوقت، كنت في لجنة صغيرة اسندت اليها مهمة التفكير في امكان اجراء مهرجان للفيلم المتوسطي القصير. اللجنة ألّفها آنذاك وزير الاتصالات وضمّت نحواً من عشرة اشخاص، وكنت واحداً من الأعضاء لكوني كنت اشغل في ذلك الحين منصب المدير العام في احدى المحطات التلفزيونية المغربية.

الفكرة من المهرجان كانت أن نتيح الفرصة للشباب كي يلتقي البعض منهم بالبعض الآخر. ذلك لأننا كنا نعتبر أنه لم يكن هناك ما يكفي من المهرجانات لهذه الفئة العمرية من الخلاّقين. ثمة القليل منها في العالم العربي وثمة القليل منها في العالم الغربي. هناك فقط مهرجان الاسماعيلية في مصر، أما البقية فمحطات غير دورية ومتقطعة للسينمائيين الشباب. استطراداً، عندما نقول مخرج شاب، كلمة شاب هنا تعني انه في الثلاثين من العمر. السينمائيون الذين يلقّبون بالشباب تراوح أعمارهم بين الـ25 والـ40. السينما ليست كالسباحة. في امكان الواحد أن يكون بطل العالم في السباحة في عمر الـ16، ويكون مخرجاً شاباً في الـ35.

ثمة سلوك مشابه بين سكان البلدان المتوسطية مثل ايطاليا وتركيا، تونس ومصر. نأتي تقريباً من الرحم الثقافية نفسها، لا بل أيضاً من الرحم الحضارية نفسها. على رغم العولمة، هناك أشياء فينا تقرب بعضنا من البعض الآخر. السينما هي بالتأكيد فنّ، لكنها أيضاً صناعة، لذا فهي تستجيب احياناً لقواعد الصناعة وتنسى جذورها. بين فيلم أميركي صُوِّر في نيويورك وآخر من الجنسية التشيكية أنجز في براغ، اذا استطعنا غضّ الطرف عن اسماء النجوم، فقد نرى أحياناً النمط السردي ذاته. السينما فنّ موحِّد. قواعد السينما الأميركية جعلت المخرجين يحكون قصصهم بأساليب متشابهة ومتقاربة جداً بعضها من البعض الآخر. في المقابل، هناك مؤلفون يمانعون، ويريدون شقّ طريقهم بأنفسهم.

على المستوى العالمي، هؤلاء قلة، ويشكلون ربما خمسة في المئة من مجموع السينمائيين الذين يقفون حصناً منيعاً أمام جبروت اللغة السينمائية المهيمنة والسائدة. عندما نصف الشيء بالأميركي، لا نقوم هنا بحكم قيمة، ذلك أن أميركا هي القوة العظمى على صعيد الصورة. اذاً، هل هناك حقاً سينما متوسطية؟ نعم، أولاً بحكم الانتماء الى بقعة جغرافية، علماً أنه ليس في الضرورة أن تتشابه المضامين والانماط والطريقة التي ننظر بها الى عالمنا بسبب الانتماء الى هذه البقعة. السينما في ذاتها شبه وطن، وهذه فكرة قوية جداً. الانتماء الى وطن السينما انتماء حقيقي. السينما أقوى من السينمائيين، وهذا بديهي. السينما بتكوينها السردي فن أوروبي. لكن هذا الفنّ الاوروبي ما كان ليصبح ما أصبحه على المستوى التسويقي والتجاري، لو لم يعرف الاميركيون كيفية استعمال هذا الوسيط متسلحين بالموهبة التي يملكونها، ولكن ايضاً بعدما تحلوا بالفكر الاقتصادي للفيلم، وهذه حالهم منذ ثلاثينات القرن الفائت... ومذذاك يحاول الجميع استنساخ ما قام به الأميركيون، كونه مثالاً في الفكر البرغماتي".

أبو ظبي تستقبل أفلاماً من 48 بلداً

هـ. ح.

تنطلق الخميس المقبل في عاصمة الامارات، دورة جديدة من مهرجان أبو ظبي السينمائي (11 ــ 20 تشرين الأول)، التي تتضمن 81 فيلماً طويلاً و84 شريطاً قصيراً، من 48 بلداً. بعد تغييرات مهمة في الادارة، تمثلت في مغادرة المدير التنفيذي بيتر سكارليت وتسلم علي الجابري مهام سلفه الأميركي، ها ان المهرجان يجمع بعضاً من ألمع الأفلام التي سبق أن عُرضت في مهرجانات دولية، وفي الآتي نتعرف الى جانب منها.

"وحوش الجنوب البري"

عُرض هذا الفيلم في قسم "نظرة ما" لمهرجان كانّ السينمائي (2012) حيث نال جائزة "الكاميرا الذهب" وهي جائزة تُمنح للفيلم الأول. تدور الأحداث في منطقة لويزيانا. يضعنا زتلين في قلب بيئة اجتماعية لا ترحم، بحيث يتعين على سكان تلك المنطقة أن يواجهوا ظاهرة ارتفاع المياه، والتأقلم مع الحالة الجديدة التي تهدد وجودهم، في انتظار العاصفة التي ستهبّ عليهم. يراهن الفيلم، في شقه الأكبر، على الاكتشاف: اكتشاف روعة المكان أولاً، واكتشاف الشخصيات وأقدارها ثانياً. سينما زتلين فيها روحانيات وتقوم على تأجيج النفس الملحمي في كل وحدة تصويرية. بطلتنا الصغيرة تواجه والدها مدمن الكحول في مجتمع يبلور حاجة غريبة الى القسوة والذكورية.

"بعد الموقعة"

حكاية خيالة نظام حسني مبارك الفاسد و"البلطجية" الذين كسحوا محيط ساحة التحرير لتفرقة المتظاهرين، تغدو مناسبة لمخرج "باب الشمس"، يسري نصرالله، كي يقارب هذه اللحظة التاريخية متمسكاً بخطاب درامي وفكري يضع الصراع الطبقي بين المصريين في قلب المحنة التي لم تُحسم بعد. يستند الفيلم الى نقاش نقدي مهم، ويحرص على ايصال اصوات متعددة في قضية واحدة، راصداً مرحلة انتقالية من تاريخ مصر الحديث، أي تلك اللحظة ما بعد ثورة 25 يناير، حيث تلتقي الشعارات والعنفوان والضمير بالأمل والخيانة والسعي الدؤوب لصناعة وطن أفضل، حيث للحلم مكان أكبر. أما كيف تحقق الأحلام، فهذا ما لا يقوله الفيلم، لأن نصرالله، ككل فنان وصل الى مرحلة نضج عالية، يشهر الأسئلة ولا يهتم بالأجوبة.

"كشخص مغرم"

كيارستمي، الذي كان فاز بـ"السعفة الذهب" في كانّ عام 1997 عن تحفته "طعم الكرز"، عاد الى مسابقة المهرجان السينمائي الأشهر في أيار الماضي. المعلّم الايراني يعرف كيف يصوّر الأشياء الصغيرة التي تتسرب عادة من بين الاصابع، تلك الأشياء التي تجعل من مرور الزمن عملية سينمائية خالصة. نحن أمام استاذ، بكل ما في الأستذة من معنى، يعرف كيف يحرّك كاميراه ويعطي كل حركة قيمة ودلالات. كيارستمي، لا يهتم كثيراً بفائدة الأشياء، مرة اخرى يؤكد أنه ليس سينمائياً مادياً، بل فنان يتماهى مع نصه وعالمه وأجوائه. يتماهى مع ابداعاته عضوياً، ويتعامل مع السينما غريزياً. مراراً، عبّر كيارستمي عن رغبته في انجاز فيلم لا يحصل فيه الكثير، وهو الشيء الذي يقاربه هنا بشجاعة كبيرة، عهدناها في اعمال سابقة له، فيكاد يتحول عمله الى حقل اختبار جديد. هذا سينمائي لا يمل من المعاينة الدقيقة للطبيعة البشرية. الوحدة، الملل، المأزق الوجودي، هذا كله يعالجه بأسلوبه التأملي البطيء، مذكّراً بإيقاع السلحفاة في فيلمه "سوف تحملنا الرياح" (1999).

"كان الإبن"

للايطالي دانييلي تشيبري مسار طويل في التلفزيون. لم يترك نوعاً لم يقاربه، من الوثائقي الى الفيلم القصير، وصولاً الى الروائي الطويل. عمل ايضاً في مجالات عدة، منها التقاط المشاهد والمونتاج. تجري احداث الفيلم، المقتبس من رواية لروبيرتو أجامو، في مسقطه باليرمو، المدينة الواقعة في جنوب ايطاليا. يعود بنا النصّ الى سبعينات القرن الفائت: عائلة تعيش في ظروف الفقر المدقع. بعد موت الابنة سيرينيللا برصاصة طائشة اطلقها أحد المافيوزيين، تضع الحكومة الايطالية في تصرفها مبلغاً من المال، فيشتري الأب سيارة مرسيدس فخمة! انطلاقاً من العناصر الحكائية المتوافرة لديه، ينسج تشيبري فيلماً شعبياً في هجاء المادية والقدرة الشرائية.

"الحبّ هو كلّ ما تحتاجه"

فيلم المخرجة الدانماركية سوزان بيير يتأرجح بين السخرية اللئيمة والكوميديا اللطيفة، تلك التي ترمي الى استقطاب أكبر عدد من المشاهدين الى الصالات. بعد "في عالم أفضل" الذي نال "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، ترفع بيير من مستوى طموحاتها الانتشارية، فتستعين بممثل في شهرة بيرس بروسنان، آخذة سينماها الى أمكنة أخرى. تسعى بيير الى اسلوبية من نوع السهل الممتنع وتنجح فيها. يقتفي الشريط خطى افلام من مثل "ماما ميّا"، وخصوصاً ان مشاركة بروسنان فيه تعزز هذا الشعور وتكرسه. التُقطت مشاهد الفيلم في الدانمارك وجنوب ايطاليا وهو ناطقٌ بلغات ثلاث، الانكليزية والدانماركية وقليل من الايطالية، ومن هنا ينبع الاحساس بأننا أمام انتاج كوزموبوليتي أكثر منه دانماركياً.

The company you keep

ثريللر سياسي جديد لروبرت ريدفورد، تمثيلاً واخراجاً. ريدفورد أحد أساطير السينما الأميركية. عرف دوماً في أي لحظة ينبغي له أن يقف خلف الكاميرا، وفي أي لحظه يجدر به الوقوف قبالتها، وكيف عليه أن يدير العملية برمتها عندما يتعلق الأمر بتولي المنصبين معاً. في هذا المعنى، لا شكّ انه من المخضرمين، اذ لم تعد السينما تخفي عليه الكثير من الأسرار. استناداً الى أصل أدبي لنيل جوردان، يقحمنا الشريط في حكاية جيم غرانت (ريدفورد) الذي يطارده صحافي (شيا لابوف) بعد أن يكتشف أنه كان ناشطاً سابقاً في منظمة ارهابية. هذا الاكتشاف من جانب هذا الصحافي سيقلب حياة المحامي غرانت، رأساً على عقب، مقحماً اياه في ذكريات الماضي الأليم.

"خطف" لتوبياس ليندولم

سبق لتوبياس ليندولم أن وقّع سيناريو "الاقتناص" لتوماس فينتربرغ الذي عُرض في كانّ 2012. في شريطه هذا كمخرج، هناك القدر نفسه والنوعية نفسها من شحنات الادرينالين. التشويق يمسك بضلوع المتلقي ولا فكاك منه، الا بعد صعود الجنريك. الحكاية بسيطة: سفينة لشحن البضائع تتعرض للخطف على أيدي قراصنة صوماليين وهي تعبر المحيط الهادئ. الحلّ: المال مقابل الافراج عن طاقم السفينة واعضائها الذين تحولوا في غضون ذلك الى اسرى، وسيتحولون لاحقاً الى مادة للابتزاز بين مدير الشركة والخاطفين. هذا ليس فيلم أكشن عادي على الطريقة الهوليوودية، حيث كل شيء ينتهي بمطاردة وطلقات رصاص. يتعامل ليندولم بذكاء شديد مع الحبكة، ناقلاً ايانا من غرف الشركة الأنيقة والمربعة الى الفوضى التي تدب في أرجاء السفنية. طبعاً، هناك خطاب سياسي في الفيلم لا يوفر النظام العالمي القائم على تحقيق المكاسب على ظهر الضحية. هذا النظام لا يأبه لما هو انساني او عاطفي أو نفسي، كل ما يريده حماية مصلحة المستثمر والشركات الكبرى. فمدير الشركة، صاحب الايغو المتضخم، لا يأبه كثيراً لمصير موظفيه المخطوفين بقدر ما يهمه أن ينجح في عدم دفع ما يريده الخاطفون ومفاوضتهم كي يخفضوا قيمة الفدية. يتعامل معهم كما لو انهم ارقام في البورصة. فيصبح هؤلاء رهائن نظامين، نظام القرصنة ونظام مؤسساتي يقبل بكل شيء باستثناء أن يطال الآخر جيبه. في النهاية، يتحول المخطوفون كائنات زومبية. سواء في "الاقتناص" أو هنا، ثمة دائماً عند ليندولم حجة سيناريستية تعري المجتمع الدانماركي وأمراضه، وتضعه امام استحقاق أخلاقي جديد.

النهار اللبنانية في

04/10/2012

 

10 أفلام لـ10 مخرجات من الضفة والقطاع

«مهرجان شاشات».. عوالم في حياة نساء فلسطينيات

نديم جرجورة 

في 27 أيلول 2012، انطلق «مهرجان شاشات الثامن لسينما المرأة في فلسطين» في «قصر رام الله الثقافي». المهرجان، الذي يحتفي بسينما المرأة من خلال تقديم دعم مادي ومعنوي لراغبات في صناعة صورة بصرية، يفتتح دورته هذه المرة ثانية اليوم الخميس في «قاعة رشاد الشوا» في قطاع غزّة. افتتاحان لمهرجان يضمّ 10 أفلام أنجزتها 10 مخرجات من الضفّة الغربية والقطاع، ويتجوّل في 14 مدينة و4 مخيّمات. بحسب المعلومات الواردة من إدارته، فإن هذا المهرجان يتمّ ضمن مشروع «أنا امرأة من فلسطين»، الذي تُنفّذه «مؤسّسة شاشات»، بالشراكة مع «مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي»، علماً أنه حصل على تمويل رئيسي من «الاتحاد الأوروبي»، وتمويل إضافي من «مؤسّسة هنريش بول» و«صندوق غوتبرغ للأفلام» و«مؤسّسة فورد». وهو «يضع قضايا المرأة عامة، والمرأة الفلسطينية خاصة، في المقدّمة»، مُركّزاً على «نظرة المرأة لذاتها، لمناقشة قضاياها ووضعها ضمن الأولويات المجتمعية»، من خلال 5 نقاط: إنتاج ثمانية أفلام، بواقع أربعة كل عام لمخرجات محترفات، «يسردن فيها قصصاً وقضايا عن حياة النساء». برنامج تدريبي/ إنتاجي على مرحلتين لتأهيل 8 طالبات إعلام على الإنتاج العملي لـ12 فيلماً، بواقع 6 كل عام، عن حياتهنّ في قطاع غزّة. جولة تشمل 200 عرضاً تُناقش فيها الأفلام الـ20، بواقع نحو 100 عرض لـ10 أفلام في كل عام، تُنظّمها «شاشات» في الضفة والقطاع، على أن تُقام بعدها استشارات مع اختصاصيات من المركز المذكور أعلاه أثناء العروض أو بعدها. هناك أيضاً إنتاج 12 برنامجاً تلفزيونياً، بواقع 6 كل عام، يشتمل كل واحد منها على عرض للفيلم ومقتطفات من النقاش في الجامعات، ومقابلات ميدانية في الشارع، وأخرى مع مثقفين ومتخصّصين بالقضايا المطروحة في الأفلام. بالإضافة إلى دراسة متخصّصة تهدف إلى وضع إطار منهجي ونظري لسينما المرأة في فلسطين.

يُركّز المهرجان، في هذه الدورة، على «نظرة المرأة لذاتها» ومناقشة قضاياها. مديرة المشروع ومديرة «شاشات» المخرجة الفلسطينية علياء أرصغلي قالت، في بيان صادر عن إدارة المشروع والمؤسّسة: «أتعجّب في كل دورة من القصص التي ترويها المخرجات في أفلامهنّ». شدّدت على «جودة هذه الأفلام» في الدورة الجديدة». قالت إن قصص الأفلام «تدخلنا إلى زوايا وعوالم من البهجة والتحدّي والمآسي في حياة نساء فلسطينيات، كمشاكل الخطوبة والعنوسة والطلاق»، كما في «دبلة الخطوبة» لتغريد العزّة (فتاة تُصارع خطيبها للمحافظة على ذاتيتها وخياراتها التي يُهاجمها خطيبها دائماً بهدف فرض شخصيته عليها)، و«فستان أبيض» لأميمة حموري (العالم الداخلي لابنة الأعوام الـ12، التي بدأت تعيش هاجس العنوسة منذ ذاك العمر)، و«انفصال» لأريج أبو عيد (قصّة تزويج أمل بالإكراه، ومحاولات الزوج الاستيلاء على كل ما تملك، معنِّفاً إياها دائماً، وهذا كلّه قبل الانفصال).

هناك أيضاً «أقدام صغـيرة» لإينـاس أبو عايش (علاء قصير القامة، يرى نفسه إنساناً عادياً، ويتمنّى أن يُعامله الناس هـكذا، إلاّ أنهم يظلّون يرونه قصير القامة)، و«أبيـض وأسود» لرنا مطر (بحثٌ عن ماض جميل مفـعم بالنـشاط الرياضي للمرأة، وعثور في الصور القديمة على أناقة ورشاقة وجمال وبطولات ومشاركات وكؤوس وجوائز، بينما صورة اليوم مختلفة)، و«ضجّة» لآلاء الدسوقي (الواقع السمعي للقطاع: أصوات مولدات الكهرباء والجنازات والقصف وسيارات الإسعاف والباعة المتجوّلين)، و«خارج الإطار» لرهام الــغزالي (إباء وريهاف فتـاتان من غزّة كبرتا وهـما تحلمان بواقع تُشاركان فيه المجتمع في التعبير عن آمالهما، لكنهما تصطدمان بواقع أصعب وأقسى مما كانتا تحلمان به)، و«لو أخذوه» لليالي الكـيلاني (عن أم أيمن ويومــياتها)، و«هيك القانون!» لفادية صلاح الدين (عن خلود الفقيه أول قاضية شرعية في فلسطين)، و«قطعت» لآثار الجديلي (عن زائرة منتظرة في قطاع غزّة).

كلاكيت

«وراء التلال»

نديم جرجورة

هناك إيجابية تُحسب لـ«مهرجان بيروت الدولي للسينما». العلاقات العامّة لمديرته كوليت نوفل أتاحت لها مراراً جمع أفلام غربية ذات مستوى إبداعي راق. الـ«بانوراما» الدولية تضمّ، غالباً، عناوين مثيرة للنقاش والمتع. متابعة مسار بعض هذه العناوين يكشف إجماعاً نقدياً شبه كامل على أنها الأجمل والأفضل. التجربة السابقة تؤكّد هذا: «مهرجان بيروت الدولي للسينما» يتيح، في كل دورة، فرصة الاطّلاع على بعض الجديد السينمائي، المُدهش والصادم والمحرّض على متعة البحث عن أجوبة.

هذا وحده لا يكفي. هذا وحده لا يصنع مهرجاناً. لكن المسألة تستحقّ التوقّف عندها. مُشاهدة أفلام غربية لا تُعرض في الصالات التجارية أمرٌ مطلوب. المتعة تزداد إذا عُرضت هذه الأفلام في مهرجانات محلية بنسخ سينمائية. المسألة تستحقّ التنويه. عناوين «بانوراما» هذا العام لافتة للانتباه. منها «وراء التلال» للروماني كريستيان مونجيو. قوّة التعبير البصريّ بلغة الصورة تتماشى وحُسن التعبير الدرامي والأدائيّ لشخصيات محاصرة داخل عقيدة دينية متزمّتة، وفي آتون حرب ذاتية بين رغبات ووقائع. الصورة معبِّرة، بجمالياتها الفنية، كما بجمال الطبيعة والصقيع والثلج واللون الرماديّ. ما يجري في الطبيعة الخلاّبة من عواصف وثلوج، يُقابله جنون داخليّ يقود إلى تحطيم أصنام، ومواجهة الوحش النائم في الذات. يستيقظ الوحش أحياناً. فالاستيقاظ محتاج إلى حدث خارجي، يُحرّره من الصمت، ويُطلقه عالياً. ما يجري في الطبيعة الخلاّبة يتماهى مع ما يجري في أعماق كل مقيم في هذا الدير الفقير المتقشّف، المُقام على تلّة.

لا يتردّد كريستيان مونجيو عن طرح أسئلة الحبّ بين فتاتين، والوجود، والله، والسلطة، والجريمة، والقلق، والنزاع القاسي بين حبّ انفعالي عاطفي وآخر موجّه إلى الخالق. في ساعتين ونصف الساعة، بدا «وراء التلال» احتفالاً بالتطهّر المعاكس للمفهوم المسيحي المتشدّد. التطهّر المعاكس محاولة للانقضاض على مفاصل الحياة اليومية الروتينية في دير أعزل، يبدو مسكوناً بأشباح، لا بكاهن وراهبات سائرين جميعهم في طريق صعبة وقاسية من أجل الله والعقيدة. يبدو مسكوناً بالإخصاء الروحيّ والجسديّ، وإن تمّ الإيحاء مراراً إلى ما يجري في الخفاء. الصورة المُقدَّمة للمُشاهد مليئة بتوتر وارتباك وقلق. العقيدة الدينية تؤمن بأن هذه كلّها من أعمال الشيطان. وللقضاء على الشيطان، هناك ممارسات يُفترض بساكني الدير تنفيذها. عندها، يقع المحظور الديني: القتل. المسار الذاهب إلى القتل مليء بما يُمتّع العين والقلب والروح، من تصوير وتوليف وتمثيل، إلى نصّ ممسوك بحرفية واضحة، وأسئلة مُثقلة بهموم يومية.

[[[
داخل دير أرثوذكسي، موزّعة مساحته على غرف وحظائر وكنيسة ومساحات فارغة، تقع معجزة التحوّل. الزيّ الديني غطاء يحجب من يرتديه عن رؤية سليمة. الصقيع حجّة لتكديس الملابس على الجسد. لكن التكديس طال العقل، وأرهقه في ازدواجيات لا تنتهي.

«وراء التلال» قصّة حب أولاً، نُحرت على مذبح الخديعة بقسوة متلائمة مع وحشية العيش داخل أسوار عالية.

«مهرجان بيروت الدولي للسينما»

تبدأ اليوم العروض المفتوحة أمام المُشاهدين للأفلام المشاركة في الدورة الـ12 لـ«مهرجان بيروت الدولي للسينما»، في صالات المجمّع السينمائي «أبراج» في فرن الشبّاك، هنا مواعيد اليومين الأولين:

اليوم الخميس، الخامسة بعد الظهر: «البرتقالة الآلية» لستانلي كيوبريك (أبراج 2)، Uprising لفريدريك ستانتون (أبراج 1)، «أمل» لنجوم الغانم (أبراج 3). السابعة مساء: «لو هافر» لآكي كوريسماكي (أبراج 2)، «ظلّ البحر» لنوّاف الجناحي (أبراج 1)، «باناروما وثائقي» وتضمّ The Resilient Ones لفرانشيسكو كازولو، و«أنا مثليّ الجنس ومسلم» لكريس بيلّوني، و Shooting In Heart لإيلاريا سانتي وسيلفيا كورنا (أبراج3). التاسعة والنصف ليلاً: «المُطاردة» لتوماس فنتربيرغ (أبراج 2)، «عيون الحرية.. شارع الموت» لأحمد صلاح سوني ورمضان صلاح (أبراج 1)، أفلام روائية شرق أوسطية قصيرة، الحلقة الأولى: «تمثيل جوليا» لإيلي فهد، و«حياة شخص» لمحمد جاسم، و«برد يناير» لروماني سعد، و«عبور» لثريا حمدا ومحمد حشكي، و Sirocco لهشام بزري (أبراج 3).

غداً الجمعة، الخامسة بعد الظهر: «رجل من دون ماض» لكوريسماكي (أبراج 2)، «لوليتا» لكيوبريك (أبراج 1)، «سترة معدنية كاملة» لكيوبريك (أبراج 3). السابعة مساء: وراء التلال» لكريتسان مونجيو (أبراج 2)، «رئيس الجزيرة» لجون شينك (أبراج 1)، «دمشق، خطر التذكّر» لماري سورا (أبراج 3). التاسعة والنصف ليلاً: The Sapphires لواين بلير (أبراج 2)، The Match Factory Girl لكوريسماكي (أبراج 1)، Uprising لستانتون (أبراج 3).

السفير اللبنانية في

04/10/2012

 

«شقيقي الشَّيطان» باكورة المصرية سالي الحسيني

«سدوم عربية» في زواريب لندن

زياد الخزاعي (لندن) 

لم تتكرّس، لدى من يُمكن نَعْتهم بـ«عرب بريطانيا»، مُسلّمات جماعية لثقافة تتقاطع مع أهل الجزيرة المرفّهة، أو على الأقل توازيها، إن لم تتماهَ بقوّتها أو عُنفُوانها. هؤلاء ما زالوا هامشيين بإرادتهم ومناوراتهم، على الرغم من كثرة عددهم ووسع انتشارهم. لديهم قوى اقتصادية متنوّعة، فهم يملكون مؤسّسات كثيرة «مخفية» ضمن سياسة نفعية، تقع في قلب المشروع الرأسمالي في بريطانيا. لكن، من دون إرادة حقيقية تثوِّر أقلّيتهم، وتعزّز حضورها السياسي والثقافي. ضمن تمظهرات هذه الأخيرة، هناك نشاطات استراتيجية تدعو إلى التفاخر، مثل مهرجاني «نور للثقافات» و«شباك» وغيرهما، تجتهد في تأكيد الآصرَة الوجدانية بجهد بريطاني بحت، يكون عرب المشاركة فيها بدرجة منشِّطي فعاليات، أكثر من بنّائي ثقافة هجرة وإقامة. يتأكّد الأمر كثيراً عندما نكتشف أن مؤسّسة العرب غير معنية، إن لم تكن مُصرِّة على تجاهل فرادة الفعل الإبداعي ككل. إنها تغامر بلؤم ضمن طبقية معينة، وسلوك أنَفَة يكرّس فئوية غير سويّة، تولّد بدورها مفارقة أن ما يحدث في الحيّ العربيّ الثريّ، لا يضع في حساباته أن جيلاً جديداً من أبناء جلدتهم أقرب إلى الغُرَبَاء، يتكاثرون في زواريب بعيدة، تحاصرهم الفاقة والجريمة وحجج «أسلمة» بن لادن، لكونها «حصانة وهوية وشَخْصَنة أزليّة».

من هنا، يفهم المرء مَقَاصِد باكورة المخرجة الشابة المصرية سالي الحسيني (مواليد مقاطعة «ويلز»)، وعنوانها الاستفزازي «شقيقي الشيطان»، الذي يتّخذ من حيّ «هاكني» المتعدّد الأعراق، والفقير الواقع شرق لندن، مسرحاً لدراما عائلية متقنة الصنع، مفتوحة العقلية والذمّة السينمائيتين على جيل هجين من شباب عرب، يجدون أن انتماءهم محكوم بـ«غيتو» عنصريّ متضارب اللون، لا يمثّل جغرافيا واضحة المعالم لـ«أقلّوية انتسابية».

تقدّم الحسيني بطليها الشقيقين رشيد (الموهوب جيمس فلويد) ومحمد (أداء باهر لفادي السيّد) ككائنين سعيدين ضمن عائلة مصرية الأصول. والدهما سائق حافلة عمومية، ووالدتهما سيدة نَجِيبة، تحيط الجميع بأمومة تقليدية. تبدو هذه العائلة بلا شكاوى، اللهم إلاّ من مخاوف تتناهى عبر التلفزيون ونداءات «ارحل» في ميدان تحرير القاهرة البعيدة. الخارج الوحشيّ للشابين يُشكِّل تهديداً لا يستثنيهما من حَمَاقَاته. بما أنهما نتاج حيّ وضيع، تكون ملامحهما الطبقية موازية لأقرانهما الذين يتحرّكون في حدود «مستعمرة صغيرة» كعصابات سوء تتفاخر بوشوم عقيدتها «دي أم جي»، التي تختزل كلمات «مخدرات، مال، مسدسات»، عاكسة أسلوباً معيشياً واقتصادياً مدعوماً بقوّة الرصاص. يكون من المنطقي أن يصبحوا جميعهم جزءاً من مفاسد «سدوم وعمورة لندنية»، فرادتها أن السماء عاجزة عن خَسَفها.

لا ريب في أن تنميط الشخصيتين أمر لا مفرّ منه. ذلك أن اشتغال الحسيني يؤسّس، للمرّة الأولى، فيلماً اجتماعياً، يضع فطنته على حكاية أبطال من أصول عربية، ويقارب مصائرهم وكينوناتهم بتكثيف درامي متوازن ونابض وعصريّ. يقع الابن الأكبر الملاكم الوسيم رشيد ضحية تبعيّته، حيث تؤدّي مواجهة إلى مقتل صديق طفولته أمامه، قبل أن يهرب بجبن وخزي تفادياً لاعتقاله. هذه الإنتكاسة تحرّض شقيقه المراهق على الحلول مكانه، و«قطف الثمرات اللعينة». يصبح مو (لقبه) خادماً وناقلاً لعبوات المخدّرات، قبل أن يصبح هو نفسه ضحية السمّ.

تنأى سالي الحسيني بحكايتها عن القولبة الإسلاموية وتهمة إرهابها. لكنّها تقود انقلاباً مفاجئاً عبر اكتشاف رشيد شذوذاً جنسياً مَطْموراً في كيانه. كأنّ به ينتظر المصوّر المغربيّ والمتفرنس سيّد (سعيد طغماوي) كي ينفجر ويصيب ضرره كرامة الأخ الأصغر. يخضع ابنا النُّطفَة العربية، بشكل غير مباشر، إلى سؤال مَهَانَة زواريب لندن: هل إرث عرب بريطانيا لا يستقيم إلاّ بالحديث عن كسلهم في أن يكونوا «بناة ثقافة هجرة»، مقابل سهولة أبْلستهم؟ لا شكّ في أن الجواب أكبر من فيلم سينمائي وفبركاته. إنه كامن في عقلية «توطين» ناقص الغايات.

السفير اللبنانية في

04/10/2012

 

 

«عرس الجليل» لميشال خليفي:

خنجر يمزق جسد التاريخ المريح!

إبراهيم العريس 

كان فيلم «عرس الجليل» لميشال خليفي، حدثاً كبيراً حين عرض للمرة الأولى في دورة العام 1987 من مهرجان «كان» السينمائي. والفيلم الذي صوّر في احدى قرى الجليل في فلسطين المحتلة كان انتاجاً مشتركاً بين فلسطين، وفرنسا، وبلجيكا، وكانت اهميته انه اول فيلم روائي فلسطيني طويل يحققه مخرج فلسطيني بعدما ظلّت السينما الفلسطينية تحقّق على يد عرب وأجانب متعاطفين.

> بين اللحظة التي تهبط فيها الكاميرا من أعلى على مبنى مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي، واللحظة التي يغادر فيها هذا الحاكم، بيت مختار الضيعة مصحوباً بصراخ الغضب من القرويين، ومقذوفاً بكل ما وقعت عليه ايديهم، لا يحدث في فيلم ميشال خليفي سوى عرس فلسطيني من النوع العادي. عرس يمكن له ان يحصل في أي يوم. عرس تتألف تفاصيله من تفاصيل اليومي المُعَاش. إنه عرس يقام هنا في الجليل، لكنه قد يقام في أي مكان آخر. لكن الجليل ليس أي مكان آخر. والعرس الفلسطيني ليس أي عرس كان. نعرف هذا منذ زمن. منذ عرس قانا الجليل في سنوات المسيحية الأولى. وسنعرفه اكثر بعدما تنتهي ساعتا عرض الفيلم.

> في الفيلم يصوّر المخرج عرساً حقيقياً. وهو من حول هذا العرس يبني مشروعاً سينمائياً متكاملاً، في سياق له، للوهلة الأولى، شكل العمل الأرسطي: فأحداث الفيلم تدور في مكان واحد، في يوم واحد، ليس في الفيلم لقطات تراجعية، وحتى حين يتذكر البعض، فإن اللفظ لا الصورة يواكب ذكرياتهم. وهذا الحصر بدلاً من أن يجمد فيلم «عرس الجليل» في سكونية متوقعة، أعطاه قاعدة انطلق منها في لعبة بصرية حاذقة ليرسم من خلال العرس، مسيرة أرض وشعب... والمدهش انه فعل هذا من دون ان يغرق في أسر الفولكلور من ناحية، وفي أسر الخطاب المؤدلج من ناحية ثانية. من هنا بدا «عرس الجليل» عملاً فنياً، بصرياً، في المقام الأول... وأتى خطابه من خلال البعد التشكيلي لا على حسابه.

> اما حكاية الفيلم ففي غاية البساطة: مختار القرية الجليلية أبو عادل يريد ان يزوج ابنه للفتاة المليحة سامية. هو يصر على هذا، والتقاليد تدفعه اليه، ويدفعه اليه اكثر جده الذي زاره في الحلم طالباً منه ان يكون عرس عادل، «أمير الأعراس». فإذا كانت السلطات الاسرائيلية تمنع التجمع، وبالتالي تمنع العرس من ان ينعقد، فلا بأس من الرضوخ لشرط الحاكم العسكري وجعله ضيف شرف في العرس مع مساعديه، لقاء السماح بإجراء العرس. هل هو تعاون مع العدو المحتل؟ هل هو رضوخ واذعان لارادة السلطة المغتصبة؟ ليس من السهل الاجابة عن أسئلة من هذا النوع. فالعرس يبرر الاستجابة. لكن القرية ليست ابا عادل وحده.. هناك الآخرون ايضاً: الثائرون، والمعارضون، والمتعاونون، والحياديون، والنساء اللواتي يعشن عيناً على رضى الرجال، وعيناً على نذالة المحتل... وهناك الاجيال المتلاحقة. من هنا، كان لا بد لرضوخ المختار من ان يثير سجالاً وغضباً. فيستنكف اخوه عن الحضور وهو المثقف الذي يقدم الكرامة على أي اعتبار. ويقرر البعض المقاطعة كذلك، فيما يجد البعض الآخر ان الفرصة ستكون سانحة لضربة مقاومة ساحقة.

> ويبدأ العرس... يبدأ من الفراغ، من شمس بعد الظهر المسترخية، ومن حجارة البيوت اللماعة بلونها البني ملتحمة بالأرض... ومن الفراغ، بالتدريج قليلاً فقليلاً يبدأ الحيز المكاني بالامتلاء: الأهل، الجيران، الضيوف المقربون، ثم الحاكم العسكري ورجاله: مع وصول هذا يكون الوجوم، ثم شيئاً فشيئاً يزول الخوف، وينأسر الغضب في النفوس، فالرجل، في نهاية الأمر، لا يبدي أي عدوانية، بل يسعى لشيء من الاندماج الموقت: يغوص في الطعام التقليدي ويتسلى بالرقص، فيما عيناه تقولان لنا غربته عن المكان. انه في نهاية الأمر حاكم عسكري آتٍ من مكان آخر. صحيح ان المتفرج يحتاج الى معرفة هذا مسبقاً، لكي يفهم ذلك الالتماع الخفيف في عيني الرجل... ولكي يفهم بعد ذلك اشارته لرغبة دولته الخفية في التمدّد ذات يوم حتى حلب وغير حلب. لكنها اشارات تمر عرضاً، فميشال خليفي لا يريد لعرسه ان تهزه مثل هذه التأكيدات إن وضحت. حجته في هذا ان غربة الرجل ووجوده في المكان غير الملائم امران لم يعد احد يجهلهما. ميشال خليفي يريد ان يضع الرجل وسط ظروف تتجاوزه فلا يعود معها حاكماً، يصبح مجرد ضيف طارئ مزعج ومنزعج حتى ولو لم يبدِ هذا ويبديه الآخرون. هذه هي فلسطين: الارض، الناس، التقاليد، العادات، الطعام، الرقص، الحب. هناك انسجام اكيد في هذا كله. انسجام تتضح لنا بالتدريج غربة الاسرائيليين عنه: انهم مستشرقون لا أكثر... والا فكيف نفسر مشهد الضابطة الاسرائيلية وقد استبد بها فجأة هوى الشرق وسحره؟

> هذه الغابة، تمكنت كاميرا ميشال خليفي من تصويرها، وان كان ثمة في سياق التركيب البنياني للفيلم ما يهدد بجعلها غير واضحة لمن لا يحدق تماماً! وهذا الالتباس اذا كان لا يلعب بما فيه الكفاية لصالح اطروحة ميشال خليفي، فإنه يقف عقبة في وجه التقاط اطروحة الفيلم كله، لأن الفيلم يقف في هذا السياق نفسه على حبل مشدود بين هاويتين! لكن الاسرائيليين ليسوا وحدهم، الغرباء هنا. فهؤلاء اذا كانت غربتهم نابعة من انتمائهم الى عالم آخر لا علاقة له بفلسطين وأرضها وناسها. فإنهم يتساوون في الغربة مع العريس، فهو الآخر غريب يعيش فاجعته من جراء حضور أولئك الغرباء انفسهم. واذا كانت كاميرا خليفي قد تباطأت قبل ايصالنا الى اللحظة التي تتفجر فيها مأساة عادل... فما ذلك الا أمل في تركيز الخطوة الممهدة لذلك. فإذا كانت غربة الاسرائيليين نابعة عن وجودهم والوضع الذي أتى بهم الى هنا، ما يجعلنا في غنى عن ممهد درامي لتصوير تلك الغربة، فإن غربة عادل في حاجة الى ممهدات: في حاجة الى اذعان ابيه، وطفولية الثوار، ومقاطعة عمه، وثرثرة جده حول ذكرياته... في حاجة الى كل هذا قبل لحظة الانفجار. وهذه اللحظة تأتي في ذروة العرس... حين يخلو عادل الى سامية ليقوم بواجب الليلة الأولى، ويتحف الحضور المتشوقين، بالشرشف الابيض وقد تلطخ بدم العذراء. باختصار يفشل عادل في مهمته. فيشعر بأنه مخصيّ في نهاية الأمر. وعقدة الخصاء هذه تتحكم في هذا القسم من الفيلم. فهنا يصبح لعادل بعد الرمز، كما يصبح لأبيه بعد الرمز: ليس بالمعنى الاوديبي، حتى ولو خيّل لعادل، للحظة، ان قتله لابيه سيقيه من خصيانه. وأبوه هو السلطة، كل سلطة، هو تلك القوة القامعة التي سكتت عن المحتل حتى ولو لم تتعاون معه. هي «الأنا العليا» الراقدة في أعلى وعينا تكبلنا. ابو عادل لا يدرك هذا. او بالأحرى هو يدرك لكنه لا يفصح... ليس لأن الغاية تبرر الواسطة، بل لأن «اليد التي لا تقدر عليها قبلها وادع عليها بالكسر». والضحية؟ سامية الممثلة البراءة والارض وفلسطين. سامية هذه هي كل شيء: هي المشكل وهي الحل... الحل، لأنها في الغرفة، ستقوم، عن عادل بالمهمة الصعبة... فهي تتفهم عادل، وتفهم مأساته.

> في الخارج، يسير العرس والناس مسارهم الطبيعي: العرس اكبر حتى من «الضيوف» الطارئين... العرس يحتوي الجميع: في الزوايا، على المائدة، بين الغابة، في السهل الملغم حيث تهشل الفرس ولا يكون بقدرة احد غير ابي عادل استعادتها: فهو، من دون المحتلين جميعاً، يفهم لغتها وتفهم لغته. يخاطبها فتهرع اليه. وينتهي العرس، كما تنتهي كل الاعراس. ويستنكف الشبان المقاومون حتى عن القيام بعمليتهم التي كانت تستهدف جنود العدو. هل لأن العجز والفشل هما مآل كل شيء؟ هنا يوقعنا المخرج في التباس ثانٍ، رغم المنطق الذي فسر استحالة القيام بالعملية! فيلم سوداوي يائس اذاً؟ للوهلة الأولى... ربما. ولكن بعد ذلك: أقل. فخليفي حاول هنا الا يقدم فيلماً «بطولياً» كما جرت العادة... حاول فقط ان يقدم رؤية من الداخل لشعب الداخل، لقضية الداخل.

> هنا، مهما يكن الموقف السياسي من هذا الفيلم، ومهما يكن جرحه لبعض تاريخنا... كان لا بد يومها من الاعتراف بقوته السينمائية. وباشتغاله الذكي على سيناريو يسير صعوداً حتى لحظة التفجر. وبأن الفيلم تمكن من اجتياز مطبات وعقبات كثيرة، يخاصة انه اشتغل في ارض خواء، بدءاً من صفر حزين، فوصل الى شيء ما. وكان من الواضح يومها ان السينما الفلسطينية بدأت مع هذا الفيلم...أما ميشال خليفي فتابع مساره ليصبح الأول بين جيل سينمائي فلسطيني صنع لفلسطين، من الداخل، متناً سينمائياً هو اليوم الأبرز في مسار السينمات العربية.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

04/10/2012

 

المخرج السوري محمد ملص يؤكد «قصص الظلم متشابهة»

«باب المقام» يفتح على دم المــاضي والحاضر

علا الشيخ - دبي 

«اش قد اتغيرت حلب» جملة باللهجة الحلبية قالتها ايمان عاشقة أغاني أم كلثوم (لعبت دورها الفنانة السورية سلوى جميل)، لزوجها عدنان (أسامة السيد يوسف)، غير المبالي الا بنشرات الأخبار في فيلم «باب المقام» للمخرج السوري محمد ملص، الذي عرض فيلمه في أكثر من مهرجان سينمائي، قبل ست سنوات، لينتهي الفيلم بمشهد المنغولي (المستمع الوحيد لإيمان وهي تشدو بالكلثوميات) وهو يركض وراء القتلة ويصرخ «قوصوا الغنيّة»، أي أطلَقوا النار على الأغنية.

تناول ملص قصة حقيقية حدثت في مدينة حلب ونشرت تفاصيلها وسائل الصحافة والإعلام السورية، حول عم قتل ابنة اخيه لشكوكه في أنها على علاقة غرامية مع أحد غير زوجها، إذ يظن عمها أن عشقها لأغاني أم كلثوم دليل على خيانتها، فقتل جزءاً من لحمه ودمه بدم بارد.

هذه الجريمة التي وقعت في مدينة الغناء الأصيل قبل 11 عاماً، يمكن ربطها بما يحدث الآن في كل سورية التي هب شعبها من أجل الحرية والكرامة. كم تشبه تلك القصة الحقيقية الواقع الحالي الذي تعيشه حلب التي أصبح اسمها من أكثر الأسماء تداولاً في الأشهر الماضية، أثناء الثورة السورية. لكن هذه المرة ليس بسبب عاشقة أغاني أم كلثوم التي قتلها عمها بناء على شكوكه، بل بسبب الهتاف الشعبي «سورية بدها حرية».

يبدو من المبالغ فيه اسقاط فيلم تم انتاجه قبل الثورة السورية ببضع سنوات على ما يجري حالياً، لكن الربط ليس في التفاصيل بقدر ما هو بجرائم القتل بدم بارد والمجازر التي يرتكبها النظام.

صرخة

حلب، تلك المدينة التي من لم يعش فيها يعرف على الأقل أنها ولاّدة الطرب الأصيل، فكيف لهذه الولاّدة أن تسمح بارتكاب جريمة بحق امرأة عشقت صوتا تم الترحيب به من سلاطنة الطرب في حلب، عندما قدمت أم كلثوم للغناء أمامهم وهي تعلم أنها أمام اختبار صعب. وتبقى تلك الجملة الصرخة في الفيلم «اش قد اتغيرت حلب» تلح الآن بقوة في وقت «نزع الحناجر» والموت اليومي في حلب وغيرها من المدن والقرى السورية الثائرة ضد القهر. وهذا ما يؤكد ما قاله مخرج الفيلم ملص الذي يحضّر حالياً لفيلمه الجديد «نامو سينما» الذي يحكي فيه قصصاً حقيقية عن الثورة السورية، «للفنان غاية لا ينكشف سرها الا في وقت ما، وقصص الظلم متشابهة دوماً، وحساسية الفنان تجعله يلتقط الحدث كي يبني عليه اسقاطه، وحينها كانت قصة ايمان قصة ظلم آخر».

أحداث

أحداث قتل الأم ايمان بـدم بارد بيـد عمها تـدور في عام 2003 في الفيلم، مع أن القصة الحقيقية كانت في عام ،2001 لكن أراد ملص أن يقرن القصة بعام الحرب على العراق والانتفاضة في فلسطين في حضرة الحملات الانتـخابية لمجلس الشعب السـوري مع لافتات في كل مكان، ووعود بحـياة أفضل للجمـيع. ومع كل هذا يقرر العم قتل ابنة أخيه بتهمة الخيانة الزوجية بناء على شكوكه الشخصية، ومن دون دليل، وهذا حدث أمام زوجها الذي يعرف تماما أنها بريئة.

وكتب الناقد السينمائي الفلسطيني بشار ابراهيم عن الفيلم «نعم، لا يتخلى المخرج محمد ملص هنا عن أسلوبيته التي اتبعها في فيلميه الأولين، من ناحية توفير الخلفية السياسية الاجتماعية للأحداث، ومنحها الدلالات المعبرة عن حالة الخواء الذي يشهده المجتمع العربي، على الأقل منذ مطلع القرن العشرين، وطيلته، والربط بين المصائر السوداء للأفراد، بالمتحوّل العام، بدءاً من ديب ووالدته في (أحلام المدينة)، وعلي ووصال وابنهما في فيلم (الليل)، وصولاً إلى إيمان وعدنان والأطفال في (باب المقام)».

وأوضح أن البناء الدرامي للشخصيات فيه نوع من الإسقاطات، إذ إن «إيمان» ربة منزل، من أسرة محافظة، تعيش حياة الكفاف مع زوجها «عدنان»، الذي يعمل سائقاً لسيارة أجرة. وتعكف «إيمان» على رعاية ابنها الصغير عبدالناصر، وابني شقيقها «رشيد» المعتقل السياسي، الطفلين جمانة ومالك. اما «عدنان» المهتم كثيراً بمتابعة نشرات الأخبار السياسية، التي لا تنفك ترافقه في دورانه في شوارع حلب باحثاً عن راكب ينقله، من هنا إلى هناك، ترافقه الأخبار إلى البيت الصغير الحميم، المغسول بالمحبة والألفة، على الرغم من المأساة المتوارية خلف قسمات الوجوه، كما خلف الآتي من الأيام.

وأضاف ابراهيم «ظهر منذ البداية، أن ثمة إصراراً على أن يكون للمرأة المُشرعة للقتل، شقيق هو معتقل سياسي، وعمّ هو ضابط سابق، وأبناء عمومة ملأهم الغلظة والجهل. وأن يكون لها في المقابل زوج رخو إلى حدّ السلبية، وشقيق أصغر على طريق الأصولية، وأب غاية في الوهن، وأم قليلة الحيلة. وعلى أن تجري مباحثات القتل على طاولة عامرة بالطعام، وأثناء طقوس التهام بشع للطعام. وقبل ذلك أن يكون العم وأبناؤه يعملون في ذبح الدجاج».

تقنية رقمية

استخدم ملص في تصوير الفيلم التقنية الرقمية «ديجيتال» ليحولها بعد ذلك إلى النمط السينمائي، في تصوير تفاصيل حياة كاملة في «باب المقام»، فيها الأم التي تهتم بنظافة بيتها في وجود ابن وأبناء شقيقها ومحاولة خلق حوار مع زوج غير مبالٍ، وشارع، وموسيقى تصويرية اعتمدت على أغان عشوائية لكوكب الشرق ام كلثوم.

وفي مشهدية اسقاطية، يظهر صوت السكاكين وهي تذبح الدجاج ولون الدم الملطخ في كل مكان، وشوارع مزدحمة في كل وقت باستثناء وقت انتخابات مجلس الشعب. وفي حضرة كل هذا جار «منغولي» ينتظر دخول هذه الأم الى الحمام او الى غرفتها ليطرب بصوتها المتناغم مع صوت أم كلثوم. حلم ربما صنعه في مخيلته، ومخيلتها في اللحظة نفسها، فالغناء ايضا حرية، لذلك ركض باًكيا وصارخاً «قوصوا الغنية» أي قتلوا الحرية.

فهل كان ملص يعتمد كل هذه الاسقاطات؟ هل كان يرى بعيني زرقاء اليمامة ما يحدث اليوم؟

وقال المخرج محمد ملص لـ«الإمارات اليوم» عبر الهاتف عن مدى امكانية الربط بين حلب في فيلمه وحلب اليوم، «بعد كل هذه السنوات، برأيكم، اش قد اتغيرت حلب؟»، ليترك الإجابة معلقة لتحفيز من لم يشاهد فيلم «باب المقام» على مشاهدته الآن في حضرة قصف حلب وبقية المدن بشكل يومي.

الإمارات اليوم في

04/10/2012

 

 

 

المصرية في

04/10/2012

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)