أخطأ المركز القومي للسينما - لا أدري هل كان هذا تحت رئاسة الدكتور
خالد عبد الجليل أم مجدي أحمد علي- في الموافقة على إسناد مهرجان القاهرة
السينمائي إلى جمعية تشكلت باسم جمعية مهرجان القاهرة السينمائيبرئاسة
الصديق الناقد يوسف شريف رزق الله قبل فتح الباب، بوضوح وشفافية، امام كل
الجمعيات الراغبة في التقدم لتنظيم المهرجان.
وكانت الجمعية التي سبق أن اشرنا إليها في مقال نشر العام الماضي، قد
ضمت مجموعة من "الحرس" القديم ممن كانوا قريبين من المهرجان العجوز أو من
الضالعين الأساسيين فيه مثل السيدة ماجدة واصف والسيدة خيرية البشلاوي
وآخرين وأخريات، مع إضافة بعض الأسماء الجديدة لعدد من منتجي الأفلام يتردد
إن بينهم من ينتج بأموال خليجية.
لكن ليس هذا هو الموضوع، فالموضوع أن جمعية كتاب ونقاد السينما برئاسة
ممدوح الليثي التي كانت تقيم المهرجان في الماضي (حتى دورة 1985) احتجت على
هذا الاسناد وتقدمت بدعوى قضائية ضد قرار المركز القومي للسينما وجاء حكم
المحكمة يقضي بضرورة اعادة طرح الموضوع مجددا للتنافس بشفافية وطبقا لشروط
واضحة محددة بين الجمعيات والمؤسسات السينمائية.
وقد اعادت وزارة الثقافة، ممثلة في المركز القومي للسينما، الإعلان عن
فتح باب التقدم في حين لم يكن قد بقى سوى أربعة اشهر على إقامة المهرجان
(وقت نشر الاعلان بالطبع أي قبل نحو شهر).. ولكن الغريب أن فترة التقدم
حددها الاعلان بخمسة عشر يوما من تاريخ نشر الاعلان وهو وقت لا يكفي أبدا
لإعداد مشروع متكامل لتنظيم مهرجان دولي كبير.
ولعل من المثير للدهشة أيضا أن السيدة ماجدة واصف التي تتمتع بمنصب
المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي والتي تعتقد ان لها حقا طبيعيا في
وراثة المهرجان من سهير عبد القادر وعصبتها، هي في الوقت نفسه رئيسة مهرجان
يسمى مهرجان الأقصر السينمائي للأفلام المصرية والأوروبية، وهو مهرجان جديد
قادم من ابتكارات المخرج محمد كامل القليوبي، الذي سبق أن ترأس مهرجان
الاسكندرية السينمائي بقرار من وزير الثقافة الأسبق المعروف بـ"وزير
الحظيرة" فاروق حسني، وتحت اشراف ممدوح الليثي، واعتبرت تلك الدورة التي
تراسها القليوبي "فضيحة كبرى" بشهادة القليوبي نفسه فيما بعد!
وروي بعض الذين حضروا تلك الدورة، أن الليثي كان يتدخل في كل كبيرة
وصغيرة، شأنه دائما، تتعلق بعمل المهرجان، ومن وراء ظهر رئيسه المفترض، مما
أدى إلى تذمر الجميع فقرر الليثي عقد مؤتمر صحفي مع القليوبي، وجلس
القليوبي معه على المنصة، ونفى الليثي أمام الجميع إنه يتدخل في عمل
المهرجان، وأكد أن القليوبي يتحمل المسؤولية بالكامل.. وسأل القليوبي أمام
الجميع: أليس كذلك يادكتور.. فأقر القليوبي أمام الجميع أن الليثي لا
يتدخل!
وموافقة المركز القومي للسينما في عهد الدكتور خالد عبد الجليل على
اقامة هذا المهرجان، أي مهرجان الأقصر الأوروبي (وهو غير مهرجان الأقصر
الافريقي!) تجعلنا نطالب أيضا بفتح ملف هذا المهرجان الذي يحصل على منحة
مالية ضخمة من المركز ومن غير المركز من مؤسسات في الوزارة وغير الوزارة،
لكي نعرف ما إذا كانت جمعية "نون" التي تقيم المهرجان وهي الجمعية التي
أسسها القليوبي، قد التزمت بالشروط التي وضعها المركز القومي للسينما، كما
نود أن نطلع ايضا على تفاصيل توزيع الميزانية التقديرية لهذا المهرجان حتى
لا تتكرر مهزلة تخصيص مبلغ فلكي لريئس المهرجان وزوجته التي أسند إليها
مهمة العمل كمدير للمهرجان علما بأنه لا هو ولا هي لهما أدنى علاقة
بالسينما أو بالثقافة السينمائية والمهرجانات الدولية أو حتى المحلية
والمقصود بالطبع ما حدث في مهرجان الأقصر للسينما الافريقية، وتحت أيدينا
تفاصيل الميزانية وطريقة تخصيصها ويمكننا نشرها.
والنصيحة التي أوجهها للصديق مجدي أحمد علي هنا أن ابتعد نفسك من فضلك
عن الدخول في الصراع بين جمعية الليثي وجمعية ماجدة واصف، فأنت طرف يفترض
أن تكون ممثلا للدولة وليس منحازا لجمعية معينة.. ونحن في انتظار من سيرسو
عليه الحق في تنظيم المهرجان وإن كنا على ثقة ويقين من النتيجة.
المهرجان عموما لم تبق على موعد اقامته سوى ثلاثة أشهر تقريبا، ويفترض
أن يكون قد أنفقت أموال ضخمة على اقامته سواء من أموال وزارة الثقافة أم
غيرها، فهل سيسند المهرجان لجميعة أخرى مع تمويل جديد!
ولعل من الطريف أيضا ان ماجدة واصف "رئيسة" مهرجان الأقصر "الأوروبي"،
ضمت يوسف شريف رزق الله "رئيس" مهرجان القاهرة السينمائي التي هي مديره
الفني، لكي يعمل كمدير فني لمهرجان الأقصر. وهو ما يجعلني أطالب خالد عبد
الجليل أيضا ببيان موقف وزارة الثقافة من هذه اللعبة الشبيهة بلعبة
"الكراسي الموسيقية" وما إذا كان هذا التصرف ينطبق على شروط اقامة
المهرجانات كما وضعتها الوزارة!
من جهة أخرى ينتظر مهرجان الاسكندرية الذي يرأسه الصديق الناقد د.
وليد سيف، إقرار المنحة المالية التي يحصل عليها من المركز القومي للسينما
للدورة القادمة التي اعلن عن انعقادها في الثاني عشر من سبتمبر أي بعد أقل
من شهر واحد (دون ان تكتمل ميزانيتها بعد). ورغم أن وليد سيف يجهز للدورة
بأسلوب راق جديد ويبذل أقصى جهده من أجل إقامة دورة أخرى مختلفة، إلا أننا
نشفق عليه من طغيان ممدوح الليثي الذي فشلت جهود الكثيرين في التخلص من
رئاسته من تلك الجمعية التي آن لها أن تجدد دمائها وتبتعد عن الحرس القديم
بالكامل، وتقلل بعض الشيء من طموحها الجامح لإقامة مهرجانات سينمائية
(دولية) متعددة خصوصا مع النقص الفادح القائم اصلا في الكوادر المؤهلة
والمدربة والتي تمتلك الوعي والمعرفة بأسس إقامة المهرجانات الدولية مما
يؤدي إلى الاستعانة ببعض الصحفيين الفنيين محدودي الموهبة والخبرة والمعرفة
والذين لا يعرفون أصلا حرفا في اللغات الأجنبية، للعمل في إدارة
المهرجانات. والأفضل كثيرا أن تركز هذه الجمعية على مهرجان واحد هو مهرجان
الاسكندرية لكي تجعل منه مهرجانا ناجحا.
ولعل من الضروري هنا أن أتساءل أيضا عن جدوى تلك الفكرة التي ظهرت في
مصر خلال السنوات القليلة الأخيرة، والتي تتعلق بتخلي الدولة عن تنظيم
المهرجانات السينمائية وترك المهمة للجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع
المدني تحت تصور أن المجتمع المدني لديه مثل هذه الكفاءات التي تملك القدرة
والخبرة في تنظيم مهرجانات دولية ناجحة.
هذه الفكرة التي روج لها كثيرا الزميل سمير فريد، تتعارض تماما مع هو
قائم بالفعل على أرض الواقع، فما حدث هو أن الجمعيات ومنظمات العمل الأهلي
والمدني لا تستطيع حتى الآن الاعتماد على نفسها، بل تلجأ في التمويل الى
مؤسسات الدولة (وزارة الثقافة، المخافظة، مصر للسياحة، مصر للطيران...الخ)
اي أنها تستقل "من الناحية الشكلية" عن الدولة ولكنها تظل مترممة عليها من
الناحية المالية، أي أن الدولة في هذه الحالةـ تمول مهرجانات (من الباطن)
لحساب آخرين ومن أجل أمجادهم الشخصية.
ووجهة النظر المعلنة التي كررها سمير فريد وسمعتها بعد ذلك من مجدي
أحمد علي، هي أنه لا تتوفر لدى وزارة الثقافة كفاءات أو خبرات في مجال
تنظيم المهرجانات السينمائية الدولية، وهو قول قد يكون صحيحا بشكل ما، ولكن
من ناحية أخرى فإن هذه الخبرات تغيب أيضا عن تلك الجمعيات والجماعات خارج
وزارة الثقافة بدليل أن المنتج شريف مندور وهو قطب أساسي في ادارة مهرجان
القاهرة السينمائي (أو ربما كان كذلك!) صرح على شاشة التليفزيون قائلا إنهم
في ادارة المهرجان اعترفوا بأنهم لا يعرفون شيئا عن تنظيم المهرجانات،
واضفا أنهم كتبوا بهذه الصيغة إلى الاتحاد الدولي للمنتجين الذي يشرف على
المهرجانات السينمائية الدولية المعترف بها، وطلبوا معاونتهم في التعلم
والفهم، وهو من أغرب ما سمعت من آراء، فإذا لم تكن تعرف أو تفهم، فلماذا
وضعت نفسك في هذا الموضع، ولم لا تترك مكانك لمن لديه المعرفة والخبرة..
ولعله قد فعل!
ملحوظة: هذا المقال يعبر عن رأي أمير العمري ككاتب وناقد مستقل لا
يلتزم فيما يكتبه سوى بالإخلاص للقاريء أولا وأساسا، ولا يعبر عن رأيه
كمدير لمهرجان الاسماعيلية السينمائي الدولي ولا عن رأي المهرجان وإدارته
ولي سالمقصود منه الاساءة لأحد بل تناول القضية الرئيسية التي يتعرض لها
بالأسماء وبوضوح في إطار نقد الظواهرالثقافية.. ولذا لزم التنويه..
عين على السينما في
17/09/2012
رؤية نقدية أخرى لفيلم "الديكتاتور":
الواقع أكثر إضحاكاً!
محمود عبد الشكور
ليس من الصعب أن تكتشف مشكلات فيلم "الديكتاتور" الذى قام ببطولته
ساشا بارون كوهين وأخرجه لارى تشارلز، وعرضته صالات محدودة بالقاهرة تحت
لافتة "للكبار فقط".
تستطيع أن تتحدث بسهولة عن حبكة متهافتة، وشخصيات باهتة باستثناء
الشخصية المحورية، وصراع مضطرب يقوى ويضعف، وممثل لم يستطع أن يخرج من
عباءة الكوميديا على الواقف (stand up comedy)،
لكى يقدم دراما كوميدية متماسكة، فى الحالة الأولى يكون الموقف والإفيه هما
الهدف، وفى الحالة الثانية تحتاج الى بناء أكثر تعقيداً وتركيباً.
حتى حكاية بديل الديكتاتور أو الحاكم، وحكاية تآمر الحاشية، استهلكتها
أفلام ومسرحيات كثيرة من فيلم "الديكتاتور العظيم" ل "شابلن"، وحتى مسرحية
"الزعيم" ل "عادل إمام"، كل ذلك واضح تماماً، ويمكن أن تضيف أن الكوميديان
البريطانى "ساشا بارون كوهين"بدا أيضاً أقل حرية فى الإرتجال، وفى اللقطات
العفوية التى تصورها كاميرا مختبئة، كما شاهدنا مثلاً فى فيلمه "بورات".
واقع الديكتاتور العربي
ولكن كل هذه المشكلات لا تعدّ شيئاً بجانب مشكلة أخرى من خارج الفيلم،
ولكنها مؤثرة تماماً عليه، ذلك أن مهازل الحكام والطغاة العرب تجاوزت
تماماً سخرية ساشا كوهين سواء كانت مقبولة أو مقززة أومبتذلة، كل الخيال فى
حكاية بطلنا الديكتاتور الأميرال "علاء الدين" حاكم "واديه"، الدولة
الإفتراضية، لايقترب مما فعله "القذافى" فى ليبيا، أو "صدام" فى العراق، أو
ما يفعله "بشّار" الآن فى سوريا.
واقع الديكتاتور العربى وحاشيته وأعوانه وقراراته وحريمه وغبائه
المستحكم، تجاوز بمراحل فيلم من بطولة أحد أكثر ممثلى الكوميديا جموحاً،
الى درجة أن موكب الجمال فى شوارع نيويورك بصحبة الحراسة النسائية، أصبح
هزيلاً وأقل إضحاكاً من مشهد خيمة القذافى وحريمه وحاشيته.
حتى ملابس الأميرال "علاء الدين"، وهيئته المستطيلة، ولحيته الطويلة،
لاتساوى شيئاً أمام ملابس "القذافى" الملونة، وقفا "بشار" الطويل، وكرش
"صدام حسين" بالزى العسكرى، وحكاية السلاح النووى الذى يمتلكه "علاء الدين"
تضاءل أمام تفاصيل قصة البرنامج النووى لمجنون ليبيا، سواء فى تنفيذ
البرنامج أو تفكيكه، وكأن شيئاً لم يكن.
عندما يشير الأميرال "علاء الدين" الى رقبته كعلامة لذبح من لايحبه،
من الصعب أن تضحك لأنك ستتذكر أن الطغاة العرب بنوا جبالا من جثث ضحاياهم،
تتفوق بالتأكيد الأهرامات التى بناها نزار قبانى من الحلمات.
يبدو "علاء الدين" مشروع ديكتاتور أو "تقاوى" طاغية مقارنةً بأتفه
ديكتاتور عربى، حتى ضحايا الأميرال، اكتشفنا أنهم لم يموتوا، ولكن تم
تهريبهم الى أمريكا التى يغازلها فيلمنا بصورة فجة وساذجة، ولعل ذلك هو
الشئ المشترك الوحيد بين "ساشا كوهين"، والطغاة العرب الذين جلدهم بكرباج
الضحك: الغزل الفاضح لماما أمريكا.
هنا مشكلة فيلم "الديكتاتور" الكبرى: محاولة السخرية من واقع هو
السخرية نفسها، محاولة صناعة "مسخرة" من "أم المساخر"، محاولة صناعة شخصيات
كارتونية بينما أصلها المعروف هو الكارتون نفسه وقد تجسد لحماً ودما
ًومرارة.
الضحك الغليظ
لا يخلو الفيلم بالطبع من مشاهد مضحكة وظريفة، ولكن البناء العام بدا
متواضعاً، رغم أن كوهين لا يتردد فى استخدام الضحك الغليظ كما فعل من قبل،
ولايتورع عن استخدام الألفاظ الصريحة، إنه يعيد الكوميديا، فى مشاهد كثيرة،
الى جذورها الأولى، عندما كانت تقدم فى الاحتفالات بإله المجون والعربدة.
هو موهوب جداً، ولكنه مازال يتحسس فكرة صناعة فيلم كوميدى، مازال
يعتقد انه أمام جمهوريؤدى فقرة ضاحكة، يستطيع أن يبنى موقفاً، ويتقمص شخصية
تتلاعب بمخارج الحروف والألفاظ، ولكنه لا يستطيع أن يضعها ضمن بناء قوى..
لم يستطع "ساشا كوهين" أن يبتعد أيضاً عن الخط المحورى فى فيلم "بورات":
يهبط إنسان أقل تحضراً (من وجهة نظره) الى أمريكاً الحرة فى كل شئ، فيتوه
ثم يحاول أن يكتشفها، ويكتشف نفسه معها، ويحاول أن يتغيّر، ولكن الطبع يغلب
فى النهاية التطبّع.
هذا الخط الموجود فى "بورات"، ستجده العمود الفقرى لفيلم
"الديكتاتور"، ولكن بحرية وفجاجة أقل، تستطيع أن تسمى الفيلم "ديكتاتور فى
نيويورك" دون أى خطأ أو تجاوز، أما مشاهد دولة "واديه" فليست إلا تمهيد
لهذه الرحلة.
ملامح الديكتاتور عند "ساشا كوهين"، المشارك فى كتابة السيناريو
أيضاً، لا تختلف كثيراً عن صورة الديكتاتور سواء فى الأفلام العربية أو
الأجنبية، وأوضحها احتكار كل المهن والمزايا، وممارسة العنف مع معارضيه،
وحب النساء، والغباء المذهل، ورغم اجتهاد صنّاع الديكتاتور فى تقديم بعض
الإسكتشات الفكاهية التى تؤكد هذه المعانى، إلا أنها ايضاً لم تستطع التفوق
على الواقع بالذات فى حالة "القذافى" الذى قام بتفكيك الدولة، ثم وضعها فى
جيبه، ثم ألقاها من جيبه، وجعلها كالكرة، يلعب بها مثل ديكتاتور "شابلن".
المدهش أيضاً أن اجتهاد "كوهين" وفريقه، لم يستطع أن يتجاوز خيال فنان
الكاريكاتير المصرى الراحل الكبير" بهجت عثمان"، الذى اخترع دولة يكتاتورية
أكثر إضحاكاً وظرفاً، أطلق عليها اسم "بهجاتيا العظمى"، وأطلق على زعيمها
الأوحد اسم "الزعيم بهجاتوس"، والذى احتكرأيضاً كل المناصب والنياشين.
الأميرال "علاء الدين" ولد ملتحياً، قتلت أمه بعد مولده، أصبح حاكماً
فى سن السابعة، نظم دورة أوليمبية خاصة به ليفوز فيها بمعظم الميداليات
الذهبية، ربما أضافت اللحية إسقاطاً واضحاً على ديكتاتوريات إسلامية تريد
امتلاك أسلحة كيماوية، برنامج إيران النووى يجد هنا معادله فى برنامج يدعمه
"علاء الدين"، بمعاونة عالم يذكرك بالعلماء الباكستانييين أو الهنود اسمه
"نادال".
ياليل ياعين
الفيلم، وإن أهداه ساشا كوهين الى ذكرى ديكتاتور كوريا الشمالية
الراحل الذى ورّث ابنه الحكم، إلا أنه فى الواقع مُخصّص للحديث عن خطر
الديكتاتوريات العربية والإسلامية إذا أتيح لها امتلاك السلاح النووى.
استخدم "ساشا"، وهو بارع تماماً فى ذلك، خليطاً من اللهجات العربية، وأبرز
بوضوح لهجة دول المغرب العربى، كما أن شريط الصوت حافل بأغنيات عربية، بل
إنه يبدأ بعبارة "ياليل ياعين" التى صارت عنواناً على الغناء العربى كله،
ونستمع طوال الفيلم الى خليط عجيب من الأغنيات العربية من "حبيبى ولا على
باله " ل "عمرو دياب" الى إيقاعات الراى وأغنياتها .
الغباء والنساء هما آفة كل ديكتاتور حتى فى فيلمنا المصرى
"الديكتاتور" الذى قام ببطولته "خالد سرحان" وأخرجه "إيهاب لمعى" قبل
الثورة المصرية مباشرة، ستجد هذه الصفات عند الأميرال "علاء الدين" الذى
يعترض على إنتاج صاروخ نووى لمجرد أنه مدبب الشكل، ونراه فى مخدعه وهو
يضاجع "ميجان فوكس"، ثم يلتقط معها صورة، يضمها الى صور أخرى مع المشاهير.
يشعر كل ديكتاتور أيضاً بالوحدة، كما أن هناك من يتآمر عليه من
الحاشية، والمتآمر فى فيلمنا اسمه "تامر" (بن كينجسلى)، هوعمّ "علاء
الدين"، الذى كان ولياً للعهد، ولكن مجئ الأميرال بدّد أحلامه، لذلك يحاول
"تامر" اغتيال الأميرال، تفشل المحاولة فى واديه، ثم يكررها فى نيويورك من
خلال قاتل محترف، يهاجم "علاء الدين"، الذى جاء يدافع عن برنامجه النووى فى
الأمم المتحدة!
بسبب الرسم الباهت للشخصيات، تبدو شخصية "تامر" مثل ضيف للشرف مع أنها
الطرف الثانى للصراع، سبب ذلك أن السيناريو سينصرف الى رحلة "علاء الدين"
فى أمريكا بعد أن فقد لحيته فى محاولة الإغتيال، وبعد أن نجح "تامر" فى أن
يستبدله بشبيه له أقرب الى المعتوهين.
تحتل هذه الرحلة قلب الفيلم، بل هى الفيلم كله، وتذكرك بشدّة برحلة
الغريب العبثية فى فيلم "بورات"، ولكن هذه المرة مع لقطات شحيحة مرتجلة
ومختلسة، ثم مساحة واسعة لحكاية حب بين "علاء الدين " الذى أطلق على نفسه
اسم "أليسون"، والفتاة اليهودية "زوى" (أنّا فارس)، المناصرة للحرية
وللبيئة وللطعام الخالى من الكيماويات، يكتشف "علاء الدين" بالصدفة أن
مهندس برنامجه النووى، الذى أمر الديكتاتور بقتله فى لحظة غباء، يعيش فى
أمريكا، بل إن كل ضحايا "علاء الدين "مازالوا أحياء بعد أن تم تهريبهم الى
أمريكا، الولايات المتحدة فى الفيلم لا تحمى اللاجئين فقط، ولكنها تقوم
رمزياً أيضاً ببعث الموتى !
التحالف
تسير الأحداث فى طريقين: قصة حب بين ديكتاتور مسلم يكتشف مشاعره فى
أمريكا، ويهودية مناضلة عابرة للجنسيات، تقوم بإيواء اللاجئين فى محل تبيع
فيه الأغذية غير الملوثة، والطريق الثانى، هو تحالف "علاء الدين" و"نادال"
لكشف البديل، واستعادة السلطة، واستكمال المشروع النووى.
فى نيويورك تختلط كل أنواع الكوميديا، من كوميديا الموقف الظريفة مثل
مشهد دخول البديل الأبله الى قاعة الأمم المتحدة، ومحاولة المحللين تفسير
حركاته العبثية بطريقة عقلانية ومفهومة، الى كوميديا لفظية كما فى استخدام
"علاء الدين" لكلمات يقرؤها عشوائياً هروباً من استجواب قاس فى مطعم
لمعارضى حكمه، وانتهاء بما أسميته (تعليقاً على فيلم بورات) بكوميديا
المراحيض العمومية التى تستخدم التبول والتبرز كوسيلة فجة للإضحاك، وربما
أضيف إليها فى " الديكتاتور" كوميديا التوليد" _ إذا جاز التعبير _ فى مشهد
طويل شديد الغرابة والفجاجة.
ربما كانت أفضل إشارة التأكيد على شعور الديكتاتور بالحاجة الى الحب،
وهى فكرة تتردد بقوة فى الأعمال العربية التى تتعرض لشخصية ديكتاتور شهير
آخر هو "شهريار"، بل إن "علاء الدين" يحاول الإنتحار عندما ترفضه "زوى" بعد
أن اكتشفت أنه ديكتاتور "واديه" الذى كانت تتظاهر ضده أمام الأمم المتحدة.
الحب هو الذى سيجعل "علاء الدين" يرجع عن فكرة الديكتاتورية، لقد نجح
فى اقتحام مؤتمر صحفى خصصه "تامر" لكى يعلن بديل "علاء الدين" دستوراً
ديمقراطيا إرضاءً للعالم، وتمهيداً لكى يبيع "تامر" حقوق امتياز البترول
لرجال البيزنس، يعلن "علاء الدين" عودة الديكتاتورية، ولكنه يتراجع عند
رؤية "زوى" فيوافق على فكرة دستور ديمقراطى.
بعد عام نكتشف أن الطبع غلب التطبع: الإنتخابات تزوّر لصالح "علاء
الدين" مثلما يفعل الطغاة العرب، يعرف الديكتاتور أن "زوى" يهودية فيأمر
بقتلها، يستمر فى برنامجه النووى، لافائدة، يقول الفيلم، من هؤلاء الطغاة،
من المستحيل أن يؤمنوا بالإصلاح أو الديمقراطية، أما الشعوب فهى تكتفى
بالهتاف والحلم، واللى مش عاجبه، يذهب الى أمريكا لكى يجد مطعماً للاجئين،
أو منظمة دولية تشجب وتستنكر، او يهودية متعاطفة توفر عملاً وحضناً وطعاماً
من فئة "الأورجانيك".
فى أحد مشاهد الفيلم، يقول "علاء الدين" أنه ليس عربياً، ولكنه يتلاعب
بالطبع لأن كل مانراه إسقاط واضح على الديكتاتوريات العربية، قد تجد لمسات
إيرانية أو أفغانية، ولكن الهدف واضح ومحدد، بالتأكيد هو متعاطف مع اليهود،
كما أنه يسخر من الصينيين، ويتهمهم بالغرابة والشذوذ من خلال رجل أعمال
غريب الأطوار، وفى مشهد مهم يختار "علاء الدين" أن يتسلّى فى قصره بلعبة
تجسد اقتحام القرية الأوليمبية، وقتل اللاعبين الإسرائيليين فى ميونيخ عام
1972.
كل ذلك واضح وصريح، ولايحتاج الى أى جدل، ولكن المزعج أن ما فعله
ويفعله الطغاة العرب يتجاوز بكثير أى إدانة أو سخرية، والحالة البدائية
لفكرة الدولة الحديثة فى العالم العربى، تعطى فرصة ذهبية لأى شخص لصناعة
سيرك كبير، وليس مجرد فيلم كوميدى ساخر.
لارى تشارلز مخرج الفيلم لديه إحساس قوى بالكوميديا، ولديه قدرة على
توظيف المونتاج لكى يحقق "الإفيه" مفعوله، معه ممثل موهوب و"فارسير" مدهش
هو ساشا كوهين، أما بن كينجسلى فقد مرّ مرور العابرين، فلا هو أضحك، ولا هو
قدم دوراً متكاملاً، كانت "أنّا فارس" فى دور "زوى أفضل منه كثيراً، ولكن
ظلّت المشكلة قائمة: واقعنا أكثر ضحكا ومرارة، وطغاتنا أكثر مسخرة، وهم
يحبون أمريكا، وهى تحبهم، ولا تبيعهم إلا إذا قرروا أن يلعبوا بالنووى، هنا
تعاقبهم بصرامة بالغة.
ومن يدرى، فربما تصنع ديكتاتوراً عربياً جديداً، ملتحياً هذه المرة
مثل الأميرال "علاء الدين".
عين على السينما في
17/09/2012
فنانة وجمهور
ندى الأزهري- الحياة الالكترونية
يثير هجوم شنَه شيخ على الممثلة المصرية الهام شاهين التي نعتها بأبشع
الصفات، تعليقات الكثيرين من زوار المواقع الالكترونية، ويبدو سؤال أحدهم
"ماذا قدمت المدعوَة الهام شاهين؟ عملت ايه للبلد" غاية في" اللطف" إذا ما
قورن ببقية التعليقات حول هذه القصة التي تحولت "قضية" لم ينته الجدل حولها
بعد.
وتشجع متابعة تعليقات القراء على الاخبار المنشورة في المواقع
الالكترونية للصحف حول هذه القضية على طرح تساؤلات عن دور الفن في العالم
العربي في رأي الجمهور العريض، كما النظرة إلى الفنانين و الفن، أو اللا فن
كما يوصف في الغالب.
القضية باختصار هي في وصف شيخ ظهر على محطة فضائية (غير مرخصة كما
قيل) للممثلة الهام شاهين بأنها "فاشلة وفاجرة" ولم يتوقف الامر عند هذا
الحد بل هو اراد الاستفسار عن عدد من "قبََلها" وجاء هذا بعد تصريح لها حول
خوف الفنانين من حكم "الإخوان" والتيارات الأخرى لمصر وتساؤلها "أعطيت فناً
لمصر فماذا قدم هؤلاء لها"؟ ومذ ذاك، لا تتوقف التصريحات والتصريحات
المضادة بين الفنانين والمسؤولين ورجال الدين ومعها ردود القراء وغيرهم.
من خلال متابعة قرابة الـ250 تعليقاً على ثلاثة مواقع متنوعة
بتوجهاتها الإيديولوجية و"الجغرافية"، إذا جاز القول، فإن نسبة المدافعين
عن الفن عموما، وعن الفنانة على نحو أقل، لا تزيد على الخمسة عشر في المئة
وهو رقم تقريبي. أما في الهجوم، فقد نالت شاهين التي "لم تقدم سوى أفلام
الرقص ومحاربة القيم" كما وُصفت، نصيباً وافراً من التجريح اللاذع ضمن هجوم
على "الفن والفنانين".
في فئة المهاجمين الكاسحة على الفنانين، نسبة ضئيلة فقط انتقدت ما
يقدمه "هؤلاء" من فن، بمعنى تقويم القيمة الفنية لأعمالهم إذ انصب معظم
التعليقات على تقويم القيمة "الأخلاقية" للفنانين، في خلط مدهش بين الصورة
(أي التمثيل) والواقع. وهكذا، اعتبر أولئك مستمرين في "نشر الرذيلة والفساد
الأخلاقي في المجتمع"، وتنطبق على أفعالهم المادة القانونية التي "تحاسب
على الفعل الفاضح علنا"، كما يقدم أحد المعلّقين "اضطراب حياة الفنانين"
كدليل قاطع على أن المسلسلات والأفلام لا تؤدي إلى الحفاظ على تماسك
المجتمع.
نظرة عموم الناس في عالمنا العربي إلى "الفن"، لا يُحسد الفن (وأهله)
عليها. فإضافة إلى كونه "عملاً غير نظيف"، فإنه سبب كل مشاكل المجتمع، فهل
نشر الفن غير "الفاحشة والجريمة؟"، يتساءل أحدهم. وبدا أحياناً أن الفن
يروق لبعضهم، ولكنْ، شرط أن يكون "أفلاماً علمية وعن تطور الصناعات ومكارم
الأخلاق...".
ولم يكن تجاهل القيمة الفنية للأعمال مطلقا، إذ في لوم تجاوز النواحي
الأخلاقية إلى الفنية اعتبر عدد من المعلقين أن الممثلين والممثلات أساؤوا
لمصر بما قدموه، كما وهزأ بعضهم مما يدعيه الفنانون من "معالجة الفن
للقضايا المزمنة في البلاد". وتساءل معلقون آخرون عما إذا كان ما يقدمه
"هؤلاء" (اي الفنانين) يدخل ضمن تعريف الفن "... هذا ليس فناً، هل هذا
فن؟"، هكذا تساءلوا وقدّموا مفهومهم للفن "الصحيح"، وهو أن ينال الفيلم
الأوسكار مثلا، كما عبر أحدهم، أو "يعالج مشاكل المجتمع بشكل محترم".
وأسديتِ النصائح للفنانين "عليهم الانصراف إلى أعمال نظيفة".
وبين هدير الأصوات المنددة، تضيع عبارات من نوع "الفنان ضمير المجتمع"
و"هو قدَم وخدم وغير معقول معاملته هكذا"، مع تأكيد على حرص "المصريين على
الفنون والفنانين"، فضلاً عن عتب ولوم "لأننا الأمة الوحيدة التي تسخر من
الفن وتحتقره". وتعمَق أحدهم في الموضوع إذ كتب "فالهجوم يجب أن يطاول ليس
الفن وإنما القصص المستهلكة والإخراج السيء والتمثيل الأسوأ".
أما ما يمكن تصنيفه تحت خانة الدفاع عن الفنانة، فلم يكن دفاعاً قوياً
بقدر ما كان انتقاداً لطريقة الشيخ في انتقادها. فقد حظي الأخير بشيء من
اللوم الملطف لكونه قال "الحقيقة ولكن بلهجة شديدة "، إضافة إلى أنه لم
يوجه انتقاده "بالقول الحسن"، أو "بأسلوب محبب" وإنما اعتمد "السب"... في
خلاصة مفادها أن "الله هو الذي يهدي العباد والرجل أخطأ ولكن أفلامها مسخرة
وقلة أدب". وتناولت التعليقات الرئيس المصري عند استقباله وفد الفنانين بعد
الحادثة، وتراوحت المواقف بين إعجاب "بدهاء الرئيس في استمالة قلوب
الفنانين" ومرونته وذكائه في "احتواء تيار كان مناصراً لمبارك (وهو ما
يُتهم به الفنانون)"، من جهة، ومن جهة ثانية بين صدمة من هذا الموقف من
الفن والفنانين "لم ننتخبك لترضيهم"، وقد كان من الاجدى "استقبال العاطلين
عن العمل بدلاً من الفنانين وأيضا المثقفين والعلماء "...
وبغض النظر عن الإهانات الفجة الموجهة إلى من يريد "الشهرة والفتنة"
أي الفنانين، فإن الانتقادات، وهو وصف جد مخفف، تثير تساؤلات أولها عن
الغياب شبه الكامل للمدافعين عن الممثلة، فأين ذهب المعجبون بالفنانة؟
هؤلاء الذين يحضرون أفلامها وأعمالها التلفزيونية؟ ألا يقرأون أم يقرأون
ولا يكتبون؟ ام أن حضورهم لأعمالها وإعجابهم بها شيء، واحترامهم شيء آخر
وذلك في نوع من فصل أو ازدواجية تجعل الشخص نفسه يعبر عن إعجابه بفنانة
ويقدم لها الورود بينما يعتبرها "غير شريفة".
فهل تعبّر هذه التعليقات عن نظرة شاملة للتمثيل في العالم العربي، أم
أنها مجرد أصوات لهؤلاء الذين ينشطون أكثر من غيرهم لإسماع أصواتهم؟
ثمة من يتابع الأعمال الفنية والحفلات والبرامج ويستمتع، لكنه في
قرارة نفسه يحمل نظرة دونية للفن والفنانين، وآخرون يحترمون الفن للكنهم قد
لا يحترمون الفنانين والفنانات بخاصة. ولكن ثمة من يحترم الاثنين ويقيَم
فنياً، وليس أخلاقياً ولا يخلط بين التمثيل والواقع ولا يعير بالاً الى
المعايير الاجتماعية السائدة، ولكنه من هذه الفئة التي لا تعلق ولا تدخل في
هذه السجالات ليأسها (ربما) من تغيير العقول أو لعدم وجود الوقت الكافي
لديها للرد والرد المضاد.
لمشاهدة الرابط على يوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=FXHWl4dZC80
الحياة اللندنية في
18/09/2012
الدورة ال19 لمهرجان غولدن بل في أضنة..
تُجاور السينما التركية بالعالمية
والعربية في قسم البحر المتوسط
قيس قاسم ـ أضنة
(تركيا)
تُنظم مدينة "أضنة" التركية وللعام التاسع عشر
مهرجاناً سينمائياً عالمياً يضم ثلاثة أقسام يكاد أن يكون كل واحد منها
مستقلاً عن
الآخر، وفي هذا تميزه وعليه يجري التركيز. ف"ألتين كوزا" من جهة تركي يقدم
أفلاماً
روائية محلية ويخصص لها مسابقة وطنية ومن جهة أخرى عالمي يوفر لسكان
المدينة الأقرب
جغرافياً الى سوريا أحدث الأفلام العالمية الخارجة للتو من
مسابقات كبيرة وحاصلة
على جوائز مهمة فيها مثل؛ "حب" للمخرج النمساوي ميكائيل هانيكه الفائز
بسعفة "كان"
الذهبية. القسم الثاني مخصص لطلاب معاهد السينما التركية ويركز على إكتشاف
المواهب
الجديدة. أما الثالث فمكرس لسينما بلدان البحر المتوسط ومختص بأفلامها
القصيرة،
وأغلب الأفلام العربية تشترك وتتسابق داخله.
في دورة هذا
العام من "مهرجان غولدن بل في أضنة" هناك الكثير من الأفلام العربية من
بينها: "عزلة
تحت الشمس" لرامي عليان واللبناني "خلف النافذة" لنغم عبود التي تعود الى
أيام المراهقة وعوالمها المشاكسة والبريئة في آن، عبر حكاية مراهق لبناني
معجب
بجارتهم الشابة والتي تكبره بكثير وغير مشغولة به إطلاقاً. هذة
العلاقة الشبيهة
بكثير من حكايات المراهقة تنقلها صاحبة العمل بإسلوب سينمائي جميل سلس
وممتع، يرتكز
على جودة تمثيل صبي واعد تحرك أمام الكاميرا بعفوية فنقل عوالم زمن بريء في
مدينة
قد لاتحمل ذات الصفة لكن مازال فيها من الجمال ما يسمح للحكاية
أن تمر فيها دون
تعقيد أو أثارة مشاكل. انها عن سماحة بلد وحلاوة العيش فيه. ومن فلسطين،
التي كرس
المهرجان من قبل برنامجاً خاصاً بها، سيعرض "ولادة" لديما أبو غوش ومن مصر
ينقل لنا
روماني سعد في روائيه القصير "برد يناير" جزءاً جانبياً من المشهد العام
لثورة
يناير، فيما اختار من تونس "علاش أنا؟" لأمين شيبوب الفائز بجائزة أفضل
فيلم في
مهرجان الفيلم التونسي في باريس العام الماضي.
تحتفي دورة هذا العام بمخرجيّن
ألمانيين هما؛ أونور بادمسوي وكريستيان بيتزولد. لبادمسوي
المعني كثيراً بالتصام
الثقافي داخل المجتمع وعلى وجه التحديد بين الجالية التركية وبين الحاضنة
الألمانية
والتي أنجز عنها أفلاماً وثائقية كثيرة سيعرض له فيلم "شرف" والمنظور اليه
من
جانبين متباعدين: تركي والألماني. أما من منجز بيتزولد فيشاهد جمهور أضنة
الفيلم
الرائع "باربارا" الحاصل على جائزة الدب الفضي في الدورة
الأخيرة لمهرجان برلين
العالمي. لعبت الممثلة (ينا هوس) دور الطبيبة الألمانية الشرقية "باربارا"
أبان
وجود الألمانيتين والتي كانت تخطط بسرية تامة للهروب الى الجهة الغربية من
بلادها
والإلتحاق بصديقها هناك. يستعيد "باربارا" على غرار فيلم "حياة
الآخرين" أجواء
الخوف التي كانت سائدة في فترة الثمانيات تحت حكم الدولة
الإشتركية وتضييق مساحة
الحرية الشخصية على أبنائها، بتناول أخف من الأول، وبميل نحو تبطين الخوف
بسطح
أنعم، مع ان تجسيده لقمعية الدولة لا يقل عنه بشيء. لقد أخذ القمع طابعاً
نفسياً
عند "باربارا" محسوس لمعايشيه ترافق مع وجود إنساني مناقض له
يسبق السياسي ويكرس
العلائق البشرية السوية. فالطبيبة التي غامرت بحياتها من أجل الهروب عبر
البحر الى
ألمانيا الغربية تنازلت في اللحظة الأخيرة عن حقها لصالح شابة تعرضت لعسف
اجتماعي
وسياسي، وبتغليبها العام على الشخصي قدمت "باربارا" نموذجاً
انسانياً كان قادة
البلاد يفتقرون اليه وحتى بعض السياسيين المعارضين الذين قد يجدون في
خلاصهم الشخصي
خلاصاً عاماً. عن هذة الإشكالية غير المحسومة أنجز بيتزولد عملاً سينمائياً
مهما،
سيشاهده جمهور أضنة خلال دورة مهرجان مدينتهم المنعقد ما بين
(17 حتى 23 سبتمبر).
من
وحي فوز فيلم "الفنان" بجائزة الأوسكار لهذا العام أعدت الدورة التاسعة عشر
برنامجاً خاصاً بعنوان "عصر هولويود الذهبي" مكرساً للسينما الكوميدية
الصامتة، ضم
عدد من أفلام تشابلن مثل؛ "أضواء المدينة" و"البحث عن الذهب" الى جانب
أعمال الممثل
الكوميدي هارولد لويد.
أما مسابقة الأفلام التركية الروائية فيسعى المهرجان الى
تغذيتها بأهم وأجدد الأعمال التركية ونظرة الى البرنامج تكفي لمعرفة حجم
الاهتمام
بهذا الجانب الذي يبرره قوة حضور السينما التركية نفسها في العالم، ويكفي
التذكير
أن أغلب جوائز مهرجان "أوسيان سينيفان" الهندي لهذا العام ذهبت
للأفلام التركية
وكذا الأمر في مهرجانات عالمية كثيرة. من بين أفلام الدورة، التي تسعى الى
تقديم
العروض العالمية الأولى فيها، فيلم "دورة" لدرويش زايم وفيلم ريس تشليك
"صمت الليل"
وعمل المخرجة ياسمين أوستغلو "في مكان ما في الوسط". والى جانب عرض الأفلام
وترتيب
الفعاليات الخاصة بها تنظم بلدية أضنة مهرجاناً كبيراً لها يعني بتقديم ما
تمتاز به
من امكانيات اقتصادية وتجارية وثقافية وتعرض، عبر جولات سياحية وبرامج
لزيارة
متاحفها، تاريخها وأهم مراحل تطور المدينة خلاله. كما انها تعد
لذوي الاحتياجات
الخاصة برنامجاً يتضمن أفلاماً لها علاقة بهذا الجانب وتوفر لهم امكانية
الحضور
والمشاهدة وبهذا تخلق أواصر جديدة بين سكان المدينة وبين المهرجان مستعينة
بالفن
السابع كوسيط قادر بسهولة على خلق المزيد من التواصل الإنساني.
الجزيرة الوثائقية في
18/09/2012
مهاجرون هنود يشاركون في "ثورة بوليوود"
محمد
موسى
يقارب الفيلم التسجيلي " ثورة بوليوود " للمخرج الهولندي
الأكسندر أوي والذي عرض مؤخرا في مهرجان الفيلم الهولندي،
موضوعة سينما بوليوود
الهندية الحديثة، وخاصة من جهة علاقة هنود مهاجرين مع سينما بلدهم الشهيرة،
وكيف
ساهمت تلك العلاقة في دفع عجلات تطوير تلك السينما. وإذا كان الشق المالي
من تلك
العلاقة معروف لكثيرين، فالهنود (والآسيويين بشكل عام) في
بريطانيا مثلا، ساهموا
بشكل كبير في إطلاق العروض التجارية للأفلام الهندية في الصالات السينمائية
البريطانية قبل أعوام عديدة، في ظاهرة تحولت الى تقليد متواصل لليوم، إلا
إن تاثير
هنود مهاجرون على التطور الفني والتقني وطبيعة القصص المقدمة
في أفلام بووليود يعد
من الموضوعات الحديثة، والتي أصبح بالإمكان الحديث عنها اليوم، بسبب أفلام
بوليوودية عرضت في الأعوام الأربع الأخيرة، تعاملت بجدية كبيرة
مع المحظور
الإجتماعي الهندي، والذي بقى بعيدا كثيرا عن الخط الترفيهي المحافظ العام
للسينما
الهندية الشعبية.
تلخص
المخرجة الهندية راشي ناريان في حديثها للفيلم التسجيلي، طبيعة العلاقة بين
السينما
التي يقدمها زملائها ومهاجري بلدها حول العالم، وخاصة في الدول الغربية،
بأنها كانت
محفزة كثيرا لتطور السينما الهندية التجارية في السنوات العشر الاخيرة، حيث
إن
"بوليوود" حاولت مجاراة التطورات التقنية للسينما الغربية، لكي تحظى
بفرص عرض تجاري
لأفلامها في اوربا والولايات المتحدة الأمريكية، وإن منتجي تلك السينما
إستمعوا إلى
آراء هنود شباب يعيشون في الخارج، أعربوا في مناسبات عديدة بأن سينما بلدهم
يجب أن
تتطور تقنيا على الأقل، حتى تضمن التنافس على حصة من السوق
التجارية هناك، فالولاء
وحده لسينما البلد البعيد لن تكون كافية أبدا لبيع تذاكر صالات سينمائية
لسنة تلو
الآخرى، كما إن دخول "بوليوود" إلى المشهد الفني الاوربي، دفعها لولوج
مناطق جديدة
من جهة القصص المقدمة في الأفلام، لتتمكن من شد إنتباه جمهور من الشباب
الاسيوي
يعيش في الخارج، يتواصل بدوره بحرية وبطرق مختلفة مع محيطه
الاجتماعي المتنوع.
فقدمت بوليوود في السنوات الآخيرة أفلام بثيمات معاصرة، كتسلط الاباء
الهنود وفرضهم
التخصص العلمي لابنائهم، كما إن المثلية الجنسية والفساد الحكومي دخلتا
ولاول مرة
الى موضوعات السينما الهندية، عاكسة في الثانية النقاش
الإجتماعي المثير في الهند
في العامين الاخرين، كما كانت أفلام المثلية الجنسية صدى لحركة إجتماعية هي
الآخرى،
وصلت الى ذورتها في عام 2010 عندما أصدر البرلمان الهندي قرارا تاريخيا
أخرج
المثلية الجنسية من قائمة الجرائم.
تخلي سينما بوليوود عن "برائتها" في السنوات
الأخيرة، لم يعجب كثير من الهنود المهاجرين وبالتحديد من أبناء الجيل
الأول، وكما
بينت المقابلات التي قدمها الفيلم التسجيلي الهولندي، فصورة
الهند لهؤلاء تتداخل مع
تلك التي قدمتها "بوليوود" على طوال الخمسين عاما الماضية، فالحياة البسيطة
والنهايات السعيدة لأغلب أفلام بوليوود حلت أحيانا بدل الذكريات الحقيقية
لمهاجرين
عن بلدهم وحياتهم. هؤلاء الذين مازالوا يتجمعون مع عوائلهم في
بلدانهم الجديدة،
وكما يظهروا في فيلم " ثورة بوليوود "، لمشاهدة أفلام هندية تحفل بالدراما
والشقاء
والسعادة.
يسافر الفيلم التسجيلي إلى مناطق مختلفة في هولندا، بريطانيا، الهند
وجزيرة سورينام، لمقابلة هنود مهاجرين، سيتحدثون عن علاقتهم بسينما بلدهم
والتغييرات التي تمر بها، والتي أطلق عليها الفيلم بالثورة،
فمن هولندا تكشف شابة
هندية بأن سينما بوليوود مازالت تجمع العائلة كلها في تقليد يسعى الجميع
للمحافظة
عليه، خاصة وسط حياة سريعة لا توفر كثير من الزمن للعائلة. الفتاة ذاتها
أشادت بدور
أفلام هندية بإطلاق نقاشات في الهند وخارجها بتقديمها لموضوعات معقدة
ومحرمة، رغم
إنها لا تفضل مشاهدة فيلم بثيمات صعبة مع الأهل، فهي لا تريد أن تفسد هذه
الترفيه
البريء الذي تقدمه "بوليوود". عائلة اخرى من بريطانيا، تحدثت
عن الفيلم الهندي "3
أغبياء" والذي عرض عام 2009، و حقق ضجة كبيرة في الهند
وبريطانيا بسبب نقده لتقاليد
إختيار آباء عديدين لمسار أبنائهم التعليمي. إحدى البريطانيات من إصول
هندية، وصفت
الفيلم بأنه ساعد كثيرا بتقبل أن تقوم ابنتها، بإختيار الموسيقى كعمل بدل
الطب
(مهنة
الأم والاب). أم هندية من سورينام، تحدثت عن فيلم هندي آخر ( نجوم على
الارض، 2007)،
ركز بواقعية غير معتادة في السينما الهندية التجارية، على موضوعة الاطفال
الذين يعانون من مصاعب في التعلم، وهي المشكلة التي تعاني منها الإم نفسها
( أحد
أولادها يعاني مشكلة التوحد وصعوبة التعلم). تصف الام تلك، كيف ساعدها
الفيلم
بالتقرب أكثر من سينما بلدها الأم، لان الأخيرة أولت اهتماما
بتفصيلة إنسانية
حقيقية.
يذهب
المخرج إلى الهند أيضا، لينجز من هناك مقابلات عديدة، بعضها مع مخرجين
ومنتجين
وأيضا مع هنود عاديين قادمين من طبقات اجتماعية مختلفة. أجمع الجميع في تلك
المقابلات على التغيير البطيء الذي تمر به صناعة السينما
الأكبر في العالم. لكنه
هذا التغيير الذي يتحدث عنه الفيلم يخص فقط الموضوعات المقدمة، من جهة
تفاعلها مع
ما يجري في الهند والعالم حولها، بدل، وكما كان يحدث في الماضي، بغرقها
الكامل في
التنميط والأطر والمسارات الثابتة المعروفة التي تميز سينما بوليوود.
فالأخيرة
مازالت لم تقطع اي خطوة كبيرة حقا في "تثوير" مفاهيمها السينمائية، كالبحث
عن لغة
سينمائية خاصة او تقديم شخصيات حقيقية لا تمر بغرفة "المكياج" الكبيرة
لسينما
بوليوود، لتخرج منها بسمات متشابه لا تحيد عنها، ولم تتغير إلا قليلا جدا
في
الخمسين عاما الماضية. فالموعظة الأخلاقية المحافظة مازالت
تشكل عماد بنية سينما
بوليوود، ولم تقترب هذه السينما أبدا من عالم الشخصيات المعقدة او الواقعية.
المفارقة إن الفيلم التسجيلي الهولندي قدم
مشاهد لأحد أحياء الصفيح في الهند.
المشاهد تلك جاءت وسط إستعادات لأفلام بوليوودية من السنوات الأخيرة، فبدت
في
البداية وكأنها جزء من تلك الإستعادات، قبل أن يفصح الفيلم بأنها جزء من
نسيجه. تلك
المشاهد التسجيلية بسكونها وتركزيها على العادي من الحياة
اليومية لحي هندي وهنود
على هامش الحياة، بدت أكثر قيمة من معظم نتاجات سينما بوليوود، حتى تلك
الحديثة
الأنتاج من تلك السينما، والتي شكلت إنعطافة نوعية لسينما الترفيه الأولى
في
العالم.
الجزيرة الوثائقية في
18/09/2012 |