حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«فيفى» أغضبت «محفوظ»!

طارق الشناوي

August 31st, 2012 9:54 am

 

الوجه المضىء لنجيب محفوظ ككاتب روائى يخفى تحته وجها متوهجا آخر ربما كان أقل حضورا عند الجمهور لكنه كان ثريا ومبدعا وخصبا، بل رائد.. إنه الكاتب الدرامى نجيب محفوظ الذى منح السينما وهى لا تزال فى بدايتها العديد من إبداعاته.. لم يقصد محفوظ أن ينافس كتاب السيناريو ورغم ذلك وطبقا لاستفتاء رسمى تم إجراؤه قبل سبعة عشر عاما احتل مكانة ثانى أهم كاتب سيناريو للسينما المصرية طوال تاريخها -بعد على الزرقانى- رغم أن السيناريوهات التى كتبها مباشرة للسينما أو شارك فيها لم تتجاوز 24 سيناريو.

لا أتحدث عن روايات نجيب محفوظ التى قدمتها الشاشة وعددها 32، وهو ما صعد به طبقا لنفس الاستفتاء إلى المرتبة الأولى بين كل الروائيين مثل «بين القصرين»، «قصر الشوق»، «السكرية»، «زقاق المدق»، «بداية ونهاية»، «الطريق»، «السمان والخريف» وغيرها.. أنا أتناول هنا الأعمال التى كتبها مباشرة للسينما أو تلك التى كتب لها السيناريو عن روايات مثل «إمبراطورية ميم»، «بئر الحرمان»، «أنا حرة»، «الطريق المسدود» لإحسان عبد القدوس.. أما الإبداع السينمائى الذى قدمه مباشرة للسينما فى الأفلام التى وضع لها حجر الأساس من خلال القصة السينمائية أو المعالجة الدرامية مثل «ريا وسكينة»، «بين السماء والأرض»، «الوحش»، «الفتوة» لصلاح أبو سيف.. كما أنه كتب للمخرج عاطف سالم فيلمه الشهير «جعلونى مجرما»، وشارك فى كتابة «الناصر صلاح الدين» و«جميلة» ليوسف شاهين.. وكان صلاح أبو سيف يقول إنه عندما قرأ أول روايات نجيب محفوظ «عبث الأقدار» و«رادوبيس» و«كفاح طيبة».. اكتشف أنه يفكر بالصورة، ولهذا أقنعه فى منتصف الأربعينيات بأن يكتب مباشرة للسينما، ووافق بعد تردد ومنحته السينما انتشارا ما كان من الممكن أن يحظى به لو أنه اكتفى فقط بقراء الرواية.. فى أى لحظة لو تنقلت بين الفضائيات لشاهدت شيئا لنجيب محفوظ رواية أو سيناريو..

المشاهدون -ربما أغلبهم- لم يقرأ ثلاثية نجيب محفوظ ولم يعرفوا «سى السيد عبد الجواد» إلا من خلال الدور الذى لعبه يحيى شاهين وأخرجه فى فيلم «بين القصرين» لحسن الإمام فى مطلع الستينيات!

ورغم ذلك فإن نجيب محفوظ لم يرض عن أغلب أعماله السينمائية، أقصد الروايات التى قدمتها السينما عن أعماله الروائية.. أقرب فيلمين إليه هما «بداية ونهاية» صلاح أبو سيف، «وخان الخليلى» عاطف سالم.. الكاتب الكبير كان يحرص على أن لا يقحم نفسه فى صراع مع السينمائيين ويقول دائما لمن يتساءل عن العلاقة بين روايته الأدبية وما عرض على الشاشة بأن مسؤوليته لا تتجاوز فقط الكتاب المنشور، ومن يُرد أن يحاسبه فعليه أن يعود إلى الرواية الأصلية، أما الفيلم فإنه مسؤولية المخرج.. وظل هذا هو مبدأه الذى لا يحيد عنه ولم يعترض سوى مرة واحدة قبل عشرين عاما على فيلم «نور العيون» إخراج «حسين كمال» المأخوذ عن قصة قصيرة فى مجموعة «خمارة القط الأسود».

فيفى عبده كانت البطلة، وفى نفس الوقت منتجة الفيلم من الباطن، وخضع الجميع لها، ولهذا ضاعت كل معالم قصته الروائية، وخرج على غير عادته عن صمته، وقال لأول وآخر مرة إنى أعترض وأتذكر فى حوار لى معه نشرتُه على صفحات مجلة «روزاليوسف» أنه قال ساخرا «أنا بس خايف الناس تقوللى إيه اللى لمك يا نجيب يا محفوظ على الراقصة دى»!

حكاية نجيب محفوظ والسينما شهدت وجها ثالثا وهو الموظف نجيب محفوظ، حيث كان رئيسا للرقابة عام 1959، ثم رئيسا لمؤسسة السينما فى مطلع الستينيات.. تميّز الرقيب نجيب محفوظ بانحياز مطلق للحرية، وكثيرا ما اضطر إلى أن يبيح على مسؤوليته ما يعترض عليه الرقباء، وهكذا مثلا طلب أحد الرقباء حذف أغنية «يا مصطفى يا مصطفى أنا بحبك يا مصطفى» من تلحين محمد فوزى وغناء بوب عزام، وبعد أن شعر بالخطر فى المقطع الذى يقول «سبع سنين فى العطارين وانت حبيبى يا مصطفى»، الأغنية أذيعت بعد ثورة 23 يوليو بسبع سنوات، فكتب الرقيب فى التقرير أن المقصود بنداء «أنا بحبك يا مصطفى» هو إعلان الحب والولاء للزعيم الوفدى مصطفى النحاس ضد جمال عبد الناصر

 

الوزير تلاعب مرتين

طارق الشناوي

August 30th, 2012 9:50 am

يُصرّ وزير الثقافة على أن يحيل الوسط الثقافى والسينمائى فى مصر إلى نيران مشتعلة أتصورها لن تُطفأ.. الرجل يضرب وبكل قرارات وزارة الثقافة عرض الحائط وهكذا يعقد اجتماعًا مع غرفة صناعة السينما ويقرر تعيين عزت أبو عوف رئيسًا لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى متجاهلًا أن هناك مؤسسة تحمل اسم «مهرجان القاهرة السينمائى الدولى» تم إشهارها قبل 14 شهرًا بموافقة الدولة ومعترَف بها دوليًّا وحصلت على دعم من الوزارة بعد أن تتابع على الكرسى ثلاثة وزراء كان آخرهم محمد صابر عرب.. الوزير متخصص فى اللعب، بل إنه حصل مؤخرًا على جائزة الدولة التقديرية بواحدة مماثلة من ألاعيبه، ولكن هذه قصة أخرى تقرؤها فى نهاية المقال.

ما حدث يدل على أننا بصدد رجل دولة لا يدرى كيف تُدار مؤسسات الدولة، وكأنه صاحب طابونة يشيل «ألدو» ويحط «شاهين»، المهم أنه يعتقد أنه بكلمتين عن حب مصر يصبح الأمر منتهيًا. الحجة التى يعلنها أنه يخشى على المهرجان من الضياع فى نزاع قانونى بين جمعية كُتاب ونقاد السينما ومؤسسة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى رغم أنه يعلم أن هذا النزاع بين الوزارة وجمعية كتاب ونقاد السينما. الوزير لا يحترم قرارات الدولة، وفى عهده فقط وقع على عشرات من الأوراق التى تؤكد أحقية المؤسسة فى إقامة المهرجان.

الوزير لأنه فى الحد الأدنى يفتقر إلى المعلومات، أصدر قرارات عشوائية تحدد مصير المهرجان وذلك بعد اجتماعه مع غرفة صناعة السينما.. هل السينما والوسط السينمائى كله تمثّله غرفة صناعة السينما؟ الحقيقة أن الغرفة كيان يضم المنتجين وأصحاب دور العرض والموزعين وهم يمثلون فريقًا واحدًا فقط لديهم مصالح مشتركة ولكنهم لا يعبرون بالتأكيد عن السينما ولا عن إرادة الوسط السينمائى.. الوزير عندما اقتربنا منه فى اللقاء الوحيد الذى جمعنا به كمؤسسة اكتشفنا أنه لا يحترم قراره ولا كلمته قال لنا إنه يقترح ولم يقل قرر فقط يقترح إضافة اسم موظف للمشاركة فى المهرجان ليصبح عينًا للوزارة وأنه يخشى من الإشارة إعلاميا إلى اسم المؤسسة كمنظم للمهرجان قد يضعه فى حرج قانونى قلنا له إننا متمسكون بالمؤسسة الشرعية فطلب أن ندرس الموقف ونعود إليه، درسنا وأرسلنا ولم يردّ لا شفاهة ولا كتابة. من الواضح أن الوزير محاط بعدد من الموظفين أقنعوه أن المهرجان كان سبوبة وغنيمة سنوية ينهل منها البعض فى الوزارة فكيف ببساطة شديدة يسلمها إلى مؤسسة خارجة عن سيطرة كبار الموظفين وهكذا قرر أن يكمل طريق الضياع الذى بدأه بأن لا يحترم تعهدات الوزارة.

الوزير يلعب ع المكشوف.. كلنا نراه هو فقط الذى يتصور أن لا أحد يرى أصابعه.. تابعوا كيف حصل على جائزة الدولة التقديرية.

قبل نحو أربعة أشهر تم اختياره وزيرًا للثقافة وكان عرب فى نفس الوقت مرشحًا لجائزة الدولة التقديرية، وبالطبع لا يجوز أن وزير الثقافة الذى هو رئيس المجلس الأعلى للثقافة التى تمنح جائزة الدولة أن يقبل ترشيحه للجائزة.. صابر عرب كان قد وافق على هذا الترشح وهو يشغل موقع وكيل أول وزارة وعندما أصبح وزيرًا لم يعلن تراجعه، تمسك به على أساس أنه لا أحد سوف يأخذ باله، ولأنه كان يدرك أنه فى أى لحظة سوف تتقدم وزارة الجنزورى باستقالتها بمجرد انتهاء انتخابات الرئاسة وبالتالى سوف يغادر الموقع فأبقى على ترشيحه حتى يضمن الوزارة والجائزة معًا، وعندما اقترب موعد الإعلان عن الجائزة ولم يكن قد حان وقت تقدم الوزارة باستقالتها تذكر أنه لا يجوز من الناحية القانونية أن رئيس المجلس الأعلى للثقافة يوافق على منح جائزة الدولة التقديرية لرئيس المجلس الأعلى للثقافة فقال آسف لقد نسيت، أنا مرشح للجائزة، واعتذر عن منصبه الوزارى.. لو طعن أحد منافسيه الذين لم يحصلوا على الجائزة لانتُزعت منه على الفور.

ومضت أيام قليلة ثم عاد إلى موقعه مرة أخرى وزيرًا للثقافة بعد أن كان «استبن الاستبن» فلقد تتابع على الاعتذار كل من فاروق جويدة وعمرو الشوبكى، ووجدوا أن استبن الاستبن ينتظر فى البدروم فمنحوه الكرسى مرة أخرى.

أيدى الرجل دائمًا تلعب، يسطو على مهرجان ويسرق جائزة، نرى أصابعه وهى تلعب وهو الوحيد الذى يعتقد أن لا أحد يراه!!

 

إدمان الفنانين

طارق الشناوي

August 29th, 2012 9:02 am

ماكولاى كالكين، هذا الطفل الجميل الذى شاهدناه قبل أكثر من 20 عامًا فى مجموعة أفلام «وحدى فى المنزل»، فوجئت به بعد أن تخطى الثلاثين وقد أصبح يحمل وجه رجل متهالك عجوز قضت عليه السنين!

ماكولاى هو نموذج لنجاح الطفل الذى يمتلك فى لحظة كل شىء من شهرة وفلوس وحضور وتألق، ثم خفوت تام بعد ذلك كأن الله قرر أن يمنحه فى سنوات قليلة كل شىء ثم يحرمه بعد ذلك من كل شىء!

المأزق هو كيف تتعامل مع الواقع. كانت لكالكين محاولات سينمائية بعد تخطيه مرحلة المراهقة لكنها لم تسفر عن أى نجاح وربما لهذا السبب كان عُرضة أكثر لكى يقع فريسة للإدمان.

نتذكر نجمًا كان واعدًا هو حاتم ذو الفقار انتهت حياته فى الظل، دخل السجن أكثر من مرة وكانت فضائحه دائمًا تسبقه.. كان حاتم واحدًا من أربعة أو خمسة فنانين تجمعهم دائرة الإدمان التى وحّدتهم، كان هو صاحب الحظ الأسوأ.. كل مشكلة حاتم بعد أن يُلقَى القبض عليه متلبسًا بحيازة الهيروين: «اشمعنى فلان الفلانى حر طليق؟». لم تكن العدالة مطلبه، فقط كان يريد أن يلحقه نجم آخر مدمن لكنه كان على صلة وثيقة بأجهزة الأمن تضمن له أن يظل بعيدًا عن الملاحقة الأمنية!

الإدمان لعنة معرَّض لها البشر جميعًا، ولكن الفنان تزداد أكثر احتمالات وقوعه فى براثنه.. هل تتذكرون عماد عبد الحليم؟ عرف مبكرًا النجاح فى الغناء بعد أن دفع به عبد الحليم ومنحه اسمه. مَن عاصروا تلك السنوات يدركون أن عبد الحليم لم يكن شغوفًا بأن يقدم للساحة مطربًا، ولكن ما حدث أنه فى مطلع السبعينيات ظهر هانى شاكر وفوجئ عبد الحليم بأن الشارع يردد له عددا من أغانيه وأشهرها «كده برضه يا قمر؟» التى كتبها صلاح فايز ولحّنها خالد الأمير.

عبد الحليم كانت دائمًا لديه تلك المخاوف.. نعم نجاح عبد الحليم لا يضاهيه نجاح مطرب آخر، وربما أيضًا لأن الزمن تَغيَّر لم يعد من الممكن أن نكرر ظاهرة النجم الأوحد، ولكن عبد الحليم كانت لديه هواجس أن يأتى مطرب آخر ينازعه القمة، ونصحه الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس قائلا «العيّل ينافس العيّل»، لهذا تَبنَّى عماد لتصبح المعركة بين عماد وهانى لا بين هانى وعبد الحليم.

ورحل عبد الحليم وظل عماد لأنه صاحب موهبة حقيقية، إلا أنه دخل سريعًا البؤرة ولم يُحِط هذه الموهبة بسياج يحميها، وبدأت الأضواء تنسحب عنه وامتزج الإدمان بعلاقة نسائية براقصة كادت تؤدى به إلى السجن عندما أرادت الانتقام منه بإلقاء القبض عليه وهو يتعاطى فى شقة مطرب اشتهر بالغناء الدينى، ولكن الذى قُبض عليه متلبسًا كان المطرب الدينى، وخرج من السجن بعد قضاء مدة العقوبة وقد تخلص تمامًا من الإدمان بينما عماد كان قد اقترب أكثر من منطقة الخطر لينتهى الأمر كعادة المدمنين بالعثور على جثته ومعه سرنجة وليمونة.

الفنان عُرضة للإدمان لأنه يعيش حالات دائمة من التوتر، ثم إن النجاح يخيف فى أحيان كثيرة وتصبح معاناته أكثر بكثير من معاناة الفشل.

فى مسلسل «أهل الهوى» الذى يتم استكماله الآن يتعرض الكاتب محفوظ عبد الرحمن لإدمان سيد درويش وهل قُتل بسبب جرعة زائدة كما تردد أم أنها مؤامرة، ويرجِّح محفوظ احتمال أنها مكيدة نظرًا إلى مواقفه الوطنية ضد الاستعمار البريطانى، وإن كان لم ينكر أنه فى مرحلة ما من عمره وقع فريسة الإدمان.

كيف تعرف الفنان المدمن؟ لا ينبغى أن تشاهده فى أثناء التعاطى، ولكن على الشاشة تراه وقد ماتت نظرة عينيه.. أعرف نجمًا لا يزال فى الساحة صار يقبل أى دور يُعرَض عليه لأنه يحتاج إلى سيولة مادية تتيح له شراء الجرعة بانتظام، لو دققت النظر فى عينيه لوجدتهما فقدتا الحياة.. عيناه تريان، نعم، ولكنه يبدو على الشاشة كأنه يطل علينا من عالم آخر.

بطارية الإبداع تتأثر سلبًا بالإدمان، وتشعر أن النجم قد أفرغ هذه الشحنة تمامًا ولم يتبقَّ شىء لديه.

ماكولاى كالكين لم يستطع التعايش مع الواقع، شاهدت صورته فى النت فوجدت نفسى أقلّب معكم بعض صفحات إدمان الفنانين التى لا تنتهى

 

«مرسى» والسينما الإيرانية

طارق الشناوي

August 28th, 2012 10:03 am

يصل غدًا د.محمد مرسى إلى طهران فى أول زيارة رسمية من رئيس الجمهورية بعد 33 عامًا منذ أن أطاحت ثورة الخومينى بالشاه.. بالتأكيد ليس من مصلحة مصر أن تغلق الباب أمام عودة العلاقات مع إيران، وعلى كل المستويات هذه الزيارة السياسية فتحت الباب مجددًا للحديث عن السينما الإيرانية التى صارت هى فاكهة المهرجانات فى العالم كله، والسؤال الذى يردده البعض فى الربط بين الزيارة والسينما، أليس من الممكن أن نحاكى هذه السينما لنحصد مثلهم الجوائز وتتخاطف أفلامنا المهرجانات؟!

ويعلو الصوت مجددًا، أليست السينما الإيرانية بطبعها سينما محجبة لا فيها قبلات ولا مشاهد ساخنة ولا عنف ولا حتى سلام بالأيدى بين المرأة والرجل؟ وبالطبع هم يقصدون أن على السينما المصرية أن تسارع بالحجاب وبالتزام القيود ولا تتحجج بالقيود الرقابية التى تحول دون حرية التعبير.

إنهم يعتبرون أن القيود هى الطريق السحرى للجائزة مثل أديب فاشل اعتقد أن نجيب محفوظ حصل على «نوبل» لأنه كان يتمشّى يوميًّا من بيته بالعجوزة إلى جريدة «الأهرام» أو أن سر إبداع يوسف إدريس أنه كان يدخّن فى اليوم ثلاث علب من السجائر.

التماثل بين نجاح السينما الإيرانية والقيود، هو ربط تعسفى، ولكن السينما قررت أن تتحايل على القيد وأن تصنع سينما تتأمل الحياة تناقش الإيمان بالله تتلصص على الحياة أحيانًا بعيون طفل.. إنها سينما ترى فيها نفسك أيًّا ما كان موقعك الفكرى والجغرافى، تجبرك على أن لا تلاحظ قيودها، ولكن جمال السينما لم تصنعه بالتأكيد تلك القيود.

أتذكر كلمة للمخرج العالمى أورسون ويلز، يصف فيلم «ماسح الأحذية» لدى سكا، الذى قدمه قبل نحو 70 عامًا، وهو يعد رائدًا للسينما الواقعية الإيطالية، قال ويلز بكلمات تلخص كل شىء «الكاميرا اختفت، الشاشة اختفت لم يبق غير الحياة».

إنه تشبيه من الممكن أن تطلقه على العديد من الأفلام الإيرانية التى تشعرك أنك تشاهد من خلالها الحياة.. أفلام عباس كروستامى ومجيد الجيدى وأصغر فرهادى ومحسن مخلباف وجعفر بناهى، وغيرهم، تجد فيها هذا السحر الذى يتمرد على السينما فتشعرك أنها الحياة.

المخرج الإيرانى يتعامل مع تلك «التابوهات» الممنوعات، وكأنه لا يراها، فهو يبحث عن المعنى الفكرى أو الكونى ويطارده، ورغم ذلك فإن هناك أكثر من مخرج غير مرحب بهم فى النظام الإيرانى.. أغلب الموهوبين فى إيران غير مرضىٍّ عنهم، مثل مخلباف وعائلته المكونة من أبنائه وزوجه، كلهم يمارسون الإخراج، كانت لهم مواقف مباشرة ضد القمع الإيرانى فهاجر إلى باريس.. كروستامى، رغم مكانته العالمية فهو ليس مرحبًا به فى العمل داخل إيران، وهكذا قدم مثلًا فى الأعوام الأخيرة فيلمين، الأول إنتاج مشترك بين فرنسا وإيطاليا وشاركت فى بطولته جوليت بينوش «نسخة أصلية»، والثانى إنتاج بين فرنسا واليابان «مثل من يحب».. لو شاهدت الفيلمين سوف تكتشف أن المخرج لم يقدم نساء محجبات، لأن الفيلم يتناول شخصيات فى الواقع لا ترتدى الحجاب، ولكن ستجد أن الفيلمين ينتميان إلى عالم المخرج القائم على التأمل المطرز بالبراءة.. عباس يعتبر واحدًا ممن شكّلوا ملامح السينما فى إيران بعد الثورة.

السينما الإيرانية حصلت مثلًا هذا العام على جائزة الأوسكار «طلاق نادر وسامين» للمخرج فرهادى.. الفيلم يتناول فى بعده المباشر قضية الطلاق، ولكنه يتجاوزها، يجعلنا نفكر فى الكذب الذى نلجأ إليه أحيانًا.. هل نتسامح مع كذب أبطالنا، لأننا مثلهم نضبط أنفسنا متلبسين أحيانًا بالكذب؟

القيمة الإبداعية تعانقت مع القيمة الفكرية، جزء من التفاصيل يقدمها فرهادى، ثم يترك لك مساحات أخرى من الصمت والفراغ تملؤها أنت.

إيران تطارد مبدعيها مثل المخرج جعفر بناهى الذى لا يزال قيد الإقامة الجبرية فى طهران ومهددًا بالسجن 6 سنوات، ومنع بحكم القضاء من ممارسة مهنة الإخراج السينمائى على مدى 20 عامًا قادمة. قدم مؤخرًا فيلمًا أطلق عليه كنوع من التهكم «هذا ليس فيلمًا».

نعم نأخذ من إيران عمق السينما التى ترتكن إلى التأمل، لكننا لا يمكن أن نختصر هذه السينما العظيمة فى الحجاب والقيود ومطاردة المبدعين، نأخذ منهم روح السينما التى قال عنها أورسون ويلز «اختفت الكاميرا واختفت الشاشة ولم يبق غير الحياة».

 

مهرجان القاهرة واللحظات الحاسمة!

طارق الشناوي

August 26th, 2012 9:56 am

ساعات قليلة وتتحدد تفاصيل عديدة لملامح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته القادمة التى تنطلق يوم 27 نوفمبر.. ننتظر قرارات سوف يصدرها وزير الثقافة د.محمد صابر عرب لتنهى عديدا من الملابسات التى خيَّمَت على المهرجان وكانت مرتعا خصبا للعديد من الأخبار التى انتشرت فى «الميديا» ويُعوِز أغلبَها الصدقُ والمنطق.

كان المركز القومى للسينما المصرية المنوط به رسميا تنظيم المهرجانات قبل نحو أسبوع فقط قد أصدر قرارا يمنح مجددا شرعية إقامة المهرجان لمؤسسة مهرجان القاهرة السينمائى التى يرأسها الإعلامى والناقد الكبير يوسف شريف رزق الله، مع إشراف كامل من وزارة الثقافة على الشؤون المالية، ولكن ما يُنشَر فى الجرائد خلال الأيام الماضية يفتقر تماما إلى المعلومة الصحيحة الموثقة. البعض يقول إنها أخبار تم تسريبها من مكتب الوزير والبعض يؤكد أنها مجرد اجتهادات أو تربيطات وتحالفات.

وبصفتى عضوا فى مؤسسة مهرجان القاهرة كنت قد شاركت فى لقاء جمعنى وعددا من أعضاء المؤسسة مع وزير الثقافة قبل إجازة العيد مباشرة، ولست فى حل أن أنشر تفاصيل هذا الاجتماع.. كان لقاء للتشاور وطرح الأفكار، وألقى الوزير الكرة فى ملعب المؤسسة التى أنهت أكثر من 85% من فاعليات تلك الدورة التى تحمل رقم 35.. لا أعلم بالضبط ما الذى يدور فى فكر وزير الثقافة فى تلك اللحظات الحاسمة، ولكن المنطق يؤكد أن الدولة المصرية تتطلع إلى أن تلتزم باتفاقاتها، فهى دولة مؤسسات.

البعض مع الأسف يلعب بطريقة «اكذب حتى يصدقك الناس».. والكذبة التى تتردد هى أن مهرجان القاهرة السينمائى الدولى لن ينقذه سوى أن يعود خاضعا تحت مظلة وزارة الثقافة، هى التى تشرف على تنظيمه وكل تفاصيله، فى وقت كانت الثورة المصرية فيه قد أنهت مبدأ احتكار الدولة للأنشطة الثقافية.. وزير الثقافة الأسبق د.عماد أبو غازى من خلال موقعه التقط على الفور هذه الروح الجديدة التى دعمتها ثورة 25 يناير وفتح الباب أمام المجتمع المدنى وانطلق أكثر من مهرجان تديره مؤسسات وجمعيات أهلية مثل الأقصر للسينما الإفريقية، وفى الطريق الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، والغردقة والإسكندرية وغيرها.

وبالطبع كل شىء من الممكن أن يُطعَن فيه قضائيا، ولكن لا يمكن أن نتراجع عن قرار خوفا من المثول أمام المحكمة، وفى نفس الوقت على الدولة أن تتحسب لأسلوب المواجهة القانونية.. أنا بالطبع أدرك أن وزير الثقافة لديه نية صادقة فى تجنيب الوزارة أى معارك قضائية.

المأزق القانونى طرفاه فقط جمعية كتاب ونقاد السينما ووزارة الثقافة، لا مؤسسة مهرجان القاهرة.. ربما حدث خطأ وقعت فيه الوزارة أدى إلى إحداث ثغرة نفذت منها الجمعية، أو كما قال أكثر من مسؤول فى وزارة الثقافة أن الشؤون القانونية بالوزارة لم تأخذ الدعوى بالجدية اللازمة، كل هذا وغيره وارد بالطبع، ولكن فى النهاية الوزارة تلقت حكما وعليها أن تبحث عن مخرج قانونى.

البعض يرى أن الحل ببساطة هو أن تقيم الوزارة المهرجان وتنحِّى جانبا مؤسسة مهرجان القاهرة ولا ينظرون إلى الجانب الآخر الذى تقضى به العدالة لأن هذه المؤسسة أنجزت أكثر من 85% من الاتفاقات فى الداخل والخارج ولم يبقَ على المهرجان سوى 90 يوما، فكيف لا تلتزم كجهة رسمية بكل تعاقداتها؟ ولماذا تتحمل وزر خطأ قانونى ارتكبته الوزارة؟!

البعض يُدخل الاتحاد الدولى للمنتجين الذى يضفى شرعية تنظيمية لعدد من المهرجانات الدولية وبينها القاهرة طرفا فى الصراع بينما الاتحاد لا يعنيه فى شىء مثل هذه الأمور، هو فقط ينتظر أن يجد جهة ما تقيم المهرجان، وسبق أن وافق للمؤسسة على أن تلعب هذا الدور، ولن يتراجع إلا إذا سقطت المؤسسة ككيان اعتبارى.

وجودى فى المؤسسة منذ إنشائها قبل أكثر من عام أتاح لى أن أتابع أسلوب العمل الديمقراطى داخلها فلم يحدث إصدار أى قرار إلا بعد الرجوع إلى الأغلبية، والقرار الجماعى هذه المرة هو أن تظل المؤسسة تدافع عن حقها الشرعى بكل الوسائل.

الأمر شائك، ولم أكن أنوى الكتابة، ولكن العديد من الزملاء الصحفيين فى أكثر من مطبوعة كانوا يسألوننى، ولهذا أردت أن أدلى برأيى فى تلك المساحة.. كنت شاهدا ومتابعا للتفاصيل، قلت بعضها، ولا أستطيع فى هذا التوقيت الشائك أن أبوح بما هو أكثر!

 

ركعتان على الهواء

طارق الشناوي

August 23rd, 2012 10:31 am

فى اليوم الأخير لعرض برنامجه الرمضانى أدى ركعتين شكرا لله على الهواء.. لا أتدخل ولا أعرف ولا يجوز لأحد أن يدعى معرفة نيات الناس، فهل كان يؤدى ركعتين تمشيا مع الجو العام، أم أنه بالفعل أراد الصلاة بنية صادقة؟.. ولكن ما معنى أن يركع المذيع على الهواء أمام الناس؟ كان من الممكن أن يفعلها فى بيته، خصوصا أنه ربط الصلاة بما سوف يأتى بعد ذلك، وهو أنه كان من ضحايا العهد البائد، وأنه كان يحارب فى تليفزيون بلاده حتى لا يرى برنامجه النور، رغم أنه فى البرنامج لا يفعل شيئا سوى أنه يساعد الفقراء، والدولة كانت ترحب بهذه النوعيات وعدد كبير منها شاهدناه فى عهد المخلوع، وقسط وافر من المذيعين من أجل تحقيق شعبية سريعة يلهثون وراء تلك البرامج، التى تحقق انتشارا عند رجل الشارع البسيط، الذى يشعر أن هذا المذيع يتبنى مأساته وأنه منحاز إليه.. الخط المتفق عليه بين كل الأطراف هو أن كل هذه المآسى يتحمل وزرها كاملة المحافظ أو الوزير، ومن الممكن أن يصل إلى رئيس الوزراء، لكن فى النهاية فإن الرئيس هو صمام الأمان!

كنا نعيش عهدا بائدا وفاسدا باعوا فيه مصر، وكانت العائلة والحاشية تُمسك بكل شىء فى البلد، ولكن ليس كل إخفاق فى الحياة كان وراءه فساد العائلة.. المذيعة التى أدينت مثلا فى قضية رشوة لم تدبر لها يقينا سوزان هذه الجريمة، والفنانة التى اتهمت فى قضية دعارة لم تكن بالضرورة من تلفيق جهاز أمن الدولة لحساب العائلة الحاكمة، وإلقاء نجمة شهيرة من شرفة المنزل لم يكن وراءه حتما بيت مبارك.. الفساد كان للركب والمصالح تشابكت وامتدت إلى كل تفاصيل الحياة، إلا أن البعض اعتبر أن كل هزيمة له فى الحياة العامة والخاصة يتحمل وزرها العهد البائد!

هل مثلا أغنية «عم بطاطا» أثارت النظام ضد على الحجار ووضعته فى القائمة السوداء، وتم بعدها التعتيم عليه وعلى إبداعه.. صعود فنان واقترابه من الناس لا يمكن أن نعزوه فقط إلى رضاء النظام أو سخطه. عدد من الفنانين أخفقوا فى التواصل الجماهيرى ولم يكن النظام هو المسؤول بالمعنى المباشر للكلمة، بالتأكيد المناخ الفاسد يؤثر سلبا على كل مناحى الحياة، ولكن أنا ضد أن يلجأ كل فنان أو مذيع إلى شماعة اسمها العهد البائد.

أتذكر مطربا كنا نعتبره فى مطلع حكم مبارك هو صوت النظام، وكثيرا ما غنى لمبارك فى الحفلات الرسمية. الذى حدث أنه فى الخمسة عشر عاما الأخيرة من حكم مبارك لم يعد للمطرب أى سند جماهيرى ولهذا تم استبدال آخرين به.. لم يكن له موقف سياسى ضد النظام، أو مثلا ضبط وهو يلقى نكتة يتهكم فيها على مبارك أو التوريث، لا شىء من هذا القبيل ولكن فقط قررت الدولة أن تستبدل آخرين به لديهم دائرة جماهيرية أوسع.. السلطة بحاجة إلى فنان لديه حس شعبى، والفنان الذى يغنى كثيرا للنظام ويلتصق به من المستحيل أن يخلق جماهيرية، لأن الناس بطبعها تكره السلطة حتى لو كانت فى جانب منها عادلة، فما بالكم لو كانت فى كل الجوانب مثلما كان مبارك فاسدة.. المطرب المذكور فقد كل إمكانية لتحقيق جماهيرية والسلطة قاسية ألقت به فى عرض الطريق، بعيدا عنها بعد انتهاء فترة صلاحيته، وعلى الفور بعد الثورة قال إنه مضطهد ومظلوم وأنه كان ثوريا من العيار الثقيل.

هل هناك فنانون كانت لديهم مواقف ثورية ودفعوا الثمن؟ أغلب النجوم كانوا على موجة النظام، الكل يدرك ذلك لم يكن لدينا فنان معارض إلا فى القليل النادر!

هل لدينا مذيع دفع الثمن؟ الحقيقة أن عددا محدودا جدا هم الذين كانت لديهم مواقفهم وناهضوا السلطة فى أكثر من مناسبة، ولكن المذيع الذى صلى ركعتين شكرا لله بعد عرض برنامجه على إحدى الفضائيات، لم يكن يوما طوال تاريخه صاحب موقف ضد النظام.

الدولة لم تكن تنزعج من أفلام تنتقدها على سبيل التنفيس عن غضب الناس، كانت الجرعة المسموح بها فى الانتقاد متفقا عليها بين جميع الأطراف، و«تراعينى قيراط أراعيك قيراطين».

شماعة فساد مبارك الكثيرون الآن يعلقون عليها فشلهم الفنى والإعلامى والشخصى.. الشماعة ح تشيل إيه ولّا إيه؟!

 

رائحة البسكويت وتكبيرات العيد!

طارق الشناوي

August 22nd, 2012 11:04 am

يتكرر الأمر دائمًا، نفس المشهد، التغيير فقط فى أبطال الفيلم.. وأنا فى طريقى إلى دار السينما لأشاهد الأفلام، كان الجامع المقابل للسينما قد بدأ فى وضع السجاجيد الإضافية أمامه، كانت الساعة لم تبلغ بعد العاشرة مساء، ولكن ليلة وقفة العيد، الاستعداد لشعائر الصلاة يبدأ مبكرًا.. فى هذه الليلة نرى التوحد فى طبيعة المصريين بين مظاهر الدنيا والدين.. صاجات «الكحك» والبسكويت، والغُريِّبة فى الشارع تمتزج رائحتها مع تكبيرات العيد.

فى حى المنيل حيث أقطن، توجد سينما «جلاكسى» والعروض فى الظروف الاستثنائية تمتد حتى الثالثة فجرًا، أى أن الفيلم ينتهى عرضه ومؤشر الساعة يقترب أو يتجاوز الخامسة، والجمهور الذى ذهب إلى الجامع كان قبلها بلحظات يضحك مع أفلام «هنيدى» و«السقا» و«حمادة هلال».

رأيت جزءًا كبيرًا من جمهور السينما ينضم إلى صفوف المصلين مرددًا تكبيرات العيد «الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله».

وتجدد فى ذهنى هذا السؤال الذى فرض نفسه على الإعلام: هل يستطيع حزب ما أن يعادى الفن ويفرض بالقوة الحجاب ويغلق دور العرض أو يمارس رقابة صارمة على الإبداع ويضعه تحت منظور ضيق للحلال والحرام؟!

فى بداية الثورة الإيرانية أحالوا عددًا من دور العرض إلى دور عبادة، وبعد ذلك اكتفوا بوضع محاذير صارمة على مخرجى الأفلام.. التيار الإسلامى فى مصر عندما يخاطب الجماهير سياسيًّا يقدم على المستوى الرسمى الكثير من التطمينات لينفى غلاة التشدد ومعاداة الفن والثقافة والمرأة والأقباط.. اللعبة السياسية تجعل مثلا الحزب اليسارى يؤكد انفتاحه على اليمين، واليمين يؤكد أنه سوف يحافظ على الأمن الاجتماعى ومحاربة الفوارق بين الطبقات، والإسلامى يتبنى أكثر من رسالة، واحدة للأقباط تمنحهم أحقية تولى الحكم.. والثانية للمرأة يقر بحريتها كاملة وأنه لن يفرض الحجاب على الشارع.. النموذج الإيرانى الذى يطبق بقوة قانون الحجاب مستحيل الاقتراب منه فى مصر، ولكنه فى نفس الوقت لا يصل إلى النموذج التركى فى فصل الدين عن الدنيا.. ليس معنى ذلك أن تخاصم الدنيا قواعد الدين، ولكنها لن تتحول إلى قوانين ملزمة فى الحياة.. زوجة «أردوجان» ترتدى الحجاب، ولكن الحجاب ليس زيًّا رسميًّا فى تركيا.

أنا لا أخشى من إرادة الناس فى الاختيار، ولهذا لا أجد مبررًا لمن يقول لو جاء الإسلاميون سوف أغادر البلاد، منتهى السلبية.. عليك أن تفرض إرادتك، مَن يتبنى هذا الحل الانسحابى، مسلمون وأقباط، هم الذين يمهدون لحكم مطلق للإخوان.. اقتناص التيار الإسلامى للأغلبية فى مصر مثلما حصل عليها فى تونس لا يعنى أنه امتلك الحكم للأبد، ولكنه من خلال بقائه على قمة السلطة سوف يتيح لنا أن نكتشفه ونكشفه.. الحاكم يصدر قرارات وليس مجرد تطمينات، ومن هنا تستطيع أن تحاسبه عليها عندما تزداد المسافة اتساعًا بين الحلم والواقع.

لا أجادل كثيرًا الآراء الدينية المتشددة التى نتابعها بين الحين والآخر فى «فيسبوك» وبرامج التووك شو، مثل مَن يعلنون إلغاء الأقباط من الحياة وفرض الجزية عليهم، ومن يعتبرون المرأة عورة إذا غنت أو تكلمت أو صلّت حتى فى الجامع.. هؤلاء لا تناقَش آراؤهم، إنهم الفِخاخ المشتعلة التى تشكل خطورة على أى تيار إسلامى يتطلع لحكم مصر!

فى مصر يتحدثون كثيرا بتوجس عن الشركات الإنتاجية الإسلامية والتى بدأت فى الإعلان عن مشروعاتها وقواعدها الإسلامية، رغم أن عددًا من الأعمال الفنية قُدمت قبل سنوات طبقا لتلك الشروط ولم تسفر عن أى تواصل جماهيرى.. أتذكر فيلم «كامل الأوصاف» الذى فرض قواعد الحجاب الذى ارتدته بطلة الفيلم «حلا شيحة» كذلك مسرحية «الشفرة»، بالإضافة إلى ما عُرف بمسلسلات المحجبات مثل سهير رمزى وسهير البابلى، ولم تسفر التجربة عن نجاح جماهيرى ينبئ مثلا عن تيار فنى متزمت قادم.. لا أخشى من سيطرة محتملة من تيار إسلامى متشدد، ولكنى أرى أن علينا أن لا ننسحب من الميدان.

المشهد كان رائعًا ليلة الوقفة.. الجمهور يخرج من دار السينما ليردد تكبيرات العيد وأتصوره فى المساء قد عاود الذهاب إلى السينما، مُشاهدًا أفلام السقا وهنيدى وهلال، حتى لو لم تكن أغلب الأفلام على مستوى الترقب والانتظار ولكن هذه قصة أخرى!

 

جسد عبد الحليم حافظ

طارق الشناوي

August 21st, 2012 10:31 am

قرأت فى العدد الأخير من مجلة «الكواكب» على لسان محمد شبانة، ابن أخ عبد الحليم حافظ أن جسد عمه لم يتحلل، وأنه شاهد وجهه كما هو فى الصور والفضائيات، شعره، عيناه، لون بشرته، كأنه غادر الحياة قبل دقائق لا قبل 35 عاما.. اضطر محمد قبل بضع سنوات طبقا لما رواه للزميل خالد فرج إلى النزول للتربة بسبب ما تردد عن أن المياه الجوفية قد اخترقت المقبرة، وكانت المفاجأة أن الأرض محصنة هندسيا ضد تسلل المياه.. الأخطر أنها محصنة ضد تحلل أجساد الموتى!

هناك من يردد أن أجساد الأنبياء لا تتحلل مثل سائر البشر، ولست فقيها فى الدين، ولكنى أراها مجرد خيالات تداعب البعض لا تستند إلى منطق ولا إلى صحيح الدين، ولكنه فرط الحب والتقديس للأنبياء، هو ما يجعلنا نردد ذلك، رغم أن الآية صريحة «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ».. أى أنه بشر والرسول كان إنسانا عاديا يأكل ويشرب ويمارس حياته، وقد يقول رأيا وليس وحيا، وعندما يراجعه أحد الصحابة الرأى ويستحسنه يأخذ به وتلك هى عظمة الدين الإسلامى.

ولن نستغرق طويلا فى الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وبانتظار أن أسمع رأى فقيه أزهرى يصحح لى ما كتبت من اجتهاد يصيب أو يخطئ.. ولكن هل عبد الحليم حافظ من الممكن أن نصدق عنه ما يقوله ابن شقيقه.. الأسطورة تتحدى الزمن بالمعنى الفنى والإبداعى، ولكن جسد عبد الحليم لا يتحدى بالتأكيد قوانين الطبيعة، إنه الحب الذى جعل ابن شقيقه يرى عمه تحت الثرى كما نراه فى الصور، التى لا تزال تنشرها الجرائد وفى أغنياته التى تبثها الفضائيات.

الأساطير عادة نبحث لهم دائما عن حالة أسطورية فى أثناء وبعد الحياة.. المتطرفون دينيا الذين يكفرون الفن ملؤوا العالم الافتراضى بصور من العالم الآخر، قالوا فيها إن أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وغيرهم من أساطين الفن فى النار، ووضعوا بعض الأصوات والموسيقى التصويرية على سبيل بث الرعب فى قلوب الناس.

أتذكر منذ عشرين عاما أن كل مصر كانت تتحدث عن عودة الفنان صلاح قابيل من الموت، وأنهم قد فتحوا التربة بعد أيام عندما سمعوا ضجيجا وصوت استغاثة تحت الأرض، واكتشفوا أن صلاح حى يرزق!

الذى أسهم فى ترويج الإشاعة هو حوار صحفى نشرته مجلة «الإذاعة والتليفزيون» مع صلاح، وعلى الغلاف صورته بالبيجامة، مما يوحى أن الحوار أجرى بعد عودته مجددا إلى البيت، وكان صلاح يروى كيف أنه أصيب بغيبوبة مؤقتة، واعتقدوا أنه مات ودفنوه وبعد أيام أفاق وعاد إلى الحياة، ولم يقرأ أحد الحديث كاملا، لأن الصحفى فى نهايته أكد أن هذا الحوار لم يحدث وأن صلاح مات، والموتى لا يعودون وأنه فقط كان يريد مداعبة القراء لتأكيد أن هذه مجرد خزعبلات.

الأمر لو أخضعناه للمنطق كان ينبغى أن ينتهى فى نفس اللحظة التى بدأ فيها، ولكننا تعودنا أن نسترسل، خصوصا أن هناك شاهد إثبات وهو ابن شقيق عبد الحليم، الذى حاول قبل عشر سنوات اقتحام عالم الغناء، ثم كان له مساحة فى الوجود الإعلامى فى أثناء المفاوضات على بيع تراث عمه عبد الحليم فى شركة «صوت الفن»، وكذلك فى مسلسل «العندليب».

الورثة فى أحيان كثيرة يلهثون وراء الأضواء، فلو أنه قال إن عبد الحليم مثل البشر أجمعين، هذا الرأى بالتأكيد لن يثير أحدا ليبحث عن تفاصيله، ولكن لو قال إن جسد عمه قاوم منطق الطبيعة فسوف يصبح حديث الناس.

من الممكن أيضا أنه لا شعوريا وتحت تأثير ضغط اللحظة نفسيا اعتقد أنه يروى ما يعتقد أنه شاهده رؤيا العيان، عندما وجد العم كما نعرفه.. إنها رغبة فى عودة لزمن كان عبد الحليم يملك فيه كل شىء.. عبد الحليم مواليد عام 1929 أى أنه لو عاش بيننا كان سيصبح فى الثالثة والثمانين من عمره.

الأسطورة تحيا فى الوجدان والقنوات الفضائية والتسجيلات الصوتية والمرئية، والنت منح الفنانين عمرا يتجاوز بقاءهم على الأرض، فهم بيننا مهما باعدت السنوات، ولكننا أحيانا من فرط الحب نعتقد أنهم ليسوا بشرا، وفى موتهم كما فى حياتهم كانوا استثناء وأساطير تتحدى حتى فناء الأجساد!

التحرير المصرية في

21/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)