يلقبونها بأجمل عيون هولندا، لأنها مولودة في هذا البلد وبدأت فيه
ممارسة مهنتها كممثلة منذ سن الصبا، في المسرح والتلفزيون ثم السينما، قبل
أن تكتشفها هوليوود في عام 2006 وتحولها في غمضة عين نجمة عالمية من خلال
أفلام مثل «الكتاب الأسود» و«فالكيري» و«رجال الاستعادة» و«الدخلاء». وها
هي تجسد في فيلمها الجديد «الفراشات السود» الكاتبة والشاعرة الجنوب
أفريقية إينغريد يونكر التي كرمها نيلسون مانديلا.
تتميز كاريس فان هوتن بجاذبية أخاذة من النوع الهادئ وبعينين زرقاوين
واسعتين وقعت كاميرات عاصمة السينما العالمية في حبها من النظرة الأولى
فرمتها بين أحضان نخبة من أكثر نجومها وسامة لا سيما توم كروز وكلايف أوين
وجود لو، وذلك في أفلام تأرجحت بين الحرب العالمية الثانية والمغامرات
المستقبلية والدراما العائلية.
لمناسبة نزول فيلم «الفراشات السود» إلى الأسواق الأوروبية، التقت
«الحياة» فان هوتن في باريس وحاورتها.
§
حدثينا عن فيلمك الجديد
«الفراشات السوداء»؟
-
هذا الفيلم هو من الأعمال القوية التي شاركت فيها، على الأقل
كامرأة أناصر في حياتي اليومية، حركات الدفاع عن حقوق المرأة في العالم،
ذلك أن الفيلم يروي سيرة إينغريد يونكر الشاعرة الجنوب أفريقية التي عاشت
حياتها حرة ودافعت عن حقوق الزنوج في بلدها على رغم كون والدها من أعضاء
الحكومة وبذله كل جهوده لإسكاتها إلى أن أصيبت بمرض عصبي أدى بها إلى
الانتحار في منتصف الستينات من القرن العشرين.
§
هل كنت تعرفين حياة هذه المرأة
قبل أن يعرض عليك تجسيد شخصيتها فوق الشاشة؟
-
كنت قد قرأت بعض القصائد التي كتبتها وسمعت عن مسيرة حياتها
ونهايتها التعيسة، لكنني لم أكن ملمة بكل تفاصيل كفاحها السياسي أو حتى
نضالها كامرأة متحررة وعلاقاتها العاطفية مع رجال وقفوا إلى جوارها وعلى
العكس خانوها. وقد تلقيت سيناريو الفيلم قبل حوالى ثلاث سنوات من بدء
تصويره، الأمر الذي جعلني أنغمس كلياً فيه، وأحاول إدراك كل صغيرة وكبيرة
في تصرفات إينغريد يونكر. كما تأثرت كثيراً بكون نيلسون مانديلا ذكرها
وكرمها في الخطاب الذي ألقاه لمناسبة توليه الحكم في أفريقيا الجنوبية.
أفقد رشدي
§
كنت معروفة في بلدك هولندا وفجأة
دخلت هوليوود إلى حياتك وحولتك نجمة عالمية، فكيف عشت هذا التحول؟
-
أنا بطبيعتي امرأة رصينة ولا أتأثر بسهولة بالأشياء التي من
المفترض أن تبهرني. لذا، فرحت طبعاً حينما وجدت نفسي صاحبة شهرة عالمية
بفضل أفلامي الأميركية، لكن الأمر لم يجعلني أفقد رشدي أو أتخيل نفسي قد
وصلت إلى قمة شيء معين، وكل ما فكرت فيه هو كيفية الحفاظ على مثل هذا
النجاح والبقاء على المستوى الذي وصلت إليه ما قد يعني عدم قبول كل
السيناريوات التي أتلقاها.
§
وهل رفضت الكثير منها في ما بعد؟
-
أقضي معظم وقتي في رفض المشاركة في أعمال أعتــبرها دون
المستوى المطلوب.
§
هل يلعب طموحك إذاً دوراً
أساسياً في تحديد مستقبلك؟
-
لست امرأة مادية في شكل عام، لكنني أعير الطموح المالي أهمية
قصوى ترتبط بطريقة جذرية بالعمل في حد ذاته. أشعر بقيمة موهبتي ومجهودي
وبقيمتي الفنية في نظر جمهوري من خلال المبلغ الذي أتقاضاه عن كل دور
أمثله. لذلك، تجدني حريصة جداً على الرفع من مستوى مكانتي الاجتماعية على
عكس بعض زميلاتي اللاتي يعتبرن هذه المسألة سطحية إلى أبعد حد. وعلى هذا
الأساس أتباهى بالمشاركة في أفلام هوليوودية تجلب لي أضعاف أضعاف ما
أتقاضاه عن أفلامي الأوروبية خصوصاً الهولندية وأسعى إلى الاستمرار في هذا
الاتجاه.
§
هل كنت ملمة باللغة الإنكليزية
قبل أن تعملي في السينما الأميركية؟
-
نعم، أنا أتكلمها منذ طفولتي مثل العدد الأكبر من الهولنديين.
§
نجوم هوليوود الذين عملت معهم من
ترك بصماته في ذاكرتك في شكل خاص؟
-
هل تصدقني إذا قلت لك إن الهولنديين والأوروبيين عموماً الذين
مثلت إلى جوارهم تركوا بصماتهم في ذاكرتي أكثر من الأميركيين والأوروبيين
الذين صاروا مع مرور الزمن هوليووديين. أعني بكلامي هذا أن الطريقة
الأميركية في التعامل لم تعجبني أو تجذبني بطريقة خاصة أبداً، ذلك أنها
مهما كانت مهنية لا تتصف بدرجة عالية من الإنسانية أو من الدفء الذي أعتاده
من قبل أي أوروبي.
§
لا تذكرين حتى توم كروز مثلاً؟
-
أسفة لكن لا.
§
دعيني أغير السؤال إذاً وأسألك
من في شكل عام ترك بصماته في ذاكرتك؟
-
الممثل البريطاني ليام كانينغهام الذي شاركني بطولة «الفراشات
السود»، لأننا اتفقنا منذ بداية التصوير وكونا علاقة وطيدة ساعدتنا في حسن
أداء أدوارنا أمام الكاميرا، غير أننا لا نزال نحافظ على صداقتنا ونتبادل
الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية.
المساواة بين الجنسين
§
ماذا عن ذكرياتك الهوليوودية
البحتة، فهل أعجبتك هذه المدينة؟
-
أنا أبتسم كلما واجهت هذا السؤال لأنني في الحقيقة لم أزر
هوليوود إطلاقاً حتى الآن، وكل الأفلام الهوليوودية التي مثلت فيها تم
تصويرها في أوروبا أو أفريقيا الجنوبية أو شمال أفريقيا. لقد عملت مع
أميركيين ولم أعمل في أميركا بالمرة. أعرف الولايات المتحدة ، خصوصاً
نيويورك، إنما على الصعيد الشخصي فقط وليس المهني أبداً. لذا، تجدني لا
أتمتع بأية ذكريات هوليوودية، وعلى العموم لست أكثر من أي شخص عادي لم
يشاهد هذه المدينة الخلابة إلا فوق الشاشة.
§
أشرت إلى مناصرتك حركات الدفاع
عن حقوق المرأة، فهل تشاركين في منظمة ما؟
-
لا، أنا لا أشارك كعضو في منظمة ما، لكنني أتابع كل ما يحدث في
ميدان تحرير المرأة وأسعى من خلال أعمالي في حياتي اليومية إلى تقديم المثل
على المساواة بين الجنسين، كما لا أتردد عن الدخول في مناقشات حول الموضوع
عندما أمنح الأحاديث الصحافية إلى مجلات نسائية أو في التلفزيون. إنني
أشارك في نشر الوعي الخاص بتطور المرأة في الميادين المختلفة.
§
يقال إنك تهتمين بالقضايا
الخيرية في شكل خاص، حدثينا عن هذه النقطة بالتحديد؟
-
إنني أعتبر أن الشهرة لا بد أن تفيد في شيء غير جلب المال
والشعبية لصاحبها. لذا، أسعى إلى تسخير نجوميتي لمصلحة قضايا إنسانية،
لأنني أعرف مدى قدرتي، بفضل اسمي، على المساهمة الفعالة في تحريك الأمور،
ولو في شكل بسيط على مستوى شعبيتي الصغيرة، وأهتم الآن بأطفال رواندا
المنكوبين، من خلال جمعية تأسست لهذا الغرض، كما أنني أسافر دائماً إلى هذا
البلد، لأساهم فعلياً في نشاط الجمعية.
§
كيف بدأت فوق المسرح وأنت بعد
صبية؟
-
حدث أنني شاركت في إعلان تلفزيوني لأن أمي كانت قد قرأت خبراً
عن شركة إنتاج تفتش عن طفلة صغيرة، وأخذتني من يدي حتى أجري الاختبار أمام
الكاميرا، وقيل عني إنني موهوبة فحصلت على المشاركة في الإعلان وعلى أدوار
مسرحية وتلفزيونية كثيرة بعد ذلك.
§
هل كنت كطفلة مقتنعة بالأمر أو
أنك كنت تطيعين والدتك فحسب؟
-
اعتبرت الحكاية مثل اللعبة، وقررت في كل مرة أن أكون أحسن
لاعبة فتفوقت في أدائي وحصلت على كل الأدوار التي رشحت لها. كنت مقتنعة
جداً من دون أن أدري أنني كنت أمارس مهنة، وأن والدي كانا يدخران ما
أتقاضاه في حساب مصرفي باسمي من أجل المستقبل.
§
وهل تعلمت الفن التمثيلي في يوم
ما؟
-
نعم، فقد التحقت بمعهد مختص وأنا في الرابعة عشرة من عمري،
وتابعت الحصص المسائية فيه حتى أتمم ما كنت قد تعلمته بالممارسة في
استوديوات التصوير التلفزيوني وفوق خشبات المسارح.
§
ما هي هواياتك؟
-
لقد أصبحت الأناقة من أهم هواياتي منذ أن صرت مشهورة، أما قبل
ذلك فلم أكن أتحمل سماع كلمة «فستان» أو كلمة «تنورة» وكنت أقضي وقتي كله
مرتدية الزي الرياضي العريض من دون أن أضع أي مكياج فوق بشرتي أو أهتم
بتسريحة شعري مثلاً، وغير ذلك مما تفعله النساء عموماً في العالم.
§
من الصعب تخيلك هكذا؟
-
مثلما قلت لك تغيرت كلياً وأصبحت مولعة بالأناقة، ولا أتحمل
نفسي الآن بثياب مهملة أو بتسريحة لا تليق بي.
الحياة اللندنية في
18/05/2012
«مهرجان
الفيلم العربي القصير» يبحث في قضايا الهوية والانتماء
بيروت - محمد غندور
انطلقت الدورة الأولى من «مهرجان أفلام الطلاب» التي نظمها «نادي لكل
الناس» في بيروت عام 2002، جامعة ما تيسّر من أعمال لمخرجين لا يزالون في
بداية مشوارهم، لتعريف الجمهور الى الانتاج الشبابي في بلد يحبو صوب نجاحات
سينمائية ملحوظة.
تكرّرت التجربة وباتت أنضج وأوعى، وتفادى القيّمون على المهرجان أخطاء
سابقة، وانفتحوا على الجامعات الخاصة، وتعاونوا مع طلابها، إلى أن صار
المهرجان وجهة للمتخرجين الجدد لعرض أعمالهم، ومشاركة الجمهور والنقاد،
النقد والتحليل.
حاول المهرجان في الدورة الماضية، «التوسع» عربياً، وكانت تجربته
ناجحة باستضافة بعض الأعمال المميزة، بيد أن الدورة العاشرة منه التي
اختتمت أمس في مسرح المدينة (بيروت)، بعنوان «مهرجان الفيلم العربي القصير»
حملت تغييرات جذرية، أهمها استقطاب أعمال من المغرب العربي، ومشاركة أفلام
روائية قصـيرة، والــتنويع في الأنماط السينمائية.
وقد تكون الايجابية الأكبر هذه السنة، التصفية الجديّة التي خضعت لها
الأعمال التي تقدمت إلى المسابقة، ووصل عددها إلى 150 فيلماً، فاختارت
اللجنة 40 عملاً مميزاً. وبذلك يكون النادي، تقدّم في شكل ملحوظ صوب
الإحترافية في التعاطي مع الاختيارات وتنوعها، خصوصاً أن أبرز سلبيات
الدورات الماضية، كانت مشاركة أفلام لم ترتق الى المستوى المطلوب، ما أزعج
الجمهور والنقاد.
وبهذا الانفلاش العربي للمهرجان بعد سنوات عشر من العمل، بات عليه
العمل بجدية أكبر لاستقطاب الجمهور، وملء الصالة في مختلف العروض، من خلال
استهداف طلاب السينما في الجامعات، والعمل مع فريق إعلاني قادر على تعريف
عامة الناس بالحدث، واستقطاب جمهور جديد للمهرجان، إذ من غير المجدي تنظيم
مهرجان كبير واستضافة أعمال محلية وعربية، من دون حضور شبابي قبل النخبوي.
انقسمت جوائز الدورة العاشرة بين مسابقتي «أفلام طالبية لبنانية»
و«الفيلم العربي القصير»، اللتين أعلنتهما لجنة تحكيم مؤلّفة من المخرِجيْن
اللبنانييْن إيلي خليفة وزينة صفير والمخرِجيْن المصري شريف البنداري
والمغربي رشيد بوتونس، والزميلة فيكي حبيب.
وأصدر «نادي لكل الناس» ثلاث إسطوانات ممغنطة تضمّ الأفلام الفائزة في
دورات الأعوام الممتدة بين 2007 و2011، لثمانية عشر طالباً جامعياً. كما
عرض المهرجان أفلام تخرج المخرجين المشاركين فــي لجنة التحكيم، وخصص اليوم
الأخير مــن المهرجان لتكريم المخرج المصري شريف البنداري بعرض ثلاثة أفلام
قصيرة لــــه هي «صباح الفلّ» و«ساعة عصاري» و«حـــظر تجوّل».
والعمل الأخير جزء من الفيلم الجماعي المصري «18 يوم»، الذي أنجزه
عـــشرة مخرجين مصريين استلهموا مواضيعه من ثورة «25 يناير».
بين العام والخاص
تنوعت الأعمال المشاركة بين روائية ووثائقية وأفلام تحريك، بيد أن
المشترك بينها عدم تخطي مدتها 30 دقيقة، باستثناء وثائقي «اللون الأحمر»
(37 د) للسورية لميا أبو الخير. وتميزت الأفلام بحرفية عالية، ونضج سينمائي
لدى المشاركين، وسهولة إيصال الفكرة، والتعبير الجميل عن توارد الأفكار في
قالب فني لافت. وتنوّعت المواضيع بين العام والخاص، والموت والحياة،
والإجتماعي والفلسفي والسياسي والثوري.
وحاولت المخرجة الشابة مروة قرعوني في فيلمها «ذات» طرح قضية الحجاب،
ومدى تأثيره على نفسية الفتاة وهويّتها، عندما تكون مجبرة على ارتدائه.
تميّز العمل بجرأة كبيرة من قرعوني التي تخطت العديد من القيود الإجتماعية
والخطوط الحمر بالنسبة إلى فتاة محجبة، لكنها أرادت أن يعرف الجمهور ما
تعانيه، خصوصاً اشتياقها إلى الفتاة التي كانتها قبل الحجاب.
تبكي المخرجة في الفيلم وتمسح دموعها، وتتكلم بعفوية عن إنزعاجها من
ملابسها وحياتها ومحيطها، وكآبتها لأن الحلول التي يجب أن تتبعها خطيرة
ومؤلمة. يغوص الفيلم في البعد الاجتماعي للحجاب، من خلال حوار بسيط بين
قرعوني التي صوّرت نفسها تتكلم مع المصوّر.
وفي رحلة البحث عن ذاتها تتعرض لاضطرابات نفسية جعلتها غير راضية عن
شكلها الخارجي ولا حتى عن حياتها.
ومن الأعمال المميزة فيلم «بلستسين» للمخرج اللبناني الشاب طارق
قرقماز، حول رحلة نحــات وهو يختبر أفكاره. ابتعد المخرج كثيراً عن الأعمال
المشاركة من حيث معالجته لفكرته. عرض العمل تخبّط الأفكار والضياع اللذين
يمر بهما الانسان المــعاصر.
حــاول النحات رسم صورة لأمه وأبيه، ولكن ذكرياته السيئة عنهما لم
تقدم صورة واضحة لهما، فمشاهدته لأمه وهي تخون أباه علقت في مخيلته، الى أن
قدّمها على شكل منحوتة تُلخّص خيانة أمه.
أراد المخرج أن تكون نهاية عمله فريدة وصادمة، خصوصاً بعدما تخلت أمه
عنه وأرسلته بعيداً منها لتتمتع بحياتها بلا مسؤوليات. وفي المشهد الأخير،
تدخل الأم الى محترف ابنها النحات لتشتري عملاً، إلا أن عملية الشراء تنقلب
الى حب بين الاثنين، ليخبرها أخيراً أنه إبنها الذي تخلت عنه منذ سنوات.
وقدّمت المخرجة كريستي وهيبة في عملها «اسمو قصة طويلة» طفلاً يعاني
من طول اسمه، ما سبب له مشكلة في الحي والمدرسة وبين أصدقائه. تميز العمل
برشاقة كادراته ونقاوة صورته، وتنقله من لقطة الى أخرى بموقف كوميدي. كما
عرض الفيلم المصري «زيارة يومية» لمجدي عدلي تفاصيل يوم عادي من حياة سيدة
عجوز، تقضي وقتها في الاستماع الى أغاني من الزمن الجميل، والاكتفاء
بالجلوس والتمتع بالألحان الجميلة، واستعادة ذكريات مضت.
وقد يكون الفيلم المغربي «شعلة» للمخرج هشام حجي من أهم الأعمال
المشاركة في المهرجان، لما فيه من حرفية وجمالية، وتقنية عالية في استعمال
الصورة، بدلاً من الاستعانة بنص أو سيناريو. فكرة الفيلم بسيطة، وتدور حول
شاب يريد إشعال سيجارة، لكنه يكتشف أن المنزل الذي علق فيه، لا يوجد فيه
إلا ولاعة صدئة غير صالحة.
وهنا تبدأ رحلته في البحث عن النار، فيعود إلى العصر الحجري لضرب
حجرين ببعضهما بعضاً ولكن من دون فائدة، الى أن يستعين برجال الدفاع المدني
أخيراً لفتح الباب له، بعدما أوهمهم أنه يعاني من مرض خطير.
رحلة البحث عن الشعلة تخللها الكثير من اللمسات الفنية، والكادرات
الجميلة. وأظهرت حرفية العمل ونضجه السينمائي، فروقاً واضحة في التعاطي مع
الأفكار بين العرب ومخرجي المغرب العربي، المنفتحين أكثر على الغرب،
والقريبين منه، والمتخطين لعادات وتقاليد اجتماعية عدّة، وإبداعهم في
اختيار الأفكار التي يعالجونها بقوالب فنية كاريكاتيرية.
وواكب الفيلمان السوريان «قصة سورية قصيرة» لداني أبو لوح، و «اللون
الأحمر» للميا أبو الخير، بعضاً مما يجري في سورية، خصوصاً العمل الأخير
الذي عرض حالة شباب يتخبط ويحاول الخروج من قيود فرضت عليه.
وباستثناء العمل الأخير، لم ينجح المهرجان في إستقطاب أعمال تُحاكي
الربيع العربي، وكان عليه، ربما، البحث عن أعمال صدرت بعد الثورات في تونس
ومصر واليمن والجزائر والبحرين.
الحياة اللندنية في
18/05/2012
نماذج لمهمّشي العولمة
مونتريال - علي حويلي
قدم «المهرجان العالمي للسينما – رؤى افريقيا» في نهاية دورته الثامنة
والعشرين، التي اقيمت في مونتريال، عروضاً لمخرجين مغاربة مدوا الشاشة
الكندية ،لأول مرة، بمجموعة «نوعية «من الافلام الطويلة الناطقة بالعربية
(بعضها مترجم الى الفرنسية او الانكليزية). وتمحورت مواضيع الأفلام حول
مظاهر البؤس واليأس والبطالة والهجرة غير الشرعية التي تعاني منها فئات
واسعة من المهمشين، اطفالا وشبابا ونساء، هم بشكل او بآخر، من «ضحايا عصر
العولمة ونظامه الرأسمالي المتوحش». وهكذا على وقع انغام وايقاعات موسيقية
مغاربية، جرى عرض فيلم قصير عنوانه «مرحبا بكم «تضمّن نماذج عن تطور الفن
السابع المغربي ووصوله الى مراتب متقدمة في المهرجانات العالمية.
احلام متكسرة
تميز بعض الافلام باطلاق «صرخة جريئة» ضد المفهوم الخاطئ للحرية،
وانحراف العديد من الشباب والفتيات نحو الرذيلة ووقوعهم في مستنقع الجنس
والمخدرات. ففي الفيلم الدرامي «عاشقة من الريف»، قدمت المخرجة والكاتبة
نرجس نجار، احدى بطلاتها «آية» ابنة العشرين ربيعا، كنموذج للفتاة الساذجة
الطائشة المترددة الحالمة بالحب والمجد والمستقبل الوردي. فهي تجري بلا
مبالاة وراء تلك الاوهام فتفقد عذريتها بعلاقة جنسية طائشة وتدمن على تعاطي
المخدرات وتعيش وطأة الحاجة والفقر والتعاسة وتنتهي حياتها بمرض انفصام
الشخصية الذي يلازمها بشكل مأساوي.
وفي سياق متصل عرضت ليلى كيلاني باكورة افلامها الطويلة «على اللوح»
الذي يلتصق موضوعه بالمجتمع المغاربي المعاصر. ويلقي الضوء على مسألة تسرد
عمالة النساء وما يواكبها من مظالم وطموحات. الفيلم يروي حكاية اربع فتيات
عاملات في مصنع «قريدس» يحاولن الهروب من الاعمال الروتينية اليومية بحثا
عن مجال افضل تعمّه قيم الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية وان تجاوز حدود
المكـان و«لامـس اطراف القرية الكونية».
ويبدو ان كيلاني بمقدار ما تدين جموح بطلاتها المفرط ، الا انها
تتعاطف معهن وتدافع عن مطالبهن المحقة وما يراودهن من احلام مشروعة سيما
وان هؤلاء يشكلن شريحة كبيرة من المنسيات اللواتي يعشن في عالم مجهول يلفه
الاهمال والنسيان.
واللافت ان كيلاني لجأت لانجاز فيلمها الى مقابلة اكثر من 300 فتاة
ممن يعلمن في ظروف مماثلة، ما اضفى عليه ابعادا من دقة التوثيق والصدقية
والواقعية.
أما مشاكل الشباب فتجلت في فيلم «الساحة، للمخرج الجزائري دحمان
بوزيد. وهو فيلم شعبي كوميدي موسيقي يتحدث عن معاناة الشباب الجزائري
واحلامه الضائعة بين اليأس والحب والهجرة والمخدرات والتمرد. وتجري احداثه
وسط مكان يقرر سكانه تنظيم شؤونهم الحياتية بأنفسهم. ولكنهم يختلفون فيما
يطرحونه من آراء ومشاريع. وتبادر مجموعة من ذوي المال والاعمال «الفاسدين»
الى اخذ زمام المبادرة في ظل لامبالاة الغالبية الصامتة لا سيما الشباب
الذين يشعرون بتهميش دورهم فيبحثون خارج هذا المكان عن تأشيرة هجرة توفر
لهم حياة افضل اكثر امنا واستقرارا علما ان بوزيد حاول في بعض المشاهد
امتصاص نقمة الشباب وغضبهم وتمردهم على الــواقع الذي يرزحون تحت وطأته.
الطفولة المعذبة
من جهة أخرى شهد المهرجان عرضين سينمائيين للطفولة المعذبة احدهما
بعنوان «ماجد» للمخرج نسيم عباسي يتناول فيه مرارة اليتم وتداعياته
المأساوية النفسية والاجتماعية. ويتحدث عن سذاجة بطل الفيلم ماجد الذي
يحاول البحث عن صورة لأبويه كانا قد قضيا حرقاً. فيتعرض الى ظروف معيشية
قاسية ويتنقل من بائع للكتب الدينية قرب احد المساجد الى ماسح للاحذية الى
بائع للسجائر في المقاهي.
كما يلاقي صنوفا من الاهانة والتعرض الى سرقة ما كان يجمعه من اموال.
وفي غمرة هذه المشاهد المأساوية تظهر احدى الصور المشرقة التي لم يخل منها
المجتمع المغربي. فيحتضنه رجل ضرير ويساعده في الوصول الى جيران اهله الذين
يحتفظون بصورة لوالديه.
اما الفيلم الآخر فهو للمخرجة حليمة الودغيري (كندية من اصل مغربي)
بعنوان «مختار». وهو فيلم قصير مدته عشرون دقيقة كان قد عرض أخيرا في
الصالات الكندية واعيد عرضه في المهرجان العالمي للفيلم الافريقي.
ويعتبر الفيلم نموذجا عن قساوة السلط الابوية واغتصابها لبراءةالاطفال
(ارغام الاب لطفله مختارعلى التخلص من طائر بوم كان قد التقطه وحاول
الاحتفاظ به في المنزل) وخضوعها للتقاليد والاعراف الدينية التي ترى ان
البوم نذير شؤم ومقدمة لشر مستطير واذى كبير يلحق بأفراد العائلة.
الحياة اللندنية في
18/05/2012
«الهيمنة
على المدينة» لروزي:
السياسة وراء انهيار المباني
الكاتب: ابراهيم
العريس
«ان الشخصيات والأحداث المقدمة في هذا الفيلم هي من نسج الخيال، لكن
الواقع الاجتماعي الذي أنتجها حقيقي وصادق». بهذه العبارات اختتم المخرج
الإيطالي فرانشيسكو روزي في العام 1963 واحداً من أبرز افلامه وأكثرها حدة
في النقد الاجتماعي والسياسي الذي كان يتقنه، وجعله جوهر القسم الأعظم من
افلامه. فرانشيسكو روزي يبدو اليوم منسياً الى حد ما، بعدما شغل اهل
السينما ومتفرجيها في شكل صاخب طوال سنوات الستين والسبعين، يوم كان يرى
عدد من كبار الفنانين والمبدعين ان الإبداع والشأن الاجتماعي - السياسي،
امران لا يمكن الفصل بينهما. الفيلم الذي نتحدث عنه هنا هو «الهيمنة على
المدينة»، الذي آل روزي على نفسه من خلاله ان يمعن في اعتبار السينما
مكاناً لصراع الآراء والأفكار، من منطلقات سياسية وأخلاقية في الوقت نفسه.
>
فيلم «الهيمنة على المدينة» قد لا يكون - وهو ما يؤكده المخرج
في اي حال - منطلقاً من حدث حقيقي بعينه، لكننا قادرون اينما وجّهنا
أنظارنا في مدن هذا العالم، على اكتشاف عشرات الحوادث الشبيهة بحدثه
الرئيس، ويمكننا انطلاقاً من هنا، ان نجد انفسنا امام تحليلات واستنتاجات،
تنطلق من الحدث مهما كان جوهره تقنياً، وتصبّ في خانة السياسة. الحدث
الأساس هنا هو تداعي بناية تبعاً لأشغال تقام من حولها: انه حدث عادي يجرى
في أي مكان، وفي اي مدينة. لكنه بالنسبة الى روزي، واقع يرتبط ارتباطاً
مباشراً بالسياسة. كيف؟ انه يقول لنا كيف من خلال هذا الفيلم المتقشف
والجريء، الذي كان من نتائج ظهوره، ان نبّه الناس، في بلده - ايطاليا - وفي
انحاء اخرى كثيرة من العالم ايضاً، الى ذلك الارتباط العميق بين السياسة
والصفقات، بين العمران والإيديولوجيا. وهنا، لئلا نمعن في التحليل
والاستنتاج قبل ان نعرف ما هي الحكاية، لنطل على الحكاية اولاً.
>
تدور هذه «الحكاية» حول حدث بسيط للوهلة الأولى: نحن هنا في
مدينة نابولي، في الزمن الراهن - بداية سنوات الستين، لكنه زمن مفتوح على
كل راهن مماثل - والشخصية المحورية هنا هي شخصية مقاول البناء ادواردو
نوتولا، الذي، الى جانب أشغاله العمرانية الكثيرة، يشغل ايضاً مقعداً في
مجلس النواب عن حزب يميني. وهو يعرف كيف يوائم تماماً بين نشاطه السياسي
وصفقاته العمرانية، ويمكننا ان نخمّن، على ضوء تجارب عدة مماثلة في بلدان
عدة مماثلة، كيف يتمكن السيد نوتولا هذا، من ان يوظف علاقاته السياسية من
اجل الحصول على صفقات وإنجاح مشاريعه ومقاولاته العمرانية. في البداية تبدو
أشغال نوتولا مزدهرة، وتسير اموره من حسن الى أحسن في ظل حكم يميني على
شكله. ولكن ذات يوم تحصل الكارثة: ينهار مبنى ضخم من مباني هذا
المقاول/النائب بسبب أشغال تجرى فيه ومن حوله. وعلى الفور، في وقت كان
اليمين الحاكم يسعى الى لفلفة القضية، يسعى المجلس البلدي الى المطالبة
بتشكيل لجنة تحقيق... غير ان اصدقاء النائب نوتولا يميّعون الأمور ويطيلون
امد التحقيق بغية نسفه من أساسه حفاظاً على مصالحهم ومصالح حليفهم. وهم
يفلحون لوهلة في هذا، لكنهم لا يبدون في نهاية الأمر قادرين على منع
الفضيحة نفسها من ان تندلع. فهناك صحافة وهناك رأي عام، وهناك قوى يسارية
قررت ألا تسكت عن هذا الموضوع، ليس لأنه حدث هذه المرة، بل لأنه يتكرر
حدوثاً، وصار جزءاً اساسياً من منظومة سياسية - عقارية. ويشتد ضغط القوى
اليسارية ما يؤدي في نهاية الأمر الى اجراء انتخابات جديدة. ويرشح السيد
نوتولا نفسه في الانتخابات عن مقعد تابع لتيار الوسط، لكنه يلقى دعماً
واضحاً وصريحاً من اليمين، وتكون النتيجة انه يفوز بمقعده من جديد، وتصبح
الانتخابات والاحتجاج عليها هي القضية في الوقت الذي يتمكن نوتولا ورفاقه
من طمس القضية الحقيقية، قضية الفساد العمراني القائم على أسس العلاقات
السياسية. وهكذا في وقت ينتهي الفيلم على اليسار وهو يضج صاخباً في احتجاجه
على الانتخابات، يتمكن نوتولا من ان يعود الى مقاولاته ومشاريعه وكأن شيئاً
لم يكن.
>
حين عرض الفيلم وأثار ضجة، قيل لروزي ان النهاية سوداوية
محبطة، فكان جوابه منطقياً وبسيطاً: «لو جعلت النهاية انتصاراً للمحتجين،
سأكون خرجت عن دور الفن الذي هو طرح الإشكاليات لا إيجاد الحلول لها. لأن
حل المعضلة على الشاشة امر يخدع ويوحي الى الجمهور بأن الحل هناك على هذه
الشاشة. انا على العكس اقول ان الحل على الأرض في الحياة نفسها، وأي محاولة
لإيجاد الحلول في الفيلم ستكون مجرد تنفيس». وهذا كان دأب فرانشيسكو روزي
في معظم افلامه، هو الذي عالج في هذه الأفلام بعض اهم المسائل الشائكة التي
طرحت على الرأي العام الإيطالي خلال تلك الحقبة.
>
أما في شأن روزي الذي بدأ حياته الفنية والسياسية، مساعداً
لفيسكونتي في فيلمه «الأرض تهتز» الذي أطلق الواقعية الإيطالية الجديدة في
العام 1942، فكانت السينما مكاناً يمكن التحقيق والبحث السياسيين ان ينطلقا
منه، ولكن لا يمكنهما الوصول إليه والاكتفاء به. وهو برهن على هذا في افلام
حملت عناوين مثل: «سلفاتوري جوليانو» و «قضية ماتي» و «لاكي لوتشيانو» و
«الرجال الضد» و «جثث مختارة»، وهي كلها افلام عالج فيها القضايا السياسية،
لا سيما ارتباط المافيا باليمين والسياسة والصفقات. ونذكر في هذا المجال
فيلمه «قضية ماتي» الذي عالج فيه حكاية اغتيال الثري الإيطالي ماتي الذي
جابه الاحتكارات النفطية الكبرى حين راح يبني علاقات مباشرة مع البلدان
العربية - والعالمثالثية - المنتجة للنفط، تفيد المنتج والمستهلك من دون
وساطة تلك الاحتكارات، ما جعله يدفع الثمن. في مثل هذه الأفلام عرف روزي
كيف يطرح في زمنه مشكلات شائكة مجابهاً أعتى العصابات وأعتى ضروب الفساد.
اما فيلمه «الهيمنة على المدينة» فهو يعد الأقسى والأوضح في مجابهته عالم
«البيزنس» المرتبط بالسياسة، من خلال موضوع يبدو للوهلة الأولى عادياً. لكن
الفيلم يأتي ليكشف سياسته، بل كيف انه يدخل في لب السياسة ويشكل خلفيتها.
وللوصول الى توضيح هذا لم يكن روزي ليبالي كثيراً بأن يصل حتى الى استخدام
«النجوم» بغية جذب المتفرجين الى افلامه... إذ نراه هنا في هذا الفيلم،
مثلا، يسند الدور الأساس الى نجم هوليوودي كبير هو رود ستيغر. اما الأهم
فهو الأسلوب السينمائي الذي اتبعه روزي، حتى ان الفيلم يبدو لديه وكأنه عمل
وثائقي، وكأن الأحداث صوّرت ميدانياً، وقد طالب ممثليه بأن يقتربوا أقصى ما
يمكنهم من الصورة المعهودة للشخصيات التي يؤدونها، حتى ولو دفع ذلك
الشخصيات الى أن تبدو نمطية. وبالنسبة الى روزي كان المهم هو الفاعلية التي
تحرك الجمهور وتدفعه الى الإحساس بأنه معني بما يحصل.
>
ولد فرانشيسكو روزي في نابولي 1922، وبدأ حياته كاتباً
وصحافياً ومن هنا حسّ التحقيق الميداني لديه - ثم، من خلال انخراطه في
النضال ضد فاشية موسوليني، وجد في السينما اداة طيعة للنضال. وهكذا بعد مهن
سينمائية متنوعة بدأ الإخراج في 1958 بفيلم «التحدي»، ليحقق بعد ذلك افلامه
التي كان يكتبها بنفسه. وكانت ذروة نشاطه في الستينات والسبعينات من القرن
الماضي، لكنه يبدو الآن منسياً الى حد ما.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
18/05/2012 |