تجعل معطيات عديدة من فيلم "صالح بن يوسف: جريمة دولة؟" حدثا جللا
وضوءا يسلّط على صفحة من تاريخ تونس، أريد لها أن تُحشر في المناطق
المعتمة. فلمّا كانت كتابة التاريخ الرسميّ حكرا على المنتصرين وكان نصيب
صالح بن يوسف الهزيمة في معركة الزعامة ضدّ بورقيبة ظل ذكره بياضا يحظر على
المتقبّل تحبيره أو الجهر بذكره وظل الضمير السياسيّ التونسيّ يتحاشى الخوض
في طرح حدث اغتياله، فيتواطأ الجميع بصمتهم لأن كلامهم سيكشف عجزهم عن
مواجهة القاتل. ولئن عاد رفاته إلى أرض الوطن بعد سقوط بورقيبة، وكان قد
دفن في مصر، فإن هذه العودة كانت دعاية لنظام بن على أكثر مما كانت تقليبا
للصفحات المنسيّة . فحكم الثاني استمرارا لحكم الأول والأجهزة القائمة عليه
والمرسّخة له ضالعة في اجتثاث اليوسفيّة وفي التنكيل بهم.
على أنّ التحدّي الذي يواجه عملا سينمائيّا بهذا السبق جلل بدوره،
فالوثائق البصريّة التي يقتضيها الفيلم عزيزة بسبب حرص الجاني على طمس
معالم جريمته وشطب الضحية من التاريخ الحديث والجرح رغم تقادم العهد به
نسبيّا يظل غائرا في المشهد السياسي ينتزع مناوله من حياده والحال أنّ
الدراسة السينمائيّة الوثائقيّة تصادر على موضوعيّة الطّرح وتقتضي في آن
وجهة مّا مختلفة جماليّا أو فكريا في معالجة المسألة.
I)
الفرجة انخراطا في لعبة مربكة (Le puzzle)
رغم التّعتيم الذي مارسه نظام بورقيبة على حدث اغتيال يوسف بن صالح
ظّل التونسيون يتداولون، مشافهة، مراحل هذه الجريمة وتفاصيلها الدقيقة.
فيذكرون أنّ بورقيبة نسفه لم ينكرها في مجالسه الخاصّة فضلا عن كونه وسّم
منفّذيها. هذا ما يجعل جهد المخرج لإعادة صياغة الأحداث والبحث عنها في
شهادات رفاق بن يوسف أو عائلته أو اعترافات أعضاد بورقيبة وفي كتب المؤرخين
استنزافا للجهد في إعادة تشكيل للمشكل أصلا في الذّاكرة الجمعيّة بداية من
نشأة صالح بن يوسف في جربة، بين تنوعّ ديني ومذهبي يجمع الإسلامي إلى
اليهودي والسّني إلى الإباضيّ، ودراسة مزدوجة في تونس العاصمة، تنهل من
الأصالة نهلها من الحداثة، وانخراط في النضال ضمن الحزب الحر الدستوري ثم
ضمن الحزب الحر الدستوري الجديد انخراطا يقوده في نهاية الثلاثينات إلى
تبوإ الصّدارة من المشهد السياسي ثمّ إلى الاستحواذ على مكانة بورقيبة في
الحزب وفي القلوب وهذا ما أشعل شرارة معركة زعامة بينهما انتهت بمقتله في
صائفة 1961 في فرنكفوت على أيدي رجال غريمه السياسيّ.
لقد غدا الربط العضوّي بين شهادات كثيرة تُقسّم بدورها إلى لبنات كثيرة في
شكل ضفيرة تشخّص قصّة الاغتيال أقربَ إلى لعبة المربكة التي تقصر مهارة
اللاعب في إعادة تشكيل مشهد قائم سلفا ومحاكاة نموذج جاهز من خلال مئات
القطع والجزيئات وتجعل متعة الفرجة في رصد مهارة المخرج هذه وهو يعيد بناء
الوقائع ويصوغ الزّمن خلافا لمعهود الوثائقيات التي تشكّل مشهدا جديدا أو
تقدّم وجه مخفيّا من الحقيقة ورؤية مختلفة لها لا ندركها بغير عيون مبدعة.
II)
في الأصل السّابق والنّسق النّاظم:
ينضّد الفيلم معطياته وفق بناء حجاجي مداره على مصادرة تؤكد أن
"اغتيال صالح بن يوسف جريمة دولة" وسيرورة تستدلّ عبر عرض الأحداث والوثائق
والشهادات ومقاربات المؤرّخين على تكريس "الدولة الوطنيّة" لإمكانياتها
لتصفية أحد مواطنيها ممن كانت لهم أياد بيضاء على استقلالها وعلى استنتاج
يسلّم وفق نبرة تأثيريّة، يكشف عنها بكاء الأخ ومرارة الزوجة، بأن الجريمة
عمل لا أخلاقي يزيده غدر التونسي بأخيه التونسي بشاعة. ويتم هذا البناء عبر
رحلة مضنية للبحث عن موارد بصريّة تمنح للأثر شرعيّة الانتماء إلى الفنّ
السينمائي من صور أرشيف وقصاصات جرائد وإعادة تمثيل للمشهد يقتضي ممثلا
لاعبا ومخرجا موجها وتقطيعا فنيّا. فيتضافر مع ما في الشهادات من نزعة إلى
القصّ ليخلق تنازعا بين صالح بن يوسف "البطل" الذي يعمل جاهدا على إعادة
هيكلة الحزب والدّفع إلى الاستقلال التّام والمناوئ "بورقيبة" الذي يتسكّع
في المشرق طويلا ثم يعود ليتحالف مع فرنسا لعرقلة البطل والحيلولة دونه
وإدراك أهدافه و ليقبل باستقلال منقوص.
يجعل هذا البناء الفيلم متتاليات من الحالات والتّحولات تتقدّم في
الزمن وتدفع بالحكاية نحو الذروة ثم نحو النّهاية المزدوجة المَخرج هزيمةٍ
تسقط بن يوسف صريعا لطلقات الغدر في فرنكفورت ومجدٍ تجسمه الجنازة المهيبة
التي تُنظّم له في القاهرة ويحضرها عدد كبير من رموز السياسة والنّضال. فلا
تخلو، ضمن خلفيّة دراميّة، من اللّمسة السينمائيّة الجميلة المميّزة
للنّمطي من أفلام التّخييل (Le film de genre).
فالبداية تصادر على جريمة الدولة والنهاية إدانة لانحراف دولة الاستقلال
ترد على لسان الزوجة أو الأخ.
تجعل هذه السمات فيلم "صالح بن يوسف، جريمة دولة" تقليبا على أصل سابق
وبنية عميقة ميّزت بسط المخرج لسيرتي " فرحات حشاد" و"المنصف باي" من بناء
حجاجي ومشاهد تمثيليّة تقاوم ندرة الموارد البصريّة يتدرج فيها المخرج من
سينما التحريك في فيلم "اغتيال فرحات حشاد" إلى المشهد التمثيلي الصامت في
"نهاية عرش" إلى المشهد التّمثيلي الناطق في فيلم الحال وشخصية تراجيديّة
تتحدى قدرها رغم علمها بنهايتها المحتومة وتلقى نتيجة لذلك حتفها فإذا
هزيمتها الماديّة الظاهرة انتصار معنويّ وتضحية في سبيل الوطن وفي سبيل
حريتها رفضا للحتم وللضرورة كما أبطال التراجيديات الإغريقية ومناوئ (ممثلا
دائما في شخصيّة بورقيبة) تدعمه فرنسا لضرب ممثل الهوية والشخصية الوطنيّة
(سواء كان حشاد أو المنصف باي أو يوسف بن صالح).
III)
التوثيق: من البحث عن الجاني إلى محاولة فهم أسباب
الجريمة:
من العناصر المساعدة على فهم الأثر الفنيّ ورصد احتمالات معانيه
العنوان باعتباره عتبة أساسيّة في عمليّة التأويل. و"صالح بن يوسف: جريمة
دولة؟" عنوان ورد في صيغة استفهاميّة تعد بتقصيّ المسألة وإثباتها بالحجة
والدليل. ولكنّ الفيلم يفاجئنا منذ البداية بحسم المسألة فيقدّر مع أوّل
شهادة أنّ اغتيال يوسف بن صالح جريمة دولة محدّدا الجاني والضحية، قاتلا في
متفرّجه الضمني التّوقع وحائلا دون لعب المخرج دور المحقق من الفيلم
البوليسي الذي أدّاه بإتقان في فيلم "اغتيال فرحات حشاد".
يتحوّل دور المخرج نتيجة تحديد الجاني (بورقيبة) إلى البحث في دوافع
ارتكاب الجريمة. ضمن هذه الأفق ترسم ضفيرة الشهادات لصالح بن يوسف شخصيّة
المتشبع بالهوية الإسلامية (حرص والده على إكسابه ثقافة مزدوجة وشقيقة
الشيخ الزيتونيّ) والمدرب على قبول الآخر (بما منحته نشأته في جرب
المتعدّدة ثقافيّا) مما جعله يحول العمل في الحزب من الزعامة الفردية إلى
العمل المؤسساتي تدعمه في ذلك قدرة على التعبئة الجماهيريّة تكفل له ولاء
80 % من الشعب. كما تدفعه غيريته إلى إيثار مصلحة البلاد على مصلحته
الشخصيّة فيتنازل عن رئاسة الحزب طوعا لبورقيبة ولا يقرر مواجهته إلا بعد
خيانته للعهد وقبوله باستقلال داخلي منقوص يحرم البلاد من شؤون الدفاع
والأمن والعدل والخارجيّة فتتركه بيد المستعمر. أما بورقيبة فيرتمي في حضن
فرنسا وينتصر إليها في حربها ضد المحور في الحرب العالميّة الثانية، مما
يلحق ضررا كبيرا بشعبيته، فيتوارى عن الأنظار ويسافر إلى المشرق تاركا
أعباء القياد إلى بن يوسف وعلى تضخم أناه وتمسكه بقيادة الحزب لا يكسب ولاء
خمس السّكان ولولا تواطؤ الاتحاد العام التونسي للشغل معه في مؤتمر صفاقس
لما حسم الصراع لفائدته.
حاصل هذا الاختيار الجماليّ أنّ الصراع ما عاد يدور بين زعيمين
سياسيين يرى كل منهما جدارته برئاسة البلاد وإنما أضحى يدور بين بطل طيب
ومناوئ ماكر شرير تخونه الحيلة فلا يجد من سبيل للانتصار في غير الغدر
والخيانة وأن الفيلم ما عاد يبحث عن توثيق الحقيقة بقدر ما يصطنعها
برومنسّة مُحبَطة.
IV) "صالح بن يوسف جريمة دولة ؟" أو جدل الفنّ
والإيديولوجيا:
حاول الفيلم بناء الحقيقة التّاريخيّة بإعادة تشكيل الزّمن وملاحقة
سهمه وقد أوغل في البعد وعلى تحقّق ذلك بمقدار بيّن لم يسلم من ضغط اللحظة
الرّاهنة، ومن شأن الأثر السينمائي أن ينفتح على الهمّ الاجتماعي فيدفع
بالراهن إلى السّطح عبر ضرب من الإسقاط "الاستباقات المدفونة في التّراث
نفسه" فأضحى، كما الفيلمين السابقين، صراعا بين ممثّل للهويّة الإسلاميّة
ضد بورقيبة ممثل الحداثة المعطوبة الذي لا ينتصر إلا بتواطؤ فرنسي يجعل
مسار التّحديث الذي شهده المجتمع التّونسيّ تعسفا على الإرادة الشعبية
واستمرارا للمخطّط الخارجي الاستعماري. ومن مظاهر ضغط الراهن الزج بالاتحاد
العام التونسي للشغل في هذه المعركة وتقدير الفيلم أنّ النّقابي أحمد عاشور
من منح حكم البلاد إلى بورقيبة وحسم بظلم المعركة لصالح الشق الأضعف.
على ما في هذه الأطروحات من وجاهة أحيانا وورودها على ألسنة المحاورين
فإن اجتماعها هذا الاجتماع، والمخرج من يختار الشهادات وينضدها ويقصي منها
ما يريد، حوّل المعركة بين الرجلين إلى معركة بين الخير والشرّ وأوقع
الفيلم بجلاء تحت وطأة الإيديولوجيا فتأثر عميقا بطبيعة العلاقة المتوترة
بين بورقيبة وتوجهاته الحداثية التي تستلهم مشروعها المجتمعيّ من الهجرة في
المكان مستلهما علمانية غربيّة وشق من خصومه من المتمسكين بتصور للهوية
يستلهم من رحلة استعادية في الزمن الغابر بقدر ما تأثر بحالة التجاذب
السياسي اليوم في تونس ما بعد الثّورة بين قطبين هما الترويكا الحاكمة في
تونس ومعارضيهم بين بورقيبيين ويساريين ونقابيين. ولعلّ هذا الضّغط ما غيّب
جملة من الحقائق منها أن رغبة بن يوسف في السلطة التي جعلته يرفض عروضا
عديدة من بورقيبة تدعوه إلى المصالحة وتجاوز خلافات الماضي ومنها محاولته
أكثر من مرّة اغتيال بورقيبة، وفي الآن غيّب اختزال الصّراع في الرجلين
معاناة اليوسفيين ومحاصرة النظام البورقيبي لهم لاحقا وعمله المنهجي على
حرمان الخط الغربي للبلاد التونسية من شروط التنمية انتقاما من مناصرتهم
لغريمه كما غيّب جريمة أخرى نقدّر أنها أشد وأعتى هيّ زجّ بورقيبة بمئات
المواطنين العزّل في معركة بنزرت غير المتكافئة مع القوات الفرنسيّة ( 20
جويلية 1961) للمطالبة بالجلاء التّام حتى يحدّ من تدهور شعبيته بعد قبوله
بالاستقلال المنقوص ويتخلّص من اتهام من عبد النّاصر وبن بلّة له بخيانة
فكرة الاستقلال المغاربي وحتى يستثمر ما سيكسب من "زخم نضالي" بعد هذه
المعركة فيتخلّص من غريمه بعد ثلاثة أسابيع من هذه المعركة (12 أوت 1961)
وقد كسب العقول والقلوب وشرعيّة النضال المسلّح ضد المستعمر.
اشتمل الفيلم إذن على بنية ثاوية تجعله ضلعا من ثلاثية الدلالي
المميّزة هي "اغتيال فرحات حشاد" و"محمد المنصف باي نهاية عرش" و" صالح بن
يوسف جريمة دولة؟" ولكنّنا نقدّر أن اكتمال أضلاع المثلث استهلك مختلف
مختلف إمكانات الإبداع ضمن هذا النّموذج بما يحتّم على المخرج البحث عن
مقاربات جماليّة جديدة حتى يتجنّب السّقوط في النّمطيّة العقيمة ونقدّر أن
كون العمل السينمائي رؤية فنيّة ووجهة نظر للحقيقة يدعو المبدع إلى العمل
ما استطاع إلى البقاء بعيدا عن مؤثرات الراهن وعن التجاذب الإيديولوجي فمن
شأن العمل الإبداعي أن يخترق الزمن ويسعى إلى الخلود أما الرّاهن بكل
تجاذباته فإلى الزّوال يسير.
الجزيرة الوثائقية في
11/04/2012
مهرجان أفلام اللبنانية - الأميركية
عرض العالمي والمحلي لخريجيها
نقولا طعمة - بيروت
عرضت الجامعة اللبنانية- الأميركية "مهرجان أفلام الخريجين" وفيه نتاج
17 صانع أفلام ومخرج من خريجي الجامعة، وجرى المهرجان في "أوديتوريوم أروين
هول" في حرم بيروت.
من الأفلام ما هو معروف مثل "أقلام بلا رصاص" لوليد فخر الدين، و"كل
يوم عطلة" لديما الحر، ولفت من المشاركين طلاب مخرجون أبدعوا في أعمالهم في
الخارج وفي بلدهم.
الأفلام متنوعة المواضيع، جمعت بين التوثيقي والروائي، وبين روح
الشباب ومذاقهم من جهة، وبين ما تعلموه واختبروه في مسيرتهم الفنية
والدراسية.
بعض الأفلام الأخرى "خليك معي" لإيلي حبيب، و"مغامرات سلوى" لليليان
هانيبالي، و"تيتا ألف مرة" لمحمود قعبور، و"مياه مرة" لنورا سكاف، و"جدتي"
لميرفا فضول.
لفتت ظرافة أحد الأفلام "بهية ومحمود" لزيد أبوحمدان الانتباه، حيث
عالج حالة اجتماعية سائدة، وفيه زوجان عجوزان يعيشان وحيدين معا، وهما
ضجران من بعضهما، وكثيرا الاختلاف، ويعبران في كل لحظة عن انزعاج واحدهما
من الآخر. لكن عندما صدف أن وقع أحدهما في مشكلة ضياع في الشارع راح الاخر
يبحث عنه بتلهف، حتى إذا وجده تعانقا طويلا، وعادا إلى البيت كعروسين
جديدين.
أفلام أيضا: "تاليتا" لسابين الشماع، و"الحدود" لسوسن دروزة، و"مليء
بالكامل" لنعام عيتاني، و"غرباء في الدار" لرامي عيتاني، وأفلام للينا متى،
وركان مياسي، وخليل زعرور.
غادة ماجد- نائب مدير مكتب الخريجين- تحدثت ل"الجزيرة دوك"،
وقالت: “نقيم نشاطا مركزيا للخريجين كل عام غير النشاطات الأخرى العادية،
ويتركز على موضوع معين من اهتمام الخريجين، فالسنة المنصرمة أقمنا معرض
كتاب لأربعين كاتبا وكاتبة من خريجينا، وهذا العام خصصناه لمهرجان الأفلام،
والسنة المقبلة سيكون لمعرض الفنون التشكيلية، وهذه الأنشطة تهدف إلى إبراز
اهتمام الجامعة بخريجيها، وتسليط الضوء على الانجازات التي يحققها الخريجون”.
وقالت رئيسة
قسم فنون التواصل في الجامعة الدكتورة منى كنيعو: “الذين تقدموا للمهرجان
كانوا من مخرجي ومنتجي الأفلام، وكتابها، والمواضيع متنوعة، منها ما هو
الشخصي، ومنها ما يتناول قضايا عامة، ونحن لم نطلب أفلاما بموضوعات معينة،
والظاهر أن الأفلام على تنوعها، وجمالية مواضيعها، لم تتناول مواضيع
التحركات في العالم العربي ويرجع السبب إلى أن صناعة الفيلم تستغرق وقتا
للإعداد والتحضير والتصوير، بينما التحركات لا تزال جديدة”.
ولفتت إلى
أن "عددا من الخريجين هم من القدامى، فهناك من تخرج سنة 1983، ومن
التسعينات، وفي الأفلام تنوع هام، ولكن ليس عندنا أفلام منذ 2009 وما بعد”.
من المشاركين فرح هاشم، عرضت فيلما ذا موضوع عالمي، تناول شيئا من
حياة الممثلة الراحلة مارلين مونرو، عنوانه “مارلين مونرو في نيويورك”.
تعيش فرح في هوليوود،، وتحضر الماسترز في الفنون الجميلة، وصناعة الفيلم،
قالت ل"الجزيرة دوك" : "أحببت مارلين مونرو لأنني عشت تجربة الوحدة، ومن
هنا بدأت التقرب لمعرفتها أكثر ولكن كإنسانة وليس كفنانة ممثلة. قرأت كتابا
عنها واكتشفت أنها متعددة العلاقات مع الرجال، ومع سياسيين وشخصيات بارزة،
لكنها عندما كانت تعود إلى بيتها كانت تبكي".
وتضيف: "تساءلت عن امرأة ناجحة بهذا المستوى، وتشعر بالوحدة، فأحببت
أن أكتشف هذا الأمر. وفيلمي الراهن هو من وحي قصة حياتها، وشعرت أننا نحن
الاناث سواسية ونشعر بالوحدة رغم ان كل شيء بمتناولنا”.
عندها أيضا فيلم "فوبيا الحرب"، تقول: "هو الفيلم الأول لي، صامت من
أربع دقائق، والآن، أعمل على فيلم اسمه "ترويقة في بيروت"، يتناول تجربتنا
كطلاب جامعة بين 2005 و2009 في لبنان، وأنا كاتبة لنصه، وسأخرجه”. ووفاء
حلاوي صانعة أفلام لبنانية فرنسية تعيش حاليا في بيروت. بدأت التمثيل عندما
كانت في الخامسة من عمرها. تخرجت سنة 2004 من الجامعة اللبنانية-
الأميركية، بفيلم "الفصل الأول المشهد العاشر". بعد ذلك التحقت بأكاديمية
الفيلم في نيويورك، فأتاح لها برنامج "العام الواحد" أن تخرج أفلاما
متنوعة، بما فيها "مسودة خشنة"، كما ربحت جائزتين تجاريتين.
التحقت وفاء بجامعة كلية لندن حيث تخرجت بماسترز في السينما عام 2008،
وذلك بعد أن أخرجت وشاركت بفيلمي فيديو في أفريقيا الغربية في فيلم ساتشي
وساتشي، واشتغلت بكثافة كمديرة مساعدة في المملكة المتحدة وفي لبنان حيث
وضعت فيلمها "واقعا من الأرض" لشادي زين الدين.
تعمل حاليا على فيلم خيالي "فتاة من غبار" مقتبسة عن رواية لنتالي أبي
عزة، مخرجاها جوليان فرايدمان وباسل خليل، بالإضافة إلى "تشيللو" المخرج
بول رايان.
كتبت وفاء نصوص أفلامها، وأدرج اسمها في دائرة معارف ( Of Others (Tamyras،
وتتابع كتابة قصة
The Garden of Laughter.
فيلمها We Might As Well
شارك في مهرجان اللبنانية الأميركية، يسلط الضوء على حياة نساء يعشن في
واحدة من أكثر المنازل التقليدية في منطقة محافظة، كـأنهن خيالات لأزمنة
مضت، لكن في رواية امرأة تمثل كل النساء. يقدم الفيلم نموذجا عن مزيج من
الرقص، وال stop motion
و
time-lapse
السينماتوغرافي والهندسي، وهي تقنية استخدمت في أفلام "التحريك"، لكن
صممت لتختبر وتستخدم للراقصين.
الجزيرة الوثائقية في
10/04/2012
رسالة مهرجان بارى السينمائى الدولى بإيطاليا (1)
تيرا فيرما الفيلم الذى أبكانى فى بارى بإيطاليا
صفاء الليثى
فى الفترة من 23 -31 مارس أقيمت الدورة الرابعة لمهرجان بارى بإيطاليا
فى الميناء الإيطالى " بارى" الذى يقع فى جنوب شرق إيطاليا، يعرض المهرجان
أهم الأفلام الإيطالية التى أحدثت تأثيرا عالميا مع عدد من الأفلام
الأمريكية المنتجة حديثا فى إطار الاهتمام بسياسة توزيع الفيلم والترويج
لفن السينما الذى يعشقه الإيطاليون. استوقفنى فيلم " تيرافيرما " الذى
يتناول قضية الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى أوربا مربوطة بأوضاع قاسية
لأهالى جزيرة صغيرة قريبة من صقلية. هذا الربط صيغ من خلال قصة الصياد
الشاب فيليبو الذى قام بدوره فيليبو بيتشيلو المختلف عن أقرانه والذى تصادف
وقوعه فى محنة إنقاذ مجموعة من الأفارقة المهاجرين عبر قارب وتحطم القارب
والسباحة بمشقة، بينهم امرأة حامل ومعها طفل أتت لتلحق زوجها الذى استقر
بنابولى. تحتضن أسرة فيليبو السيدة الإفريقية ويساعدونها فى ولادة ابنة
سوداء جميلة يرفضها أخاها الذى يخشى من غضب والده لعدم تمكنه من توفير
الطعام لكليهما.
المخرج كان شديد التوفيق فى وضع مأساة المهاجرين فى علاقة مع مشكلة
اقتصادية يعانى منها أهل الجزيرة. فى حين أن البوليس الإيطالى يعيد
المهاجرين لبلادهم –من بقى منهم حيا- ويعاقب من يساعدهم من أهل الجزيرة.
وفى اجتماع للصيادين يقرر الجد أن يتبعوا قانون البحر الذى يحتم على أهل
الموانئ إنقاذ من تلقيهم الأمواج مهما كانت النتائج. فى المقابل يعرض
الفيلم لسياحة الأغنياء على الجزيرة واعتماد السكان المحليون على هذا
الموسم فى معيشتهم. ودون قسوة على الآتين للسياحة يصور تعاطفهم مع السود
القادمين هربا من جحيم بلادهم. تدور أحداث الفيلم فى جزيرة صغيرة قبالة
سواحل صقلية، على مقربة من أفريقيا، والدة فيليبو وجده أصبحواغير قادرين
على العيش من نشاط الصيد التقليدي.وخاصة بعد وفاة أبيه المأساوية فى البحر،
قرروا عندما وصل الصيف تأجير بيوتهم للسياح الذين يأتون أكثر وأكثر كل
سنة. وفى أحد الرحلات يصادف الجد والصبى مجموعة من المهاجرين الافارقة غير
الشرعيين فيقومون بنجدتهم على الرغم من الحظر المفروض على أسر الصيادين
من السلطات المحلية.
من أجمل مشاهد الفيلم وأكثرها تأثيرا ما حدث من فيليبو الذى تسحب ليلا
وكسر قانون منعهم من الإبحار وأبحر بقاربه مصطحبا السائحة الحسناء، وعندما
وصلا عرض البحر نزلت المياه لتسبح لنفاجأ بمجموعة من السابحين من المهجرين
انشقت عنهم مياه البحر وهم يسرعون للتعلق بالمركب وسط مقاومة عنيفة من
الصياد الشاب. القسوة مبررة بصغر المركب قياسا لحجمهم بالإضافة لما
سيتعرضون له من البوليس. مشهد يدفعك للبكاء تعاطفا مع الجميع سواء كان
الصياد أو السائحة الصغيرة أو المهاجرين بالطبع. كثير من الأوربيين فقدوا
تعاطفهم مع "تيرافيرما " الذى يفتقد المنطق طبقا لميلهم الطبيعى لحساب
الأمور بالعقل، فكيف تُقدم سيدة حامل على الإبحار إلى المجهول وتعرض جنينها
وطفلها للخطر لتلحق بزوجها فى غربته. وهى أسئلة لا ترد على ذهن متلقى آخر
يدرك جيدا حجم مأساة العيش فى بلاد تحكمها ديكتاتوريات فاسدة وتنتشر بها
البطالة كأغلب البلدان الإفريقية .
عنوان الفيلم يحيلنا إلى فيلم لوتشينو فيسكونتى "تيراتريما" وتعنى
الأرض المهتزة إنتاج عام 1948 ، وهو مأخوذ عن قصة للكاتب جيوفانى فيرجا حيث
تدور الأحداث فى قرية صغيرة لصيد الأسماك على الساحل الشرقى من صقلية،
ويحكى عن استغلال الطبقة العاملة من الصيادين من الابن البكر لعائلة ثرية
فى القرية. يقدم بطل فيلم فيسكونتى على رهن المنزل ليتمكن من أدوات إنتاجه
بمركبه الصغير ويبيع الأسماكمباشرة للتجار دون وساطة المستغل. والفيلم واحد
من أفلام فيسكونتى التى تتبع الواقعية الإيطالية والتى تأثرت بها السينما
المصرية فى عدد كبير من أفلامها الهامة. ويكاد يكون فيلم "زقاق السيد
البلطى " لتوفيق صالح عن قصة صالح مرسى نزع من محاكاة فيلم الأرض المهتزة
وسيرا على طريقه.
أهم ما يميز "تيرا فيرما" نجاحه فى رسم الشخصيات للأسرة ، الجد والأم
والأخ الأوسط والأصغر فيليبو وهو الشخصية الرئيسية للصبى الصياد الذى يبدو
قرويا ساذجا يعيش على الفطرة، ولكنه يمتلك من القيم الإنسانية ما جعله
يتحدى قوانين النظام المعاصر ويساعد المهاجرين ويقبل على مغامرة حمل
المهاجرة السوداء بطفليها الرضيع والآخر لتصل لزوجها ويجتمع شمل الأسرة، فى
نهاية سعيدة قد تبدو رومانسية بعيدة عن التصديق. الفيلم يدين القوانين
الصارمة للنظم الرأسمالية وينتصر للقيم الإنسانية التى يتوارثها البسطاء
كقانون البحر وميلهم الفطرى لمساعدة من يلجأ إليهم.
شارك " تيرا فيرما " فى مسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبى ولكنها ذهبت
للفيلم الإيرانى "انفصال". ولكنه لم يخرج عن جوائز نقاد الفيبريسى حيث حاز
تيرا فيرما على جائزة أفضل إخراج للمخرج إيمانويل كيرلس من النقاد الذين
كونوا لجنة تحكيم دولية بمهرجان بارى برئاسة كلاوس إدر منحت عدة جوائز وليس
جائزة واحدة فقط كما تحتم القواعد المعمول بها فى المنظمة الدولية للنقاد
الفيبريسى.
وإذا كان اليمين هو الذى يحكم إيطاليا من خلال بيرلسكونى فإن اليسار
مازال مسيطرا على الثقافة والفن ويتضح هذا فى أكثر من فيلم عرض بدورة
مهرجان بارى ومنها فيلم " Do Not clean Up This Blood” "
لا تنظفوا هذه الدماء ، وهو عن أحداث حقيقية و
سيتم تناوله فى مراجعة أخرى.
الجزيرة الوثائقية في
10/04/2012 |