عرف عنها اقتحامها الأمكنة المحظورة، تلك التي لا يود المجتمع مقاربتها،
هذا إن لم يعتّم عليها. أعمالها تثير الجدل لتمردها على السائد واللائق
اجتماعياً فتلاحقها «التهم»... فيلمها «دنيا» حظي بالنصيب الأوفر منها، هل
هو نشر للغسيل القذر أم مجرد تعرية لواقع بشع؟
جوسلين صعب، رغبت منذ عمر السادسة عشرة العمل في السينما، لكن رفض أهلها
دفعها الى دراسة الاقتصاد، لم ينسها ذلك اهتمامها بالمسرح والسينما. في ما
بعد عملت صحافية ومراسلة حربية وجابت بلاد العالم الواقعة تحت وطأة الحروب،
وأولها بلدها لبنان، قبل أن تتحول إلى مخرجة، فكان «لبنان في الدوامة» عام
1975، فيلمها الوثائقي الطويل الاول. تتابعت أعمالها، اكثر من عشرين كان
اشهرها «بيروت مدينتي» عام 1982. ثلاث سنوات بعدها، قررت الانتقال من
الوثائقي إلى الروائي فجاء «حياة معلقة» الذي عرض في اسبوع المخرجين في
مهرجان «كان». حلمها كان مصر «أم الدنيا»، أقامت فيها لسنوات وصورت «دنيا»
(مع حنان الترك ومحمد منير) الذي تعرضت فيه من بين قضايا اخرى لختان
الفتيات مثيرة جدلاً لم يتوقف. في 2009 حققت «شو عم بيصير» في بيروت، وهي
الآن تحضّر عملاً جديداً عنوانه «ان تكوني إمراة في حوض المتوسط»...
التقينا جوسلين صعب في مهرجان السينما الآسيوية في فزول بمناسبة عرض فيلمها
التسجيلي «مسيرة المدينة الفاضلة» عن الثورة الإيرانية في سنتها الأولى
وذلك ضمن تظاهرة «ندبات» التاريخ ، فيلم نادر يكشف تخبطات وآمال وتحولات
مجتمع وسلطة جديدة.
·
حين يذكر اسمك تنعكس صورة
لمشاكسة، مثيرة للجدل، فاضحة للواقع... ما قولك؟
- من أربعين سنة تلاحقني هذه الصورة، هذا الصيت... للمرة الأولى سأقول أنا
موافقة! سأمنح نفسي لقباً جديداً إن سمحت لي: «قرصانة»، نعم أنا قرصانة
الحرية. سأشقلب معنى الكلمة! دافعت عن الحرية طوال مسيرتي، أيستوجب الدفاع
عن الحرية نظرة كهذه؟ كل شيء تشقلب إذاً! ياريت يرى المجتمع نفسه قبل أن
يحكم عليّ! هل ندع الجدران عوائق أمامنا أم نزيلها؟ حياتي ليست سهلة، أمسك
الكاميرا... أحارب بها... صفة المشاغبة التي تلاحقني سببها معالجتي لمواضيع
صعبة لا يحب الآخرين تناولها. أنا مثل هؤلاء الذين يهبون حياتهم لهدف واحد،
اعشق الصورة والدفاع عن بعض الأفكار من خلالها.
واليوم تجري الأحداث عبر الصورة، يشقلبونها مع أو ضد، الإعلام بات سلاحاً
والدول هي التي تستعمله. في ما مضى، كانت ثمة صورة رسمية للدولة وكنا نحن
المستقلين نعطي ما يعاكسها. اليوم تقوم الحروب بين الصور الرسمية فيما نقف
نحن في عالم ثان.
محطات
·
أثمة تواريخ في حياتك تعتبرينها
المحطات الأهم؟
كان التاريخ الأهم في مهنتي حين أدركت يوماً عام 1976، والقصف قائم والهدم
مستشرٍ، أن بيروت لن تعود أبداً. وفي يوم عند هدنة صباحية من السادسة إلى
العاشرة حين كان المحاربون يرتاحون، اصطحبت آلة التصوير ونزلت أجول في
شوارع بيروت. رأيت مدينتي بنظرة طفلة كنتها يوماً، وأعدت تركيب مسيرة
طفولتي وشوارعها في التوليف وكتبت لي الشاعرة إيتيل عدنان النص. لقد عرضوا
30 دقيقة من فيلمي هذا في نشرة أخبار «فرانس 2»... كانت أول مرة يفعلون
فيها ذلك. اعتبروا أنني أحكي عن بلدي بأسلوب جديد وأن الفيلم يقدم معلومات
وحقائق بصيغة غير معتادة. جاء فيلمي نتيجة طلب من تلفزيون ياباني، كانوا
يرسلون جملة وحيدة من نوع «الحرب من وجهة نظر الأطفال»، فأنجزت فيلماً عن
مدينتي التي راحت وطفولتي التي راحت معها، لقد امتزج المهني والشخصي هنا.
أيضاً هناك حصار بيروت عام 1982، حين احترق بيتي وكنت قررت عدم المغادرة
فلا أحد لديه الحق بأخذ أرض بلادي، ورافقتني الكاميرا في بقائي فصنعت
«بيروت مدينتي».
كان ثمة تاريخ مهم أيضاً في حياتي المهنية وذلك حين تحولت من الفيلم
التسجيلي إلى الروائي. بات الفيلم الروائي ضرورة لي بل فرض نفسه علي، كنت
قد بدأت بكتابة «حياة معلقة» قبل الحصار وصوّرته في 84 فعرض في مهرجان
«كان» 85. حينها اتخذت قراراً نهائياً بالعيش من مهنتي السينمائية. أحسست
بأنني أريد التعبير عن نفسي عبر الصورة وأنني سأتابع مهما يحصل. لم يكن أحد
خلفي ليموّلني، فكرت بماري كويني وآسيا داغر، فهما من السينمائيات الأوائل
اللواتي كن قدوة لي.
أما مصر فكانت حلمي وفي دمي منذ طفولتي، فالسينما خلقت هناك، لم أحلم
بفرنسا على رغم أن تمويل فيلمي الأول جاء منها. لكنني توجهت إلى مصر في
مرحلة صعبة، صديقي الناقد سمير فريد قال «انت تحلمين! الوضع ليس
كالأربعينات». أقمت هناك وأنجزت «دنيا» الذي خرج عام 2005.
توازن
·
ما الذي تمثله لك كل مدينة من
مدنك الثلاث: بيروت، باريس، القاهرة؟
- بيروت مدينتي، إنها تتمتع بحرية أكثر مقارنة بغيرها من المدن العربية، هي
جزء من جسدي، ارتباطي بها فيزيائي: روائح، أضواء... هي جسد بمعنى ما...
فيما تكوَّن باريس جزءاً من حياتي الشخصية لا يتوافر في بيروت. يحتاج
المبدع في بعض الأوقات إلى عزلة، إلى عدم تدخل الآخرين، إلى مكان يجول فيه
ولا يعرف فيه أحد أصله وفصله. في باريس أشعر بمساواة تامة مع الآخرين. أما
القاهرة فهي الحلم، هي الحجم والوسعة. حين نحقق فيها فيلماً فسيراه
الملايين، هي الناس والتاريخ والألوان والخيال، كل زاوية فيها تشكل في حد
ذاتها لقطة، مواد «الشغل» متوافرة في كل مكان. ثمة شيء قوي جداً في
القاهرة. هي عاصمة بكل معنى الكلمة، أم الدنيا.
حين نترك البلد في البداية نتعذب، وبالتأكيد نخسر شيئاً ما، لكن سرعان ما
نمسي على مسافة تسمح برؤية افضل. المشكلة تكمن في عدم قدرتي على البقاء
وقتاً طويلاً في المكان نفسه. ربما هو عنصر الوراثة، فأنا كالبدو وثمة
مكانان لا أستطيع تركهما هما الصحراء والبحر.
أستطيع القول إن علاقتي مختلفة مع كل مكان، عشقي لبيروت جسدي ولباريس
عقلاني وللقاهرة صوفي.
·
قلت يوماً «أبحث عن توازن بين
العمل الفني ومتطلبات الناس»، ما قصدت؟
- استغرق مني «دنيا» سبع سنوات، أردته فيلماً يتوجه مباشرة إلى أحاسيس
الناس. لكنهم تهجموا عليّ بكلام بشع: «فيلم جنسي»، «ضد الإسلام»، «ضد
مصر»... كان كل ما أردته الحديث من دون أفكار مسبقة عن المرأة، عن فتاة
تتكوّن وتختار طريقها. ضايق هذا الناس، لكن ثمة البعض من البسطاء شكرني
وأيدني وبعضهم من الصعيد والهند. إذا فكرنا بالجمهور لا نعمل شيئاً.
مواضيعي صعبة غير تجارية، وحين حاولت عرض «دنيا» في السينما في مصر حوربت
بشدة وقالوا «تجرّأت كثيراً»، قمت بالثورة قبل الثورة. ثم طلب مني فيلم عن
بيروت حين كانت عاصمة الكتاب، كانوا ينتظرون فيلماً عن «دار نشر الشرق»...
وكلاماً من هذا القبيل... لكنني اعتبر أن هذا ليس من شأني، إنه عمل التجار!
لذلك قررت تحقيق فيلم يعنى بالخلق الفني في السينما، تجريبي، شاعري، صورت
فيه بيروت التي أحبها الحرية والإبداع والخيال والرقابة الذاتية... كان «في
شي عم بيصير» نزهة في بيروت غير مرتبط بزمن ما.
الآن أنا في مرحلة أشعر فيها أن الوقت قصير. أريد العمل والعمل، إعطاء كل
ما في حوزتي. لدي مشاريع عدة عن دول المتوسط مطلوبة من التلفزيون الفرنسي
والمرأة وكتاب سيرة ذاتية وتحضير معارض عدة...
·
قد يجابهك ربما اتهام آخر في
فيلمك المقبل عن المرأة والمتوسط! بأنك مثلا تعملين وفق الطلب الغربي!
- وزعت أول أفلامي من دون تمويل من تلفزيونات أوروبية. نحن «نشحذ» الفلوس
من تلفزيونات أوروبا ومن الهيئات السينمائية. لا تتوافر سياسة لدعم السينما
في بلادنا. في لبنان مثلاً لا تتجاوز موازنة السينما الثمانين ألف دولار،
ما يشكل ثمن فيلم تسجيلي قصير في التلفزيون الفرنسي. من سيهاجمني أشخاص
يعانون الكبت والحرمان. ليس عليّ البرهان على دوافعي، اخترت طريقاً صعباً
وأريد ما أريده. أحاول أن أوصل للجمهور الغربي ما لا يشاهده في بلادنا،
أعطي الصورة الحقيقية وليست تلك التي يفرضونها أو يحبون رؤيتها. لا تهمني
مناقشاتي مع المنتجة الفرنسية بل السوق العربية، وإن كان أحد قد رفض
إملاءات ما فهو أنا. حين صورت الحروب أوصلت احساساً داخلياً لواحدة من هذه
الأرض وفي «دنيا» أردت الكلام عن قصة حب... نحن نعيش في شرق أوسط يحترق،
فكيف يمكن تجنب ذلك؟ بالطبع أحلم بموضوع خفيف لكن ما نعيشه لا يسمح لنا
بالخفة! من الغريب أنني أصادف دوماً قصصاً صعبة!
·
ربما تجذبك إلى جهتها!
- لا (تقول ضاحكة) هي تقع فوق رأسي!
الحياة اللندنية في
09/03/2012
عن الرجل الذي انقطعت الكهرباء يوم مولده
الدار البيضاء - مبارك حسني
بهذا الفيلم الجديد، والذي قد يجد غير المغربي صعوبة أول الأمر في فهم
عنوانه، تدشن السينما المغربية مرحلة سينما الانتشار الجماهيري الواسع.
السينما التي توظف وتستفيد من منجز الحداثة التقنية في مجال الفنون
البصرية، ومن تراكم تجارب رسمت نوعاً من الحكي الفيلمي المكتمل العناصر،
ومن الاحترافية الكبرى لشريحة من الممثلين المكرسين. وبالنسبة للأخيرة يؤدي
بطل الفيلم، الممثل المعروف رشيد الوالي أحد أكبر «منجزاته» التشخيصية.
فالشريط يعتمد في كليته على قدراته في التقمص والتقمص المضاد، بأدائه
لدورين في الوقت ذاته. دور الخيّر ودور الشرير. ففكرة الشريط هي تجسيد صراع
الشر والخير داخل نفسية الإنسان، والتجاذبات الكثيرة التي يحدثها وتعكسها
كما لآثاره على المحيط في الشغل والعاطفة والسلوك العام.
إنها فكرة تتأسس في اندراجها السينمائي على إمكانات تكنولوجية عالية
ومتقنة، وعلى توظيف الآليات المعلوماتية في خلق الصور وازدواجها ومنحها
الألق البصري اللازم. لأن تأدية دورين في اللقطة ذاتها ليس مما يسهل
الإتيان به وإظهاره إلا من طرف مهني معلوماتي متخصص. وهي حالة وتميّز مخرج
الفيلم محمد الكغاط. وقد أتقن الأمر في فيلمه هذا، بفضل الأعمال السابقة
التي تكلف بإخراجها للتلفزيون وأبرزها سلسلة «البعد الآخر» الرؤيوية. وها
هو اليوم ينقل التجربة إلى الفن السابع من خلال فيلمه الطويل هذا.
توظيف ما...
ومن هنا نراه في الفيلم وقد جرب ونجح في توظيف شخصية ممثل قدير وتجربة
تقنية لمخرج بارع في ميدانه، فهل قدم التعاون ما بين هذين الفنانين،
إبداعاً وإنتاجاً، شريطاً جديداً في منحاه الإبداعي السينمائي من حيث
الموضوع والشكل، بعد توفقه التقني والأدائي؟ أي بعد أن حقق جدارته من حيث
المتابعة والجماهيرية. هنا يمكننا الرد بالإيجاب الشافي. فالشريط وإن كان
من دون رسالة كما عهدنا ذلك في عدد من أفلامنا المغربية المنخرطة في الهم
المجتمعي، تتناول وجهاً موعظياً واضحاً، ينجح في رسالته الخاصة على أية
حال. فسعيد البطل الهادئ المتزن المحترم يرى حياته تنقلب رأساً على عقب ذات
يوم. وذلك لأسباب غير طبيعية ومتعالية على الفهم البشري العقلاني أو البسيط
على حد سواء. لكن قبل ذلك يمنحنا الشريط سرداً لحياته قبل الولادة، عبر
لقطات متسرعة تستلف من سينما البدايات الأولى تجليها وشكلها ووسائلها، وذلك
عبر تسريع إيقاع الصور الفوتوغرافية، الأبيض والأسود أو لون التقادم
العتيق. وفي هذا الجزء سرد للقاء الأول لوالديه وزواجهما يروم الفيلم من
خلاله إبلاغ معنى معين. أي خلق تشويق أولي بإتقان غير معهود. نشاهد رشيد
الوالي المقنع الأداء والممثلة المقنعة أيضاً هدى الريحاني في ثنائي متناغم
ومتصادق حد التكامل. وهذا الإقناع سيستمر طيلة مدة الشريط. يلتقيان
ويتفارقان في عدد لانهائي من المواقف الغريبة المتناقضة. تحدث لهما شتى
الكوارث والفواجع لكنهما ينجوان منها بقدرة قادر. والنتيجة صور لمواقف
مُختلقة مُخترعة تأخذ مادتها من التصوير المباشر كما من الاستعانة
بالكومبيوتر، تفاجئ وتمتع وتضحك.
الفكرة المستوحاة تلعب على ثيمة التكرار والعود الأبدي والبحث عن الاختلاف
داخل هذا العود. فحكاية الآباء ستكرر مع الأبناء. الدور نفسه والوجوه نفسها
في زمنين مختلفين عبر لقطات سينمائية مختلفة. التكرار يعتمد على الاستنساخ
الخفيف الظل والخوارق بواسطة التقنية المشار إليها أعلاه. الاستنساخ الصوري
والتشخيصي هو علامة الشريط المميزة وفيه تبدو جدته. هو يبوح بعدم وجود
أحادية في الحياة والاستفرادية بل المضاعف والقرينة، وبها يبدو الإنسان ليس
هو ذاته في جل حالاته الممنوحة للنظر. الجسد يظل كما هو غير متغير لكن
الذهن والباطن المحددين للسلوك يتبدلان ويتحولان ويعملان على إظهار قرارات
ليست كلها متماشية مع المبتغى.
الشريط يُوضح مسار الذهن بصوره واستيهاماته وتخيلاته المختلفة وتهيؤاته
بإبرازها في مجال التحقق البصري، تُرى مجسدة في واقع الصورة، وإن لن تتجسد
في واقع الحياة المباشر الملموس. رغم مفارقتها وتعاليها. لكنه في الوقت
ذاته لا يسعى إلى الذهاب في ما وراءها من معان أو غوص في وجودها الذاتي. بل
كمجرد مرجع وتوظيف لحكي قصة مسلية مليئة بالتشويق والمفاجآت. وهذا سؤال
سينمائي مغربي كبير تجددت في هذا الشريط مواضعه. فالمعروف أن السينما
المغربية قد قاربت التجريب الموضوعاتي للعجيب والغرائبي والمفارق للواقع
العيني، من خلال الحلم والقرين والمرآوية وتعدي الاستيهام بالواقع. جربته
كتصور للعالم والوجود والإنسان، بالخصوص في أعمال مصطفى الدرقاوي الأولى
والمخرج مومن السميحي مثلاً. كان ذلك منطلق السينما التي نعتت بالمثقفة
والعالمة، سينما المؤلف المستندة إلى التصور الأدبي والفلسفي للسينما بما
هي نظرة إلى العالم.
شكل جديد لعوالم سابقة
العوالم نفسها، من جهة ما، تشاهد في هذا الشريط المعنون بعنوان دارج أقرب
إلى المستملح من القول مستنداً إلى المستجد التكنولوجي الذي لم يكن موجوداً
بالإتقان الحالي. لكن العوالم هذه أُخذت شكلاً وليس موضوعاً وعمقاً، ولا
ضير في ذلك. لأن الهدف هو الوصول إلى فيلم ممتع في حد ذاته، قريب من
الاهتمام العام للكل، لا يصدع الذهن بالفكر الذي ليس همه الأول، بقدر ما
يوظف خاصية الذهن للإضحاك. إن الموهبة المشتركة للممثل البطل والمخرج صاغت
عملاً سينمائياً على غرار السينما المتعارف عليها عالمياً من حيث الغرض
والهدف أي جلب الجمهور من دون تحقير ذكائه. بل احترمه حقاً، ولم يدع أنه
يقدم عملاً للسؤال والتثقيف. والحق أن من بين مطالب السينما المغربية قبل
عقدين فقط هو التوصل إلى نسج فيلم لا غير، فيلم/أحدوثة، متقن ومتكامل
العناصر، بدءاً من السيناريو ووصولاً إلى التصوير والتوزيع والعرض. ويمكن
القول في اختصار إن بهذا الشريط وشرائط أخرى من الشاكلة ذاتها قد تُحقق
تيارات سينمائية مغربية بعد التحقق الفعلي كمجال فني كامل الحضور الكمي.
فالمخرج الشاب محمد الكغاط قعَد التقنية في مجال الحكي السينمائي المغربي.
وفي ذلك إضافة لا بد من الإشارة إليها.
الحياة اللندنية في
09/03/2012
المهرجان الثاني للسينما التركية في بيروت...
سينما ترصد الحياة ومبدعون حاضرون عالمياً
بيروت – «الحياة»
إذا كان فيلم نوري بلجي جيلان الجديد «كان ياما كان في الأناضول» هو الفيلم
الذي كان منتظراً اكثر من اي فيلم تركيّ آخر بالنسبة الى جمهور مهرجان
السينما التركية المقام منذ ايام في بيروت، فإن «النجم» الحقيقي للمهرجان
انما كان المخرج التركي الآخر فاتح آكين، الذي، على عكس جيلان، يعيش خارج
تركيا حيث يعمل في المانيا ويحقق افلامه فيها او انطلاقاً منها. لآكين
اليوم، كما لجيلان سمعة عالمية كبيرة تضع كلاً منهما في مكانة طليعية في
السينما المعاصرة مع فارق اساس هو ان جيلان لم يحتج الى زمن طويل قبل ان
يبلغ هذه المكانة... فيما اضطر آكين للاشتغال طويلاً، منفياً في المانيا
قبل ان يثبت مكانته. ومهما يكن من أمر، فإن من المعروف في الحياة
المهرجانية السينمائية على الصعيد العالمي، ومنذ سنوات عدة، انه ما إن ينجز
واحد من هذين فيلماً جديداً حتى يتدافع مسؤولو المهرجانات لتلقف فيلمه.
والحال ان هذه الوضعية كان لا بد لها في نهاية الأمر من ان تنعكس على مكانة
السينما التركية المعاصرة في العالم. وما المهرجان البيروتي الذي يختتم
عروضه الأحد المقبل سوى برهان اضافي على هذا الواقع.
طبعاً لا يمكن القول هنا ان «كلّ» السينما التركية لها هذه المكانة، ولا ان
المهرجان المقام في بيروت سيعطي فكرة شاملة عن سينما لـهـا تاريـخ كـبيـر
وواقـع جماهيري كبير في بلادها. ولكن في المقابل من خلال الأفلام المعروضة
يمكن محبّي السينما ان يأخذوا فكرة جيدة ليس فقط عن السينما في تركيا بل
كذلك – وفي شكل خاص – عن شرائح من الحياة الاجتماعية في هذا البلد...
طـالما اننـا نعرف ان السينما التركية في شكل عام تعتبر – كحال زميلتها
الإيرانية – سينما شديدة الاقتراب من الرصد الاجتماعي، اضـافة الى تمكن
مبدعيها فنياً وجمالياً وتقنياً... انما من دون ان يسهى عن بالنا ان مقدار
الحرية التي يتمتع بها السينمائي التركي تفوق بجرعات مضاعفة تلك المتاحة
للسينمائي الإيراني... إن لم يكن منفياً!
شاهد الجمهور البيروتي، اذاً، طوال الأيام الفائتة ويشاهد للأيام الثلاثة
المتبقية، عدداً من الأفلام التي تخرجه تماماً من سياق السينما التجارية،
كما تخرجه – فنياً – من سياق المسلسلات التلفزيونية التركية على رغم جودة
هذه وتميّزها في شكل عام. فمن تحفة جيلان التي افتتحت المهرجان، الى افلام
تحمل تواقيع شبان او مخضرمين («شعر» لطيفون بيرسلي اوغلو، او «كوزموس»
لريحا ارديم و«زفير» لبيلما باس او «بلوغ» لسيرين يوجي... على سبيل
المثال)... تتابعت السينما التركية على شاشة جمعية «متروبوليس» البيروتية،
قوية نزيهة ومدهشة... ومع هذا وكما اشرنا اول هذا الكلام، كانت النجومية
لفاتح آكين الذي عرض له المهرجان اربعة من اجمل افلامه هي: «في شهر ايلول»
المنتج عام 2000 و «سولينو» المنتج عام 2002، و «هاد أون»، وهو اشهر افلامه
منذ عروضه والجوائز التي حققها عام 2004... هذا اضافة الى فيلمه التسجيلي
البديع عن الموسيقى والغناء في اسطنبول وعنوانه «عبور الجسر» وكان عرض
عالمياً للمرة الأولى عام 2005 في مهرجان «كان» حيث نال اعجاباً شاملاً.
الحياة اللندنية في
09/03/2012
37 فيلماً دعماً للسينما من وزارة الثقافة المصرية
القاهرة – نيرمين سامي
أعلن رئيس المركز القومي للسينما في مصر المخرج مجدي أحمد علي، نتائج
مسابقة دعم الأفلام المصرية المقدمة من وزارة الثقافة والتي وصلت إلى 37
فيلماً ما بين روائي طويل وقصير وتحريك وتسجيلي، يتم إنتاجها خلال العام
الجاري. وتصل نسبة الدعم إلى 50 في المئة من قيمة الإنتاج بحد أقصى هو
مليونا جنيه. وبلغ عدد الأفلام الروائية الطويلة التي تحصل على الدعم، 12
فيلماً وهي: «رسائل حب» سيناريو وإخراج داود عبد السيد، «قبل الربيع»
سيناريو وإخراج أحمد عاطف، «لا مؤاخذة» سيناريو وإخراج عمرو سلامة، «ورد
مسموم» سيناريو وإخراج فوزي صالح، «بأي أرض تموت» سيناريو وإخراج أحمد
ماهر، «سنة سعيدة» سيناريو وإخراج محمود سليمان، «علي معزة» سيناريو وإخراج
إبراهيم بطوط، «69 ميدان المساحة» سيناريو وإخراج آيتن أمين، «فتاة المصنع»
سيناريو وسام سليمان وإخراج محمد خان، «هرج ومرج» سيناريو نادية خان وإخراج
نادين خان، «ليلى والمجنون» سيناريو عمرو بسيوني إخراج عمرو بيومي، «لحظات
انتحارية» إخراج إيمان النجار.
وفي السياق ذاته فاز 15 فيلماً روائياً قصيراً بالدعم، وهي: «حالتي» لخالد
عزب، و «رمادي» لعاطف ناشد، و «الحب لحظة» لمحمد نوار، «قداس الشيخ رضوان»
لأوفيليا عاطف بشاي، «اللقاء» لغادة عاطف، «أحلام فترة النقاهة» لعمرو
شامي، «ستة» لبهاء الجمل، «تحية طيبة وبعد» لجون إكرام، «شارع البستان
السعيد» لميسون المصري، «مدى لارنج» لعلا عز الدين، «ليه ما تحلمش» لمحمود
أمين، «يا حلم علي قدي» لطارق عبدالوارث، «الراجل اللي واقف ورا الراجل
بتاع عربة الكبدة» لكريم كركوري، وفيلم «7/10/1973» لمحمد سمير، و «واحدة
بواحدة» لتامر سعدان، وستة أفلام تسجيلية أيضاً فازت بالدعم.
وأشار المخرج مجدي أحمد علي إلى أن مهرجان الإسماعيلية للسينما التسجيلية
سيقام في شهر حزيران (يونيو) المقبل كدورة استثنائية لعدم إقامته في تشرين
الأول (أكتوبر) الماضي للظروف التي تمر بها البلاد، حيث وافق وزير الثقافة
شاكر عبدالحميد على عودة المهرجان للمركز القومي للسينما. ووقع الاختيار
على الناقد المصري أمير العمري مديراً لمهرجان الإسماعيلية للسينما
التسجيلية، وستتغير لائحة المهرجان القومي للسينما المصرية، ويتحول إلى
مسابقة للفيلم المصري، وتكون شروط اشتراكها أقرب لشروط جوائز الأوسكار
لاختيار الأفلام وسيتحول المهرجان الى «مسابقة الفيلم المصري الوطني».
وسيتم اختيار الأفلام المرشحة للجوائز عبر المتخصصين بالعمل السينمائي حتى
يكون الاختيار والترشيح من أبناء المجتمع المرتبط بالأفلام السينمائية.
وأكد مجدي أحمد أنه سيتم فحص جميع المهرجانات السينمائية التي تقام في مصر،
ولن يتم دعم أي مهرجان بأكثر من 50 في المئة بما فيهم مهرجان القاهرة
السينمائي، مع التأكيد تدعيم أي مؤسسة تقيم مهرجاناً سينمائياً. كما استعرض
أنشطة المركز القومي للسينما من حيث الخطوات التي اتُخِذت لإنشاء السينمات
ودعم مشروع السينما المستقلة، وكذلك إنشاء وحدة لتسويق الأفلام التابعة
للمركز القومي للسينما ومشروع تطوير قاعة الوزير بحيث تصبح مركزاً
للمهرجانات التي تقيمها وزارة الثقافة. وأشار إلى أن أهم القرارات التي
اتخذتها لجنة المركز القومي للسينما أن يكون الدعم نقدياً، وأن تكون منحة
لا تُرد، وأن تكون شروطه أشبه بشروط التوزيع، وأن تصرف الدفعة الأولى مع
أول يوم تصوير، ولا تحصل كل الأفلام على موازنة واحدة، ولا يشترط أن يكون
الفيلم 35 ملم، وطالب بضرورة عودة أصول السينما في مصر الى وزارة الثقافة.
الحياة اللندنية في
09/03/2012
«عتبات البهجة» لناجح حسن...
رصد الحاضر لخدمة المستقبل
بيروت – «الحياة»
يعرف الأردن خلال السنوات الأخيرة نشاطاً سينمائياً لافتاً، حتى وان كان من
الصعب القول انه نشاط إنتاجي- إبداعي... هو نشاط متنوع يكاد قطبه الأساس ان
يكون «إعارة تضاريس الأردن وجغرافيته الى منتجين ومخرجين اجانب يصورون هنا
افلامهم»... وهو كذلك جملة نشاطات سينمائية تثقيفية وما الى ذلك. أما الحلم
القديم الذي داعب كثراً من محبي السينما في الأردن منذ ثلث قرن واكثر،
وتحديداً منذ صوّر دايفيد لين هناك فيلمه الكبير «لورنس العرب»... فلا يزال
حلماً يداعب كثراً.
غير ان هذا لا يمنع من القول ان السنوات الأخيرة شهدت بدايات تحقق لهذا
الحلم ولو عبر خطوات خجولة. وهذه الخطوات هي التي يرصدها الناقد الأردني
ناجح حسن في كتابه الصادر حديثاً «عتبات البهجة» (منشورات «فضاءات»- نحو
400 صفحة من القطع المتوسط). ولئن كان ناجح حسن قد اعطى كتابه عنواناً
فرعياً هو «قراءات في افلام اردنية» فإنه كان الأجدر به ان يضيف ال التعريف
هنا لأن الكتاب عبارة عن قراءة في الأفلام الأردنية... بل انه اكثر من هذا،
اول محاولة اردنية جادة ومفصّلة لرصد واقع وبعض تاريخ الفن السابع في هذا
البلد. فالمؤلف حتى وان كان أفرد أكثر صفحات كتابه للحديث عما انتج في
بلاده خلال السنوات الأخيرة، فإنه في الوقت نفسه استعاد في فصول اولى
ومقدمات مفيدة على اختصارها بعض تواريخ النشاط السينمائي في سرد يمزج بين
الحوارات والتحقيقات والوقفات النقدية والإستعادية... وعلى رغم هذه الوقفات
قد يكون من الصعب القول ان همّ الماضي هو الهم الطاغي على صاحب الكتاب. همه
هنا هو الحاضر والمستقبل. وهو تلك الحركة التي تزداد حضوراً برعاية رسمية
احياناً ومن خلال عدد يتضاعف من مهتمين ومبدعين يحضرون في هذا الكتاب
محاورين راصدين بدورهم، آملين معاً ان تكون خطوات اليوم بداية لما يتمنون
ان يعيشه الأردن من ازدهار سينمائي.
بهذا الذي يتضمنه كتاب ناجح حسن «عتبات البهجة» يشكل المجموع ملفاً ضخماً
يمكن لمؤرخي المستقبل ان يستعينوا به من أجل توثيق لتاريخ فن من المنطقي
القول اليوم انه بدوره لم يصبح بعد جزءاً من تاريخ هذا البلد وحين سيصبح
جزءاً ويصير موضوعاً حقيقياً لتاريخ تحليلي مفصل، سيكون هذا الكتاب حاضراً
بالتأكيد لرفد دارسي المستقبل بصور آتية من حاضرنا هذا.
الحياة اللندنية في
09/03/2012 |