في الأزمات ، في الأزمنة المحتقنة التي تنضح بالمعاناة ، ليس غير العين
الراصدة والشاهد الجريء الذي يقرأ واقعا ما . والكاميرا العين في السينما
الوثائقية ظلت حتى اليوم هي الشاهد الأمين على خراب الواقع واشكالياته
وتعقيداته بسبب قربها من نبض الحياة .
وعلى هذا صارت الكاميرا / الشاهد وازمات البشرية صنوان يكملان بعضهما
البعض، الناس في نهمها الفضولي ونزعتها لأن تعرف وتعلم بحاجة الى تلك العين
الراصدة التي بإمكانها الاحتفاظ بالحقيقة الدامغة واثرها الصادم.
واحيانا ما تكون الأزمة خاصة بإنسان يقرأ الواقع على طريقته ، وكذلك حال
الشاب عاشق الكاميرا الفلسطيني "عماد برناط" الذي كانت هوايته منذ زمن
توثيق ما يراه بكاميرا للهواة ولم يكن في قرارة نفسه انه معني بتقديم فيلم
وثائقي يراه العالم كما حصل فيما بعد.
ظل عماد زمنا وهو يراقب بعين كاميرته فعاليات الجيش الإسرائيلي المتواصلة
سواء في ملاحقة وقتل الفلسطينيين او في تجريف اراضيهم او في اعتقال
المتظاهرين او الذين تتهمهم بالمساس بأمنها .
وهكذا وجد عماد برناط ان كاميراته التي تمتلك نبض الحياة كان يتم اغتيالها
واحدة بعد الأخرى عندما كان الاحتلال يحطمها له حتى بلغ عدد الكاميرات
المحطمة عنده خمسا وكل كاميرا كانت شاهدا على حقبة من الاحتلال وهو الذي
كان يتتبع يوميات قريته الوديعة بالقرب من رام الله وهي تدفع اثمان
المواجهات
.
الأكثر طرافة في القصة ان كل كاميرا من كاميراته كان اغتيالها مرتبط بولادة
ابن من ابناء عماد الذي قرر ان يصنع من هذه القصة فيلما وثائقيا بمشاركة
الناشط اليساري الإسرائيلي دافيدي المعارض لممارسات الاحتلال التعسفية
واعمال القتل والتشريد التي يمارسها ومن خلال جدار وممارسات الفصل العنصري
.
طاف الفيلم "خمس كاميرات محطمة" لهذين المخرجين العديد من المهرجانات واتيح
لي مشاهدته في اثناء انعقاد مهرجان امستردام للسينما الوثائقية الأخير في
دورة هي من ارقى دورات المهرجان تنوعا وتنظيما ثم استضافت ادارة المهرجان
المخرجين في ندوة مفتوحة مع الجمهور ضمن فعاليات المهرجان
.
ما يلفت النظر في هذا الفيلم هو الاستخدام البسيط والعفوي لسرد الأحداث وهو
عنصر جمالي شدني شخصيا من خلال قيام المخرج برناط برواية المجريات من
خلال
" voice over ".
تمر سنوات والدراما تمضي الى منتهاها وكلها تواكب ما سترصده كاميرا عماد
من تعسف وظلم فاق كل الحدود ضاربا بعرض الحائط كل القيم لكن ما يلفت النظر
وفيما عماد برناط يروي الوقائع ان كل حدث كبير شهدته القضية الفلسطينية من
مثل اتفاقية اوسلو او اقامة جدار الفصل العنصري او غير ذلك كان يصادف وقوعه
تحطيم كاميرا وفي نفس الوقت ولادة احد ابناء عماد فأبناؤه محمد وتقي الدين
وجبريل كل واحد منهم ارتبطت ولادته بتحطم كاميرا وبواقعة جديدة وهي معالجة
ملفتة للنظر لجأ اليها المخرج في ربط الحدث الفلسطيني بواقعة تحطم الكاميرا
.
انها شهادات تنبض بالواقع الحي وتفجرات الصراع ، وحيث يرصد عماد شخصياته
بهدوء ويتابع ردود افعالهم وبين الحين والآخر يجد الجميع انفسهم في مواجهات
جديدة مع قوات الاحتلال .
ولعل من الملفت للنظر هي تلك الطبيعة السردية التي ميزت الفيلم في تنقله
بين اكثر من حقبة زمنية في عرض كرونولوجي مختلف ومميز ..ويمكن هنا حصر عدد
من المقتربات الملفتة للنظر في هذا الفيلم:
- اتخاذ
الواقع الفلسطيني منطلقا وحيث لم يغرق الفيلم في تفصيلات ذلك الصراع طويل
الأمد والمتشعب مع سلطات الاحتلال وحيث اوجد الفيلم معادلا موازيا من خلال
قراءة حياة عدد من الشخصيات وتتبعها .
- الكاميرا
– العين – الشاهد هي الخلاصة المهمة التي اسسها الفيلم والتي قادت الى
غزارة تعبيرية في المادة التسجيلية .
- اتخاذ
بدائل موضوعية في عرض القصص وذلك من خلال التنقل بين الأماكن المختلفة
كرصد جوانب من الحياة لليومية .
- تطوير
السرد الوثائقي الى مستوى محاكمة الأحداث واعادة قراءتها والخروج من دائرة
المعلومات المكررة التي جرى عرضها في العديد من الأفلام الوثائقية التي
عالجت القضية الفلسطينية
.
تدب الحياة في بلعين ، على تخوم رام الله، كل شيء على عهده وسيرته عبر
الزمن ، الناس ، البيوت ، وجود اشجار الزيتون ، المتظاهرون السلميون ، الا
ان الشيء الاستثنائي الذي سيغير خارطة الأشياء وايقاع الحياة هو قدوم
الجرافات وبنادق جنود الاحتلال لكي تصنع سيرة اخرى ، تجريف اراض وانشاء
مستوطنات للمتطرفين وفيما القناص يستهدف كاميرا عماد برناط وهو يردد في
المؤتمر الصحفي في مهرجان امستردام : " هذه كاميرتي ، انها هي التي كانت
تحميني " ..
صوت مفعم بالشجن هو صوت عماد الذي تحول عنده الفيلم الى كينونة كاملة
ملتصقة به ومتداخلة مع حياته فهو وتلك الكاميرا – العين الشاهدة صنوان وهو
يرى في تلك الكاميرا الشاهد علامة من علامات التاريخ لأنها جزء من وقائع
وحياة
.
الوثيقة الفيلمية هنا تحاول ان تقرأ الظواهر بالاقتراب الحميمي منها ، لا
التعليق عليها من الخارج وكذلك التداخل مع الأحداث والشخصيات والانفتاح على
الواقع ، انها شهادة موضوعية لا تتعدى ذلك الى خطاب سياسي او اعلامي بقدر
ماهي فكرة انسانية تتوازى مع تلك الوثائقيات التي كرست للموضوع الفلسطيني
ولكنها تصنع مسارا خاصا اكثر حميمية وتفاعلا مع الشخصيات والأماكن والأحداث
.
الزمن الفيلمي والحقيقية الوثائقية تتلاقيان في صنع تلك الخلاصات التي نبحث
عنها ولهذا يطمئن المشاهد من اية جنسية كان وفي اي مكان انه يشاهد قصة
وثائقية فيها طرفا صراع معلومان في كل مكان لكن الفارق في هذه القصة انها
تعزف على وتر انساني ويوميات عادية تفضح تداعيات واقع مأساوي بحس نقدي
وانساني في آن معا
.
ولعل الجانب الآخر للموضوع هو التفاعل مع كل
شخصيات المحيط الجغرافي ، حتى لحظات الأعتقال وتلك الوجوه التي لا ترتعب
وهي تواجه الجلادين ، لأنها الحياة ، يجب ان تسير الى مداراتها وغاياتها
وكذلك الشخصيات المطمئنة التي ترى ان حياتها اكبر من ان توقفها او تشلها
فعاليات الاحتلال .
كاميرا عمار برناط هي كاميرا حية ونابضة يغلفها حزن مرير فيما تلتقطه وكذلك
في نبرة التعليق على الأحداث والوقائع المليء بالشجن والأسى ولكن من دون
بكائيات ولا صراخ ولهذا تجد ان ثمة مساحة واسعة اتاحت له عرض موضوعه من
زوايا متعددة ولك من دون ان يفقد المنطلق والزاوية التي انطلق منها في رسم
صورة اخرى لواقع متفجر ومأساوي ولكن برؤية انسانية مميزة..
الجزيرة الوثائقية في
08/03/2012
"مسيرة
المدينة الفاضلة" أم "مسيرة الوهم"؟
ندى الأزهري- فزول(شرق فرنسا)
ضمن تظاهرة "ندبات" التاريخ، في مهرجان السينما الآسيوية في فزول، التي
هدفت إلى عرض نظرة السينمائيين الآسيويين و رؤيتهم الخاصة لأحداث تاريخية
عصفت ببلادهم أو بالعالم و تركت جروحها في الذاكرة الجماعية أثرا لا يمحى،
من حروب أهلية أو عالمية مرورا بثورات شيوعية وإسلامية وصولا إلى اعتداءات
سلطوية أو فردية... برز فيلم قديم حديث. قديم لأنه أنجز منذ ثلاثين عاما،
وحديث لأن مهرجان "فزول" أعاد ترميم النسخة الوحيدة التي كانت بحوزة
صانعته. جوسلين صعب كانت سعيدة "بمسيرة المدينة الفاضلة"، أو لعلها "مسيرة
الوهم"، فمن يدري ماقصدته المخرجة بالعنوان الفرنسي؟ قد يرى البعض العنوان
الأول صالحا في وقته والعنوان الثاني صالحا لزمننا الحالي.. من يدري؟ هذا
يعتمد على من ينظر وكيف ينظر؟ موقعه ومعرفته وانتماؤه، قريب أم بعيد،
مُنظَر أم واقعي... ما ندريه حقا أنه فيلم نادر لايكشف تخبطات وآمال
وتحولات مجتمع فحسب بل أيضا السلطة الجديدة التي خرجت من الشعب وكان عليها
إعادة قولبة المفاهيم وصياغة نظم وأحكام تليق بثورة إسلامية.
كان قد مضى عام على الثورة الإيرانية حين طلب التلفزيون الياباني من جوسلين
صعب، المخرجة اللبنانية و المصورة تحقيق وثائقي عن إيران. شرعت في رحلتها
إلى بلد الثورة بعد تردد، شجعها رفيق بستاني الباحث الذي شاركها فيما بعد
الرحلة والعمل في الفيلم. جابا معا إيران شمالا وجنوبا شرقا وغربا، كمَل
أحدهما الآخر" كانت عقلانيته مقابل عفويتي" تقول لنا جوسلين، فجاء الفيلم
متوازنا في خط سيره العام، غنيا بسرده وبشهادات معاصريه. بعد ثلاثين عاما،
يعود هذا الفيلم إلى "فزول" فقد أدرك منظمو مهرجان السينما الآسيوية في تلك
البلدة أهميته وما يحمله من الدروس والتجارب للوقت الحالي مع كل ما يجري
من ثورات في العالم العربي. النسخة الوحيدة التي كانت بحوزة المخرجة لم تكن
صالحة للعرض فرممها المهرجان، جوسلين صعب سعيدة للغاية برؤية فيلمها من
جديد، بوجود من يهتم بعملها "دولتي لم ترمم أفلامي, مهرجان صغير، إنما مهم،
فعل. لقد أدرك أنه الفيلم الوحيد عن هذه المرحلة، رمموا النسخة الوحيدة
التي بحوزتي، لهذا نستطيع رؤية هذا العمل اليوم بعد 30 عاما من إنجازه"
تقول لنا.
إذا هي نظرة على بدايات الثورة الإيرانية من خلال كاميرا جوسلين صعب
وتساؤلات رفيق بستاني الباحث، يجولان بنا في إيران التي تمور بالتحولات.
فنرى فيه ما لانراه اليوم في إيران، ونسمع ما لم نعد نسمعه: حزب "توده"
الشيوعي ومجاهدي خلق، ومعارضة الشاه بكل أطيافها التي شاركت في زحزحته عن
عرشه وطرده، الموسيقى العصرية التي كانت تعزف في كل مكان، النساء السافرات،
والجيش الحديث التشكل والمكون من شباب وشابات يتدربون معا جنبا إلى جنب
لحماية الثورة.
شهادات وصور مدهشة في زمن كانت فيه الأجواء متفائلة والآمال كبيرة
والحرية ممكنة طالما هي "في خط الامام الخميني"، والحجاب لدى بعضهن ليس سوى
وسيلة" للمساواة مع الرجل" وفرصة للوجود في مواقع كانت مكرسة له، اما وحدة
الطبقات فهي كانت بالتأكيد" أحد أهداف الثورة"، هكذا كان سكان طهران يدلون
بآرائهم، يبدون وجهات نظرهم متحمسين تجاه هذا التغيير الكبير الذي يشهدونه.
ما لا نراه الآن هي ايضا دور الدعارة، والتي كان الفيلم شاهدا على تدميرها،
فها هي الجرافات تزيل بيوته و العاهرات السابقات يخضعن لدورات تدريبية
ليسرن في طريق الهداية، الشارع بات مهجورا خربا بعد ان كان يعمر بحياة ما
في العهد السابق. تعبر الكاميرا أحياء طهران الجنوبية التي كانت معدمة،
وشتان بين تلك الاحياء والوجوه التي كانت تبدو كأنها خارجة من القرون
الوسطى والتي كانت تندب أوضاعها مباشرة بعد الثورة " لا أحد يهتم بنا"،
شتان بينها وبين ما نراه اليوم في جنوب طهران، الثورة مرت من هنا وقضت على
العشوائيات ونظمت الشوارع. ما لم تقض عليه ربما كان مشاكل" الأقليات
والشعوب المقهورة في إيران" فهم لم يؤخذوا بعين الاعتبار من البداية كما
يبين الفيلم الذي جال صاحباه على مناطق بلوشستان والأكراد فرأينا البؤس
والتهريب والمهاجرين الأفغان...
يفاجئنا ظهور الإمام خامنئني شابا وهو يخطب، وكذلك مسعود رجوي وبني صدر،
ونشهد الصعود التدريجي لحراس الثورة من البداية ودورهم المتزايد في مختلف
مجالات الحياة، كما نتبع مع المخرجين عمل رئيس السلطة القضائية في طهران في
ذلك الزمن آية الله خلخالي لنسمع رأيه في لقاء معه حول الأحكام الصادرة
وحول اعدام رموز السلطة السابقة واعدامات أخرى لشواذ وعاهرات...
فيلم يكتسب أهمية خاصة هذه الفترة فعدا عن مساعدته على فهم إيران اليوم،
وعقد المقارنة بين بدايات الثورات وزمنها الراهن، فإن تساؤلات كثيرة ترد
إلى الخاطر حول الثورات ومساراتها التي لا تذهب دوما في الاتجاه المرسوم
عند البدايات.
الجزيرة الوثائقية في
08/03/2012
بطاقات، ودليل السينما في فرنسا
صلاح سرميني ـ باريس
يمكن ترجمة (Les Fiches du Cinéma)
بملاحظاتٍ، أو بطاقاتٍ عن السينما، وهو عنوان مجلة سينمائية فرنسية متخصصة،
تصدر كلّ أسبوعين، وتُعتبر خزينةً لا مثيل لها من المعلومات، وأداةً لا غنى
عنها للباحثين، وعشاق السينما، والمُؤسّسات الصحفية.
ظهرت المجلة في عام 1934 عن طريق هيئة رسمية مُخوّلة من طرف الكنيسة
الكاثوليكية، وأصبحت إنجيلاً حقيقياً للأفلام التي تُعرض تجارياً في فرنسا،
حيث كانت تتعامل معها انطلاقاً من معايير، وتقييّماتٍ تربوية، وأخلاقية
وُفق التصنيفات التالية:
ـ فيلمٌ لكلّ الأعمار (وحتى الأطفال بدون مُرافقة أولياء أمورهم).
ـ فيلمٌ لكلّ الأعمار(بعض العناصر لا تُناسب الأطفال).
ـ فيلمٌ للكبار فقط (لا يُناسب الأطفال، ولا المُراهقين بشكلٍ عام).
ـ فيلمٌ للكبار (بعض التحفظات التي لا تُناسب المراهقين).
ـ فيلمٌ لا يُنصح بمُشاهدته (يُلحق الضرر بغالبية الكبار، ويؤذي الصحة
الروحية، والأخلاقية للمجتمع).
ـ فيلمٌ للكبار فقط (يُعرض في الصالات الخاصة).
ـ فيلمٌ يجب الامتناع بتاتاً عن مشاهدته من منطلقٍ دينيّ مسيحيّ.
كانت البطاقات تحتوي أيضاً على توجيهاتٍ للمُبرمجين بهدف حثهم على تحسين
هذا الجانب الأخلاقي، وتقترح عليهم حذف لقطة، أو أكثر من الفيلم.
وتختلف تلك التصنيفات الأخلاقية المكتوبة عن اعتبارات "هيئة الرقابة" التي
كانت تضمّ في عضويتها شخصياتٍ مُفوّضة من الدولة، وقد استمر ذاك النظام حتى
بداية السبعينيّات، وفي نهايتها اختفت تلك "الهيئة"، وتحوّلت ملكية الأعداد
السابقة، والمجلة نفسها إلى جمعية خاضعة للقانون الفرنسي لعام 1901 الخاصّ
بتأسيس الجمعيات الأهلية، وهكذا تمّ تأسيس
Les Nouvelles Fiches Cinema (البطاقات الجديدة عن السينما)، واعتمدت على جهود
مُحررين مُتطوعين، وشغوفين يستثمرون طاقتهم، وخبراتهم في المُشاهدة،
والكتابة، ويخلقون حولها نشاطاً نقدياً لا مثيل له.
يتكوّن الفريق من شخصياتٍ بأعمار، وآفاقٍ ثقافية، واحترافية مختلفة (أساتذة
جامعييّن، معلمين، صحفييّن، عاملين في الحقل السينمائي، وطلبة)، يهتم كلّ
واحدٍ منهم بكتابة تحليلٍ يعكس وجهة نظر جماعية تأخذ بعين الاعتبار ردود
الأفعال المُتباينة لهيئة التحرير المُكونة عمداً من أذواقٍ غير مُتجانسة،
ولا يتجسّد ذلك بتقديم حكم مطلق عن فيلمٍ معين، ولكن، توفير غذاء للفكر من
شأنه السماح للقارئ بتكوين رأيه الخاصّ.
هكذا، بطريقةٍ منهجية، يتمّ تحليل كلّ فيلم يُعرض تجارياً في فرنسا مهما
كانت جنسيته، نوعه، نوعيته، ويُضاف إليه معلوماتٍ تقنية، ملخصاً عاماً،
تعليقاً، وصورة، ويتمّ التعامل مع كلّ فيلمٍ بنفس الموضوعية، والحرص.
هدف "بطاقات السينما" إذا تجميع، وتحليل كلّ الأفلام التي عُرضت تجارياً في
فرنسا خلال عام بالارتكاز على نظرةٍ مستقلة عن أيّ معبدٍ نقديّ، وعقبة
ترويجية.
واليوم، بإمكان الراغبين من الجمهور، او المُتخصصين مراجعة حوالي 35000
فيلماً تقريباً، اصبحت تُشكل مصدراً من المعلومات المُخصصة للسينما في
فرنسا هي الأكثر اكتمالاً.
ومنذ عام 1979 تُصدر الجمعية دليلاً/كتاباً توثيقياً بعنوان "دليل
السينما"(في الشهر الرابع سوف تصدر طبعة 2012 )، ونجد فيه ـ كما عودتنا
الإصدارات السابقة ـ عموم الأفلام التي عُرضت في الصالات التجارية الفرنسية
عام 2011 (أيّ حوالي 610 فيلماً)، وهو رقمٌ قياسيّ سوف يُثير شهية
العاشقين، وحسد المحرومين.
يحتوي الدليل على فهرس لاغنى عنه للعثور على أيّ معلومة نحتاجها عن المشهد
السينمائي الفرنسي مرتبة وُفق : المخرج، النوع، التيمة، الجنسية، الموزع،
وأيضاً صفحات تتضمّن نبذةً عن الراحلين من الوسط الفني، والسينمائي، وقائمة
بالكتب التي صدرت عن السينما في عام 2011، وقوائم أخرى تُوثق الجوائز
الرئيسية التي حصلت عليها الأفلام في المهرجانات الدولية الكبرى.
من جهةٍ أخرى، أصدرت الجمعية مطبوعةً أخرى لا تقلّ أهمية عن سابقتها تحت
عنوان (وقائع تحوّل، دردشة حول السينما 2000-2010) إنطلاقاً من الفكرة التي
تؤكد بأنّ الحوارات التمهيدية للدليل تُشكل قسماً لاغنى عنه للحديث عن
تاريخ السينما، ولهذا سوف نجد في طبعة عام 2012 حواراتٍ، ومقابلاتٍ جديدة
لإطالة هذه الدردشة، وفهم التحولات، والانقلابات الجمالية، والتقنية، خلال
السنوات العشرة الماضية (يتكوّن الدليل من 764 صفحة).
وبإنتظار الطبعة القادمة 2012 الخاصة بالأفلام التي عُرضت في فرنسا عام
2011، فإنه من المفيد تقليب صفحات الطبعة 2011، وإلقاء نظرة سريعة على
محتواها.
تقدم الصفحات الأولى إشاراتٍ مُقتضبة لأهمّ الأحداث التي طبعت المشهد
الفرنسيّ لعام 2010، وأختار منها على سبيل المثال :
ـ في 10 يناير 2010 تسلم المخرج الهايتي المُقيم في فرنسا "راؤول بيك" منصب
رئيس المدرسة الأوروبية لمهن الصورة، والصوت بدلاً من "كلود ميللر"
.
ـ في نهاية فبراير 2010 وصل فيلم "افاتار" إلى قمة مبيعات شباك التذاكر مع
رقم قياسيّ بلغ 14 مليون تذكرة في فرنسا، وجمع أكثر من مليار دولار من
المداخيل في كلّ أنحاء العالم.
ـ في 8 مارس 2010 حصل فيلم The Hurt Locker
لمخرجته "كاترين بيغولو" على ست جوائز أوسكار منافساً "افاتار"، كما حصل
الفيلم القصير "لوغوراما" على أوسكار افضل فيلم تحريكيّ قصير.
ـ من 27 يونيو وحتى 3 يوليو 2010 سجل "عيد السينما" انخفاضاً قدره 30
بالمائة مقارنةً مع دورة عام 2009.
ـ في 26 يوليو 2010 أعلنت الحكومة البريطانية عن اختفاء "هيئة الفيلم
البريطانية"(ومن بين النتائج التي لاحظناها، تخلي الهيئة عن مشاركتها
المعهودة في "سوق الفيلم القصير" لمهرجان كليرموـ فيرا 2012).
ـ في 17 نوفمبر 2010 خروج 21 فيلماً للعرض في الصالات التجارية(من المعروف
بأنّ المعدل الوسطيّ لعدد الأفلام التي تخرج إلى العرض الأسبوعيّ يتراوح
بين 10 وحتى 15 فيلماً).
ومن المفيد التوقف قليلاً كي نتأمل هذا الخبر الذي تمّ إعلانه في 26 نوفمبر
عام 2010 رُبما تقرأه الأنظمة الثورية الحالية، والقادمة، وتعمل على تطبيقه
في بلادنا.
يقول الخبر حرفياً :
حكمت المحكمة على "مارتان بروفوست" مخرج فيلم "سيرافين" بدفع مبلغ 25 ألف
يورو إلى "آلان فيرمونديه" لإنتهاك حقوقه المعنوية في النسخة الأولى من
السيناريو بدلاً من 100 ألف يورو طلبها في بداية القضية، حيث قدم "آلان
فيرمونديه" في بداية شهر سبتمبر شكوى ضدّ المخرج، ومنتجي الفيلم يتهمهم
فيها بالتزوير.
ـ في نهاية نوفمبر 2010 إستقطب فيلم "محارم صغيرة" لمخرجه "غيّوم كانيه"
مليون متفرج خلال 7 أسابيع من عرضه التجاري،
وهكذا كان الفيلم الفرنسي الأول في شباك التذاكر لعام 2010.
ـ في نهاية ديسمبر 2010 وصل الجزء الأول من فيلم "هاري بوتر، والأقداس
المُهلكة" لمخرجه "دافيد ياتيس" إلى قمة مبيعات شباك التذاكر لعام 2010 مع
5.3 مليون متفرج في فرنسا.
وعن طريق إحصاءٍ شخصيّ للأفلام العربية، أو الأجنبية المُنجزة من طرف
مخرجين من أصولٍ عربية، عُرضت في الصالات التجارية، حصلت على القائمة
التالية:
ـ البارونات، إخراج "نبيل بن يادير"، إنتاج فرنسا/بلجيكا عام 2009.
ـ كلّ يوم عيد، إخراج "ديما الحر"، إنتاج فرنسا/ألمانيا/لبنان عام 2009.
ـ الصين مازالت بعيدة، إخراج "مالك بن إسماعيل"، إنتاج فرنسا/الجزائر عام
2008.
ـ الغريب في داخلي، إخراج "إميلي عاطف"، إنتاج ألمانيا عام 2008.
ـ إحكي يا شهرزاد، إخراج "يسري نصر الله"، إنتاج مصر عام 2009.
ـ الخيط، إخراج "مهدي بن عطية"، إنتاج فرنسا/بلجيكا/تونس عام 2010.
ـ ثبتني، إخراج "رياض عندوني"، إنتاج فلسطين/فرنسا عام 2010.
ـ حراقة، إخراج "مرزاق علواش"، إنتاج فرنسا/الجزائر عام 2009.
ـ الخارجون عن القانون، إخراج "رشيد بوشارب"،إنتاج
فرنسا/بلجيكا/إيطاليا/تونس/الجزائر عام 2010.
ـ قرية الظلال، إخراج "فريد بن هامو"، إنتاج فرنسا عام 2009.
ـ فينوس السوداء، إخراج "عبد اللطيف كشيش"، إنتاج فرنسا عام 2010.
ـ الأسرار، إخراج "رجاء عماري"، إنتاج تونس/سويسرا/فرنسا عام 2009.
ـ ثوب السهرة، إخراج "مريم عزيزي" إنتاج فرنسا عام 2009.
ـ فين ماشي يا موشي، إخراج "حسن بن جلون"، إنتاج المغرب/كندا عام 2008.
ـ همسات الريح، إخراج "شهرام عليدي"، إنتاج كردستان العراق عام 2009.
وهكذا نفهم بأنّ الأفلام التي تتضمّن حصة إنتاجية فرنسية تمتلك حظوظاً أكثر
من غيرها ذات الإنتاج الوطني الخالص، ولكن، هذا لا يمنع بأن بعض المخرجين
العرب ـ كحال المصري "يسري نصر الله" قادرون على فرض أفلامهم في الصالات
التجارية بفضل نوعيتها القريبة من الذائقة الأوروبية.
وبمُراجعة قائمة جنسيات الأفلام في الفهرس الخاصّ، تتوضح المُشاركة
الإنتاجية العربية وُفق الأرقام التالية :
الجزائر(3 أفلام)، تونس (3 أفلام)، الإمارات العربية المتحدة (فيلمان)،
المغرب (فيلمان)، مصر(فيلم واحد)، كردستان العراق (فيلم واحد)، لبنان (فيلم
واحد)، فلسطين (فيلم واحد)، قطر(فيلم واحد).
وتظهر هذه المعلومات مشاركة إنتاجية كاملة من طرف الإمارات العربية المتحدة
(فيلمان)، وقطر(فيلم واحد)، والأفلام الثلاثة لمخرجين أجانب، وهنا نتساءل
عن الجدوى الإقتصادية، والمعنوية لمثل هذه الإنتاجات المُكلفة، والقابلة
للتحويل إلى عشرات الأفلام الروائية الطويلة المحلية، أو مئات الأفلام
القصيرة، والتسجيلية، إلاّ إذا كان الغرض منها دعاية إعلامية، ...لا ينتبه
إليها أحد.
ومن بين 642 فيلماً عُرضت في فرنسا عام 2010 هناك 71 فيلماً تسجيلياً، وهو
رقمٌ يزعزعُ قناعاتٍ تتباكى على حال الأفلام التسجيلية، وهي تجهلها أصلاً،
وربما يذرف هؤلاء الدموع على أوضاعٍ محلية بدون معرفة ما يحدث في بلدانٍ
أخرى.
الجزيرة الوثائقية في
08/03/2012 |