لم يكن منع عرض فيلم «الخروج من القاهرة» فى مسابقة مهرجان الأقصر
للسينما الأفريقية مجرد مشكلة رقابية عابرة، تتعلق باختلاف وجهات النظر بين
مبدع لا سقف لحريته ورقيب يتعامل بنصوص قانونية، لكنها تكشف عن الخوف من
الكلام فى موضوع مسكوت عنه يتعلق بالعلاقة العاطفية التى تحدث بين المسلمين
والأقباط. وإذا كانت مصر ولدت من جديد بعد ثورة ٢٥ يناير، فإن البعض يرى
ضرورة أن يتغير مع هذا الميلاد أسلوب تعامل الرقابة مع القضايا التى تقدمها
السينما المصرية، خاصة إذا كان لهذه القضايا جذور فى الواقع، لأن ذلك، وفقا
لوجهة نظرهم، أفضل من دفن الرؤوس فى الرمال والابتعاد عن المواجهة. «المصرى
اليوم» تفتح ملف العلاقة العاطفية التى هربت منها السينما كثيرا، وسألت
عدداً من الفنانين والمبدعين عن رأيهم فى إمكانية فتح هذا الملف الشائك على
خلفية منع «الخروج من القاهرة».
بشير الديك: المشكلة فى الواقع تتسبب فى مجازر
المؤلف بشير الديك قال: «لن نجد معالجة لهذا الملف على شاشة السينما
إلا إذا نضج المجتمع وفهم الناس أبعاد المشكلة، لأن ملف العلاقة العاطفية،
سواء بين مسلم ومسيحية أو بين مسلمة ومسيحى على أرض الواقع، يتسبب فى
مجازر، لذلك فمن الصعب أن نتعامل معه بجرأة على الشاشة، رغم أنه فى
الأربعينيات والستينيات كانت هذه العلاقة موجودة فى الواقع ويتم نقلها على
الشاشة بمنتهى البساطة وكان المجتمع يتقبلها، ولكن منذ ظهور الحركة
الوهابية ونحن نعانى وسنتخلص من ذلك عندما تختفى الوهابية من مصر وينضج
المجتمع ويتم تفعيل مقولة (الدين لله والوطن للجميع)». وأضاف: المبدعون جزء
من الواقع ومن المفترض أن يكونوا أكثر فهما له، وأعتقد أنهم كذلك بالفعل،
ولكن من يمنع الأفلام هو الجهاز الحكومى ممثلا فى الرقابة على المصنفات
الفنية، وعلينا أن نسارع جميعا لكى نحصل على حقوق الإبداع، وربما لن تشهد
المرحلة الراهنة أى جديد إلا بعد انتخابات الرئاسة وممارسة الديمقراطية
بشكل حقيقى ومعرفة الواقع السياسى.
هالة صدقى: الظروف الحالية لا تحتمل أى توتر
قالت هالة صدقى: كيف سنقدم أفلام والفن بشكل عام يواجه اتهامات
بالتكفير؟، فنحن فى موقف خطير، ولا أستطيع أن أنظر لمكان آخر لأن بلدى
مهددة بالانهيار، ثم أين مستقبل الفن فى ظل سيطرة الإخوان على البرلمان؟،
فما يقدم حاليا سواء أفلام أو مسلسلات هو بقايا فن. وأضافت: الثورة لم تغير
فينا شيئا، وما حدث هو إظهار لكل العادات السيئة الموجودة عند المصريين،
والحقيقة أننا أصبنا بالصدمة فى أخلاقياتنا، والمستقبل بالنسبة لى مظلم ولا
أستطيع أن أتخيل مستقبل المواطن العادى وليس مستقبل الفن، ولدى شعور بأننا
فى مرحلة سنشتاق فيها لأيام الرقيب، وأعتقد أن القادم أسوأ لأن من قاموا
بالثورة وطالبوا بالعدالة الاجتماعية والحرية أشخاص ومن صعدوا إلى الحكم
أشخاص آخرون. وحول مشكلة فيلم «الخروج من القاهرة» قالت هالة: الظروف
الحالية لا تحتمل أى توتر، ونحن لدينا فى الواقع ظرف أسوأ من الموجود على
الشاشة، كما أن هناك تياراً معادياً للمسيحيين، ورغم كل ذلك أنا ضد وجود
الرقابة لكن أعتقد أن قرار منع «الخروج من القاهرة» لم يكن خاطئاً لأنه من
الأفضل تأجيل عرضه حتى نعالج السلبيات الموجودة بداخلنا، ونعرف الاتجاه
الذى نسير فيه، لأن لدينا قضايا أهم وبلد معرض للضياع بمسلميها ومسيحييها.
الرقابة.. تاريخ طويل من قمع الأفكار الجريئة
موقف الرقابة من فيلم «الخروج من القاهرة» لم يكن الأول أو الأخير فى
ملف قصص الحب بين المسلمين والأقباط على الشاشة، وهو الملف الشائك الذى هرب
منه السينمائيون تجنباً لصدام متوقع مع جهاز الرقابة، ومن الأفلام القليلة
التى غامر صناعها، وقرروا اقتحام هذه المنطقة المحرمة سينمائياً فيلم
«الشيخ حسن» لحسين صدقى إنتاج عام ١٩٥٤، ولم يسلم هذا الفيلم من الصدام مع
الرقابة التى صادرت نسخه، ثم تقرر عرضه بقرار جمهورى من الرئيس جمال
عبدالناصر، وفيلم «لقاء هناك» إخراج أحمد ضياء الدين، وإنتاج ١٩٧٥، وفيلم
«حسن ومرقص» لعادل إمام وعمر الشريف، وإنتاج عام ٢٠٠٨. الدكتور سيد خطاب،
رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، كشف عن حقيقة منع عرض «الخروج من
القاهرة» فى مهرجان الأقصر، وقال: تمت المطالبة بعرض الفيلم فى ظروف حرجة،
فضلاً عن أن المهرجان نفسه وقع فى خطأ إدارى لأنه لم يتقدم بطلب لعرضه،
وأعتقد أن سيد فؤاد، رئيس المهرجان، تم توريطه فى اللحظات الأخيرة لكى
يعرضه، خاصة أن كل الأفلام المشاركة كانت قد عرضت على الرقابة وتمت
إجازتها.
وأضاف: فوجئنا بالفيلم يشارك فى المسابقة الرسمية فاتصلت برئيس
المهرجان، وطلبت منه أن يرسل نسخة منه، لكن الذى أرسلها هو المنتج شريف
مندور، وحتى الطلب الذى أرسله كان يتضمن التصريح بالعرض دون التوضيح بأن
هذا العرض تجارى أم بالمهرجان فقط، فشعرت بريبة، وفوجئت بأن الرقباء
الثلاثة الذين شاهدوه رفضوه، لأنه مخالف لشروط تصريح السيناريو. وأكد
«خطاب» أن كل النقاد الذين شاهدوا الفيلم فى مهرجان دبى كتبوا عنه بشكل
سيئ، كما أن مخرجه هشام عيسوى رأى المجتمع بعين تختزن فى عقلها الباطن
صوراً نمطية عن علاقة المسلمين بالأقباط، بالإضافة إلى استخدامه ألفاظاً
تسيئ للمسيحيين. وقال: الأسرة المسيحية التى يتعرض الفيلم لمعاناتها عبارة
عن زوجة مات زوجها وتركها وابنتها، وتعيش الزوجة دون زواج مع شخص ذى سلوك
وأخلاق سيئة اسمه شنودة، بينما شقيقة الزوجة تعمل فتاة ليل، والابنة فى
الوقت نفسه تعيش قصة حب مع شاب مسلم، وفى النهاية ترفض واقعها وتهرب معه،
وهذا الفيلم يظهر حالة من الانفلات الأخلاقى، ويسيئ لطبيعة العلاقة بين
المسلمين والمسيحيين، وحتى عندما أراد أن يحدث نوع من التوازن قدم فتاة
مسلمة فى صورة ضحية لشاب مسيحى، لتعمل بعد ذلك فى مهن منافية للآداب،
والفيلم بشكل عام مليىء بالقبح ومتجرد من أى مظاهر للآدمية.
وأضاف «خطاب»: أزمتى الحقيقية مع الفيلم تتعلق بالواقع، لأن لدى
قانوناً يسمح لى بالتعامل مع اللحظة الراهنة والحفاظ على أمن البلد، ومن
تدخلوا للمطالبة بعرضه فى المهرجان لم يشاهدوه، لكن دافعهم هو مبدأ حرية
الإبداع، ولا يستطيع أحد أن يزايد علىّ فى ذلك، لكنى تحملت مسؤولية قرار
المنع والظهور فى موقف المتهم لأن ذلك أفضل من إحداث بلبلة ربما كانت تؤدى
إلى عواقب سيئة خاصة أن المهرجان أقيم فى الصعيد.
يسرى نصرالله: أعرف علاقات عاطفية بين مسلمين وأقباط نهايتها
ليست عدوانية
أكد المخرج يسرى نصرالله أن المجتمع مازال يتعامل مع العلاقات
العاطفية بين المسلمين والأقباط بنوع من النفاق و«قعدة العرب»، موضحا أنه
فى كثير من الأحيان من قام بالجريمة هو الذى يذهب لحل المشكلة.
وقال: عندما يحرق سلفى كنيسة فإن أحد زملائه هو الذى يذهب لإطفائها،
وما يحكمنا هو نظام العائلة وليس القانون، والسينما نفسها بها رقيب داخلى
وآخر خارجى، فالكل يسعى لكى نقول «مفيش مشكلة» وأحيانا نصمت أمام مشاكل مثل
مشكلة الأسرة التى تم طردها فى العامرية.
وأضاف نصرالله: أعتقد أنه ستحدث انفراجة، ورغما عنا لابد أن نواجه
المشكلة، وطالما نتحدث فى هذا الموضوع فذلك فى حد ذاته شىء جيد والرقيب
نفسه قال إن منع عرض «الخروج من القاهرة» ليس قرارا رقابيا بل أمنيا،
والمشكلة لم تعد تحتمل الحلول المؤقتة لأنها معرضة للانفجار فى وجهنا فى أى
وقت، وموقف الرقيب مع الفيلم لم يكن مفاجئا، لأن ذلك طابع متأصل فينا، لكن
ليس من اللائق تحويل كل شىء إلى الناحية الأمنية، فالناس تتكلم فى هذا
الملف ومتمسكة بفكرة الكرامة التى تفسر سياسيا بكلمة المواطنة، لأن جزءاً
من كرامة الإنسان أن يعيش ويحب كما يشاء مادام لا يتعدى على حقوق الآخرين.
وقال: أحيانا أسمع كلاما غريبا بأن الدستور يجب أن يتضمن احترام العادات
والتقاليد، وهذا غير مقبول، لأن العادات والتقاليد شىء متغير ومن المفترض
أن تتغير مع الزمن لأنها ليست عبادات، والذى يفترض أن يجرم هو خطاب
الكراهية، فنحن طوال الوقت ندعى أننا نمنع ازدراء الأديان ، ولكن للأسف هذا
لا يطبق، وحتى السينما عندما أرادت معالجة هذه المشكلة فى فيلم «البوسطجى»
كانت الرواية تقول شيئاً والفيلم يقول شيئا آخر، وأنا شخصيا أعرف مسيحيين
وقعوا فى حب مسلمات والعكس، ولم يأخذ الموضوع هذا الطابع العدوانى، والذى
ساهم فى تضخيم الموضوع هو أن الدولة لا يحكمها القانون ولا الحياة المدنية،
وما يحدث هو أن بعض الناس يتدخلون لكى يحولوا القضية السياسية إلى قضية
دينية، فنحن فى مجتمع مريض، وهذا ينعكس على السينما.
هانى فوزى: من حق المبدعين أن يتحدثوا عن المشكلة بصراحة
السيناريست هانى فوزى قال: موضوع العلاقات العاطفية بين المسلمين
والأقباط لابد من مناقشته على شاشة السينما بشكل واضح وصريح، لأن عدم
الكلام لا ينفى وجود المشكلة ولن يحلها، مادمنا نضع رؤوسنا فى الرمال سيكون
هناك عبير أخرى ووفاء قسطنطين أخرى ، ولابد أن ننظر للمستقبل بنوع من
المكاشفة سواء فيما يتعلق بعلاقة المسلم بالمسيحى أو الرجل بالمرأة، وهذا
حق المبدعين ويجب ألا يتنازلوا عنه».
وأضاف: «ما حدث فى مهرجان الأقصر مهزلة بكل المقاييس، فحتى لو كانت
الرقابة صرحت بعرض الفيلم، فكم شخصاً كانوا سيشاهدونه؟ وحتى لو كان العدد
كبيرا وحدثت مشكلة، فوظيفة الأمن أن يسيطر عليها، لأن ذلك ليس من اختصاص
الفن أو المهرجان. وقال فوزى: «المشاكل ستظل موجودة إذا لم نتحدث عنها
بحرية كاملة على أرض الواقع قبل السينما، كما أن الذين يتزوجون عن حب من
الطرفين نسبتهم ضئيلة ويجب أن نتركهم، لأنهم لن يؤثروا على المسلمين أو
المسيحيين، ولو تركناهم ستهدأ الأمور وتتبخر المشاكل، وهناك أمل فى أن يتم
حل هذه المشكلة إذا تقلص دور الرقابة بأن يقتصر دورها على إعطاء تصنيفات
عمرية للأفلام وألا تتدخل فى السيناريو وتكتفى برؤية الشريط السينمائى
فقط».
كاملة أبوذكرى: المنظومة الفاسدة السبب فى المشكلة
المخرجة كاملة أبوذكرى قالت إن مشكلة العلاقة العاطفية بين المسلمين
والأقباط على شاشة السينما تدخل ضمن مشاكل أكبر، ولن يتم حلها إلا إذا تم
حل المشاكل الكبيرة، وأعتقد أن السبب الأساسى فى هذه المشكلة هو تلك
المنظومة الفاسدة التى كنا نعيش فيها، فمنذ وضع الدستور فى عهد السادات
وحرصه على التأكيد بأن مصر دولة إسلامية لإرضاء بعض التيارات عقب توقيع
اتفاقية كامب ديفيد أصبح هناك نوع من الشرخ فى العلاقة بين المسلمين
والأقباط، ليس على شاشة السينما فقط لكن فى المجتمع ككل، وهذا لا يعبر عن
حقيقة الروابط التاريخية بين الطرفين.
وأضافت: «أعتقد أن رفض الدولة ممثلة فى جهاز الرقابة عرض فيلم «الخروج
من القاهرة» كان هدفه أن ننشغل بمشاكل فرعية لإبعادنا عن مشاكل أكبر، وأنا
كمخرجة إذا قدمت فيلما عن المسيحيين سأتناول فيه حياة السيدة مريم وأوضح
كيف أنها عندما أرادت أن تهرب حفاظا على حياتها وحياة السيد المسيح جاءت
إلى مصر لكى تحتمى بها وبأهلها، ولن أتعرض أبدا لعمل عن الفتنة الطائفية
لأنها ليست موجودة فى الأساس، لكن من كثرة ما نتحدث عنها يأتى كل فترة شخص
متطرف ويقوم بفعل طائش.
وأشارت إلى أن المسيحيين لم يأخذوا حقوقهم كاملة، لكن هذا ليس بسبب
المواطنين العاديين وإنما بسبب السلطة الحاكمة.
إلهام شاهين: لابد من طرح كل القضايا لأن السينما تنقل الواقع
إلهام شاهين قالت: ليس لدينا حاليا أى مكتسبات، فلا حرية رأى أو
إبداع، وحتى المبدع لا يستطيع أن يقول رأيه دون أن يواجه تطاول أو أن يتم
وضعه فى قوائم سوداء، فكنا فى الماضى نقدم الفن الذى نريده بينما تقلصت
حريتنا، وبدأنا «نتلكك» بكلمة مسلم ومسيحى، وأعتقد أن كل هذه الأشياء
مفتعلة وليس لها وجود بداخلنا كمصريين لكنها موجودة عند المتطرفين من
الجانبين، والله- سبحانه وتعالى- قال فى كتابه العزيز: «كلٌ آمن بالله
ورسله» ولم يقل آمن بالله ورسوله، فمن لا يؤمن بكل الكتب السماوية فهو
الشخص المتطرف الذى لا يعرف حقيقة الدين». وأضافت: الرقابة لابد أن تكون
أكثر تفتحا، أنا شخصيا مع طرح كل القضايا والآراء سواء كانت مع أو ضد أى
قضية لأن السينما تنقل الواقع وإذا لم يتحقق ذلك فإنها ستكون كاذبة ولن نصل
أبدا إلى أى حل لمشاكلنا مادمنا نضحك على أنفسنا».
سيد فؤاد: الإبداع لا يمكن حجبه ونحلم بتغيير قانون الرقابة
السيناريست سيد فؤاد رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية كشف عن
تجربته مع منع عرض فيلم «الخروج من القاهرة» وقال: الفيلم كان مقرراً أن
يمثل مصر فى مسابقة الأفلام الطويلة بالمهرجان بعد مشاركته فى عدد من
المهرجانات بالخارج، وأرسلنا طلباً للرقابة للحصول على ترخيص بالعرض لكن لم
يصلنا رد واضح، سواء بالموافقة أو بالرفض، لذلك لم نتمكن من عرضه، والغريب
أنه لم يحدث فى تاريخ السينما المصرية منع عرض فيلم بشكل كامل، والحالات
التى شهدت نوعا من المنع كانت تحت ظروف معينة وتم عرضها بعد زوال تلك
الظروف مثل «زائر الفجر» و«لاشين».
وأضاف: الإبداع بشكل عام لا يمكن حجبه، وربما لم تصرح الرقابة بعرض
«الخروج من القاهرة» بسبب حساسية المرحلة الراهنة، وفى كل الأحوال أرفض منع
أى فيلم تحت أى ظرف من الظروف إلا لو كان الفيلم يلقى الضوء على المشاكل
بطريقة «التوك شو» التى تزيدها اشتعالا، لكن لو كان التناول إيجابيا
وموضوعيا فهذا شىء جيد، لأن هدف الفن إلقاء الضوء على المشاكل الجوهرية فى
المجتمع.
وأشار فؤاد إلى أن قانون الرقابة لا يمكن تغييره إلا من خلال مجلس
الشعب الذى يضم أغلبية من الإخوان والسلفيين، موضحاً أنه كسينمائى كان يحلم
بتغيير دور الرقابة بعد الثورة لتصل إلى مرحلة التصنيف العمرى للأفلام بأن
يعرض الفيلم مثلا للكبار فقط. وأكد أن المبدع هو الفيصل، لأنه الذى يعلم
طبيعة المجتمع الذى يعيش فيه، لذلك فإن لديه القدرة على معرفة ما يصح
تقديمه وما يلائم عقائدنا وعاداتنا وتقاليدنا، مشيرا إلى أننا على أبواب
مرحلة من التشدد فى ظل البرلمان الحالى وحرب لابد أن يخوضها المبدعون.
مدحت العدل: الموضوع يحتاج إلى شجاعة من الجميع
كشف المؤلف مدحت العدل عن عدم اطمئنانه للمناخ الحالى، موضحاً أن
الرقيب يجب ألا يكون موظفاً يتصرف وفق رأى الأغلبية.
وقال: أرفض تحويل التيار الإسلامى إلى حزب وطنى جديد، كما أن الرقيب
يجب ألا يخاف من أحد سواء التيار الإسلامى المتشدد أو المسيحيين المتشددين،
وربما كان توقيت عرض فيلم «الخروج من القاهرة» حسب وجهة نظر الرقيب سيؤدى
إلى نوع من التراشق والاستفزاز، وإذا جاز ذلك على العرض الجماهيرى فإن
الأمر كان لابد أن يختلف عند عرضه فى المهرجان، لأن المهرجانات تقام فى
الأساس لعرض الأفلام ذات الأفكار الجريئة.
وأضاف العدل: أعتقد أن الموضوع يحتاج لشجاعة من جميع الأطراف لكى نصل
إلى حل جذرى له، ويجب أن يكون تفكيرنا أكثر جرأة فى المستقبل حتى نواجه
مشاكلنا، فهل من المهم أن أطرح قضية مثل التى يتعرض لها «الخروج من
القاهرة» أم قضية مثل التى يتناولها فيلم مثل «ريكلام» أو «شارع الهرم»؟،
فأيهما أكثر احتراما للعقل وأكثر فائدة للناس؟
المصري اليوم في
06/03/2012
فيلم "رغبات مؤجلة" في نادي سينما اتحاد الأدباء في كربلاء
عباس خلف علي
على الرغم من مرور فترة قصيرة على تشكيله كناد تخصصي يهتم بنوعية
الفلم وجودة تقنيته، حرص نادي السينما باتحاد الأدباء والكتاب في كربلاء
أيضا على أن يكون له حضور فاعل في الساحة الأدبية وعلى جمهور الثقافة من
خلال اختيار الأفلام التي تساهم عمليا في هذا الحراك عبر الحوار أو النقاش
الذي من الممكن أن يغني ويثري الواقع الفني والأدبي.
إنه بالفعل طموح الخطوة في مشوار الألف ميل، وهذا ما رأيناه أو لمسناه
من خلال الجدية التي ينهض بها هذا النادي سواء من خلال تبنيه مهرجان
كربلاء السينمائي الأول الذي تحقق بجهود فردية بحته أو في حرصه على أهمية
دور اللغة السينائية في المنظور العملي ومدى تأثير ذلك على الواقع.
الفكرة الأساسية للعرض لا تقتصر على نشر الوعي السينمائي رغم أهميته
وضرورياته وإنما ملاحقة الفكرة وتحليلها وكيفية فلسفتها داخل الشريط التي
لا تخلو بالتأكيد من مزايا وخصائص متنوعة جمالية تكون على الغالب هي النواة
التي يلتقي حولها الجميع وهذه باعتقادي نقطة جوهرية في مسيرة النادي.
قبل العرض
تحدث السينمائي حسين فالح رئيس النادي باختصار عن التجارب السينمائية
الشابة التي تواصل طريقها في بناء سينما عراقية مستقلة هدفها الرئيسي هو
الإنسان، ملمحا إلى تصاعد وتيرة الفلم القصير في كل تحولاته الفنية سواء
كان تسجيلي أو وثائقي أو روائي قصير. إنه قائم على تشكل أبعاد مهمة في
تجسيد رؤى الواقع، وهذا ما جعل الفيلم له أهمية في التشخيص والإدانة والكشف
والارتقاء بكل هذه المكونات إلى لغة الضوء.
أي أن العمل السينمائي في ظل التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة صار
أبلغ في إيصال المعلومة، وأنه بإمكانه نقل الرسائل في كل اتجاه ولذا أصبحت
له رعاية خاصة في بعض بلدان العالم لدوره في التأثير وبلوغ الأهداف. ثم
أضاف: نحن نسعى أن نكون ضمن هذه النظرة وليس خارجها.
بعد ذلك نوه بتعريف موجز عن تجربة المخرج عمار الياسري مخرج فيلم
"رغبات مؤجلة" قائلا إن عمار واحد من مؤسسي الملتقى السينمائي في كربلاء
وأخرج عددا من الأفلام نذكر منها "أحزان مهرج" "السيرك"، و "طائر آخر
يتوارى" واشترك في وضع سيناريو فيلم "أبواب وشبابيك".
ثم تحدث الياسري عن الطاقات السينمائية الشبابية اثر مواجهاتها ظروف
صناعة الفيلم التي لازالت تبحث عن جهة راعية وداعمة حقيقية لتطوريها على
وفق السياقات الحديثة التي تحرص بعض الدول على توفير مختبرات مجهزة بأحدث
التقنيات لغرض تسهيل عملية الإنتاج.
هذا ما يتعلق بنشاط الداخل، أي داخل البلد. أما بالنسبة للذين يصنعون
أفلامهم في الخارج فهم بالتأكيد أفضل حالا من حيث المعدات واللوازم الأخرى
المتوفرة والمتيسرة التي تساعده على تحقيق الهدف. ثم تطرق للبنى الإخراجية
موضحا إنها "منهج وقواعد للتصورات.. صحيح لا نغفل دور التقنيات الحديثة وما
توفره للفلاتر في المونتاج ولكن تبقى الرؤية الإخراجية هي التعبير عن فلسفة
العمل.. يحاول البعض أن يقلل من هذه الأهمية ماحيا فكرة الإخراج في
تصوراته المعمارية إزاء هارمون العمل وتنفيذه.. إنها استراتيجيه تتحرك عند
التنفيذ باتجاهات فنية وفكرية وتقنية متناغمة في تشكيلها وأبعادها لصياغة
الوحدة الموضوعية للشريط..
كل هذه الوحدات لا يمكن لها أن تكون فاعلة في سياق العمل من غير خطة
إخراجية مهيأة وجاهزة للتنفيذ، ولذا من غير الممكن أن نعده عملا جماعيا رغم
أهميته، ولكن هذا لا يعني أن تمحى بصمة الإخراج عن العمل، وإلا ما أفرزت
لنا المهرجانات عن أسماء إخراجية مهمة في عالم السينما مثل أزنشتاين،
بازوليني، فيلليني وكيراساوا وأنديه فايدا ويوسف شاهين ومحمد راضي وقاسم
حول وفيصل الياسري وصاحب حداد وغيرهم.
بعد ذلك جاءت مداخلة كاتب السطور حول الممكنات الترصدية للفيلم
القصير، متحدثا عن المحفزات الأساسية المنشطة لفعالية الفيلم القصير في
العراق تحديدا وهما سببان فاعلان في الحقيقة وقاهران الأول يتعلق بالاحتلال
كحدث كوني تجد نفسك أمامه بشكل مباشر، وهو يحاول أن يهشم كل شيء من بنى
اجتماعية وفكرية وثقافية ناهيك عن محاولاته في القراءة الجديدة للتحرير
وغبرها من المبررات التي تساعده على تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ.
والسبب الأخر هو الصراع السياسي الذي يتجاهل تماما الأبعاد النفسية
بكل ألوانها وتنوعاتها وما يترتب عليها من انعكاسات خطرة على النسيج
الاجتماعي، معولا ومعتبرا في الوقت عينه أن هذين السببين أديا إلى تفاعل
السينمائي بشكل ملفت معهما، مرجحا أهمية الصورة ودورها في التأثير والإبلاغ
والتوصيل.
وهنا اختلفت أساليب التعبير السينمائي وأدوات المخاطبة وهذا التباين
ولد حراكا وتصورا جديدا لم تألفه السينما العراقية من قبل، وذلك لقلة
الأفلام القصيرة المنتجة ماقبل الاحتلال إذ لو أردنا أن نحصر العدد ما بين
الماضي والحاضر لا يمكن في أحسن الأحول أن يكون رقما ذا أهمية بالنسبة لعدد
الأفلام ولصانعيها المنتجة حاليا، إنها منجز حقيقي لتأريخ مرحلة لا يمكن
التغاضي عنه أو إغفاله وعلى هذا الأساس كان السينمائي الراصد الميداني لعمق
الحدث وتجلياته في المرحلة الراهنة.
ولكن مع ذلك لا يمكن أن نعفي هذا المنجز من بعض الملاحظات التي نجد
الحديث عنها ضروري لأنه يؤدي بالآخر إلى الحوار المثمر الذي يدفعنا إلى
صناعة الفيلم البعيد عن كليشهات البكاء والعويل أو المغرق في الصبغة
الدرامية التي تفقده دوره الحقيقي في أداء الرسالة.
الفيلم : "رغبات مؤجلة"
المدة 8 دقائق
إخراج عمار الياسري
الموضوع والفكرة:
في غرفة العناية المركزة يتحاور شخصان أحدهما رجل كبير مصاب بعجز
الكليتين والآخر شاب مقعد بسبب الحرب.
المفارقة أن الرجل يروي للشاب طبيعة الحياة وهذا متلهف يريد أن يتمتع
بنظارته وحيويته ليكتشف بعد موت الرجل أنه أمام جدار فاصل لا يمكن اختراقه
أو حدوث كوة فيه، إنه لا يمنحك سوى الالتباس والشك في وجودك.
الفكرة بالأساس قائمة على هذا التخاطب الرمزي للوجود الإنساني , موت
, انهيار، إحباط، توتر، خوف من المجهول، تحسب، ترقب، دوامة نفسية قاسية
تترك آثارها على الشاب المعاق وتداعياته يمكن أن تحمل معها السؤال: إذا ترك
لوحده كيف يجد نفسه تحت وطأتها؟
تميز الفيلم في نقل الفكرة بشكل أنيق، كان استخدامه للربط الزمني
للشخصيتين المختلفين في السن بتحديده للملامح ولفضاء الحديث بينهما له نكهة
خاصة في التعبير عن أهمية اللقطة بالإضافة عنايته في مستويات العدسة
وزوايا الكاميرا.
لم نجد تفريطا في اللقطات الكبيرة أو الكلوزات بل كانت منسجمة
دلالاتها في توظيف الفكرة.
أهم مأخذ على هذا الفيلم هو التركيز على الحوار، كان بإمكانه أن
يستغني عنه تماما ويعمل لنا طريقة البانتومايم الملغزة مادام الفكرة
الأساسية لا تستبعد اللعب على الدوال كي يمنحنا فيلما رامزا بمعناه وقيمته
الإيحائية، وهذا ما دار بالضبط في المناقشة عقب المشاهدة التي حضرها مجموعة
من أدباء وفنانين ومثقفي المدينة.
عين على السينما في
06/03/2012 |