ماذا يعني أن يتابع 145 مُشاهداً العرضين الأولين في "تظاهرة الأفلام
الإيرلندية"، المنتهية مساء أمس الأحد في صالة سينما "متروبوليس" في "أمبير
صوفيل" (الأشرفية)؟ ماذا يعني أن يهتمّ هؤلاء بفيلمين إيرلنديين، أو معنيين
بهموم إيرلنديّة، معروضين في بيروت؟ ماذا يعني أن يأتي هؤلاء إلى صالة
سينمائية، لمُشاهدة فيلمين عُرضا بتقنية "دي. في. دي."، علماً بأن أحدهما
عُرض في بيروت سابقاً، وإن بنسخة اجتزأها مقصّ الرقيب اللبناني؟
هذا ما حصل في اليوم الأول لـ"تظاهرة الأفلام الإيرلندية"، التي
نظّمتها "جمعية نحو المواطنية". صحيح أن الرقم ضئيلٌ تجارياً. لكنه كشف
اهتماماً ثقافياً بالسينما، خصوصاً أن "جوع" (2008) لستيف ماك كوين عرف
حضوراً دولياً مهمّاً، من دون أن يحظى بالمكانة اللائقة به في بيروت. رقمٌ
كشف معنى أن يكون هناك حيّزٌ لسينما مختلفة، تنشد مزيج الإبداع والحراك
الإنساني والحيوية الثقافية المتعلّقة بقراءة الوقائع من منظور سينمائي
أولاً، من دون تناسي الجوانب الإنسانية والحياتية واليومية أيضاً. كشف أن
صالة "متروبوليس" تحديداً قادرةٌ دائماً على منح المهتمّين بالفن السابع
إمكانية الاطّلاع والمُشاهدة والمعرفة والمتعة البصرية، عبر تنويع سينمائي
موزّع بين كلاسيكيات السينما الدولية (آخر التظاهرات الخاصّة بهذه الفئة،
كانت احتفاءً بإنغمار برغمان وسينماه) ونتاجات حديثة (تبدأ اليوم، في
الصالة نفسها، تظاهرة سينمائية أخرى، تُعرض فيها أفلامٌ تركية جديدة).
لحظة تاريخية
إذا شكّل "جوع" محطّة مختلفة في التظاهرة البيروتية، لجمالياته
الدرامية والثقافية أولاً، ولحضوره الفاعل في المشهد السينمائي الدولي
ثانياً، فإن "بورستال بوي" (2000) لبيتر شيريدان بدا كأنه إضافة نوعية
مثيرة للانتباه والمتابعة. ذلك أن هذين الفيلمين عُرضا في اليوم البيروتي
الأول للتظاهرة (الخميس الفائت)، وقدّما لحظتين تاريخيتين في الحكاية
الإيرلندية، وجعلا الصورة السينمائية مقاربة حسّية للذات الفردية وهواجسها.
مشاهدة "جوع" استعادت "ابن إحدى الأمهات" (1996) لتييري جورج، لارتكازهما
على مادة درامية واحدة: حكاية مناضلين إيرلنديين سُجنوا في العام 1981،
فأضربوا عن الطعام مُطالبين حكومة بريطانيا بمعاملتهم كسجناء سياسيين، ما
رفضته الحكومة البروتستانتية في لندن رفضاً قاطعاً. هزّت الحكاية العالم
يومها، خصوصاً المناضلين في دول ومجتمعات متفرّقة. "ابن احدى الأمهات" تابع
وقائع الحكاية المتعلّقة بالمجموعة كلّها، بينما ركّز "جوع" على بوبي ساندز
(مايكل فاسبندر)، من خلال تحليل سينمائي متكامل وجميل لمسار يومياته داخل
السجن تحديداً. مالت اللغة المستخدمة في فيلم تييري جورج إلى ما يُشبه
الحسّ النضالي المفتوح على أسئلة أخلاقية وإنسانية وثقافية مطروحة على
السلطة السياسية البريطانية، وعلى علاقة الأمهات بأبنائهم المناضلين. بينما
حافظ فيلم ستيف ماك كوين على تداخل بصري متين بين الأحداث والوقائع والنضال
والبُعد الإنساني البحت للشخصية الرئيسة المتمثّلة ببوبي ساندز، الذي أمضى
أيامه الأخيرة مُضرباً عن الطعام حتى لحظة الموت، التي سبقتها انتخابات
أفضت به إلى الفوز بنجاح ساحق.
الحكاية الإيرلندية مُشبعة بالتفاصيل والعناوين. النضال السياسي
والعسكري أحدها، لكنه ليس الوحيد. في "بورستال بوي" جانب آخر من الحكاية:
العودة إلى مطلع الأربعينيات الفائتة خيار سينمائي لمواكبة سيرة كاتب يُدعى
براندن بيهان، وضع اختباره في سجن الأحداث في خدمة نصّ بدا خليطاً بين
السياسي والعسكري والنضالي من جهة أولى، والأسئلة المرتبطة بالعلاقة بالآخر
من جهة ثانية. أي أن الانخراط في النضال الميداني يؤدّي أحياناً إلى فهم،
أو محاولة فهم الآخر المقيم في "معسكر الأعداء"، في لحظة إنسانية أو
تاريخية معينة. بهذا، يُمكن مُشاهدة "برناديت: ملاحظات من يوميات سياسية"
(2011) لليليا دوولين. بوبي ساندز انتُخِب وهو مُضرب عن الطعام داخل سجن
إنكلبزي، قبيل موته. برناديت ديفلين انتُخبت عندما كانت في الواحدة
والعشرين من عمرها. اللحظتان تاريخيتان. ساندز هزّ الكيان السياسي الحاكم
في لندن، وإن لم يتأثّر الكيان بهذا الأمر، لتشدّده السياسي وبطشه الأمني.
ديفلين هزّت المؤسّسة السياسية في "وستمنستر"، لقدرتها على الانخراط
الميدانيّ بالعمل السياسي الساعي لإحقاق حقّ ضائع، ولاستعادة هذا الحقّ
الضائع من خاطفيه. الكيان والمؤسّسة السياسيان البريطانيان استمرا في
مواجهة النضال السلمي الإيرلنديّ. الفيلمان ("جوع" و"برناديت") استعادا
الحقبتين المختلفتين، برسمهما ملامح أفراد وحقبات وحالات.
سينما ونضال
الاشتغالات السينمائية حاضرةٌ في أفلام "نضالية" كهذه، وإن لم تبلغ
الاشتغالات كلّها مرتبة إبداعية رفيعة المستوى. يكفي أن تكون خيارات
"التظاهرة السينمائية الإيرلندية" مبنية على منح المُشاهد اللبناني إمكانية
الاطّلاع، بمشاهدة أو إعادة مشاهدة نتاجات اتّسم بعضها بجمالية سينمائية
واضحة السمات ("جوع" تحديداً)، ومال بعضها الآخر إلى شيء من التبسيط
الجمالي من أجل إظهار الواقع المأسوي. مثلٌ على هذا: "الأحد الدامي" (2002)
لبول غرينغراس. الأهمية الأولى للفيلم كامنةٌ في أرشفته البصرية احدى أعنف
اللحظات التاريخية الحديثة في الصدام "الأبدي" بين الإيرلنديين المطالبين
باستقلال بلدهم عن "المحتلّ" البريطاني، والبريطانيين المتشدّدين في إحكام
قبضتهم الدموية على البلاد كلّها. في الثلاثين من كانون الثاني 1972، نفّذ
مظليون بريطانيون مجزرة بحقّ إيرلنديين في مدينة "دري"، بقتلهم أربعة عشر
شخصاً منتمياً إلى "جمعية إيرلندا للحقوق المدنية". اختار بول غرينغراس سرد
وقائع اليوم الدموي العنيف هذا، ملتمساً حقائق ميدانية، وذاهباً بالتفاصيل
إلى حدود كشف المبطّن المخيف في المجزرة وتبعاتها، أو بالأحرى في المجزرة
وخلفياتها. الحسّ التوثيقيّ حاضرٌ في الفيلم. لكنه حسّ مبني على رغبة في
إخفاء الحدّ الفاصل بين النوعين السينمائيين (التوثيقي والروائي) لمصلحة
نصّ سينمائي مفتوح على الذاكرة والتاريخ، كما على المقبل من الأيام.
المجزرة تلك شكّلت منعطفاً حادّاً في مسار العلاقات الصدامية بين الطرفين.
"الأحد الدامي" شكّل اختصاراً سينمائياً للمنعطف هذا.
بعيداً عن السياسي والنضالي المغلَّفَين أحياناً بالسينمائيّ، هناك
"ملاك" (1982) لنل جوردان وthe secret of kells (2009)
لتوم مور ونورا تومي. لم يتحرّر الأول من السياسي والنضالي كلّياً، وإن
حافظ على مسافة واضحة منهما، كي يروي حكاية عازف ساكسفون يتحوّل إلى قاتل.
لم يتخلّص الثاني من السياسي والنضالي أيضاً بشكل تام، لأن اختياره القرون
الوسطى مساحة تاريخية وجغرافية لبناء حكاية أسطورية، لم يمنعه من التلميح
"المبطّن" للنزاع التاريخي الجغرافي بين إيرلنديين وإنكليز. الأول ذو بنية
درامية معنية بهمّ إنساني مفتوح على واقع مزر. الثاني ذو حبكة قصصية مبنية
على فهم سؤال الذات في علاقتها بنفسها، وفي سعيها للتحرّر من مخاوفها
لمواجهة المخفيّ أو الواضح في الحياة اليومية. ألمح الأول في خلفيته
الحكائية لحضور "الميليشيات" في منطقة زاخرة بعنفها وصداماتها، لكنه اتّجه
إلى صراع من نوع آخر: مواجهة عازف الساكسفون مخاوفه الذاتية في رحلة بحثه
عن ثأر جعله قاتلاً. أشار الثاني في فضائه السردي إلى واقع آنيّ، بتصويره
سيرة فرد واجَهَ "البرابرة" في رحلة مصالحته مع ذاته.
السفير اللبنانية في
05/03/2012
«موت
للبيع» تحت سماء تطوان
فوزي بن سعيدي في جحيم المدن المغربيّة الحديثة
محمد الخضيري / الرباط
يغوص السينمائي المغربي الشاب في عوالم المسحوقين، ليخرج بقصّة مؤلمة
عن ثلاثة شبان يحاولون سرقة محلّ مجوهرات. كائنات على الهامش وفي القاع حيث
«تجّار» البشر والمخدّرات... والإيديولوجيا!
يخلق الهامشيّون مصيرهم بالدم. يتعمّدون به فقط، وعبره يجدون مكاناً
في هذا العالم. في «موت للبيع» يلج السينمائي المغربي فوزي بن سعيدي (1967)
العالم السفلي للمدن المغربيّة. هنا، تصير الجريمة، والإدمان، والتطرف،
الإجابات الوحيدة عن بؤس العالم. مالك (فهد بنشمسي) بطل الفيلم يحب بائعة
الهوى دنيا (إيمان المشرفي). المجاز هنا قوي. بائعة الهوى هي تمثيل حقيقي
لصورة يعطيها المغاربة لـ«الدنيا»، أو للحياة التي يلقّبونها بـ«العاهرة»
حين تقسو عليهم. يحاول مالك بكل الطرق أن يثبت لحبيبته أنه ليس مجرّد سارق
صغير. هو يرغب في أن يتحوّل إلى رجلها الحقيقي والوحيد. أمام صديقيه
الحميمين علال الذي خرج لتوّه من السجن، وسفيان نزيل دار الأيتام، يردّد
أنّ الطريق إلى المال ليس سوى الدم.
تدور الأحداث في مدينة تطوان (شمال المغرب)، حيث يسيطر مهرّبو البشر
(الهجرة السريّة)، وتجّار المخدّرات. في فيلمه الروائي الطويل الثالث، بعد
«ألف شهر» (2003) و«يا له من عالم رائع» (2006)، يضعنا بن سعيدي أمام ثلاثة
شبان يقرّرون سرقة محلّ جواهر كي يرتفعوا إلى الأعلى، حيث الأموال،
والسيارات، والمجوهرات، والملابس الأنيقة، والنساء... يسلّط الضوء على
هامشيين، ويرينا شباباً يعشق الحياة، فإذا بها تدير له ظهرها، وترميه في
جحيم المدن المغربيّة الحديثة. مدنٌ أفرزها تطور اقتصادي مرعب، لم ينصف إلا
الفاسدين وأباطرة المخدرات. لكنّ أبطال بن سعيدي يعاندون مصيرهم، باحثين
لأنفسهم عن مكان تحت الشمس.
خلف قصّة الشبان الثلاثة، يقدّم «موت للبيع» نقداً لاذعاً للمجتمع
المغربي الذي صار مصنعاً للفشل. أسرة مالك المفكّكة، تدفعه إلى طريق
الإجرام. فكلُّ فردٍ من أفراد عائلته يمثّل نماذج من مغاربة يعيشون على
الحافة. شخصيات مرتبكة، يعتريها القلق، وتقاوم الغرق الاجتماعي الذي يجرّها
يومياً إلى القاع. أخته مثلاً تعمل في مصنع للنسيج، وتعاني الأمرّين في
عملها اليومي لكسب لقمة عيشها. الأم تغرف في السلبية. أمّا زوج الأم، فلا
يتوانى عن العيش من تعب ابنته، ويفشل في أن يصير خبّازاً بارعاً. أبناء هذه
الطبقة المسحوقة من المغاربة، يفضّلون أن يقاتلوا، كلٌّ على طريقته، من أجل
بلوغ هدفهم الخاص.
تدفع الظروف سفيان تلميذ الثانوية ونزيل دار الأيتام إلى أن يتقاطع
مصيره مع مصير سلفيين تكفيريين، يشحنونه إيديولوجياً. يحفظ صداقته مع
رفيقيه، لكنّ هدفه من عمليّة السطو يصير مختلفاً. تتحوّل السرقة بالنسبة
إليه إلى جهاد ضدّ الكافر. بالدم فقط سيخطّ كل واحد من أبطال الفيلم
الثلاثة طريقه. دمٌ أراد فوزي بن سعيدي أن يسفكه تحت سماء تطوان الزرقاء
الصافية. طوال الفيلم، تراوح الكاميرا بين فضاءين. أماكن مغلقة مثل غرف
خربة وضيقة، تنحشر فيها أجساد الأبطال، وخصوصاً مالك، وأماكن في الفضاء
الطبيعي، حيث السماء والجبال تمثّل جزءاً كبيراً من الصورة، وتعلو فوق
الجميع. يسترق الأبطال أحياناً النظر إلى السماء، كأنّهم ينتظرون منها
إجابةً. لقطات كثيرة أخذت بزاوية تصوير من الأعلى إلى الأسفل (Plongée)، لتضاعف من شعور الانسحاق الذي تعيشه الشخصيات،
جاعلةً منها جزءاً من ديكور أكبر بين عشرات الأشخاص الذين يبيعون موتهم
يومياً.
تحت سماء تطوان، نعثر على أشرار طيبين. في «موت للبيع»، تمّحي كلّ
المعايير الأخلاقية، ويجد المتفرِّج نفسه متعاطفاً مع أكثر السلوكيّات
البشريّة فظاعةً: الخيانة، والكذب، والسرقة. حتى مفتش الشرطة (يؤدي دوره
فوزي بن سعيدي ببراعة) يظلُّ لغزاً في العمل السينمائي. مفتّش الشرطة مدمن
كحول، ولا يتردَّد في التوجّه بطلبات «غريبة» إلى مالك. يبدو طيباً في
الكثير من اللقطات، وشرساً ومنقضّاً في أخرى. وتظلّ ملامحه نفسها في كلّ
لقطات الفيلم. إنّه حيادي. تماماً كالسلطة التي تدمن قمع المواطنين، من دون
أن تبرّر سلوكها على الإطلاق. كأنّ السلطة قدرٌ، وليس على المواطنين إلا
تحمّل بشاعته وسطوته المطلقة من دون نقاش.
قد يكون هذا ما دفع فوزي بن سعيدي إلى عرض أفلامه في أبرز المهرجانات
الدوليّة، من «كان» إلى «البندقية»، و«برلين» الذي استضاف «موت للبيع»
الشهر الماضي. هذا ليس غريباً إن عرفنا أنّ السينمائي المغربي الشاب يحمل
نظرةً خاصةًً، تنطلق من الواقع المعيش، وتكسر تابوهاته، وترتقي به إلى لغة
سينمائية حقيقية. وإن كان بن سعيدي ينطلق من الواقع، فذلك كي يبني عالماً
ذا طاقة تخييلية قويّة، حيث يرتدي الملائكة أقنعة الشياطين، فيصير الدم
طريقهم الوحيد إلى «الخلاص».
عالم شبه غرائبي
يحبّ فوزي بن سعيدي أن يقف أمام الكاميرا، ووراءها، وهذا ما فعله في
معظم أعماله. في فيلمه السابق الذي أنجزه عام 2006 تحت عنوان «يا له من
عالم رائع»، تقمّص الشخصيّة الرئيسية، مؤدياً دور قاتل يقع في غرام شرطيّة.
ينسج المخرج الشاب ذو البصمة الخاصة في السينما المغربية الراهنة، عالمه
الخاص على أساسات قويّة. عالم فيه الكثير من الحياديّة، والابتعاد عن
التحليل النفسي لغياهب الشخصيات. عالم أفلام فوزي بن سعيدي شبه غرائبي في
الكثير من الأحيان، ما ينعكس على خياراته الجمالية، وفضاءاته، وطريقته في
التصوير. منذ فيلمه الطويل الأوّل «ألف شهر»، شارك في تظاهرة «نظرة خاصة»
في «مهرجان كان السينمائي» ناحتاً تصوراً سينمائياً خاصاً، يختلف عن
الإنتاج السائد في السينما المغربيّة. سينما وصلت إلى العالمية بفضل منحاها
الإنساني.
الأخبار اللبنانية في
05/03/2012
«متروبوليس»
تجدّد موعدها مع السينما التركية
يزن الأشقر
بعد استضافتها تظاهرة «السينما التركية الجديدة» العام الماضي، تعود
«متروبوليس أمبير صوفيل» لتقدم لعشاق الفن السابع «مهرجان الأفلام التركية
في لبنان». في هذه التظاهرة التي تقام بالتعاون مع «جمعية إزمير للسينما»،
تراهن «متروبوليس» على النجاح الذي حققته التظاهرة السابقة لتقدّم 13
فيلماً من أبرز إنتاجات السينما التركية الحديثة، خصوصاً سينما المؤلف.
يفتتح التظاهرة «حدث ذات مرة في الأناضول» (5/3 و 9/3) لنوري بيلج سيلان
أحد أبرز وجوه سينما المؤلف في تركيا.
نال فيلمه الجائزة الكبرى في «مهرجان كان» الأخير مناصفةً مع فيلم
الأخوين داردين «صبي الدراجة». يتناول الشريط إجراءً بوليسياً عادياً: بعد
اعتراف القاتل بجريمته، تأخذه الشرطة إلى المكان الذي دفن فيه ضحيته، لكن
الفيلم يأخذ أبعاداً أخرى عندما ينسى القاتل مكان دفن الضحية. على القائمة
أيضاً «رمّان» (6/3) العمل الأخير لأوميت أونال الذي يعرض بحضوره. ويقدَّم
في الليلة نفسها شريط «شَعر» بحضور مخرجه تايفون بيرسيليموغلو. يحكي العمل
قصة بائع الشعر المستعار حمدي المصاب بالسرطان والمدمن على السجائر. يحلم
حمدي وحيداً في متجره في اسطنبول حتى تأتي مريم لتبيع شعرها، فيصبح مهووساً
بها. على القائمة أيضاً
Cosmos
الذي يعرض بحضور مخرجه ريها إيرديم (7/3) عن لص ينقذ طفلاً من الغرق
ليرحب به أهل قرية حدودية. وفي الليلة ذاتها، يعرض «ظلال ووجوه» لمخرجه
ديرفيس زايم الذي يعد الجزء الأخير من ثلاثية تتناول الفنون التركية
التقليدية. تتناول الحبكة قصة طفلة تنفصل عن أبيها خلال بدايات النزاع على
قبرص بين الأتراك واليونان عام 1963. ويعرض للمخرج التركي الألماني فاتح
أكين شريطه الوثائقي «عبور الجسر» (8/3) الذي يوثق فرقاً موسيقية متنوعة في
إسطنبول. أما «أغلبية» (8/3) لسيرين يوس فعبارة عن دراما تتناول قصة عائلة
من الطبقة الوسطى يتمرد فيها الابن على سلطة أبيه الذي يمتلك شركة إنشاءات
ليدخل في علاقة حب مع امرأة من أقلية عرقية.
في التاسع من آذار (مارس)، يعرض
Zephyr
بحضور مخرجته بيلما باس التي تحكي قصة مراهقة تمضي طفولتها في منزل
جديها في الريف التركي. بالإضافة إلى ذلك، يعرض «ما يتبقى» (10/3) بحضور
مخرجه سيدغيم فيترينيل. و«في يوليو» لفاتح آكين (10/3)، نشاهد المدرس
المتدرب الوحيد دانيال الذي يقرر قضاء صيفه في هامبورغ قبل أن يلتقي بجولي.
اليوم الأخير للمهرجان مخصص لأكين أيضاً، يعرض له «سولينو» (11/3) وHead-on
الذي يختتم به المهرجان (11/3). يحكي الشريط قصة كاهيت الأربعيني المدمن
وسيبيل العشرينية من هامبورغ. يلتقي الإثنان بعد محاولة كل منهما الانتحار.
إنّها فرصة للاطلاع على نماذج مميزة من سينما جادة ما انفكت تناقش قضايا
تعكس التغييرات التي تشهدها تركيا سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
«مهرجان الأفلام التركية في لبنان»: من 5 حتى 11
آذار (مارس) ــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ـ بيروت) ــ للاستعلام:
01/332661
الأخبار اللبنانية في
05/03/2012
كلينت إيستوود: أميركا أميركا
يزن الأشقر
في عمله الجديد، يعود الممثل والمخرج الأميركي الكبير كلينت إيستوود
لتقديم بيوغرافيا سينمائية عن أحد أشهر الوجوه وأكثرها إثارةً للجدل خلال
خمسين سنة من تاريخ الأمن والسياسة الأميركيين. إنّه مؤسس مكتب التحقيقات
الفيدرالي ورئيسه الأول جاي إدغار هوفر. في هذا الفيلم، يحاول إيستوود
المخرج الإضاءة على هوفر بين شخصيته القوية التي تفرض نفسها، ومثليته
المفترضة التي خبأها طوال حياته.
تبدأ حبكة فيلم «جاي. إدغار» مع إدغار هوفر (ليوناردو دي كابريو) في
سنواته الأخيرة وهو يدعو كاتباً إلى مكتبه ليسجّل مذكراته، متمثلةً في قصة
تأسيس مكتب التحقيقات الفيدرالي. من هنا، يبدأ الشريط في التذبذب بين سرد
هوفر، والرجوع إلى الماضي.
نعود إلى بدايات هوفر عام 1919، عندما كان يعمل تحت خدمة إيه ميتشيل
بالمر في وزارة العدل الذي يتعرض لمحاولة اغتيال من قبل «شيوعيين متطرفين».
ينجو ميتشيل ويظهر اهتمام هوفر بـ«الخطر الشيوعي البلشفي» وبعلم الجنايات
بديلاً عن الطرق البدائية التي كانت التحقيقات تجرى بها عادة. يعيّنه بالمر
مسؤولاً عن قسم خاص للتحري عن الراديكاليين اليساريين، ويبدأ فوراً بجمع
قائمة كبيرة بالمشتبه فيهم، ويعارك وزارة العمل في رغبته بترحيل
الراديكاليين، وينجح لاحقاً في ترحيل الفوضوية الشهيرة إيما غولدمان في
سابقة قضائية. هكذا، نتابع تسلقه السلطة حتى تأسيسه مكتب التحقيقات
الفيدرالي، وعلاقته بأمه (جودي دينش)، وبمساعدته هيلين غاندي (ناومي واتس)،
وبمساعده وحبيبه المشتبه كلايد تولسون (آرمي هامر). نمرّ على أحداث تاريخية
ومفصلية شهدتها أميركا بدءاً من الذعر الذي أصابها عشية الثورة البلشفية
وترحيل اليساريين الراديكاليين وصولاً إلى حقبة جون كينيدي وريتشارد نيكسون
الرئاسية. وبين هذا وذاك، نرى هوفر الصارم والمحافظ والتناقضات الداخلية
التي يعيشها بوصفه مثلياً.
يقدم إيستوود دراما تحوي بعض العيوب، خصوصاً في السرد الذي يتعب
المشاهد. كمية الأحداث والفترة الزمنية التي يحاول السيناريو الذي كتبه
داستن بلاك تغطيتها منهكة بالتأكيد، تترك المشاهد في حيرة وسط هذا التذبذب
السردي بين الماضي والحاضر. وإيستوود لم يفعل شيئاً يخفّف من عبء ضعف
السيناريو رغم أنّ أداء طاقم التمثيل جيداً، خصوصاً دي كابريو. رغم كل شيء،
فالعمل معبّر يصوّر في النهاية سيرة رجل أدار الولايات المتحدة من مكتبه.
كائن عنصري ويميني وصارم ينجح في تأسيس مكتب تحقيقات متطوّر. لكن خلف هذه
الواجهة، نرى كائناً مذعوراً يعيش تناقضاته الداخلية كمثليته المقموعة
وعقده وتعلّقه المرضي بوالدته واللعثمة التي كان يعاني منها في طفولته. عبر
شخصية هوفر ومكانته المعبّرة، لعل إيستوود أراد أن تصوير أميركا التي
يراها، الغارقة في مختلف أشكال الرهاب والخوف على حياتها وأمنها من
«الأعداء».
الأخبار اللبنانية في
05/03/2012
رومان بولانكسي:
ملهاة النفس البشرية
زياد عبد الله
يفتتح فيلم رومان بولانسكي «مجزرة» بلقطة طويلة مترافقة مع «الجنريك».
ثم يبدأ بترقّب تلك المجزرة التي لن تقع بالمعنى الحرفي للكلمة بل مجازاً.
ما نشاهده في تلك اللقطة الافتتاحية سيكون الحدث الوحيد في فيلم السينمائي
البولندي: نرى من بعيد مجموعة من الفتية في ساحة مدرسة، ثمة خلاف دائر
بينهم. نشاهد أحدهم يضرب الآخر بعصا على وجهه. يُقطع المشهد لننتقل إلى كل
ما سنشاهده على مدى 80 دقيقة، وهو اجتماع أهل كلا الولدين لحل النزاع الذي
أدى إلى إصابة ابن مايكل وبينلوبي بتورم في وجهه وفقدانه اثنتين من أسنانه.
موقع التصوير داخلي لن يتجاوز شقة وسيعة في مانهاتن تجري التنقلات
فيها بين الصالون والمطبخ والحمام أو مدخل البيت على مقربة من المصعد. وقد
اجتمع أهل كلا الولدين للتباحث في كيفية حلّ هذه المشكلة التي ستقود إلى
مشاكل الأهل الوجودية والشخصية والاجتماعية، بما يجعل من أنماط العيش
ومقاربات الحياة المتباينة بين الشخصيات الأربع صراعاً درامياً تصاعدياً
ينتقل من ذروة إلى أخرى، وينتهي الفيلم بلقطة خارجية تعود بنا إلى ساحة
المدرسة سابقة الذكر.
في جديده، يؤكد صاحب «عازف البيانو» أنّ الدراما ـ كما هو متعارف عليه
ــ موجودة في ردود فعلنا تجاه العالم وليس في العالم ذاته. لكن ردود الفعل
في «مجزرة» ستكون ممسرحة ومتكئة على الحوار أولاً وأخيراً، لكون الشريط
الفيلم مأخوذاً عن مسرحية «إله المجزرة» للفرنسية ياسمين رضا التي شاركت
بولانسكي في كتابة السيناريو. ويبقى الرهان على أداء الممثلين وتمايز كل
شخصية واتساقها مع آرائها. الرهان الذي لن يكون إلا ناجحاً لإبقائنا
مشدودين إلى الشاشة حتى النهاية.
يمكن الحديث بداية عن جبهتين في الفيلم، أي أن تكون بينلوبي (جودي
فوستر) ومايكل (جون رايلي) في جبهة أصحاب البيت ووالدي الابن الذي تعرض
للضرب على يد ابن نانسي (كيت وينسلت) وآلن (كريستوف والتز). لكن سرعان ما
يتحول ما يبدو اتفاقاً حضارياً بين الطرفين إلى نزاع وجبهتين. ولعل عامل
التوتر الرئيس سيكون آلن الذي لا يتوقف عن التحدث على هاتفه، ويبدو غير
مبال بما يحصل. لكن سرعان ما ستتضح صورة كل شخصية على حدة. بينلوبي عصابية
تحمل هموم البشرية على كاهلها، وتجد في أفريقيا ملاذاً روحياً لها «لعقد
ذنبها» كما سيقول لها آلن. بينما نانسي خرقاء تقبل بكل شيء، ومايكل طيب
وبسيط خال من العقد والغرور وغيرهما من خصال يمكن لآلن أن يحملها. ستتوالى
التغيرات الدرامية أثناء الحوار الذي يتشعب ويتصل وينفصل، يتصاعد ويهدأ،
يكون تهكمياً وساخراً حيناً، وحزيناً ومأزوماً أحياناً، والتغيرات تحدث وفق
فواصل متعلقة بتقديم بينلوبي القهوة التي تمنع آلن من المغادرة هو وزوجته،
أو انتقالهم إلى شرب الكحول في النهاية، أو عبر الاتصالات الكثيرة التي
يتلقاها آلن واتصالات والدة مايكل به. بالعودة إلى الحديث عن الجبهات،
ستتغير هذه الأخيرة مراراً كأن يصبح الرجال في خندق واحد ضد النساء:
«النساء يفكرن كثيراً» يقول آلن. ستتمرد نانسي على آلن وترمي بهاتفه بعد أن
تكون قد تقيأت على كتب بينلوبي، وهكذا تتنوع الصراعات والتغيرات الدرامية
بحنكة معلم كبولانسكي، كأنّنا به يقول لنا في النهاية: محزنون ومضحكون نحن
البشر.
الأخبار اللبنانية في
05/03/2012 |