هل كان سفرجى عادل إمام مجرد إرهابى أراد الحصول على مليونى جنيه
بترويع «الزعيم» على أحفاده وهو يهددهم بالخطف، أم أنه -كما أشارت أكثر من
جريدة- كان يريد الانتقام من رامى ابن عادل لأنه قبل ثلاث سنوات اتهمه
بالسرقة واستدعى والده من الصعيد لكى يوبخه ويصفعه أمامه؟!
بالتأكيد لا يمكن لأحد أن يتعاطف مع هذا السلوك الإجرامى الذى أقدم
عليه السفرجى، مهما كانت دوافعه، إلا أن الأمر هذه المرة يدفعنا إلى منطقة
أخرى، وهى علاقة الزعيم وعائلته بهؤلاء البسطاء الذين كثيرا ما دافع عنهم
فى أعماله الدرامية وتبنى مواقفهم فى أحاديثه الصحفية والتليفزيونية، بل
دائما ما يشير إلى أن أجره لا يحصل عليه من جيب المنتج، ولكن هؤلاء
بإقبالهم على أفلامه يمكنونه من زيادة أجره إلى 15 مليونا، وهو أعلى رقم
حتى الآن فى بورصة النجوم.
بالتأكيد بعد أن قرأتَ الخبر الذى وجدنا فيه السفرجى يهدد الزعيم وابن
الزعيم بخطف الأحفاد، قفزت إلى ذهنك تلك العلاقة الدافئة بين الرئيس
والطباخ التى شاهدناها فى فيلم «طباخ الرئيس».. كان الطباخ هو جسر التواصل
بين الرئيس والشعب من خلاله يتعرف على أحوال الناس.. الصورة الذهنية التى
طرحها الفيلم هى التى صنعت حالة من التوحد بين مبارك وطلعت زكريا، وظل حتى
الآن فى حالة حب مرضى لرئيسه.
صحيح أن الفيلم يدخل فى باب سينما النفاق السياسى التى كانت تصنع على
مقاس مبارك لإرضائه، لتأكيد أن الكل يحبه ولكن الحاشية هى التى تحجب عنه
الصورة الحقيقية للشعب الذى يمثله الطباخ!!
على أرض الواقع لم تكن لمبارك علاقة بالناس، بينما عادل إمام ابن حى
الحلمية كان لديه فى البداية تلك الحميمية، إلا أنه فقدها شيئا فشيئا سواء
مع الأصدقاء أو البسطاء.. شىء ما ظل يؤدى إلى التباعد مع الناس حتى أقرب
الناس إليه الذين ساعدوه للوصول إلى القمة مثل سمير خفاجة المنتج والمؤلف
المسرحى الذى راهن عليه منذ السبعينيات فى ظل وجود عمالقة للمسرح أمثال
المهندس وعوض ومدبولى وغيرهم، ولكن خفاجة فى السنوات الأخيرة عانى ماديا
وصحيا، فوجئنا بأن عادل لا يقف معه، بل يحتفظ بتسجيل فيديو لمسرحية «بودى
جارد» إنتاج خفاجة بعد التعثر المالى الذى يعانيه، وذلك فى انتظار أن يسترد
أولا مستحقاته وبعد ذلك يسلمه الشريط.. قبل الثورة بأقل من عام كان عادل قد
تقدم للجهات المسؤولة بطلب إلقاء القبض على رجل حاول مقابلته فى قصره
بالمنصورية وبعد التحقيق معه ثبت أن الرجل كانت لديه مشكلة وصدق أن
«الزعيم» من الممكن أن يتدخل لدى المسؤولين لحلها.. الناس عادة لديها
اعتقاد راسخ أن الفنان من الممكن أن يقطع الخط الفاصل بين الإنسان والشخصية
الدرامية التى يصدرها لهم، ولكن الحقيقة كثيرا ما نكتشف أنها بعيدة تماما
عن الشاشة!!
هل البسطاء الذين انحاز إليهم عادل إمام فى أفلامه -وسفرجى الزعيم
واحد منهم- يتوحدون مع نجومهم إلى هذا الحد، ولهذا ينتظرون بعض الحب.. لدىّ
قناعة رغم بشاعة الجريمة التى أقدم عليها السفرجى، إلا أنه كان فى حالة
دفاع عن كرامته فقرر ترويع عادل وابنه بتلك التهديدات الفارغة.. هل تصور أن
عادل إمام من الممكن أن يدفع له؟ المؤكد أنه ليس محترف إجرام وإلا ما كان
من الممكن أن يلجأ إلى هذه الحيلة المكشوفة.. ما شجعه بالطبع على ارتكاب
الجريمة هو حالة الانفلات الأمنى، فقرر أن يشارك فى اللعب.. إلا أننا لا
يمكن أن ننكر فى المعادلة شىء آخر، وهو الإهانة التى شعر بها بعد الصفعة
التى انهال بها رامى عليه أمام والده بغرض كسر عينه، بينما هو بالطبع لن
يستطيع أن يرد عليه.
السفرجى والزعيم وابن الزعيم حكاية من الممكن أن تتأملها.. عاش
السفرجى فى قصر عادل إمام، ولكنه من المؤكد شاهد وجها آخر فى علاقة عادل مع
البسطاء.. ارتكب السفرجى حماقة سوف توقعه -لا محالة- تحت طائلة القانون،
ولكن لدينا جريمة أخرى لا يعاقب عليها القانون الجنائى تقع تحت طائلة قانون
المشاعر، وهى جرح الكرامة!!
التحرير المصرية في
29/02/2012
سينما الجنوب تُشرق فى «الأقصر»
طارق الشناوي
February 25th, 2012 10:36 am
كان ينبغى أن نبحث عن امتدادنا فى الجنوب، ليس فقط لأن هناك منبع نهر
النيل، ولكن لأن جذورنا بها دماء إفريقية لا يمكن فى لحظة أن ننساها بحجة
أن التوجه العربى القومى يحتوينا.. كان جمال عبد الناصر زعيما للعرب
بإرادتهم، ونبرة القومية العربية كانت هى الأعلى، وتستطيع ببساطة مثلا أن
تدرك أن أننا كنا نُطلِق على كل ما يخصنا تعبير «عربى».. التليفزيون المصرى
لم يكن عندما بدأ البث عام 1960، وتحديدا 21 يوليو، يحمل اسم «المصرى» بل
«العربى»، تَغيّر الأمر بعد تولى السادات السلطة وبدأنا نطلق عليه
«المصرى».. إلا أن الفنان المصرى عندما يحقق نجاحا استثنائيا تمتد رقعته
الجغرافية خارج مصر ليحمل اسم «الفنان العربى»، أم كلثوم «سيدة الغناء
العربى»، فاتن حمامة «سيدة الشاشة العربية»، يوسف وهبى «عميد المسرح
العربى»، طه حسين «عميد الأدب العربى».. الفيلم السينمائى المصرى هو أيضا
كان ولا يزال «الفيلم العربى».
كل هذا يصب إيجابيا لصالح مصر، ولكننا فى زمن ناصر كنا نعيش أيضا
قضايا التحرر الإفريقى من الاستعمار باعتبارها قضية مصرية أيضا، وغنينا
للعرب كثيرا، لكن كانت إفريقيا حاضرة وزعماؤها مثل نكروما صاروا علامة على
الوطنية فى الوجدان المصرى.
ولكننا تجاهلنا بعد ذلك عمقنا الجنوبى ولم نعد سياسيا أصحاب القرار
العربى، وفى خضمّ الأحداث ضاعت من الحساب أيضا إفريقيا.
دائما ما يلعب الفن دوره، وهكذا جاءت فكرة مؤسسة شباب الفنانين
المستقلين التى يرأسها سيد فؤاد لإقامة «مهرجان الأقصر السينمائى» الذى
يسعى للفيلم الإفريقى، والحقيقة أن مهرجان قرطاج الذى انطلق عام 1966 كان
أول مهرجان عربى يضع فى المسابقة الرسمية كلا من العالم العربى وإفريقيا،
وجائزة «التانيت» التى يمنحها المهرجان كثيرا ما كانت من نصيب سينما
إفريقيا السوداء بل إن بين مهرجان قرطاج ومهرجان بوركينا فاسو نوعا من
التوأمة ويُعقدان بالتبادل.
مصر استيقظت بعد ثورة 25 يناير وبدأت فى التوجه الإفريقى، ومهرجان
الأقصر فى دورته الأولى جاء معبرا بقوة عن القارة السمراء.. ولكن يبقى أن
هناك بعض التفاصيل المتعلقة بالتنظيم، منها أن حفل الافتتاح كان يُعوِزه
الكثير.. جميل بالطبع أن يفكر رئيس المهرجان سيد فؤاد وفريق العمل أن يتم
الافتتاح ظهرا لنرى المدينة تفرض قانونها على المهرجان وفاعلياته، ومطلوب
أيضا أن تتردد أسماء إفريقية مثل الممثل البوركينى سوتيجى كويتيه الذى تهدى
إليه هذه الدورة مع الراحل رضوان الكاشف، وأن يكرَّم المخرج الأثيوبى هايلى
جريما مع داود عبد السيد، وأن يشارك فى لجنة التحكيم كل من الموريتانى عبد
الرحمن سيساكو والبوركينى إدريسا وادراوجو، وأن يلقى المهرجان على سينما
الصعيد إطلالة نشاهد فيها أفلاما مثل «المومياء» لشادى عبد السلام و«شىء من
الخوف» لحسين كمال و«عرق البلح» لرضوان الكاشف و«الهروب» لعاطف الطيب
و«الطوق والإسورة» لخيرى بشارة.. ولكن يبقى بعض الهنات، مثلا الافتتاح، رغم
أننى لم ألحق به، فإنه عابه سوء التنظيم، وهو ما اعترف به أكثر من صديق
داخل الهيئة التنظيمية للمهرجان.. أيضا جزء كبير من الأفلام يُعرض على
أسطوانات دى فى دى رغم أنه مهرجان سينمائى، وبالطبع يضيع عديد من التفاصيل
فى هذه العروض.. أيضا رأيت فى مسابقة الأفلام القصيرة عددا من الأفلام تزيد
مدتها على 30 دقيقة، وهو ما يخرجها من قائمة «الفيلم القصير»، مثل فيلم
«جلد حى» و«طرفة طائر» و«ساحر أجامباجا».
كنت أفضل أيضا أن تصبح اللغة الثانية للمهرجان هى الفرنسية لأن أغلب
دول إفريقيا السوداء من الفرانكوفونيين الذين يتحدثون الفرنسية، إلا أن
المهرجان اكتفى بالإنجليزية.
يبقى الحديث عن الورش الفنية التى شارك فيها رضا الباهى من تونس
محاضرا فى ورشة الإخراج وكمال عبد العزيز فى التصوير وهانى فوزى فى
السيناريو، وسوف تنهى الورشة عملها بتقديم مشروعات سينمائية تُعرض فى
الدورة القادمة للمهرجان. الأقصر مدينة ساحرة بآثارها الخالدة وشمسها
الساخنة وناسها الطيبين.. كنت أتشوّق لكى أرى مجددا تلك الابتسامة التى
أعرفها جيدا على وجوه هؤلاء البسطاء لأننا نعيش فى عز الموسم، ولكن السياحة
تأثرت سلبا بسبب الانفلات الأمنى، ولهذا رأيت الابتسامة، الطابع المميز
لأهل المدينة، بها شىء من الانكسار ولكن القادم أراه أفضل، وتعيشين يا ضحكة
مصر شرقا وغربا شمالا وجنوبا
قبلة البرادعى وأنجلينا
طارق الشناوي
February 19th, 2012 9:49 am
«حاسب يا برادعى، براد بيت نابه أزرق مش حيفوتهالك».. كان هذا واحدا من
عشرات التعليقات الساخرة التى نالها البرادعى بعد أن منح جائزة أفضل فيلم
يحمل قيمة إنسانية لأنجلينا جولى فى فيلم «أرض الدماء والعسل» الذى عُرض
ضمن فاعليات مهرجان برلين، وأعقب الجائزة قبلة على خد أنجلينا، ولكننا
نسينا كل شىء وتوقفنا أمام هذه القبلة، واعتُبرت خيانة للثورة ولا تليق بمن
كان مرشحا محتملا لرئاسة مصر وأصبح منذ عام 2009 إحدى أيقونات الشعب فى
التحرر من الطاغية!
تناسينا فى لحظة أن البرادعى كان هو الاسم الصعب الذى واجه مبارك
ودولته، ولهذا ظلت السلطة تترصده ولم تنسَ أبدا أنه كان صاحب الضربة
الموجعة التى أفقدت النظام توازنه ورد النظام بضراوة، وأسفر ذلك عن علامة
مستديمة أثرت فى علاقة البرادعى بالشارع، فهو عند قطاع من المصريين -حتى
بعد رحيل مبارك- يحمل أجندة أجنبية.
والآن يواجه البرادعى توابع زلزال تلك القبلة البريئة التى طبعها على
خد أنجلينا.. تساءل البعض عن علاقته بالسينما حتى يصبح رئيسا للجنة تحكيم
تمنح جائزة عن فيلم يحمل قيَما إنسانية.. صحيح أن السينما سينما ولكن مثلا
«اليونيسكو» تمنح فى عديد من المهرجانات جوائز للفكر، والمركز الكاثوليكى
العالمى لديه جوائزه فى أكثر من مهرجان لا تذهب بالضرورة إلى الأفضل فنيا
ولكن إلى الفيلم الذى يدعو إلى التسامح.
فى مهرجان برلين استُحدثت لجنة تحكيم رأسها البرادعى لمنح جائزة
تتشابه فى معناها مع تلك القيم، يحصل عليها الفيلم الذى يدعو إلى السلام،
وهكذا جاءت الجائزة لفيلمها الذى تجرى أحداثه فى البوسنة عن علاقة تجمع بين
فتاة مسلمة وشاب صربى أرثوذكسى.. ينحاز الفيلم -كما أشارت الصحف- إلى تلك
القيم النبيلة.
ما الذى ينتظرونه من البرادعى؟ هل يفعل مثلا مثل نادر بكار، المتحدث
الرسمى الإعلامى للجماعة السلفية، الذى حضر حفل زفاف عمرو حمزاوى وبسمة،
وعندما هاجموه قال لهم إنه ذهب إلى الحفل ولم ينظر إلى المتبرجات، وإنه كان
يدعو لصديقه بالهداية والطريق المستقيم؟ وإذا كان التيار السلفى مؤمنا
بحرمانية التمثيل والغناء والموسيقى، فما الذى تتوقع أن تتضمنها دعوة بكار
لصديقه عمرو فى ليلة زفافه هو وبسمة؟!
البرادعى بالطبع لن يقسم على المصحف إنه كان يقبل أنجلينا على خدها
كنوع من البروتوكول البرىء!
هل أصبحنا، كمجتمع، لا نجد ما يشغلنا ونأتى للهايفة ونتصدر.. ونبدد
طاقتنا فى سفاسف الأمور؟!
منذ 15 عاما حصل المخرج الإيرانى عباس كيروستامى على جائزة «السعفة
الذهبية» من مهرجان «كان» عن فيلمه «طعم الكرز» وطبعت على خده إيزابيل
إدجانى، رئيسة لجنة التحكيم قبلة بريئة، وعاد الرجل إلى طهران منتظرا أن
يستقبلوه فى المطار بالأفراح والزينات، ولكن الذى حدث هو أنهم تركوا السعفة
وهاجموه بضراوة، لأنه لم يعترض على تلك القبلة البريئة واعتبروها ذنبا لا
يغتفر فى حق الثورة الإيرانية، وربما لهذا السبب عند توزيع جوائز مسابقة
الكرة الذهبية التى عقدت فى لوس أنجلوس قبل نحو شهر وحصل على جائزة أفضل
فيلم أجنبى المخرج الإيرانى أصغر فرهادى عن فيلمه «انفصال»، كان المخرج
الإيرانى قد لمح مادونّا على خشبة المسرح سبقته فى الحصول على جائزة أفضل
فيلم غنائى، ولكنه تعمد أن لا ينظر إليها حتى لا يصل الأمر إلى قبلة على
خده وبعدها تتحول إلى فضيحة بجلاجل فى إيران.
أنجلينا بالطبع غير مادونا،، سجلُّها الإنسانى حافل بعديد من المواقف،
فهى دائما تذهب إلى خطوط النار، كانت فى ليبيا فى عز القصف وهى حاضرة فى كل
القضايا الإنسانية، وكثيرا ما ذهبت إلى فقراء إفريقيا وأنجبت أطفالا من
براد بيت، ورغم ذلك تتبنى أطفالا. تحمل أنجلينا فى أعماقها إحساسا بالعطاء
للعالم أجمع، أخرجت فيلم «أرض الدماء والعسل»، لأنها تجد فيه هدفا إنسانيا،
لكننا نحّينا كل شىء وتذكرنا القبلة.
ماذا ننتظر بعد ذلك إلا أن نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة: هل ذهاب
السلفى نادر بكار إلى حفل حمزاوى وبسمة حلال أم حرام؟ وهل كان ينبغى على
البرادعى أن لا ينظر إلى أنجلينا؟ وما الكفّارة التى عليه أن يتحملها كل
منهما حتى يمحو تلك الخطيئة؟!
جبهة الحرية تدافع عن عادل إمام!!
طارق الشناوي
February 11th, 2012 10:08 am
لم ينضم عادل إمام إلى جبهة الدفاع عن حرية الإبداع، فهو بطبعه لا يقف
فى الصف ويفضل أن يظل منفردا ومتفردا تحت مظلة لقب الزعيم، ورغم ذلك كانت
جبهة الدفاع عن الحرية، التى ولدت قبل ثلاثة أسابيع فقط، قد سارعت بالتضامن
معه ورفض الحكم الصادر بحقه بالسجن ثلاثة أشهر.
لا يمكن لأحد أن يدافع عمن يحض على ازدراء الأديان، ولكن هل حقا عادل
إمام فى أفلامه ومسرحياته التى بنى عليها الحكم، يزدرى الدين؟ بالطبع
استأنف عادل الحكم الغيابى، حيث استند القاضى إلى أن أفلامه مثل «مرجان»
و«الإرهابى» ومسرحية «الزعيم» وغيرها، تنطوى على تجاوزات فى حق الإسلام.
الحقيقة هى أن أفلام عادل تحمل بلا شك نقدا ليس للأديان ولكن لبعض
ممارسات من يرتدون زيًّا إسلاميا.. كثير مما يقدمه عادل لدىّ ملاحظات سلبية
عليه، وكثيرا ما انتقدته بسبب تلك المباشرة التى تصرخ بها أفلامه، ولكن أن
نختلف فنيا مع أسلوب فنان لا يعنى أن لا تقف فى صفه عندما يدان على جريمة
لم يرتكبها.
عادل لا يقدم فى الحقيقة -لو صح الاتهام- أفكاره، لكن وراءه كاتبا
ومخرجا، سوف تجد أن قسطا وافرا من هذه الأفلام سواء تلك التى استند إليها
الحكم القضائى أو التى لم يتطرق إليها مباشرة تحمل وجهة نظر كتّاب، مثل
وحيد حامد ولينين الرملى ويوسف معاطى، ومخرجين مثل شريف عرفة وعلى إدريس
ونادر جلال، والغريب أن الحكم لم يشر إلى أن صانع الفيلم، طبقا للقانون، هو
المخرج. الفاعل الأصلى هو المخرج ثم الكاتب كما أن هذه الأعمال الفنية حظيت
بموافقة الرقابة على المصنفات الفنية والمفروض أن الحكم يحمل إدانة لمن
وافق على العرض، أى وزارة الثقافة المصرية، ولكن من الواضح أن عادل كان هو
المستهدف الوحيد ولا أقول فقط الأول.
عادل يتحمل ولا شك أيضا مسؤولية نشر الفكر الذى طرحته هذه الأفلام
وغيرها وهو لم يكن مجرد مردد سلبى لما يأتيه من أفكار، ولكن هذا لا يعنى أن
يصبح هو لوحة التنشين التى توجه إليها الاتهامات التى أراها باطلة.
ليست هذه المرة الأولى التى يتعرض فيها عادل إمام إلى الاتهام بازدراء
الأديان، وليست أيضا الأولى التى يصدر فيها بحقه حكم، فلقد أُدين فى عام 82
بالسجن لمدة عام بسبب إهانة القضاء فى فيلم «الأفوكاتو»، وطالت نفس العقوبة
مؤلف ومخرج الفيلم رأفت الميهى، وسقط الحكم فى الاستئناف.
ربما لو صدر هذا الحكم فى توقيت سابق للثورة، ما كان من الممكن أن
يثير كل هذه المخاوف. الحكم فى هذا التوقيت يلقى بظلال عديدة على الحياة
الإبداعية فى مصر، ومن الممكن أن يقرأها البعض من منظور سياسى. كل شىء لا
يمكن أن تعزله عن سيطرة الفصيل الإسلامى على الحكم، إلا أننى أتصور أن
الإدانة ليست بالضرورة تحمل طابعا سياسيا، الوجه الآخر للصورة هو أن عادل
إمام أيام مبارك كان يضمن أن لا يمسه شىء، فهو فى مأمن لأن مؤسسة الرئاسة
كانت تعتبره هو صوتها. لا يقترب منه أحد، لا الضرائب تستطيع أن تسأل عما
يمس ذمته المالية ولا أى إدانة قانونية من الممكن أن تلحقه.
لا نريد من سلطة سياسية أن تقف ضد تنفيذ حكم قضائى لحماية أحد، لأنها
من المؤكد سوف تلجأ فى هذه الحالة إلى الانتقاء، ترفض هذا أو توافق على
ذاك، ولكننا نأمل أن يتحلى القضاء بالقدرة على قراءة العمل الفنى حتى لا
يعبر الخط الفاصل بين انتقاد رجل يرتدى زيًّا إسلاميا وانتقاد الدين.
لم أكن أرتاح إلى تلك المباشرة التى يقدمها عادل فى أغلب أفلامه، حيث
كان يتبنى دائما وجهة نظر النظام البائد، ورغم ذلك فإن هناك فارقا بين
انتقاد عمل فنى نختلف أو نتفق عليه وبين أن ترفض إدانة جنائية لا تستند إلى
منطق فكرى أو درامى.
ويبقى أن نسأل عادل إمام بعد أن دعمته بقوة جبهة حماية الإبداع: هل
يشعر بأنه كان واجبا عليه أن ينضم إلى زملائه فى الدفاع عن الحرية، حتى لو
تخلى عن لقب «الزعيم»!!
«شريهان» والعودة المستحيلة!
طارق الشناوي
February 10th, 2012 9:41 am
هل شاركت شريهان فى الثورة لأسباب شخصية أم وطنية؟ المؤكد أن ما حركها
منذ بدايات الثورة هو حب مصر حتى إنها تمنت أن لا تكون مصابة بالمرض لتتبرع
بدمائها لشباب الثورة.
أعتقد أن شريهان لم تكن تملك سوى تلك المشاعر الإيجابية وهتفت بسقوط
النظام فى أكثر من مظاهرة وأكثر من مرة تصطحب معها ابنتها، إلا أن البعض
حاول أن يستغل وجود شريهان فى الميدان لنسج قصص عن ثأر قديم بينها وبين
عائلة مبارك، لأن سوزان رفضت أن يتزوج جمال من شريهان قبل أكثر من عشرين
عاما، شريهان نفت ذلك إلا أن اسم شريهان صعد مرة أخرى لتعرّضها للتحرش وهو
أيضا ما كذبته، أما آخر الشائعات -وهى إيجابية هذه المرة ولكنها مستحيلة
التحقق واقعيا- فهى أن لديها أكثر من مشروع فنى تليفزيونى: مسلسل دينى عن
«رابعة العدوية» وآخر اجتماعى باسم «سندريلا».
ورأيى الشخصى أن الخبرين عاريان عن الصحة. شريهان لن تعود إلى
التمثيل، هى صحيح لم تعلن اعتزالها رسميا ولكنها لم تشارك فى أى عمل فنى
منذ 13 عاما، وأظنها أيضا لن تشارك، آخر فيلم سينمائى لعبت بطولته للراحل
أشرف فهمى وعُرض فى مهرجان الإسكندرية السينمائى وهو «العشق والدم»، وحصلت
شريهان على جائزة أفضل ممثلة ولم تحضر، حيث كانت قد أصيبت بالمرض فى نفس
الأسبوع وأرسلت كلمة إلى المهرجان تعتذر وترجو الدعاء لتعبر محنة المرض.
الفنان الذى ينسحب فى هدوء دون صخب هو حالة خاصة، ولكن من تجاربى
وخبراتى فإن من لم يعلن انسحابه يظل دائما يتطلع إلى دورٍ ما، وكلما طال
الغياب واتسعت المسافة بينه وبين ممارسة الفن يظل يداعبه الأمل، لكنه فى
النهاية لا يعود.
نجلاء فتحى على سبيل المثال لم تعلن أبدا انسحابها وكثيرا ما يتردد
اسمها فى مشروعات فنية لكنها لن تعود. نادية لطفى سبقت نجلاء فى اختيار
أسلوب الانسحاب الهادئ وهو ما يزيد من توقع الجمهور بالفنان العائد بعد
غياب، إلا أن الناس تنتظر أن تراه كما شاهدوه قبل الاختفاء!
هل نحن نحب الفنان كما هو الآن أم أنها الصورة الذهنية التى رسمناها
وتراكمت هى التى تدفعنا لكى نستعيدها مرة أخرى؟ الحقيقة هى أن الجمهور
يتوافق مع ملامح للفنان التى تتغير أمامه من عمل فنى إلى آخر وكلما طال
الغياب يصبح الأمر أشد صعوبة، الناس تفضل أن تحدد هى الملامح ولا ترحب فى
العادة بتغييرٍ، هم لم يكونوا شهودا عليه.
تظل شريهان حالة استثنائية على خريطة الفن فهى فى جيلها تمتعت بثلاث
مميزات، الأولى أنها تملك موهبة الاستعراض وكانت فوازير شريهان التى قدمتها
مع المخرج الراحل فهمى عبد الحميد فى التليفزيون المصرى واحدة من رصيدنا
الاستعراضى الاستثنائى، الثانية أنها نجمة شباك كثير من الأفلام والمسرحيات
صنعت من أجلها وحققت إيرادات ضخمة، ثالثا قدرتها على الأداء الكوميدى فهى
عندما تشارك مع كوميديان مثل عادل إمام لا تصبح مجرد نجمة حسناء، ولكنها
قادرة على أن تقف موازية لنجم الكوميديا، وهكذا شاهدناها أيضا على المسرح
مع فؤاد المهندس فى «سك على بناتك» وفريد شوقى فى «شارع محمد على».
شريهان تستحق التكريم والمرحلة الزمنية التى كانت فيها داخل البؤرة لم
تكن أبدا قصيرة، بدأتها وهى طفلة فى عام 75 حتى احتجابها فى السنوات
الأخيرة، أى أننا نتحدث عن ربع قرن من العطاء الفنى.
قبل أعوام قليلة اكتشفتُ وجها مميزا لم أكن أعرفه عن شريهان ولا أتصور
أن القراء يعرفونه، وهو أن لديها روحا أدبية فى صياغة الرسائل التليفونية،
ولديها أيضا مفردات خاصة بها عندما ألمّت محنة المرض بالمسرحى الكبير سمير
خفاجة، كتبت لى رسالة بصياغة أدبية رائعة، استأذنتها فى النشر كما يقضى
العرف الصحفى، لأن هناك دائما مساحة بين الخاص والعام، هى كتبت الرسالة، لا
باعتبارى صحفيا، هى، فقط، اختصتنى بها إلا أننى عندما استأذنتها رفضت أن
أنشر والتزمتُ بما أرادت.
هل تعود شريهان لممارسة الفن؟ ظنى أنها لن تعود. هل هى غادرت الفن؟ لا
هى غادرته ولا هو غادرها، ولكنها لن تعود رغم أنها تتوق إلى العودة،
والجمهور أيضا يتوق إليها، ولكنه لن يراعى فروق التوقيت فهو يريد أن يرى
شريهان كما كانت شريهان!
الفنانون وعمرو موسى
طارق الشناوي
February 7th, 2012 10:02 am
لمن يمنح الفنانون أصواتهم فى المعركة الانتخابية التى صارت وشيكة على
كرسى رئيس الجمهورية؟ قبل أشهر قليلة كانت إجابة أغلبهم هى «لم أحدد بعد»..
الصورة كانت ضبابية لا تستطيع أن تحدد الكفة الراجحة، الفنان لا يؤيد
المرشح الذى يتصوره قادرا على حماية مصر، ولكنه يذهب لمن يقدر على حمايته
وضمان مصالحه، وبعدها ينضم إليه مؤيدا ومباركا.. 90% من الفنانين الذين
كانوا قبل أسابيع قليلة متحفظين فى إعلان إلى أين تتجه البوصلة؟ سوف
يسارعون الآن إلى الأقوى.. يقدم الفنان السبت وفى ذهنه أنه سوف يحصل بعدها
على الأحد والإثنين وباقى أيام الأسبوع!!
لا شك أن الأقوى حاليا هو عمرو موسى، فهو الاسم الأقرب إلى اعتلاء
الكرسى، حيث تتعدد لدى عمرو مصادر الدعم، مثلا فلول الحزب الوطنى يجدون فى
صعوده ملاذا آمنا لهم، فهو أيضا كان واحدا منهم واقترابه من مبارك لا يحتاج
إلى إثبات، ومن كانوا من مؤيدى التوريث سوف يجدون أنه كان فى طليعة
المبشرين بجمال وتسجيلاته التى يبارك فيها الوريث متوافرة بكثرة على
«النت».. المجلس العسكرى عليه أن يحسم سريعا موقفه هل يؤيد منصور حسن أم
عمرو موسى؟ وبالتأكيد فإن عمرو كان هو الأقرب إليهم قبل أن يبرق اسم منصور
حسن، وهو حتى الآن حريص على أن لا يعلن موافقته على الترشح، ولا أتصوره من
الممكن أن يوافق على خوض المعركة الانتخابية قبل أن يضمن تأييد المجلس، وفى
نفس الوقت فإن عمرو موسى فى هذه الحالة سوف يفقد أحد كبار الداعمين، ولكن
أمام تقلص الفترة الزمنية المتاحة لإجراء الانتخابات بعد أن صاروا مجبرين
على سرعة تسليم السلطة، فأنا أعتقد أن كفة عمرو موسى هى الآن الأقرب إليهم،
كما أنه يستطيع أن يضمن فى إطار تبادل المصالح توافقا مع التيار الإسلامى،
ولا نستطيع أن نغفل فى معادلة القوة اسم عمرو موسى الذى يعتمد على تلك
العِشرة القديمة، والناس فى بلادنا تؤمن بأن «اللى نعرفه أحسن من اللى
مانعرفوش». ليس مهما أن ما تعرفه عنه بالضرورة جيد.. كان من يذهبون إلى
الانتخابات فى عهد المخلوع يكررون نفس الحجة بأنهم يعرفونه ثم إن عمرو موسى
-والحق يقال- يعمل بجهد ودأب، يوجد فى عرض مسرحى وبعدها بلحظات سينمائى ثم
ينهيها بسهرة غنائية شبابية، تراه على أكثر من فضائية فى نفس الوقت، وتجده
حزينا فى الصباح مشاركا فى جنازة، وفى المساء ضاحكا فى فرح يسعى لكى يصبح
دائما على موجة الناس.. يتحمل على الأقل حتى الآن كل ما يتعرض له من
انتقادات دون أن يبدر منه غضب يحمل تجاوزا.. عمرو موسى هو الأقوى إذا وضعنا
فى الحسبان أن المعارضة لم تتوحد على من يواجهه مثلا من الممكن أن يصبح
الأمر به نوع من توازن القوى لو توافقت المعارضة على اسم مثل عبد المنعم
أبو الفتوح، لكن المعارضة ليست لديها تلك المرونة، وهكذا تزداد فرص عمرو
موسى.
الفنانون سوف يصبح عليهم فى الأيام القادمة إعلان آرائهم، التى سوف
تصب النسبة الكبرى منها فى صالح الأقوى لا الأصلح لحكم مصر، لن يسأل أحد
سوى عن الأقرب لكرسى الرئاسة، فهو الذى من الممكن أن يمنحه صوته، وهو مطمئن
على أنه بالفعل اختار الرجل المناسب.. علاقة الفنانين بالثورة المصرية
وقبلها علاقتهم بمبارك، الجانب الرئيسى فيها هو الانحياز لمن يضمن لهم
الحماية ويوفر لهم مظلة فى السلطة.. عدد من النجوم كانوا حريصين على توطيد
علاقتهم بالوريث مثل عمرو دياب وتامر حسنى وأحمد السقا وغيرهم من أجل أن
يضمنوا أن القادم أفضل لهم. لا أتصور أن الثورة قد غيرت من أفكار الفنانين
-أتحدث عن الأغلبية- شريعتهم دائما هى مبايعة الأقوى، ولهذا سوف يزداد مع
الزمن فى الوسط الفنى وبين عدد كبير من المثقفين التوجه «العمراوى». يقفون
وراءه، رافعين صوره، مرددين اسمه، إلا أنهم هذه المرة لم يراعوا فروق
التوقيت التى غيرت بعد الثورة الكثير.. الحماية المطلقة التى كان يوفرها
مبارك لمن معه لم تعد ممكنة، لأن الرئيس القادم سيصبح بحاجة إلى من يحميه!!
الظِّلُّ عليها هو المكتوب
طارق الشناوي
February 2nd, 2012 9:52 am
لا أتذكر أننى التقيت من قبل مع الفنانة سهير البارونى، المؤكَّد أنه
تقصير منى، وهو خطأ يجب أن نعترف أن جيلنا وقع فيه، أرجو أن يوثّق الجيل
اللاحق حياة هؤلاء الذين لا يحتلون أى مساحة على الأفيش ولا تعتلى أسماؤهم
تترات المقدمة ولا تلاحقهم فى العادة عدسات المصورين، ولكن هذا لا ينفى
أبدا أنهم من أصحاب المواهب النادرة.
لديهم إشعاعهم أيضا الذى أشبهه بضوء القمر، حيث إن قدرا من الغموض
والخفوت يصاحب دائما ضوء القمر.. دأب الإعلام على أن يتعامل مع نجوم تشبه
فى ضوئها وهج الشمس.. مع الأسف لو عدت إلى الأرشيفين المرئى والمسموع،
وقبلهما المكتوب، لن تعثر إلا على القليل.. فنانون أسعدونا مثل نبيلة السيد
ونعيمة الصغير وسهير البارونى، لم نقترب منهم بما يكفى لا صحفيا ولا
تحليليا!
عرفت البارونى النجومية كواحدة من نجمات فرقة «ثلاثى أضواء المسرح»،
جورج والضيف وسمير.. رحل الضيف أحمد مبكرا، وكان موهبة متفجرة، فهو يشع
إبداعا، ممثلا ومخرجا.. كان الضيف ضيفا مر سريعا على الحياة، وجورج سيدهم
الذى لا يزال حبيس الفراش. جورج لمحة من الدفء على خشبة المسرح، وسمير كان
يبدو أنه هو بمثابة «الموتور» اللازم لحركة هذا الثالوث!
الضيف «العقل».. جورج «القلب».. سمير «العضلات»، هذا الثلاثى كان
بحاجة إلى مجموعة أخرى تقف بجواره.. كانت سهير البارونى هى العنصر النسائى
الأقرب إلى الإحساس الكوميدى الذى كان يشكل فى الستينيات النبض الجديد، ولا
يعلم كثيرون أن عادل إمام فى أكثر من مرة عندما كان يعتذر الضيف أحمد عن
السفر مع الثلاثى إلى إحدى المحافظات على الفور يصبح عادل هو البديل،
وعندما رحل الضيف كان عادل هو المرشح الوحيد، ولا أقول فقط الأول، لاستكمال
الطريق للثلاثى، إلا أن عادل كان قد استشعر أنه حقق بمفرده نجاحا ملحوظا
ولم يرد أن يقتسمه على ثلاثة.. كثيرا ما كنت أتساءل: لماذا لم يتحول
الثلاثى إلى رباعى مع توفر سهير البارونى ككوميديانة قابلة للاشتعال على
خشبة المسرح.. كانت البارونى لديها قدرة استثنائية على أن تحرك بداخلنا
الإحساس بالبهجة، كانت بمثابة خط أنثوى موازٍ من الضحك العصرى بقياس تلك
الأيام قبل نصف قرن.. إلا أن الزمن مر بها ولم تستطع أن تتواءم مع تلك
المتغيرات.. لا أستطيع أن أعلم على وجه الدقة لماذا اختفت، هل لم تتطور
فنيا والكوميديان يشكّل الزمن العدو الأكبر له؟ الفنان عليه أن يحافظ على
قدرته فى الاستقبال ليظل مع الجمهور على نفس الموجة.
كانت سهير البارونى تبدو بحاجة إلى مخرج وكاتب، وقبل ذلك إلى عقل يقف
وراء هذه الموهبة يوجهها إلى الاختيار الصحيح.. لا أتصور أن سهير امتلكت
طموحا خاصا، فهى تتحرك وفقا لما يُعرض عليها ولا تجهد نفسها بالسؤال هل
يضيف لها شيئا أم لا، ليست هذه قضيتها، ولا تعنيها فى شىء، هى فقط تريد أن
تظل فى تلك الدائرة.. لم يقف وراءها فنان كبير بحجم فؤاد المهندس، الذى كان
سندا لشويكار، وكان أيضا عاشقا لها، وهكذا دعهما، صحيح أن شويكار حالة
إبداعية حقيقية، ولم يكن فؤاد يقف فقط مؤازرا لزوجته، ولكن لفنانة موهوبة.
ولكن من وقف وراء سهير؟ لا أحد، وهكذا تقلّصت المساحات المتاحة أمامها.
الزمن تغيّر، وسهير البارونى لم تكن قادرة على استيعاب المفردات
الجديدة فى التعبير، الفنان الكوميدى تحديدا غير مسموح له بأن يفوته
الإيقاع.. لو تأملت عادل إمام فى اختياراته الأخيرة ستجد أنه يعمل مع
الشباب حتى يمنحوه عمرا إضافيا، يبحث عن الإيقاع الكوميدى العصرى الذى يضمن
له أن يتواصل مع هذا الجيل الذى يحتاج إلى قدرة على الاستقبال قبل الإرسال،
لتعرف بالضبط ما الذى يتذوقه.. سهير البارونى فنانة لا تحسبها هكذا، وغاب
عنها أن الناس لا تحسبها إلا هكذا!
من رحل هذه الأيام والناس مشغولة بمصير الوطن يُشعِرنى كأنه لم يحسن
اختيار التوقيت.. هل نختار يوم ميلادنا حتى نختار يوم الوداع؟ لم تحصل سهير
على الضوء الذى تستحقه لا فى الحياة ولا فى الرحيل «الظل عليها هو
المكتوب»!
التحرير المصرية في
02/02/2012 |