يقدم المخرج أنيس الأسود عملا توثيقيا
جديدا خاصا بالثورة التونسية يحمل عنوان "المعارض" انطلاقا من
مسيرة محمد الطاهر
الخضراوي في بعدها العميق من الناحية الإنسانية ومن الناحية السياسية، حيث
سعى
الأسود إلى تتبع تحركات الخضراوي منذ اندلاع الثورة في ديسمبر / كانون
الأول وإلى
غاية انتخابات 23 أكتوبر / تشرين الأول وفشل حزبه فيها.
وسبق للأسود أن أنجز
عددا هاما من الأعمال السينمائية منها الوثائقي ومنها الروائي حيث انطلقت
رحلته مع
الكاميرا بشريط وثائقي يحمل عنوان "عرائس السكر بنابل" ليقدم بعده عددا من
الأعمال
منها الروائي حيث أنجز "صابة فلوس" نال عنه عديد الجوائز في تونس
وخارجها... ثمّ
تتالت أعماله وبدأ يصنع بصمته الخاصة به في عالم السينما وهو الذي يسعى
لتقديم
أعمال مغايرة تقطع مع السائد.
·
"المعارض"
عمل توثيقي بامتياز، وباعتماد شخصية حقيقية تتبعتَ من خلالها
الشرارة الأولى للثورة وحتى "نكسة" الأحزاب "التقدمية" في
انتخابات المجلس الوطني
التأسيسي؟ لماذا هذه الشخصية بالذات؟
ما شد انتباهنا في شخصية محمد
الطاهر الخضراوي هو بعدها العميق من الناحية الإنسانية ومن
الناحية السياسية.
فبخصوص البعد الإنساني، كثيرا ما نلتقي أسماء تمر بنا مر الكرام ولكن قليلا
ما
نلتقي أسماء تستوقفنا? تجذبنا وترمينا بين طيات قصة أصحابها. والطاهر
الخضراوي طاهر
القلب? وفيّ لمبادئ الحق والعدالة والإنصاف التي تفتحت عليها
عينيه وشب عليها بين
أركان بيت عتيق ومقاعد دراسة "بورقيبية"...خضراوي الغصن? من خضر ربوع الوطن
تونس
وخضر هضاب الموطن في عمق البلد، القصرين... خضراوي الجذور كذلك? من أب
مناضل وجدّ
مناضل? قد قاوما المستعمر الفرنسي حتى الموت وتركا للابن
العبرة والتاريخ وطريقا
منيرة... الطاهر الخضراوي، معارض...
·
قلت معارضة ؟؟؟ لقد جرّنا الاسم
إذن إلى
قصة.
ومع الطاهر الخضراوي أردنا معرفة كيف يصبح الواحد منّا معارضا؟ كيف
يتجاوز
خط اللون الواحد، الرأي الواحد? النظام الواحد ويلتحق بصف المخالفين
والمعارضين
والمتصدين؟ هل أن المعارضة حس تكتسبه الشخصية فجأة أثناء حادث يتعرض فيه
الشخص إلى
الظلم والقهر أو تدريجيا لمعاناة الفرد من ظروف عيش وتجارب حياة صعبة؟ أم
هل أن
المعارضة حس طبيعي، يتمتع به كل الناس لكن البعض يقوم بوأده في
حين يقوم آخرون
بتطويره ويعملون على بلورته في الواقع ؟
لماذا أصبح الطاهر الخضراوي معارضا؟
لماذا قال "لا" لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم؟ هل هي
مقالات الصحف
التونسية الموالية للحزب الحاكم التي استفزت شعوره الوطني ؟ هل لأنه التحق
في أواخر
الثمانينات بمقاعد الجامعة العراقية حيث تحصل على شهادة في علم الكيمياء
ورجع بأخرى
عن سقوط بلد وشعب عربي عريق ضحية لأطماع أطراف خارجية جشعة؟ أم هل هي
مقابلة الرئيس
السابق زين العابدين بن علي في قصر الرئاسة بقرطاج. بمناسبة
حصوله على جائزة أحسن
مشروع رئاسي ممول من قبل البنك التونسي للتضامن في إطار عملية سياسية
تزويقية بحتة؟
هل لأن ذلك المشروع قد أُفشل بفعل فاعل من القصر لأن الطاهر قد أبرز بعفوية
وجهه
المشاكس، الطموح، المعارض، "الثائر"؟
·
وما الرسالة
التي تريد أن توصلها للمتلقي من خلال تتبعك لتحركاتها وتوثيقك
لتاريخها؟
أمّا بخصوص البعد السياسي، فقد أردنا مع الطاهر الخضراوي أن
نسلط الضوء عن شخصية المعارض التونسي ومن خلاله المعارض العربي في بلاد
عربية بدأت
تتمخض من شرقها إلى غربها مظاهرات واعتصامات وانتفاضات شعبية ومعارضة حية
من أجل
إرساء مبادئ الحرية والديمقراطية.
تابعنا الطاهر الخضراوي السياسي منذ بداية
الثورة التونسية إلى غاية تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي في
23 أكتوبر/ تشرين
الاول 2011. كان له موعد مع المستقبل. تمت المقابلة في أحسن الظروف وجاءت
النتائج
بفشل حزبه في الانتخابات. لكن لا تهمّ النتيجة بقدر ما تهم الطريق
المقطوعة. اتباع
الطاهر الخضراوي في كواليس السياسة مكننا من التعرف على طريقة عمل الأحزاب
التونسية حديثة العهد بممارسة اللعبة السياسية باعتبار إقصائها
التام في السابق من
المشاركة في السلطة. مهما كانت النتيجة ومهما كان الفائز من اليمين أو من
اليسار،
نهضاوي أو تقدمي أو وسطي، نتائج الانتخابات حققت فوزا كبيرا للجميع وهو حق
المواطن
في الانتخاب في إطار انتخابات حرة ونزيهة. ولكن الطاهر الخضراوي ترك خلف
حكايته
السؤال الأهم: هل ستتم المحافظة على هذا الحق؟
ثمّ هل أن السلطة المنتخبة
اليوم أو غدا،بطموحها وجموحها وهشاشة تجربتها، ستحترم هذا الحق
ومن ورائه الحق في
المعارضة؟ هل أن السلطة ستدفع المعارضة إلى الأمام وتمكنها من ممارسة
العمل الحزبي
واكتساب التقنيات الحقيقية لهذا العمل فتخرج من ثوبها الصوري لترتاد حلة
المعارض
الفاعل والمساهم في اللعبة الديمقراطية؟
قطعنا مع الطاهر مرحلة من طريق
الديمقراطية في تونس وصلنا معه في نهايتها إلى مفترق الطرقات.
فهل أننا سنتقدم أم
هل أننا سنتراجع؟ هذه المرحلة من تاريخ تونس قمنا بتوثق أعماقها وتعقيداتها
وخفاياها حتى تكون شهادة لنا وعلينا.
·
نلاحظ انك توثق للثورة بشكل
مغاير عما تابعناه منذ 14 يناير لليوم، أي
انك لم تعتمد ما حدث في المدن والقرى التونسية من مظاهرات
ومسيرات وغير ذلك، بمعنى
آخر أنت لم تقم بعمل تسجيلي، بل رأيت أن تغامر بأن توثق للصورة من منظور
أحد
المعارضين السياسيين؟
لقد فجرت الثورة التونسية طوفانا من الصور
والألوان والأصوات العنيفة. وهذا كان ملائما جدا، لالتقاط أو
الظفر ببعض اللحظات
التاريخية، وفي جميع المجالات الإبداعية (القلم، الكاميرا، الغناء، الرسم،
الغرافيتي...) الجميع خرج للشارع مبهورا ومحاصرا بما صنعته الثورة من
إثارة.
يوم 25 يناير 2011 التقيت
بمساعدتي وشريكتي في التفكير والكتابة شيماء بن شعبان وهي بالمناسبة كاتبة
مسرح
وسينما، وقررنا أن ننزل نحن أيضا للشارع ولكن ليس لشوارع العاصمة وإنما
شوارع سيدي
بوزيد والقصرين وسليانة معقل الثورة أين حدث كل شيء، هناك أين
اندلعت الشرارات
الأولى للثورة الشعبية، ذهبنا إلى هناك بفكرة واحدة لسيناريو فيلم، أو ربما
كنّا
حذرين ألاّ نقع في الإثارة وأن نبتعد عن القيام بما فعله غيرنا أي ألاّ
يكون عملنا
مشابها أو مطابقا لما يتمّ إنجازه.
كنّا هناك في شوارع تلك المدن، تحدثنا
للشباب، للشيوخ وللأطفال، تحدثنا للمتظاهرين الغاضبين وإلى
العاطلين وللنساء
العاملات... ولكن في لحظة وضعنا القدر أمام موعد مع التاريخ حين التقينا
محمد
الطاهر الخضراوي في قلب مدينة القصرين. احتسينا قهوة معا ثم غادرنا، ونحن
متأكدون
أننا حصلنا على السيناريو الذي نبحث عنه، لقد كان ذلك واضحا
جدا.
"المعارض"
كان
هنا، مقاربتنا للفيلم كانت تقريبا هنا، كنا نريد صناعة شريط وثائقي يكون
وثيقة
تاريخية حية أي أن يكون جزءا من الأرشيف. إذن كان واضحا منذ
البداية تلك الرغبة في
تقديم سيناريو مغاير، عملية توثيق حقيقية، مع المحافظة على جزء من تاريخ
الثورة
التونسية.
·
من "صابة فلوس" حتى "صباط العيد"
عملان روائيان في 6 سنوات، وبالمقابل
عدد هام من الأعمال الوثائقية، هل يعود ذلك لمشاكل إنتاجية أم
أنك تميل أكثر
لصناعة الأفلام الوثائقية؟
لا يوجد فرق بالنسبة لي في تعاملي مع الصورة
بين الأعمال الروائية والأعمال الوثائقية وحتى الصور المتحركة
لأن طبيعة الموضوع
الذي أطرحه والذي يفرض علي نفسه هو الذي يوجهني نحو هذا النوع من الكتابة
السينمائية أو ذاك. أسعى في تعاملي مع الفلم الروائي إلى ترجمة "واقعية"
شخصيات
العمل من الناحية النفسية والاجتماعية وحتى التاريخية أكثر ما يمكن وفي
أفلامي
الوثائقية أنطلق دائما من واقع الشخصيات والموضوع المطروح
ولكني أحاول أن أغوص في
أبعادها الذاتية إلى أقصى حد لدرجة الوصول إلى بعدها الموضوعي، الإنساني
والروائي.
إذن ليس لي ميول خاصة إلى الأعمال
الوثائقية ولكن ربما تكون خصوصية الوضع الاجتماعي
والسياسي في تونس هي التي جعلتني أختار هذه الكتابة التسجيلية
بالنسبة إلى فيلم "المعارض"
لدقة وآنية وقوة الصورة من جهة ولأهميتها في توثيق تاريخ الثورة التونسية
من جهة أخرى.
·
إذن ثمّة مشاكل أخرى أمام
الإنتاج السينمائي في تونس؟
لكن هذا لا يمنع أنني ربما أؤجل أحيانا التوجه إلى العمل الروائي
لمعاناة قطاع
الإنتاج السينمائي في تونس من مشاكل كبيرة وكبيرة جدا تجعل إنجاز الأفلام
من قبيل
المغامرة والمجازفة وتضيق الكثير من مجال الخلق والإبداع باعتبار حاجة
العمل إلى
إمكانيات أكثر، مادية وتقنية تفتقر إليها اليوم السينما
التونسية ربما أكثر من
الماضي لتردي أوضاعها وهذا يعود إلى أسباب متعددة ومترابطة في الحقيقة تعود
فيها
المسؤولية إلى المنتجين وتردي مستوى التقنيين لضعف التكوين السينمائي
ومشكلة توزيع
الأفلام وأزمة غلق قاعات السينما وافتقاد وزارة الثقافة لرؤية
بناءة ومتكاملة
للقطاع لا تتوقف عند "ظروف الدعم". كل هذه الظروف عشتها مع تجربة فيلم
"صابة فلوس"
ولا أزال أعيشها اليوم مع فيلمي الروائي الجديد "صباط العيد" المفترض
إنهائه في
مارس 2012. ففي هذا الفيلم مثلا، ولترجمة الحلم رأيت استعمال الصور
المتحركة
D2
في
بعض المشاهد ولكن قلة تجربة التقنيين في هذا المجال في تونس جعلت انجاز هذه
الصور
يأخذ العديد من الأشهر في حين أن صناعة هذه الصور أصبحت في العديد من الدول
الأخرى
أمرا متداولا سريع الانجاز!
·
وهل عدلت عن فكرة إنجاز الشريط؟
لا طبعا،
هذا لن يثني عزمي عن انجاز أفلام روائية، وأنا فعلا بصدد العمل على سيناريو
لشريط
سينمائي طويل سأقوم بتقديمه في غضون السنة الحالية، كما أن الأمل في إصلاح
قطاع
السينما والعمل على ذلك مع زملائي السينمائيين لا يزال قائما
ولقد قمنا بالفعل
بالخطوات الأولى في هذا الاتجاه من خلال إنشاء المركز الوطني للسينما
والصورة ولكن
هذا يبقى غير كاف والإصلاحات التفصيلية لابدّ أن تتواصل ولا تبقى مجرد
إعلانات
عابرة عن نوايا حسنة.
·
قدمت
أعمالا خاصة بـ "الجزيرة وثائقية" تتسم بغوصها في عمق الذات
البشرية، ولكن أين
الخصوصية التونسية في أعمالك؟
في كل أفلامي لا أفكر بالمرة في الخصوصية
التونسية ولا الصورة الحقيقية لتونس بل إنني أبحث عن الإنسان
وتجربة الإنسان. لذلك
لم أقتصر في أعمالي الوثائقية والروائية على التصوير في تونس وإنما حملت
أفكاري
وكاميرا التصوير ورحت أسجل الواقع والوقائع حول هذه الشخصية أو تلك في
بيئات
متنوعة، في جبال "حراز" باليمن، في بوابة الصحراء الجزائرية
"بسكرة"، في القرى
التونسية الصغيرة، في جنوب ايطاليا وفي جزر موريتانيا وغيرها
وذلك سعيا مني لتذليل
فارق الجهل بالآخر، لتغليب التعرف عليه في خصوصياته كفرد وفي عالميته
كانسان.
·
تأسيسك
وإشرافك على "ليالي السينما بنابل" والذي تحول إلى مهرجان مغاربي للسينما،
هل يتنزل
في إطار رغبتك في حضور دائم للسينما خارج مركزية العاصمة، أم ثمة غايات
أخرى؟
تجدر الإشارة أولا إلى أنّ الانطلاقة كانت بتأسيسي لجمعية "أحباء
السينما بنابل" سنة 2005 وهي التي قامت من جملة أنشطتها السينمائية، ببعث
مهرجان "ليالي
السينما بنابل" الذي انعقد في دورته الأولى سنة 2006. وانطلق تأسيس هذا
المهرجان من إيماني بضرورة العطاء لمدينتي ولأهالي مدينتي "نابل" في إطار
العمل
الجمعياتي والعطاء لفائدة المصلحة العامة ككل من خلال إحياء ونشر الثقافة
السينمائية التي تقلصت تماما في الجهة وفي تونس ككل. وأريد هنا
توضيح أن هذا الحس
بضرورة العمل لفائدة المجموعة قد تولد عندي في السنوات الأخيرة خاصة بعد
ذهابي إلى
اليابان سنة 2004 حيث عشت قرابة النصف سنة بمناسبة تصويري لفيلمي الوثائقي
"المنطاد"، أين رأيت أن الجميع ينشط، إلى جانب عمله الخاص داخل جمعية،
لان ذلك يمثل
لديهم كما قيل لي واجبا، فإن كان الواحد يهب كل الوقت لنفسه فكيف لا يهب
الياباني
بعض الساعات من العمل التطوعي! رأيت وسمعت ذلك وانبهرت وقررت منذ رجوعي إلى
تونس أن
أعطي بدوري القليل لنابل ولتونس. كما أن الهدف من بعث مهرجان سينمائي بنابل
له
أهداف مهنية إذ أنه يمثل إطارا جديدا نسعى من خلاله إلى
التعريف بالتجارب
السينمائية المغاربية وكذلك العالمية وإلى خلق سوق للأفلام والسينمائيين
المغاربة
بالخصوص لإيجاد قنوات جديدة للتوزيع باعتبار أن القطاع يشكو في كل هذه
البلدان من
مشاكل التوزيع التي تؤدي إلى الانغلاق وتقلص حجم الأفلام
المنتجة.
مهرجان "ليالي
السينما بنابل" قد اتخذ منذ دورته الثالثة، التي تم تنظيمها من 07 إلى 11
سبتمبر 2011، وجهته أو صيغته النهائية وهي الصيغة المغاربية فأصبح يسمى من
هنا
فصاعدا "مهرجان الفلم المغاربي بنابل". هذا المهرجان يقوم
بالإشراف على تنظيمه
الثنائي أنيس الأسود بوصفه المدير الفني للمهرجان وشامة بن شعبان بوصفها
الأمينة
العامة للمهرجان. وهذا المهرجان ينتظم بنابل وموجه إلى أهالي نابل ولكنه
ليس مجرد
مهرجان جهوي بل هو مهرجان تونسي، إقليمي (المغرب الكبير)
ومنفتح على سينما العالم.
·
وهل حقق المهرجان غاياته التي
رسمت
له؟
الدورة الثالثة للمهرجان حققت نجاحا كبيرا وتركت انطباعا جيدا جدا لدى
الجمهور
ولدى النقاد والسينمائيين التونسيين والمغاربيين والأوربيين. "مهرجان الفلم
المغاربي بنابل" فرض نفسه على ساحة المهرجانات السينمائية وقد مكن بالفعل
بالرغم من
صغر سنه من إعطاء فرص تبادل أدت إلى تجارب عمل حقيقية سواء بخصوص الإنتاج
المشترك
أو توزيع الأفلام بالمهرجانات المغاربية أو العالمية.
وبالمناسبة الدورة القادمة
"لمهرجان الفلم المغاربي بنابل" ستنعقد في شهر أكتوبر / تشرين الأول
2012.
الجزيرة الوثائقية في
09/02/2012
"ستو زاد: العشق الأول" و"الحوض الخامس"
أمير العمري
من الأفلام التسجيلية التي ظهرت أخيرا وأثارت
الاهتمام الفيلم المصري "ستو زاد: العشق الأول" للمخرجة الشابة
هبة يسري، والفيلم
اللبناني "الحوض الخامس" للمخرج سيمون الهبر. وقد شهد مهرجان دبي السينمائي
عرض
الفيلمين للمرة الأولى.
ولعل القاسم المشترك بين الفيلمين يتمثل في أن كليهما
ينحو ناحية الرؤية الذاتية، أي أن كلا من مخرجي الفيلمين يسعى إلى تقديم
رؤيته
الشخصية الخاصة للحدث أو بالأحرى، للشخصية التي يدور حولها
فيلمه، متطلعا إلى
الماضي من منظور اليوم، محاولا فهم الماضي الذي كان في ضوء الحاضر، أو
العودة إلى
الماضي من أجل استلهام الدروس المستفادة من التجربة الماضية.
الفيلم الأول "ستو
زاد" هو الرؤية الشخصية الخاصة لمخرجته هبة يسري لجدتها
المطربة الشهيرة شهرزاد
التي تألقت كثيرا في الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
وشهرزاد التي
لاتزال على قيد الحياة، بعد أن أصبحت طاعنة في السن، لاتزال، كما نكتشف من
خلال هذا
الفيلم، تتمتع بذاكرة مدهشة، وقدرة هائلة على الحديث والتذكر والحكي بل
والغناء
أيضا!
كان صوتها الذهبي أسطورة جعلت أم كلثوم وهي في عز مجدها، تعترف به
وتقر
علانية بموهبة المطربة الشابة الجميلة التي كانت تتميز بصوت أوبرالي
(سوبرانو) تألق
في الغناء العربي من خلال أغانيها الشهيرة.
تجمع المخرجة مادة وثائقية جيدة جدا،
وتجري الكثير من المقابلات مع عدد من الشخصيات التي عايشت
شهرزاد وأهم هذه الشخصيات
بلا شك والد المخرجة وابن شهرزاد، الذي يروي ويتحفظ ويعترض ويتناقض مع نفسه
كاشفا
الكثير من عقلية ما يسمى بـ"الرجل الشرقي"، أي ابن الطبقة الوسطى الخاضع
لقيم
المحافظة الذي وجد نفسه في بؤرة الأضواء بسبب شهرة والدته، التي أصبح
يرفضها اليوم
(بأثر
رجعي!).. وصديقه الذي يطلق عليه "الشيخ"، ووالده الذي لعب دورا عظيما في
الوقوف بجانب شهرزاد التي أحبها وتزوجها.. ولكن الأكثر بروزا في الفيلم تلك
الحوارات التي لا تهدأ بين هبة وجدتها شهرزاد، وكأن هبة نفسها
تحاول ان تفهم كيف
تمكنت هذه المرأة في الماضي من أن تعبر عن موهبتها بكل تلك القوة والصرامة،
وهل كان
مجتمع الأمس أكثر تقدما من مجتمع اليوم، في حين أننا قطعنا كل تلك الرحلة
الطويلة
في اتجاه تحرير النظرة الى الفنون وخصوصا فن الغناء، أو كما
نتخيل!
أؤكد أن
المادة التسجيلية والوثائقية التي صورتها أو حصلت عليها هبة يسري كانت
كفيلة لو
أحسنت استخدامها، بصنع فيلم بديع، يبقى في القلوب والعقول طويلا.
لكن مشكلة هذا الفيلم
(وهي
مشكلة واضحة في أفلام تسجيلية كثيرة) أنه يخلط أولا، بين الريبورتاج
التليفزيوني، وبين السينما التسجيلية، كما يعاني من الاستطرادات والثرثرة
واللف
والدوران حول الفكرة وتكرارها.
وهنا يجب أن ننتبه لفكرة أن الفيلم، أي فيلم، يجب
أن يأتي في سياق درامي أو قصصي أي فيه من خيال المخرج بقدر ما فيه من
واقعية
الوثيقة وقوتها ودلالاتها. وهو ما لم تنجح فيه المخرجة هبة
يسري بكل أسف.
إنها
تضل وتتوه داخل تلافيف وتجاويف تلك الحوارات الطويلة المرهقة المضنية، وتصر
على
الظهور في الفيلم امام الكاميرا، وتقاطع، وتصرخ كثيرا في حين أن صوتها لا
يساعدها
بل ولا يبدو أن المتفرج يمكنه أن يتحمله بسبب ضعفه الواضح الذي
ينتج عنه عدم قدرتها
على الحديث بسلاسة فتصرخ ويعلو صوتها كثيرا وتصبح تلك الحوارات التي كان
يمكن أن
تكشف الكثير، عبئا على الفيلم بدلا من أن تساعد على الكشف عن الجوانب
المختلفة في
الشخصية التي نحن بصددها.
الجانب الآخر كما أشرت يتمثل في غياب السياق الذي
يتدخل فيه نوع من "الخيال" من جانب المخرجة. فقد كان يتعين عليها أن تعرف
ماذا
تريد؟ وكيف ستحكي قصة علاقتها بهذه الشخصية الطاغية، أي شخصية الجدة
الشهيرة، وأين
تبدأ وأين تنتهي، وأين هي اللحظات الأكثر قوة في الفيلم التي
يجب أن تصل اليها ذروة
الفيلم (الدرامية).. لكنها فوتت الاستفادة من تلك الذروة بل وقضت في مشاهد
أخرى على
ما كان ينتظره المتفرج بشوق بالغ، ولم تنجح حتى في استخدام الأغاني في
موضعها
الصحيح، واستعانت بأغان معينة مأخوذة من تسجيلات تليفزيونية
لحفلات شهرزاد وكررت
استخدامها في حين أغفلت حتى الاستعانة بأغان أهم وأشهر واكثر قوة وتعبيرا
وردت
اشارات كثيرة في الفيلم اليها، واختارت أن تقفل الفيلم دون اشباع ودون أن
نفهم ما
الذي كانت تود الوصول اليه من هذه الرحلة داخل ذاكرة الجدة
العجوز
المتألقة.
والمشكلة في النهاية هي مشكلة اختيار، وسياق، وايقاع. وجزء من هذه
المشكلة يأتي من فكرة الاعجاب بكل ما تم الحصول عليه أو تصويره من مادة،
والرغبة
بالتالي، في وضعه كله في الفيلم دون سياق واضح، وتقطيع
المقابلات المسجلة والمصورة
بنوع من التشوش والاضطراب في توزيعها على مسار الفيلم.
والنتيجة أننا أمام مادة
خام مثيرة شديدة الخصوصية، لكنها كانت بالتأكيد، في حاجة إلى
إعادة عمل المونتاج
لها، لكي يصبح لدينا فيلم متقن له نسق وسياق، ومنهج في الكشف عن الجوانب
المختلفة
في الشخصية، بدلا من هذا الحشد العشوائي الذي لا يبقى منه الكثير في
النهاية بكل
أسف!
أما فيلم "الحوض الخامس" فهو
على النقيض، فيلم يستمد مادته من موضوع قد يبدو ثقيلا جافا لا
يثير الخيال كثيرا،
لكن مخرجه ينجح في استخراج اللحظات الشعرية الكامنة فيه ببراعة، والخروج من
المحيط
الضيق للفيلم الذي يتعلق بالعودة الى عالم والده، سائق الشاحنة الذي كان
يعمل بنشاط
ابان الحرب الأهلية اللبنانية في سبعينيات القرن الماضي، لكي
يروي دون أي تعليق من
جانبه، ودون كثير من الشروح والأرقام والتواريخ والوثائق، كيف كانت مجموعة
من أبناء
الطبقة الكادحة، من سائقي الشاحنات، تفكر وتتحاور وتتعايش معا، من
الجانبين،
المسلمين والمسيحيين، وكيف تمكنوا من البقاء، ومن الالتفاف حول
المخاطر ونجحوا في
البقاء معا والاحتفاظ بالرفقة الجميلة في زمن ماتت فيه الكثير من القيم.
من
بيروت الى الريف اللبناني، الى لحظات تتوقف فيها الكاميرا أعلى ربوة تطل
على سهل،
وتتأمل في الأماكن التي شهدت الأحداث، على صوت الأب- الراوي، أو لقطات
بيروت في
المساء قبيل الغروب، والشاحنات تقطع الطرق، ليس من خلال لقطات
تسجيلية بل لقطات حية
مصورة في الزمن المضارع لأناس مازالوا يعملون.
"الحوض
الخامس" قطعة سينمائية
بديعة، تمتلك ايقاعا خاصا، فيه الكثير من لحظات التأمل الشاعري والحزن
النبيل، ولكن
من دون مبالغة أو افتعال، وبعيدا عن كل النبرات العالية والمشاهد المباشرة
الفجة.
وهذا هو سر جماله.
الجزيرة الوثائقية في
09/02/2012
الوثائقي باعتياره تعبيرا جماليا تواجه أزمات العالم
طاهر علوان
تتحرك الحياة وتتحرك الصورة في موازاتها ، كلاهما
يسير الى غايته وكلاهما يحمل كائناته وقصصه وافكاره وتحولاته وكلاهما يصنع
منظومته
الجمالية الخاصة به.
من هذا تستمر الرحلة التي قوامها منظومة الصورة / الحياة
ومما تتكون ؟؟ ما أنساقها وما توجهاتها وما هو محمولها الحكائي ولعل هذا
العنصر
الأخير ، ذلك المحمول الحكائي الأكثر واقعية هو الذي أجج تلك الفاعلية في
الصورة
الوثائقية وفتح آفاقا واسعة لفهمها على أنها منظومة جمالية
تتصدى للأزمات وتحقق تلك
الموازنة بين الواقع والشكل الجمالي للفيلم الوثائقي والحال أن السينما لا
تقتصر
جمالياتها على الفيلم الروائي الطويل او أية أنوع فيلمية أخرى بل ان الفيلم
الوثائقي يدخل تلك الدائرة في استناده الى تلك المنظومة
الجمالية .
وعلى هذا
ستسير الصورة السينمائية قدما وهي تتفاعل مع الواقع / الحياة وأزماتها
المتعددة في
تلك السيرة الشائقة التي تحدث عنها المخرج الشهير المؤسس "جون جريرسون"
بأنها
المعالجة الخلاقة للواقع، لكن ذلك الفهم سيتسع الى إعادة قراءة الجماليات
باتجاه
الجماليات البكر التي ظهرت أولا في شكلين هما التفاعل مع واقع معاش وإعادة
إنتاج
الواقع كما في سلسة من الأعمال الوثائقية التجريبية
الصورة / الحياة مفهوم
جمالي ودلالة تعبيرية تتسع لتشمل كما كبيرا من الأعمال الوثائقية اللاحقة
يذهب (تشارلي كيل) الى قراءتها بأنها " ذلك البحث
المتواصل عن الشكل الفيلمي الذي يحافظ
على الصورة / الوثيقة وعلى ارتباطها بواقع يتغير في كل لحظة "
. في فيلمه 4horsmen
للمخرج روس اشكروفت الذي عرض وشارك في
المسابقة الرسمية لمهرجان امستردام السينمائي
الدولي في دورته الأخيرة ينطلق المخرج من مفهوم "ان تفهم شيئا
معناه ان تتحرر منه
"
وبهذا المعنى كانت المنظومة الجمالية ومتنها الحكائي للفيلم تعيد
الينا اشكاليات
متفجرة تتعلق بأزمات العالم ، بالأزمة الاقتصادية العالمية التي تعصف
بالعالم
اليوم، اشكروفت القادم من خلفية اقتصادية واكاديمية يمضي في فلسفة الواقع
وصنع
منظومة حكاية وثائقية مكتنزة بالحقائق فهو يتنقل بين شتى وسائل
التعبير لإيصال
المعنى ، ويكثف ذلك الكم الهائل من المعلومات الاقتصادية والحسابية ويعيد
إنتاجها
وصياغتها للوصول المنظومة حكائية تثير سؤالا واحدا مهما ومتفجرا يتلخص في
:" هل نحن
في ازمة؟" وان كنا كذلك فما هي حدود الأزمة وما هو مداها ؟ بالطبع هنالك كم
كبير من
القصص الصحافية التي تضخها وسائل الإعلام بشكل شبه يومي لكن القصة بالنسبة
الى
اشكروفت تقرأ الواقع من الداخل من تلك الحقيقة غير المرئية ،
الملتبسة والتي هي
اقرب الى لغة الاقتصاديين وأرباب البنوك والفوائد والمضاربات والأسهم
.
سرني أني
حضرت الندوة التي أقيمت مع اشكروفت يوم 21 نوفمبر من العام الماضي ضمن
وقائع مهرجان
امستردام ولفت انتباهي ذلك الكم من السخرية التي يشعر بها وهو يقرع اجراس
الإنذار
والخطر من خلال تغلغله في ذلك الموضوع الشائك والمعقد .
الفيلم الوثائقي الذي
صنعه اشكروفت يتمثل تماما المدخل النظري الذي بدأته في هذه المقالة من خلال
سلسلة
من المقاربات الملفتة للنظر التي أراد من خلالها السعي للإحاطة بموضوع شائك
ومتشعب
ومتغير وهو يتداخل مع حياة الأفراد ومع حياة المجتمعات ومع
المستقبل والواقع الذي
بدأ ينفتح على المجهول .
ذلك القلق المستشري الذي تفيض به كلمات المتحدثين في
الفيلم يرافقه رسم جمالي للموضوع يجعل من المادة الفيلمية ذات الطابع
الاقتصادي
والعلمي الخالص مادة يمكن الاستمتاع بإعادة قراءتها سعيا الى
محاولة فهمها وسعيا
لأن يكون الفرد / المشاهد طرفا في الجدل او النقاش او السجال الدائر حول
هذه
التحديات مجتمعة ولهذا فإن الإشكالية التي يطرحها هذا الفيلم فيما يخص
قراءتنا
وتحليلنا للفيلم الوثائقي تكمن في اثارة تساؤلات منها : كيف
يمكن ان نصل الى الشكل
الفيلمي الوثائقي الذي يحافظ على جمالية الصورة في الوقت الذي يغوص فيه
عميقا في
الواقع ويعيد إنتاجه وكيف يمكن الحفاظ على جماليات ذلك الواقع ومعطياته في
مسار
الفيلم الوثائقي وهو يصنع منظومته الحكائية الخالصة ؟.
لعل هذه المعطيات هي
التي شكلت معيارا مهما في صناعة هذا الفيلم الذي بدأ عرضه في الصالات
السينمائية
ابتداء من هذا العام 2012 واعتقد انه من المهم بل والضروري أن يهتم
بمشاهدته كل من
يهمه معرفة ما يجري حوله من تفاقم للأزمات الاقتصادية لأسباب عدة منها ان
الفيلم
يقدم حصيلة معرفية غزيرة وانه يغوص في حقائق غير معلنة وبعضها
غير معروفة حيثياته
وجذوره وهو ما توسع فيه المخرج في ندوة مهرجان امستردام مؤكدا انه عمل
مستقل تماما .
لا يكفي القول إن الاقتصادات العالمية الكبرى كثيرا ما تردد انها بسبب
تلك
الأزمات انها على "حافة الهاوية " كما حصل مع اليونان مثلا لكن القصة هنا
هي
الإجابة عن سؤال من هو المستفيد من هذه الأزمات الاقتصادية الكارثية التي
تضرب
الفقراء اولا وفي الحقيقة ان الفيلم يعلنها بوضوح انهم اولئك
الجشعين الذين ظلوا
يركضون لاهثين وراء المزيد والمزيد من الجشع والفوائد وخاصة اساطين البنوك
العالمية
الكبرى وشبكات الضغط والمصالح الرأسمالية العولمية
.
يسعى الفيلم الى مطالبة
الجميع بخلاصات منطقية لما جرى ويجري تفاديا لتفاقم الأزمات .
عمد المخرج من
جانب آخر الى الخوض في اشكاليات الاقتصاد وازماته الى خطاب مشترك لغرض
ايصال رسالته
الى اوسع ما يمكن من المتلقين وكان حذرا بما فيه الكفاية من الوقوع في
دائرة
التجريد والمعلومات النظرية الخالصة ولهذا كان يتنقل بين أكثر
من مقترب بصري لغرض
منح الفيلم وموضوعه الحيوية التي يتطلبها
.
ولعل من العناصر الجمالية
الأخرى في الفيلم هي الطريقة التي تم فيها ضخ المعلومات التي
حملت في سياق المشاهد
الفيلمية اذ ناور الفيلم بما فيه الكفاية لغرض الوصول الى غايته
.
وبالرغم من ان
المعالجة الفيلمية اتجهت الى الوسيلة او الأداة التقليدية وهي "المقابلات
المباشرة "
الا ان هذا العنصر الفاعل والمهم في الفيلم الوثائقي خرج عن اطار ودائرة
الرتابة
في ضخ المعلومات الى مواجهة مع اكثر من 20 خبيرا وعالما هم من عمالقة الفكر
والاقتصاد والفلسفة والعلوم السياسية وكل منهم كانت له قراءته
الخاصة لأوجه تلك
العاصفة .
الفيلم لجأ الى الرسوم المتحركة والصوت الخارجي
voice over
ولجأ
للوثائق والى صور من الحياة اليومية ونشرات الأخبار في كم كثيف متشعب دون
ان يتسرب
الملل الى المشاهد وهو يتابع تلك التراجيديا التي أكدت حقيقة أن الفيلم
الوثائقي
بمحموله الفكري والجمالي يصنع بناه الحكائية والقصصية المختلفة
التي تتجاوز الفهم
التقليدي لشكل الفيلم الى شكل اكثر جمالية وتعبيرا.
الجزيرة الوثائقية في
09/02/2012
فيلم "كريم" : عندما يغني أطفال الشوارع
صفاء الليثى
عندما تم اختيار كمال الجنزورى ليكون رئيسا
للوزراء فى مصر خلفا لعصام شرف عارض القرار ثوار التحرير بشدة،
واعتصم عدد من
النشطاء لمنعه من القيام بعمله فى مقر الوزارة الذى يجاور مقر مجلس الشعب
المصرى فى
شوارع ممتدة من ميدان التحرير بالقاهرة. رفض الثوار أن يكون أحد رموز
النظام السابق
على رأس وزارة بعد ثورتهم. وفى تعليقه على أحداث مجلس الوزراء وشارع محمد
محمود
وبينما كانت بعض الصور تُبث فى مؤتمر صحفى له قال الجنزورى كيف
يكون هناك أطفال فى
الاعتصام، ولماذا لا يبقون فى منازلهم !؟ سخر ناشط سياسى من تعليق الجنزورى
قائلا
ألا يعلم رئيس وزراء مصر أن القاهرة وحدها بها نصف مليون طفل شوارع؟ وأردف
أن هؤلاء
الأطفال شاركوا في الثورة منذ أيامها الأولى بحكم تواجدهم فى
الشارع، فى البداية
كانوا مشاغبين يضايقون الثوار، ثم عندما وجدوا معاملة إنسانية من الثوار
انضموا
إليهم وشاركوهم اعتصاماتهم واحتجاجاتهم.
طبقا لميثاق الأمم المتحدة فالطفل يحسب
حتى سن الثامنة عشر ولكن من نسميهم نحن بأطفال الشوارع يرفضون
أن يحسبوا "عيالا"
ويغضبون من هذه التسمية فمنهم من يعول أمه وأخواته الأصغر، وهم يعتركون
الحياة
ويتنقلون فى أعمال مختلفة حيث ترتبط ظاهرة عمالة الأطفال غالبا بهؤلاء
الأطفال من
اليتامى، ومصر بها أكثر من 2 مليون طفل شوارع –ذكورا وأناثا- ترعى بعضهم
جمعيات
أهلية ومنظمات حقوقية تقوم بتسكينهم ليلا وأحيانا طوال اليوم
فى بيوت مخصصة لذلك.
كما تدربهم على بعض الحرف ليتمكنوا من ممارسة عمل شريف.
الجنزورى الذى عمل
بحكومات ورأس أخرى فى عهد الرئيس السابق لم يدرى بوجودهم، ولم يدرك أن
سياسات
النظام الذى شارك فيه هو السبب فى مأساة وجود هذا العدد منهم
.
المخرج عمرو
الشامى اختار طفل الشارع المراهق "كريم" الذى يبدو أنه على أعتاب الرجولة،
أسنانه
متكسرة، والحزن باد على وجهه رغم محاولته التفكه وممازحة المخرج وصديقه
نادر،
اختاره ليقدم عنه فيلما ضمن مجموعة أفلام عن تأثير الثورة على أفراد من
المجتمع،
يصوره في مكانه بالشارع بجوار مطعم شهير للأكلة السريعة،
بكاميرا حرة تركه ينطلق
بعد أن سأله عن مشاركته بالثورة فيجيب كريم: " لا ما نزلتش، كنت أموت حرامى
مش شهيد "
لم أتعلم من الشارع إلا هذا. حاوره ما بين لحظات قليلة للعمل الذى هو نوع
من
البلطجة بفرض نفسه فى الإشارة والسماح للسيارات بالمرور بعد
التسول منهم، زميله
نادر يأخد النقود ويعطيها له لأن كريم مشغول مع المخرج الذى يدير لقاء معه.
لم يخض
المخرج فى أسباب تدهور الحياة التى يعيشها كريم ولم يشغل باله بذكر
إحصائيات أو
استضافة محللين يشرحون لنا عن طفل الشارع، بل قدمه كصديق وحرص
على أن يسمى الفيلم
باسمه، وأن يستمع إليه تاركا له حرية التصرف بعفوية أمام الكاميرا دون أن
يوجهه أو
يقاطعه بموسيقى تثير التعاطف أو بتعليق يرثى له.
لا رثاء ولكن تعاطف وتفهم.
في 12 دقيقة فقط تجاوز فيلم "كريم" تجارب قدمت سابقا مثل فيلم " الطفل
الشقيان"
للمخرجة ناديا سالم عام 1982 الذى حاز جائزة لجنة التحكيم بمهرجان لايبزج
أعرق
مهرجانات السينما التسجيلية عام 1983، وحصل على جائزة "دون كيشوت" لاتحاد
الجمعيات
السينمائية العالمية FICC،
كان الطفل الشقيان أحد الأفلام الأولى التى تناولت طفل
الشوارع. وبعدها بربع قرن قدمت تهانى راشد فيلمها " البنات دول "عن بنات
الشوارع،
هوجمت في مصر بسبب ما رآه البعض تزييفا لواقع هاته الفتيات اللاتي ظهرن
قويات
وكأنهن لا تعانين أى مشاكل، كما يقال " عايشة حياتها" هكذا
رأتهن المخرجة المصرية
المهاجرة لكندا والبعيدة عن الاحتكاك المباشر بالشعب. عُرض
"البنات دول" فى مهرجان
كان وحصل على عدد من الجوائز منها جائزة مهرجان الإسماعيلية
للسينما التسجيلية
والقصيرة عام 2007.
نعود إلى "كريم" الذى
يغنى أغنية شعبية اشتهرت عن "الخاطية التي تخطت الخمسين،
وتُغرى الشباب لتحصل على
متعتها منهم مستغلة حاجتهم". والأغنية نوع يعرف بمصر بأغانى الميكروباس
لصاحبها
المطرب الشعبى محمد رجب غير المعتمد من الإذاعة المصرية وانتشرت على مواقع
الشبكات
الاجتماعية وحظيت باهتمام طبقات متنوعة من شباب مصر. فى فيلم
" كريم" وبدون ثرثرة
يُظهر المخرج أن الثورة لم تحل مشاكل كريم ورفاقه بعد. فهم تربوا ليكونوا
سارقين
ونصابين صغار، يحتاجون جهدا أكبر من مجرد منحهم قميصا أبيض عليه شعار " إيد
فى إيد/
نبنى مصر من جديد" على ظهره، وشعار
اليونيسف على صدره. القميص كان متسخا على صديق
لكريم لم يتوقف عنده المخرج، وناصع البياض على كريم الذى ردد
بصعوبة اسم "
اليونيسيف" منظمة الأطفال التى تتبع الأمم المتحدة ومن المفترض أن تقوم
بدور ما
ليعيش "كريم " طفولته " كأى طفل آخر . يردد كريم أغنيته الوحيدة بحرقة
مجرب: "اوعى
تكون فاكر انك قادر على كيد النساء، ولا شقاوتك تقدر على كيد النساء"
فالابن الذى
غالبا بدون أب شرعى يضع جُل غضبه على النساء ويكمل غناءه " كيدهن عظيم
ومذكورة فى
القرآن ". يبتسم كريم للمخرج ابتسامة حزينة وكأنه يريد أن يشاركه حلمه
ويقول: بطلت
السجاير علشان أعرف أغنى.
الفيلم من إخراج ومونتاج عمرو الشامى، إشراف منى ربيع
جون نويل كريستيانى، ديفيد ترتياكوف ومن إنتاج سمات ضمن تسعة أفلام تتحدث
عن تأثير
الثورة المصرية 25 يناير 2011 على أفراد من شرائح عدة بالمجتمع المصرى.
الجزيرة الوثائقية في
09/02/2012 |