انشغلتُ عن نوازع الحقد على هانى سلامة وقد تكأكأت عليه ثلاث فتيات
جميلات فى فيلم "واحد صحيح" بسؤال طاردنى طوال فترة المشاهدة هو: إذا كان
تامر حبيب، مؤلف الفيلم، قادراً على صنع هذه الدراما التى تدور حول نفسها
فلماذا لم يقدّمها فى مسلسل مصرى فى 30 حلقة؟
وتولّد من هذا السؤال سؤال آخر هو: تُرى ما الذى يدفع المشاهد الى
النزول من بيته لمشاهدة دراما اجتماعية رومانسية تقدمها المسلسلات
الأمريكية والتركية والمكسيكية والمصرية والشامية يومياً فى منزله، بنفس
الصورة اللامعة المصقولة، وبنفس فكرة الجرئ والجميلات وعذاب الحب رغم
ابتسامات الشفاه؟
هنا تكمن مشكلة فيلم "واحد صحيح" الذى افتتح الموسم السينمائى فى
الصالات المصرية لعام 2012، والذى أخرجه هادى الباجورى فى أول أفلامه
الروائية الطويلة، والفيلم أيضاً قام بتمثيل مصر فى المسابقة الرسمية
لمهرجان دبى السينمائى فى دورته الأخيرة.
الدراما فى "واحد صحيح" ليس مأزقها فى هذا العالم المخملى حيث يتفرغ
الناس للحب، ولا فى هذه الناس "المرتاحة" فى مجتمع متعب، ولا فى تلك
التليفونات البيضاء وبحار النور التى تسبح فيها الشخصيات، المأزق فى أن هذا
العالم أصبح ميدانا لأوبرات الصابون التليفزيونية، ويحتاج الى جهد استثنائى
لكى تذهب إليه فى الصالات.
عن مؤسسة الزواج
فى واحد صحيح كل كليشيهات هذا اللون، وكل سمات تلك الحواديت
"الملتوتة" التى تعيد وتزيد وتبدأ من حيث تنتهى: عدد كبير من الشخصيات،
بناء دائرى يتسع لعدد ضخم من التوافيق والتباديل والعلاقات، شخصيات مُغلقة
على نفسها ومُغلقة على مشاعرها، دوائر متحركة لا خطوط صاعدة، نهايات مفتوحة
على بدايات جديدة، حوارات ومونولوجات، صورة لامعة مغسولة بالنور ومتناقضة
مع شخصيات مأزومة، تفاصيل التفاصيل عن الأشياء والمشاعر.
تامر حبيب سيناريست موهوب جداً فى هذا النوع من الدراما، وهو فى
الحقيقة لا يشتغل إلا على ثلاثة أفكار: الأولى هى ثنائية الحب والصداقة بين
الرجل والمرأة، والثانية هى فكرة الحب من طرف واحد، والثالثة هى ميل الرجل
الى التعددية فى علاقته مع الجنس الآخر لأن "امرأة واحدة لا تكفى"، وهو
بالمناسبة عنوان فيلم شهير من بطولة الراحل أحمد زكى.
قد تتم معالجة تلك الأفكار معا بصورة ناضجة توسع الدائرة لتنتقد مؤسسة
الزواج فى المجتمع الشرقى، فنحصل على فيلم قوى ومتماسك مثل "سهر الليالى"،
أو قد تتم بصورة مرحة ظريفة فنجد فيلما كوميدياً رومانسياً جيداً مثل "حب
البنات"، ولكن قد ينفتح شلال الدموع وتزيد الجرعة فنتورط فى فيلم
ميلودرامى سخيف مثل "عن العشق والهوى".
ولكن الأفكار الثلاثة تظل حاضرة فى الشخصيات والعلاقات، نستطيع أن
نقول أن تامر حبيب يعيد تقديم عالم إحسان عبد القدوس والشريحة الإجتماعية
التى يتكلم عنها ولكن بعمق أقل وبرومانسية أكثر، إحسان لايحلل فقط المشاعر
الأنثوية بدقة، ولكنه يضع شخصياته وسط سياق اجتماعى أكثر تعقيداً بحيث لا
تبدو معلّقة فى الفراغ أو منعزلة وكأنها داخل معمل للتجارب.
موهوب تامر حبيب بلا شك، ولكن هذه النوعية كما ذكرت تهدّدها مسلسلات
الصابون بكل لغاتها، ومازلنا نتذكر ريدج ومغامراته مع كريستين وبقية
الجميلات فى المسلسل الشهير"الجرئ والجميلات".
هانى سلامة هو الجرئ فى "واحد صحيح"، مهندس ديكور أنيق وثرى ومشهور
ووسيم وعنده صحّة وذائقة نسائية و"يحب نفسه" كما يقول فى أول مشاهد الفيلم،
نرجسى يعشق نفسه كما تعشقه النساء.
عبد الله يونس أو بودى كما تناديه صديقاته نموذج موجود فعلاً فى
الحياة المصرية، ولكن "واحد صحيح" يرتبك فعلاً فى تحديد مشكلته، فهل
المشكلة فى أن "فى كل قصة حب لحظات ألم" كما تقول العبارة المكتوبة
بالإنجليزية على أفيش الفيلم الردئ؟
أم هل المشكلة فى أن الرجل من طراز بودى شخصية تعددية لا تستطيع أن
تكتفى بامرأة واحدة كما يقول السيد بودى نفسه؟
أم أن مشكلة بودى فى أنه فقد الحب الحقيقى الوحيد فى حياته فأصبح يجد
فى هذه العلاقات السريعة نوعاً من العزاء والتسلية الى أن يعود الحب فيعتزل
ويستهدى بالله ؟
الألم في الحب
ما رأيكم فى أن فى السيناريو ما يشير الى المشكلات الثلاث معاً؟!
الألم فى الحب ينتظم كل القصص والعلاقات، فالإنسان لا يستطيع أن يحب اتنين
"علشان مالوش قلبين" على رأى شادية، فإذا كان "ألف" يحب "باء"، وباء مشغول
بـ "جيم" فإن الأطراف الثلاثة تتألم بدرجات مختلفة.
المشكلة الثانية أيضاً قوية وواضحة، بودى يقول بصراحة إنه يريد امرأة
تجمع كل ميزات النساء اللاتى عرفهن :أميرة (كندة علّوش) المرأة المسيحية
التى رفضت أن تتزوجه لاختلاف الديانة، والتى تمنحه الحب، ونادين (بسمة)،
المصوّرة الفوتوغرافية التى تزوجت وأنجبت من فادى صديق بودى الذى لعب دوره
عمرو يوسف، ومع ذلك مازالت تحب صديقها الوسيم، ومازال يرى فيها المرأة التى
تفهمه قبل أن يتكلم.
لدينا أيضاً مريم (الوجه الجديد ياسمين رئيس) المذيعة الرقيقة التى
تصلح أماً نموذجية لأولاد مستر بودى، وأخيراً الدكتورة فريدة (رانيا يوسف)
التى يتحقق معها بودى على مستوى الجسد، وهو أمر بالطبع شديد الأهمية بدون
حسد أو قرّ.
المشكلة الثالثة التى تفسّر أزمة بودى وتعدد علاقاته دون الإمساك
بالسعادة على أنها من توابع قصة حب، موجودة أيضاً ومحورية، فعندما تتجاوب
أميرة معه ينسى فوراً كل النساء، وفى جملة حوار مع فريدة التى اشتكت من
الجفاء يقول لها بودى : "أنا لما باحب ما باخونش"، بل إن بناء الفيلم
بأكمله ومدته الدرامية مركزها ظهور أميرة فى حياة بودى بعد أن انقطعت
أخبارها عنه لمدة عشر سنوات، وأحداث فيلمنا زمنها عام واحد من ظهور أميرة
حتى الإختفاء حيث ستختار حياة الرهبنة لكى تحسم الصراع فى داخلها.
لذلك أقول أن السيناريو مرتبك تماماً فى تحديد أزمة بطله النرجسى
المنغلق على نفسه وعلاقاته، والذى يدور وندور معه حول عذاب الحب، والبحث عن
"واحدة صحيحة" فيها كل النساء، وليس عدة نساء "فكّة "، يأخذ من كل واحدة ما
يريد، ثم يكمله من المرأة الأخرى، أو ندور معه بحثاً عن حب الماضى المفقود
العائد.
تتكاثر الدوائر بدمج التيمات المفضلة التى يشتغل عليها تامر حبيب،
المذيعة مريم مثلا تحب بودى، ولكن زميلها المخرج كريم يحبها، هو يريد تحويل
صداقتهما الى حب، بينما تريد هى أن تفعل نفس الشئ مع بودى.
نفس العلاقة سنجدها بين الثلاثى بودى ونادين وفادى، طليق نادين الذى
انفصل عنها بسبب حبها الذى لم ينته لبودى رغم زواجها وإنجابها.
ربما نجد ثراءً أفضل وإبرازاً للخط الإجتماعى فى شخصيتى فريدة الطبيبة
التى وافقت على الزواج من رجل شاذ (زكى فطين عبد الوهاب) لتصبح أكثر ثراء
وللتخلص من حياتها الفقيرة، وأميرة التى ترك والدها المسيحى دينه للزواج من
امرأة مسلمة أنجب منها (نسمع صوته فقط بأداء محمود حميدة)، ولذلك يتزايد
إحساس أميرة بالأزمة عندما تحب شاباً مسلماً يريد أن يتزوجها.
نموذجان
هنا نموذجان مختلفان حقاً، ولكن بالنظر إلى الارتباك فى فهم أزمة
الشخصية المحورية، وبالنظر الى الحوارات الطويلة والمونولوجات التى نسمعها
من الشخصيات النسائية لتصاحب لقطات أشبه بأغنيات الفيديو كليب، فإن
الشخصيات تبدو كما لو كانت داخل صوبات زجاجية معقمة، يزيد هذا الشعور مع
تلك الأماكن المغلقة التى نتحرك فيها (منازل/ مكاتب/ بارات).
تلعب الأم التى تقود بدورها زيزى البدراوى دوراً فى محاولة فك الدائرة
التى يعيش فيها ابنها الوسيم، بمنطق الأم المصرية تنصح ابنها بأن يجد حضناَ
يمنحه الدفء، هى من أن أنصار أن يختار المذيعة مريم كزوجة.
يوافق كريم بعد اختفاء أميرة من جديد، يتزايد ألم نادين التى ما زالت
تحب بودى رغم أنها تحمست من قبل لاختيار مريم، فى اللحظة الأخيرة يهرب بودى
من الفرح لتنفتح كل الدوائر من جديد.
قد تعود أميرة فى حلقات قادمة الى بودى فيتعلق بها مرة أخرى، وقد
تتزوج مريم من زميلها العاشق الصامت كريم، وقد تتزوج نادين أخيراً من بودى
الذى يعتبرابنتها مثل ابنته، وربما يتزوج فادى من مريم باعتبار أن الإثنين
من ضحايا الحب.
هذا هو البناء المسلسلاتى المفتوج الذى يليق حقاً بأوبرات الصابون
التى تعيد وتزيد وتلف وتدور وتقلب العلاقات وتحافظ دائما على المعادلة
الذهبية: أناقة وجمال، ابتسامة على الوجه، وعذاب فى القلب.
رغم كل ذلك، فإننا يجب ألا نغفل عدة أمور إيجابية جديرة بالتنويه،
فالفيلم من إنتاج كريم السبكى ولكنه بعيد تماماً عن الخلطة السبكية التى
تعتمد على الحرفة فى مستوياتها الرديئة جداً وفى كل العناصر، لدينا أيضاّ
مخرج شاب لديه قدرة على إدارة ممثليه الذين كانوا جميعاً فى أدوارهم
الملائمة، هانى سلامة المناسب تماما لشخصية الدون جوان رغم أنها قريبة من
دوره فى "السلم والثعبان"، بسمة التى قدمت مشهداً مميزاً جداً وهى تعترف
بضعفها لزوجها السابق فادى.
رانيا يوسف التى كانت مقنعة جداً سواء فى صورتها القديمة كبنت بلد
سليطة اللسان حتى مع أمها، أو كطبيبة عملية، أو كعاشقة، أو كأنثى شهوانية.
كندة علوش كانت أيضا شديدة الحساسية فى التعبير عن صراع داخلى لا يتوقف،
حتى ياسمين رئيس كانت مفاجأة جميلة لأنها تؤدى بثقة وكأنها تقف أمام كاميرا
السينما منذ سنوات طويلة. وأثبت عمرو يوسف أيضاً أنه ممثل صاعد يستحق
المتابعة بعد تألقه اللافت فى المسلسل التليفزيونى الرمضانى "المواطن إكس".
هناك فى الحقيقة ما هو أعمق من أداء كل ممثل بمفرده، إنه التعبير
بالنظرات والإيماءات من كل الممثلين رغم الحوار الطويل، وكأنهم يؤدون
مسرحية إيمائية، ثم تلتقط كاميرا هادى كل إيماءة فى لقطة منفصلة.
لكن النور الذى تغرق فيه شخصيات الفيلم (مدير التصوير أحمد المرسى)
جعل الصورة معبّرة عن الجو الخارجى الذى تعيش فيه الشخصيات حيث الديكورات
الفخمة (فراس سعيد)، والموسيقى الأقرب الى الضجيج الصاخب( فهد)، فى حين لم
ينتبه المخرج القادم من عالم الفيديو كليب إلى أن الأهم هو التعبير بشكل
أوضح وأعمق، بالضوء والديكور والموسيقى، عن صراعات شخصياته الداخلية.
فيلم "واحد صحيح" افتقد بوصلته مثل شخصياته، وافتقد الوسيلة التى
تستوعب أكثر لعبة راقص التنورة التى أغرقنا فيها، ذلك أن الحواديت الملتوتة
المتكررة والمغلقة، تبحث أيضا عن منزل مغلق فيه مشاهد متعب ينشد الإسترخاء
والتسلية وهو يأكل ويشاهد فى صندوق صغير، كيف يتعذب رجل وسيم جرئ وسط كل
هذا الحشد من الجميلات الفاتنات.
عين على السينما في
22/01/2012
"عمر وسلمى 3"..
طبعة جديدة من سينما الهزار والفرفشة!
محمود عبد الشكور
إحدى مشكلات الأفلام المصرية الخفيفة فى السنوات القليلة الماضية، عدم
إدراك الفارق بين الدراما الكوميدية التى تحتاج الى بناء وشخصيات وصراع
وابتكار فى الأفكار والمواقف، وسينما الهزار والفرفشة التى لا تحتاج إلا
لورقة وقلم وكوب مُعتبر من الشاى على أى مقهى من مقاهى وسط البلد فى قاهرة
المعز.
قد يرجع عدم الإدراك هذا الى ضعف الحرفة، ولكنه يكون فى أحيان كثيرة
نتيجة للإستسهال، والرغبة فى إنجاز الفيلم بسرعة قبل أن يضيع تأثير الفيلم
السابق، أوربما قبل أن يخفت إشعاع نجومية بطل الفيلم نفسه.
المدهش حقاً أن كتّاب سيناريوهات الفيلم الخفيف الراحلين فى سينما
الأبيض والأسود كانوا يعطون الحرفة حقها فى الأغلب والأعم، لم يكن ينقص على
الزرقانى أو السيد بدير أو أبو السعود الإبيارى القدرة على صنع القفشة
والإفيهات بدليل أننا نحفظ بعضها حتى اليوم، بل لم يكونوا يترددون فى تفصيل
السيناريو على مقاس كوميديان مثل اسماعيل ياسين.
ولكن ذلك لم يجعلهم يتجاهلون الصنعة التى تجعل الفيلم دراما كوميدية
خفيفة وليست مجرد مشاهد ضحك وفرفشة وهزار، مشاهد ظريفة نعم ولكنها أبعد ما
تكون عن معنى الكوميديا ومغزاها.
مناسبة الكلام فيلم جديد من سلسلة أفلام الهزار والفرفشة التى كان
يمكن أن تكون أفضل بكثير مما شاهدناه خاصة مع وجود "القماشة" التى يمكن أن
تصنع كوميديا رومانسية وغنائية جيدة.
بدأ فى الصالات المصرية العرض التجارى لفيلم "عمر وسلمى 3" الذى أخرجه
محمد سامى فى أولى تجاربه الروائية الطويلة، ومن بطولة أحد أنجح أبطال
الأفلام الجديدة من المطربين، تامر حسنى، والفيلم هو الجزء الثالث فى سلسلة
يلعب بطولتها تامر/ عمر، ومى عز الدين/ سلمى.
شد وجذب
موضوع الأفلام الثلاثة علاقة الشد والجذب بين شاب وفتاة من الحب الى
الزواج الى الإنجاب الى الإنفصال ثم العودة. التيمة مشهورة ويمكنها أن تصنع
بارتياح كوميديا خفيفة خاصة أن تامر حسنى الممثل أظرف فعلاً من تامر
المطرب، هو أيضاً على نفس الموجة مع جيل الألفية الثالثة، يضاف الى ذلك
الكيمياء الواضحة بينه وبين ممثلة موهوبة جداً هى مىّ عز الدين.
ولكن حيثيات التفاؤل السابقة تصطدم فى الأجزاء الثلاثة بعنصر هام هو
نجومية تامر التى لا تجعله فقط يكتب بنفسه أفلام السلسلة، بل تجعل
السيناريو الذى يكتبه دائماً أحمد عبد الفتاح، يضع شخصية البطل فى المقدمة،
ثم تأتى البطلة بعد ذلك فى حين تتراجع بقية الشخصيات فيختل البناء بصورة
واضحة.
من السهل جداً أن تلاحظ أن هناك خطوطاً تكتسح خطوطاً أخرى، ومن السهل
أن تكتشف أن مشاهد معينة كُتبت خصيصاً لمجرد أن يقدم تامر مواهبه المتعددة
من الرقص الى الغناء الى الإضحاك الى لعب الكرة الى مغازلة النساء، دون أن
يوظّف كل ذلك فى بناء واحد.
فى الجزء الثالث توجد نفس الملاحظات ولكن (للأمانة) بدرجة أقل من
الجزءين السابقين. نستطيع أن نقول أن هذا الجزء (نسبياً) هو الأظرف ولكنه
مازال ينتمى مع الأسف الى عالم الهزار والفرفشة لا الى عالم الكوميديا بسبب
ثغرات وقفزات واضحة، وبسبب ذوبان عمر فى شخصية تامر المعروفة وليس العكس،
وهى عموما إحدى مشكلات أفلام المطربين قديماً وحديثاً.
فى الجزء الأول كانت المشكلة أن سلمى التى وقعت فى غرام عمر تعانى من
علاقاته النسائية المستمرة، وفى الجزء الثانى يتم الزواج وإنجاب طفلتين،
ومع ذلك يبدو السيناريو حائراً فى تحديد سبب المشاكل بين عمر وسلمى حتى
يستقر على أن المشكلة الكبرى فى أن سلمى أهملت نفسها بعد الزواج، الجزء
الثانى كان نموذجاً للتشوش والفوضى الكاملة، كان واضحاً أن هناك خطوطاً تم
بترها لصالح خطوط أخرى تتيح "استعراض الرجل الواحد" الذى يقوم به البطل
الشاب.
ارتباك
فى "عمر وسلمى 3" نلاحظ نفس الارتباك فى المشاهد الأولى، عمر يشعر
بفتور تجاه سلمى لأسباب متعددة، هى مثلا تطارده وتراقبه، تؤنبه لأنه لا
يعمل ويعتمد على أموال والده، تضبطه وهو يستعيد علاقة عبر الكمبيوتر مع
عشيقة قديمة.
فجأة يستقر السيناريو على شئ جديد وهو أن عمر طلع فى عقله أن يصبح
مطرباً شعبياً لتكتشف أن هذا الخط بأكمله الذى سيشغل مساحة معتبرة من أحداث
البداية لا يستهدف سوى أن يغنى تامر أغنية شعبية!
سيظل هذا الجزء معنا طويلاً ولن نتركه قبل أن نتعرف على شخصية مؤلف
الأغانى الشعبية بيسى النكش (عبد الله مشرف) ، ولأننا لسنا أمام كوميديا
وإنما فى قعدة هزار ينادى عمر بيسى باسمه كممثل معروف (عبد الله مشرف)، بل
يذكّره بدور مماثل له فى فيلم "الكيف"!
قبل أن نظن أن المشكلة فى حكاية الغناء الشعبى التى تكررت الإشارة
إليها فى مشاهد متتالية، يفاجئنا الفيلم بأن سلمى غاضبة تحديداً لأن عمر لا
يعمل اعتماداً على أموال والده رشدى (عزت أبو عوف فى الأجزاء الثلاثة) الذى
يفاجئنا أيضاً بأنه أصبح شخصاً متزناً بعد أن كان عربيدأ مستهتراً فى
الجزءين السابقين.
ينصح رشدى ابنه الشقى بعدم طلاق زوجته، ويوفّر له فرصة لممارسة
البيزنس ولكن عمر يُهدرها، تصمم سلمى على الخُلع نهائياً بمساعدة طفلتيها
فيحدث الإنفصال.
بدلاً من أن يكون الانفصال نهاية للفيلم يصبح بداية له. عمر لا يستطيع
نسيان سلمى، وسلمى تتذكّر عمر، الأول يدّعى أنه خطب فتاة جميلة (لاميتا
فرنجية)، فترد الثانية بالإدعاء بأنها خُطبت لرجل مصارع عملاق (أحمد
تهامى).
انتقلنا من الدوران فى دائرة خلافات عمر وسلمى فى المشاهد الأولى الى
الدوران فى دائرة محاولات عمر استرداد سلمى فى المشاهد التالية مما أعطى
انطباعاً صحيحاً بأن الأحداث لا تتقدم ولكنها تدور حول نفسها.
فى سبيل دفع الأحداث الى الأمام، لجأ الفيلم الى قفزة أكثر من اللازم،
قفزة غرائبية تقريباً عندما يقوم عمر با ختطاف طفلتيه ثم تهديد سلمى وطلب
فدية ثم القيام بضرب أفراد عصابته لإقناع طليقته بأنه أكثر بطولة من
خطيبها العملاق المزعوم.
منذ تلك اللحظة ينفرد تامر حسنى بالساحة بصورة شبه كاملة، لن يظهر
الأب سوى فى مشهد أو مشهدين، سيختفى تماماً بيسى النكش، سيتنكر تامر
وسيقلّد سعيد صالح فى مسرحية العيال كبرت، سيضرب أفراد العصابة بطريقة
ضاحكة لطيفة، يُفترض أن تصدّق سلمى كل هذا الإستعراض الواضح.
فجأة وفى مشهدين فقط سيكشف الفيلم أن الأب وراء كل هذه اللعبة، وراء
حكاية خطيب سلمى المزعوم، ووراء حكاية العصابة المأجورة التى استخدمها عمر
فى الإختطاف، والهدف من كل ذلك أن يعود عمر الى سلمى، وأن يتوب عمر عن
الغناء الشعبى ليعود الى أحضان البيزنس.
لا بأس أبداً من الحبكة ولكن تقديمها بهذه الصورة لم يكن مقنعاً على
الإطلاق ، لماذا؟ لأنها كانت تحتاج الى نسج علاقات معقدة، والى بذر معلومات
منذ البداية، والى إعطاء الأب (بطل اللعبة الحقيقى) مساحة ومشاهد أكثر، بل
إن الأمر كان فى حاجة الى مساحة أكبر لكل من الخطيب العملاق والخطيبة
الجميلة، وربما استدعى الأمر أيضاً إدماج شخصية بيسى ضمن المؤامرة حتى لا
تظل معلّقة فى الفراغ، ولكن كل ذلك سيكون حتماً على حساب تامر/ عمر الذى
يجب أن يستعرض مواهبه.
كنتُ وما زلت أعتقد أن تامر ظريف جداً كممثل، هناك فعلاً مشاهد ضاحكة
قدمها بنجاح مثل مشهد تقليده لكلام سلمى، ومشهد معركته مع رجال العصابة،
ومشهد جلسة قضية الخلع المكتوب بخفة ظل جميلة، ولكن كل ذلك ينطلق من فكرة
الهزار والفرفشة وليس من فكرة صناعة دراما كوميدية.
ليس أدل على ما أقول مثل المشهد المنتظر الذى يظهر فيه عادة محمد
السبكى منتج الفيلم، كان عمر مع لاميتا يحاولان إغاظة سلمى فى النادى، فجأة
يظهر السُبكى كرجل يحاول تحريض سلمى على الإثنين، عندما يراه تامر يخرج من
شخصية عمر ويقول له: "الله يخرب بيتك.. إنت ورايا فى كل فيلم.. ياسُبكى
إنت ما بتعرفش تمثل"، فيرد عليه السبكى: "أنا بامثل بفلوسى.. اللى
بيحاربونى دول من حزب أعداء النجاح".
هنا قعدة هزار على المقهى وليست دراماً كوميدية، لا نستطيع أن نقول
أنها تحية مبتكرة وإنما هى محاولة لتغليب الإفيه على ما عداه تماما مثلما
ذكر تامر اسم عبد الله مشرف صراحة فى مشهد سابق، ومما زاد الموقف سوءاً أن
المخرج محمد سامى القادم من عالم الفيديو كليب بدا شديد الإرتباك فى تجربته
الأولى سواء من حيث حركة الكاميرا أو حجم اللقطات أو ضبط إيقاع المشاهد رغم
وجود مونتير جيد معه هو معتز الكاتب، شاهدنا أكثر من مرة الكاميرا وهى
تقترب ثم تبتعد عن الممثلين دون قطع، وشاهدنا زوايا كاميرا غريبة لا
يحتملها مشهد بسيط الحوار والمعنى.
حتى الأغنيات تم تقديمها على الطريقة "الكليبّاتية" الشهيرة حيث حركة
الكاميرا صعوداً وهبوطاً والمزج العشوائى للقطات والقطع المفاجئ وبلا أى
معنى سوى زغللة الأعين وإرهاق الأبصار.
لم ينقذ كثير من المشاهد إلا هذا الحضور الفائق للثنائى تامر ومىّ،
هناك تآلف حقيقى بين الإثنين ربما بسبب اشتراكهما معاً فى الجزءين السابقين
بالإضافة الى موهبة الإثنين فى الأداء الضاحك، أو نتيجة للصداقة الشخصية
المعروفة.
ربما كان من العناصراللافتة كذلك موسيقى نبيل على ماهر التصويرية التى
حاولت أن تصنع "إفيهات" موسيقية من خلال استدعاء نغمات شهيرة فى مواقف
مضحكة مثل موسيقى فيلم الطيب والشرس والقبيح، وموسيقى مسلسل المال والبنون
التى ألّفها ياسر عبد الرحمن.
لا أريد الإنتقاص من قدرة أحمد عبد الفتاح على كتابة المشاهد الضاحكة
الناجحة، لاشك أنه موهوب فى هذا الأمر، ولكنه لم ينجح فى أن يطوّر هذه
الموهبة فى اتجاه كتابة سيناريو كوميدى كما شرحتُ من قبل.
"عمر وسلمى 3" كان يستحق جهداً أكبر، ولكنه أصبح دليلاً جديداً على أن
الموهبة والنجومية تعمل فى الغالب ضد مصلحة الفيلم بدلا من أن تكون فى
خدمته.
وتلك مشكلة الكثير من الأفلام المصرية عموماً والأفلام الكوميدية
والغنائية على وجه التخصيص.
عين على السينما في
22/01/2012 |