"الموجة الجديدة الفرنسية" التي اعادت صوغ السينما في قوالب تعبير
ومشاعر ومفردات أخرى، ليست أقل من محطة ساطعة في سيرة الفن السابع امتد
تأثيرها الى أكثر من بلد وقارة، عابراً المحيطات والعقائد. على الشاشة:
أبطال فوضويون، طلاب حرية وحبّ، مناضلون من أجل ايجاد بقعة لهم على هذه
الأرض. في الخلف: ثوار يؤمنون بالكاميرا كأمضى الأسلحة في مواجهة الواقع
الذي يطلّ بعد الحرب. هذه الأسماء ذات الشغف تعيد اليها "متروبوليس"
الاعتبار في تظاهرة "وقتٌ للحياة: ثمانية من طليعيّي الموجة الجديدة"،
تفتتح هذا المساء الساعة الثامنة بـ"سيرج الجميل" لكلود شابرول.
ذات مرة في منتصف السبعينات، عندما سُئل لويس بونويل عن "الموجة
الجديدة"، ارتسمت فجأةً علامات الاستغراب على وجهه، واستشاط غضباً، وكأن
العملاق الاسباني لم يسمع بها قطّ في حياته. ثم قال: "لا أعرف ماذا تعني
تلك الكلمة، لكني لم اضحك قط مثلما كنتُ اضحك في المرات التي أقرأ فيها
مقالات مجلة "دفاتر السينما" الناطقة باسم الموجة". هذا التعليق لعله يقول
الكثير. انه يضمر جزءاً من الحقد الذي تراكم عبر السنوات تجاه هذا التيار
السينمائي الذي حرص رواده على قتل "الأب السينمائي" المتمثل في الجيل
السابق. وحين نقول "قتل"، نفهم الضغينة والدم والعنف. هذا تيار يُعتبر، مع
آخرين، هما "التعبيرية الألمانية" و"الواقعية الايطالية الجديدة"، الفيصل
الأهم في تاريخ الفنّ السابع، والنقطة التي تفرعت منها ظواهر سينمائية،
أكثرها مثولاً في ذاكرتنا الى اليوم "هوليوود الجديدة"، ولا ننسى ايضاً ان
"الحمّى" اصابت السينمات في كل من اليابان وبولونيا والمجر والبرازيل
وألمانيا.
عندما هبّت تلك "الموجة" على السينما الفرنسية في السنتين الأخيرتين
من الخمسينات (بعد أربع سنوات على بزوغ "السينما الحرة" في بريطانيا)، كانت
فرنسا تنتج سنوياً نحو مئة فيلم، عشرة أفلام فقط، او اثنا عشر منها، كانت
تسترعي انتباه النقاد والهواة. هذه الأعمال أسست ما سُمّي "تقليد النوعية"،
واستحوذت على اعجاب الصحافة الأجنبية، ودافعت عن العنفوان الوطني والحس
القومي في مهرجاني كانّ والبندقية. جاءت "الموجة" لتحارب ظاهرة "الواقعية
الشعرية" بشراسة. كانوا يؤمنون بأن السينما الفرنسية تنتحل شخصية السينما
الأميركية، ومثالاً على ذلك، "بيبي لو موكو" الذي قلّد "سكارفايس". كانت
أفلام تكسوها غبار الأدب الكثيف وتفوح منها رائحة دهان الاستوديوات. طبعاً،
كان هناك جان رونوار وجان بيار ملفيل وجان كوكتو وآخرون شكلوا دعماً
معنوياً للموجة، حتى قبل اختراع الكلمة وتسميتها بهذا اللقب، وظلّ هؤلاء في
منأى من هجوم "الثوار".
كانت السينما في فرنسا قد تجدّدت خلال الحرب وما بعدها، فتطوّرت نتيجة
ضغط داخلي وبفعل الواقعية النفسية التي حلّت محل "الواقعية الشعرية". أبرز
رواد تلك المرحلة: جان دولانوا الذي اخرج "الأحدب"، وكلود اوتان لارا صاحب
"السمكري المغرم"، وايف اليغريه الذي انجز "علبة الأحلام". كان فرنسوا
تروفو، ذو الـ25 عاماً، يصف هذه الأعمال بالتجارية: "يجب الاعتراف بأن نجاح
هؤلاء السينمائيين او فشلهم مرتبط بالسيناريوات المختارة، ويمكن القول ان
افلاماً كـ"السمفونية الراعوية" و"الشيطان في الجسد" و"ألعاب ممنوعة" يعود
الفضل فيها الى كتّاب السيناريو".
من ناحية منهجية، الأفلام التي انجزت في فرنسا بين عامي 1958 و1960 هي
التي اطلقت "الموجة". فجأة، راحت الكاميرا تجوب الشوارع، محملة على الكتف،
بلا اضاءة أو أداء بصري منقّح. الـ16 ملم، المعدات الخفيفة، هذا كله اتاح
معالجة حرة للسينما. صار "السيد لا أحد" نجم الفيلم المطلق، والمخرج بطله
الأوحد، يجرب، يرتجل، يعترض على الأوضاع القائمة، مع سياق درامي او من
دونه. يمنح اطراف حوار للممثلين في اللحظة الأخيرة، قافزاً فوق أسوار
المعوقات الانتاجية والتمويلية، مؤسساً دوغما عصرية وجذابة، تقول هموم
اللحظة بديناميكية حادة. كانت رؤوسهم في هوليوود عند هيتشكوك وهوكس،
وأقدامهم مرسخة في واقعية روسيلليني وبسيكولوجية برغمان وجرأة لانغ.
بدت هذه المرحلة كأنها ذاهبة الى المزيد من الأنسنة بعيداً من
الكاثوليكية والوصايا العشر ومبادئ العلم الثلاثي اللون، في رعاية وزير
الثقافة انذاك أندره مالرو، الذي كان يحرص على تدبير أمور الشباب. جان بول
بلموندو، آنا كارينا، جان سيبيرغ، جان بيار ليو، برناديت لافون، جان مورو،
جان كلود بريالي، هؤلاء كانوا الوجوه المشرقة لحقبة استثنائية. جسّد هؤلاء
المقلب الآخر لما كان يُعرف بـ"الفتى الأول". أما النساء، فهنّ "أنتي" نساء
بشعرهن القصير واهمالهن مظاهر الأناقة الجامدة. في بلموندو وكارينا وجد جان
لوك غودار، انذاك في التاسعة والعشرين، انعكاساً لذاته، في حين توحد تروفو
مع ليو، عاثراً فيه على نموذج.
اللقطات بدأت تجتاح الشاشة بالطريقة نفسها التي تغزو فيها الأفكار
المخيلة: بلا فرز وبعفوية مستفزة. الخيارات الاخراجية صارت تنم عن رغبتين
أساسيتين، الاصطدام بالذائقة العامة وطرح بدائل جديدة. غودار حذف المساحات
البيضاء في الحوارات، وكريس ماركر جمّد الصورة واكتفى بتعليق صوتي لبلورة
الحوادث في "الرصيف" (1963). لم يعد الموضوع هو الذي يضمن انضمام اي مخرج
الى صفّ المؤلفين بل مفهومه للاخراج الذي عليه ان يربط مجمل عمله. هذا
النهج حمل عنواناً فضفاضاً: سياسة المؤلف.
تاريخياً، كلود شابرول (1930) هو مَن اطلق "الموجة"، وإن يكن جاك
ريفيت هو مَن أنجز "ضربة الراعي"، منذ عام 1956. باكورته "سيرج الجميل"،
عام 1958، اقتباس اسلوبي لروسيلليني (اضاءه مدير التصوير المعتمد لدى
"الموجة" هنري ديكا)، انجزه بعدما نال ارثاً عائلياً. حقق الشريط نجاحاً
جماهيرياً، تلاه بعد سنة "أولاد العم"، ما أتاح له أن يمد يد المساعدة الى
اريك رومير وجاك ريفيت لصناعة أفلامهما. الى جانب هؤلاء كان فرنسوا تروفو
وجان لوك غودار وآلان رينه وأنييس فاردا وجاك دومي، وأيضاً جاك دونيول
فالكروز، مؤسس "دفاتر السينما" مع اندره بازان، والأخير كان "الأب الروحي"
لهذه الحركة النشطة. أطلق على هؤلاء تسمية "الأتراك الشباب". قوامهم
السينيفيلية الأكولة التي تتيح الاستطراد في ذكر ريبيرتوارات سينمائية
كاملة والتماهي مع هواجس السينما الأميركية. بعد شريط شابرول، اثنان آخران
صدرا، وسرعان ما ارتقيا الى مصاف التطويب السينمائي: "مخطوف النفس" لغودار
و"مجون الصبا" لفرنسوا تروفو.
كان هناك اصطفافان: أولئك الذين ينحدرون من عائلة النقد، والآخرون
الذين سبق لهم أن أنجزوا افلاماً قصيرة. أربعة عقود قبل "دوغما 95" للارس
فون ترير، تحوّلت "الموجة" مؤسسة سينمائية راديكالية وبنت مجدها على عمليات
اقصاء منظمة للرعيل الثاني من المخرجين الأكاديميين. واظب الشباب على محو
معظم من كان يعمل قبلهم في ما يشبه الهولوكوست السينمائي. لم تكن هذه
الزمرة تعلم آنذاك انها تغيّر مجرى هذا الفن وتضع مانيفستو لسينما الغد.
العائلة راحت تكبر وبات لها أولاد روحيون في جميع انحاء العالم، ومنهم
مَن يعتبر الـ"موجة" حبل السرة الذي يربطهم بالسينما. انتهت المغامرة، بعد
مضي أصحابها في مشاريعهم، التي تناقضت أحياناً مع ما كانوا ينشدون اليه (تروفو
مثالاً في بعض أفلامه)، لكن استيتيكياً، لا يزال الأقارب هنا: آرنو
ديبليشان واندره تيشينيه وبونوا جاكو وأمثالهم في فرنسا، جيمس غراي
وسكورسيزي وأشباههما خلف الأطلسي. مع مرور الزمن، برزت الاختلافات بين هذا
المخرج وذاك. مَن كان على ضفة سينما شكلانية أكثر منها اعتراضية، لم يبقَ
في الضرورة في مكانه.
حين التقينا العجوز ألان رينه في باريس ذات شتاء من عام 2007، (في
الرابعة والثمانين آنذاك) هذا ما قاله لنا: "لم استطع يوماً ان انصهر في
"الموجة الجديدة"، لأننا لم نكن كلنا من الجيل نفسه. أهميتها في انها كانت
تؤمن بأنه اذا احب الفنان السينما، فهذا قد يكفي لاطلاق المجازفة".
بعد "أولاد العمّ"، لم يستمر شابرول، اليساري الهوى، في اطعام سينماه
بأفكار "الموجة" وسلوكياتها، بل كان لها دوماً في المرصاد مديناً تجاوزاتها
وتعصبها. وظلّ لسنوات طويلة الرابط الأساسي بين كل أطيافها بحكم طبعه الحسن
وجنوحه الى السخرية وعدم قبض نفسه على محمل الجد واللامبالاة الخلاقة. لم
يتوان، لأسباب محض مادية، عن انجاز أسوأ الأفلام وأفضلها، هذا كله بعيداً
من القيم الجمالية التي قامت عليها "الموجة".
غودار، وبعد أكثر من نصف قرن على انطلاقته في السينما، لا يزال الـ"غودار"
الذي عرفناه مع تعديلات هنا وهناك. كان يؤمن بأن السينما "24 مرة الحقيقة
في الثانية الواحدة"، فصار يقول انها "الكذبة 24 مرة". انصاره يستمرون في
اعتباره المخرج الذي خلق السينما مراراً، وكل فيلم جديد له ساهم في عدم موت
السينما. في كل حال، النصّ الغوداري يعرف كيف يدافع عن نفسه!
في المقابل، اتُهم تروفو انه يختار اشكالاً سينمائية حاربها حين كان
ناقداً في "دفاتر السينما". في افلامه ذات المنحى الاستعراضي، وجده البعض
كلاسيكياً على نحو لافت. ففي حين كان الآخرون متمسكين بقطع التواصل السردي،
كان يظهر انحيازاً الى الخط الدرامي. وفي حين كانت السينما الشابة تؤكد
انحطاط الشخصية وموتها، صارت أفلامه تمجد الكاراكتير، وكان هو مصراً على
اعادة احياء ايقونات ذات مواقع متقدمة في خريطة المجتمع الفرنسي، من اديل
ابنة فيكتور هوغو الى انطوان دوانيل، فالولد البريّ.
الأفلام المعروضة
اليوم :
"تقديم أو شارلوت وقطعة الستايك" لأريك رومير،
قصير (1951).
"سيرج الجميل" لكلود شابرول (1958).
الجمعة 20 :
"اطلقوا النار على العازف" لفرنسوا تروفو (1960).
السبت 21 :
"باريس لنا" لجاك ريفيت (1961).
الأحد 22 :
"كليو من الخامسة الى السابعة" لأنييس فاردا
(1962).
الإثنين 23 :
"مورييل أو زمن العودة" لألان رينه (1963).
الثلثاء 24 :
"مظلات شيربور" لجاك دومي (1964).
الأربعاء 25 :
"ألفافيل" لجان لوك غودار (1965).
¶ تبدأ العروض الساعة 20:00. كل الأفلام مترجمة الى الإنكليزية ما عدا
"باريس لنا".
فضّلوا انعكاس الحياة على الحياة نفسها!
هـ. ح.
سينيفيلية
في "مجون الصبا" (1959)، يبرر انطوان دوانيل (ليو) غيابه عن المدرسة،
باختلاق كذبة، قائلاً لأستاذه ان والدته توفيت. في العودة الى طفولة تروفو
نرى انها حافلة بالقصص المشابهة. وجد ملجأ في المطالعة والسينما التي كان
يدخلها خلسة، مرة من الباب الخلفي ومرة أخرى من النافذة. طفولته المهمشة
التي أمضاها متشرداً في الصالات المظلمة أنارت حياته لاحقاً على غرار بطله.
"التهم" تروفو مؤلفات بالزاك، وهرب من المدرسة للمرة الالف، وسرق آلة
كاتبة، فقاده والده الى المخفر، حيث بقي سجيناً يومين قبل احالته على مركز
لتأهيل القاصرين. في غضون ذلك، كان تروفو أسس نادياً للسينما اسمه "دائرة
سينمان" في "الحيّ اللاتيني"، ووطّد علاقته بكبير النقاد اندره بازان الذي
أصبح بمنزلة أب روحي له، وأخرجه من السجن ووفّر له فرصة الكتابة النقدية في
مجلته "عمل وثقافة". سؤال واحد شغل باله أكثر من 30 عاماً: هل السينما أهمّ
من الحياة؟ اعتبره الاميركيون احد كبار الفن السابع في العصر الحديث، واسند
اليه سبيلبرغ في فيلمه "لقاء العنصر الثالث" دور العالم الفرنسي، من شدة
اعجابه بأفلامه. كان يقول انه يجب الا يسيطر الفنان على عمله، فعليه ان
يكون تارةً "الله"، وطوراً مخلوقاته.
نساء
كان تروفو يعتبر أن السينما "فنّ أن نفعل أشياء جميلة لنساء جميلات".
في حين ردد زميله غودار باستمرار: "فتاة وفي يدها مسدس تكفي لصنع فيلم".
الاثنان عاشرا اروع النساء (كارينا، آردان، الخ) وافلامهما لم تستقطب يوماً
الشخصيات الذكورية (الـ"ماتشو") التي وظفها جزء كبير من السينما الأميركية.
عندما يتوجه بلموندو في "بيارو المجنون" مباشرة الى الكاميرا ليقول "اذا لا
تحبون البحر، اذا لا تحبون الجبل، اذا لا تحبون المدينة، فتباً لكم"، لا
يُمكن اعتبار المسألة مرجلة، بل محض امتحان لنسبة الحرية اللفظية. من
الأفكار اللافتة لدى غودار، جعلُ جان سيبيرغ تقبّل شريكها بلموندو في
"مخطوف النفس"، وهو يضع سيكارة في فمه، ليعود ويكرر حالة مشابهة لهذه
الحالة بعد 31 عاماً على الفيلم الأول، اذ نرى دوميزيانو جيوردانو تلفّ فم
ألان دولون بقماشة بيضاء ثم تقبّله من خلال القماشة. كان ذلك في فيلم "موجة
جديدة". أما تروفو، فجاء بفكرة مغايرة للقبلة، اذ بعدما وضع دوبارديو فمه
فوق فم فاني آردان في "امرأة الجوار"، غابت الأخيرة عن الوعي.
طوباوية
الطوباوي اريك رومير كان أكثر اركان "الموجة" ثقافة وابهة، واقلهم
ارتياداً للصالات، في المرحلة الاولى من حياته. في هذا الاطار، ثمة مصادر
تقول انه من عمر الخامسة الى العاشرة لم يشاهد الا فيلماً واحداً، هو "بن
هور" في نسخته الصامتة، أما بين العاشرة والسابعة عشرة، فشاهد فيلمين
ناطقين فقط! لكنه عاد وعوّض عما فاته، عندما بلغ الخامسة والعشرين، حينها
بدأ يرتاد السينماتيك الفرنسية حيث اكتشف كلاسيكيات السينما الصامتة، من
غريفيث الى مورنو فأيزنشتاين، ولكن أيضاً كيتون وشابلن. وسرعان ما استل
القلم للكتابة، بدءاً من 1946، ومن أول مقالاته: "السينما، فن المساحة".
لكن تقربه من اندره بازان في منتصف الخمسينات أتاح له ان يأخذ الكتابة على
محمل الجدّ، وصولاً الى ترؤسه "دفاتر السينما" عام 1957، التي كانت "المطبخ
الحقيقي" للموجة.
جان دوجاردان يتحوّل إلى "جان فرام دا غاردن" في هوليوود!
في مطلع الألفية الثالثة، كان القفّال جان دوجاردان، البالغ الأربعين
اليوم، يتخبط في اسكتشات مسرحية وحلقات تلفزيونية من سبع دقائق اسمها "شاب،
فتاة"، عُرضت يومياً على التلفزيون الفرنسي لمدة أربعة أعوام. تولّيه بطولة
"بريس دو نيس" (2005)، الذي استقطب نحو خمسة ملايين مشاهد في فرنسا، جعل
الناس تلتفت اليه، لكن الآراء ظلت في معظمها سلبية تجاهه، لا سيما في
الصحافة الجادة. لُقّب بالمهرّج والخفيف، لكن قدراً آخر كان يبتسم له.
وتجلت الصورة ما إن اسند ميشال هازانافيسيوس اليه دور العميل الكاريكاتوري
في سلسلة "أو أس أس". فجأة راحت الاطراءات تنهال عليه رافعةً من شأنه.
وكانت النتيجة أن رُشح للسيزار عام 2007.
في أيار الماضي، نال دوجاردان جائزة التمثيل في كانّ عن اضطلاعه بدور
جورج فالانتاين في "الفنان"، ومطلع هذا الاسبوع مُنح جائزة "الكرة الذهبية"
لأفضل ممثل، وها انه صار تلقائياً أحد أقوى المرشحين للأوسكار، وبات اسمه
في أرض الميعاد "جان فرام دا غاردن"، واستضافته الحلقات التلفزيونية. لو
اقتبس مخرجٌ حكاية مماثلة، لكان اتُهم حتماً بالسطحية والرداءة، ولما كان
أحدٌ صدّقها.
في "الفنان" يرقص دوجاردان الكلاكيت، ويقترح علينا إحدى أجمل ابتسامات
السينما، ويحيلنا على أمراء الأسود والأبيض، من باستر كيتون الى دوغلاس
فيربانكس. في المقابل، من المنطق أن نسأل: ماذا بعد هذا الغزو؟ كثيرة هي
الأسماء الفرنسية التي لمعت في فضاء هوليوود، ثم عادت أدراجها. لنتذكر،
تمثيلاً: سيمون سينيوريه، ماريون كوتيار، جولييت بينوش، موريس شوفالييه،
شارل بواييه. اخراجاً: كلود لولوش، ريجيس فارنييه، رينه كليمان، لوي مال،
كوستا غافراس. موسيقى: موريس جار، ميشال لوغران، جورج دولورو. كل هؤلاء
نالوا أوسكارات. هل يعيش دوجاردان سقوطاً مدوياً مثل ذلك الذي يصيب جورج
فالانتاين في "الفنان"، بعد استيقاظه من الحلم، أم أن الحياة لا تقلّد
الفنّ الا عندما تريد؟
أياً يكن، 2011 كان عاماً موفّقاً للسينما الفرنسية. الفرنسيون
توافدوا بكثرة الى السينما، على نحو فاق التوقعات، بعدما وجدوا فيها ملاذاً
آمناً من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بأوروبا منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
فالتقارير الصادرة عن المركز الوطني للسينما تشير الى ايرادات قياسية لم
تبلغها الصالات الفرنسية منذ 45 عاماً، اذ شهدت ارتفاعاً في الارتياد نسبته
4 في المئة مقارنة بعام 2010، بحيث بلغ عدد التذاكر التي بيعت مئتين وخمسة
عشر مليوناً، وأكثر من ثلث هذه البطاقات لأفلام فرنسية، في مقابل الثلث
الثاني لأفلام أميركية. هذا كله، يدل على عافية تتمتع بها السينما منذ بضع
سنوات في فرنسا، وهي البلد الأول في أوروبا، وفي مناطق كثيرة من العالم،
قدرةً على مواجهة انتشار السينما الأميركية والوقوف أمام هيمنتها. أكثر من
40 في المئة من الأفلام المعروضة في الصالات الفرنسية كانت فرنسية،
والاقبال عليها ارتفع بنسبة 22 في المئة. وتخطى 20 فيلماً فرنسياً عتبة
المليون متفرج. أما "منبوذون" لأريك توليدانو وأوليفييه ناكاش، فتحول ظاهرة
حقيقية، مستقطباً ما يزيد على 16 مليون مشاهد. الفيلم كوميديا عن صداقة غير
تقليدية تنشأ بين رجل فرنسي ثري (فرنسوا كلوزيه) وشاب أسود من الضاحية (عمر
سي). عمل مسلٍّ، لا محفز له سوى الاضحاك بأقل قدر من الحماقة، يُعرض حالياً
على شاشاتنا المحلية.
النهار اللبنانية في
19/01/2012
وثائقي عن القنابل العنقودية في لبنان:
«الموت
في الحقول»
يفوز بجائزة أسترالية
ترجمة جنان جمعاوي
فاز الرسام الصحافي
اللبناني الأصل باتريك شباط، وزميله ماركو ديلامولا، بالجائزة الأولى لفئة
«البيئة»
خلال مهرجان للأفلام الأسترالية، على
فيلمهما الوثائقي التفاعلي «الموت في الحقول»،
الذي يعالج ما أسمياه «البذور المعدنية»، أو القنابل العنقودية.
بفوزهما، سيحصل
شباط وزميله على ألف دولار أسترالي، بحسب ما ذكرت صحيفة «لوماتان»
السويسرية، وذلك
إلى جانب منحهما الجائزة الأولى لفئة «غرين فليكز»، ، خلال مهرجان «فليكر
فيست»
الحادي والعشرين «للأفلام الدولية القصيرة»، الذي أقيم في سيدني.
ويعالج «الموت
في الحقول»، على مدى 12 دقيقة، وهو تحقيق بالرسوم المتحركة، مسألة «أثر
القنابل
العنقودية على سكان الجنوب في لبنان».
ويقول شباط، لـ«لوماتان» أنه في لبنان
«بلد
الزيتون والزعتر واللوز، تم حصد البذور، لكنها بذور معدنية ولا تعطي
الحياة،
بل تسلبها، هي القنابل العنقودية».
وروى الشاب «عدت إلى لبنان بعد عامين ونصف
عام من انتهاء الحرب على لبنان في تموز 2006، لأعاين كيف يعيش
الناس تحت خطر»
القنابل العنقودية، منطلقا من «سبب شخصي»، فجزء من عائلتي يتحدر من لبنان،
وأتذكر
كيف طبعت في ذاكرتي حكايات عن حرب تموز الوحشية، وكيف تفجرت القنابل
العنقودية في
الأيام الثلاثة الأخيرة من الحرب».
وتابع شبّاط ان «الحرب حطّت أوزارها في آب
2006، لكنها لم تنته في الحقيقة. لا يزال شعب بكامله
واقتصاد برمته يعاني من مخلفات
هذه الحرب».
وأوضح الشاب أن «ما أريد أن أرويه هو قصة تمس الناس جميعاً، فضلاً
عن أنني أهتم بالأخبار وخصوصاً وضع الناس في خضم هذه الأخبار»، مشدداً على
أنه يريد
أن يثير اهتمام الناس بشأن «نزاعات منسية»، آملاً أن «نواصل
إلقاء الضوء على هؤلاء
الضحايا».
ورأى شبّاط أن «الرسم لغة سهلة، وأعتقد أنه في وسط هذا الزخم الهائل
من الصور الفظيعة والأفلام التي نشاهدها وتغرقنا يومياً، فإن الرسم يسمح
ببساطته
بأن يضع الإنسانية قبل الأخبار».
يتضمّن «الموت في الحقول» قصة لراعٍ يقول «كان
ابني يمشي في الأمام، وأنا كنت خلف الماعز، هو الدرب الذي
نسلكه يومياً. وفجأة
انفجرت قنبلة تحت قدمي».
ينقطع صوت العجوز، ثم تظهر شاشة سوداء كتب عليها: «عندما أنام، تؤلمني ركبتي، ركبتي التي لم
تعد هنا. أحس بها وهي تؤلمني، كما لو
أنها هنا».
السفير اللبنانية في
19/01/2012 |