سام قناطر، كما يسمونه بالولايات المتحدة الأمريكية، أو اسماعيل أبو
القناطر عندنا.. لم تكتشفه السينما المغربية إلا في السنوات الأخيرة.
شاهدناه هذا الموسم والموسم الماضي في أفلام "النهاية" لهشام العسري
و"ذاكرة من طين" لمجيد الرشيش و"حياة قصيرة" لعادل الفاضلي و" موشومة"
للحسن زينون. كما شاهدناه في أفلام تلفزيونية من إخراج عادل الفاضلي،"الصداقة"
و"حجر الواد"، ونوفل براوي، "رجل فوق الشبهات"، وعبد الرحيم مجد ، "أرض
الجموع"، وأعمال أخرى.
كانت انطلاقته الفنية من الدار البيضاء، مسقط رأسه سنة 1948، في عقد
الستينيات، أولا في إطار الأنشطة الموازية بمدرسة الحي الحسني الابتدائية
ثم في إطار الأنشطة المسرحية لوزارة الشبيبة والرياضة.
بعد ذلك التحق بالكونسرفاتوار البلدي (قسم المسرح والصولفيج والرقص)
ودرس إلى جانب عزيزسعد الله وخديجة أسد وآخرين وشارك كممثل في مسرحيات
"الغول" و"حقنا في الأرض".
وفي مطلع السبعينيات شارك إلى جانب طلبة الكونسرفاتوار في تأسيس فرقة
"مسرح الجيب" والقيام بجولة مسرحية بالجزائر. كما عمل بعد ذلك في مسرحيات
الطيب الصديقي "مقامات بديع الزمان الهمداني" و"سيدي عبد الرحمان المجدوب"
و"السفود"، وفي بعض السكيتشات التلفزيونية للمخرج الراحل حميد بن الشريف
إضافة إلى عمل درامي بعنوان "القرية المهجورة" رفقة خديجة أسد والشعيبية
العذراوي وثريا جبران وزهور المعمري.. وشارك كذلك مع المخرج عبد الرحمان
الخياط في مسرحية " درهم الحلال " إلى جانب نعيمة المشرقي وعزيز موهوب
وآخرين ، وفي فيلم تلفزيوني شخص دوريه هو ونعيمة المشرقي فقط وأخرجه زوج
هذه الأخيرة.
في سنة 1977 سافر إسماعيل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة فن
التشخيص، تحقيقا لرغبة دفينة في نفسه منذ مرحلة الطفولة، التي انطلقت فيها
مشاهداته للأفلام الأمريكية بالخصوص في قاعات مونديال ومونتي كارلو وغيرها
رفقة والده، تتمثل في حلمه أن يصبح ذات يوم ممثلا عالميا من عيار مارلون
براندو. وبالفعل التحق بإحدى الجامعات الأمريكية حيث درس لمدة أربع سنوات
السينما والرسم والنحث والهندسة والديزاين وحصل على الإجازة في السينما
(الماجور) وعلم النفس (المينور)، وعوض أن يندمج في عوالم السينما عاد إلى
المسرح هناك وأخرج أوشخص مسرحيات "يوميات أحمق" لغوغول و"كاليكولا " لألبير
كامو و"العرب الإسرائيليون: كتاب الطبخ ".
وقام بجولات ناجحة. كما وقف على خشبات أشهر المسارح التجريبية
والطليعية بنيويورك (مانهاتن) واشتغل مع مسرح " لاماما" المشهور عالميا ومع
فرق أخرى.
وتحت إلحاح الرغبة في ممارسة التشخيص السينمائي والتلفزيوني ذهب أبو
القناطر إلى هوليود في التسعينات إلا أن الطريق لم يكن مفروشا بالورود،
وعاد إلى ممارسة عشقه المسرحي من خلال مسرحية "شهرزاد وبنات بغداد الأربع"
التي عرضت بنجاح.
وفي إطار بحثه في حياة المسلمين بالأندلس، استعدادا لكتابة نص مسرحي
يكون بطله ماكبيت كمسلم أندلسي، تعرف على حركة التصوف بالأندلس وعلى الشيخ
الأكبر ابن عربي بوجه خاص فانكب على قراءة نصوصه وما كتب عنه.
ونتيجة لتأثره به قرر ترك مشروع مسرحية ماكبث جانبا والتفرغ لإنجاز
وان مان شو: ابن عربي" يستعرض من خلاله سفره من الأندلس إلى فاس والجزائر
وتونس وآسيا وصولا إلى موطن جلال الدين الرومي. وبدأ يقرأ عن هذا الأخير
وسافر معه في عوالمه، وفي الأخير استقر رأيه على إنجاز عمل مسرحي أول حول
جلال الدين الرومي وثان حول إبن عربي وثالث حول ماكبيث.
وأثناء انفتاحه على عوالم أقطاب الصوفية وجد أن ما يقوم به من بحث هو
في الحقيقة بحث عن ذاته هو، من خلال ما عاشه وشاهده من أشياء ، فانخرط في
عوالم التصوف وسافر إلى كراتشي واستمتع بموسيقى القوالي الباكستانية وتعلم
أشياء كثيرة . وقرر أن يؤدي فريضة الحج إلى الديار المقدسة، إلا أن صديقا
له نصحه بالزواج أولا، فعاد إلى المغرب وتزوج سنة 2000 ورزق من زوجته
البيضاوية بابنته الأولى سنة 2001 ثم بعد ذلك بابنة ثانية.
وبما أنه أصبح مسؤولا عن أسرة رباعية الأفراد تعيش تحت كنفه بالديار
الأمريكية (لوس أنجليس) تبين له أن العمل في المسرح وحده لم يعد كافيا ومن
هنا قرر الإنفتاح على السينما والتلفزيون ونقل تجربته المسرحية الطويلة
إليهما، وكانت البداية بمسلسل "هناك" وتلته سلسلات تلفزيونية أخرى، وفي
المغرب كان أول عمل تلفزيوني صوره تحت إدارة المخرج الشاب عادل الفاضلي هو
إحدى حلقات السلسلة البوليسية " لا بريكاد " وتلته أفلام تلفزيونية
وسينمائية.
ثلاثة أسئلة لاسماعيل أبو القناطر
·
السؤال الأول: من خلال الأفلام
المغربية التي شاهدناك فيها يبدو أنك ممثل من نوع خاص، لك أسلوبك الشخصي
وقيمتك وقوتك التشخيصية. وما نلاحظه هو عدم ظهورك بالشكل المطلوب في وسائل
الإعلام ، فجل المغاربة لا يعرفون الفنان المسرحي والسينمائي والتلفزيوني
إسماعيل أبو القناطر . هل هذا موقف منك ، لأنك لا ترغب في تسويق صورتك
إعلاميا، أم تترك أعمالك تتحدث عنك أم ماذا؟
جواب : في الشارع لا أتباها مع الآخرين.
عندما أنجز عملا فنيا أرغب في أن يروق للجمهور. لا يهمني أن يعرفني
الناس في الأماكن العامة. عملي هو الذي سيفرض احترامي كفنان عند الجمهور
وليس الظهور في وسائل الإعلام وغيرها. العمل الذي أقوم به أنا مقتنع به
أولا، وكل دور سأشخصه أكون عاشقا له قبل تنفيذه وعندما أشرع في إنجازه أشعر
بمتعة. المعاناة أثناء التصوير والتدريب وغير ذلك شيء يمتعني لأنني أقوم
بعمل أحبه وأعشقه وأجد ذاتي فيه، وتلك المتعة التي أشعر بها أثناء ممارستي
لفن التشخيص تنتقل إلى الشاشة. وإذا استطعت أن أجعل المتلقي لأفلامي يتمتع
وهو يشاهدني في دور من الأدوار ، كما تمتعت وأنا أشخصه، أكون قد نجحت في
مهمتي .
·
السؤال الثاني : هل شروط العمل
الفني في المغرب وفرت لك فرصا كافية لإظهار قدراتك التشخيصية؟ هل ما شاركت
فيه من أعمال تعتبره كافيا أم أنك تنتقي الأدوار التي تناسبك؟
جواب : معلوم أنا أختار، فتجربتي في المسرح هي الرصيد الذي جئت به،
واعتمادا عليه أشتغل في السينما والتلفزيون . المسرح مقدس بالنسبة لي. لا
أشتغل من أجل الخبز وحده وإنما لأعيش وفي نفس الوقت أمتع نفسي والآخرين .
إذا عرض علي دور لا يناسبني أقول بكل احترام: لا أي أرفضه. أنا أريد أن
أشتغل في أعمال أحبها أولا
·
السؤال الثالث : كيف تنظر إلى
واقع التشخيص حاليا بالمغرب ؟
جواب: هناك ممثلون ظلوا في أماكنهم، لم يتطوروا ، تصدر عنهم نفس
الحركات إلى درجة أنهم أصبحوا نمطيين . لماذا ؟ لأنهم يدعون المعرفة ولا
ينصتون إلى ملاحظات الآخرين وانتقاداتهم ، فهم يجترون ما تعلموه في بضعة
أيام عندما كانوا في سن العشرين ، وهذا أمر محزن . لكن بالمقابل نجد ممثلين
آخرين متميزين أمثال محمد بسطاوي وبنعيسى الجيراري وغيرهما ، لهم حساسيتهم
وتواضعهم وأنا أحبهم كثيرا.
عين على السينما في
19/01/2012
الروس قادمون:
هل يصبح 2012 عام عودة الدب إلى الشاشات؟
كان متوقعا أن يصبح الممثل فلاديمير فيسوتسكي سييمونوفيتشس، بشعبية
الهائلة خلال الحقبة السوفيتية، وهو المغني والشاعر والممثل ورجل الاحتجاج
على النظام، م الشخص الوحيد الذي يتصدر المشهد عند ظهور فيلم سيرته
الذاتية.
الحملة التسويقية لفيلم "فيسوتسكي.. الحمد لله أنني على قيد الحياة"،
الذي افتتح في الأول من ديسمبر 2011 ، أخفت بدهاء هوية الممثل الذي سيلعب
دور البطولة في الفيلم الجديد الذي ارتدى قناعا تكلف 30 الف دولار لاعادة
احياء صورة بطل قومي (وصف بأنه خليط من جون لينون وجيمس دين ولكن ربما اقرب
الى بوب ديلان).
الغموض يلف داخل لغز المنشق السياسي، إلا أن الروس جعلوا من الفيلم
الأعلى من حيث الايرادات المحلية لعام 2011 (فقد حصد حتى الآن 28 مليون
دولار). وحتى أوائل ديسمبر، لم يكن هناك فيلم واحد روسي ضمن قائمة العشرين
فيلما الأعلى في الايرادات في السوق الروسية.
الفيلم الذي كان يتوقع أن يحقق أعلى الايرادات كان الفيلم الروسي
"حقته الشمس 2" للمخرج الشهير نيكيتا ميحالكوف، الذي تكلف 40 مليون دولار
واعتبر أكثر الأفلام الروسية تكلفة من تاريخ السينما الروسية. إلا أنه عند
بدء عروضه في شهر مايو الماضي، سرعان ما سقط في السوق.
أفلام هوليوود لاتزال تكتسح السوق الروسية المتصاعدة في ايراداتها
والتي تحقق طفرة غير مسبقوة منذ منتصف التسعينيات، ولم يحدث أن تربع فيلم
روسي على قمة الايرادات من فيلم "سخرية القدر" عام 2007.
بعد عام من ذلك جاءت الأزمة العالمية الاقتصادية آنا كوكورينا، نائبة
رئيس الإنتاج في شركة فوكس الدولية. "لقد أصيبت روسيا أكثر من غيرها.. أنا
أعرف الكثير من الأفلام التي كان من المفترض أن تحقق خمسة أو ستة أو سبعة
ملايين دولار لكنها لم تحصل سوى على مليونين فقط .. ونحن لا نزال نرى بعض
هذه الأفلام في دور العرض".
كان تأثير الأزمة المالية شديدا، فقد أوقف الطفرة التي حققها شباك
التذاكر في روسيا وكان هناك انخفاض حاد في 2009 بعد ان كان هناك نمو متصاعد
من عام 2000. وانخفض الانتاج المحلي من 220 الى 70 فيلما بين 2008 و 2009.
لكن لم يكن مدهشا ان هوليوود استفادت من هذا الانخفاض. ومن السهل ان
نصفها بأنها الشرير الا ان كوكورينا ترى أن وجود الافلام الامريكية لا يجب
ان ينظر اليه على انه احتلال للسوق بل تحدي. وأنه يتعين على منتجي السينما
في ؤروسيا الاعتراف بهذا وأن ينتجوا أفلاما أفضل.
وهي نقول ان وحدة الانتاج التابعة لفوكس التي هي مسؤولة عنها تفعل هذا
بالضبط، انها تستثمر في عدد من الافلام الناطقة بالروسية المحدودة التكاليف
والتي تتوجه لمشاهد أكثر وعيا.
روسيا ، كما اعتادوا القول، هي العملاق النائم: انها بالفعل السوق
السينمائية السابعة الاكبر في العال مرغم قلة عدد دور العرض في روسيا
مقارنة بالبلدان التي تسبقها (في روسيا حوالي 2500 دار للعرض السينمائي،
مقارنة بـ 40000 في الولايات المتحدة). ستكون المنافسة شرسة هناك على جمهور
السينما: هوليوود ، التي لا تزال تتقدم بأفلامها الممولة جزئيا محليا
والناطقة بالروسية، والصين والمانيا، اللتان تطمحان الى الانتاج المشترك.
والجميع يعلمون أن المنافسة ستكون شرسة.
عين على السينما في
19/01/2012
«كليوباترا»
لجوزف مانكفيتش:
هل يكون حظّ
انجيلينا أفضل من حظّ اليزابيث؟
إبراهيم العريس
تفيدنا آخر الأخبار السينمائية ان النجمة الهوليوودية آنجيلينا جولي
قد وقّعت
عقداً مع احد اكبر الاستوديوات الهوليوودية للقيام بدور كليوباترا في فيلم
تاريخي
ضخم جديد يزمع هذا الاستوديو الإقدام على انتاجه خلال العام الجديد البادئ
لتوّه،
على ان يكون واحداً من اضخم الأفلام التي تظهر خلال الشهور المقبلة. ومن
الواضح انه
يفترض بهذا الخبر ألا يفاجئ أحداً. أولاً لأن الفاتنة
الهوليوودية تبدو بجمالها
وشخصيتها واندماجها في «الحياة الشرقية» من خلال كونها سفيرة للأمم
المتحدة، من
اكثر الفنانات اقتراباً من شخصية ملكة الإسكندرية القديمة، وثانياً لأن
الحقبة التي
نعيشها باتت تفتقر الى رومانسية لا بد من استعادتها... وهل
هناك ما هو اكثر
رومانسية من حكاية كليوباترا؟ وثالثاً - وهذا الأمر يبدو شديد الأهمية
ناهيك بحمله
للتناقضات - التي سنفصّلها في ما يأتي - نعرف انه لم يحقق فيلم سينمائي
حقيقي عن
كليوباترا منذ عقود طويلة. وهنا مكمن التناقضات في رأينا... حيث اننا نعرف
ان
الفيلم الأخير الذي حقّق ضمن الإطار الهوليوودي عن الملكة
المصرية، يعتبر حتى يومنا
هذا واحداً من اكثر الأفلام إخفاقاً في تاريخ الفن السابع. وهو حتى اليوم
يتصدّر
قائمة الشرائط الأكثر خسارة في تاريخ السينما الجماهيرية. لقد بدت خسارة
الفيلم يوم
عرض كاللعنة غير المبررة، ما ادى منذ ذلك الحين الى توقّف المنتجين
والمبدعين معاً
عن التفكير - مجرد التفكير - في تحقيق اي فيلم جديد عن كليوباترا. ومع هذا
يقول لنا
تاريخ السينما العالمية انه لا يحصى عدد الأفلام التي كانت حققت عن
كليوباترا نفسها
منذ الأعوام الأولى لولادة الفن السابع وحتى بداية سنوات
الستين من القرن العشرين
حين حقّق هذا الفيلم الذي نحن في صدد الحديث عنه هنا. والسؤال المطروح
حالياً على
هذا الصعيد وإذ انتشرت أخبار توقيع آنجيلينا جولي عقد الفيلم الجديد هو: هل
الفيلم
الجديد سينسف اللعنة ام ان السينما تخوض مغامرة غير محسوبة؟
بمعنى ان حظ النجمة
الشابة لن يكون افضل من حظّ سابقتها اليزابيث تايلور التي كانت قامت في
«كليوباترا»
القديم بدور الحسناء الملكية المصرية؟
طبعاً لن يمكن احداً الإجابة عن هذا السؤال
قبل انجاز الفيلم الجديد وعرضه. وهنا، في انتظار ذلك قد يكون
من المفيد العودة الى
الفيلم السابق.
>
سمعته إذاً تقوم في أنه واحد من أكثر الأفلام إخفاقاً وخسراناً
في تاريخ
السينما العالمية. بل إنه يوضع، عادة، في المكانة الأولى في أي لائحة تضم
أسماء
الأفلام العشرة التي كادت تودي بأصحابها الى الإفلاس أو هي أفلستهم بالفعل.
وحتى
اليوم لا يزال كثر من المؤرخين وأهل السينما يسألون عن سرّ ذلك
الفشل الذريع الذي
طاول، أواسط سنوات الستين من القرن الفائت، فيلماً كان كل ما هيّئ له وأنفق
عليه
يشي بأنه سيكون فيلماً كبيراً من الناحيتين التجارية والنقدية. والأدهى أن
النوع
السينمائي والتاريخي الذي ينتمي اليه هذا الفيلم ندر أن شهد
إخفاقاً لمنتوج أنتجه.
ففيلم «كليوباترا»، يتحدث عن حقبة من تاريخ مصر القديمة، من طريق حكاية
الملكة
الشهيرة وعشقها لمارك أنطونيو، في مدينة الاسكندرية. ونعرف ان الهوس الغربي
عموماً،
بكل ما يمسّ تاريخ مصر القديم، منذ الفراعنة وحتى عصر مكتبة
الاسكندرية على الأقل،
كان معمّماً، وكان عمره، في ذلك الحين قد زاد على القرنين. إذ منذ حملة
بونابرت على
مصر، ومنذ كتاب «وصف مصر» ومنذ اللوحات الرومانسية، وضروب الأدب الرائع
والغني الذي
كتب عن مصر في شتى اللغات الأوروبية، كان الجمهور العريض يقبل بشغف على كلّ
ما
يقدّم
اليه ممهوراً بالصور والأجواء المصرية. وقد نذهب بعيداً هنا ونقول انه لولا
هذا الهوس بمصر وتاريخها لما كانت مسرحية شكسبير «أنطوني وكليوباترا» حققت
كل ذلك
النجاح الذي حققته. وفي القرن العشرين، مع ظهور فن السينما،
كانت لمصر القديمة في
هذا الفن حصة كبيرة، عبر أفلام تدور إما حول بناة الأهرامات أو حول
المومياء أو حول
كليوباترا نفسها. وتيدا بارا، إحدى ألمع نجوم السينما الصامتة في هوليوود
جعلت هذا
الاسم الذي اتخذته لنفسها تحريفاً لكلمة «آراب ديث» (أي «موت
عربي») تيمناً بمصر
القديمة وكذلك بكليوباترا التي مثلت دورها وارتدت ما خيّل اليها انه ثيابها.
>
فكيف والحال كذلك، عرف «كليوباترا» الذي نتحدث عنه هنا، كل ذلك
الإخفاق؟
وكيف أدّى الى خسارة الشركة التي انتجته عشرات ملايين الدولارات وكاد يقضي
على سمعة
عدد كبير من النجوم شاركوا فيه، من إليزابيث تايلور وريتشارد بورتون الى
ستيفن بويد
وبيتر فينش؟
>
لعل السبب هو «لعنة الفراعنة»... قال قائل. أو لعل السبب هو أن
مصر نفسها
كانت تعيش زمن تحقيق الفيلم عهد عبدالناصر الذي لم يكن ليلقى رضى في الغرب،
ما
انعكس سلباً على الفيلم، أو لعل ذلك الزمن كان زمن السينما الاجتماعية الذي
تضاءل
فيه، عالمياً، الاهتمام بالسينما التاريخية... قال آخرون. وفي
المقابل، قال عارفون
ببواطن الأمور، ان الأمر لم يكن لا هذا ولا ذاك. المسألة تكمن في الفيلم
نفسه إذ «لعل من الصعب أن يأخذ المرء على محمل الجدّ
فيلماً يتجول أبطاله الرجال طوال الوقت
وهم مرتدون التنانير القصيرة»... أو يحيّون بعضهم بعضاً على
الطريقة
الهتلرية...
>
الفيلم، إذاً، هو «كليوباترا»... الذي ينطلق، أصلاً، من مسرحية
شكسبير التي
ذكرنا ليحاول أن يروي ذلك الفصل التاريخي المشوق. ولكن، كيف يمكن القبول
بفيلم عن
كليوباترا، لا تظهر هذه فيه للمرة الأولى إلا بعد نصف ساعة من بدء الفيلم،
وفقط
لتبدأ باستعراض أثوابها فتغير ستة وأربعين ثوباً خلال ما تبقى
من زمن الفيلم؟
ولنلاحظ هنا أن الجملة الأولى التي تتفوه بها تلك التي كانت فاتنة الناس في
ذلك
الحين هي «ثانك يو» تلقيها بإنكليزية صارمة بدت وكأنها انكليزية مدرّسة
صفوف
ابتدائية. وبعد ذلك تتوالى المشاهد، وإذا بقيصر يظهر وقد
استبدّت به نوبة صرع
عنيفة. ثم إثر ذلك تظهر إليزابيث من جديد ولكن شبه عارية والخادمة تدلك لها
جسداً
كان من الترهل في ذلك الحين ما يجعله يحتاج حقاً الى تدليك. وإثر لقطة
التدليك هذه
يختلط الحابل بالنابل، تحترق مكتبة الاسكندرية، ثم تضع
كليوباترا التاج على رأسها
فيبدو مثل قطعة حلوى مقعرة. أما مارك انطونيو فلا يظهر إلا ابتداء من أول
النصف
الثاني من الفيلم... وهكذا تتوالى مشاهد هذا الفيلم العجيب، في شكل لا يعود
معه من
المستغرب أن يفشل، بل أن توضع على الرف، بعد فشله مشاريع «فرعونية» مشابهة.
>
لكن هذا لم يكن كلّ شيء ذلك ان تصوير الفيلم بدأ في لندن
بإدارة المخرج
روبين ماموليان... ولم ينته إلا في روما بإدارة جوزف مانكفيتش، الذي، على
رغم قوته
وأفلامه الجيدة، لم يتمكن أبداً من إنقاذ هذا المشروع. ذلك أن شهور التصوير
نفسها
كانت كالكوابيس، بين نزوات السيدة تايلور، وطرد ستيفن بويد وبيتر فينش من
تمثيل
الفيلم، والغزل والخيانات الزوجية بين الثلاثي المؤلف من
إليزابيث تايلور وزوجها
السابق وذاك الذي سيصبح زوجها الجديد اللاحق، ريتشارد بورتون. وفي خضم هذا
كله
توالت الاضرابات. إضراب الحلاقين ثم رجال الكومبارس، ثم هرب المنتج الأول
واستقالة
المنتج الثاني... وكان هناك نوم ريتشارد بورتون وشخيره ساعات
وساعات في بلاتوه
التصوير. وعلى هذا كله لخص مانكفيتش ما حدث بهذه العبارات المختصرة: «ان
هذا الفيلم
صمم بسرعة، وصور في شكل هستيريا جماعية، وأنجز وسط مناخ من الرعب الشامل».
>
اما الفيلم وكما سيقول عنه النقاد فينقسم قسمين: الحوارات
الشكسبيرية
الممطوطة والمعادة (80 في المئة من زمن الفيلم) والمعارك الحمقاء غير
المقنعة (وعددها 3 معارك)... وكانت النتيجة ليس فقط
واحداً من أكثر الأفلام إخفاقاً، بل
أسوأها حظاً وأدناها من ناحية مستواه الفني، وقيل يومها: أكيد أن كليوباترا
وشكسبير
كانا يستأهلان أفضل من هذا المصير. فهل يتجلّى اليوم هذا المصير الأفضل في
المشروع
الجديد؟
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
19/01/2012
سينمائي متجول يرسم البسمة على وجوه الإسكندرية.. يعرض
أفلاماً نادرة عن ثورة 1919 وخروج الملك فاروق وشارلي شابلن
كتب: الإسكندرية - محمد المالحي
يجوب محمد بندق شوارع الإسكندرية في وقت فراغه، حاملاً ماكينة عرض
سينمائي عتيقة وشاشة عرض ومجموعة من الأفلام السينمائية الأبيض والأسود
النادرة، يعرضها على المارة كبارا وصغارا.
بشغف وحنين ينتظره الكبار والصغار في شوارع وحواري مدينة الإسكندرية
المصرية، ويمتاز بطلته المميزة ومعطفه وقبعته الإنكليزية التي اعتادها
قاطنو المدينة الساحلية، إنه محمد بندق (40 عاماً) «سينمائي متجول»، وربما
كان حالة فريدة من نوعها في مصر والعالم العربي، حيث يجوب الشوارع في وقت
فراغه، حاملاً ماكينة عرض سينمائي عتيقة وشاشة عرض ومجموعة من الأفلام
السينمائية الأبيض والأسود النادرة 16 و35 ملم.
وبعض الأفلام «صامت» لأساطير صناعة البهجة في تاريخ الفن السابع، مثل
شارلي شابلن ولوريل وهاردي، والآخر «ناطق» لعلي الكسار وإسماعيل يس، وبعضها
لقطات وثائقية تحمل محطات مهمة في تاريخ مصر، يعرضها على المارة كباراً
وصغاراً، راسماً البهجة والسعادة على وجوههم ولنفسه أيضاً.
ورغم عدم تلقيه أي قسط من التعليم فهو يملك ذكاءً فطرياً، ولا يجد
غرابة في ما يفعله من عروض «سينما الشارع»، معلقاً: «السينما هي القوة
الناعمة القادرة على تغيير أي مجتمع وسلوك أفراده، وهي أيضاً وسيلة تربوية
وتعليمية خلاف المتعة والتسلية».
وأوضح: «أجد متعة في عرض الأفلام القديمة والنادرة بالشوارع، وأن ألمح
السعادة والبهجة في وجوه المتفرجين، وأرفض أن أتقاضى مقابلاً من المارة،
فتلك هواية صارت عشقاً، لذا رفضت عروضاً مغرية من أصحاب المقاهي المُطلة
على البحر بعرض الأفلام لزبائنهم، لأنني أؤمن بأن السينما ليست أداة
للتسلية بل رسالة».
وعن مصدر «ماكينات» العرض السينمائي والأفلام الموجودة لديه، وأندرها
قال بندق: «معظمها من الأسواق الشعبية الموجودة في مصر مثل سوق الجمعة
والسيدة عائشة وحي النحاسين بالقاهرة وأسواق تجار الخردة الذين يقومون
بشراء هذه الآلات دون علمهم بقيمتها».
وأضاف: «أقتني نحو 50 ماكينة عرض قديمة لأفلام 35 و16 ملم، منها
ماكينة ألمانية الصنع ماركة
zaiiz
عمرها يزيد على مئة عام، وأخرى أميركية ماركة جيمون منذ عهد السينما
الصامتة، وتعمل بالشمعة، وهي تعرض الصورة فقط دون الصوت».
وعن أندر الأفلام السينمائية التي يعرضها ذكر: «أفلام رواد الكوميديا
مثل شارلي شابلن ولوريل وهاردي وإسماعيل يس، لأنها مازالت تمنح السعادة
للكبار والصغار، بسبب العفوية والتلقائية الشديدة لأبطالها، إضافة لفيلم
نادر عن نشأة السكة الحديدية في مصر، وهو إنتاج إنكليزي يعود لعام 1935،
وفيلم وثائقي عن خروج الملك فاروق من مصر عام 1952، وفيلم نادر عن ثورة
1919».
الجريدة الكويتية في
19/01/2012 |